أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - يعقوب ابراهامي - الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19















المزيد.....


الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19


يعقوب ابراهامي

الحوار المتمدن-العدد: 3379 - 2011 / 5 / 28 - 16:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حسقيل قوجمان يحارب معارك القرن الحادي والعشرين بمدافع القرن التاسع عشر. وهو لا يستخدم اسلحة صادئة قديمة فحسب بل انه لا يجيد استخدام هذه الأسلحة ايضاً.
هذه اسلحة عتيقة، اغلبها لم يعد صالحاً للأستعمال و مكانها الوحيد هو متحف الآثار القديمة.
هناك، في متحف الآثار القديمة، يمكن النظر الى هذه الأسلحة باحترام، باعجاب وبخشوع. هذه اسلحة أرعبت الطغاة ("شبح يطوف في ارجاء اوربا")، ألهبت وحشدت الجماهير ("لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية") ودكت عروشاً ("هذا آخر انفجار"). لكنها بلت بمرور الزمن وعلاها الصدأ، ثم جاء ستالين فعاث فيها فساداً، أفسد ريحها وأنزل بها الضربة القاضية.

نحن الآن نعيش في عصر تاريخي آخر. عالم القرن الحادي والعشرين (عصر العولمة والأنترنيت واكتساح الفضاء والغور في اعماق الذرة) هو غير عالم عام 1867 (عندما اصدر كارل ماركس النسخة الأولى من كتابه Das Kapital). عمال الدول الصناعية في امريكا واوربا اليوم (مع مكاسبهم الأجتماعية والأقتصادية االكبيرة) هم ليسوا بروليتاريي الأمس الذين لم يكن لهم ما يفقدونه سوى قيودهم. لعمال الدول الرأسمالية المتقدمة اليوم الكثير مما يفقدونه (والقيود الوحيدة التي تربطهم، كما يقول فرانسيس وين في كتابه الممتع "كارل ماركس"، هي أشرطة ساعات الرولكس المقلدة التي يضعونها على ايديهم) .

أضف الى ذلك أننا اليوم بعد تجربة تاريخية رأى العالم خلالها كيف تحولت "دكتاتورية البروليتاريا" الى دكتاتورية "الحزب الواحد" ثم الى دكتاتورية "الرجل الواحد"، كيف انقلبت "الجنة على الأرض" الى "جحيم أورويلي"، كيف أكلت الثورات الأشتراكية أبناءها وعلقت قادتها على اعواد المشانق، كيف لم يبق من اللينينية سوى جثة محنطة، ومن كل "الأشتراكيات العلمية" لم تبق سوى "كوريا شمالية" واحدة، دولة تخنق شعبها وتجوعه ولها مذيعة مخيفة تطل علينا بين الحين والآخر لتنبئنا بآخر مآثر الزعيم.

كل هذه التحولات لم تترك أثراً على حسقيل قوجمان. كالطود الشامخ يقف حسقيل قوجمان امام تقلبات العصر وعواصفه، يدافع ببسالة عن "الثوابت الماركسية" بأسلحة عتيقة، يصد هجوم "المحرفين" و"الكافرين" بنصوص كتبت قبل قرن ونيف، ويعلن الحرب الضروس على "بوبر ويعقوب ابراهامي" (الحوار المتمدن - العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21).
عن كتاب صدر عام 1867، اي قبل 144 عاماً، يقول حسقيل قوجمان: " كتاب الراسمال اعظم كتاب في علم الاقتصاد في تاريخ علم الاقتصاد حتى يومنا هذا". هذه الجملة تقول عن صاحبها اكثر مما تقوله عن كارل ماركس أو عن كتاب "رأس المال".

كل هذا يجعل النقاش مع قوجمان نقاشاً لا طائل من ورائه. ولكن هذا بالضبط هو ما يجعل النقاش معه نقاشاً ممتعاً. (اعتراف: رغم النصيحة التي اسديتها في حينه الى الأخ آكو كركوكي، انا احب نقاشات فكرية لا طائل من ورائها، لاسيما إذا كانت مليئة بما يدعوه د. حسين علوان "فذلكات لسانية". وإذا امكنك إضافة إلى ذلك ان تكيل لخصمك الصاع صاعين فإن المتعة تبلغ ذروتها).

ليس من الصعب ان نحدد العصر الفكري والثقافي الذي يعيشه حسقيل قوجمان.
في الوقت الذي يقترب فيه علماء الفيزياء الحديثة من الله في بحثهم عن "الجزيئ الألهي" في معهد سيرن الكائن في اعماق الأرض في الحدود بين سويسرا وفرنسا، لا زال حسقيل قوجمان يعيش التجربة التي اجراها معلم "الأشياء" في الصف الخامس الأبتدائي واثبت فيها ان الهواء يمارس ضغطاً على قطعة النقود التي تغطي فوهة انبوبة الأختبار (لم يعرف المعلم المسكين آنذاك انه بتجربته البريئة أكد صحة "قوانين الديالكتيك"، وربما ايضاً حتمية الثورة البروليتارية).

وفي وقت حطمت فيه الشعوب كل "دكتاتوريات البروليتاريا" وكسرت أغلال "الأشتراكية العلمية" يدعو حسقيل قوجمان، من ملجئه الآمن في ظل واحدة من اقدم الديمقراطيات البرجوازية في العالم، الى تحطيم "الديمقراطية البرجوازية" وإقامة "دكتاتورية البروليتاريا" على انقاضها، وفقاً لكل قواعد "الأشتراكية العلمية". لماذا؟ لأن ذلك هو ما جاء في كتاب "نقد برنامج غوته" الذي كتبه كارل ماركس قبل اكثر من 135 عاماً (منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا لم يتغير شيئ يستحق الذكر. نسى حسقيل قوجمان ان يقول، بهذه المناسبة، ان كتاب "نقد برنامج غوته" هو اعظم كتاب سياسي كتب منذ عام 1875 حتى يومنا هذا).

وفي عصر يتحدث فيه (لا أقول يفهم) كل طفل عن "أنفجار عظيم" وعن "ثقوب سوداء"، عن "مادة" وعن "مادة مضادة"، وبعد مرور مائة عام على إزاحة "الكون النيوتوني" على أيدي "الكون الآينشتايني"، وانتصار "نسبية آينشتاين العامة" على "جاذبية نيوتون"، يعتقد حسقيل قوجمان، " بمنتهى الجدية والوضوح"، ان هناك بيني وبينه نقاش حول "قانون الجاذبية" لنيوتون !! واي نقاش يمكن ان يكون بيننا؟ هل نحن علماء فيزياء؟

" ولكن يعقوب لم يحاول ان يدافع عن رايه ليثبت انه يعرف قانون الجاذبية وان اتهامه بجهل قانون الجاذبية جهلا مطبقا ليس صحيحا ولو بكلمة واحدة" - يحتج عالم الفيزياء حسقيل قوحمان.
هل سمعتم؟ إقرأوا ذلك ثانية كي تصدقوا. كان على يعقوب ابراهامي ان يثبت لحسقيل قوجمان "ان يعقوب لا يجهل قانون الجاذبية جهلا مطبقاً"!! ولا يحسبن القارئ ان حسقيل قوجمان يتحدث عن جهل بسيط من النوع الذي قد يقع فيه بسطاء الناس. كلا. عن جهل مطبق (!!) يتحدث هذا الرجل. كان علي ان اثبت لحسقيل قوجمان انني لا اجهل قانون الجاذبية جهلاً مطبقاً!!
ولكن لماذا كان يجب على ان افعل ذلك، يا سيدي؟ (ولمعرفتك فقط: اجتزت بنجاح امتحان السنة الجامعية الأولى في موضوع الفيزياء).
حسقيل قوجمان لم يفهم (وهو لا يفهم حتى الآن) ما هو موضوع النقاش بيني وبينه. وسنعود الى هذا فيما بعد.

"الثقافة الفلسفية" لحسقيل قوجمان لا تتعدى كراساً هزيلاً، مؤلفاً من نصوص كنائسية، كتبه، في الثلاثينات من القرن الماضي، واحد من اكبر الدجالين في تاريخ الفكر الماركسي. وحسقيل قوجمان لا يحتاج الى اكثر من ذلك.
" انا لم اقرأ بوبر ولم اعرفه ولم اسمع باسمه" - يتباهى حسقيل قوجمان.
ولكن إذا كان حسقيل قوجمان لم يقرأ ولم يعرف ولم يسمع بواحد من اشهر فلاسفة العلم في القرن العشرين، بمن سمع إذن؟ وماذا قرأ؟
وكيف يسمح لنفسه حسقيل قوجمان ان يكتب حول علمية الماركسية او عدم علميتها دون ان يطلع على النقاشات التي تجري حول هذا الموضوع في الدوائر العلمية والفلسفية في العالم، ودون ان يسمع الحجج التي يطرحها الخصوم والمؤيدون؟.
" لم اتوسل الى بوبر ان يوافق على كون الماركسية علما ام لا. . . فلماذا احتاج الى مصادقة بوبر؟" - هكذا يتكلم رجل من السوق لا مفكر ماركسي.
حسقيل قوجمان يقول ببساطة: لا تزعجوني بترهات لا تغني ولا تسمن من جوع ولم يرد ذكرها في كتاب ستالين سيء الصيت. لا تطلبوا مني ان أقدم تعريفات دقيقة لمفاهيم فلسفية نظرية مثل: "العلم" (Science)، "النظرية العلمية" (Scientific Theory) أو "القانون العلمي" (Scientific Law). انا لا افهم عن ماذا تتحدثون. انا قرأت كتاب ستالين، حفظته عن ظهر قلب، وهذا يكفيني.

"ما هو العلم؟" - يسأل هذا الذي لم يسمع عن بوبر، ثم يخوض في "بحث" مطول يمتزج فيه الخيال الخصب وانصاف الحقائق مع "تجديدات" في علم الوراثة : "اكتشاف كبير مثل هذا الاكتشاف (قوجمان يتحدث هنا عن "تعلم نحت الحجر وتدبيبه" - هكذا في الأصل) واختزانه في الدماغ الانساني وتعلمه كان اكتشافا عظيما تعلمه الدماغ الانساني ولم يكن على الجيل التالي ان يكتشفه مرة ثانية بل اصبح علما في دماغ الانسان يكتسبه الطفل من ابويه بالوراثة عند ولادته". هل تسمع هذا يا ليسنكو؟ لقد قام لك وريث.

(ليسنكو، لمن لا يعرف، هو محتال سوفييتي ادعى انه اكتشف قوانين وراثة جديدة مبنية على "المادية الديالكتيكية" وعلى اساسها حاول تطوير الزراعة السوفييتية وانتاج محاصيل جديدة لم تكن موجودة في الأصل. في نهاية الأمر انكشفت حقيقته بعد ان انزل بالزراعة السوفييتية (بتشجيع مباشر من ستالين الذي كان هو الآخر مهتم ب"هندسة" الروح البشرية) اضراراً بالغة)

حسقيل قوجمان، الذي لم يعرف في حينه من المسؤول عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، يعرف كل شيئ عن نشأة الكون وتطور الحياة على سطح الكرة الأرضية خلال "ملايين او مليارات السنين" من "الاميبا التي تتألف من حجيرة حية واحدة" الى نشوء "حيوان يختلف نوعما عن سائر الاحياء".
كل هذا لا يهمنا طبعاً ولم استطع ان افهم ما علاقة ذلك ب"بوبر ويعقوب ابراهامي". نصيحة واحدة اقدمها للتلاميذ الذين قد يتقدمون هذا العام للأمتحان في علوم الأحياء (البيولوجيا): لا تعتمدوا على مقال حسقيل قوجمان إذا كنتم لا تريدون ان تضمنوا لأنفسكم الصفر المطلق. وقد أعذر من أنذر.

الذي يهمنا هنا هو ان حسقيل قوجمان يخلط بين مفهوم العلم المعاصر (Modern Science) الذي هو موضوع نقاشنا، وهو ما تبحثه فلسفة العلوم (Philosophy of Science)، وبين انواع اخرى من المعرفة والنشاط الأنساني.
العلم المعاصر الذي نتحدث نحن عنه، والذي هو موضوع البحث في فلسفة العلوم، والذي نطلق عليه في اللغة الأنجليزية اسم (Science) ولد في اوربا في الحقبة التاريخية 1500-1750، هي الفترة التي تعرف بفترة الثورة العلمية، والتي دشنتها الثورة الكوبرنيكية التي غيرت نظرة الأنسان الى الكون. قبل ذلك لم يكن في الوجود ما يسمى في اللغة الأنجليزية (Science) بالمفهوم الذي نتحدث عنه الآن. ولهذا العلم (Science) طريقة خاصة للوصول الى المعرفة، لخصها جاسم الزيرجاوي في نقاشه مع فؤاد النمري بما يلي: (مشاهدة، فرضية، تجربة، صياغة).
الجملة التالية لحسقيل قوجمان تثير ابتسامة ساخرة (إن لم يكن أكثر من ذلك) لدى كل من يفهم شيئاً في تاريخ العلم وفي فلسفة العلوم: " الواقع ان الاكتشافات القديمة البدائية كانت علما اكتشف فيه الانسان اسرار الطبيعة وتعلمها واستطاع تقليدها وصنعها والاستفادة منها بصور لا تقل اهمية عن الاكتشافات الاخيرة الاكثر تطورا".
الأكتسافات القديمة البدائية، عزيزي حسقيل قوجمان، لم تكن Science. من حقك طبعاً ان تقول انها علم "سواء اكان العلماء اليوم يسمونها علما ام لا" ولكنك عند ذلك تتكلم لغة هي غير اللغة التي نتكلمها نحن، وعند ذلك فإن كل حوار بيننا يكون اشبه بحوار الطرشان.

وحسقيل قوجمان يتكلم حقاً لغة هي غير اللغة التي نتكلمها نحن.
"علم الماركسية لا يقل دقة عن علم الفيرياء" - كتب حسقيل قوجمان في احدى مقالاته.
عندما قرأت هذه الجملة للمرة الأولى كنت واثقاً ان هذه زلة قلم، خطأ مطبعي أو سوء تعبير. كنت واثقاً ان حسقيل قوجمان أراد ان يقول شيئاً من هذا القبيل: "ان الماركسية علم وإن كانت أقل دقة من علم الفيزياء". ولكنني بعد ان نبهته الى "زلة القلم" واصر هو على كل كلمة كتبها، فهمت انه يتحدث بلغة هي غير اللغة التي نتحدث بها نحن، وأن من العبث مناقشته لأن احدنا لا يستطيع ان يفهم الآخر (من هنا جاءت نصيحتي الى آكو كركوكي).

انتبهوا الى ان عبارة "لاتقل دقةً" معناها حسب كل قوانين المنطق: "قد تزيد دقةً" (هذا طبعاً بافتراض ان "منطق" حسقيل قوجمان يشبه الى حدٍ ما منطقنا نحن). هل يريد حسقيل قوجمان ان يقول لنا حقاً ان "علم" الماركسية يزيد دقة عن علم الفيزياء؟
الدقة في الفيزياء الحديثة (لا في "اشياء" الصف الخامس الأبتدائي) وصلت الى جزء من الثانية هو واحد مقسوم ب- 10 وامامها 18 صفر (تم قياس هذه "الفترة" الزمنية في المختبر في أيار عام 2010. هذه هي اصغر "فترة" زمنية استطاع الأنسان ان يقيسها). هذا رقم من "الصغر" بحيث لا يستطيع الخيال الأنساني ان يتصوره. هل يريد حسقيل قوجمان ان يقول لنا ان "علم" الماركسية قد بلغ هذه الدرجة من الدقة؟ بل تجاوزها؟
إذا كانت "الماركسية القوجمانية" لا تقل دقة عن علم الفيزياء فإن تنبؤاتها يجب ان تكون على الأقل من الشكل التالي: "الثورة الأشتراكية سوف تنشب في مدينة هونولولو في الساعة التاسعة وخمسة دقائق وثلاثة اعشار الثانية في 16 تشرين الثاني سنة 2015 " (ومع هذا تبقى بعيدة عن دقة الفيزياء بعد السماء عن الأرض). هل هذا ما يريد ان يقوله لنا حسقيل قوجمان؟
كل انسان عاقل يعرف ان هذا كلام لا معنى له. النتيجة الوحيدة هي: إن حسقيل قوجمان، عندما يقول ان "علم" الماركسية لا يقل دقة عن علم الفيزياء، لا يتكلم لغتنا بل يتكلم لغة اخرى لا نفهمها. الفيزياء التي يتحدث عنها هي ليست الفيزياء التي نعرفها نحن. "علمه" ليس "علمنا" و"دقته" ليست "دقتنا". غني عن البيان ايضاً ان "ماركسيته" ليست "ماركسيتنا". (هل هذا ما قصده عندما قال: "ليس قراء يعقوب ابراهامي من قراء حسقيل قوجمان وليس قراء حسقيل قوجمان من قراء يعقوب ابراهامي" ؟).

الى جانب حسقيل قوجمان الذي لم يقرأ ولم يعرف ولم يسمع بكارل بوبر ("دعنا من بوبر" - نصحه جاسم الزيرجاوي - "سؤالنا هو: هل الاشتراكية العلمية خرافة ؟؟ لم يستطع لحد الان ولا احدا من الاصدقاء ان يبرهن ان الاشتراكية العلمية ليست خرافة") هناك من قرأ وعرف وسمع بكارل بوبر لكنه لم يفهم (أو لم يرد ان يفهم). هذا الواقع المأساوي أوحى لفؤاد النمري بالرباعية التالية:

كارل بوبر يقول أن العلم الذي لا يمكن دحضه ليس علماً !!!
عجباً لأرهاط المفلسين الذي يختبئون وراء قول مجنون كهذا !!!
العلم هو الذي يستطاع دحضة !!!
الماركسية لا يمكن دحضها فهي ليست علماً !!!

(اكثر ما يعجبني هنا هي علامات التعجب الثلاثة التي ينهي فيها الشاعر كل بيت من ابيات القصيدة. لماذا جاءت العلامات ثلاثاً لا مثنى أوفراداً؟ حار النقاد في تفسير ذلك. بعضهم يقول هذا إعجاز لم يأت بمثله الأقدمون أو الأحدثون: ثلاثية في رباعية!
آخرون يقولون ان الشاعر يرمز بذلك الى الثالوث المقدس: الأب والأبن والروح القدس.
هناك مدرسة ثالثة تقول ان فؤاد النمري يشير هنا الى ماركس، أنجلز ولينين. وأين ستالين؟ - قد يسأل بعض المفلسين. ستالين، سيداتي وسادتي، المفلسات والمفلسين، هو أعلى من ان يهبط الى مستوى ماركس، أنجلز ولينين.)

قد يختلف المرء مع فؤاد النمري في تشخيص المرض النفسي الذي عانى منه كارل بوبر، ولكن ماذا تقولون عن "ارهاط المفلسين"؟ تخيلوا: فيالق من المفلسين تختبئ وراء مجنون يحاول دحض الماركسية، وفؤاد النمري، كنظيره الأسباني الذي حارب طواحين الهواء قبل اكثر من 400 سنة، يصول ويجول (وسانشو بانشو "يحفر" في اعقابه) دفاعاً عن حمى الماركسية. (عن أقل من هذه البهلوانية كان كارل ماركس يقول: انا لست ماركسياً).

لمن استعصى عليه فهم افكار كارل بوبر، ولكي اوضح لحسقيل قوجمان ان الخلاف بيننا لا علاقة له إطلاقاً بالقسم الجنوبي من جسم رواد الفضاء، سأقوم بمحاولة يائسة اخيرة لكي اوضح، حتى لمن لا يريد ان يفهم، ماذا يعني بوبر بمفهوم "نظرية قابلة للدحض" (Falsifiable) أو "قابلة للتفنيد" (Refutable).
لا يضر الأنسان المثقف ان يحاول فهم افكار كارل بوبر حتى إذا لم يكن يتفق معه.

عندما يتكلم بوبر عن "نظرية قابلة للدحض أو للتفنيد"، (Falsifiable) أو (Refutable) فإنه لا يعني بذلك انها نظرية خاطئة (False) بل يعني فقط انه يجب ان يكون بامكاننا ان نثبت انها نظرية خاطئة إذا كانت خاطئة، اي انه يجب ان تكون هناك طريقة تمكننا من أثبات صحتها أو تفنيدها. بوبر يعتقد ان هذه هي احدى أهم صفات النظرية العلمية. نظرية لا يمكن دحضها (اي ليس هناك طريقة لأثبات صحتها أو خطئها) لا يمكن وصفها بنظرية علمية.

وبتفصيل اكثر: كل نظرية تتنبأ بأحداثٍ يمكن اختبارها في التجربة على ارض الواقع. وإذا ثبت في التجربة ان تنبؤات النظرية لا تتحقق على ارض الواقع فإن ذلك يعد دحضاً للنظرية، أي ان التجربة قد فندت النظرية. في هذه الحالة نقول: هذه نظرية علمية اثبت الواقع انها غير صحيحة (False) لأن النتائج التي خرجت من التجربة مناقضة للنتائج التي تنبأت بها النظرية. عند ذلك يجب نبذ النظرية وتبني نظرية جديدة تتفق مع نتائج التجربة.
اما إذا كانت النظرية تستطيع ان تفسر ايضاً النتائج المناقضة لتنبؤاتها هي نفسها، بواسطة حجج يؤتى بها لمجرد الدفاع عن النظرية (ad hoc justifications)، فهذه ليست نظرية علمية.

لكي اوضح ذلك أتيت بمثال يسهل فهمه حتى لطلاب الصف الخامس الأبتدائي. قلت ان "نظرية الجاذبية" لنيوتون هي نظرية علمية لأن هناك طريقة بسيطة لتفنيدها: اقطعوا الغصن الذي يربط التفاحة بالشجرة. إذا لم تسقط التفاحة على الأرض فإن ذلك يناقض تنبؤات النظرية ويثبت ان النظرية خاطئة. نظرية نيوتون في الجاذبية هي نظرية علمية لأن هناك طريقة لدحضها (أو تفنيدها).
لم ارد طبعاً أن أدخل في التفاصيل. أردت ان أؤكد المبادئ الأساسية فقط. كيف دخل رواد الفضاء هنا، وما علاقة كل ذلك بعملية البول في المحطات الفضائية، فهذا ما لا أفهمه حتى هذه اللحظة.

وبخلاف "نظرية الجاذبية" لنيوتون، يقول بوبر ان "النظرية الماركسية" حول التطور التاريخي ليست نظرية علمية لا لأن كل تنبؤاتها قد فشلت حتى الأن فحسب، بل لأن اتباع هذا النظرية يخترعون كل مرة من جديد حججاً (ad hoc) لتبرير فشل تنبؤات النظرية. (عندما صاغ كارل بوبر افكاره لم يكن يعرف ما يعرفه حسقيل قوجمان وهو ان "علم" الماركسية لا يقل دقة عن علم الفيزياء).

نقطة أخرى كنت اعتقد انه لا يختلف حولها اثنان، ولكن يظهر ان لحسقيل قوجمان وجهة نظر اخرى فيها، تتعلق بتعريف القانون العلمي (Scientific Law). قلت (وهذا بالضبط هو تعريف القانون العلمي) ان مثالاً مناقضاً واحداً يكفي لدحض القانون العلمي (أياً كان هذا القانون). هذا امر بديهي في الرياضيات وهو الأساس الذي تستند عليه كل قوانين الفيزياء والعلوم الطبيعية. بدون هذا الشرط لا معنى للقانون العلمي.
انا اعرف طبعاً ما الذي يزعج حسقيل قوجمان في هذا التعريف للقانون العلمي. هو يخشى ان نفند عن طريق مثال مناقض واحد كل "قوانين" الديالكتيك. (يكفي مثلاً أن نأتي بمثال واحد، واحد فقط، لا يتحول فيه التراكم الكمي الى تغير نوعي لكي ننسف "القانون الديالكتي" حول تحول الكمية الى كيفية) ولكن هذا هو بالضبط ما اريده انا. وعن هذا في مقال قادم عن "خرافة الديالكتيك". ترقبوه (قد يكون ممتعاً ولكن بعنوان مخالف).

بقى لي حساب واحد مع حسقيل قوجمان هو: العالم كارل ماركس (The Scientist Karl Marx).
كتبت ان حسقيل قوجمان هو الأنسان الوحيد في العالم الذي يطلق على كارل ماركس لقب العالم (Scientist). قلت ان هذا يثير الكثير من الدهشة (لم ارد ان اقول سخرية) لدى القراء.
(من باب الأمانة الفكرية أسجل ان هيغل حاز على نفس اللقب عند حسقيل قوجمان: العالم العظيم هيغل. هنا ايضاَ اعتقد ان لحسقيل قوجمان الأولية والوحدوية. كان من المفيد طبعاً أن يذكر لنا حسقيل قوجمان أي كتب لهيغل قرأ بحيث استحق منحه لقب "العالم العظيم"، أي: "The Great Scientist" ).

انقل فيما يلي رد حسقيل قوجمان:
" ذهل يعقوب ابراهامي حين قرأ في مقال حسقيل قوجمان ان انجلز اطلق على الاشتراكية العلمية اسم الماركسية تخليدا لاسم العالم الذي اكتشفها (هذا غير صحيح. لم أذهل عندما قرأت ان أنجلز اطلق على الاشتراكية العلمية اسم الماركسية. هذا أمر يعرفه الجميع ولم اكن بحاجة الى حسقيل قوجمان لكي اعرف ذلك. ما قلته هو ان كارل ماركس نفسه لم يطلق اسم "الأشتراكية العلمية" على نظريته ولم يستخدم تعبير "الأشتراكية العلمية" مرة واحدة في حياته في كل كتاباته)، فانتفض (يعقوب، إن كنتم قد نسيتم) صارخا: "اعتقد ان حسقيل قوجمان هو الأنسان الوحيد في العالم كله الذي يطلق على كارل ماركس اسم العالم, تصور: العالم كارل ماركس!! هل سمعت عن شيء كهذا من قبل؟" اردت ان اكتب جوابا في نهاية هذا المقال يهدئ من روع ابراهامي. ولكن وانا اكتب هذا المقال نشرت في الحوار المتمدن ترجمة عربية للكلمة التي القاها انجلز على قبر كارل ماركس عند دفنه فلم اجد اروع منها جوابا يهدئ من روع ابراهامي من هول جريمة اطلاق اسم "عالم" على واحد من اعظم علماء البشرية ان لم يكن اعظمهم".

لم أجد الترجمة العربية للكلمة التي القاها انجلز على قبر كارل ماركس. لدي النص الأنجليزي. في هذا النص لم ترد كلمة Scientist ولو مرة واحدة.
في رثائه يصف فريدريك انجلز صديقه كارل ماركس بأنه : The greatest living thinker
أفتح، عزيزي حسقيل قوجمان، أول قاموس انجليزي-عربي تقع عليه يدك وستجد ان"Thinker" تعني "مفكر".
وكارل ماركس كان حقاً مفكراً كبيراً.



#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا، أميل حبيبي وجورج حزبون
- خرافة الأشتراكية العلمية
- فهد والقضية الفلسطينية : ملاحظات نقدية
- فيتوريو بعد جوليانو
- يوم انحرفت الثورة المصرية عن مسارها
- وردتان على قبره
- من قتل جوليانو مير؟
- الصهيونية ليست ما تظنون
- نمريات
- الشاعر الذي يتكلم لغة قديمة
- ملاحظات ليبية
- المقياس الأساسي لدى محمد نفاع
- شعب اسرائيل صديق لشعب مصر
- نريد يساراً جريئاً لا يساراً خائفاً
- تحية لشعب تونس
- اليسار الصهيوني يوك!
- من اجل مصالحة تاريخية كبرى
- أحماقة أم نفاق سياسي؟
- البارع، المطور والذي لا يعتذر
- سلامة كيلة غاضب. من لا يخاف؟


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - يعقوب ابراهامي - الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19