نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16 / تأملات في تقييم الحركة الأنصارية

غالب محسن

الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 18:02
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16

تأملات في تقييم الحركة الأنصارية

تجري هذه الأيام الأستعدادات لعقد المؤتمر السادس لرابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين في ظل تسارع التطورات والمتغيرات ليس في العراق فحسب بل والمنطقة عموماً وحيث تتكسر آخر العقد في جمهوريات الخوف وممالك الزرق ورق . لعمري ما أشد حاجتنا نحن أيضاً لهذه البشائر .

تقييم جديد في عصر جديد

بعد ثمان سنين من سقوط النظام ، آن الأوان لأن نتحلى بالشجاعة ، مرة أخرى ، لتقييم تجربتنا ، من جديد . لا أحد منّا يود أو ينتظر من غيرنا أن يقوم بهذه المهمة ، فالتجربة هي لنا رغم أنها لم تعد مُلكنا . أن مبادرة الحزب الشيوعي العراقي في تقييم تجربة الكفاح المسلح للحركة الأنصارية ، قبل أكثرمن خمسة عشر عاماً ، بالرغم من أهميتها ، أتسمت بالصبغة الحزبية الصارمة وبثقافة " الحرب الباردة " التي كانت طاغية آنذاك ( بقاياها مازال عالقاً حتى الآن عند الكثيرين بيننا ) وقبل أن تتشكل رابطتنا وليس بعيداً عن آثار الخيبة التي رافقت التجربة الأنصارية ( وتجربة الحزب عموماً ) بل ولم تخل حتى من التشنج المصبوغ بالعاطفية الثورية في أحيان كثيرة.
التقييم الذي أدعو أليه يتكون من جزئيين : الأول يشمل تجربتنا كحركة أنصارية سياسية مسلحة والثاني يشمل تجربتنا كرابطة أنصارية سلمية خصوصاً بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد ، و حيث تسعى لأن تكون ضمن مكونات منظمات المجتمع المدني ، في الوقت الذي أستقرت فيه غالبية الأنصار في أوطانٍ جديدةٍ للكثيرين منهم .
أن حركتنا الأنصارية وأقمارها المتلألئة ، شهدائنا ، يستحقون الأنصاف أكثر ، ليس أقلها فرصة جديدة للتقييم والتأمل في ظل تغير الظروف وتشكل وعي أكثر أنفتاحاً وتسامحاً وربما توفرالمزيد من المعلومات والحقائق ، لكن قبل كل شئ الجرأة في النقد . أن أعادة تقييم التجارب في ظل تغيير الظروف أو عند ظهور مستجدات جديدة هي ليست بدعة مِنًا بل أن كتب التأريخ مليئة بالأمثلة وفي مقدمتها تقييمات تجارب الأحزاب الشيوعية ذاتها وهي خير دليل لكل من يحن للماضي السعيد دع عنك تجارب دول كاملة . ولمن ما زال يشك بعد كل ذلك ما عليه سوى تصفح الكتاب الذي لا ريب فيه ليرى الآيات الكثيرة التي نسخها الوحي بعد أن تبدلت الظروف . فهل بعد هذه الحجة الألهية من حجة ؟

أبداع أدبي وفني للتراث

لقد كَتَبَ العديد من الرفاق والزملاء والأصدقاء ، ومن بينهم كاتب هذه السطور ، الكثير عن الحركة الأنصارية ليست فقط كفعل ثوري مسلح ، بل ربما الأهم جانبها الأنساني و تعبيراته في الأنتصارات والأنتكاسات ، في الفرح والحزن ، في التضحية والأيثار وفي العجز والغضب . ورغم أهمية وقيمة ما كُتِب بما فيها الأنتاج الأدبي الكبير من الروايات والقصص والأشعار والخواطر وحتى المقالات والأجتهادات ، تبقى معضمها محاولات فردية ، وأن شئتم صرخات وأنين السنين ، ، منولوجات داخلية أحياناً ، تداعيات وأيقاعات أحياناً أخرى ، أبحار داخل الذوات وعبر التجربة بكل تلوناتها ، وأيضاً في الأحلام ، ثورية مرة وعاطفية مرات ، من هذا الرفيق أو تلك الرفيقة ، وربما تعكس ، كما أزعم ، في أحد جوانبها ، الحاجة لتقييم جديد .

أن ما ذهبنا أليه فيما سبق لا يتعارض او يقلل من قيمة هذه الابداعات بل على العكس وأكاد أجزم أنها أصبحت جزءاً ثميناً من تراثنا الثقافي والأدبي . تقييم جديد ومهمات جديدة . أن هذه الدعوة أنما تنطلق من آفاق المهمات الراهنة للرابطة المتمثلة في الحفاظ على تراث وتأريخ الحركة الأنصارية وتوثيقها . أن مهمات الرابطة في المرحلة الحالية قد تبدلت جذرياً وتهيأت ظروف أكثر موائمة لتقييم التجربة في أجواء أكثر أنفتاحاً وشفافية وربما أكثر موضوعية أيضاً بعيداً عن القسرية والأرادوية. أن هذا التقييم سيأتي في وقت مناسب ومتزامن مع المناقشات حول آفاق عمل الرابطة ومستقبلها. أن ترك هذا الموضوع دون أهتمام غير مبرر وليس فيه حكمة ولا أظن أنه يخدم عملنا مهما تفننا في تبريرهذا الموقف الذي يعني من بين ما يعنيه لامبالاة وربما خوف ، وحجب فرصة جديدة لتقييم واحدة من أكثر التجارب أثارة للجدل والأعجاب في آن .

الزمن والتأريخ لا يغفر

أن شهادات الرفاق ، مقابلاتهم ، مداخلاتهم وكتاباتهم ستكون مصادر وملاحق لهذا التقييم والتأرخة والذي سيكون على شكل كتاب تأريخي وتحليلي في آن . أن هذا الكتاب سيكون للرابطة كما كانت مآثرنا للحركة . أن الوقت يكاد يكون حرجاً بسبب فقداننا للكثير من الرفاق ممن له تجربة غنية و دور بارز في رسم معالم هذه المسيرة وأحد أهم وثائقها الحية . أن مسؤوليتنا تأريخية أيها الأخوة والرفاق لذلك على المؤتمر أن يتخذ قراراً في البدء بحملة تجميع الأراء والتقييمات عبر الفروع وأن تتشكل هيئة أو لجنة مختصة أو من ممثلي الفروع أو كلاهما ، لهذه المهمة وان تمنح الموارد الضرورية لتغطية نشاطاتها وأن تعطى لها صلاحيات الأتصال بالرفاق والفروع والمهتمين من المنظمات والشخصيات وكل من تراه مناسباً بما فيها عقد الأجتماعات أو الموسعات ، وان يحدد سقف زمني لعملها حتى المؤتمر اللاحق (سنتين مثلاً) أو أي وقت آخر .
مهمة هذه اللجنة/الهيئة أعداد مسودة تقييم تعرض على أحد المؤتمرات القادمة (عند أكتمال الوثيقة ) للأقرار أو الأستمرار في أستكمال المسودة . أن توفر الأنترنت والفيس بوك تتيح أمكانية تحويل هذا النشاط الى عمل جماعي يساهم فيه كل من له الرغبة والأمكانية وبذلك نكون السباقين في الشفافية والعمل الجماعي . ومن الطبيعي أن يتم أولاً تكليف الرفاق والأصدقاء من ذوي الكفاءة المهنية والفكرية وجرأة نقد المالوف ، قبل الخبرة السياسية والقتالية ولا أجد غضاضة في أشراك من هم من خارج الحركة الأنصارية من المهتمين والأكاديميين والمؤرخيين . ورغم أننا نملك الكثير من الطاقات والخبرات ألا أن هذه العيون قد تكون ضرورية هذا أذا شئنا منح هذا التقييم موضوعية أكبر .

تساؤلات للتأمل

التقييم سيُبحر على الأرجح في اليم عبر العواصف والأمواج المتلاطمة في معظم الأحيان وسيجبر على خوض معارك غير متوقعة في أحيان أُخَر قبل ان يصل الى شاطئ " النيرفانا " مُنهكاً ، لكن في بهجة الكمال . تلك المرحلة ، عباب البحر والأمواج والمعارك ، أنتهت جولتها الأولى بالأنتكاس واللامبالاة ومن ثم لتركن على الرفوف الى جانب اخواتها من التجارب الأخرى ، وهنَّ كُثُر.

الجولة التالية ، أبتدأت بصورة غير متوقعة منذ سقوط الدكتاتورية وما زالت بل وأنتعشت في ساحات التحرير أملاً في التغيير . ومن الطبيعي ستكون هناك العديد من القضايا والأسئلة التي ينبغي البحث والخوض فيها حتى نهاياتها رغم ما ستثيره من الأنزعاح بل والألم والغضب معاً .

لكن هذا الأبحار لا مفر منه وعلى التقييم الأجابة بصراحة تامة على السؤال الجوهري المركب التالي : هل كان خيار الكفاح المسلح حتمياً ؟ بمعنى أنه لم تكن هناك خيارات متاحة أخرى ؟ أم كان خطئاً ستراتيحياً تبعته ممارسات عَمَّقت هذا الخيار ولتكون " الممارسات " مشجباّ في تقييم التجربة ؟ وأن صح ذلك فأن أقمارنا المتلألأة ما كان لها أن ترحل للسماء بل لكانت ، الآن ، تسير بيننا على الأرض .

ومن تفاسير السلف لدينا الكثير مما يجب أن يُوارى الثرى .

قف !
لا تنظُرُ وراءَكَ
بل حلّق في السماء
كما الضياء
عِبرَ الأقمارِ والنجومِ
والدماء
وطنٌ ،
لم يبقى منه سوى أَحرُفٍ
ودموعٍ وبكاء
وكواكبٌ من أطيافٍ
تَعبرُ الفضاءَ
تنشدُ غداً
ملئهُ شموس ووفاء
تنادي
يا بلادي
مِنكِ الأفئدةُ
ومنّا الأسماء

د. غالب محسن

#غالب_محسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات