أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - العلاقة ما بين التخلف الإقتصادى والإجتماعى وبين القيمة الزائدة















المزيد.....

العلاقة ما بين التخلف الإقتصادى والإجتماعى وبين القيمة الزائدة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3380 - 2011 / 5 / 29 - 09:14
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


العلاقة ما بين التخلف الإقتصادى والإجتماعى وبين القيمة الزائدة
ما التخلف؟ إننى أهدف إلى طرح جديد. وأطرح الظاهرة. ظاهرة التخلف الإقتصادى والإجتماعى، بإعتبارها (عملية) ديناميكية فى حالة حركة مستمرة، ليست تاريخية فحسب، من إرتفاع حجم إنتاج القيمة الزائدة، بالمفهوم الذى عناه الكلاسيك وماركس، ولن ننشغل هنا بمناقشتها، ونعتبرها معطى، وإن كنا سنتعرض لتطورها، كفكرة، على الصعيد التاريخى كما سنرى، يتناقض هذا الإرتفاع فى حجم إنتاج القيمة الزائدة، لكثافة إستخدام عنصر العمل فى الأجزاء المخلفة، مع ضعف(أليات) إنتاجها، نظراًً لضعف التقنية وعدم إستخدام الفنون الإنتاجية التى يكشف عنها العِلم إلا فى مرحلة تالية لإستهلاك تلك الفنون فى الأجزاء المتقدم، ومن خلال هذا التناقض ما بين الإرتفاع فى حجم إنتاج القيمة الزائدة وبين هشاشة ألية إنتاجها، تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياًً إلى الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، من أجل شراء السلع والخدمات الأساسية والتى تتوقف عليها شروط تجديد الإنتاج.
وإننى أبدأ من حيث الشىء الذى بفضلهِ تطور الإنسان، وإنفصل عن مملكة الحيوان، وهو العمل بوصفه كُل مجهود إنسانى واع، وهو الذى صار محور الصراع مع حلول النمط الإنتاج الرأسمالى بعد أفول النمط الإقطاعى، وأبدأ تحديداًً من قيمة قوة العمل. فما هى قيمة قوة العمل؟ ولنتصور عامل النفط الفنزويلى مثلا، فما هى قيمة قوة عمل هذا العامل؟ إن قيمة كل سلعة، وقوة العمل هى سلعة هى الأخرى مع نمط الإنتاج الرأسمالى، وكما سوف نرى، تُُقاس قيمة كل سلعة بكمية العمل اللازم لإنتاجها. وقوة العمل توجد فى شكل العامل الحى الذى يحتاج، هو أيضاًً، إلى كمية محددة من وسائل المعيشة لنفسه ولأسرته، مما يضمن إستمرار قوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا فإن وقت العمل المتََطلب لإنتاج وسائل المعيشة هذه يُُمثل قيمة قوة العمل، وإن الرأسمالى"إكسون موبيل"، أو "شل" مثلاًً، يدفع له أجره كل شهر، وبذلك يشترى من العامل إستعمال عمله لمدة شهر(ليس لنا هنا علاقة بالطرح الأيدلوجى، بل ونرفضه من حيث هو طرح أيدلوجى وغير عِلمى) وعقب ذلك فان الرأسمالى "إكسون موبيل" يجعل عامله يبدأ فى العمل. وفى وقت معين سيقدم العامل كمية معينة من العمل توازى أجره الشهرى. فاذا إفترضنا أن أجر العامل الشهرى يُُمثل خمس وعشرين يوم عمل، فإن العامل إذا بدأ العمل فى يوم واحد من الشهر، فإنه يكون، فى يوم 25، قد عوض "إكسون موبيل" عن القيمة الكاملة للأجر المدفوع، ولكن هل يتوقف العامل عن العمل؟ نمط الإنتاج الرأسمالى يقول: لا إطلاقاًً لا يُُمكن للعامل عقب إنتاجه معادل أجره، أن يتوقف عن العمل، إذ إشترت "إكسون موبيل" منه عمله لمدة "شهر" وعلى العامل أن يستمر فى العمل خلال الخمسة أيام المتبقية من الشهر كذلك، وهذا العمل الزائد الذى يقدمه العامل فوق الوقت اللازم لتعويض أجره وزيادة عليه هو مصدر" القيمة الزائدة"، ومصدر الربح، والتراكم المتزايد باستمرار لرأس المال. والذى يدعم صحة الطرح أمران:
أولاًً: المجتمع، أى مجتمع، لا يُمكن أن تظل دورة النقود، بالمعنى العام للنقود، بداخله تدور حول نفس الكمية، إذ المجرى العادى للأمور يؤدى إلى زيادة تلك النقود، زيادة كمية، فكيف تزيد؟ إن القيمة الزائدة، أو فائض القيمة لا ينشأ، كما يُُظََن، من بيع البائعين لسلعهم بأعلى من قيمتها، أو بشراء المشترين لها بأقل من قيمتها، لأن كلاًً منهم، هو بدوره بائع ومشترى، مما يؤدى بالتالى فى المنتهى إلى التوازن العام، وبقاء الكمية النقدية بداخل الإقتصاد كما هى بدون تغيير، كما لا يُُمكن، وفقاًً لماركس المفكر لا الأيدلوجيا، أن ينشأ أيضاًً بأن يخدع البائعون والمشترون بعضهم البعض، لأن ذلك لن يخلق جديداًً أو قيمة زائدة، وإنما سيؤدى فقط إلى توزيع رأس المال الموجود على الصعيد الإجتماعى(وبالمثل على الصعيد العالمى إذ يظل نفس الكم دون تغيير) بطريقة مختلفة بين الرأسماليين.
وعلى الرغم من أن الرأسمالى"إكسون موبيل" يشترى السلع(مواد العمل، وأدوات العمل، وقوة العمل) بقيمتها وبيعها بقيمتها، فهو يحصل على قيمة أكبر من تلك التى بدأ بها. فكيف يَحدث ذلك؟ يَحدث ذلك بإستخراج القيمة الزائدة من قوة العمل، فالذى يزيد القيمة هو قيمة قوة العمل غير مدفوع الأجر، بما يعنى التراكم الرأسمالى الممكّّن من تجديد الإنتاج على نطاق متسع. ربما قائل يقول: ولكن الواقع أن الرأسمالى يذهب لشراء قوة العمل ووسائل الإنتاج ثم يترك قوة العمل تتفاعل مع قوة الإنتاج كى تنتج السلعة، وحينئذ يأخذها الرأسمالى إلى السوق ويبعها طبقاًً لما أنفقه فى سبيل شراء قوة العمل ومواد العمل وأدوات العمل، ويضيف إلى تلك النفقات ربحاًً له. هنا يظهر الخلط بليجاًً ما بين القيمة الزائدة وما بين الربح، فالأولى حتمية التحقق بمجرد البدء فى العملية الإنتاجية. بمجرد معانقة العمال لآلاتهم المحبوبة. وهو الأمر الذى لا يتسم بالضرورة بصدد الربح. وعلى حين تتحقق الأولى فى حقل الإنتاج، ولا يكون فعل التداول إلا كاشفاًً عنها، فإن الربح برمته يتكون فى حقل التداول خاضعاًً لقوانين السوق والمنافسة على إختلاف أنواعها.
ثانياًً: ان إفتراض أن العامل"عامل النفط الفنزويلى" يعمل 25 يوم لإنتاج معادل الأجر، والخمسة أيام الأخيرة يعمل فيها لصالح "إكسون موبيل"، هو محض إفتراض تعسفى قول ليس له معنى؛ لماذا؟ لأنه وسواء إستغرق عامل النفط الفنزويلى 25 يوم أو 22يوم، أو 15 يوم لتعويض أجره فان ذلك قليل الأهمية هنا ويتوقف عادة على الظروف، والشىء الرئيسى هو أن الرأسمالى"إكسون موبيل" ينتزع إلى جانب العمل الذى يَدفع مقابله أجراًً عملاًً لا يََدفع له مقابل كذلك؛ وليس هذا إفتراضاًً إعتباطياًً، لماذا؟ لأنه إذا إنتزع الرأسمالى من عمل العامل على مدار فترة طويلة ما يوازى ما دفعه على شكل أجور، فسوف يغلق مصانعه ومنشأته، لأن ربحه فى الواقع سيكون صفر. ولنزيد الأمر وضوحاًً: فمثلا الرأسمالى"إكسون موبيل" يدخل العملية الإنتاجية بعشر وحدات على النحو التالى: 4 (لأدوات العمل) و4(لمواد العمل) و2 (لقوة العمل) والأن يشرع عامل النفط فى الإنتاج حتى يتمه. فما الذى جناه الرأسمالى وقد دخل العملية الإنتاجية بعشر وحدات وخرج منها بعشر وحدات؟ طبعاًً لا شىء ويُُصبح غلق المصنع هو الواجب، بل من الواجب عدم فتح مصنع بالأساس طالما كان هذا هو القانون، إذ وفقاًً له تكون الصيغة كالأتى: (ن) = (ن) أى النقد(ن) الذى بدأ الرأسمالى بها إنما ترجع له بنفس قيمتها، وكل ما عمله هو عمليات بيع وشراء ليس إلا تعود بعدها (ن) فى نفس الشكل(ن). فلذا ولأن الرأسمالى لا يستطيع توليد القيمة الزائدة من المواد أو الأدوات، فإنه يولدها من تلك السلعة الغريبة الطارحة نفسها فى السوق، وهى قوة العمل، فتصبح الصيغة مختلفة، إذ توََلد القيمة الزائدة فى مرحلة الإنتاج، وليس التداول كما يُُقال للطلاب، كيف ذلك؟ يتم ذلك من خلال الصيغة التالية، وهى الصيغة العامة للقانون العام الحاكم للنظام الرأسمالى على الصعيد العالمى والمحلى سواء بسواء، والصيغة تلك هى: (ن – (ق ع)+(و أ)–س- Δ ن) وهى تعنى تحول النقود إلى قوة عمل، فى هيئة أجرة، وتتحول كذلك إلى وسائل إنتاج تتمثل فى مواد العمل وأدوات العمل، والأن يشرع العامل فى الإنتاج، وما أن يتمه إلا ويكون لدى الرأسمالى" إكسون موبيل" ليس (10) وحدات، وإنما (12) وحدة؛ بإفتراض أن معدل الإستغلال 100%. فمن أين جاءت الوحدتان هاتان؟ الإجابة ستكون محل مناقشة موسعة فيما يأتى، وإنما نكتفى بالإشارة إلى الخطوط العريضة للإجابة، فالرأسمالى دفع(4) وحدات (لأدوات العمل) و(4) وحدات (لمواد العمل) و(2) وحدة (لقوة العمل) والأن يشرع العامل الفنزويلى فى الإنتاج حتى يتمه. فما الذى جناه الرأسمالى وقد دخل العملية الإنتاجية بعشر وحدات وخرج منها بعشر وحدات؟ ذكرنا لا شىء. فكيف يُُغيّر الرأسمالى الوضع؟ يُغيّره بأن يولّّد القيمة من قوة العمل، فهو يدفع (2) وحدة للعامل. ويأخذ منه عمل يساوى (4) وحدات عمل. وكما ذكرنا أن هذا هو السبيل (الوحيد) أمام "إكسون موبيل"(لتوليد قيمة زائدة) وإلا غلق المؤسسة!! ومن هنا فإن القيمة والأرباح تولد فى حق الإنتاج، وليس التداول.
تلك هى القيمة الزائدة، وهى تعمل كقانون حركة عام فى جميع مؤسسات "روتشيلد" كما تعمل فى أحقر" ورشة لصنع أربطة الأحذية" فى أحط أحياء القاهرة أو كاراكاس. الأمر الذى يُُدعم موقفنا من كراسات التعميم التى لا ترى إلا جانب واحد من قانون الحركة بغية تسويق نظرية الدولة آنذاك وإخفاء القانون الذى يوصم الدولة بالرأسمالية وهى تتشدق ليل نهار بالإشتراكية والعدالة الإجتماعية والمساواةّ!! إلا أنها فى الواقع لم تدخر وسع فى سبيل إتلاف النظرية ومسخ العِلم.
أرجو أن يكون من الواضح هنا تماماًً أن الطرح، أى طرح التخلف بوصفه: عملية ديناميكية مستمرة عبر الزمن مؤداها إرتفاع فى حجم إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع ضعف ألية إنتاجها والمؤدى إلى تسربها إلى خارج مسام الإقتصاد القومى، دون تكوين تراكم رأسمالى ممكّّن من إعادة هيكلة الإقتصاد على نحو رأسمالى متطور. إنما، وللأسف الشديد جداًً، يغض بصره تماماًً عن الموقف الأخلاقى، ولا يَنظر إلى الجانب "القهرى، الإستغلالى" فى عملية إنتاج تلك القيمة الزائدة، إذ يبدأ الطرح وينتهى من حيث فهم وتحليل نمط الإنتاج الرأسمالى كنمط لإنتاج سلع وخدمات من أجل السوق. وليس ذلك فقط وإنما كنمط لإنتاج القيمة الزائدة، وطالما كانت (أليات) إنتاج تلك القيمة الزائدة ضعيفة، بغض النظر عن كل شىء أخلاقى، عُُدّ الإقتصاد ضعيف ومتخلف بالتبعية لتدهور تلك الأليات، فى حين يُُصبح هذا الإقتصاد قوياًً إذ ما كانت تلك(الأليات) قوية، وعلامات قوتها تتبدى فى النظر إلى(حجم، وقيمة) المنتََجات التى تُُمثل إجمالى الناتج القومى، والذى غير إسمه البنك الدولى مؤخراًًً وأسماه الدخل القومى!! لمزيد من الإرباك!!
إن التفسيرات المختلفة التى تم تقديمها لظاهرة للتخلف كظاهرة إجتماعية، أعتقد أن بينها قاسم مشترك، هذا القاسم يتبلور فى أن التفسيرات المقدََمة تلك إنما تتعامل مع مظاهر التخلف، الذى هو عكس التقدم بالمفهوم المطروح من قبل المدرسة والمؤسسة، ولا تبحث فى التخلف ذاته، والذى قلنا أنه (ضعف "مزمن" فى أليات إنتاج القيمة الزائدة) فهى تتحدث فى الدخل المنخَفض والإستثمارات الضعيفة والمعدلات المرتفعة من الفقر والمرض وعدد البشر الجوعى . . . . وحتى حينما تتجاوز تلك التفسيرات ذلك وتدعى لنفسها المقدرة على إعطاء تفسيراًً يستند إلى الأسباب المؤدية، نجدها تُُقدم وصفاًً سطحياًً من الدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال هناك من الإتجاهات، من ضمن عشرات الإتجاهات، مََن يُُفسر التخلف على أساس أن مبعثه عدم قدرة البلاد(التى هى متخلفة!! أى أن التخلف لديه معطى!!)على الإندماج فى السوق الرأسمالى!! وهى عدم قدرة ترجع إلى الرفض الإجتماعى؛ إذ يصطدم المجتمع بنموذجين من الأنظمة؛ إذ لديه النمط التقليدى، الذى يرد عليه النمط الرأسمالى، الأمر الذى يوقع المجتمع فى "إزدواجية" لا تمكنه من الإندماج الكامل فى النظام الحديث الذى طرأ على النظام القديم، ويتفرع عن ذلك تفسير لا يقل ضحالة حين يرى التخلف كمجرد حاصل جمع سمات التخلف، وتُُصبح قضية التخلف مركزة، بعد تجهيل التخلف، فى كيفية الخروج منه، لا تفسير أسباب الوقوع فيه، كما ظهر، من ضمن ما ظهر، تفسيرٌ آخر، ساد فى سبعينات القرن الماضى، قاده رجنار نوركسه، وهو يذهب إلى إستخدام نظريته عن "الحلقات المفرغة" فى تفسير جوانب الفقر المتعلقة بجانبى العرض والطلب لعملية الإستثمار وتراكم رأس المال، فمن حيث الطلب على الإستثمار يرى "رجنار" أنه يتوقف على الحافز عليه، ونظراًً لضعف السوق، بسبب ضعف الدخول، التى هى بطبيعتها ضعيفة بسبب ضعف الإنتاجية، فسيكون الحافز ضعيفاًً مما يؤدى إلى إنخفاض مستوى الإستثمار والتراكم الرأسمالى. . . . وهكذا، ومن حيث جانب العرض؛ فإن الإستثمار يتوقف على الإدخار، والإدخار ضعيف بالأساس نظراًً لضعف الدخول، وضعف الأجور يعود إلى إنخفاض مستوى الإنتاجية التى ترجع بدورها إلى تدنى مستوى الإستثمار والتراكم . . . وهكذا، ويُُصبح النظام بتلك المثابة واقعاًً فى"فخ الفقر"، ولا تعدو تلك التفسيرات بتقديرى سوى تفسير، إن صح التعبير، مبتذل للظاهرة، يعتمد منهج ميكانيكى يختزل الواقع الإجتماعى فى شكل نظرى يبدو متماسكاًً نظرياًً وهو لا يقوى على إعطاء تفسيراًً واضحاًً للظاهرة، ومرجع ذلك بالأساس أنه يتناول، كجل النظريات، مظاهر الإشكالية وليس الإشكالية نفسها. فهو، كحال جل النظريات، إنما يتحدث عن إنخفاض الدخل، وتدنى مستويات الإدخار، وضعف الإنتاجية، وغيرها. . . . وكل تلك الأمور ما هى سوى مظاهر تشير إلى أن هناك تخلف. ولكن ما هو التخلف؟ هذا ما حاولت تقديمه بقولى أن التخلف هو حالة ديناميكية مستمرة من الضعف "المزمن" فى أليات إنتاج القيمة الزائدة المنتََجة داخلياًً فى الإقتصاد القومى.
وقد إنطلقتُ من فكرة أظن أنها بسيطة، وتجريدية، جداًً تقول أن المجتمعات المستعمَََرة التى صارت تابعة ثم متخلفة طبقاًً للترتيب التاريخى، حالها كحال المجتمعات المستعمِِِرة، المتبوعة، المتقدمة، لا تكف عن الإنتاج كما لا تكف عن الإستهلاك، والمجتمعات المتخلفة، والتى تهمنا هنا، لا تُُنتِِج سلعاًً أو خدمات فقط؛ وإنما تُُنتِِج قيمة زائدة، ليس العُمال فقط كما هو شائع ومسوََق، على الصعيد الأيدلوجى، وإنما المجتمع بأسره، بعد أن تحول المحامى والطبيب والمهندس والمعلم والكاهن وإمام الجامع، بل ورعاع المدن إلى شغيلة فى عداد المأجورين!! بيد أن كراسات التعميم غالباًً ما تتجاهل تلك النقطة.
فأى مجتمع، ويهمنا هنا الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، يتعين كى يقوم بالعملية الإنتاجية أن يكون تحت تصرفه مبلغاًً من النقود بالمعنى الواسع للنقود، لا أُُُُفرِِِق بين إنتاج الحديد والصلب، أو فتح مؤسسة محاسبة مالية يعمل فيها عشرات المحاسبين بأجر. أى أننى، وهذا من ضمن ما أهدف إليه، أقوم بمد القوانين التى كشف عنها عِِلم الإقتصاد السياسى فى حقل إنتاج السلع المادية إلى حقل إنتاج الخدمات، وهو الحقل الذى صار مُهيمناًً، بنحو 70%، على إجمالى هيكل الإقتصاد العالمى المعاصر.
وفلنفترض أن المجتمع فى لحظة تاريخية معينة وتحت ظروف إجتماعية محددة، يدخل العملية الإنتاجية على صعيد "الكُل" الإقتصادى بمبلغ (3) مليارات وحدة، موزَعة بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة بواقع (1) مليار لكُل قطاع(الزراعة والصناعة والخدمات)وفى نهاية الفترة وبإفتراض أن القيمة الزائدة المنتَجة، والتى يتم خلطها بالربح فى القطاعات الثلاثة=100%، فسيُضاف إلى الثلاثة مليارات، ثلاثة مليارات أخرى، كقيمة زائدة. أو كما يحلو للبعض تسميته (بالربح) كما ذكرنا، وهكذا مع كل عملية إنتاج وتجدد الإنتاج، ووحدات النقود هى التى تدور فى فلكها الظواهر الرئيسية لنمط الإنتاج الرأسمالى(الإنتاج من أجل السوق، والتبادل الكاشف عن الربح، والتوزيع وهو غير عادل بحال أو بآخر)
فما من مجتمع إلا ترتبط حياته وإستمرارها بالإنتاج، من أجل الإستهلاك الداخلى المباشر، أو من أجل التبادل، ولن يتمكن هذا المجتمع من تجديد إنتاجه إلا إذ ما كان تحت يده حدا أدنى من (الرأسمال المركم) يمكنه من البدء فى تلك العملية، وبالفعل يبدأ المجتمع العملية الإنتاجية بكمية معينة من رأس المال، حاله حال كل مشروع رأسمالى، وفى نهاية المدة، ولتكن سنة، لا بد، ولكى يستطيع الدخول فى عملية إنتاجية أخرى لسنة جديدة، وهكذا، لا بد من أن يجد المجتمع تحت يديه كمية من الرأسمال "والذى أُُنتِِج فى الفترة السابقة". والسؤال: أولاًً: ما مقدار تلك القيمة الزائدة المنتجة فى أحد الأجزاء المتخلفة، بوروندى مثلاًً(2,698,272دولار) مقارنة بالمنتََجة فى أحد الأجزاء المتقدمة ولتكن الولايات المتحدة الأمريكية (14,629,200,000,000,0 دولار، لاحظ الفارق المهول ما بين المليون وبين التريليون!!) من الواضح تماماًً مقدار هذا الفارق وهو يعرب عن مدى قوة أليات إنتاج القيمة الزائدة، فى مقابل ضعفها الجلى فى الأجزاء المتخلفة، وسنرى ذلك بمزيد من تفصيل الأرقام أدناه، ثانيا: أين تذهب تلك القيمة الزائدة؛ أو الأرباح كما يسمونها؟ هل تُضَخ فى مسام الإقتصاد القومى، من أجل تنميته؟ أم تتسرب إلى الخارج لتغذية صناعات (غذائية، إنتاجية، إستهلاكية، ....) تُنتَج فى المراكز المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى؟
إننى أفترض أن التسرب هو الأقرب إلى الدقة!! إنه التسرب الذى تدعمه الطبقات الحاكمة فى الأجزاء المتخلفة، والتى تُمثل إمتداداًً للظاهرة الإستعمارية (بل كذلك بعد الحركات الثورية ، فلم تزل القيمة تتسرب كما سنرى) فتلك الطبقات بما يحققه لها هذا التسرب فى القيمة الزائدة، ومن قبله ترسيخ ضعف أليات إنتاجها على مستوى القطاعات الثلاثة المنتِجة، من موالاة للأجزاء المتقدمة، فإنه يُُصبح من اللازم حرص تلك الطبقات على إبقاء الوضع الحالى دون أى تغيير يَسمح بعدم تسرب تلك القيمة الزائدة إلى خارج مسام الوطن. أو تدعيم أليات إنتاج القيمة الزائدة الممكِِّّنة من تركيم رأسمالى ممكّّن بدوره من الدخول فى حلبة الصراع مع الأجزاء المتقدمة التى سبقته، وأرجو أن يكون من الواضح، كونى أناقش إشكالية تسرب القيمة الزائدة، نتيجة التناقض ما بين إرتفاع حجم إنتاجها وبين ضعف أليات هذا الإنتاج، ولا أناقش إشكاليات تسرب الفائض.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيمة الهاربة، والقيمة المتسربة، والقيمة المضخة
- الحدث والضربة، ورشادة رأس المال الأمريكى
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الرابع
- الرأسمالية وحروب الإبادة (الإنكا، والإزتك)
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ 3
- كيف يرى دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الثانى
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟
- الموجز فى التكوينات القبلية فى السودان
- هوجو تشافيز والنفط وأوبك
- فنزويلا: التاريخ والجغرافيا والإقتصاد
- الصراع العالمى على الزيت
- الموجز فى تاريخ السودان الحديث
- نقد موضوع الإقتصاد السياسى عند محمد دويدار
- إعادة طرح موضوع الإقتصاد السياسى كعلم إجتماعى
- التسرب فى دول النفط
- أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟
- كارل ماركس (العظيم الآخير)
- لماذا إنفصل جنوب السودان؟
- الإقتصاد السياسى للمشروع الإستعمارى الإستيطانى الإسرائيلى
- المختصر فى العمل المأجور والرأسمال


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - العلاقة ما بين التخلف الإقتصادى والإجتماعى وبين القيمة الزائدة