أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 13 ) - علاقات الإنتاج كخالقة وحاضنه للفكر والتراث الدينى .















المزيد.....



لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 13 ) - علاقات الإنتاج كخالقة وحاضنه للفكر والتراث الدينى .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 - 02:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تناولت فى هذه السلسلة من " لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون " رؤى مختلفة تدفع الإنسان للإعتقاد بكيانات ميتافزيقية يفى بها حاجاته النفسية العميقة فى خضم مواجهته للحياة والطبيعة .. وكما ذكرت سابقا ً أنه لا يوجد عامل نفسى وحيد ومتفرد شكل الفكر الإيمانى فتتضافر عوامل شتى تعضد من بعضها خالقة مجال للإعتقاد وإن سمحت بهيمنة عامل محدد يطفو على السطح مشكلا ً الملمح الرئيسي للإيمان .
فى هذا البحث نتناول طبيعة ونمط وعلاقات الإنتاج كحضانة وبوتقة تتشكل منها الافكار وتحدد مداراتها وآفاقها وتأسرها فى حدود تنطلق من داخلها السلوك والفكر والإيمان ..كان حريا ً بالفعل أن يكون هذا البحث فى مقدمة المقالات التى تتناول الأسباب المنتجة للإيمان والخالقة للآلهة بحكم أنها الإطار الحاكم لحدود وآفاق أى فكرة .

لماذا تنفرد منطقتنا العربية بحالة من حالات التخلف الحضارى والإجتماعى والثقافى ؟! ... ولماذا نجد حضور عالى للموروث والتراث الدينى فى التركيبة الثقافية يستأثر بالعقل العربى فتصبح مفرداته الثقافية داخل إطار المنظومة الدينية لتتضاءل بجواره مفاهيم العصر والحداثة .
هل نحن شعوب متدينة ؟! .. ولكن هل يوجد شئ إسمه شعوب متدينة وشعوب غير متدينة !.. وما الذى يجعل شعوب يكون الدين هو هويتها وثقافتها مشبعا ً بعواطف وإنتماءات بينما شعوب أخرى لا تتواجد هذه المفردات فى وجدانها وثقافتها .؟!
ما الذى يجعل الدين حاضرا ً فى البنية الثقافية هنا وغائبا ً هناك بالرغم أن الإنسان واحد يعيش نفس الظرف التاريخى .. فالعربى يعيش نفس اللحظة التاريخية مع الأوربى ويتعاطيا سويا كل منجزات الحضارة من تكنولوجيا حديثة ووسائل إتصال وتواصل تقرب أكثر ما تفرق ورغما ً عن ذلك فهناك هوة حضارية وبون ثقافى واجتماعى شاسع .
من الخطأ أن نقول بأننا شعوب متدينة وأصيلة حافظت على معتقداتها وتراثها بينما الغرب شعوب مُنحلة تجرى وراء لذاتها فهذه هى السخافة بعينها أو بالأحرى هو البحث عن ميزة تفاضلية تهون علينا تخلفنا .
لا يوجد شئ إسمه شعب متدين فنحن بهذا نحكم على الحالة بعد ان تكونت ولا نقدم تحليل لماذا تتجه شعوبنا العربية إلى مفردات ثقافية قديمة لتضعها فى الصدارة ..هو ليس ورعا ً بقدر ما بقاء الثقافة القديمة بكل إطلالتها حاضرة ... كما لن نستطيع القول بتواجد الثقافة الدينية مهيمنة هكذا كشئ قدرى بقدر وجود ظروف موضوعية معبرة عن واقع مادى هيأت المناخ لبقاء هذه الثقافة .

قد يعتقد البعض أن مفكري وفلاسفة عصر التنوير هم من أشعلوا جذوة الثقافة الغربية مما أدى إلى إنسلاخها عن تراثها الدينى المسيحي وتحليها برؤى ثقافية ومنهجية جديدة بينما إفتقدت المنطقة العربية لهؤلاء النخبة التنويرية فبقى الحال كما هو عليه ..نعم المفكرين والفلاسفة عوامل تساهم فى بلورة توجه والتبشير به وإعلانه وتأطيره ولكن من الخطأ التصور بأنهم العامل الفاعل فى بناء ثقافة جديدة لأوربا .. فهاهى فلسفتهم ليست حكرا ً على أوربا ولكنها لم تحرك ساكنا ً فى جبال الجليد العربية .
المفكرين والفلاسفة ينتجون أفكارهم كإلهام وإدراك عميق وواعى للمجتمع متلمسين تضاريسه الداخلية ودرجة تطوره الموضوعى ومتى توفرت بشارات ولادة جديدة كانت أفكارهم هى المرشد والمؤطر .. فليس الفيلسوف قادر أن يغير بمقولاته الرائعة واقع مجتمع لا تتواجد فيه البنية والمناخ الذى يحتضنه ليجعل بناءه الجديد قائما ً ومتغلغلا ً فى نسيجه الفكرى ..فالثقافة تعبير عن نمط حياة المجتمع المادية وليست كيان هلامى ينشأ هكذا من إبداعات مفكرين وفنانين .

مقدمة .
لا يوجد فى الحياة إلا الإنسان والطبيعة فحياته ترتبط بالطبيعة فمنها يحصل على وجوده ونموه وتطوره فى ظل إلتحامه
بالمجموع ليجابه الوجود المادى من خلال العمل والإنتاج .. فكلا العنصرين يتداخلان جدليا نحو نمو المجتمع فلا عمل بلا إنتاج ولا إنتاج بلا عمل ولا يمكن للمجتمع أن يعيش أو ينمو بدون العمل والإنتاج فهذا هو الشرط الموضوعي لكل وجود إنساني.
العملية الإنتاجية هى نضال الإنسان ضد قوى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يناضل منفردا ً لذا يناضل للحصول على طعامه من خلال المجموع .. ومن هذه المشاركة تنشأ علاقات بين البشر خلال عملية الإنتاج والهم المشترك نسميها علاقات الإنتاج
ومهما تباينت نمط وعلاقات وقوى الإنتاج فهى لن تكون علاقات عشوائية لا تترك تأثيرها على البشر فالإنسان كائن واعى لذا يتفاعل ويكون مشاعره وأحاسيسه وإنطباعاته ورؤاه من خضم عمله وإنتاجه وعليه فتكون حياة المجتمع الروحية والفكرية هي انعكاس حقيقى لواقع المجتمع المادي الموضوعي، فالعلاقة شديدة الجدلية فلن تنتج أى فكرة أو سلوك أو أخلاق إلا من طبيعة علاقات الإنتاج وشكلها وقواها الفاعلة .. فجدلية الأشياء هي التي تولد جدلية الأفكار وليس العكس .

الإنتاج هو حاجة الإنسان الطبيعية لإيفاء حاجاته الضرورية من الطبيعة من خلال أدواته وآلاته التى يتعاطى بها ..فهناك الحاجة والرغبة فى الإشباع وهناك الطبيعة التى تطلب جهدا ً للحصول على الحاجة ليتطلب هذا عمل جماعى من مجموعة بشرية لتنشأ من هذه العملية علاقات وتوزيع للأدوار ومن داخله تتكون الصراعات الرئيسية والثانوية .
شكل الإنتاج وعلاقاته هى التى تخلق نمط التفكير وحدوده وآفاقة لتنتج أفكار بشرية هى فى إطار علاقات العمل والإنتاج السائدة لا تشذ عنها فكل مفردات الفكرة هى ملك خاص لطبيعة علاقات الإنتاج وخريطة القوى المنتجة والفاعلة .

هذه العلاقات الإنتاجية وأسلوب التعاطى مع الطبيعة تتكلل بأنماط سلوكية بالضرورة تعبر تعبير صادق عن خريطة القوى المنتجة والمهيمنة ومصالحها وموقف كل طرف فى العملية الإنتاجية فلا تكون النظرة الدونية للمرأة مثلا ً بإحتقارها وإذلالها وحصرها كوعاء للجنس واللذة هى رؤية متخلفة وسادية من الرجل جاءت هكذا بل لتواجدها فى مجتمع إفتقدت فيه المرأة لدور إنتاجى فاعل ليهيمن عليها الرجل ويحصرها فى هذه النظرة الدونية حيث لا فعل ولا تأثير ولا مشاركة لها كقوى إنتاج ..وقد يسأل سائل لماذا لم يشركها الرجل فى الإنتاج ؟!! ..فيكون الجواب : بأن ظهور الملكيات فرض على الرجل أن يعزلها ليضمن نقاء الأوعية الجنسية التى ستأتى بالأطفال الذين يتوارثون الأملاك .

لا يكون القتال والحروب والمذابح رغبات وإرادات إلهية فى مناهضة الأغيار كما فى التراث العبرانى أو الكافرين والمشركين كما فى التراث الإسلامى بل هو تنافس وصراع وصل لحد الشراسة فى الرغبة بالإستئثار بمصادر الطبيعة المنتجة .. ولتزيد دوائره فيكون الإستئثار على قوى الإنتاج نفسها من خلال تسخيرها لخدمة العملية الإنتاجية ونرى هذا واضحا ً فى المجتمعات الإنسانية القديمة من الحرص على إستعباد الآخر لتحويل الإنسان لأداة إنتاجية مُسخرة ..فلا تكون الرغبة فى الإذلال والسادية هو الهدف فى حد ذاته كما يتصور البعض ولكن الحرص على الإستئثار بقوى الإنتاج هى الفاعل الرئيسى ثم تنشأ الأحاسيس باللذة والسادية فى السياق فجدلية الأشياء تولد جدلية الأفكار والأحاسيس .
يخطأ أيضا ً من يتصور بأن هدف الحروب والغزوات الدينية هى الحصول على النساء وسبيها لتكون من حظ المقاتلين ولكن يأتى الرغبة فى الإستئثار بالعبيد الذكور كقوى إنتاج هو الهدف الرئيسى ويأتى سبى النساء فى الطريق كمكافأة للمقاتلين الأشاوس والترفيه عنهم .

لو حاولنا أن نستعرض سريعا ً وبإيجاز أنماط المجتمعات الإنتاجية سنتلمس العلاقة الجدلية بين الإنتاج والعمل ونشوء الأفكار والعلاقات الروحية فى المجتمع الإنسانى ليخلق منظومته الخاصة من المعتقدات والأديان والأفكار.

* مجتمع الصيد والقنص .
مجتمع الصيد والقنص هو المجتمع الإنتاجي الأول الذى عرفته البشرية قبل الوصول إلى مجتمع الرعى والذى إعتمد على تدجين وترويض الحيوان , أو المجتمع الزراعي الذى طلب مواصفات خاصة من الطبيعة .
فمجتمعات الصيد والقنص فى حصولها على الإنتاج اللازم للمعيشة خلقت بالضرورة مفردات سلوكية محددة تمثلت فى القوة والمخاطرة والترقب والمغامرة مع إحتكاك إنسانى مباشر ويومى مع المجهول , فإما أن يكون مُقترس أو فريسة لتتأرجح حياته بين الحياة والموت ..من هنا سنجد أن السمات السلوكية هى نتاج ظرف مادى موضوعى وليس فكر وارد .
فى ظل هذه الطبيعة من نمط الإنتاج سيكون التوجس والخوف حاضر من الطبيعة ليلزم بث الطمأنينة فى النفس الإنسانية بأى طوطم يعتبره فأل حسن وداعم لمجابهة الطبيعة .. ولكن إنساننا القديم يلاحظ أن المخاطر مازالت متواجدة فهنا سيبحث عن مبرر لعدم فعالية الطوطم أو الإله فى ظل جهله المعرفى , فيتفتق ذهنه بتقديم قرابين للآلهة لعلها ترضى ومن هنا ظهر الطقس ليأخذ شكل مراسيم تقدم فيها الذبائح والقرابين ويظهر بعدها مفهوم الخطيئة بوجود عنصر فى الجماعة البشرية هو الجالب للشر والكوارث والنحس وذلك بمحاولة ربط حدث بظهور فرد بالمشهد ليتم التضحية به كتطهير الجماعة من رمز الشر والنحس ثم تتطور الفكرة فى الأديان بعد ذلك ليصبح الخطأ والخطيئة سلوك وأفعال وليس كيان مُجسد جالب للنحس والشر , فتتخذ صورة مغايرة طفيفة كتصور أن الزلازل والأعاصير والفيضان وإحتباس الأمطار هى غضب ونقمة إلهية لوجود الخطاة والكافرين ليظل جوهر الفكرة البدئية حاضراً وإن تغيرت الألوان والخطوط .
هذا التوجس والخوف والمخاطرة كسمة لطبيعة مجتمعات الصيد والقنص هى التى خلقت حدود الأفكار ومداراتها لتشكل الطبيعة مفرداتها الثقافية والسلوكية .

* مجتمعات الزراعة .
ظهور المجتمعات الزراعية يعتبر نقلة نوعية تطورية فى التاريخ الإنسانى فقد جاءت بعد آلاف السنين من الإعتماد على الطبيعة بشكل عفوى وغير منظم يسودها عدم الإستقرار والخوف والتوجس والمخاطرة والذى تمثل فى مجتمعات الصيد والقنص ..لتتبدل الصورة تماما مع ظهور الزراعة كفعل إنتاجى يكتسب الإنسان منه سمات ومنهج فكرى وثقافى مغاير .
فالزراعة تعطى درجة من الأمان الإقتصادى والنفسى المأمول والمأمون بعكس مجتمع الصيد , فيتبدد الخوف والقلق ويقل حدة الصراع الشرس مع الطبيعة الذى تجعله يتأرجح بين أن يكون فريسة أو مُفترس .. هذا الأمان أتاح للإنسان أن يلتقط أنفاسه فيفكر ويُبدع ويقيم حضارته وفنونه وعلومه وآدابه لذا نجد الحضارات الإنسانية القديمة قامت فى الوديان وعلى ضفاف الأنهار وسط طبيعة سهلة وحنونة مترفقة وليس طبيعة قاسية فى حالة صراع وتكسير للعظام .
طبيعة الإنتاج الزراعى وما تتطلبه من مراقبة ورصد ومعرفة للمادة من نبات وتربة وبشكل إتسم بالصبر والهدوء منحت الإنسان هنا سمات كونت تكوينه النفسى والسلوكى من هذا الإطار ... لذا حلقت المدارات والأفاق الفكرية من هذه السمات السلوكية التى جاءت بفعل الطبيعة والعملية الإنتاجية ليبدأ الإنسان أول مراحل التخطيط وعمل البرامج و ما ستكون عليه النتائج من خلال الخبرات التى تكونت لدية من مراقبة سلوك النبات ومراحل نموه المختلفة وكل معوقات الإنتاج من آفات وتربة لتتكون نظرة ومنهج إستشرافى من دراسة الحدث ساهمت فى إنتاج الحضارة كبدايات للفكر المنظم .

حصول الإنسان على إنتاجه بشكل آمن ومنظم وسط طبيعة سخية لا تدق عنقه أو تعصف به بل تحنو عليه وتغمره بثراء لونى متنوع لتتشكل لديه مفردات جمالية من هذا التنوع الهائل من الألوان والخطوط بثت فى نفسه درجة من الهدوء والسلام لذا نجد فن الرسم والنحت يجد حضوره فى المجتمعات الزراعية حيث وفرت الطبيعة للإنسان الألوان والخطوط والسخاء التشكيلى فلا يتبقى إلا خطوة واحد للإنتاج الفنى وهو إستخدام الفرشاة وإطلاق الخيال لتكوين صور من هذا المعين المانح .. وفى ظل هذا الهدوء والأمان إستطاع أن يجلس تحت ظل شجرة وارفة يتأمل بذهن صاف مطلقا ً لخياله العنان ليفكر ويبدع فنون وآداب وقصص وميثولوجيات تفى مساحات الغموض والجهل فى داخله والتى يحتاجها ..لذا نجد المجتمعات الزراعية هى التى أنتجت الميثولوجيات والأساطير الدينية الأولى بحكم أنها أدركت العمق الإنسانى وصاغت صورها بشكل أكثر ثراء وحيوية عن الصور الساذجة لمجتمعات الصيد الأقل حظا ً ... وستتحرك أفاق الأسطورة والميثولوجيا والأخلاق فى حدود المجتمع الزراعى وقواه الطبيعية من شمس ونهر وأرض لتنسج مقدساتها ورموزها الإيمانية .
ولكن لن يمنح نمط الإنتاج الزراعى وعلاقات إنتاجه آفاق واسعة بحكم قلة المفردات التى يتعاطى بها الإنسان فى العملية الزراعية فهو يخوض فى مفردات محددة يراقبها ويتلمس قانونها العام ويحاول ان يجاريها دون التصادم معها ..لذا تتسم طبيعة المجتمعات الزراعية بأنها مجتمعات مسالمة ودودة ومنظمة فالطبيعة سخية وهادئة وذات دورات متكررة لتصل إلى حد الرتابة فتنتج إنسان غير متوتر وغير متصادم وغير عنيف مع شخصية صبورة غير مُتقلبة بل تميل للإستكانة ...وهذا يعطينا ملمح آخر بأن الطبيعة وشكل الإنتاج وعلاقاته يرسم ملامح الشخصية الإنسانية ويحدد منهجه وفضاء تفكيره .

* مجتمعات الرعى .
مجتمعات الرعى هى المجتمعات التى نشأت بعد ترويض الحيوان وتدجينه ليكون الإنتاج معتمدا ً على الحيوان لتدور علاقات وقوى الإنتاج فى رعاية الحيوان وإستثماره أملا ً فى أن يدر وفرة من الألبان واللحوم إما للإستهلاك المباشر أو المقايضة بمنتجات أخرى .
طبيعة الإنتاج الحيوانى إقتصر على نمط وحيد وهو الرعاية والبحث عن مصادر لغذاء الحيوان مما فرض أثره على الإنسان لتتحدد المفردات التى يتعاطى معها فكريا ً فليس هناك تعاطى مع الطبيعة والمادة بشكل سخى وذو مفردات كثيرة كالمجتمع الزراعي لذا فهو ليس مجبرا ً على فهم أسرار الطبيعة والمادة فالإنتاج لا يتطلب سوى الترحال حيث مصدر الكلأ للحيوان لذا لا تتكون لديه حصيلة معرفية ذات شأن فكل مفرداته بسيطة وطبيعة إنتاجه غير مُبدعة ولا تحتاج لمجهود ذهنى ..لذا سيلجأ للخرافة لإيفاء جهله المعرفى بالنسبة للظواهر التى يراها فليس لديه مفردات كثيرة للتعاطى الفكرى بل مفردات بسيطة وساذجة ستدفعه إلى إقتباس حلول الآخرين وأساطيرهم ليتبناها كما نرى فى إقتباس التراث العبرانى والإسلامى لكل الأساطير من الحضارات الزراعية التى جاورتهم .
طبيعة العملية الإنتاجية ستصبغ حياته بشكل من الترحال وعدم الإستقرار إلى عدم تكوين علاقة ما مع المكان كما فى المجتمعات الزراعية والمنتسبين لها وإرتباطهم بالأرض الأم كمصدر الحنو والأمان .. وقد يعطينا هذا تفسير لشراسة المقاتل البدوى ونجاح القبائل اليهودية الأولى فى إجتياح أراضى كنعان وفلسطين بهمجية ..وهذا النجاح الباهر للغزوات الإسلامية فى فترة وجيزة فليس هناك إرتباط عضوى بالمكان بحكم أنه طارد وغير سخي وليس لديه جذور فتتكون لدي الراعى ديناميكية الإستيطان فى أماكن مغايرة .

الطبيعة عندما تكون مُجدبة حتى فى ألوانها ستأسر خيال الإنسان وإمكانياته الإبداعية فى خطوط قليلة وألوان محددة لتصيبه بدرجة من النمطية والبلادة والجفاف , ولتتسم سلوكياته بالتوتر والعصبية ... فالإنسان يتعاطى مع الحياة من خلال صور وكلما إمتلك صور ومشاهد كثيرة فى الأرشيف الدماغى أمكنه من خلال العملية الفكرية التعاطى مع مساحات هائلة من الألوان والخطوط مما يمنحنه خيارات كثيرة وقدرة على إنتاج أفكار جديدة أما التعامل مع عدة مشاهد وألوان قليلة محددة فلن يجد العقل ثراء فى مفرداته تجعله يُنتج أفكار وصور جديدة , فالمعطيات التى تتواجد فى داخله لإنتاج الفكرة محدودة وبائسة .. لذا نلاحظ أن المجتمعات البدوية فقيرة وشاحبة فى إنتاج الفنون , كما هى شحيحة فى إنتاج الأفكار والإبداعات فمجال الإبداع معدوم لقلة المصادر والنبع الذى تستقى منه .. وهذا يفسر لنا لماذا لم تنتج المجتمعات الرعوية حضارة , فالظروف الخالقة للحضارة غير متواجدة .
يكون الإنتاج الفكرى هنا هو نقل لأفكار الإخرين ومحاولة تطويعها للواقع الصحراوى لذا نجد أن الكثير من الأفكار الميثولوجية يتم إحتضانها لتجد سبيلها فى معتقدات وأديان وبالتفتيش عن مصادرها الأولى ستجدها إبداعات إنسانية جاءت من أماكن أخرى وللحقيقة وللإنصاف فهذه هى طبيعة المعتقدات والأساطير الإنسانية عموما ً فى تناقلها وترحالها , فهو فكر وإبداع إنسانى فى النهاية ولكن يبقى أن المصدر البدئى للأسطورة ناشئة من مجتمعات متقدمة فى علاقات الإنتاج قبل أن يتبناها أحد وينقلها مباشرة أو يطور ويغير من ملامحها بما تتوافق مع ظرفه الموضوعى وصراعه كما فى قصة الراعى والمزارع والتى تم تفضيل الراعى عن الزارع من خلال فكرة الإله الذى يُفضل القرابين الحيوانية عن النباتية .

سمات المجتمع الرعوى الجاف سينتج بالضرورة شرائع ومنهج قاسى وحاد بحكم قسوة وحدة الطبيعة كما سيخلق كيانات متشرذمة متشرنقة فى ذاتها بحكم عدم وحدة العملية الإنتاجية لذا نجد القبلية والعشائرية عالية التوجه فى المجتمع الرعوى وتصبح الآلهة هى سمة و رمز القبيلة وتحديد هويتها وتماسكها .
لا يكون رفض الإيمان بإله مغاير عن إيمان القبيلة سوى رفض لإفتئات القبيلة وتهديد وحدتها وفقد عنصر إنتاجى كخصم من رصيدها وإنضمامه لمشروع إنتاجى آخر ..لذا تجد رفض التراث العبرانى لأى خروج يهودى من الإيمان بيهوه وإستباحة دق عنقه ليتبعه التراث الإسلامى بحد الردة ... فلا تكون الأمور أن هناك آلهة منزعجة من هكذا إرتداد ولا تلك التعليلات البائسة التى يسوقونها لتبرير قتل المرتد بقدر ما هو وحدة القبيلة والخوف أن يتم الخصم من قوتها الإنتاجية .

ضيق أفق المجتمع الرعوى وعصبيته يجعله حاد فى رفضه لأى معتقد مغاير بل تظهر العصبية البدوية الأولى فى رفض أى تفسير مغاير داخل العملية الإيمانية ذاتها كالمذاهب داخل الدين الواحد , فلا نتوهم أن الإيمان حاد هكذا فهو فكرة فى النهاية , بل هى عصبية مجتمع رعوى فرضت عليه علاقات الإنتاج والطبيعة هذه الحدة والعصبية .

* علاقات الإنتاج الصناعية .
الطفرة الحقيقية للإنسان هى ظهور علاقات إنتاج من الصناعة , لصياغة منتجات الطبيعة بمنتجات تحويلية تفى إحتياجاته فتصبغ عقلية وفكر ومنهج المجتمع بقيم ورؤى جديدة تتسم بالإبداع وتنشد الحرية والجرأة والرغبة فى الإقتحام ... نعم علاقات الإنتاج الصناعى وأدواته خلقت ثورة حقيقية وتغيير جذرى فى نمط التفكير والمنهج الحياتى لدى الإنسان فلدينا إنسان قادر على الخروج من أسر الطبيعة فى مفرداتها ليعيد تشكيلها ..هو مراقب وباحث فى المادة وقانونها ويستشف إمكانياتها المادية وينسجم معها فيشكلها ويعيد صياغتها بإستمرار ..هذا النمط الإنتاجى وعلاقاته أجبر الإنسان أن ينشد الحرية الفكرية الإبداعية فهى رصيده الوحيد للعمل والإنتاج والتطوير ..ليخرج العقل من النمطية المعتادة فى مجتمعات البدو والمفردات القليلة فى مجتمعات الزراعة نحو علاقات أكثر تعقيدا وثراءا ً مع الطبيعة .
مراحل الإنتاج فى علاقات الإنتاج الصناعى منحت الإنسان شعور بالإنتماء الأوسع لتحرره من نمط القبلية والعشائرية ودوائر الانتماء والتشرنق الصغيرة .
الاعتماد الكلى فى المجتمعات الصناعية على العلم فى الإنتاج والتطوير خلق وأسس المنهج العلمى المادى والذى يعزى كل ظاهرة مادية لأسباب مادية علينا أن نتعاطى معها ولا مكان للميتافزيقا والخرافات فى التواجد وليثبت المنهج العلمى نجاحه الساحق فى تطوير العلوم وأدوات الإنتاج وتأسيس لمجتمعات أكثر تقدما ورفاهية وحضارة .
إنصراف الغرب الصناعى عن التراث الدينى المسيحى ليس نتاج تواجد أفكار فلسفية وجدت حضور فى هذه المجتمعات بل يمكن القول بأن الفلاسفة هم من عبروا بعمق وإستشعروا بحساسية مرهفة طبيعة المجتمعات الوليدة أو أن أفكارهم المتقدمة توائمت مع مجتمع له علاقات إنتاجية متقدمة .. لذا تتوارى المنظومات الدينية فى المجتمعات الصناعية فلا مكان لمنظومتها الفكرية الكلاسيكية الإستاتيكية للحضور لعدم إنسجامها مع طبيعة مجتمع ديناميكى لن يقف فى حركته أمام ثوابت وفكر قديم فلن ينفع رتق الثوب .. وليأخذ الفكر التراثى حيزه الطبيعى والحقيقى كونه تاريخ إنسانى ذو علاقات إنتاجية محددة .
إذن طبيعة العلاقات الإنتاجية الصناعية وتأثيرها على منهج وسلوك الإنسان فى البحث والتفكير والتعاطى هى التى دفعته إلى الإنصراف عن مواريثه الدينية القديمة لأنها غير متلائمة وموائمة لنمط حياته وتفكيره المتغير والمتطور ولتخلق هوة بينه وبين أساسها الموضوعى فعلاقات الإنتاج الجديدة تتصادم ولا تعرف التعايش مع فكر له إرتباط مع علاقات إنتاج قديمة .

* علاقة جدلية .
علاقات الإنتاج والقوى المنتجة تشكل وتصيغ منهج تفكير وأنماط سلوكية من علاقة الإنسان مع المادة ووفق تعاطيه معها , فهل ما يكتسبه منها صور بسيطة وساذجة فى التعاطى فهنا ستكون للقصص الخرافية حضور فهى لن تبتعد كثيرا عن الحصيلة المعرفية المتواجدة ولكن عندما تزداد المعارف ويتأصل منهج أن الأمور المادية لها سببها المادى لتعطى إنجازات أكثر ونجاحات أكبر ستصبح القصص الأسطورية القديمة ليست ذات معنى وستدخل فى إطار أعمال فنية إبداعية أدبية لكتاب عصور قديمة .

إذن لا توجد ثقافة أو فكر إلا تعبير عن حالة مجتمعية بنت زمانها ومكانها مترجمة لمحصلة القوى الإجتماعية الفاعلة فى المجتمع وطبيعة علاقات وقواه الإنتاجية وملامح الصراع المتمثل فى مصالح النخب والطبقات المهيمنة .. فتكون الثقافة هى المحتوى الفكرى الذى يجسد مجمل الرؤى التى تدور فى هذه المدارات لتشكل هوية ومنهج فكرى عام للمجتمع يتغلغل فى وجدانه وعقله وضميره .

بالطبع الثقافات تنمو وتتغير وتتطور وتندثر وفقا لحالة البيئة الحاضنة لها وقدرتها على الإمداد والإبداع .. ووفقا لبقاء آليات القوى السائدة وعلاقاتها الإنتاجية وقدرتها على التواجد والصمود ... وبالطبع أيضا لا تتولد الثقافات فى سنين قليلة بل تأخذ حقب زمنية طويلة لأن التطور الإجتماعى والطبقى وتغير نمط علاقات الإنتاج لا يظهر فى ليلة وضحاها بل يستغرق أجيالا للظهور وأجيالا ً للبقاء والترسيخ وأجيال أخرى فى التراجع والإندثار.. بل يمكن أن تتغير البنية الإجتماعية ويبقى المنتوج الثقافى متواجد بآثاره وهو ما نطلق عليه الموروث .
هذا الموروث يأخذ إستمراريته بالرغم من زوال التركيبة الإجتماعية والطبقية والنخبوية التى إحتضنته كعجلة القصور الذاتى فى إستمرار حركتها بالرغم من إنعدام القوة المحركة , ويرجع هذا لمكوث الموروث لفترة طويلة مهيمنا ً على الفكر والوجدان ونشهد هذه الحالة فى تواجد بؤر صغيرة تحتفظ بالموروث داخل المجتمعات المتقدمة فى عملياتها الإنتاجية .
كما يأتى بقاءه ومحاولة التشبث به لعدم قدرة المجتمع لإنتاج ثقافة بديلة قادرة على الإحلال لعدم وجود نمط من الإنتاج والعلاقات المغايرة .. وتكون قضية التحصن والتشرنق داخل الثقافة هو الخوف من ثقافة الغرباء وتغلغلها وإختراقها للمجتمع .
الشعور بالتداعى والإغتراب عامل مهم فى محاولة التشبث بالميراث الثقافى مع عدم وجود بديل قوى وحاضر فى حراك المجتمع الفكرى لإفتقادة لعلاقات إنتاجية مغايرة ..وهذا مشكلة الموروث الدينى مع العصر .

مع توطين الثقافة فى المجتمع ولفترات طويلة يمكن ان تنسلخ عن الظروف المنتجة لها وتبقى فاعلة لتضغط على الظروف الموضوعية الجديدة لتسحقها أو تقوض من إنطلاقها أو تبقيها بلا فاعلية وهنا تتحول الثقافة إلى معوق لتقدم قوى وعلاقات الإنتاج داعية للجمود والتخلف .
الثقافة هى نتاج وجود علاقات وقوى إنتاج يعبر فيها الإنسان عن تفاعله مع المادة والطبيعة وفقا لما توفره له من حاجات وترسم له حدود الإبداع ليحاول تأكيده من خلال فضاءات ادبية وفنية وفكرية ترسم ملامح لحظته الراهنه .
عدم وجود علاقات انتاج مختلفة تجعل الثقافة تظل وتبقى كما هى دون ان يعتريها التغيير والتطور.. بل يظهر لها صلابة تبدو لنا بحكم عامل الزمن و يكون المدد الحقيقى الذى يجعل الثقافة حاضرة وقوية هو وجود نفس النمط الإنتاجى وعلاقاته بشكل أو بآخر حاضرة لتحتضن الثقافة وتهبها المزيد من الدعم .

يستحيل أن تتواجد الثقافة القديمة حاضرة بقوة إلا وكان الشكل والتركيبة الإنتاجية القديمة التى أنتجتها مازالت حاضرة بملامحها الأساسية .!.. فعندما ننظر إلى مجتمع الجزيرة العربية على سبيل المثال سنجد ان الثقافة الإسلامية حاضرة فيها لم تتغير بالرغم من إستدعاء المنجزات الحضارية الغربية فهل شعوب الجزيرة العربية شعوب ذات سمات دينية تكون هويتها الفكرية ..بالطبع لا وهو ما أشرنا له سابقا ً بعدم وجود مقولة شعب متدين .. ولكن يمكن تفسير سبب إحتفاظ مجتمع الجزيرة العربية بثقافته الإسلامية ببقاء نمط وعلاقات الإنتاج فيها بلا تغيير على مدار الأربع عشر قرنا الماضية .!! .. فظلت كما هى لم يعتريها التغيير الجذرى من حيث المضمون والمحتوى والجوهر وإن إختلفت الصور عن الصور القديمة .. فظلت مصادر وطبيعة الإنتاج وعلاقاته بنفس ملامحها الجوهرية القديمة فمصادر الدخل المتمثلة فى الرعى والسياحة الدينية بنفس حالها منذ 1400 سنه .!
ظلت السياحة الدينية كمصدر للرزق فى الجزيرة العربية قبل الإسلام ومرورا به لنصل للحاضر بنفس العلاقة بدون اى تغيير كوسيلة للإرتزاق فلا نلمس أى تغيير فى المشهد العام سوى ملامح بسيطة تُجمل الصورة ولا تمس جوهر العلاقة الإنتاجية .

كما ظل مفهوم المجتمع الرعوى مهيمنا ً على مجتمع الجزيرة من حيث المضمون فتتبدل الصور فقط من رعاية الإبل إلى رعاية آبار النفط .. فإذا كان الأعرابى القديم إعتمد على رعى الغنم كمورد إقتصادى له وذلك بتعاطيه مع مجموعة من الأغنام والإبل وإنتظار أن تأتى بمنتوج وافر من اللحم والألبان يتم تسويقه .. يمارس أحفاده فى الجزيرة العربية نفس المنهج فى الإنتاج فهم يجلسون أمام آبار البترول إنتظارا ً لما تخرجه الأرض من باطنها ليتم تسويقه دون تغيير فى نمطية المجتمع الرعوى فهناك رعاية وإنتظار لما تجود به الإبل أو آبار النفط .
نمط الإنتاج هذا يخلق ثقافته الخاصة مختلفا ً بالفعل عن نمط الإنتاج الزراعى والصناعى والذى يعتمد على مهارات عقلية وتنظيمية للحصول على الإنتاج ... وعدم تغير نمط الإنتاج لعهود طويلة يجعل الثقافة القديمة التى عبرت عن البدايات الأولى حاضرة بقوة لا تتغير ..فليس الملمح الإسلامى للجزيرة العربية هو ملمح دينى أكثر منه ثقافى بعاداته وسلوكياته وعدم تطوره وخضوعه لعلاقات إنتاج قديمة أنتجته .

مجمل الدول العربية تظل علاقات الإنتاج فيها كما فى العهود الأولى محصورة بين نمط علاقات رعوية وريعية وزراعية وإن تفاوتت بالفعل من مجتمع لآخر ولكن لن تخرج فى جوهرها عن أنماط الإنتاج القديمة .. وليقتصر الحضور الحداثى على الشرق فى إستهلاك منجزات العلم والتكنولوجيا فقط دون أن يخترق بنية المجتمع الصلبة , وهذا يعطينا سبب حضور التراث الدينى فى هذه المجتمعات .

المنطقة العربية التى أنتجت التراث عرفت النشاط الرعوى كوسيلة إنتاج ليدخل فى تكوينها الإجتماعى والطبقى ويفرض منظومته الفكرية كنتاج طبيعى لعلاقات الإنتاج .. وفى نفس السياق لم تعرف علاقات إنتاج برجوازية من نسيجها الداخلى كمطلب حتمى فى سياق تطور المجتمع .. فقد تم إقحام المجتمع الصناعى فى محاولات خجولة على بعض المجتمعات العربية ولم تأتى كنتاج طبيعى تطورى من حراك البرجوازية كما فى أوربا وكوليد طبيعى من صراع وأحلام وأمال يراد لها ان تتحقق فقد إنتقلت البرجوازية إلى المنطقة العربية من الإستعمار وظلت فى حيز ضعيف تدور حول التجارة والخدمات والتشهيلات والمضاربات وصناعات هزيلة تخدم بيئتها الزراعية فى الأساس لذا لم تتغلغل فى تكوين المجتمع خالقة لعلاقات إنتاج حقيقية تمنح منهج وثقافة جديدة ..بل أن هذه المحاولات البائسة ما سرعان ما تم إجهاضها عنوة بأفكار إشتراكية منحرفة ومشوهه ليتم القفز السريع على تطور المجتمع وحرق للمراحل بلا أى مبرر ولا تتولد بالفعل طبقة عمالية حقيقية لها ثقافتها بل تحمل بين ضلوعها نفس منهج وفكر المجتمع الزراعى والرعوى .

فى خضم هذه الحالة المتشرنقة فى نمط العلاقات الإنتاج القديمة الحاضرة والتى تم إستحداثها بصورة مغايرة و بنفس جوهرها القديم وجد التراث الثقافى الدينى الرئة التى يتنفس بها ويظل فارضا ً هيمنته على الفكر والوجدان العربى .

لا يوجد شئ اسمه مجتمع متدين بطبيعته ولا علاقات روحية وسلوكية جاءت أولا ً أو تم إلقاءها من السماء فالسماء لا تلقى إلا الأمطار .. ولكن يوجد ظروف موضوعية تكون فيه طبيعة علاقات وقوى الإنتاج هى الخالقة والموفرة للإحتفاظ بالتراث الدينى ومنحه البقاء .
أوربا كانت منغلقة فى مشروعها الدينى أكثر من مُسلمى الشرق ولم تتحرر منه بفعل مثقفيها وفلاسفتها فى مرحلة التنوير كسبب جوهرى ووحيد كما ذكرنا بل لأن نمط الإنتاج وعلاقاته الجديدة هى من وفرت المناخ وخلقت المجال لتجد الصدى والتأثير لتنتج ثقافة جديدة تخرج بشكل طبيعى من المجتمع ليكون لها حضور ..بينما علاقات الإنتاج القديمة كانت موفرة وحاضنة للتراث وللكنيسة فى التواجد والهيمنة .

لذا لن يكون غريبا أن نجد التراث الدينى الإسلامى حاضرا ً بقوة فى المنطقة العربية التى تشهد علاقات إنتاج يغلب عليها نمط الإنتاج الرعوى والريعيى والزراعى ..كما لن يكون غريبا ً أيضا أن نجد المسيحية حاضرة الإنتماء والتواجد فى المجتمعات العربية كمسيحي الشرق فى حين إنصرف الغرب عن حضور التراث المسيحى , فنمط وعلاقات الإنتاج فى عالمنا العربى واحدا ً

لا يجب أن ننخدع ونخلط بين المدنية والتعاطى مع التكنولوجيا وجوهر علاقات المجتمع الإنتاجية فنتصور أننا غادرنا مجتمع البداوة والرعى .. فالتعاطى مع المنتج غير إنتاج المنتج , ولا يكون إستخدامنا للسيارات وأجهزة الحاسوب والتقنيات الحديثة إلا شكل من أشكال الرفاهية فى الحياة والقدرة على التعاطى معها فقط , فلم يتغير منهجنا وثقافتنا الفكرية عن نمط ومنهج المجتمع الرعوى الريعى الزراعى القديم ولكن فى إطار يبدو ذو صورة جذابة أنستنا عمق وملامح الصورة .
نحن نتمسك بالتراث لأنه ثقافة مجتمع قديم مازال حاضراً بعلاقات إنتاجه القديمة .

دمتم بخير .

- " من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) - إنهم يصفعوننا ...
- الأديان بشرية الهوى والهوية ( 1 ) - خرافات الأديان . جزء أول
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 26 ) - أطفالنا فى الجنه وأطفال ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 7 )- الإسلام السياسى رؤية سيا ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 12 ) - نحن نجسد آلهتنا من دم ولحم وأعصاب و ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 12) - الدنيا من غير حب ما تتحبش ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 11 ) - وهم الجَمال والله يحب الجَمال ويستح ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 6 ) - الأديان كثقافة وميديا ل ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 8 ) - الإنسان بين وهم الش ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان وا ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 6 ) - نحو وعى وفلسفة للمو ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 11 ) - البحث عن جدوى للإنسان وال ...
- كابوس الديمقراطية .. مصر نحو الشرنقة والشرذمة الطائفية .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) .
- فلنحاصر فصائل الإسلام السياسى ونجبرهم على تحديد مواقفهم من ا ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 6 ) - هى فكرة خيالية غي ...
- هل هى ثورات أم فوضى خلاقة .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع ا ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 23 ) _ لا تسأل لماذا هم مرتشون ...


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 13 ) - علاقات الإنتاج كخالقة وحاضنه للفكر والتراث الدينى .