أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم وريوش الحميد - تداعيات حسان العلوان مسرحية ثقافية رمزيه















المزيد.....



تداعيات حسان العلوان مسرحية ثقافية رمزيه


سالم وريوش الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


تداعيات حسان العلوان




مسرحية رمزية ثقافية








تأليف
سالم الحميد

المقدمة

هذه المسرحية تحكي عن غربة الإنسان في وطنه حينما يكون ضائعاً. والثقافة مغيبة مثلها مثل باقي العلوم والفنون في وطنٍ كان مهداً للحضارة والرقي.. هي محاولة هروب الإنسان من واقعه المعاش بعد ان عجز عن مواجهته ، فيصطدم بمرارة وقساوة الغربة التي صيرته أشبه بالمجنون..
إذن، لابد للغريب من عودة.. ليعيش المواجهة الحقيقية فمهمة المفكر هو بناء الإنسان لا الهروب ، انها محاولة لإرساء مبدأ الحب.. والانتصار له ولقيمه. ونشر ثقافة التسامح والايثار.. شخصياته رمزية لكنها أقرب إلى الواقع.. تحاول كل شخصية ان تسمو بأفكارها وتضع خطوط سيرها من خلال رؤاها.. لتصل إلى يقين ثابت.. أن خلاصة ما تطرحه هذه المسرحية "ان نتاج العقول المبدعة باقٍ وخالد على مر العصور".. مهما كانت العقبات وان تراث الشعوب مرهون بما تقدمه تلك العقول... لذا فهي مقياس رُقي تلك الأمم وتقدمها...
سالم وريوش

شخوص المسرحية حسب الظهور


1ـ بائع الكتب: رجل في الخمسين من العمر يبيع الكتب ليكسب رزقه ويطمح بأن تكون الثقافة بمتناول الجميع.
2ـ جديلـــة: شابة في العشرين من العمر ، جميلة يقودها حبها للهرب مع حبيبها .. بعد أن عجزا عن إقناع أهلها بزواجهما.
3ـ نــــوار: حبيب جديلة ، شاب ثري في الثالثة والعشرين من العمر يترك كل ماله وثروته وقصوره من أجل الحب.
4ـ سعد الحافي: شاب في الثالثة والثلاثين من العمر يحلم بالثروة والمال ليتخلص من الفاقة والفقر ولسان زوجه السليط فيكون ضحية هذه الأحلام.
5ـ صوت الزوجة: صوت يأتي من خلف الكواليس.
6ـ صـــادق: رجل في الأربعين من العمر هارب من عالمه الذي عانى منه كثيراً. بعد ما فقد الثقة بمحيطه إلا أنه يعود بعد أن صدمته الغربة وهو أكثر تشيئاً بالحياة.
7ـ حسان العلوان: شخصية رمزية تمثل لحظة الإحباط واليأس التي يمر بها الإنسان، فتوقف كل إبداع لديه.
8ـ ودق : ملهمة حسان الذي ظل ينتظرها ثلاثين سنة لتعطيه دفقاً من الأمل بالحياة. بعدما توقف الزمن لديه "العطاء".
9ـ العرافــــة: تمثل الصوت الذي يدفع بالإنسان إلى أن يجمد فكره وعقله ويعيش حياته بلا أمل ولا أبداع.
10ـ الصـــوت: الأمل الذي يدفع الإنسان للتحرر من قيود اليأس والقنوط..








الفصل الاول




الفصل الاول
المنظر الاول
===============
الوقت: عند العصر يوم شتائي بارد.
المسرح: فارغ من كل شيء.. الضوء يتحرك ببطء يبدأ من أول المسرح حتى منتهاه.. تتداخل الأضواء فيما بينها..
بائع الكتب:) يُبدو في وسط المسرح وهو يحمل مجموعة من الكتب موضوعة في علبة من الورق المقوى.. مع صوت الموسيقى يبدأ بتوزيعها على قارعة الطريق.(
جديله:) تركض بحالة مضطربة تبحث عن نوار وهي تنظر إلى خارج المسرح، القلق بادٍ عليها.. وبعد لحظات يصيبها اليأس تجلس القرفصاء على قارعة الطريق تخفض رأسها بأسى وحزن..(
بائع الكتب:( يقف قرب كتبه ينادي بصوت منغم ).. كتب .. كتب من يشتري خير أنيس وخير جليس .. من يشتري ديوان ذاك الرجل الذي أسمع كلماته لمن به صمم..؟ من يشتري لدستوفسكي.. وفكتور هيجو.. لأفلاطون وابن سينا وطاغور.. ولمن قال أني أفكر أذن أنا موجود..؟( في حالة انكسار يقترب من الجمهور وهو يخاطبهم أني لا أحسن صنعه) غير بيع الكتب التي ما عاد لها سوقاً.. أو تلاقي رواجاً، فالكساد أصابها والبوار كان من نصيبها.. وبات الغبار يغطي اغلفتها حتى فقدت بريقها ورونقها. أين انصار الكلمة..؟ اين انصار الثقافة والعلم..؟ اين هم القراء..؟ اين طلاب العلا..؟ اين من يرومون المجد والسؤدد..؟
جديلة: (ترفع رأسها ببطىء نحو البائع، تقوم من مكانها فيما راح البائع ينفض الغبار عن كتبه.. تعاود البحث من جديد خمارها يتدلى على الارض وهي تعدو بفزعٍ وخوف متنقلة بين اركان المسرح ).
جديلة: اين انت يانوار لا أعرف لِمَ تأخرت .؟ان الخوف بدأ ينسل إلى اعماقي، وبدأت الوساوس تفزعني فيضطرب كياني ويرتعش جسدي كسعفةٍ في مهب ريح.. لا أريد أن أسمع خبر سوءٍ يقتل كل أمل عندي (تقترب من البائع وكأنها تستعطفه") ياعم، أرجوك ألم ترَّ احداً جاء يسأل علي.
البائع:( بعصبيه) لم أشاهد احداً ولم يسألني أحد عنكِ.. ( يجلس قرب كتبه وقد شعر بأحباط..) خلتك قد أتيت لتبتاعي كتاباً.
جديلة: جئت اسألك عن نوار، عمن ملك لبي وسلب عقلي وأجج مشاعري، وشغل بالي .. جئت أسألك عن الذي جعلني أناجي النجوم في الليل علها وان توصل نجواي له. اغزل من خيوط الشمس خيوطاً لتوصلني إليه.. جافى عيوني النوم ولم يعد للأحلام موطن.. شابٌ وسيمٌ فارع الطول، فيه سيماء الفرسان، وجبروت الابطال يمشي كملك في عينيه بريقاً وكبرياءً في وجهة شممٌ واباءً مفتول العضلات، وجنة وارفة الظلام قطوفها من الحنان دانية.هوذا حبيبي
البائع:(بتهكم) أ هو من هذه الأرض.. أم من كوكب آخر.؟
جديلة: أنت تستخف بي.. وتسخر مني...!
البائع: أذن ابتعدي عني.. ابتعدي عن بضاعتي التي أصابها الكساد.. انك تعيشين حرقة الانتظار، وانا أعيش مرارة كساد الثقافة والعلوم والفنون..
جديلة: لقد تأخر ، أني خائفة عليه قد يكون تعرض لخطرما.. ياألهي ألطف بي قد أموت إن أصابه مكروه.. أو مسه شيء.. إني لا أطيق حتى التفكير بذلك.
البائع: أتحبينه إلى هذا الحد..
جديلة: كيف لا أحبه وهو الهواء الذي أتنفسه، و الماء الذي إليه أضمأ، هو النور الذي به اهتدي. حبه يسري بجسدي سريان الدم بالوريد.
البائع: انا لا أعرف من أين تأتون بهذا الكلام أنتم ايها العشاق..!
جديلة: أو لست بائعاً لبديع الكلم فكيف تستغرب منا هذا الكلام ..؟ كوامن النفس تطفو على سطح اللسان فتنساب الكلمات رقيقة عذبة مثل ماءٍٍ رقراق، تخرج من ثنايا الفم بعبقٍ وسحرٍ وجداني ما أن يمس الحب شغاف القلب..
البائع: (يأخذ كتاب بيده) هذا كتاب شعر من قريض قيس بن الملوح.. وهذا ما جادت به قريحة عمر بن ابي ربيعة.. وهذا لنزار قباني.. وذاك لأحمد شوقي.
جديلة: في داخلي خزين من اشواقٍ وولهٍ وهيام ابلغ من أي شعر وأفصح من أي كلام.
البائع: ألا تشترين كتاباً واحداً...؟
جديلة: أنا لا أملك ثمناً لهذا الكتاب.
نـوار: (داخلاً) (ينظر إلى جديله بفرح) جديله..
جديلة: (تقفز كطفلٍ صغير فرحه) وأخيراً أتيت يانوار..
نـوار: (يلتقي بها يمسك بيدها عيناه في عينيها)(يقتربان من المسرح......)
جديلة: لقد خفت عليك .. كاد قلبي يتوقف..
نـوار: كان حبك حرزاً يحميني..
جديلة: ماذا قالوا لك، قل لي؟.. هل وافقوا.. أم ختم الله على قلوبهم فرفضوك..
نـوار: خيروني بين حياتي وجديلة؟
جديلة: ما أظنك أخترت حياةً بلا جُديله..
نـوار: لقد أعطيتهم مالي وقصوري.. وكل ما أملك.. علَّ وان يغريهم هذا بي.. لكنهم أوصدوا كل الأبواب وسدّوا آذانهم واشاحوا بوجوههم فتوعدوني بدفين الحقد.. وعطروا أفواههم ببذيء الكلام.. هذا ساباً وذاك محذراً.. وذلك متوعداً.. فلما انقطعت سبل الرجاء.. تركتهم وانا اغلي كمرجل.. يكاد قلبي ان يطفر من بين أضلعي.. وعروقي تتفجر من الغضب.
جديلة: عرفتُ ذلك.. (تجلس على الأرض وهي في حالة غضب وحزن).
نـوار: ما الحل ياجديله، فأني أكاد أجن..
جديلة: لنهرب..
نـوار: ألا تخافي بطشهم؟
جديلة: (تقوم من مكانها) سنبني قصوراً من السعادة ونصنع صروحاً من الآمال.. حيث لا مكان للخوف في قلبي ما دمت أنت معي.
نـوار: ألا تخافي من ان تهوى تلك الصروح والقصور فهي من صنع الخيال..؟ ولا تصمد امام ريحاً هصور فأمامنا صعاب جمة.. وهذا أول الطريق فكيف منتهاه.
جديلة: سوف أكون لك زوجاً وحبيبة.. سوف لن اختار بديلاً عن حبك حتى وان استحلوا دمي.. ومزقوا جسدي..
نـوار: أخاف عليك ندماً يختبيء تحت طي اللسان.
جديلة: لن أندم على شيء الا تركك إياي..
نوار: سيبحثون عنا في كل مكان.. سوف لن يتركونا.
جديلة: (بغضب) أأصابك وهنٌ يانوار
نوار: والله لو تكالبوا عليَّ بجمعهم.. واعدَّوا عدَّتهم وعقدوا العزم على مقاتلتي لما اصابني الوهن.. ولن يضعف عزمي صروف الدهر.. فبغيرك لن يرضيني اختيار.. انت اختياري ونهاية قراري.
جديلة: سينتصر حبنا.. سيصمد هذا الحب وسنعلنه على الملأ ، حبٌ عذري ملأ قلبينا ..جديله ونوار قصة جديدة ستكتب في سفر العاشقين.
نوار: هو انتصار للحب.. حتى وان سقطنا مضرجين بدمائنا.
جديلة: لنهرب يانوار.. وندع كل شيء للأقدار..
البائع( وكأنه يحاكي نفسه) لكل زمان ليلاه.. الحبُ اسطورة أزلية.. فما دام اعداء الحب موجودين فكل يوم فيه ليلى وفيه جوليت.. فيه قيس وفيه روميو..
نوار: سنهرب تحت جنح الليل.. حيث تخلو الديار من سمارها.. لا رقيب ولا عاذل يتتبع خطانا..
البائع: قدر لكما ان تعيشا قصة حب ان لم تدونها القراطيس قد تدونها ذاكرة الزمان على مر العصور.
جديلة: بارك لنا حبنا.. وادعوا لنا بالأمان.
البائع: خذا حذركما ، فالليل مثلما هو ستار. فهو مليء بالأخطار.
جديلة: أرى في عينيك حزنٍ.
البائع: على من ذبح في معبد الحب..(يتنهد) لِمَ لا يباركوا حباً صادقاً.
جديلة: تمنى لنا النجاة..
البائع: من كل قلبي.
جديلة: إلى اللقاء.. (يحاولان ان يخرجا).
البائع: (يلحق بهما) خذي هذا الكتاب مني هدية.
جديلة: شكراً لك.. (تأخذه بفرحٍ).
نوار: خذ هذه النقود "يعطيه رزمة من اوراقٍ نقدية".
البائع: ولكنها أكثر من قيمة هذا الكتاب. (يأخذها بعد تردد).
نوار: أنت اهديتنا كتاب.. وانا اهديتك هذا المبلغ من المال وليس هو يثمن لهذا الكتاب. ("اصوات متفرقة.. لغط وهمهمة.. نباح كلاب، تقترب شيئاً فشيئاً").
البائع: (في حالة حذر وخوف).. خذا هذا الطريق واسلكاه.. سوف لن يجدوكما.. هيا أسرعا قبل ان يصلوا الينا.. (يشير بيده إلى جانب من المسرح).
نوار: أرى المشاعل تقترب منا..
جديلة: أسرع أنهم اهلي قادمون ليبحثون عني..
البائع: هيا اخرجوا قبل ان يصلوا اليكم..
نوار: الوداع..
البائع: الله يحرسكما.. الله معكما .. إلى اللقاء..( نوار وجديلة يخرجان من المسرح..)
الاصوات: (تبتعد بعدما سلكت طريقاً آخر).
البائع: الحمد لله لم يأتوا باتجاهنا..
لحظة صمت .. يعد النقود ثم يدسها في جيبه.. يهم بأن يجمع كتبه..
سعد الحافي: داخلاً السلام عليكم..
البائع: وعليكم السلام.
سعد الحافي: لقد احرقوا قصور وحقول شاب يقال أنه خطف امرأة.. أنظر (يشير بيده إلى الخارج).
مازالت النيران مشتعلة بها.
البائع: حرقوا قصور نوار..
سعد الحافي: أتعرفه؟..
البائع: )حالة صمت( يخرج النقود من جيبه يضغط عليها ثم يعيدها بأسى.. وهو ينظر صوب المكان الذي اشار إليه سعد.
سعد الحافي: لقد سئمنا هذه الحياة فما عاد بها شيئاً يريح البال..
صوت امرأة:( من الخارج) أنت ياسعد.. اين أنت ياسقط المتاع أذهبت لتشكوني عند بائع الكتب. صعلوك مثلك.. لافض فم من اسماك بالحافي فستبقى حافياً ما حييت.. تقاصر عمرك القصير ان شاء الله... ثكلت أمك بك وبأخيك، لتلقي حتفها بعد ذاك حسرةً وكمداً عليكما..
سعد الحافي: اسمع هذا غيضٍ من فيض..
البائع: الله يمدك بالعون.. والصبر..
سعد الحافي: انها لم تكمل بعد.. فبعد الهدوء العاصفة.
صوت الزوجة: جياع.. وعراة.. الامراض تنهش بنا وانت تتسامر.. يأنسك الجلوس لتشكو كما تشكو النساء.
(صوت انكسار اوانٍ وسقوط زجاج..(
سعد الحافي: الله اكبر.. (يتجه بأتجاه الصوت إلا أنه يعدل)..
البائع: سأجمع كتبي وارحل قبل ان ينالنا من شظاها..
سعـد: انها حكاية كل يوم.. هرج ومرج وصراخ ان لم تجد سبباً للمشاكل.. فستبحث عن ما فاتها من الذرائع لتخلق مشكلة جديدة.
البائع: انها حالة من الجحيم..لاتطاق....
سعد: لم أرَ في حياتي راحة بال.. ولم أهنىء يوماً وسأهرب سأترك كل شيء.. فلم أعد أطيق حياة ملئها المآسي والنكد. سأهرب..
البائع: .. واين تهرب؟..
سعـد: عقدت العزم على الذهاب إلى تلك القفار التي حدثتك عنها.. والتي حكى لى عنها صاحبي انها مليئة بالذهب والجواهر والدرر.. وهي مثلما يقال (لقطة على شان)..
البائع: ستكون حينها، اسلمت نفسك للأوهام..
سعـد: انها حقيقة ولم تكن وهماً ولن يثنيني أحدٍ عن عزمي فأني اريد ان أودع الفقر والخوف والمرض، اريد ان لا أبات يوماً على الطوى.. لا يقرصني برداً ولا يعضني جوع.
البائع: انا جائع مثلك وفقير كفقرك ولكني لن أعيش الوهم ولا أصدقه..
سعـد: سأجلب المال.. سأشتري كل ما تتمناه النفس قصراً وخدماً.. وأتزوج من امرأة جميلة .. حلوة الكلام ، صبوحة الوجه.
صوت زوجته: ياسعد ان لم تأتِ سألقي بنفسي من السطح.
سعـد: والله خير ما تفعلينه.
صوت الزوجة: سأحرق نفسي..
سعـد: سأسكب الزيت عليك..
صوت الزوجة: انت أنذل من رأيت؟..
سعـد: وانتِ أقبح ما نظرت.. أنتِ من وصفت بالقرآن "إن أقبح الاصوات"..
البائع: ان الناس يتصنتون لهذا العراك..
سعـد: وتقول لي إبق معها.. كيف أبقى مع تلك..
البائع: لابد ان تفرج..
سعـد: كيف لها ان تفرج وهذه الرسالة قد آتتني من عم لي لم أره يقول بها.. ان والدي مدين له ويجب أن تأتي لتسدد الحساب.. وتقول انها ستفرج (يلقي إليه بالرسالة).
البائع: دعك من هذا كله وعدّ إلى رشدك ولا تدع الاوهام تتحكم بك..
سعد: ايها الصديق العزيز.. لن اعود إلا وأنا مالك لثروة كبيرة من المال.. تمكنني العيش برخاء ويسر أو ليكن الموت رفيق لي..
يتركه (يخرج)..
البائع: تعال ياسعد.. ايها الحافي.. سوف لن تحصل إلا على سرابٍ.. ووهم..
صادق: (داخلاً) يحمل حقيبته على ظهره وبيده اخرى وكأنه مستعدٍ لرحيل.. يضع حقائبه على الأرض ليرتاح..
البائع: (ينظر إليه) يهز يده..
الكل يريد ان يهرب من هذه الحياة.. لا أحد يرضى بما أقسم له.. الكل يريد ان يغيب نفسه.. ويشكو من انه مغيب..
صادق: إلا أجد عندك قليلاً من الماء..
البائع: (يقترب منه.. يعطيه، ماء) خذ..
صادق: (يعب الماء بلهفة) أشكرك..
البائع: (يتركه يحاول ان يحمل كتبه) إلا أنه ينتبه إلى الورقة التي بين يديه يفتحها يتمعن النظر فيها.. يفغر فيه دهشاً.. يقرأ بصوت مسموع..
ابن أخي ان لوالدك دينٍ عليَّ أريد ان اسدده قبل ان يفوت الآوان وهذا المبلغ سيجعلك منعماً بقية حياتك.. فتعال حيث هذا العنوان وسيأخذ كل ذي حق حقه..
(يرفع رأسه من الورقة) انه لم يفهم ما في الرسالة لقد فهمها خطأً ظن هو المدين.. ياله من ساذج
"يركض بأتجاه خروج سعد"
(يصرخ بأعلى صوته) سعد.. ارجع ياسعد..
فها أنت تبحث عن وهمٍ. وتهرب من كنوز قادمة إليك..
صادق: (يحمل حقائبه يمر باتجاه خروج سعد..)
البائع: أراك تسلك هذا الطريق..
صادق: وما شأنك أنت؟
البائع: لا شأن لي ، لكني ابلغك رسالة..
صادق: لمن للضباع. أم للذئاب.. أم لقطاع الطرق..
البائع: لرجلٌ أسمه سعد الحافي.. قل له انه فهم مضمون الرسالة خطأ.. ان له دين على عمه، وليس هو المطلوب.
صادق: أنت مجنون بلاشك..
البائع: نعم ، إني مجنون بلا شك وليس علىّ تثريب ، إن اطبقت على عنقك وخنقتك بيدي هاتين..
صادق: النجدة... هارباً يخرج من المسرح..
لحظة صمت.. البائع يجمع كتبه
موسيقى تتناغم وحركته تنطفيء
الأضواء بالتدريج..
"الظــلام دامس"
صوت صراخ أمرأة..
صادق: لقد ماتت زوجة سعد الحافي.. قتلت نفسها فأراحت واستراحت..

"" صمــت"

الفصل الاول .... المنظر الثاني

المسرح عبارة عن لوحة سريالية تتوزع وتتمازج فيها الالوان.. والأضواء متداخلة فيما بينها كأنها صورة مجردة.. شاخص ملفح بقطعة شفافة من قماش أبيض (بأبعادٍ مقاربة لشخص يبدو بالغ "متوسط القامة").. يتوسط المسرح موقد عبارة عن منقلة نار تتلظى منها النيران، تتوهج ومضات من الضوء المسلط عليها، الجو شتائي بارد.. الأفق البعيد تلوح منه الظلمة، ثمة نجوم تظهر... السكون يحيط بكل شيء.. فترة صمت.. يوحي المكان بالوحشة.. مع الموسيقى تتعالى اصوات نباح للكلاب من بعيد.. يتردد الصدى وصوت نقيق الضفادع.. يسلط الضوء على اكداس من الكتب مرتبة بعضها فوق بعض..
حسان: (داخلاً يظهر التعب.. يسير ببطء ، ينظر إلى المكان وكأنه يتفحص موجوداته.. ينظر إلى الجمهور، يحملق في الأفق.. ثم يقترب ببطىء من النار ،يضع يده فوق الموقد.. ثم يضعهما تحت أبطيه..) (ضربات قوية من ايقاعٍ يتناغم وحركته..)
عذراً أيها الجمهور.. أنا حسان العلوان أعرفكم بنفسي.. أنا الماثل امامكم بشخصي في غابر الزمان ، كنت أعيش الشباب بعنفوانه أزهو مغتراً كقائد منتصر.. ولكني اليوم وبعدما أفلت ايامي أصبحت أتصيّد الهواء تصيّداً وأتجرع الماء اضطراراً.. احنى الزمان ظهري فبتُ عبئاٌ على دهرٍ ما أنصفني.. بقت روحي تلوذ بصمت ذكراها سنين مرت، نضب زيتي وكل مصابيحي أنطفأت ولم يُعد للاحلام مكانٍ في دنياي.. سنين مرت لم أمسك منها غير ذكريات اكثرها مرٍ.. أحببت امرأة، وعشقتُ هذه الكتب (يشير إلى الكتب) نهلت منها الكثير وكان أملي ان يكون لي أسماً بين هذه الاسماء.. لكن حبيبتي ضاعت وكل ما كتبته ظل حبيس القرطاس.. وانا هنا قابعٍ في هذه الغربة افترش الارض والتحف السماء.. منذ اكثر من ثلاثين عاماً وأرضي البور لم يمر بها غمام..
ودق: (داخله) تسير بخطىَ واثقة، تسير الهوينا ، ترتدي ملابس بيضاء كأنها عروس على رأسها خمار أبيض ممسوك بما يشبه التاج..
حسان: ينتبه إلى وقع اقدامها التي راحت تقترب منه شيئاً فشيئاً ، تنتابه حالة من الارتباك...
من أنت...؟
ودق: انا من كنت تبحث عني!!
حسان: من.. تكونين...؟
ودق: امرأة أحببتها وكونت لها عشاً في قلبك حين كان غضاٌ غريراً.. بل كونت لها عرشاً في شغاف ذلك القلب.. وأنشأت لها تاجاً مرصعة من درر كلامك.. ومن مملكة شعرك أهديتها قصائد كلما عنت عليك ذكراها تتولد من اللاشيء ابياتاً من الشعر لتصبح قصيدة..
حسان: أنت ودق..
ودق: نعم انا هيَّ..
حسان: لكنك مازلت ترفلين بالشباب ومازال وجهكِ نضراً وعينيك لم يشح فيها البريق..
ودق: نحن نعيش زمنين مختلفين..
حسان: كنت أكتب لك.. ابياتاً من الشعر أناجي بها قمري الضائع، قصائد بطول الالياذة.. تتفجر براكين النشوى وقلمي يسابق خيالي.. لا أعرف من اين كانت تأتيني الكلمات.. لكني كنت اعلم أنك ملهمتي في كل حرفٍ اصوغ..
ودق: كنت ترتحل عبر أروقة الزمن السحيق.. أو عبر بوابات المستقبل.. تبحث عني.. ترسم صورتي بالكلمات تبعث مع النسيم كل أمانيك وترتجي الجواب..
حسان: كنت ابحث عن الانعتاق من هذا الرباط الذي يشدني إليك.. من هذا العبق الوجداني لجسد طالما تشدني إليه رائحة لا أجد لها شبيهاً بين كل الخلائق إلا عطرك أنتِ فهو مزيج من المسكِ والعنبر وشذى القداح..
ودق: كنت تبحث عن عشقٍ عذري.. كنت تبحث عن روحي لا جسدي.
حسان: روحاً طالما تمنيت ان تشاركني ، أيك أحلامي أقاسمها كل امانيّ وآمالي..
ودق: إلا زلت تبحث عني..
حسان: وهل للعيش معنى من دونك..
ودق: انت تبحر في زمان غير زماني..
حسان: في أي مكان او زمان.. سيكون زمانك زماني ومكانك مكاني..
ودق: زمنك يسير سريعاً تمر السنون فيه وكأنها أيام مازلت انا في مكاني.. وأنت ترتحل من عالم إلى آخر ان الوصول إليك ارتحال من زمن إلى زمنٍ آخر..
حسان: الارتحال عبر المكان. والزمن يسير ولا يتوقف ما دامت الأرض تدور والشمس تدور.. وها أنت وكأن الأيام قد توقفت لديك وعمرك باقٍ منذ اكثر من ثلاثين عاما.. منذ ان رحلتي عنا ولم نعرف سراً لهذا الرحيل.
ودق: أنت واهم ، فأنا قد اكون سراب.. او مجرد ضوءٍ.. قد ينعكس شعاعي على كل الموجودات لا شيء يستطيع ان يحتوي جسدي لا أحدُ بمقدوره الإمساك بي أنت تسبقني بكم من السنين أنت ركبت قطاراً سريعاً وانا اسير على قدميَّ..
حسان: ولكني أتوق إليكِ توق الحمائم لأعشاشها.. اشتهي ان أداعب خصلات شعركِ المجنون.. امسدُ هذا الشعر الغجري.. أعبث بأطراف أناملي على ثنايا شفتيك اقبل ثغراً فأرتشف الشهدَّ منه..
ودق: هذا محال.. فبيني وبينك برزخٍ.. أنا جزءٍ من الفراغ، وأنت كيان وجسد، انا حلمٌ وأسطورة وأنت حقيقة وواقع.
حسان: ولكني أراكٍ واقفةٍ أمامي.. كيان لا يبعد عني إلا بضعٍ من الخطوات ، أهو حلمٍ أم حقيقة أعيشُ.
ودق: أنت تعيش الأحلام وحدك تشعر بها ولكن لا أحد يشاطرك الاحساس بها.
حسان: إذن، ما أنتِ؟..
ودق: أنا ودق التي أحببت.
حسان: كيان وجسد (يحاول ان يمسك بها).
ودق: قلت لك انا حلمٌ.. لا تحاول ان تمسك بي فقد يحرقك هذا الشعاع المنبعث مني.
حسان: (بيأس) لم تقتلين فرحتي.. لم تحطمين كل آمالي.. وكأني طيرٌ كسير الجناح لا يستطيع الطيران في جنة حبك.. ولم يذق من مذاقها لأن قطوف ثمارها عالية.. ولم تنعشه نضارتها التي هي قبس من جمال وجهك الصبوح..
ودق: عش أحلامك وحدك.. ودعني ارحل..
حسان: وهل تحلو الأحلام بلا ودق..
ودق: انت لا تريد ان تفهم.. أنا أعيش في عقلك فقط، فعالمي غير عالمك..
حسان: قفي يا ودق، أرجوك، انا مضطرب، أضيع بين خفايا نفسي وهواجسي أنا ابحث عن الحقيقة وانا لا أعرف من اين جئتِ لا أعرف ما سيئول إليه المصير.. أين أنا من هذا العالم الذي أعيشه قولي لي فأنا قد أكون حياً، أو ميت أكون.
ودق: انا قلتها لك وانت تتجاهل كلامي.. تقتنع بما أنت مؤمن به.. أنت من عالم غير عالمي (تهم بالخروج).
حسان: (بأنكسار يحاول ان يستعطفها بالبقاء) ارجوكِ ابقي هنا.. لتكوني ما تكوني حلماً أم حقيقة خيال أم واقع.. انا لا ابغي في هذه الدنيا إلا التصفح بصفحات وجهك.. منذ زمن طويل وأنا ابحث عنك ، كنت ابحر في زوارق الأمل والنجوى.. سحر وجداني امتلئت نفسي به وانا أصارع الموج مجتهداً في البحث عنكِ كل ضربة للمجذاف أرى فيها وجهك على صفحات الماء المتكسر تناديني من أعماقه السحيقة بصوتٍ أشبه بالصدى (حسان) حينها يقودني ويشدني الوجد للقاكِ.. والقي نفسي بهذا اليم لكني أبحث طويلاً، حيث تتراقص الأضواء في عيني كأنها ومضات.. اضرب الماء بكفي.. ابحث هنا وهناك لعلي وان القاك. الموج كليلٍ اسود ، أدور في دوامة لا أعرف لها من قرار.
ودق: انت لا تبصر إلا بحدود ما يحيط بك.. وانا فوق مداركك الحسية.. لا تستطيع ان تسري اليَّ .
حسان: الحب لا يعرف المستحيل..
ودق: قد تفقد كل شيء.. كبريائك وكرامتك وارادتك..
حسان: كل شيء يتحطم على صخرة الحب الجلمود.. الكبرياء والارادة والعز والكرامة..
ودق: عش بقايا ايامك.. دع ودق فما كانت لك ولن تكون اليك.. ستتيه ستكون ورقة في مهب ريح لِمَ لا ترجع ، لِمَ لا ترتد عن تلك الاوهام.. عد إلى ديار صباك إلى اهلك.. الذين ما عادوا يعرفوك.
حسان: ذكراك تقتل كل حالة ارتداد عندي.. كنت عازماً على المسير أبحث عنك في كل الازقة والحارات والشوارع.. صممت آذاني عن كل ما قيل او يقال.. اصبت بالطرش .. وانا اسمع كل التهكمات.. اقنعت نفسي بكذب كل ما قيل عنك.. ودق هربت مع عشيقها.. ودق تركت الديار لتعمل في نادٍ ليلي راقصة.. ودق بغيٌ تتناقلها احضان الرجال ..
ولكني لم أصدق كل هذا فأنت الطهر بعينه أنتِ العفةِ والشرف..
ودق: (تخرج من المسرح) وهي تسير على اطراف اصابعها وكأنها راقصة بالية..
حسان: (يتحرك حركة سريعة يبحث عنها في كل مكان ينظرها وهناك.. في ارجاء المسرح.. تهدأ حركته بعد ان أيقن انها ذهبت) ياودق.. لا أريد ان أتيه في طرقات اليأس والإحباط..
(يطرق رأسه) كفيني مشقة البحث عنك.. لقد تعبت من الطواف والسؤال.. كوني قربي قطرة ندى.. أو نسمة هواء..
"يجثو على ركبتيه لحظة صمت، تطفيء الأضواء .

المشهد الثالث

يجلس حسان قرب موقد النار ، نباح كلاب متواصل، عواء الذئب يتواصل.. ودخول رجلٌ في الثالثة والثلاثين من عمره، في حالة ذعرٍ وخوف.. كان يركض بأتجاه حسان الذي أفزعه دخول الرجل المفاجئ.. لكن الرجل ينكب على وجهه وهو يلهث.. حسان يقوم من مكانه وبيده عصاً بطول ذراع متأهباً.)
حسان: من .. من أنت؟
سعد الحافي: دعني ارتاح.. ترتد اليَّ أنفاسي وبعدها سأتكلم..
حسان: أهدأ.. أهدأ.. أراك تلهث..
سعد الحافي: (يحاول ان يسيطر على أنفاسه) وهو يهز رأسه بالإيجاب.
حسان: يتحرك نحو دلوٍ الماء يأتي منه بقدحٍ..
سعد الحافي: (يعب الماء وهو مضطرب)، ينظر بأتجاه المكان الذي جاء منه..
حسان: والآن ما هي حكايتك..؟
سعد الحافي: الله وحده الذي أنقذ سعد الحافي.. وهذه النار التي هدتني اليك لقد كاد أن يأكلني قطيع من الذئاب.. كنت على بعد خطوات منها عيونها تومض وقرقعة أسنانها تطحن عظام شيئاً ما قد يكون حماراً أو خروفاً.. تسمرت في مكاني حتى أنفاسي كتمتها.. كنت ملتصقاً بجدار خرابة لا شيء أعلى مني إلا ذلك الجدار.. كنت أخاف ان يصعقني البرق.. أخاف ان تأكلني الذئاب أخاف الموت من البرد.. لغط وأصوات تصل إلى مسامعي.. كانت الذئاب منهمكة بأكل ذلك الحيوان المسكين..
حسان: وكيف اتيت..
سعد الحافي: لما خفت الأصوات.. وكأنهن قد انتهين من وجبتهن.. حينها أحسست بأن نهايتي قد اقتربت وان الموت مني قد دنا.. ولم يعد أمامي سوى ان أطلق ساقي للريح اسابقهُ كي أنجو من موت محتم.. كنت أرى الأرض وكأنها تعدو هي الأخرى، ولم أشعر إلا وأنا هنا..
حسان: لقد نجوت.. وها أنت بأمان.. (ثم استطرد قائلاً) يا ترى ما الذي جاء بك وفي هذا الليل المعتم.. أتبحث عن شيء..؟
سعد الحافي: كنت ابحث عن المال.. عن الغنى والعز..
حسان: (يتعجب) عن المال..
سعد: نعم، المال.. فهو ما أبغي في هذه الدنيا ،هو منيتني ومرادي.. به يعيش الإنسان محترماً.. بين الناس ، يعظم به الصغير ويجل فيه الحقير.. الجاهل به يصبح عالم.. به السعادة والهناء..
حسان: ومن هداك لهذه القفار وقال لك ان فيها ما تريد.. من مالٍ..
سعد الحافي: كان لي صاحب رحالاً يجوب تلك الصحاري يبحث فيها عن كنوز مدفونة.. قد أنبأني انه قد عثر على كنزٍ فيه الكثير من الليرات الذهبية في هذا البقاع وأخذ منه الكثير وبقي الأكثر لأنه لم يستطع حمله..
حسان: انها بقاع تجوبها الذئاب والضباع.. لن تنجو منها مهما فعلت فلا يقتلك طمع الدنيا.. وثب إلى رشدك فقد تموت وتصير طعاماً لتلك الضواري..
سعد: عشت العمر كله وأنا أكنى بسعد الحافي لا أملك من هذه الدنيا غير ما عليَّ من ملابس وأوراق تثبت بأني مازلت موجود على هذه الأرض، نهشني الجوع والمرض.. حان اليوم الذي احوز على هذا الكنز لأعيش عيشة الملوك لا أهم لدائن يطرق بابي كل يوم.. ولا طفل من أطفالي يتضور جوعاً ولا مرضاً يفتك ببقايا أمي المسكينة التي تريد مني المزيد وأنا ما عندي شيئاً أدفعه للعلاج.. ولا امرأة تصبحني وتمسيني بالشكوى والتذمر والأنين.. من الفقر والعوز..
حسان: وتعرض نفسك للموت..
سعد الحافي: اما أن تعيش حياة تسر النفس وتجبر الخاطر وتستر القبيح. أو الموت موتاً يريح النفس من متاعبها وشكواها..
حسان: وتعرض نفسك للخطر.. عد لأطفالك وأمك وزوجك.. صدقني لن تنجو مهما حاولت..
سعد الحافي: وكيف حصل صاحبي هذا على كل هذا المال..
حسان: قد تكون أسطورة من تلك الأساطير..
سعد الحافي: لقد رأيتها بأم عيني أقراص من الذهب الخالص..
حسان: دعك من هذه الأوهام وعدّ من حيث أتيت..
سعد الحافي: سأذهب.. (يحاول الخروج ولكنه يعود).. لم لا تدعنا نذهب سوية ونتقاسم هذا الكنز بالعدل..
حسان: الطمع الذي في قلبك.. يقول غير ذلك.. لا حاجة لي بكنزك هذا.. دع الصبح ينبلج وأذهب حيث تشاء.. فأن الخطر محيط بالمكان.
سعد الحافي: اني في شوق للحصول عليه.. بعدما قاسمتني الأحلام عيشي أيام وأيام.. فلن أبالي بما يحيط بي من مخاطر.. أني ذاهب فلن اعود وإلا معي الكنز.. (يخرج) (صوته من بعيد)، سوف لن أنساك اذا ما حصلت عليه (تنطفئ الأضواء)..
العرافة: (داخلة) ترتدي اثواباً فضفاضة وبأكمام كبيرة تمسك بقنديل فيه شمعة يتلظى لهيبها، تسير بتؤده على أطراف أقدامها.. كأنها لا تريد ان توقظ حسان الممتد على فراشٍ قرب موقد النار.. تضع القنديل قرب الشاخص تبتعد قليلاً ثم تعود.. حسان ينظر إليها باستغراب وكأن المفاجئة قد ألجمت لسانه..
العرافة: حسان..
حسان: (حالة صمت).
العرافة: ألا تعرف من أنا..؟
حسان: اعرف.. ولكن لم عدّتِ .. ما الذي تريديه مني وأنا لم أفق من حلمي بعد..
العرافة: جئت لكي أخرجك من تلك الشرنقة التي احطت نفسك بها وكبلت بخيوطها.
حسان: ألا زلت أمثل لك شيئاً.. حتى تهتمي بي..
العرافة: انت كل شيء بالنسبة لي.. منذ ان عرفتك ونبأتك بأنك ستموت غريباً ولن تحصل على محبوبتك.. ولن تكون شيئاً ولن تحصل من حصاد أفكارك غير التعب وسهر الليالي وأكداس من الورق تحوي عصائر ما تبدعه لكن لا تجد من يقرأ لك كمن يبذر بذاراً في أرضٍ بور..
حسان: تلاحقيني كظلي..
العرافة: وأحصي خطاك .. كل يوم اقرأ طالعك واقلب فنجانك واسبر دروب حظك.. واميز خطوط سعدك ونحسك.
حسان: لم أرَ سعداً في حياتي..
العرافة: لم أقرأ شيء من هذا لا في الماضي ولا الحاضر...؟
حسان: كفي عني.. دعيني اعيش البقية الباقية من عمري بأمان..
العرافة: لن أتركك.. ولن أكف عن ملاحقتي لك إينما ذهبت لأنك صرت جزءٍ مني.. جزءٍ من عالمي الخفي الذي يشكل كل شيء بالنسبة لي..
حسان: "يجلس متحيراً" لقد ضاقت بي السبل وانقطعت الأسباب.. وأنا أسير في درب لا نهاية له في طريق اجهل مسالكه طريق موحشٍ لا يسلكه إلا من تعثر حظه..
العرافة: ما زلت تسير في ذات الطريق الذي تبحث فيه عن ودق.. فهي دماً يجري في شريانك..
حسان: ودق.. ما زالت هي الخيط الذي يربطني بهذه الحياة هي أملي.. حبها ملك لبي، وسلبني ارادتي، صيرني اشبه بالمجنون.. فكل ما كتبت وكل ما فاضت به روحي من مشاعرٍ سطرتها في تلك القراطيس هي من فيض حبها..
العرافة: ان حبك وهمٌّ ياحسان لا تبحر في عميق يمك.. والبحر متلاطم الأمواج ومجذافك مكسور.. ولا تطير في أفق تجواك.. ولأفق بعيد وشاهق وجناحك كسير لا يساعدك على الطيران أبقى على ارض الواقع ستظل في ذات المكان..
حسان: (يتحرك بعصبية) يأخذ المسرح ريحه واياباً وهو مشدود الأعصاب.. ها أنت تحبطين امالي وتحطمين كل الأماني وتقطعين حبال الوصل التي تهديني اليها..
العرافة: أمالك ماتت. وأمانيك أسلمتها لليأس وحبال الوصل مقطوعة منذ عشرات السنين..
حسان: لقد مللت كل شيء.. فأنا حائر بين حب دفين بين عبراتي واشواقي.. وبين تلك الاكداس من نتاح عقل شلَّ منذ ان فارقه الحبيب..
العرافة: ألم أقل لك سوف لن تجني من جريك هذا غير انهار من الدموع.. ألم انصحك..
حسان: وهل يفيد مع العاشق النصح..
العرافة: انت تبحث عن عذاباتك لتغترف من السراب ماءً..
حسان: منذ ان بصرت عيني نور هذه الدنيا والعذابات ترافقني.. وكأنها توأمي..
العرافة: أنت دائم الشكوى..
حسان: وهل رأيت رجلاً لم يبتلى بسقم يشكو سقماً...؟!
العرافة: أني احار بك.. وكأني لا أعرفك.. أكل هذا من أجل امرأة لا تحبك غدرت بك..
حسان: كان الحب في أعماق حدقات عيونها يقرأ، لم تخدعني تلك العينان..
العرافة: حباً ولد ميتاً..؟
حسان: حباً هو الحياة بالنسبة لي.. اني أعيش على هذا الحب كأنه الهواء الذي أتنفسه، أعيش من اجل هذا الحب.. وأموت من اجل هذا الحب فأني إن لم أجد شيء أموت من أجله لن أجد شيئاً، أعيش من أجله..
العرافة: لقد ضاع هذا الحب في غياهب النسيان (تقولها بعصبية) لم لا تدعها.. فأنت في حالة الترحال وهي باقية.. في ذات المكان والزمان ..
حسان: لن استطيع..
العرافة: ها أنت تقف على أعتاب سنين مقفرة تصارع هذا الزمان بيد واحدة.. دعك عنها.. فلم تعد شيئاً بذاكرتها.. ذكريات طواها النسيان..
حسان: دعيني أعيش هذه الذكرى.. فصوتها لم يخبو بعد ما زالت تأتيني ، تأنس وحدتي (يتحرك بعصيبة يهز الشاخص) كانت هنا واقفة (يقلد مشيتها) تخطت هنا رأيتها قرب ذاك الحطام.. مثلما كنت أراها عند عتبات بيتها تقف مثل تمثال من الرخام أنظر اليها أو عند الشرفات فيجد بي الوجد.. تستنهض من الركام الحياة.. تستنهض من الخراب الحب والجمال..
العرافة: انك لا تريد ان تفهم .. انها ميتة لا محال لقد توارت منذ زمن بعيد خلف المجهول..
حسان: انتِ كاذبة..
العرافة: (بحدة) لا تنعتني بالكذب، سأتركك هنا يلفك الصمت وتقتلك الوحدة.. لا تبصر إلا اشباح الظلمة (تنظر اليه بلا مبالاة تتركه في حالة من الاضطراب والخوف..
حسان: (يبحث عنها.. وهو يتحرك بعشوائية) ها أنت ترحلين من جديد وتتركيني هنا لا أعرف شيئاً عما سيتجدد في قادم الأيام.. تعالي وأقرئي طالعي من جديد فأن خطوط الحظ عندي تخفيها خطوط نحسي.. تعالي واضربي الحجر ، أبحثي لي عن مرسً جديداً أرسو به أريح نفسي من هذا العناء .. يجثو على ركبتيه ، ينظر إلى الأفق، ومض وبرق ورعد..
حسان: ايها الرعد أنت تهز كل مشاعري ، تثير في نفسي الخوف والفزع (ينظر إلى كتبه يحاول ان يغطيها بجسده، أنتَ تخيفني اكثر مما يخيفني هذا الظلام وتلك الاشباح التي تحيط به.. فهذا البرق يخطف البصر مني وهذا الهدير يكدر نفسي ويجعلني أسير فوبيا الزمان والمكان.. رفقاً بي ايها الرعد .. ورفقاً بهذه الكتب ، أيها الرعد أنت تثير سكونها وذاك السبات العميق الذي يلفها.. قد توقظها من هذا السبات.. قد تشعل فيها الرغبة بالانعتاق من سجنها الرهيب بين طيات تلك الصفحات.. وأنى لي أن أجد لكل هذه العقول مفاتيح انعتاقها ..؟!، دعني أنام بهدوء ودع هذه الكتب في سباتها.. بأنتظار من ينفض عنها الغبار..

"انطفـــاء الاضــواء"










الفصل الثاني














الفصل الثاني
المشهد الاول

جديلة: داخلة ملتحفة بعباءة سوداء ، تنظر برعب نحو المكان ، تقترب من موقد النار تدفيء يديها.. البرد القارص يجعلها تنكمش باتجاه النار...
نوار: يتبعها بخوف.. ينظر إلى الخلف..
جديلة: تعال.. أنا هنا، تعال وتدفئ بهذه النار.. ربما وضعت لعابري الطريق..
نوار: لقد بعدنا كثيراً عن الديار.. وها نحن في أرضٍ جرداء..
جديلة: تعال ودفئ نفسك.. فأنا الآن أحس بنوع من الأمان..
نوار: (يجلس قربها ينظر إلى عينيها) ، صدقي كأني ولأول مرة أرى في عينيك هذا السحر وهذا الجمال!
جديلة: لقد خبا سحر عيني منذ ان تركت أهلي..
نوار: وهل نادمة أنتِ؟ بعدما كنت تغذين في نفسي الأمل..
جديلة: وهل هذا ما تمنيناه.. من جميل العيش.. ونعمة الأمان.
نوار: ستشرق الشمس وسنودع هذا الخوف.. ونمزق شرانق اليأس والقنوط.. وسنمتزج روحين وقلبين وجسدين.
جديلة: أنك تغزل من نور الأمل "بيوتاً لكنها أوهن من خيوط العنكبوت.. لا تصمد امام عصف الرياح..
نوار: أحبك يا جديلة..
جديلة: وانا أحبك أيضاً.. ولكن اذا لم تعبد طرق هذا الحب لن نطيق معاً صبراً..
نوار: هذه بداية الطريق واليأس قد أعد له عشاً في رأسك..
جديلة: عندما ينبلج الصباح سأعود وليكن ما يكون..
نوار: سيقتلك أهلك..
جديلة: لا أريد أن أعيش الخوف في كل لحظة ودقيقة. كسيفٍ مسلطٍ على رأسي.. هذا العواء المتواصل يجعلني متحفزة للهرب..
نوار: انا معك لا تجزعي.. ولا تخفي..
جديلة: تحميني ممن..؟ ، من أهلي الذين يبحثون عني في كل مكان..؟ أم من قطاع الطرق..؟ من الذئاب والضباع وبنات آوى..؟أم من الاشباح التي رافقتنا طول الطريق..؟ (بإنكسار)
نوار: سأحميك من كل هؤلاء..
جديلة: لقد اوهمنا أنفسنا بالنجاة..
نوار: ولكن حبنا ليس وهماً..
جديلة: "( نباح كلاب يثير رعبها" تلتصق بالشاخص خوفاً)، لا .. لا أريد الموت بين انياب هذه الكلاب.. لا أريد ان تمزق جسدي الجميل مخالب الضباع..
نوار: لا تخافي يا حبيبتي.. أني أشعر بالندم لقد آذيتك.. لقد حطمت عروش الأمل التي كنت تبنين.. (يضع يديه على رأسه وجبهته) (يصرخ بأعلى صوته) أنا اجرمت بحق من أحب.. أجرمت بحقك ياأحلى إنسانة .
جديلة: (تقترب منه) اني لا أريد ان تتعذب من أجلي.. فاللوم لن يقع عليك وحدك ، أنا من طاوعتك.. تركت أهلي وخلاني وأصدقائي.. تركت كل شيء من اجلك أنتَ..
نوار: من أجل الحب..
جديلة: انا ما عهدت ان الطريق موصدة .. وأنه مليء بالعقبات والعراقيل..
نوار: أنت تبغين اليسر..
جديلة: وهل من المفروض ان نركب الصعاب حتى نعيش بسعادتنا.
حسان: (داخلاً) لقد أقلقتم منامي وانا استمع لحديثكما..
نوار: من أنتَ....؟
حسان: انا أحق بهذا السؤال منك...؟
نوار: انا... نوار.. وهذه جديلة حبيبتي.
حسان: هاربان تنشدان الأمان..
نوار: عاشقان نتوق للدفء والحنان..
حسان: وهل هنا غاية ما تريدون..
نوار: بل قادتنا اقدامنا هاربين من غدر الأهل والزمان..
حسان: لِمَ لم تطلب يدها ما دمتما تحبان..
نوار: ما تركنا طريقاً إلا وولجناه.. قدمت روحي مهراً لها.. ولم يقبلوا.. قدمت لهم الاموال وما أملك من القصور.. لكنهم أبوا ان تتحد روحينا..
جديلة: دعنا نذهب.. فأني اخاف.. ان الرعب يستشري في داخلي.. (اسمع صوت سنابك الخيل).
نوار: لن تستطع المرور وهذا الظلام يحيط بنا.. ونحن غريبين لا دليل عندنا.
جديلة: أني لا أطيق البقاء.. قد يلحقون بنا..
صوت صهيل جياد ووقع سنابكها تمزق السكون..
نوار: هاهم قادمون.. سيمسكون بنا.
حسان: لا تخف نوار (بفزع).
نوار: اني لا اخاف الموت.. لا اخاف وإن صلبت على الابواب ولكن خوفي على جديله من غدرهم..
جديلة: تقترب منه "تمسك يديه".
نوار هذا هو الحب الذي جمعنا فلا يمكن لأحد ان يفرقنا وان شاءت الاقدار ومتنا فلن يستطيع أحدٌ ان يرجعنا.. لنسر ما دامنا معاً فلن نخشى الصعاب..
حسان: ادخلا هنا (يشير بيده إلى مكان "خلف كواليس المسرح وستكونان بأمان..
يخرجان من المسرح هاربين"
حسان: أي يوم هذا كأن نهاره وليله قد تواصلا مع بعض وكأن الاحداث تتابع بلا انقطاع.. وانا هنا شاهدٍ للعصر على حبيبة ركبت الصعاب من اجل حبيبها وشاب قد اسكرهُ العشق ولما افاق وجد نفسه بين طريقين احدهما أصعب من الآخر..
صوت: (صداه يتردد) حسان..
حسان: من الذي يناديني من جوف هذا الليل البهيم يتحرك داخل المسرح يبحث عن صاحبة الصوت.. من الذي ينادي.. هو الموت يبحث عني..
الصوت: بل هي الحياة .. تتوق لترى في عينيك جمالها والبشر يتألق ببريق نضارتها. فها أنت تنقذ حبيبين من براثن الغدر..
حسان: انا هنا يلفني السكون.. والوحشة تقتل كل ما هو حي.. والاحداث تتسارع كأنها نهايتي التي انتظر..
الصوت: ابحث عن حبك الضائع.. ابحث عنه في كل مكان.. لا تدع اليأس سيفاً مسلطاً. عش الحياة كما هي.. لا تهرب عن واقعٍ مهما كان مراً.
حسان: العرافة تحطم امالي. تزرع الشك في داخلي والاحباط في ذاتي تقزم ارادتي.. تنفرني من الحب ..
العرافة: "داخلة".
حسان: اشتريت الحب بالعذاب هكذا تقول..
الصوت: وهل يحلو الحب بلا عذاب.. ألا تري نوار وجديلة..
العرافة: (تقترب من حسان) أتخاطب الوهم لا يخدعك هذا الصوت.. فهو لا يريد لك إلا العذاب يريدك ان تسير في تلك البقاع تائهاً.. مرتبط بما يوهمك مثلما خدع نوار وجديلة وهاهما تائهين في هذه القفار.. أنها تدفع بك إلى الهلاك.
حسان: انها تواسي كلوم نفسي..
العرافة: تنظر إلى حسان تقترب منه انها تدغدغ مشاعرك تحاول ان تغزل من خيوط عواطفك ثياباًَ من الوهم..
حسان: (ضاحكاً)..
العرافة: تضحك مني..
حسان: بل اضحك على نفسي.. وأنا تائه بين هذا وذاك..
العرافة: تغازل حباً صار ماضياً..
حسان: كل كلمات الغزل ماتت على شفتي.. الذكريات هي العبق الذي ما زال يزكم انفاسي بحلو الحديث عن حبيبة مني قريبة وبعيدة عني..
"البرق يومض يصاب بالذعر تعتريه رعشة".
العرافة: ألم أقل لك انك تمتهن الحب..
حسان: بل أنت تتوقين إلى تعذيبي كهذا البرق..
العرافة: انك تعذب نفسك.. لا أحد يريد لك التعذيب ، أنت الذي تنتقي اشكال العذاب وتحيط نفسك بها..
حسان: لِمَ لا ترحلين؟... اتركيني وحدي.. دعيني أعيش وهواجسي ولتكن ما تكون.. كلامك أمرُ من الحنظل وأحَدُ من السيف.. تثبطين عزمي.. وتقتلين كل قوة لدي.. لقد سئمت كل شيء.. سئمت سخافاتك وسئمت هذا اللسان السليط..
العرافة: (تضحك باستهزاء) وتبحث عني من جديد تقتل الصمت بصدى صوتك وتنادي عليّ من وراء كل هذه الحجب كي تراني وتسمع صوتي..
حسان: لن أبحث عنك.. ولن أناديك..
العرافة: وكيف تطيق هذه الوحدة.. أتطيق العيش بلا أنيس..
حسان: (باستسلام) ان عذابات الوحدة قاسية عليَّ.. تطحنني.. تصيرني جزءاً من هشيم.. ورغم كل ذلك فأني لم ابحث عنك ولن أناديك مهما عذبني الليل البهيم سأسامر النجوم وهوام الفلوات، ولن أناديك..
العرافة: وصوت الرعد في هزيم هذا الليل الا يخيفك..
حسان: الرعد كالصمت يؤذي روحي، ويمزقني لكن سأتحامل وأصم أذني اذا ما وقع..
العرافة: ستعض أصابع الندم على فراقي..
حسان: لن أعض أصابع الندم أني سأركن إلى راحة البال وأريح نفسي من هذا القلق والاضطراب.. الذي اثقلت نفسي به.
العرافة: سوف لن تطيق الوحدة.. أراهنك على ذلك أبقى في غيك.. أنت تكابر.. أنت تخدع نفسك تحاول ان ترضي كبريائك الجريح..
حسان: (يقترب منها.. بأعصاب متوترة.. يوحي بحركة في الهواء انه يدفعها..) اغربي عن وجهي كأنك بومٍ تنعقين..
العرافة:( تتظاهر بأنها تندفع للوراء.. تجثو على ركبتيها تنظر إليه بعيون كاسفة وبحالةٍ من الانكسار واليأس تطرق رأسها..)
البرق والرعد يزداد. يجلس قرب موقد النار يتدفأ..
الصوت: (يأتي إليه وكأنه يواسي أحزانه) دعك منها فأنها لن تقودك إلا إلى الموت.. إلى اليأس..
حسان: انها تبغي لي الموت وانا أبغي الخلود..
الصوت: الخلود ان لا تعيش حالة يأس واحدة.. ان لا تعيش براثن القنوط.. ان لا تتهيب ركوب الموج.. ان لا تتهيب صعود الجبال..
الصوت: الخلود ان تعيش في قلوب الآخرين.. ان تعمر أرواحهم بالإعجاب.. ان لا ينساك الزمان ويغمرك النسيان.
العرافة: انه ميت.. حياته لا تعني شيئاً للآخرين وموته لا يهم أحداً.. حياته وموته مرهونٍ بجسد مصيره الفناء والعدم..
الصوت: الحب خلود..
العرافة: انه جزءٍ من العالم المنسي فلا تمنحيه الأمل لأن ذلك يطيل عذاباته..
حسان: كفاكما جدالاً وسفسطه حديث كفاكما تتحكمان بي ترسمان خطوط سيري.. وكأني مسلوب الإرادة ليس لي رأي ولا قرار.. وأنا المفكر العالم والأديب والفنان، أنا الإنسان الذي وهب نفسه يبحث عن حقيقة كينونته.. أحاول ان اجد من بصيص الأمل عنوان رغم هذا الظلام.. رغم تلك العتمة التي تحيط بي ، أنا أسير وحدتي و قد سدت كل منافذها.. انا العطشان لبريق يهديني لتلك الحقيقة، أحكم أسوار خوفي وانتزع من غياهب تلك الاقبية سر بقائي ووجودي..
الصوت: قد يأنُسك حديثها فأذهب إليها وهي التي تقودك إلى محتم الموت..
العرافة: أنت تمنحيه املاً كاذباً.. وهو الذي يلفظ أنفاسه ينازع ليتخلص من هذا العذاب.
حسان: (يجلس على الأرض، يدور حول نفسه نظرة بلهاء يحيط بها كل ما حوله يتابع حركة العرافة وهي تقترب منه ضاربة ارض المسرح بإيقاع صوت اقدامها..)
حسان: أيتها العرافة كل ما قلتيه وما ستقوليه لن يجد له صدى في نفسي.. وأنت أيها الصوت الخفي لا أعرف من أي مجهول تأتيني تخترق ضميري الذي هو في سبات وتبليني بمواعظٍ تصيرني كتلميذ بليد..
العرافة: العالم مليء بالمآسي.. دمار وقتل ، خراب وحروب.. الإنسان يقتل أخيه الإنسان ويتفنن بالتمثيل به.. لا مكان للحب.. لا مكان للصداقة الإنسانية شيئاً يتغنى به ولكنها في عالم الوجود شيء مجهول.. النرجسية والأنانية وحب الذات.. هي التي تحكم الإنسان.. لا مكان للحب.. في زمنٍ يحصد الإنسان كرؤوس اليانعة بهذا الحب.. البغض هو الذي يحكم النفوس ، القانون نحيَ جانباً.. والدين يتاجر به.. والأعراف أصبحت تشترى وتباع..
الصوت: الحبُ موجود.. ان الشمس لا تحجبها الغيوم.. كل شيء مرتبط بالحب فلولا الحب ما عاش إنسان ولا اينع زرعٌ ولاجد احدٌ على هذه الارض.. ولا عاد طيرٌ لعشه ولا أرضعت أمٌ أبنها الحنان..
حسان: (يشرد بنظره إلى العرافة التي راحت على بعد خطوة واحدة منه..) لم تكتمل الصورة عندي بعد فأنتما تقيضين.. أين أنا من هذا الغموض الذي راح يكتنف نفسي عن ماذا أبحث.. وماذا أريد ثمة أشياء تطاردني تلاحقني أينما ذهبت.. وأنا الهارب من واقع حاولت ان أكيّف نفسي معه فلم اقدر، سني عمري قد اثقلها العذاب، الحب الذي أعيشه حبٌ وسط محيط الأموات المتجمد.. حبٌ يذكي نار قلبي رغم أنه بارد.. برودة الموت ذاته..

الفصل الثاني
المشهد الثاني

لحظة صمت
موسيقى تناغم حركة حسان الذي راحت تتنازعه الحيرة.. وميض البرق يتجدد.. صوت الرعد يتهادى مع تلك الموسيقى.. (نباح الكلاب و عواء الذئاب) يقطع الصوت يتعالى شيئاً فشيئاً..
سعد الحافي: (داخلاً) ثيابه ممزقة يحمل كيساً فيه قطع ذهبية ، خطوط دماء على وجهه ويديه يقترب من موقد النار يحاول ان يلتصق بالنار من شدة البرد.. يأن من الألم..
حســان: (داخلاً) من الذي قد فعل بك هكذا....
سعد الحافي: (حالة صمت)
حســان: (يمسك به حتى لا يسقط يجلسه على الارض).
سعد الحافي: ثلاث قطع ذهبية تسقط من يده وهو يبسطها..
حســان: كل هذا.. من اجل هذه..
سعد الحافي : (يتحامل على نفسه وهو يتكلم جاهداً)..
قد تساوي مبلغاً كبيراً وجدت منها الكثير لكني وانا أهِمُ بالتقاطها.. هجمت عليّ ذئاب لا أعرف كيف أنقذت نفسي منها.. هربت.. كنت اسرع منها بكثير لا أعرف كيف وصلت.. كنت ممسكاً بهذه القطع الثلاث وكأنهن يبعثن في داخلي القوة والمثابرة..
حســان: وما فائدتها وأنت مثخن بهذه الجراح..؟
سعد الحافي: جراحي ستبرأ ما أن تسمع رنين الذهب (يضحك مكابرة) ستعيد لي الحياة..
حســان: إنك وإن جمعت من هذه القطع الآلاف سوف لن تبرأ من سموم تلك الجراح.. ستجعلك تلك العضات مستذئباً ستعوي مثل الذئاب ولن يبرئك من دائها إلا الموت..
سعد الحافي: أنت ترجم بالغيب.. ان هذه القطع سر الحياة.
حســان: (يصب له الشاي في ا لقدح) خذ أشرب قد يدفئك هذا الشراب.. (ثم ينظر إلى ملابسه الممزقة) دعني آآتي لك بغطاء تتدثر به.. دعني أضمدُ تلك الجراح بهذا الرماد فهو قد يعقمها..
سعد الحافي: (يشتد البرد عليه ويبدو كسعفة في مهب ريح).. إني أرتجف، البرد يمزقً أوصالي.. (يخرج حسان يهم بأن يجلب له دثار..)
سعد الحافي: يتحامل على نفسه يستند على أكداس الكتب بجسده.. هاهي أحلامي تتلاشى وأنا في طريقي للهلاك.. قد أموت ولن اسعد بحال.. ولن يفيدني هذا المال.. لن يهنىء لي بال.. (ينظر إلى تلك القطع).. آه.. أيها المال كنت بحاجة اليك كي تحقق تلك الأماني.. كي أحقق طموحي وغايتي.. وها أنت بين يدي.. لا أعرف ما سيئول إليه المصير لأخرج من هنا "يخرج يتحامل على نفسه"..
حســان: داخلاً بيده الدثار.. ينظر حوله.. لم يجده (يصرخ بأعلى صوته)، ايها الرجل اين أنت ، أنتظر حتى الصباح.. وبعدها أذهب..
صوت سعد الحافي: (من بعيد وداعاً) أيها الرجل الطيب قد أعود اذا ما كتب الله لي السلامة والنجاة..
حســان: يجلس قرب موقد النار.. يحاول ان يذكيها بوضع قطع من الخشب..

تنطفىء الاضواء
صوت طلق ناري...

فــارس: يدخل وبيده بندقية ينظر إلى حسان..
حســان: هذه الليلة التي ما عاد لها خلاص قد اتعبتني.. وهاهي المصائب تأتي تباعاً..
الفـارس: ألم ترَ أثنين مرا من هنا رجل وأمرأة..
حســان: (بأستغراب) رجل وامرأة..
الفـارس: فقد تهديهم نارك الموقدة مثلما هدتنا اليك..
حســان: انا لم أرَ أحدٍ غير هذه النار التي مازال اوارها يتلظى وكأنها لا تريد ان تخمد..
الفـارس: كل المسالك تقود لهذا الطريق..
حســان: قد تقودك أنت أيها الفارس المغوار ولا تقود امرأة وان كان معها رجلٌ إلى هذه القفار..
الفـارس: لقد لمحنا عن بعد ظلاً لأثنين هنا..
حســان: لم أرَ لهم ظلا..
الفـارس: سأعطيك هذه يخرج ثلاث قطعٍ ذهبية ملفوفة بالقماش وعليها آثار دماء..
حســان: (بأستغراب) أليست هذه القطع لسعد الحافي..؟
الفـارس: أنا لا أعرفه كل ما أعرفه أني وجدته يحتضر في الطريق فأجهزت عليه لأنقذه من العذاب..
حســان: قتلته...
الفـارس: نعم، قتلته.. لأنه ميت لا محال..
حســان: كيف تقتل إنساناً..؟
الفـارس: إني رحمته.. ولم أقتله..
حســان: الموت يضرب أطنابه.. في كل مكان لا مهرب من هذا الموت كالفراش يقوده الضوء إلى حتفه.. كذاك الإنسان أي نذر شؤوم هذه..
الفـارس: انها النذر التي تأتيك بالموت.. أين هما، أني أشم رائحة الكذب في كلامك..
حســان: لم أكذب عليك فأني مقطوع عن العالم لم أرَ أحد، لم أرَ غير سعد الحافي الذي قتلته..
الفـارس: ("يتقدم نحوه يلكزه بأخمص البندقية يسقط أرضاً") وسأقتلك ان لم تدلني عليهما..
حســان: قلت لم أرَ أحداً.
الفـارس: أنت كاذب.. (يحمله من على الأرض يشده بقوة من ثيابه..) قل لي اين هما..؟ سوف أجعلك تتمنى الموت ولن تناله ان لم تقل لي..
حســان: أفعل ما تشاء... (يصفعه الفارس على وجهه).
يسقط ارضاً.. (يتركه على الأرض).
الفـارس: يبحث خلف الشاخص.. (يخرج من المسرح) ثم يعود يتجه نحو حسان وهو غاضب.
حســان: ألا ترحم كبر سني..
الفـارس: سألقي بك في هذه النار.. سأجعلك طعاماً لكلابي.. إن لم تقل لي الحقيقة (يتجه نحو أكداس الكتب يبعثرها).
حســان: (يتحامل على نفسه ويقوم يدفع بالفارس) أتركها.. فلن اسمح لك بالاقتراب منها هي عمري الذي مضى..
الفــارس: سأمزقها.. سأحرقها قل لي.. ويرمي بأحد الكتب في النار..
حســان: يخرجه من النار وهو يحاول إطفاء اللهب الذي أكل غلافه..
الفـارس: (ينظر نحو حسان)..
يسحب ترباس البندقية يصوبها نحو حسان..؟
حســان: "يغمض عينيه"..
"صوت من الخارج".. لقد لمحناهما.. أسرع إنهما يعبران الوادي البعيد..
الفـارس: يخرج مسرعاً.. (صوت سنابك الخيل تبتعد شيئاً فشيئاً)..
حســان: لا تدع ياألهي الموت نهاية حبهما.. ياالله اجعل بينهم وبينهما سداً..
"يمسح جراحه بقطعة قماش.. يقترب من النار يتدفأ.. يضع يديه قرب الموقد يرتب أكداس الكتب..
العرافـة: (داخلة) تنظر إليه وهو يرتب اكداس تلك الكتب ويعيد ترتيبها.. أتدافع عن حب ميت منذ أول يوم التقيا به.. منذ ان كان الرفض للفتى منطقاً لأهل الفتاة..
حســان: أنا دافعت عن مبادئي.. دافعت عن عرفٍ منذ آلاف السنين كان سائداً. ان لا يعطى الدخيل.. وهما دخيلي..
العرافـة: أنت تنأى بنفسك عن عالملك المرسوم إليك.. عالم قدر لك ان تعيشه شئت أم أبيت..
حســان: ها أنت تعيدين كأسطوانة مشروخة كل عذاباتي..
العرافـة : يالك من ساذج.. أنا ما حملت من الآلام لك شيئاً فهي في كيانك لها مستقر ، لها دارٍ..
حســان: أنه الحب..
العرافـة : هاأنتم أيها البشر تمتهنون الحب.. حباً ساذجاً يضيع كطيف في دياجير السنين الظلماء.. سنين ستصبح جزءٍ من الماضي.. لن يبقى إلا آلام الذكريات.. اطلال حبٌ تذرفون الدمع عليها.. وليل كموج خلت من القمر سماءه.. تناجيه بأن يرحل ولكن النهار كالليل ما أن يأتي حتى تهجم عليه جحافل العذاب والآلام..
حســان: الحب احساس ومشاعر ولا يمتهن.. امتهنت الكتابة والغوص في بحور الكلم.. والحب مُلهم لكل مفكرٍ وعالم وأديب..
العرافـة : كتبت وكتبت.. نفذ القرطاس والحبر منذ ان فكت طلاسم الحروف امام عينيك وأنت تكتب ولكن لا أحد يقرأ ـ ِلمَ تجنِ ثمراً.. ولِم تحصد زرعاً..
حســان: انا لم أكتب لأجني ثمن ما كتبت..
العرافـة : أنت كاتب مغمور.. لا أحد يعرفك..
حســان: لم أجد أحداً يبحر في يمّ ما كتبت، لم أجد ناشراً واحداً يقبل ان ينشر لي.
العرافـة : تبحث عمن يقرأ لك.. تبحث عن قاريء والقاريء يبحث عن مفكر.. تبحث عمن يحلق في فضاء أفكارك وأنت تمزق كيانك.. وتشعل اللهب في وجدانك وتستغيث.. دع كل هذا وعش بأمان.. عش بلا خوفٍ ولا هواجس.. لا تدع الريح تصفق ابوابك وتحكم زجاجك.. احرق تلك الكتب أحرق هذه الأفكار.. فهي سبب عذاباتك أحرقها وأحرق ذكرى ودق التي لم تنل غير موفور العذاب منها..
حســان: (يتحرك بهستريا تضطرب حركته ينظر إلى العرافة بغضب) .. ما الذي تقوليه أيتها العرافة.. آأحرق افكاراً وعلماً وفناً وأدباً عصارة ما جادت به ذاكرتي. وذاكرة الغير.. أيام كنت أعيشها اواصل الليل بالنهار وانا أكتب.. أشحذ أفكاري لأخلد لنوم.. ولا يكلني تعب..
العرافـة : ياله من منطق .. لم تكتب ما دام لا أحد يقرأ لك.. ستموت وتترك هذه الكتب غريبة مثلك في ارضٍ ليس فيها غير هوام الأرض ودوابها.. ستمزقها الأرضة وتنخر كل حرفٍ من حروفها..
حســان: أذهبي عني (يهم بأن يدفعها) أذهبي فمنذ رأيتك لم تجلبيِ لي غير نذر الشؤم تلبسيني لباس اليأس وتحطمي كل آمالي..
العرافـة : سأتركك الآن تصارع بقايا روحك بعضك يحطم بعضاً.. الحقيقة مرة.. واللسان سيف سليط يقولها ولا يخشى شيئاً، أنت ما عدت تحتمل الحقائق.. تعيش الخوف واليأس والألم، لا أحد يواسيك لا أحد يبكي على رفاتك..
سأتركك إلى ان تثيب إلى رشدك وتفيق من تلك الغيبوبة..
حســان: (يضع اصابعه العشرعلى رأسه) يأخذ المسرح ذهاباً واياباً وكأنه يلطمُ على رأسه.. (ينظر نحو السماء، مازال البرق يخطف الابصار)..
ياألهي لِمَ هذا العذاب.. أأنا مجنون.. أهو نتاج هذه الوحدة.. هذا الهذيان المهموم الذي ليس له نهاية احلام يقظة وكوابيس تقض مضجعي آمال ضائعة.. قد نأيت عن عالم الحقيقة.. أبحث عن ودق.. ابحث عن سر كينونتي.. من أنا.. ولِمَ أنا.. إلى أي عالم تقودني خطاي.. أهي اسرار لعالم مغيب، أم هي حقائق نجهل وضوحها..؟
الايام تمضي بي تقودني نحو هدفٍ لم اخطط له.. قد تصدق نبوءة العرافة.. قد يصدق كلامها ،أنا اسير حبٍ موعود.. أنا اسير احلام وآمال ميتة.. يكبلني الخوف من المجهول..
العرافـة : (تدنو من حسان) أتعترف الآن بأن حبك كان وهماً وأنك كنت تغترف من السراب الخيال.. ما كتبت هو وهمٍ توهم نفسك به.
حســان:( يتحرك نحو الكتب يخرج اوراقاً ودفاتر مكتوبة بخط يده..)
أنظري إلى هذه الكتب.. أنظري إلى هذه الاوراق (تتناثر بين يديه يمتلىء بها المسرح).. أنظري إلى هذه الاوراق هنا سقطت عبراتي.. وهنا كبا قلمي وهنا انطلق.. كل ما كتبت كان حالة الهام.. أي ورقة كتبتها لم اشكوا فيها غصة في صدري وحسرة داخل نفسي وتقولين وهم..
العرافـة: يقينك طار.. والشك انبت مخالبه في جسدك الآيل للذبول والزوال.. تلاحقك الهموم إينما تذهب حتى ترى الازمان وحوش تحاول الفتك بك.. هربت من الناس.. هربت من الزمان لترسم لنفسك عالماً يتفق ورؤاك .
حســان: كتبت سيرة حياتي ـ عن ذاتي ـ عن تجارب عشتها وأخرى سمعتها.. كتبت شعراً وجدانياً كتبت نثراً.. ما أتيت شيئاً من الخيال.. ولا وضعت وهماً وخلته حقيقة.
العرافـة : (تشبك يديها مع بعضها) أنت مسكين ياحسان.
حســان: كنت اسافر عبر ازمان شتى الماضي والحاضر والمستقبل.. ثلاثون عاماً مرت فارقت فيها الشباب ولم يعد في كياني شيئاً واحد يوحي به.
العرافـة : عش حاضرك.. ودع الغيب وأنسى الماضي..
حســان: أنتِ هكذا تقولين..
العرافـة : أنت تثير شجوني.. وتحملني على ان أعيش آلامك..
( أصوات إطلاق النار.. يتردد صداها..)
حســان: (ينتبه) (يقترب من نهاية المسرح). لا... لقد قتلوا الحب.. قتلوا نوار وجُديلة.. قتلوا أملاً زرعوه في نفسي. فسرقوا الفرح، من عيون العشاق..

















الفصل الثالث








الفصل الثالث
المشهد الاول

المسرح فارغٌ من كل شيء .. الانوار توحي بأن الليل قد انقشعت ظلمته لازال حسان في مكانه يضع رأسه على عدد من الكتب يتخذها كوسادة ويتغطى ببطانية قديمة .. ( صياح الديك يؤذن بانبلاج الفجر)
رجل يدخل إلى المسرح بيده حقيبة سفر ..
ـ يا ترى اين انا ( يصطدم بحسان وهو ينظر إلى الأعلى ..)
صادق :ـ ما هذا .. ( يبتعد عن حسان الذي يقوم بفزع من مكانه ) .. " أأنت شبح
حسان :ـ ( يتثاءب ويتمطى ).. كان يوماً قاسياً كأنه كابوس جثم على قلبي .. لابد أني كنت احلم ..
صادق :ـ وبمَّ حلمت .
حسان :ـ ( وكأنه ينتبه لوجوده لأول مرة ) من انت ؟
صادق :ـ انا عابر سبيل"
حسان :ـ وما الذي أتى بك إلى هذه الديار المقفرة .
صادق :ـ هو ذات الشيء الذي اتى بك .
حسان :ـ حظي العاثر ..
صادق :ـ حظك وتمتلك مثل هذه الكنوز
حسان :ـ أي كنوز هذه..؟
صادق :ـ هذه الكتب .. العامرة فآنى شئت تقطف ثمراً من ثمارها ..
حسان :ـ إنها ..
صادق :ـ ( يقاطعه) عرفت ذلك أنها ليست لك أو انها ديكور
حسان :ـ كيف تكون ديكوراً وانا الذي قرأت فيها كل حرفٍ وسطر .. أبو حيان التوحيدي .. ابو العلاء المعري عبد الله بن المقفع .. ابن سينا وافلاطون ..
صادق :ـ لكل هؤلاء قرأت ..؟ قرأت لأناس عاشوا منذ آلاف السنين ..
حسان :ـ بل الحاضر حتى أسماء وأسماء .. قرأت للمازني والعقاد وطه حسين وقرأت لعلي الوردي .. وسلامة موسى .. قرأت لنجيب وعبد الرزاق منيف .. حفظت إشعار السياب ويلند الحيدري والجواهري والبياتي .. قرأت لفر ويد وشكسبير وجاك لندن
صادق :ـ أكل هذا الكم من الأسماء ..؟!
حسان :ـ قرأت وما تركت كتاباً الا ونهلت من علومه ومن موارده ..
صادق :ـ إني اركع لك أجلالاً
(ينحني وهو يضع يده على صدره ويقدم قدماً ويؤخر أخرى كما كان يفعل الفرسان..)
حسان :ـ اني لم أعرف عنك شيئاً بعد ..
صادق :ـ هارب من دنيا كلها خداع .. لفها الكذب حتى ألفه الناس وامتهن فيها الغدر.. الصديق يخفي خنجره وراءه .. وهو يقدم لك طقوس الولاء .. والأخ لا تجده الا حين يكون بحاجة اليك .. دنيا الضعيف فيها مبتلى والفقير مسحوق والعالم فيها منبوذ .. لا أمانة تؤتمن ولا سرٌ يُسر به .. الصدقُ أصبح سبه والعفة ليس لها مكان ..
حسان :ـ كل هذا في عالمك .. (يتعجب)
صادق :ـ عالمي موبوء بكل ما هو قبيح ..
حسان :ـ فل لي ما أسمك ..
صادق :ـ اسمي يوسم به من يقول الصدق..
حسان :ـ أنت صادق أذن
صادق :ـ اسم قد لا يدل على ما فيَّ من خصال ..
حسان :ـ أنت تحيرني ..كلماتك الغاز وكأنك من عالم آخر.. عالم ليس يشبه عالمنا ..
صادق :ـ وهل أخفيت عنك الحقيقة الم اقل لك أني هارب من عالم آخر..
حسان :ـ وهل ضاقت بك الدنيا وسبلها لتأتي إلى عالمٍ مقفر ليس ذي زرع .. لا ترى فيه غير كثبان الرمل وومض الرعود ..
صادق :ـ أتريد أن أصدع رأسك بحكاياتي ..
حسان :ـ هل تشرب شاياً ..؟
صادق : أتريد أن تجاملني ..؟
حسان :ـ سمها ما شئت فلي رغبة بأن اشرب الشاي معك .
صادق :ـ والله لن أطيق مقاومة رائحة الشاي وهو ينضج
حسان :ـ إن أعطيتك شاياً هل تقرأ ما كتبت ..؟" أو تصغي لما أقول"..؟
صادق :ـ أتريد إن تبيعني كساد ما كتبت ..؟
حسان :ـ بلا مقابل
صادق :ـ الا يحتاج مني إن أركز وأصغي وأفكر ..
أشل أحاسيسي وإنا أنصت إليك .. وأصدع رأسي
بسماع هذا الهذيان ... وهذا بيع .
حسان :ـ ومن قال لك أني أكتب الهذيان.
صادق :ـ وإلا لما نأيت بنفسك إلى هذه القفار .. لو كان أحداً يصغي لما تقول ما هربت هذا الهروب ..
حسان :ـ ( يخرج ورقة من بين الأوراق ) سأسمعك ما كتبت
صادق :ـ وكأنك تحادث الهواء .. فأنني صممت أذني وأوصدت سمعي .. وأغمضت عيني من كل ما هو مكتوب ..
حسان :ـ سأحكي لك حكايتي ..
صادق :ـ حبٌ أطار عقلك وأتى بك إلى هنا ...
حسان :ـ لم تريد ان توصد كل الأبواب وتغلق كل النوافذ
صادق :ـ وأنت تريد ان تنكأ جروحي .. قلت لك اني هارب من دنيا كلها خداع .. هارب من الهموم .. هارب من الأحزان
حسان :ـ ( بإلحاح) إذن أحكي لي حكايتك ..
صادق :ـ سأرحل ..سأدعك .. أردت ان تكون محطتي التي فيها ارتاح من اعباء السفر .. سأتركك لأني لا أحسن فن الحديث ولا أطيق فن الانصات ..
حسان :ـ لا ..لا.. أرجوك .. ارتح قليلاً وبعدها لك ما تشاء ( يأتي له بالشاي ) يضع القدح أمامه خذ اشرب
صادق :ـ ( يرتشف منه قليلاً) الله انه ينعش النفس ويريح التعب ..
حسان :ـ سترتاح قليلاً وبعدها تحكي لي عن حالك ".
صادق :ـ " بحالة من الهستريا" ما لذي تريد أن تعرفه عن عالمي..؟ ( يقوم من مكانه وبحركة مضطربة) عالمي موبوء بداء النفاق والتملق والأنانية وحب الذات والشهوات .. والشر مزروع على الطرقات يبحث عمن يبتليه ببلية لا جارٍ يأمن جاره.. ولا صديق يحفظ غيبة صاحبه .. الكل مستغاب.. ما الذي تريد ان تعرفه الإنسان يقتل لمجرد أنه إنسان والعشق العذري الذي كان يتغنى به أصحابك قيس وجميل اصبح يباع في الأسواق .. الازقة والشوارع ملأى بأسن الارواح .. الكذب والرياء والنذالة والجبن لها طقوس .. الخمرة لا تسكر الناس يسكرهم سوء الظن وعدم اليقين .. كل ما هو حرام حللوه .. وكل ما هو حلال حرم.. المروءة أصبحت طيش وتهور والانسانية شيء من النزق .. البطولة ان تصعر خدك للقوي وتُقبل يد الاسياد .. هذا هو عالمي ملىء بالرزايا .. تحف به الاحقاد والضغائن .. هذا هو عالمي ..
حسان :ـ نعم .. نعم .. أنا آسف سوف لن أسألك بعد الآن شيئاً
صادق :ـ هذا فراق بيني وبينك ..
حسان :ـ سوف لن ..
صادق :ـ يقاطعه سأحمل حقائبي وأرحل ..يحمل حقائبه وينظر إلى حسان "ستموت هنا ولن تجد من يدفنك ..
حسان :ـ لا حاجة لدفني .. لأن هناك كثيراً من الحيوانات المفترسة و سوف لن تبقي مني شيئاً ..
صادق :ـ انظر اشتري مني ما أردت أن تبيعه لي وما اشتريته سأنصحك نصائحاً.. قد تجد قبولاً لديك .. أن شئت اسمعها وان لم تشأ فأني سأتركك وأرحل ...
حسان :ـ أنصحني ..قد يكون هناك جديد فاستفيد ..
صادق :ـ لا تكرم الا الكريم فهو مقرٍ بإحسانك .. ولا تنصح من لا يريد نصحاً ولا تعمل عملاً وتنتظر أن تشكر عليه ولا تزرع في ارضٍ بور .. ولا تجني ثمراً قبل أن ينضج لا تصدق كل ما يقال لك .. ولا تحكم بحكم قبل ان تعرف كوامنه الخفية
حسان :ـ أنا مقرٍ لها .. ومؤمن كل الايمان بها .. انها نتاج تجارب الإنسان ..
صادق :ـ وداعاً أنتهى كل شيء .. ليس عندي ما أقوله لك ( يحمل أمتعته على ظهره ويسير بها خارجاً من المسرح ).
حسان :ـ "( يتوسط المسرح )" من يقرأ كتبي ..من ينصت لقولي ..؟ لا أحد يريد أن يقرأ .. لا أحد يريد أن يكتب .. ضاع كل تعب السنين ..ضاع كل جهدي سهر الليالي وكد النهار خلت الدنيا من السمار وتوارى القمر ضجراًً خلف الغيوم .. لأضطجع على هذه الأرض الجرداء حتى يلفني الموت .. لتنتهي اسطورة حسان العلوان .. هذا هو الموت يأتيني بلا نذير .. سأموت غريباً كما مات ابي ذر الغفاري..
العرافة :ـ احرق كتبك تدفأ بها فقد تقيك برداً ..
احرقها فلن تفيد بشيء بعد موتك ستبلى مثلما أنت تموت ..
حسان :ـ ( ينظر إلى الأفق يصرخ بأعلى صوته ) ايها الفضاء كم تحوي من النجوم والكواكب والمجرات..؟ إلى أين يُسير بك الزمان وإلى أين يسير بنا ..؟ الافلاك تدور وكل يوم تحكى حكاية .. ويولد طفلٍ أو يموت آخر.. العالم يميد بما يحتويه والكل يسير على مسالكه بلا دليل .. كأنهم سكارى .. ما لسرّ‘ الذي يحفزهم للبقاء لا يعرف سبباً لتشبث بهذه الحياة .. السقوط من أعلى قد يبعث في النفس الرغبة بالانتظار حتى يُعرف ما يؤول إليه المصير ..هل ثمة أملٍ بعد ذا؟
العرافة :ـ دعك من تلك السفسطة وهذا اللغو الفارغ احرق هذه الكتب ولا تدع البرد يقتلك .
حسان :ـ آآحرقها
(( بأنكسار ))
العرافة : أحرقها ولن تخسر شيئاً .. فتكون بذا أرحت واسترحت ..
حسان :ـ هي شواطيء ارسو بها بعد عناء رحلة طويلة.
العرافة :ـ شواطئك هذه غير آمنة والبحر أعمق مما تتصور اجعل لك مراسي غير هذه .. وأبحر في بحار أخرى أكثر أمناً وأماناًُ .
حسان :ـ أنا لا أعرف سر عدائك لهذه الكتب وأساطير الحب والاحباب .
العرافة :ـ أنا أكره الحب .. أكره سيره .. أكره العشق والعشاق .. أكره الصبح .. أكره الأمل .. أكره كل ما يفيق الإنسان من غفوته .. أكره الكتاب لأنه يولد الوعي والإبداع ..
حسان :ـ أكل هذا الحقد الدفين تحملين ..؟
العرافة :ـ سأدعك تواجه المصير .. هذا فراق ليس بعده عودة .. وسأقولها ملىء فمي ان حبك ياحسان هوسٍ وهذيان ..
ان حبك صحراء يلفها النسيان
حبك كتاب بلا عنوان
حبك بقايا من بقايا إنسان ..
عشت غريباً وستموت غريباً....
(( تخرج ))

حسان :ـ عيناه شاخصة على العرافة التي ابتعدت منه "وهي تقول ( هذا فراق ما بعده عودة) تكررها مراراً.
حسان :ـ ينظر إلى الشاخص عيونه تنظر الى اكداس الكتب .
حسان :ـ يخرج أحد هذه الكتب تتناثر أوراق على الارض يهم بأن يجمعها ولكنه يذهب قرب موقد النار..
يهم بأن يلقي أحد هذه الكتب بالنار إلا انه يتوقف فجأة ..
حسان :ـ لن تطهر تلك الكتب الا بالنار.. سيحيلها إلى لهب اوارها يتلظى في قلبي .. ولكن هو ذا الاختيار .. فلا أريد لها ان تأكلها الارضة .. أو تصبح وكراً للعناكب .. النار قد تكون هي أحسن اختيار ..
يهتز الشاخص .. يعود حسان .. إلى مكانه الفزع يأخذه .. الشاخص يتحرك حركة ارتدادية تجعل حسان يمسك بالكتب خوف الانهيار ..)
حسان :ـ الارض تهتز .. أهو زلزال .. لا لن احرق هذه الكتب .. ستكون ملاذي الذي إليه أآوب .. لن أحرقها فهي نسُكي .. هي صومعتي التي اليها احن .. لن أحرقك ايها الكتب ..
قد لا أجد قارئاً يقرأ .. قد لا أجد من يستمع لحديث لكن الأيام حبلى فمن رحمها يولد الرجال .. ولن يضيع الآمال (يجلس قرب موقد النار)
يهتز الشاخص من جديد الفزع يستولي على حسان ..
صوت رجلين خارج الكادر ..
اللص الاول :ـ هذا هو مكان حسان العلوان
حسان :ـ من انتم وما الذي تريدون اصغوا إلىَّ إني لا أخافكم مهما كثرت عدتكم فعندي أمضى من السيف .. واكثر فتكاً من فوهة بندقية .. (يشعل عود الثقاب في حاله من الاضطراب والهستريا .. يطفأه بعد أن يعكس الضوء على نصف وجهه ..
اللص الثاني:ـ دعنا نقتله ونبيع هذه الكتب ونشتري بها خبزاً لعيالنا ..
حسان :ـ تريدون قتلي وانتم لا تعرفون عني شيئاً
اللص الاول :ـ نحن جياع .. وأولادنا جياع .
حسان :ـ وهل قتلي يشبعكم
الثاني :ـ بل نريد تلك الكتب.
حسان: أتريدون هذه الكتب وقد كانت سيرة لحياتي كلها.. هي ذاكرتي وذكراي .. لن أتركها لكم .. فهي عالمي وعلمي.. هي سر بقائي..
الثاني :ـ ومن قال لك نحن نريد علماً.
الاول :ـ سنقتلك وتسمى شهيد الكتاب . (بأستهزاء).

الثاني :ـ ستكون أحلى شهادة وأنت مضطرجاً بدمائك تلتحف هذه الكتب .
حسان :ـ ومن قال لك ان الكتاب لم يعطي شهيداً هناك أسماء وأسماء بدءٍ من المتنبي وانتهاءً بكامل شياع وستار جبار والقافلة تسير .
الثاني :ـ نريد أن تعيش ..
حسان :ـ وما الذي اعطيه مقابل ان أعيش أنا
الاول :ـ كتبك هذه
حسان :ـ هو الموت بعينه
الشاخص يتحرك بشدة .. أهتزازات متوالية الموسيقى تتزامن وحركة الرجلان وهما يضيقان الخناق عليه .. وهو يدور لدورانها .. هو والكتب مركزي هذه الحركة .. يدفعان بالكتب تسقط عليه ...
لحظة صمت ...
يسقط حسان على الارض يمسكان بيده ويتركانها لتسقط بتلقائية ..
الاول :ـ لقد مات ..
يحاولان حمل الكتب وتعبئتها في اكياس بلاستيكية ..
حسان :ـ ( يتحرك بثقل وهو يأن )
الثاني :ـ ( يقترب من حسان يضع إذنه على صدره )
انه لم يمت مازال فيه نفسٍ ما زالت نبضات قلبه تدق ..
الاول :ـ (يحمل ورقة من الأرض)(يقرأ بصوت مسموع).
هي ذي نهاية الانسان عاش ومات .. وضمت رفاته التراب .. لو احصيت أيامه .. كم يوم فيه ضحك وكم يوم بكى ..؟ كم نام وكم من الايام استيقظ ..؟ جاع وشبع عطش وشرب .. أحب وكره .. هو ذا الانسان اتمت فصول حياته .. فبعد الربيع خريف .. أنتهت حياته وكأنه ما مشى على هذه الارض . لا حكى ولا أنتظر الغد كي يكمل مسيرةالامس .. ايقظوا ايها النيام من سباتكم افيقوا قبل أن يأتي يومٍ لا يبقي ولا يذر .. يوم تموت فيه القلوب وتتحجر فيه العواطف .. وتصبح تلكم الاجساد جزءاً من الثرى ..ا لراحلٍ في غدٍ كراحلٍ منذ آلاف السنين ..
الثاني :ـ انه مجرد كلام لا يغني ولا يشبع
الاول :ـ سندفنه وهو حي لأنه ميت لا محال واكرام الميت دفنه.. (يضحك).
الثاني :ـ دع كل شيء ولنأخذ هذه الكتب لعلنا نبيعها بثمنٍ يكفينا مؤنة عدة أيام .( يهمان بتعبئة الكتب صوت من الخارج يجفلا ما أن يسمعاه .. يبقيان في حالة ارتباك..)
صادق :ـ (داخلاً) قفا مكانكما لقد قتلتما الرجل (ينظر الى حسان) (الفزع يستولي عليهما) .
الاول :ـ لا لم نقتله .. أنه خرَّ صريعاً حين وقعت عليه الكتب أننا لم نقتله .. ولم تؤذه حتى ..
صادق :ـ أنها كتبه .. لماذا يعبؤوها بهذه الاكياس؟
الثاني :ـ نريد اشباع عيالنا
صادق :ـ وما فيها من علم وأدب .. وما فيها من روائع الفنون .
الاول :ـ لا يعنينا ما فيها .. كل ما يفيدنا أوراق نبيعها لصانعي الاكياس .
الثاني :ـ أنها حبر على ورق .. فها هي المكاتب ملئى بهذه الكتب لكن لا أحد يقرأ .. ولا أحد يشتري .. قد تدور الدهور عليها وهي قابعة في الرفوف ..
صادق :ـ قد تكون جفوة .. أو حالة سكون .. لكن لا بد أن يأتي اليوم الذي سيكون فيه الكتاب ثورة .. انتفاضة تهزو تزلزل اركان الجهل والفساد والمرض.
الثاني :ـ ما لذي نفعله بكتاب والجوع ضارب اطنابه والمرض يفتك بالناس ..
صادق :ـ أنتم الجهل بعينه أنتم الآفة التي تفتك بكيان الأنسانية ..
الاول :ـ قد تجد جاهلاً يملك الدنيا وما فيها.
الثاني :ـ وقد تجد عالماً لا يملك إلا الفتات.
صادق :ـ اذا ما ملكت مالاً قد يذهب هذا المال ويبقى جهلك أما العالم فاذا ذهب ماله بقي علمه هو الثروة الحقيقية .
ودق :ـ (داخله) تصرخ بأعلى صوتها.
حسان أتتحاورون في المال والعلم وتتركون الرجل ينازع.
( تقترب منه ) افق ياحسان.
العرافة :ـ داخله ) دعوه يموت .. فأن الحياة ما عادت له
ودق :ـ أفق ياحسان .. ان الحياة لا تلفظ الرجال بسهولة .
وان الموت ما غيب عالم أو اديب .
صادق :ـ نعم الموت لم يلف أديب أو عالم سيبقون عبق الذاكرة .. سيبقى خلودهم ابدي فالرجال بما يقدمون .
العرافة :ـ انبشوا قبورهم فلن تجدوا غير رميم العظام وبعد قادم السنين سيكونوا لصقاً بهذا الثرى .. هذا ان لم تطحنها الحضارة بطواحينها التي لا ترحم حرمة لميت.
صادق :ـ دعونا نوقظ هذا النائم .. ننفض عنه غبار اليائس .
العرافة :ـ الم تهرب من جحيم العالم .. ماا لذي اتى بك وانت الذي اردت الخلاص . وكأن بقاءك في ذاك العالم الذي أتيت منه انتحار.
صادق:ـ قد يخطىء الإنسان التقدير .. وليس كل قرار صائب .. والاعتراف بالخطأ فضيلة . وان هروبي كان خطيئة .. الدنيا بلا بشر جحيم ـ والعالم بلا أنيس لا يطاق ـ المهم أن لا تهرب من المواجهة مهما كانت صعبة ...
الأول :ـ كفى من حكمك ودعنا نرى الرجل .. فقد يؤخذ منا على حين غره..
الثاني:ـ ( يقترب منه )
حسان :ـ يتحرك من مكانه ( يسنده اللص الثاني كي يستوي بجلسته يدور بعينيه حول الجميع..
الاول :ـ حمداً لله أنه لم يمت .
الثاني :ـ دعنا أذن نذهب ..
صادق :ـ قفا .. فقد تكون هذه صحوة الموت .
الثاني :ـ وما الذي تريده ( يدفعه).
صادق :ـ أنتما سبب موته .
الاول :ـ احمد الله اننا لم نقتله .
حسان :ـ (وكأنه يفيق من غيبوبة ) من انتم؟
هذه ودق .. وهذه العرافة .. وهذه صادق عابر السبيل، من انتما اني لا عهد لي بكما..(يتكلم بإجهاد)
الاول :ـ نحن بقايا من أشلاءٍ ممزقة .. نحن نتاج الماضي والحاضر الملفوظ " اناس شُرذمت حياتنا بتناقضاتها وبما ابتلينا من فوارق بين طبقات لا تحصى أموالها واخرى سحقها البؤس والحرمان.سواء اكانت تلك ارادتنا ام ارادة الأقدار
نحن بقايا لأناس عاشوا على هذه الأرض.
الثاني :ـ نحن الجزء المعتم من هذه الصورة .. نحن كابوس جاثم يرفد الليل بأسراب غيلانه .. نذر شؤوم أينما حللنا .. نحن ننتزع قوت الاخرين .. ليس لكي نشبع وإنما كي نعيش.. قد نسلب فرحة من فاز بمالٍ وآمن يومه ..
حسان :ـ (يتأفف .. يتحسر بقوة .. ) مم الهرب وإلامَ نهرب من الطالب ومن المطلوب...؟
( "المنظر يوحي بتساقط المطر")
أمطري أيتها الدنيا .. اغسلي ادران هذه الارض لتمتلىء الارض بالعشب الأخضر .. فها نحن عائدون .
صادق :ـ قد تهرب ممن هم بحاجة الينا نحن حملة القلم والفكر، قد نهرب من مواجهة الواقع من كلامٍ مرٍ يراد به تقويمنا .. قد يبهجنا معسول الكلام وهو قبيح..
أذهب حيثما تكون مؤثراً حيثما تفيد تعلم وعلم افد واستفد .. لا تكدس علمك بطيات أفكارك وتنظر من يخرجها .. لا تدع الأيام تفعل ما تشاء .. كن أنت المحرك لكوامن النفس .. الجاهل بحاجة اليك والمريض سيشفى بما تصفه له .. كن مدرسة .. تعلم فيها الكبير والصغير لا تهرب من هذه الدنيا فأن لم تكن علماً ستكون نسياً منسياً.
حسان :ـ وهذه الكتب ..
صادق :ـ ستكون للجميع، لن نركنها في الرفوف لنعطي كل رجل كتاباً لعله وأن يستفيد.
حسان :ـ أذن دعنا نرحل .. لتستعد للمواجهة ..لن نخسر شيئاً إلا قيودنا إلي قيدنا أنفسنا بها .
( يحمل جزءً من كتبه إلا أنه يسقط على ركبتيه تخونه قواه )
حسان :ـ ان قدميّ لا تعيناني على الوقوف ..
صادق :ـ حاول يا حسان فالعودة إلى قفار الوطن خير من خيار الغربة ..
ودق :ـ كن شجاعاً يا حسان مثلما عهدتك
اللص الأول :ـ سأعينك على أن تكمل المسير ..
حسان :ـ لم تعد قواي تعينني ..
العرافة :ـ ألم أقل لكم أنه ميت لا محال..؟
صادق :ـ اصمتي .. فهو أقوى من الموت .. أقوى من ان يقهره الموت ..
حسان :ـ يتحامل على نفسه يقوم إلا أنه يسير خطوتين ثم يسقط يجتمع حوله الجميع .. أمارات الحزن تخيم عليهم " يقتربون منه "
ودق :ـ لم يمت حسان .. لم يمت الحب .. لم يمت الأمل .. لم يمت الإنسان..
صادق :ـ لم يمت أنه باق هنا .. بين سطور تلك الكتب يحاكي أفكارنا .. ويستشير عقولنا .
الاول :ـ دعنا نحمله
الثاني :ـ ( يمسكه من معصمه ) لم يعد به نفساً يرتجى ..
ودق:_ (صوت صراخ طويل )"
تنطفىء الاضواء..
جديلة :ـ ( داخله) عم حسان .. اين أنت ياعم حسان ..؟ أين أنت ..؟
" تنظر إلى الوجوه وقد أستشرى بها الحزن "
جديلة :ـ ( تقترب من صادق ) لِمَ هذا الوجوم يطرز وجوهكم لم علت غمامة الحزن فأكفهرت الوجوه .. وكأن الموت حل بتلك الديار..
نوار :ـ ( داخلاً يستعرض الوجوه ) وهو ينتقل من واحد إلى آخر...
اين عم حسان ..؟ اين هو فقد اشتقنا إليه... ؟
جديلة :ـ لا أحد يريد ان يتكلم الصمت يسود المكان
نـوار :ـ اين حسان .. سيد هذا المكان ..؟
صادق :ـ لقد .. مات ..
نـوار :ـ (بحالة ذهول) .. مات ..
ودق :ـ مات غريباً وعاش غريباً
جديلة :ـ جئنا نبشره بانتصار حبنا ..
نـوار :ـ جئناه ليشاركنا فرحتنا .. ليشاركنا سعادتنا...
(بحزن) لكنه مات ..
صادق :ـ موت جسد فقط ..
جديلة :ـ لم تكتمل فرحتنا .. تمنيت ان يبارك زواجنا بعد ان بارك حبنا ..
ودق :ـ لقد ظن أنكما متما .. حين سمع صوت الأطلاقات النارية .. ظن ان حبكما قد مات .
نـوار :ـ الحب لا يموت .. الحبُ أقوى من الموت .
جديلة :ـ ( تتجه إلى نوار تمسك بيده)..
جديلة :ـ سيضمنا عش واحد .. سيظلنا ظل الحب الوارف من السعادة .. سننجب طفلاً سنسميه حسان ليبقى أسمه للتضحية عنوان ..
نـوار :ـ (يخرج من جيبه وردة يشم عطرها .ثم يقبلها . يضعها قرب جثمان حسان )..لتكن هذه الوردة عنوان للحب والإخلاص عرفانٍ لحسان .. ورمزاً لكل الأحبة على مر العصور والأزمان ..
جديلة :ـ لن تذبل هذه الوردة ما دام الحب باقٍ .. نوزعه على أفئدة كل الناس... ( تضع خمارها على وجه حسان)..
صـادق:ـ هاهو حبكما أنتصر .. اين أنتِ أيتها العرافة لتقري بحتمية هذا الانتصار .. وان الحب الحقيقي هو حُب الروح للروح .. لا تهزمه الصعاب ..
نـوار :ـ جديلة .. لنعد لديارنا..
جديلة :ـ ليكون هذا مزاراً لحبنا .. ولكل الاحباب تأتي إليه كل عام وليكن يوماً للحب نخلد فيه ذكرى حسان...
الصوت :ـ أيها الأعزاء قد يموت الإنسان وتلك نهاية البشر فما خُلق الإنسان كي يخلد بجسده، الجسد فان ولكن نتاج العقل باقٍ، قد يغترب الإنسان وقد تطول غربته .. ولكن لا بد للغريب ان يعود .. الوطن بحاجة لأبنائه .. وأن أفلت الشمس لا بد لها من شروق.. ليكن الحب .. والأمل والعلم والعمل هو غاية ما نريد.. لنوزع الحب على الجميع باقات ورد وأكاليل غار.. لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس فبالعلمِ والعملِ نشيّد ونعلي البنيان ..
دعونا لا نبكي على أطلالٍ درسنَ..
ولا على مجدٍ تولى ..
لنبني مدرسةً .. أو نشيّد داراً للثقافة .. أو نبني مسرحاً .. أو مشفىً أو جامعة .. أعطني مسرحاً وخبزاً اعطيك شعباً مثقفاً .
لنبني الإنسان .. لنبي الإنسان ..
فبناء الإنسان أهم بنيان..
صوت :ـ بيان صادر من اعداء الثقافة والحب.. اعداء الحياة .. تغلق كافة المسارح وتعلق كافة نشاطاتها .. فهي تثقف الإنسان .. وهذا ما يزعج السلطان.
الجميع :_لا والف لا
لن تقفوا بوجه الحياة
ستبقى رايتنا عالية ،شامخة تلك الجباه
هذه معاول البناء قادمة ستزلزل الارض تحت اقدام البغاة
لن يغلق مسرحاً اويصادر قلماً مهما حاول اعداء الحياة لا..............والف لآ ......لا والف لا
يستمر الكورس بترديد لاوالف لا حتى تغلق الستارة
انتهت
كتبت بتأريخ10/12/2010
سالم الحميد




مسرحية(تداعيات حسان العلوان)
مسرحية تعبر عن ازمة الانسان المعاصر بلغة شفافة
تختزل الموقف الأنساني لكل شخصية دون اطالة تفقد الحوار
دفقه، مسرحية يحاول كاتبها الاستاذ سالم الحميد ان يرفع
اصبع الادانة لكل ماهو ظلامي ومسخ وغير انساني..في هذه
المسرحية نجد انفسنا جميعاً عشاقاً وقتلةً وانهزاميين وحاملي
شعلة النور (الثقافة) نجد الحس الانساني النبيل لحسان وموته
الدرامي في اخر المسرحية لكنه حياة الموت التي تنبعث فجأة
من كتبه وأفكاره والكاتب سالم الحميد يجيب على السؤال الأزلي
ماننفع الثقافة والفكر في حياة المال والرذائل تسيطر عليه وتلقي
دثارها فوقه ..؟!ولكنه يجيب بثقة تامه بأن النور لاتطفئه خفافيش
الظلام .. فضلاً عن تلك الضربة التي تقلب موازين القوى
المتصارعة حين ينتصر الحب للثقافة .. انه يصور هذا الصراع
الانساني بقلم اديب يعيش ضروف مجتمعه ويطلق صرخته الازلية
في الأنتصار لقضايا الانسان وحريته وأنعتاقه
انها مسرحية تبشر بميلاد كاتب يقتنص من الحياة دفقها الساخن
ويسطرة بقلم رشيق ولغة أخاذة........
الدكتور الشاعر
عبد الكريم عباس حسين الزبيدي
21/1/ 2011 بغداد








#سالم_وريوش_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة


المزيد.....




- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم وريوش الحميد - تداعيات حسان العلوان مسرحية ثقافية رمزيه