أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - البحث عن مشكلة















المزيد.....

البحث عن مشكلة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3379 - 2011 / 5 / 28 - 07:21
المحور: كتابات ساخرة
    


بعض الناس يبحثون عن المشاكل, وبعض الناس المشاكل التي ليس لها حل هي التي تبحث عنهم, كما يحدث معي في حياتي اليومية كل يوم.

كافة السياسيين العرب والمثقفين العرب من أقسى اليمين إلى أقسى اليسار يدركون بفطرتهم السليمة ما يخافون منه, وهذا الخوف من السلطات العربية لأنها أنظمة دائما ما تبحث عن مشاكل وعن متاعب مع المواطن العربي وعن إحداث مشاكل ومشكلات مستعصية ليس لها أي حل ومعقدة جدا تهدف إلى تعقيد المواطن العربي من الحياة بأكمله,أو في إحدى قصص (كافكا) التي نُشرت بعد وفاته جملة تقول : (راح عصفور يبحث عن قفص) أو كما قال جبرا إبراهيم جبرا لو قال: راح قفص يبحث عن عصفور, لكانت الجملة مرعبة أكثر, ولو قال: راحت الأقفاص تبحث عن عصافير, لكانت العبارة أكثر رعبا لأنها تجسد علاقة المثقف بالسلطة حين يعيش المثقف وعيه الذي لا يستطيع أن يندمج مع سلطة لا تقيم وزنا بين الفنان وعمله الإبداعي , وقد قارنت ذات يوم بين تلك القصة القصيرة وبين الرجل العربي الغلبان الذي يبحث عن مشكلة ليعود إلى داخل السجن نظرا لأن السجن أرحم بكثير من الحرية نفسها, ومن الممكن أن نلاحظ ذلك حين يقول المواطن العربي (أريد مشكلة) أو (أنا أبحث عن مشكلة) أو (المشكلة تبحث عن مواطن) كما يحدث في الملفات الأمنية في الدول العربية حين تكون لديهم مشكلة بحاجة إلى مواطن لكي يلفقونها له فيبحثون عن أي مواطن مسكين ليس له علاقة بالمشكلة حتى تغدو المشكلة في لحظة من اللحظات ملتصقة في المواطن ومرافقة له طوال عمره, إذا نحن نعيش ضمن سلطات عربية لديها مشاكل وملفات أمنية تريد إغلاق تلك الملفات على حساب أي مواطن عربي كما يحلو لكافكا أن يقول (راح عصفور يبحث عن قفص).

وحدث هذا معي سنة 2004م حين شاءت الأقدار أن أدخل السجن ذات يوم وأن أتوقف توقيفا إداريا لمدة أسبوع, وقد لاحظت داخل السجن بأن أغلب المحكومين إداريا يفضلون العيش داخل السجن على العيش خارج السجن, وحين سألني أحد المساجين عن مشكلتي أجبته أولا بأنني لا أعرف ولو أعرف ما هي مشكلتي لكان حلها سهلا جدا ولكن توصلت إلى حقيقة مفادها أن الحكومة الأردنية تبحث عن أي مشكلة معي, إنها دائما ما تحاول أن تخلق لي أي مشكلة اجتماعية ما عدى أن تكون سياسية ليبقى وضعها دائما في السليم, وقال لي أغلب المساجين بأن مشكلتهم أو مشاكلهم مثل مشاكلي ولكن أحيانا معكوسة بحيث أن أغلبهم هم من يبحث عن مشكلة ليبقى في السجن, وبأنهم كلما حصلوا على إفراج يخرجون للشارع للبحث عن مشكلة تعيدهم إلى التوقيف والسجن وقال لي خبير في السجون بأن أغلب المساجين الذين قضوا مدة تزيد على 15 سنة حين يخرجون من السجن لا يعيشون كثيرا فسرعان ما تظهر عليهم علامات الاكتئاب والضجر من الحياة أو يصابون بداء السكري وأغلبهم يعيشون مدة سنة أو سنتين ومن ثم يموتون قهرا حين يصطدمون بالمجرمين الذين يعيشون خارج السجون , وتخيلوا وتصوروا معي كم هي الحياة خارج السجن بالنسبة لهم قاسية وأصعب بكثير من الحياة داخل السجن وأصعب بكثير مما يُحتمل, أي كما يتمنى البعض الموت على الحياة كما قال الشاعر العباسي(ألا موتٌ يباعُ فأشتريه..فهذا العيشُ ما لا خير فيه), إنه نوع من الإحساس بالضياع ونوع آخر من فقدان القدرة على اكتساب أي مهارة يعتاشون منها وهنالك رأي آخر وهو أن المجتمع والحكومة والنظام لا يريدون لهم أن يكسبوا لقمة خبزهم , وقال لي البعض بأن الحياة خارج السجن تريد نوعا من المكر نحن لا نقدر عليه, وتريد نوعا من الإجرام لا يقدر عليه أعتا المجرمين شراسة في أكثر السجون خطورة,ووصفوا غالبية الناس بأنهم مجرمون خطرون وبأنهم هم غير ذلك وأبرياء ومن السهل الإمساك بأي أحد منهم وهو يسرق دينارا أو دينارين أو حتى جرة غاز, ولكن الأدهى والأمر هو أن غالبية الناس مجرمة تقتل عن بعد بالتسبب للآخرين بالسكتات القلبية وبالإفلاس وهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون ونحن نخاف جدا من العيش معهم, وصدقوني وصفوا لي عالمي الذي كنت أعيش به كم هو مرعب رغم أنني لم أكن أعرف ولم أكن أتصور ذلك ,ومن يومها أخذت الحيطة والحذر من أولئك الذين يدعون النقاء والصفاء والبراءة ولم أكن قبل ذلك أعرف بأنني أعيش مع نظام سياسي يبحث عن مشكلة معي كما يقول كافكا (راح عصفور يبحث عن قفص) أو كما يحلو لجبرا أن يقول (راح قفص يبحث عن عصفور) حين يغدو القفص السلطة والعصفور هو المبدع والمثقف , إنها حالة هستيرية أو حالة أكثر تقززا حين يبحث المواطن العربي عن مشكلة ليدخل السجن بسببها هربا من المجرمين الذين يعيشون خارج السجن أي مجرمين خطرين جدا أخطر من المجرمين الذين يعيشون داخل السجون .

ويفضل بعض الأحياء من الناس أن يموتوا قبل أن يشعروا بالجوع وبالحرمان, لذلك ينتحرون هربا من الواقع المؤلم حين لا يستطيعون تغطية آلامهم بما يملكون من مشاعر تساعدهم على الإحساس باللذة وبالنشوة, ويفضل البعض الآخر من الناس حياة الاغتراب الفكري والجسدي لكي لا يبقوا في بيئتهم ومحيطهم الاجتماعي يتألمون من كل شيء, أما الجزء الآخر من البشر فإنهم يفضلون العيش داخل السجن على العيش خارج السجن, والسجن بأسلاكه الشائكة وبقضبانه الحديدية أهون عليهم من القضبان المحيطة بهم خارج السجن حين يجدون أنفسهم أنهم يعيشون وفق نظام يكره الإنسان ويكره الحياة الكريمة لهم , لذلك كثير من الناس يبحثون عن المشاكل لكي يعودوا إلى حياة السجون والمعتقلات فهي على الأقل توفر لهم جوا من الأمان يشعرون به أفضل من تلك الأجواء التي تكون داخل حياة الحرية خارج أسوار السجون.

وبعد أن خرجتُ من السجن انتابني كثيرا من الخوف والرعب من الحياة خارج أسوار السجن,فمن يومها وأنا أخاف من الحياة خارج السجن ومن المجرمين خارج السجن المحكوم عليهم بممارسة حريتهم في تعذيبي وقهري كما يخاف بعض الناس من زيادة الرواتب أو من الإعلان عن رفع سقف الحريات العامة , وهنالك كثير من الناس الذين يفضلون الهروب من المنزل إلى الشارع أو القهوة أو أي مكان آخر يشعرون به أنهم في الشارع أو القهوة أو حتى البرية مع الوحوش أكثر أمانا من العيش مع الوحوش داخل مساكنهم الطبيعية نظرا لعدم انسجامهم مع الأجواء المنزلية, ولربما أن هنالك الآن مواطن عربي نعرفه يعيش بلا عمل يقتات منه وبلا مسكن يؤويه, وليس لديه لا زوجة ولا ولد ولا تلد ولا ما يحزنون, والحياة بالنسبة له داخل السجن سهلة ومريحة على الأقل أنه يعيش في شقة, والمجرمون داخل السجن أهدأ من المجرمين الذين يرتكبون كل لحظة جريمة اقتصادية أو سياسية أو فكرية بكل هدوء أعصاب, إن أكثر الذين في السجون ارتكبوا جرائمهم في لحظة غضب أو في لحظة إحساسهم بأنهم مظلومون من قِبل مجرمين قتلوهم ألف مرة حتى في النهاية ثأروا فقتلوا من كان يقتلهم كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل لحظة , والمتهمون داخل السجن بقضايا سرقة كانوا قد سرقوا مرة واحدة من كان يسرقهم كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بأسم تنفيذ القانون وتطبيقه وتحقيق العدالة, فهنالك صعوبة في التعايش مع المجرمين الذين يعيشون خارج أسوار السجن ويفضل بعض الناس التعايش مع المجرمين داخل السجن أفضل بكثير من التعايش مع المجرمين الذين يعيشون خارج أسوار السجن فعلى الأقل جرائم المجرمين داخل السجن سهلة جدا وأقل خطورة ,ومن الممكن اتخاذ الحيطة والحذر من بعض المجرمين فعلى الأقل هم معروفون داخل السجن بأنهم مجرمون , والحرامية داخل السجن معروفين للجميع بأنهم حرامية ولكن الخوف من المجرمين خارج السجن المتخفون خلف أقنعة من البراءة والطهر والعفاف فهؤلاء التعايش معهم صعب جدا لذلك يشرع بعض الناس في البحث عن مشكلة تعيده إلى السجن بعد أن يصدر عنه العفو العام.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارج المرأة وداخل الرجل
- المجانين الحقيقيين
- المجرم الخطير
- زجاجة عطر
- الست بريق
- اللي ما بفهموش السؤال
- لو حسبناه صح
- آخر الدجالين
- رواية الغاب
- الأردني يدخل ويخرج من بيته كالحرامية
- لله يا محسنين لله
- أنظمة الصيانة
- ولادة كلماتي
- أنا مواطن خليجي
- الشعب الأردني المتخلف
- الفساد في عيد ميلادي
- العين الساهرة
- الغنج واللذة والصراخ
- يا من يحميني من نفسي
- أعطونا مزيدا من الوقت


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - البحث عن مشكلة