أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عادل العمري - قراءة مختلفة لانتفاضة 18 و19 يناير 1977















المزيد.....



قراءة مختلفة لانتفاضة 18 و19 يناير 1977


عادل العمري
كاتب وباحث غير متخصص

(Adil Elemary)


الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 10:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




(1) الانتفاضة
1- فى 17 يناير 1977 أصدرت الحكومة المصرية قرارا برفع الدعم عن 25 من السلع الضرورية بشكل مفاجي وبناء على طلبات صندوق النقد الدولى، فانتفض المعدمون والمهمشون وسكان العشوائيات والعاطلون والعمال فى أنحاء عديدة من البلاد، وخاصة المدن، وانطلقوا مدمرين كل ما استطاعوا مما وجدوه أمامهم من أملاك دولة وأملاك خاصة مهمة وقوات الأمن نفسها. كانت المباني الحكومية ومراكز الشرطة والمحلات الفخمة وأماكن الترفيه الخمس نجوم هي الهدف الرئيسي للمتمردين الذين أعملوا فيها التكسير والحرق واستولوا على كل ما طالت أيديهم حتى ملابس وعصي وخوذ جنود وضباط الأمن، كما حاول بعضهم قطع السكك الحديدية، وبالطبع قُطعت الطرق الرئيسية. وقد بلغ عدد المشاركين عدة ملايين فى أنحاء البلاد، لتشهد مصر أعنف انتفاضة فى تاريخها الحديث.
استمرت الانتفاضة حتى تم سحب قرار رفع الأسعار، فخفَّت حدتها، بينما استمرت بعض الجماهير فى القتال طوال ليلة 20 يناير رغم نزول الجيش إلى الشوارع وفرض حظر التجول. كذلك خرج البعض من الطلاب والمثقفين وأنصار اليسار الماركسى والناصريين وقليل من الإسلاميين إلى الشارع فى مظاهرات سلمية.
2- كتب المفكر الراحل أحمد صادق سعد دراسة بعنوان “نحو استراتيجية اشتراكية جديدة.. قراءة ثانية فى أحداث يناير1977 [1] حلل فيها دوافع الانتفاضة وطابعها الثورى وفضح موقف القوى المنظمة، شاملة منظمات اليسار السرية التى راحت الواحدة تلو الأخرى تدين ما أسمته وقتها “التخريب”. لذلك لم يجد من ينشر له الدراسة [2] سوى مجلة “الراية العربية” التى كان يصدرها فى ذلك الوقت كاتب هذا المقال مع شريف يونس. فى الواقع لن أستطيع أن أضيف الكثير على ما قدمه الراحل العظيم من تفاصيل الأحداث، ولكن سأقوم هنا بإبراز استنتاجات معينة.
3- الغالبية العظمى مما كُتب حول الانتفاضة كُتب من وجهة نظر المثقفين الماركسيين والناصريين وغيرهم، باعتبار أن بعضهم كان مشاركا فيها بدرجة أو بأخرى، وكانت لهم تصوراتهم عن أهدافها أو ما يجب أن تكون عليه أهدافها، وعن صيرورتها وآلياتها كما يجب أن تكون من وجهة نظرهم. لذلك اهتمت هذه الكتابات بإبراز الشعارات التقليدية لهذه التوجهات فى ذلك الوقت وإبراز دور الطلاب والعمال، فى مقابل دور عناصر الأمن وعناصر الإجرام فيما أُسمى بالتخريب.
أدانت منظمات المعارضة، العلنية والسرية منها، “التخريب”. وكان حزب التجمع ، الذى يعتبر نفسه حزب اليسار، هو الأكثر حماسا؛ وضمن ما أعلنه حسب دراسة صادق سعد: “يدين التجمع أعمال الشغب والتخريب. فالتخريب ليس إلا وسيلة منحطة وغير متحضرة للتعبير”، و”عمليات تخريب قامت بها عناصر مختلفة من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية والرأسمالية الطفيلية طبقا لمخطط يستهدف إلصاق هذه العملية بالقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية”؛ “إننا ندعو كل القوى السياسية فى مصر وجميع الأطراف إلى التمسك بالشرعية واحترام القانون”؛ وقد “ساهم أعضاء التجمع فى بعض المحافظات فى المحافظة على سلمية المظاهرات وكان ذلك بترتيب مع الأجهزة المسئولة التى رحبت بذلك” [3].
وعلى درب حزب التجمع سارت كل منظمات اليسار، ولكن بلغة أقل قسوة وأكثر تأكيدا على أهدافها الراديكالية، زعما، شاملة الحزب الشيوعى المصرى وحزب العمال الشيوعى المصرى. لقد حاول اليسار- حفاظا على ماء وجهه وحتى لا يدين الشعب علنا – إعفاء المتمردين من تهمة العنف او “التخريب” وإلصاق التهمة بقوات الأمن وعناصر مندسة من عملاء السلطة. وهو ما يذكرنا بنفس الموقف من حريق القاهرة فى يناير 1952 حين قامت الجماهير بحرق محال وسط القاهرة واضطرت الحكومة إلى استدعاء الجيش لقمع الانتفاضة، وعزا معظم مؤرخى الفترة التخريب لعناصر مندسة.
وقد تنصل اليسار من المسؤولية عن هذا “التخريب” وأدانه بوضوح. وفى النهاية قرروا أن الانتفاضة فشلت وقُمعت لأنها لم تنته بإسقاط النظام وإقامة نظام آخر، كان المتصور أن يكون اشتراكيا. ولكن واقع الأمر أن هدف الجماهير كان إعادة الأسعار إلى ماكانت عليه وقد استجاب السادات بسرعة، وكان هذا هو ما أعاد الجماهير من الشوارع دون أن تواجه الجيش وربما حال هذا الإجراء دون تمرد جنود الجيش أيضا. لم يكن المتظاهرون يطمحون إلى إسقاط النظام أو حكم السادات حتى نحكم عليهم بالفشل. ولو لم ينتبه السادات إلى ضرورة تنفيذ مطلب الجماهير لربما انضمت وحدات من الجيش إلى المتمردين، ولعل تحسبه لهذا هو ما دفعه للاستسلام لمطلب الانتفاضة [4]. بالمقابل لم يكن للمنظمات اليسارية أى هدف محدد أثناء الانتفاضة وكانت فعليا فى ذيل انتفاضة الجماهير شبه البروليتارية.
لقد برأت المحكمة كل المثقفين الذين رحبوا بالحكم وأطلقوا عليه: الحكم التاريخى، بينما لم يهتم أحد تقريبا بإدانة أحكام السجن، التى بلغ بعضها عشر سنوات، على المتمردين، طبعا باعتبارهم مخربين، وبالتالى مجرمين مخالفين للقانون. والحال أن أى ثورة أو هبة هى بطبيعتها ضد القانون، فالتمرد الشعبى يكون موجها ضد الدولة وقانونها. فوق ذلك، لم تكن منظمات اليسار السرية قانونية أيضا، ومع ذلك تم إعفاؤها من العقاب.
4- فى مقابل هذا الموقف من جانب المثقفين اليساريين، أود فى هذا المقال أن أعيد الاعتبار للطرف الذى لم يجد كثيرين يتكلمون باسمه: الجماهير شبه البروليتارية التى شكلت الجسم الرئيسى فى الانتفاضة، والتى سحقت قوات الأمن وأجبرت السادات على الفرار من استراحته بأسوان بطريقة مهينة إلى القاهرة، حيث اقتربت منها المظاهرات مما أصابه بالذعر [5]. كما أجبرته على سحب قرار رفع الأسعار والتى دخل أفراد منها السجن بتهمة التخريب.
5- فى الحقيقة كانت هناك انتفاضتان فى وقت واحد، حدثتا فى عدد كبير من المحافظات وبنفس الأسلوب: تمرد شديد العنف من قبل الجماهير من الطبقات الدنيا والتى راحت تهاجم وتضرب الشرطة وتدمر كل ما فى طريقها من مؤسسات تمثل الطبقة المسيطرة ومظاهرات سلمية من جانب الطلاب والمثقفين.
كانت الانتفاضة الأولى هى التمرد الرئيسى قامت به الجماهير من مهمشين وأطفال شوارع وعمال تراحيل وباعة جائلين وعمال صناعة… إلخ. وكانت هذه الانتفاضة العنيفة هى التى هزمت الدولة ونزعت شرعية النظام. لم يرفع أغلب المتمردين شعارات أو هتافات، وإنما مارسوا التمرد بالأعمال، وربما ردد البعض شعارات اليسار والإسلاميين، ولكن ما طرحته الانتفاضة الشعبية من شعارات كانت أكثر حدة وقسوة، وبالألفاظ التى يستخدمها المشاركون فيها فى حياتهم اليومية، فكانت “مبتذلة” و”ركيكة” و”غير مهذبة”، شملت ألفاظا “خادشة للحياء”، وشهرت “بشرف” بعض أفراد النخبة الحاكمة بل وبزوجة السادات. ولم تكن هناك أية قيادة لهذه الجماهير ولا أية فئة محركة لها، بل قامت بتمرد تلقائى وعشوائى يتلاءم مع طبيعة تكوينها الاجتماعى وحالتها النفسية وميلها للعنف وطريقتها فى الاحتجاج. وقد ذكر صادق سعد فى دراسته أنه “فى أحوال، كان المثقف المشترك فى المظاهرة ينصح من كان يحرق أتوبيسا أو يحطم واجهة محل بالامتناع عن هذا فكان الرد القائل إن هذه هى الكيفية التى نعبر بها عن مشاعرنا”.
لم يكن من قام بمعظم أعمال “التخريب” عناصر محترفة الإجرام، برغم وجودها ومشاركتها، بل الجماهير شديدة الفقر التى كانت فى حالة استفزاز بالغ، ليس من قرارات رفع الأسعار فحسب، بل قبل أى شيء آخر من تراكمات من الإهانة والاعتداء المستمر على ما تعتبره حقوقها بتخلى الدولة عن السياسة الإصلاحية الناصرية، وعلى الفساد الشديد والزيادة السريعة للتفاوتات الاجتماعية خلال السبعينات، وبالذات بعد اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادى بشكل عشوائي.
تعجز أية كلمات عن وصف قوة المتمردين فى ذلك اليوم ومدى العنف والاستبسال الذى قاتلوا بهما قوات الأمن وكادوا أن يقاتلوا مصفحات الجيش. وقد بدأ الأمن بمهاجمة المتمردين بقسوة وبالأسلحة النارية ولكن بعد ساعات أصبح معظم رجال الأمن يبحثون عن مهرب من عنف الجماهير التى أصبحت فى موقع الهجوم وحققت نصرا ساحقا عليهم، مما اضطر الدولة إلى استدعاء الجيش لفرض حظر التجول، بينما أسرع الرئيس المذعور بسحب قرارات رفع الأسعار وإعلان ذلك فى كافة وسائل الإعلام، كما هددت الدولة بإطلاق الرصاص “فى المليان” على كل من يستمر فى التمرد. وجدت هذه الجماهير نفسها بلا معين ولا قدرات تنظيمية ولا فكر سياسى متقدم، فلم يكن أمامها إلا التمرد العشوائى العنيف، وهذا هو أسلوبها دائما تقريبا حتى فى الصراع فيما بين أفرادها، وكان هذا العنف هو الذى أصاب الدولة بالفزع وجعلها تسرع بالتراجع.
أما الانتفاضة الثانية فقام بها المتعلمون والطلاب وبعض أعضاء الأحزاب السرية والعلنية وبعض عمال المصانع المتقدمة، وكانوا يريدون القيام بأشكال احتجاج سلمية تطلق فيها الشعارات التقليدية لليسار، وتوجه بعضهم إلى مجلس الشعب لتقديم مذكرة احتجاج. كانت هذه التحركات محدودة الأثر فى المواجهات الدموية التى حدثت.
لكن هذه الانتفاضة الثانية لم تكن الحدث الرئيسى، فلم يكن قيامها يتطلب استدعاء المصفحات وقوات الصاعقة وإطلاق الرصاص، وبالتالى سقوط شرعية النظام. كان العنف والقسوة فى التعامل مع رموز الطبقة الحاكمة والشرطة هو العامل الرئيسي فى انتصار الانتفاضة، وربما لو طالت لسبب أو لآخر لابتدعت الجماهير أساليبا لفرض سيطرتها على البلاد والممتلكات، وربما تمكنت القطاعات الشعبية الأكثر تقدما من الناحية الاجتماعية أن تقود الجميع وتمارس عملا أكثر تنظيما وأطول مدى كما حدث فى هبَّة 1919 فى بعض المناطق. ولكن لم يستمر التمرد سوى أقل من 48 ساعة.
6- بعد رصد هذا التباين بين الانتفاضتين يصعب إدانة الانتفاضة الأولى على طريقة اليسار آنذاك. فقد كان هدفها محدودا ومحددا ومشروعا بالنسبة للفقراء والمعدمين، وإلا ماذا كان “يجب” أن يفعلوا؟ كيف يمكن تصور أن تقوم جماهير شبه بروليتارية بانتفاضة وهى تشعر بالمهانة والانسحاق دون عنف وتخريب؟ فضلا عن ذلك، قد تكون بعض أشكال التخريب مفيدة فى بعض الحالات، حيث تشل قدرات النظام وتجعله عاجزا على تنظيم قواته وإصدار الأوامر وتهز أفراده معنويا وتصيبه بالتخبط. وكان ضمن أهداف تخريب تمرد 1977 منع القوات من التقدم وضرب المتمردين. كما يمكن أن يكون التخريب وكافة أعمال العنف والفوضى خلاقة فى حالات كثيرة، كما حدث فى ثورات سابقة، منها الثورة الفرنسية؛ وقد شهدت تخريبا أشد وقتلا وإعداما عشوائيا… إلخ.
7- ماذا إذن عن سياق الانتفاضة؟ كان موضوع رفع الأسعار المفجر المباشر للأحداث، ولكن سبقه الكثير من الوقائع. فقد انهارت الناصرية، وكانت اشتراكيتها قد ظهرت كمجرد وهم فى سنواتها الأخيرة، ثم راح السادات يلعنها. كذلك انتهت حرب أكتوبر التى اعتبرها السادات آخر الحروب ووعد الجماهير بناء عليه بعصر الرخاء، ليفاجأ الناس ببروز طبقة من الطفيليين محدثى النعمة الذين راحوا يستهلكون بنهم فاضح [6] وبتباهٍ مستفز. فى نفس الوقت انتشرت البطالة وازداد الفقراء فقرا بشكل لم يكن معهودا خلال العصر الناصرى وظهرت أشكال لم يسبق لها مثيل من الفساد دعمتها السلطة نفسها، وصنع السادات بطانة خاصة من عناصر شديدة الفساد والثراء والطفيلية من محدثى النعمة، بل وزوج ابنته فى حفل أسطورى من ابن المقاول العملاق عثمان أحمد عثمان. بذلك كانت الانتفاضة العنيفة نتاجا لتراكمات من الشعور بالمهانة والذل [7].
وبالفعل كان ثمة إرهاصات واضحة لأحداث العنف فى يناير 1977، فقد سبقتها مئات من أعمال التمرد العنيفة المصحوبة بإتلاف ممتلكات حكومية ومراكز أمنية [8].يضاف إلى ذلك، كتفسير لحدة التمرد والعنف البالغ ضد الشرطة، وجود ثأر تاريخى بين الجماهير شبه البروليتارية ورجال الأمن الذين لا يتركون فرصة لإهانتها إلا واستغلوها، فجاءت الانتفاضة كفرصة مناسبة للانتقام. وأخيرا تصرفت الدولة باستهتار شديد فى موضوع رفع الأسعار، فقبل القرار بأيام صدرت تصريحات كثيرة متوالية مطمئنة حول تثبيت الأسعار ورفع الأجور والمعاشات وتوفير وجبه غذائية جاهزة رخيصة، وحين صدر القرار ادعت الصحافة الحكومية أنه مجرد اقتراح للحكومة بينما فوجيء الناس بالأسعار الجديدة.

(2) نتائج الانتفاضة
من حيث الخسائر البشرية قُتل 160 شخصا (حسب ما ذكر محمد حسنين هيكل [9]) وجُرح مئات آخرون معظمهم من الانتفاضة الأولى وقبض على 1250 – 2000 شخص وفقا لصادق سعد. وقد وُزع المتهمون على نوعين من القضايا: نوع للمشاركين فى الانتفاضة الأولى (قضية “الشغب”) التى ُحكم فيها بالسجن على 114 من المتهمين بالتخريب وكثير منهم حبس حبسا مطلقا أى حتى صدور الأحكام، وصدرت الأحكام بعد 6 شهور فقط. والنوع الثانى للمعتقلين من الانتفاضة الثانية، فى قضيتين:100، و101، وقد برأتهم المحكمة جميعا من شرف قيادة الانتفاضة، واستمرت المحاكمة 3 سنوات بينما كان المتهمون أحرارا. كما تم أيضا أسر البعض من رجال الأمن بشكل مؤقت وأصيب البعض الآخر، وعددهم غير معروف، وربما سقط بعضهم قتلى [10].
وقد حققت الانتفاضة هدفها وهو إلغاء قرار رفع الأسعار، واستطاعت الجماهير بدون سلاح أن تهزم الأمن عسكريا رغم أنها قدمت عددا من القتلى والجرحى والأسرى، ُأفرج عن غالبيتهم العظمى فيما بعد. ولم تكن أول مرة تنهزم فيها الشرطة فقد انتصر الطلاب والعمال وغيرهم عليها فى فبراير968 [11].ولا شك أن الجماهير شبه البروليتارية قد تعلمت خبرات قتالية هامة ظهرت بعد ذلك فى أحداث أخرى والأهم أنها تعلمت أنها تستطيع أن تهزم قوات الأمن المدججة بالسلاح. كذلك خسرت الدولة والطبقة المترفة نحو مليار جنيه (تعادل أكثر من خمسين مليار جنيه فى وقتنا هذا).
وقد تركت الهبَّة آثارا أخرى بعيدة المدى، فقد شكلت شبحا مخيفا للسادات ظل يؤرقه حتى مقتله وعقدة نفسية للسلطة المصرية ككل لم تزُل أبدا. وترتب على ذلك أنه حتى الآن لم ينجَز برنامج الخصخصة الفاسد الذى أعلنت عنه الحكومات المتتالية، بل ُقطعت خطوات بطيئة وبكل الحذر الذى يعبر عن رعب الدولة من انتفاضة أخرى بجانب عوامل أخرى بالتأكيد. كما صارت السلطة تتحسس الطريق قبل قرارات رفع الدعم وتتدرج فيه تحسبا لانتفاضة جديدة. فحتى الآن لم يتم إلغاء الدعم على السلع الضرورية رغم ما تمثله من عبء كبير على موازنة الدولة وعرقلة لنمو اقتصاد السوق، وتتعثر كافة خطط الحكومة لتقديم دعم نقدى كبديل أو تغيير طريقة تقديم الدعم. وأصبحت الدولة تلجأ للتحايل قبل رفع الأسعار وتقوم غالبا برفع الأجور فى نفس الوقت (مع تقديم الاعتذار المناسب) بحيث يتمكن الناس من امتصاص تغير الأسعار.
أما النتيجة الأبعد مدى فهى رفع الشرعية عن النظام. فقد أدى رد فعل السادات باستدعاء الجيش وإصدار أوامر صريحة بإطلاق النار “فى المليان” وفرض حظر التجول على “شعبه” ووصف الجماهير المتمردة بالدهماء والحرامية إلى قيام حالة عداء مباشر مع تلك الجماهير، كما أصبح السادات مضغة فى أفواه الناس بل مادة للسخرية وتعرض للتحدى العلنى من كافة معارضيه، بل وتعرض للإهانات الشخصية على الملأ عدة مرات [12]، ومهد سقوط شرعيته لاغتياله فيما بعد، بغير أن يحصل على أى تعاطف، بل استمر عموم المواطنين المصريين فى احتفالهم بعيد الأضحى كالمعتاد، ولم يسر فى جنازته سوى رجال الحكم والمسؤولين الأجانب (ولكن الإنتليجنسيا ادعت أن ذلك بسبب القبض على المعارضة).
كذلك كانت الهبة ضمن الدوافع المهمة لمبادرة السلام التى بدأها السادات. فقد أفشلت الانتفاضة خطته لتحميل الجماهير فاتورة الإصلاح الاقتصادى فى ذلك الوقت، بينما كان الاقتصاد المصرى متدهورا، وكانت حالة الاستنفار العسكرى مكلفة، ولم يستطع النظام الحصول على دعم عربى فعال رغم ابتزاز الإعلام المصرى لهذه الدول وبرغم وعود الأخيرة التى لم ينفذ بعضها. وبالمقابل اضطر النظام لقمع اليسار والإسلاميين بعنف لتمرير مشروع السلام بدون عراقيل مهمة.
وعلى المستوى الإقليمى أصابت الانتفاضة الأنظمة العربية بالرعب، فقدمت دول الخليج بعض المساعدات للسادات وفتحت أسواقها للعمالة المصرية على نطاق واسع، الأمر الذى أدى إلى انخفاض معدل البطالة والفقر وارتفاع أجور العمال اليدويين. واستمر فتح هذه الأسواق برغم الخلافات مع السادات التى تلت رحلة القدس فى نفس عام الانتفاضة.
وكان ثمة نتائج أخرى تتعلق بالنضالات المطلبية الخاصة بالمعيشة. فبعد انتهاء الانتفاضة بدأت الأسعار ُترفع من جديد وبشدة متزايدة، فصار من الواضح أن التغيير لابد أن يكون أكثر جذرية. وهكذا ارتفعت أصوات عالية فى الآونة الأخيرة، خصوصا من جانب عمال الصناعات الكبرى، تنادى بوضع حد أدنى للأجور يناسب الأسعار، على أن يكون متغيرا مع كل ارتفاع فى الأسعار، وهو مطلب أقوى وأعمق من مطلب هبَّة 1977. وفى السنوات الأخيرة أصبحت فئات عدة من المهنيين والعمال المهرة تمارس احتجاجات أطول نفسا وأهدأ محققة بعض المكاسب.
أما أبناء الفئات شبه البروليتارية، أبطال 18 يناير، فلم يتخلوا عن أساليبهم العنيفة وميلهم إلى التدمير. فقد تعلمت تلك الفئات أن العنف الشديد يرعب جنود الأمن الذين ليسوا مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل النظام، ويجبر الدولة على تلبية مطالبهم أو جزء منها مثلما حدث مرارا. وقد رأينا ذلك مثلا فى الانتفاضة المسلحة لجنود الأمن المركزى عام 1986، والتى قمعها الجيش بقذائف الدبابات والطائرات وغيرها (وأدانتها الأحزاب المعارضة الرئيسية ومنها حزب اليسار [13]!). كما رأيناه فى الانتفاضة المروعة والظافرة فى المحلة يوم 6 أبريل 2008، والتى اتبعت نفس أسلوب هبة1977 [14]، ثم معركة الإسكندرية فى 12 يونيو 2010، بمنطقة السيوف، بين الباعة الجائلين والشرطة، حيث حقق هؤلاء انتصارا عسكريا باهرا على الأمن، وأخيرا فى معركة العمرانية بين الأمن وشبان مسيحيين حول مشروع لبناء كنيسة، حيث قامت الجماهير- ومعظمها فقراء من قرى الصعيد- بقصف الأمن بقنابل المولوتوف واقتحمت مبنى المحافظة وأعملت فيه التدمير ردا على اعتداءات الشرطة.

(3) الرؤية اليسارية لانتفاضات الفقراء، إعادة تقييم
يمكن القول بأن من أهم الدروس غير المستفادة من انتفاضة 1977 هو عجز المثقفين، بما فى ذلك مثقفى اليسار، عن إدراك، ناهيك عن فهم واستيعاب، أن جمهورا آخر، أكبر وأقوى بكثير من الجمهور المفضل لديهم، حاضر بقوة، وقادر على أن يفرض أسلوبه فى معارضة الدولة بل النظام كله. لا يجدى إنكار أن هذه الجماهير شبه المهمشة لا تنتفض رافعة اللافتات النظيفة، ولا تتفهم هذا الأسلوب فى الاحتجاج. لقد شهدنا بالفعل عشرات الاحتجاجات من قبل هذه الجماهير بنفس الطريقة لأبسط المطالب، بداية بحوادث قطع الطرق الرئيسية وإلقاء الحجارة على السيارات المارة وإحراق سيارات الشرطة بشكل متكرر، كما تذكر وسائل الإعلام، وحتى انتفاضة المحلة. لماذا إذن يفضل المثقفون المرور بهذه الظاهرة المهمة مرور الكرام مكتفين بمواقف الإدانة؟
لعل جوهر المشكلة يكمن فى التصور التقليدى لمنظمات اليسار بخصوص العمل الثورى، الذى يتلخص فى عمل تقوده منظمات تستلهم نظرية ثورية وتتبنى برنامجا محددا، يتم تنظيم النضال من أجله بالإضرابات والاعتصامات والتظاهر السلمى. الأمر الذى لا يدع مكانا لتصور إمكان التعامل مع التمرد العنيف وقسوة الشعارات وحدة الصدامات وإسالة الدماء ومناظر الحرائق وأعمال التدمير الواسع. باختصار، حطم التمرد النسق النظرى المقدس لليسار حول العمل النضالى، وأشعره بعدم قدرته، سواء على قيادة الانتفاضة أو توجيهها، وبأن كل جهوده منذ الستينات قد ذهبت هباء.
كان تحليل اليساريين للموقف بمثابة محاولة لإعادة الاعتبار لأنفسهم وتقديم تصوراتهم كما لو كانت سيدة الموقف، وأن الجماهير قد خرجت أولا وأساسا بالطريقة التى تناسبهم لأية هبة شعبية، وأن الشرارة الأولى والقيادة كانت للجمهور المتقدم سياسيا . بهذا المنطق، أعاد معظم المثقفين بناء صورة الانتفاضة، لتصبح صورة محورها الاحتجاج السلمى والعمل المنظم. فمن جهة نفوا عنها “تهمة” التخريب، الذى نسبوه لعناصر مندسة من اللصوص ورجال الأمن. ولكنهم بذلك تبنوا منطق السلطة حين تدعى دائما أن القاعدة الشعبية “سليمة”، بينما المعارضون والمعادون للنظام هم عناصر “مندسة”. ومن جهة أخرى أشاعت أبواق اليسار، على خلاف الواقع، أن الهبة بدأها طلاب الجامعات؛ معقل اليسار وقتها، وعمال حلوان والترسانة البحرية بالإسكندرية، وهم زبدة الطبقة العاملة المصرية آنذاك، التى يعتبرها اليسار ملكيته الخاصة نظريا. كما اهتمت بالتأكيد على حماية العمال للمصانع وعلى الطابع الاحتجاجى السلمى لمظاهراتهم هم والطلاب، وذكرت وقائع حول قيام عناصر من الأمن بالتخريب لتشويه الانتفاضة (ربما شارك بعض الجنود فى الانتفاضة نفسها وبنفس أسلوبها العنيف [15]، وأن الجامعات والمصانع لم تدمر، وركز البعض على استفزاز الأمن للمتظاهرين المسالمين مما دفعهم للرد. ولكن بالإضافة إلى أن الانتفاضة لم تكن كذلك كما رأينا، جدير بالملاحظة أن كثيرا من عمال الصناعة قد شاركوا فى تخريب منشآت أخرى غير مصانعهم، منها كمثال عمال مصنع الشوربجى وشركة الشرق بغرب القاهرة حيث توجهوا إلى هيئة المطابع الأميرية فلم يخرج عمالها، فقذفوا المبنى بالأحجار كما قذفوا مركز إمبابة بشكل متكرر. وأطلق البوليس عليهم النار. فوضع المتظاهرون العوائق على السكة الحديدية فى المنطقة وأشعلوا النار فى أحد القطارات وتروللى باص [16].
يهدف هذا التزييف للوقائع بشكل غير واع إلى تهميش دور الجماهير شبه البروليتارية، لصالح إبراز دور متميز للطلاب وعمال الصناعات الكبرى؛ الجمهور المفضل لليسار. كما راح بعض المثقفين، بعد مرور شهور، يرصدون بحق عودة الأسعار للارتفاع من جديد وبمعدلات كبيرة للإيحاء أن الانتفاضة كانت عبثا وأن الجماهير غير الواعية لم تنجز شيئا وأن مصر ما زال عليها أن تنتظر تحرك الإنتليجنسيا اليسارية المؤدلجة.
ولكن في النهاية فرضت الحقائق نفسها، فأخذت المنظمات اليسارية السرية تتحلل وسط اتهامات متبادلة بالفشل فى قيادة الجماهير. وبرغم أن “التجمع” أدان العنف للمحافظة على مشروعية وجوده الرسمى ضمن أحزاب النظام، تعرض لمضايقات أمنية أكثر من ذى قبل فى سياق محاولات السلطة تسكين المعارضة لمبادرة السلام التى بدأت فى نوفمبر 1977. وهكذا لم يُجدِ دفن الرءوس فى الرمال اليسار كثيرا.
*
لن تكون هبة 1977 آخر ما فى جعبة الشعب المصرى لاستعادة كرامته. وبصفة خاصة تطرح الأوضاع الحالية بشدة إمكانية مواجهة نفس الموقف أو موقف مشابه بدرجات مرة أخرى. فقد شهدت السنوات الأخيرة تدهورا شديدا فى مستوى معيشة الأغلبية ومعدل فساد أسطورى أصبح علنيا وشبه رسمى، وانهيارا شاملا فى قطاعات الخدمات وبلطجة حكومية واضحة (= خروج علنى على القانون والدستور وأحكام القضاء)، وتخريبا شاملا لبنية المجتمع من جانب الطبقة المسيطرة ، والأدهى أن قطاعا من الأخيرة يحاول فرض ابن الرئيس الحالى رئيسا جديدا ضد إرادة الناس، وهو ما ينبئ بمزيد من الفساد والخراب، علاوة على إقرار مبدأ مكروه بشدة هو توريث السلطة.
فوق ذلك، تبذل الغالبية العظمى من “المعارضة” الرسمية وشبه الرسمية محاولات مستمرة لأخذ نصيبها من التورتة. وقد أثبتت الإنتليجنسيا اليسارية فى مجملها مرارا، وعلى مدار عقود، أن معارضتها للنظام لم تذهب بعيدا. ومن أكبر الأدلة على ذلك عجزها المزمن عن الارتباط بالشعب، كما كانت كل محاولاتها لاستقطاب الجماهير الفقيرة بغرض استخدامها كوقود فى صراعاتها المحدودة مع الدولة، والأهم امتصاص معظم أفرادها داخل مختلف مؤسسات الدولة الرسمية ومنظمات مدنية تعارض النظام فى أضيق الحدود بحكم تكوينها نفسه وشرعيتها [17].
هذا كله يعنى أن ظهر الجماهير الفقيرة قد صار إلى الحائط، الأمر الذى يطرح بقوة احتمال أن تشهد البلاد هبات كبرى، مثلما تبين بروفات المحلة والإسكندرية والعمرانية كما أسلفنا، بالإضافة إلى أعمال عنف متزايدة التكرار على نطاق أصغر. طبعا لا يمكن التنبؤ بالمستقبل جيدا. والواضح أن الهبة القادمة إذا حدثت فى مستقبل قريب لن تجد أيضا من يقودها، ومن المؤكد أنها ستكون أشد عنفا، ستسفر عن أنهار من الدماء وحالة من الفوضى الشاملة، خصوصا لأن نسبة ضخمة من الجماهير الشعبية المصرية تتكون من أشباه بروليتاريين وحتى أغلب عمال الصناعة هم أيضا كذلك [18].
فى هذه الحالة، ربما يضطر النظام لاستدعاء الجيش للتدخل. وقد ثبت فى 18 يناير وغيرها أن الجماهير تستطيع أن تلحق الهزيمة العسكرية بقوات الأمن، ولكن لم يُجرَّب الصدام الفعلى مع قوات الجيش حتى الآن.. فهل تستطيع الجماهير أن تستميل الجيش؟ أم ستنجح خطط الحكومة فى تفتيت الجماهير شبه البروليتارية؟ فمن الملاحظ مثلا أن الأمن المصرى يستخدم البلطجية بشكل منهجى وشبه رسمى فى أعمال التجسس على المواطنين وقمع المعارضة. فالظروف المعيشية الصعبة وتبعثر أفراد هذه الفئات يجعل بعض أبنائها قابلا للاستخدام بواسطة الدولة.
هذا كله يستدعى إعادة تقييم الجماهير المهمشة وبحث إمكانية تنظيمها بشكل أو بآخر، وقبل كل شىء أخذها بعين الاعتبار كعامل جوهرى فى البنية القائمة، وقد يكون حاسما فى لحظات معينة. والمشكلة أنه من الصعب للغاية تصور أن تستطيع قطاعات واسعة من الجماهير شبه البروليتارية أن تمارس عملا سياسيا منظما طويل النفس بحكم تباين وعدم استقرار أوضاعها الاجتماعية، ولكن من المتصور أن عنفها واستبسالها يمكن أن يكون أكثر فاعلية على مدى أطول فى حالة بروز دور ملموس لقطاعات جماهيرية أخرى مثل عمال الصناعة الكبيرة والمهنيين ومنظمات سياسية معارضة جذرية ومستعدة لمواجهة النظام حتى النهاية بعنف أكثر تنظيما وعقلانية، خصوصا إذا حدث تفاعل بينهما. ولدينا هنا نموذج سابق. فمن الأمور الجديرة بالملاحظة أن من ضمن عوامل قوة الجماعات الإسلامية المسلحة فى التسعينات اختباؤها داخل العشوائيات واحتماؤها بأبنائها بل ومن المؤكد أن بعض أعضائها كانوا من المهمشين وأشباه البروليتاريا [19].
أضف إلى ذلك أن الصورة التقليدية التى تصور أشباه البروليتاريين كمجرد جماعات من الجهلاء والسوقة والأميين والطفيليين أصبحت فى حاجة إلى مراجعة. فقد انضم لهذه الفئات فى العقود الأخيرة عشرات الألوف من المتعلمين ومنهم خريجو جامعات يقومون بالعمل كعمال تراحيل ويومية وباعة جائلين وسائقى ميكروباس غير مرخص وحتى بلطجية ومختلف خدمات الدعارة وغير ذلك، بالإضافة إلى جنود الأمن المركزى الذين لديهم حس ما بالنظام ويجيدون استخدام الأسلحة الخفيفة ويلعبون دورا مهما فى آلة القمع ولديهم سابقة تمرد شديد العنف فى 1986 (وذُكرت تمردات أخرى لاحقة)، وكثير منهم ينتمون للفئات المذكورة.
كذلك، لا شك أن عددا من أبناء هذه الفئات المهمشة يطالع أخبار العالم وحتى الانترنت برغم أوضاعهم الحياتية المتدنية للغاية وعدم انتظامهم فى عمل مستقر وعدم تمتعهم بأى نوع من الأمان أو الضمان الاجتماعى. كما أن هذه الفئة ككل تساهم فى إنتاج ضخم يسمى اقتصاد الظل [20]. يبدو إذن أن ثمة حاجة ماسة لدراسة هذه الفئات الضخمة للغاية للوقوف على تأثيرها على مجمل الوضع الاجتماعى، شاملا تأثيرها الثقافى والاقتصادى ودورها المحتمل فى تحديد مستقبل البلاد السياسى والاجتماعى.
تبدو هذه الأفكار الأخيرة احتمالية وتأملية، ولكن الغرض منها هو إثارة الموضوع للنقاش، وبالذات تجنب الموقف السلبى المحتمل من الانتفاضات المقبلة لصالح تصورات أكثر عقلانية وتماسكا وإنسانية.

يناير 2011


[1] منشورة على: http://modernization-adil.blogspot.com/2008/12/blog-post_9762.html
و http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=4124
[2] ذكر لى ذلك شخصيا قبل نشر الدراسة.
[3] التشديد من عندى.
[4] علق محمد حسنين هيكل على هذه المسألة ، وهو معلق له وزنه فى هذا السياق، كالتالى: “ويشير التزامن الواضح بين هذا الإعلان وبين نزول الجيش إلى الشوارع إلى نقطة شديدة الدلالة. كان ذلك التزامن يشير – ولو بطرف خفى – إلى أن صناع القرار لم يكونوا واثقين من موقف الجنود إذا هم نزلوا إلى الشوارع للتصدى للمظاهرات بينما قرارات رفع الأسعار ماتزال سارية. ومن المؤكد أن بعضهم – بعض صناع القرار- راودهم الشك فى أن الجنود والضباط – وهم جزء من الشعب يعانون ما يعانيه ويقاسون ما يقاسيه – قد يرفضون أوامر التصدى للمظاهرات وقد تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ”: خريف الغضب، ص 189، سلسلة جدران المعرفة، 2006.
[5] كان السادات فى استراحته بأسوان لا يدرى شيئا عما حدث، وفجأة حضر إليه محافظ أسوان مذعورا يرجوه أن يغادر المدينة فورا، محذرا إياه من الجماهير الزاحفة تجاه استراحته، حيث قطعت منتصف الطريق والبوليس عاجز عن مقاومتها، فاضطر السادات إلى الفرار تاركا وراءه كل شيء حتى أوراقه إلى بيته فى الجيزة، حيث كانت تنتظره طائرة هليكوبتر جاهزة للإقلاع الى مطار أبو صوير، حيث كانت تنتظره طائرته الخاصة الجاهزة للطيران إلى إيران. وكان الشاه مستعدا لاستقباله. وقد رد السادات هذا الجميل لشاه إيران فيما بعد، فاستقبله بالقاهرة بعد أن رفضت استقباله عواصم العالم حيث مات ودفن بها عام 1980.
[6] البعض كان يشترى أجهزة لا يعرف اسمها ولا فيم ُتستخدم!، والكاتب شاهد عيان على ذلك.
[7] أتذكر مثلا أن بعض محدثى النعمة فى تلك الفترة كانوا يأخذون كلابهم معهم فى السيارات الفخمة وتراها الجماهير التى كانت تكتظ بها محطات الحافلات العامة! والكاتب شاهد عيان على ذلك.
[8] نقلا عن صادق سعد. وقد ذكر نقلا عن إحصائية شبه رسمية لحوادث العنف التلقائى الجماهيرى فيما بين 1966و 1974، أن مجموعها قد بلغ 392 حادثة (وقد أطلقت الصحافة الرسمية عليها اسما مخففا للاطمئنان هو “الحوادث المؤسفة”). ويتضح من بحث “المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية” لها أنها كانت متزايدة طوال هذه الفترة واشتملت على هجمات على الشرطة وحرق مبانى أقسامها ومقار للاتحاد الاشتراكى وبعض المصالح الحكومية ومنشآت القطاع العام. وكأنها كانت تجارب تمهيدية متناثرة لأحدات يناير 1977: نفسه
[9] خريف الغضب، نفس الموضع.
[10] ([10]) وفقا لصادق سعد أصيب من قوة قسم الشرابية فقط 14 فردا: نفسه.
[11] فى ذلك الوقت كان الأمن الداخلى جهازا محدود القدرات وغير مجهز لمواجهة مظاهرات كبرى، وبعد هزيمته أنشأ عبد الناصر جهاز الأمن المركزى عالى التدريب والتسليح والقادر على مواجهة المظاهرات، ونجح فعلا فى قمع مظاهرات نوفمبر 1968 وما بعدها.
[12] اتهمه عبد المنعم أبو الفتوح بالتستر على الفساد، واتهمه كمال أحمد بالخيانة الوطنية، وحمدين صباحى بتهم عديدة فى لقاءات أذيعت على الهواء مباشرة.
[13] استعرض إبراهيم الصحاري أحداث الانتفاضة بعنوان: عشرون عام على انتفاضة الأمن المركزي، http://www.e-socialists.net/node/3390
وهناك تفاصيل أخرى وصور منشورة على: http://4flying.com/showthread.php?p=792711
[14] يمكن الاطلاع على كثير من تفاصيل الأحداث فى مقال بعنوان أحداث المحلة ما لها وما عليها بقلم شاهد عيان من أبناء المدينة: http://forums.m7la.net/t27311/
[15] كانت الدولة فى ذلك الوقت منهارة تماما ولم يكن هناك من يستطيع وضع خطة لممارسة التخريب ثم اتهام المتمردين به، ولم يشر أحد فيما بعد إلى حدوث ذلك، كما كان عدد المشاركين فى التخريب هائلا لا يتصور أنهم من رجال الأمن.
[16] صادق سعد، نفسه.
[17] سبق أن حللت تكوين الإنتليجنسيا المصرية والحركة الشيوعية المصرية فى: وضع الانتليجينسيا فى البناء الاجتماعى المصرى الحديث، http://modernization-adil.blogspot.com/2008/09/blog-post_16.html
؛ تحليل عام للحركة الشيوعية المصرية: http://modernization-adil.blogspot.com/2008/09/blog-post_18.html
[18] قدر رئيس إتحاد الجمعيات الاقتصادية المصرية عدد العمال الجائلين بخمسة ملايين، http://forums.fatakat.com/thread686926 كما بلغت نسبة العمال الأفراد (اليومية) إلى 18% من قوة العمل،حيث بلغ أكثر من 3 مليون عامل طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 1996):نقلا عن سامح سعيد عبود، انحطاط الرأسمالية .. مصر نموذجا، :، http://fasail.blogspot.com/2008_08_01_archive.html.
ولا يعرف بالضبط عدد عمال التراحيل. ومنهم متعلمون وخريجو جامعات، بالإضافة إلى أعداد هائلة من الخدم والحراس والبلطجية المحترفين ومنظمى وقوف السيارات والعاملين فى صناعات بئر السلم وأعمال طفيلية متعددة.. كل هؤلاء يقدر عددهم أيضا بالملايين.
[19] ضُبط فى مناطق عشوائية بعض أعضاء تنظيم جماعة التكفير والهجرة التى اختطفت الشيخ الذهبى عام 1977م، وكثير من أعضاء تنظيم الناجون من النار، وكثير من المشاركين فى أعمال إرهابية أخرى، منها اغتيال المحجوب وفرج فودة، وأحداث مهاجمة سياح بالقاهرة، وأحد المشاركين فى قتل السادات، وغيرهم كثيرون.
[20] أنقل الفقرة التالية حول اقتصاد الظل من دراسة سامح سعيد عبود المشار إليها فى هامش 18: “وهناك خلافات حول تقديرات هذا الاقتصاد السري.. فالحكومة تقدره بما يتراوح ما بين 60 إلى 80 مليار جنيه، في حين أن هناك تقارير صادرة عن عدد من مراكز الأبحاث تشير إلى أن حجم هذا الاقتصاد يصل لنحو 95 مليار جنيه، وهناك من يرى أنه يزيد على ذلك ويصل لنحو 200 مليار جنيه إذا أضيف إليه حجم الأنشطة غير المشروعة كتجارة المخدرات وغيرها. ولهذا فإن نسبة ما يمثله الاقتصاد السري من الناتج المحلي تختلف أيضا، فالنوع الأول من هذا الاقتصاد وهو الشرعي يمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي ولكن النسبة تزيد إذا أضيف إليها النشاط غير الشرعي”: نقلا عن جريدة الوطن: إحصاءات عن الاقتصاد السري في مصر الجمعة 04 جماد أول 1429 هـ 09 مايو 2008 – 09



#عادل_العمري (هاشتاغ)       Adil_Elemary#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار وآفاق الثورة المصرية
- حادث كنيسة الإسكندرية:الجريمة والمجرمون
- ما وراء مأساة كاميليا
- رسالة إلى المجتمع المدنى المصرى
- ثقافة التوريث وثورة الرعاع:
- ثقافة الخنازير
- الخصخصة واليسار وثقافة التكية
- رسالة إلى الأطباء المصريين
- ماذا يقول القرآنيون نموذج من النزعة اللامركزية في الإسلام
- أزمة الشعب المصرى
- أزمة الشعب المصرى الأجور والأسعار ...وغيرها
- أبعاد الثورة العلمية الجديدة
- وضع الانتليجينسيا فى البناء الاجتماعى المصرى الحديث
- الناصرية فى الثورة المضادة
- مشروع لتحديث مصر
- تحليل عام للحركة الشيوعية المصرية


المزيد.....




- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عادل العمري - قراءة مختلفة لانتفاضة 18 و19 يناير 1977