أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -نيرون العرب- -: الإنتقال من الدكتاتورية إلى الإجرام في ليبيا وسوريا واليمن















المزيد.....

-نيرون العرب- -: الإنتقال من الدكتاتورية إلى الإجرام في ليبيا وسوريا واليمن


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما يحدث من ولوغ في دماء الابرياء ودك للمدن والمدنيين بالدبابات والجيش في ليبيا وسوريا واليمن ينقل توصيف السلطات الاستبدادية فيها من مرحلة الدكتاتورية الصارخة إلى الإجرام الدموي. الاستبداد والدكتاتوريات لها سمات يمكن تعريفها بها, ويمكن توقع سلوكها عبرها, إذ يقوم جوهرها على الحفاظ على الوضع القائم (الشعب, والنظام, والبلد) والتمترس به والتربع على رأس السلطة فيه. عندما تنتقل هذه الدكتاتوريات إلى تحطيم شعوبها, وبلدانها, وإراقة الدماء بلا هوادة, ودفعها إلى حرائق الحروب الاهلية فإنها تقفز إلى أقصى مراحل الطغيان: إلى الإجرام العاري الذي لا هدف له سوى الإنتقام واستدعاء الطوفان.
ليس الانتقال من مرحلة الدكتاتورية إلى مرحلة الاجرام بجديد في تاريخ البشرية, هذا مع اندراجها في منحنى متناقص الشواهد في الزمن الراهن بسبب لي ذراع الحكام الذي وفره التقدم في وسائل السياسة الجماعية والإعلام والتضامن العالمي وانتقال مفاهيم الحداثة والحرية السياسية. تاريخ البشرية يعج بأفواج الطغاة والدكتاتوريين في كل الحقب ممن تنافسوا في إبقاء اسماءهم "حية" كنماذج في البشاعة وفي انحطاط شريحة من الحكام إلى مراتب مدهشة في قمع شعوبهم والتحكم بها. بيد ان اعلى مرتبة من مراتب الدكتاتورية تتمثل في الاجرام العاري حيث تصل درجة سفك الدم بنية وقصد وعبر تبني أساليب وسياسات تعجز التحليلات التقليدية التي تحوم حول حب السلطة والتمسك بها عن تفسيرها. التشبث بالحكم "وحب الرياسة" ترافقا ونشوء التجمعات الإنسانية من فجر التاريخ. وصراعات البشر فيما بينهم, والحروب, والمصالحات, والتآمر, والمناورات, وشطر كبير من التسيس الإنساني دار وتناسل عن جذر الصراع على السلطة. يُفهم ذلك كله من منظور الواقعية السياسية الفجة, وهي التي اختزلتها المقولة المريرة في التاريخ العربي والإسلامي التي قررت "ان الحكم عقيم".
احد الامثلة التاريخية التي ظلت "حية" دوما ودالة على وحشية الانتقال من الدكتاتورية إلى الوحشية تجسد في الامبرطور الروماني نيرون في القرن الاول الميلادي, وهو الامبرطور الذي اشتهر بإحراقه روما عاصمة امبرطوريته. نيرون الذي بدأ حكمه مراهقا ودكتاتورا "عاديا" سرعان ما استبد به جنون العظمة وتحول إلى مجرم حقيقي سام شعبه واهل روما بالذات كل انواع العذاب. استلذ نيرون بممارسة القتل يمينا ويسارا ولم يفلت من سيفه الجزار اقرب المقربين له بما فيهم امه وزوجته ومعلمه الكبير الذي عمل طويلا على لجم نزوات الاجرام فيه إلى ان انفلتت ولم تبق على احد. لم يكتف نيرون بالقتل الفردي بل بلغ ذروة السادية الجماعية والتلذذ بالإبادة في إحراقه لروما والآلاف من سكانها, فيما ربض على برج عال يراقب شواء اللحم البشري واختناق الناس وهو يقرأ الشعر ويدندن غير عابئ.
إكتشف كثيرون منا "نيرون" عندما كنا نقرأ ونحن في عمر اليفاعة قصائد محمود درويش في ديوان "اوراق الزيتون" (الصادر عام 1964) وفيه قصيدة تمجد بسالة وصمود "إنسان ما". في تلك القصيدة وفي معرض تحريضه للمعذبين بأن يصمدوا تغنى درويش في مقطع منها ببقاء روما وفناء نيرون الذي احرقها, ببقاء الناس وروحهم وفناء الطاغية الذي عذبهم. درويش قال: "يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل, نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل, وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل". كثيرون منا, وفي عمر فتي, تعرفوا على نيرون المجرم كأسطورة في تاريخ سحيق وجغرافيا بعيدة, وما خطر في بالنا ان نعيش اليوم الذي نرى فيه سباقا محموما بين "نيرونات" حكام عرب للظفر بلقب التفوق "النيروني" عبر سحق الشعوب وتدمير الاوطان. كنا نغني لحياة روما وعيننا على انبعاث فلسطين, وكان نيرون بالنسبة لنا هو الرمز المباشر والمؤشر على الحركة الصهيونية وسحقها للشعب الفلسطيني وتهجيرها له.
اليوم تفجعنا حالة مختلفة تماما إذ يحاصر "نيرونات" العرب مدنا صامدة عصية على الاحتراق وترفض ان تفنى في ليبيا وسوريا واليمن. إذا كان نيرون روما قد اراد حرقها بأساليب النار التقليدية فإن نيرون طرابلس, ونيرون دمشق, ونيرون صنعاء, يريدون حرق عواصم شعوبهم وبلدانهم بنار الدبابات والمدفعيات والطائرات. روما التي احترقت عادت إلى الحياة, اما نيرون فقد انتفض ضده الشعب وطارده إلى ان القي القبض عليه وقطعه جنوده بسيوفهم كما قيل, او إلى ان قتل نفسه كما قيل في رواية اخرى. لم تكن ثمة نهاية متوقعة لنيرون روما غير تلك التي واجهها. والدرس الذي ابقاه خلفه لجحافل الطغاة من بعده رسم حدا باهتا بين الدكتاتورية والاجرام. الدكتاتور يقمع شعبه لكنه يبقي على خطوط رجعة او في اقصى الظروف وأسوأها يترك لنفسه مهربا آمنا. الدكتاتور المتحول إلى نيرون مجرم يفقد كل ما له علاقة بالعقلانية ويتحول إلى وحش ينهش ويقتل وحسب, غير عابىء بإنسداد أي افق من آفاق الظفر امامه. هو ببساطة يعمى او يتعامى عن السؤال المسطح والمباشر الذي ينتصب امام مرآى الجميع ويقول له ماذا ستفعل بنصرك العسكري لو انتصرت واعلنت صرخة الظفر على حطام الجثث والبلد الذي دمرته؟ ما هو شكل "النصر" الذي يمكن ان يحققه اي من نيرونات ليبيا, وسوريا, واليمن, وكلهم فقد بقايا شرعيته المتعفنة امام شعبه, وامام العالم, وملاحق بقضايا لا اول لها ولا آخر.
رأينا كيف تساقطت كل الشرعيات المزعومة عن اكتاف هذا النيرون او ذاك وبان خواء شعارات الاعتياش السلطوي والانتهازية السياسية سواء أكانت مقاومة امبريالية, او ممانعة, او وحدة, او سواها. ورأينا كيف انتصبت على بقايا تلك الشعارات المتهاوية تهديدات الطحن الجماعي للشعوب إما بإبادة كل ما يعارض انظمة النيرون, أو بإعادتها إلى مكوناتها الإثنية والدينية والطائفية المتصارعة, أو بتقسيمها جغرافيا وإقليميا. شهدنا كيف ان نيرون طرابلس وابنه هددوا الشعب بأن تقسيم ليبيا إلى اجزاء ومحميات, وارتكاسها إلى قبليات متحاربة سيكون هو نتيجة التضحية بالقائد الملهم. وشهدنا كيف أن نيرون سوريا واجهزة امنه سعرت ولا تزال تسعر كل العفن الطائفي حتى تحتمي به وتخيف الناس من مواصلة الثورة و"الانزلاق إلى المجهول". ثم شهدنا مؤخرا كيف أن كيف ان نيرون صنعاء هدد بتركه اليمن حطاما ومقسما ومحتربا كما وجده يوم استلم الحكم, بحد زعمه.
كل انواع الدكتاتوريات مرفوض جملة وتفصيلا ومن دون اي تحفظ كان وليس فيها اي صنف حميد. لكن البشرية والشعوب تعاملت مع واقع دكتاتوريات مختلفة بل وتعايشت معها في كثير من الاحيان وللطويل من الاوقات. ما لم تصبر عليه البشرية والشعوب معا ابدا هو انتقال الدكتاتورية إلى مرحلة الاجرام. عند هذه اللحظة يصل الناس, افرادا ومجموعات, إلى درجة مدهشة وخارقة من التضحية بالنفس المدهشة, ويكتسبون جرأة خارقة في مواجهة آلة البطش والقمع الاجرامي لأن الموت بكرامة يتجاوز كل خطوط الحياة بمذلة. وعندما يتم الإنتقال إلى مرحلة "نيرون" عند كل حكم ديكتاتوري فإن الجميع يصل إلى نقطة اللاعودة, تحرق كل السفن, وتقطع كل خطوط الرجعة, وتتجه بوصلة النهاية إلى حيث اتجهت بوصلة "نيرون" الاول, فلا بوصلة غيرها.
Email: [email protected]
– محاضر واكاديمي, جامعة كامبردج, بريطانيا
5 يونيو 2011




#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسكات -مشارف- واغتيال الثقافة الرفيعة
- ابن رشد ومارتن لوثر و«حوار التمدن»
- مشروع -حماس-... و-طلبنة- غزة
- المشروع النهضوي... والعدالة الاجتماعية
- العرب وإيران النجادية: غياب أسس الشراكة
- العلمانية تحمي التنوع الاسلامي من نفسه
- شلومو ساند وتقويض خرافة الشعب اليهودي
- إسلام غل واردوغان واسلاميونا العرب
- -حماس- في غزة: -طالبان- أم أردوغان
- التراجع الإنتخابي للاسلاميين ينضجهم ويخدم مجتمعاتهم


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -نيرون العرب- -: الإنتقال من الدكتاتورية إلى الإجرام في ليبيا وسوريا واليمن