أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند حبيب السماوي - العراقيون...والهروب من الحرية !














المزيد.....

العراقيون...والهروب من الحرية !


مهند حبيب السماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 14:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شكلّت لحظة انهيار نظام صدام حسين وتداعي سلطته الدكتاتورية في عام 2003 نقطة تحول كبرى وخطيرة في تاريخ العراق المعاصر، دشنت، بشكل جلي، ومن خلال تمظهراتها المختلفة، مرحلة فارقة جديدة في حياة العراقيين تفجّرت، على أثرها، المكبوتات السياسية والاجتماعية والسيكولوجية التي كانت تخنق الإنسان العراق وتمتص وجوده الإنساني وتسحبه الى هاوية سلوك غير سوي مُحاط بقلق يتنامى كل لحظة من لحظات حياته.
وكانت " الحرية " باعتبارها " المُقدس الزمني للبشر " بحسب بولين، إحدى نتائج وثمار هذا السقوط المروع للنظام السابق، إذ انعتقت هذه الحرية من أغلالها التي كانت تُقيد كيانها المنسحق أصلا تحت أقدام الطغاة والممزق في أتون مهاوي سحيقة، لدرجة يمكن أن ينطبق عليه مقولة أتين دي لابويسيه حينما قال " إنه لأمر يصعب على التصديق أن نرى الشعب متى تم خضوعه، يسقط فجأة في هاوية من النسيان العميق لحريته إلى حد يسلبه القدرة على الاستيقاظ لاستردادها، ويجعله يسرع إلى الخدمة صراحة وطواعية حتى ليُهيَأُ لمن يراه أنه لم يخسر حريته بل كسب عبوديته".
ولكن هذه الحرية التي كانت مختبئة في مجهول الفرد العراقي مالبثت ، بعد سقوط النظام وانهياره، ان خرجت سافرة عن وجهها كاشفة عن جسدها سائرة ، من غير هدى، إلى فضاء واسع وشامل، غير محمود ومكشوف العواقب، من الفوضى واللانظام والعبث.
ولان هذه الحرية التي انعتقت وتم فك أسرها من سجن قيدها الخارجي لم تكن قد تولت مهمة تحرير ذاتها وكيانها بمفردها...لذلك لم تشعر مع هذا التحرر، بالتالي، بالمسؤولية والقدرة على تحمل النتائج المترتبة على الفعل التي تقوم به، بل كانت تلك الحرية، نتيجة العامل الخارجي الذي كان العنصر الجوهري في عتقها ، مساوية في، معناها ومضمونها ودلالاتها، للفوضى ومرادفة للعبث ومتساوقة مع اللامعقول .
هذا أدى بدوره إن تكون الحرية، بالنسبة للشعب العراقي، مدخل للشر والفوضى وحالة انعدام الأمن التي رافقت سقوط صدام وانهيار دولته الكارتونية، خصوصا والعراقيون لازالوا لحد الآن يعيشون وضعا أمنيا مترديا كان يقف وراءه عوامل عدة أهمها بقايا النظام السابق والجماعات التكفيرية الذين تقف معهم دول إقليمية تخشى من نجاح التجربة العراقية بالإضافة الى الخلل البنيوي في المؤسسة الأمنية وانتشار الفساد فيها .
موقف الشعب العراقي من الحرية والنتائج التي ترتبت عليها يعيد للذاكرة تجربة العالم النفسي والاجتماعي اريك فروم في كتابه الشهير" الهروب من الحرية" " Escape from Freedom – 1941 " اذ يمكن ان نقراءها وفقاً لمرآة ما مر به العراق بعد 2003 الذي عاش وجوديا مشكلة ثقل الحرية وتداعياتها الوخيمة على الشعب العراقي واسقراره واحساسه بالامان.
وهنا لابأس ان نعيد ونستذكر السؤال المهم الذي طرحه فروم في كتابه السالف الذكر حينما تساءل " هل يمكن أن تصبح الحرية عبئاً ثقيلا على الإنسان لا يستطيع تحمله.. وأمرا يحاول الهروب منه؟"
نعم نجيب بكل وضوح نيابة عن شريحة واسعة من الشعب العراقي، حيث أن المآسي التي مر بها الاخير وحجم الكوارث التي اصابته جعلته يشعر فعلا بثقل هذه الحرية وتبعات تشظيها في المجتمع على هذا النحو الفوضوي الذي مالبثت القيت بضلالها على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدماتية والامنية فيه بحيث احس المواطن، وعلى نحو مباشر وبقوة ، بالجانب المظلم والسيئ فيها.
فاذا كان الشعب العراقي قد تحرر من قيوده السابقة وأصبح الان حراً الا انه عاش ولحد الان حرية سلبية مكنته من التخلص من القيود والأطر الخارجية التي كانت تقف عائقا امامه، لكنه لم يصل الى الجزء الثاني والمكمل من الحرية وهي الحرية الايجابية التي من خلالها يظفر بتحقيق ذاته الفردية.
ونتيجة انعدام التوازن بين هذين الجانبين، كما يحلل ذلك فرم في كتابه ، لذا يشعر المرء بعدم الانتماء، وبالعزلة، والعجز، وعدم الأمن... وبالنسبة للمجتمع العراقي فان أكثر ماشعر بها المواطن هو عدم الأمن، وبناءاً على هذا ، يحاول المرء الهروب من هذه الحرية السلبية وهذا التحرر الوهمي الذي جعله غير آمنا على حياته ومصيره وقلقا وفي حالة لايمكن ان يطيقها ابداً.
وأمام فرد يعيش في ظل هذا الموقف خياران من وجهة نظر فروم لا ثالث لهما : إما الهروب من هذه الحرية إلى التبعيّات الجديدة والخضوع والاستسلام والرجوع لعصر سابق ، وإما التقدم إلى تحقيق الحرية بالمعنى الإيجابي التي تقوم على فرادة الإنسان وفرديته.... والشعب العراقي الذي يعد مصداقا لهكذا فرد لايمكن له ان يعود الى الخلف ولايبنغي ان يكون كذلك لكنه مطالب بالخيار الثاني المتعلق بتحقيق فرديته كما يقول فروم الذي صاغه صياغه فلسفية ربما تكون بعيدة عن فهم القارئ البسيط.
انا اقول ان على الشعب العراقي ان يعي مسؤوليته ودوره الحالي في صناعة مستقبله وقراره واستقرار بلده فلايكفي ان نعاتب القوات الامريكية او ان نلوم الحكومة العراقية على نقص الخدمات والامن الهش لديها، بل على هذا الشعب ان يواجه نفسه ويتحمل مسؤوليته الجسمية التي تقع على عاتقه وهو خارج من ركام مرحلة وداخل في مرحلة جديدة مختلفة تماما عما قبلها وفيها تحديات كبيرة ومشكلات جمة وليس من الممكن ازائها ان لايتحمل الشعب اي مسؤولية عن حلها ويلقي بالسبب وراء ذلك الى الحكومة الذي ينسى انه اختارها وسلمها بيده مفتاح المسؤولية.



#مهند_حبيب_السماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشة هادئة لمشكلة السيد خضير الخزاعي
- هكذا وصف فردريك نيتشه نفسه !
- ما هو ال Noetic Sciences ؟
- طير الزاجل بين المالكي وعلاوي !
- من هيفاء وهبي...إلى أسامة بن لادن !
- لكن...شيعة البحرين لا بواكي لهم !
- بنات العراق بلا رواتب ..أين حمرة الخجل ؟
- من يمثل سنة العراق ؟
- حذاء نسائي...خبر صحفي !
- زنكة...زنكة ليست عبارة للاستهزاء والتندر !
- هل فعلا سيذهب العراق إلى الجحيم ؟
- موظفون فيسبكيون عاطلون عن العمل !
- ثلاثة مواقف - فاضحة - للمملكة العربية السعودية !
- التظاهرات في العراق تفقد زخمها !
- صحافة الارتزاق وبؤس الثقافة الأمنية !
- هل تعي الحكومة العراقية ما ورد في بيان السيستاني !
- ليس بالديمقراطية وحدها يعيش الشعب العراقي !
- مُبارك واحد... خيرٌ من عشرين مبارك !
- المطربة بيونسي عذراء ..هل تعلمون !
- كربلاء وسيل التفجيرات الانتحارية !


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند حبيب السماوي - العراقيون...والهروب من الحرية !