أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - الحنين لمن كان يضربه بالشومة














المزيد.....

الحنين لمن كان يضربه بالشومة


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 09:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يلعب الطب النفسى أو الثقافة أو الأدب أو الفن دوراً لتحرير العقل المصرى من الخضوع لعبودية السلطة المطلقة.. الخضوع للعبودية مرض سياسى يتحول مع طول الزمن إلى مرض اجتماعى نفسى، بمعنى عدم الرغبة فى الشفاء من العبودية، أو الخوف من الحرية والمسؤولية الفردية، الحنين الدائم إلى الخضوع والهوان.

يتدرب الطفل على الطاعة وقبول الإهانة من المدرس أو الناظر أو الأب أو الجد.. تعشق الفتاة الرجل الفحل الحمش.. يستعذب العاشق عذاب الحب، ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.. وإلا فلماذا هذه النكسة التى تصيب أى محاولة للتحرر من حكم الفرد. إن خلعنا رأس الدولة خلقنا رأسا آخر نعبده ونقدسه.. رأيت فيلما مصريا عن أستاذة جامعية تدعو زميلاتها للخضوع لسلطة الزوج المطلقة، فصفق لها المجتمع باعتبارها زوجة مثالية، وصفق لزوجها وهو يصفعها على وجهها فى نهاية الفيلم، باعتباره رجلا بمعنى الكلمة، يؤدب زوجته لتعود إلى فضيلة الطاعة، كيف تتكون شخصية الطفل والطفلة فى مثل هذه العائلات؟

استطاعت الثورة المصرية الأخيرة فى يناير ٢٠١١ التخلص من رئيس الدولة السابق وبعض أعوانه، إلا أنها لم تتخلص من القيم الموروثة التى تكرس حكم الفرد الواحد وسلطته المطلقة فى حياتنا العامة والخاصة.

عبودية تقديس الفرد مرض مزمن فى النفوس والعقول البشرية، لا يمكن اقتلاعه بثورة مهما عظمت، إنه يحتاج إلى ثورات وثورات، ليست ثورة سياسية فقط أو اجتماعية أو اقتصادية، بل ثورات فكرية ثقافية نفسية، لاقتلاع جذور العبودية من أجساد وعقول البشر رجالا ونساء وأطفالا.. تقديس الفرد الواحد مرض عالمى ومحلى، شرقى وغربى، منذ العصر الحجرى وقبل الحجرى، تجلى فى مصر القديمة تحت الحكم الفرعونى، الفرعون الإله الجالس على عرش الحكم فوق الأرض وفى السماء، يملك حياة البشر وموتهم حين يريد، إن خالفوا أوامره أو رفضوا ظلمه هو قادر على قتلهم وإبادتهم دون سؤال أو محاسبة، لأنه فوق المساءلة أو المحاسبة، ألم يتكرر ذلك فى بلادنا حتى اليوم؟! ما هذا التقديس للفرد الواحد الأوحد الجالس على قمة أى شىء، وإن كان كوم قمامة.

يتشدق السياسيون دائماً بحكم الشعب، يقولون الديمقراطية تعنى حكم الشعب، لكن ما إن يتول أحدهم رئاسة مؤسسة ما، وإن كانت لتربية الدواجن (أو لنشر مقالات للناس)، حتى يصبح فرعونا، الإله لا يقبل الجدل أو النقاش.

لم أكن أفتح التليفزيون المصرى فى العهد السابق، حرصا على الوقت الثمين من أن يهدر فى الاستماع إلى الأكاذيب، تغيرت بعض الوجوه القديمة، إلا أن السلطة الفردية مازالت موجودة، تغيرت الأكاذيب واتخذت شكلا جديدا، فى المدارس أيضا وفى الثقافة، وفوق أعمدة النور فى الشوارع، تم نزع صور الحاكم القديم وحرمه وابنه، وتم تعليق صور أخرى لأصحاب السلطة الفردية المطلقة الجديدة. فى الصحافة تم تغيير بعض الوجوه واستبقاء البعض دون أى معايير مفهومة، بعض المنافقين ذهبوا، ليأتى آخرون أكثر نفاقا، السلطة الفردية المطلقة ظلت تحكم الصحافة، كتاب وصحفيون كانوا حماة الديكتاتورية وحكم الفرد أصبحوا من أبواق ديمقراطية ثورية يسيطرون على التعليم والثقافة والإعلام والصحافة.

يسألنى الشباب والشابات: هل تعرفين فلان الفلانى الذى يتكلم عن الثورة فى كل الإذاعات ويشكل الحزب الجديد الكبير ويرشح نفسه للرئاسة؟ أقول لهم: لا أعرفه ولا أعرف له تاريخاً فى بلادنا (ربما كان بطلا فى بلاد أخرى وراء البحار)، يسألوننى: ما رأيك فى هذا الإله الذى يتربع على عرش الثقافة أو الأدب أو الصحافة ويقدسه المنافقون وربما يرشحونه للرئاسة؟ أقول لهم: أعرف تاريخ خضوعه للديكتاتوريات السابقة ولن أنتخبه وإن تكحل بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يسألوننى: ومن تنتخبين يا دكتورة؟

أقول لهم: لا أحد، هذه الانتخابات السريعة القادمة للرئاسة أوللبرلمان لن تنتج إلا فراعنة آخرين وديكتاتوريين جدداً.. لابد من تأجيل الانتخابات بكل أنواعها حتى نغير الدستور والقوانين لتصبح كلها عادلة، لا تفرق بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة أو غيرها.

شاهدت فى عيادتى النفسية كثيرا من هذه الشخصيات.. رجل ضخم الشوارب يشكو من رئيسته لأنها طيبة رقيقة وليست لها سلطة على المرؤوسين.. زوجة قوية الشكيمة تشكو زوجها، لأنه رخو لا يشكمها ويتركها تخرج على حريتها.

قال لى أحد كبار رجال الأعمال الأثرياء: «أشعر بالحنين للمرحوم جدى، كان يضربنى كل ليلة بالشومة، لهذا نجحت فى حياتى.. لن أنتخب إلا رئيساً طاغية يسيطر على البلد بالسلطة المطلقة».



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقول لكم أيها السادة والسيدات؟
- بلبلة الرأى العام فى كل عهد؟
- أين العدالة الاجتماعية أيها السادة؟
- الكبارى مع السلطة الحاكمة الجديدة
- لم ير واحد منهم له عين واحدة
- رجولة جديدة أرقى وذكورة قديمة أدنى
- هل تأخرت الثورة سبعين عاماً؟
- هل ينتصر النقاء الثورى على أخطبوط الفساد؟
- هل يمكنهم إجهاض الثورات الشعبية؟
- أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة
- مليونية الشباب والشابات يوم المرأة العالمى
- نساء الثورة الشعبية ونساء النخبة الحاكمة
- الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها (٢)
- الثورة المصرية تضع قيما وعقدا اجتماعيا جديدا
- نساء تونس ونجاح الثورة الشعبية
- الإبداع المتمرد لا يموت
- استعادة العقل المصرى هى الأمان الوحيد
- النساء وكتابة الأدب
- نساء ورجال القرن الواحد والعشرين
- هل ينمو فكر جديد؟.. حوارات نوال ومنى


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - الحنين لمن كان يضربه بالشومة