أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صرصار- قصة قصيرة















المزيد.....

صرصار- قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 02:52
المحور: الادب والفن
    


صرصار- قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
قال أنت تعلم ، لا أتحدث إلا قليلا و لا أفعل ذلك إلا مع اثنين ، أنت و نفسي، لا أرى من عيب في ذلك، هل تراه عيبا؟ ، لم يكن يوما مقصودا فأنا لا أملك غير نهار و ليل ، في الليل لا أتكلم ، أبدا، أنا كثير الإنشغال في الليل ، لا وقت لدي للكلام ، أنصت فقط، أتَسَمّع ، ثم وجه غمغمته لي بصوت ضعيف كأنه يهمس ، قال: كل شيء في الظلمة يبدأ حتى الله عندما خلق الخلق ، كان ظلاما دامسا ، ليل بهيم فكر الله ببداية ما بعد هذه العتمة ، ألم أقل لك كل شيء يبدأ في الليل لذلك أنا أنصت ، أنت قدتعودت النوم ولا تنصت، ثم إن الليل عندنا يخلو من الناس ، يكنسهم ، يسوقهم الى بيوتهم و مهاجعهم كما يفعل الراعي بغنمه ، إلى الزرائب يمضون ، لا يبقى إلا الهاشّ و الناشّ و المنسل بصمت ،و هؤلاء كلهم لا يتكلمون إلا لُماماً، فأنصت إليهم ، ينشطون عندما ينام الضاجون ، لا وقت عندي لأضيعه في الليل ، الهُراء للنهار كما أفعل الآن ، لا تصدق هذا الهراء الذي أقول ، السأم يقتلني فأبدو ثرثارا ولكن معك فقط ، في الليل لا وقت عندي لأضيعه، أنصت ، أفرز ما أسمع ولو كان كخيوط ملتبسة ببعضها أفكها بيسر ذلك إن الليل أقل التباسا من النهار ، النهار ملتبسٌ ببعضه ككومة من خيوط لا يمكن نكثها ، لماذا لا تحاول الإنصات مثلي ، ستجد ذلك ممتعا،
-أنا قليل النوم الضجيج لا يسمح بالنوم و....
-أنت إذن من التعساء، مثلي لا تنام، السعداء فقط هم من يستطيع النوم مبكرا، التعساء لا ينامون ،كيف ينامون والتعاسة ككلاب تنبح طوال الوقت في رؤوسهم
يتلفت يمينا و شمالا كأنه يتوقع شرا من الجهتين ، يدهمه في أي لحظة، يتجه بوجهه إلى الأمام ناظرا بعمق إلى الأفق، فتبدو عيناه محمرتان، قال، لا أجد فرصة للتحدث مع نفسي نهارا، لأنهم و أشار بيده نحو الشارع ، يشغلونني كثيرا ، يقاطعون حديثي مع نفسي ، يفعلون ذلك دون أدنى شعور بالحياء ، كيف يقاطعون حديثا جادا بين رجل و نفسه، لا أجد فرصة للحديث مع نفسي لذلك أتحدث معك ، أنت فقط ، لأنك بالحقيقة مجنون مثلي ،هاها، أليس من الجنون أن تنصت لمجنون ، لكنك لا تعلم أنك الوحيد الذي إذا تحدثت معه يسكت الجميع هؤلاء الصفيح المتدحرج في الطرقات يكفون عن مقاطعتي حين أتحدث معك لذلك أجد من الضروري أن أترصدك في الطرقات ، هل فهمت؟ أنت الوحيد الذي أسعى للحديث معه ، لأنك تشبهني ، مثلي تماما لكنك لم تفصح بعد، هههه، هل فهمت؟...
-نعم فهمت أنا أفهمك جيدا
-أنت تجاملني إنك لم تفهم بعد ، قلت: لا...لا أني فهمت
قال: لا لم تفهم أنت تجاملني، قل ماذا فهمت؟ ها! هيا لا تستحي قل لي
أصابتني الحيرة، قلت إنك متعب ، هذا ما فهمته
توسعت عيناه ، قال : نعم أنا متعب و أنت الوحيد الذي أطلعه على هذا السر،و أنت فقط من حظي باعترافي الخطير هذا، انتابته بعد ذلك نوبة وجوم و حزن شديدين حتى ظننت أنه سيبكي ، بقي على هذه الحال دقائق طويلة و أنا لا أجرؤ على مقاطعة حزنه وما يجر ذلك من عواقب، فهو الذي وقف لي في الطريق ولم أستوقفه أنا ، كما في كل مره، ثم انفتحت أساريره فجأة و قال:
-كل ما يقال عن الأوطان خرافة و الأخلاق محض لغو فارغ، الحب كذلك خرافه يتداولها اثنين أو واحد ربما ثالث يقاطعهما ، يفصلهما أو يوصلهما ، لا أدري، الثالث هذا دائما في وسط اللعبه أي لعبة مما ذكرت، سمسارٌ ، قوادٌ هو هذا الثالث ، يوصل ، يقطع ، يوفق
كذلك ذوو اللحى المنمقة المرسومة رسما على خدود منتفخة شحماً هم برجوازيون من كل الفئات ، إلا لحيتي ، التي لا تكلفني شيئا أبدا ، أنا تركت لها الأمر كما يحلو لها ، أصحاب اللحى المنمقة كاذبون و خطاة ، و أولائك المتأنقون و متأبطي الصحف، و المقاولون هم و شركاؤهم ، وراح يتلفت يمينا و شمالا ، أردف هههه، أنت تعرف من هم شركاء المقاولين ،....و,,,,وراح يطيح بكل من يطرأ على باله، ووضع سبابته على صدره وقال : نحن الحثالة التي صنعها الكاذبون ، أولئك الشركاء ، ، كنا نعاني من الهزال ورمد العيون، داسوا علينا ومضوا إلى طرقاتهم المشبوهة، سكت طويلا ظننته قد غفا لكنه انتفض بعد دقيقةقائلا: لقد كشفت الأمر ، هس... هس ، لا يسمعنا أحد، قال أتريد أن تعرف؟ قلت له سنتحدث بالأمر لاحقا و الآن وداعا سنلتقي، صرخ، :
أيها الوغد هل ارتددت ؟ هل صرت مثلهم ، تتهرب مني اللعنه عليك وراح يصرخ و يحثو التراب على رأسه ، فر الناس ولم يبق غيره في الشارع ، انزوى بركن بناية وابتعدت مرتعبا،
في الليل عندما أويت إلى فراشي تذكرت حديثه ، قلت مجنون، لكنني كنت أنصت لحديث المجنون أعدت رسم تقلصات وجهه في مخيلتي ، رنين أواخر كلماته المشدوده حركة عينيه الدائبتين ، قال إنني أنصت في الليل، كان صوت التلفاز و صوت أبي القاصف و ضجيج الأطفال يمنعني كل ذلك من الإنصات، أغلقت باب غرفتي بهدوء ورحت أنصت،
وفي بحر من السكون و عمق الإنصات لم أميز إلا صوت صرصار ملحاح في مكان ما وعلى ذلك غفوت، وحال ذلك وجدتُني و كأنني فتحت الباب ملقيا بجسدي إلى الشارع الممتد و كنت أنصت و أبحث عن ذلك الصرصار الذي أحدث كل هذا الضجيج برأسي و فجأة سكت الصرصار و عندما رفعت عيني وجدته ، صاحبي المجنون، يقابلني ، وقد تخلى عن جنونه و تأنق بشكل ملفت ، كان يتأبط جريدة ملفوفة و يضحك مشيرا بسبابته إلي، صاح بأعلى صوته، ألا تعرفني ، أراهن إنك في حيرة، قلت : ولكن!، قال: أنت المرتد هاها ، لا زلت أترصدك كما كنت أفعل دائما لا محيد عني هنا فهذا عالمي وأنت تعلم إنني هناك وهنا سيان ، خارج المألوف، أما أنت الآن فقط سنحت لك الفرصة لتكون معي ، أنا السيد هنا قال، جئت لأخبرك عن كشفي للأمر، قادني من يدي ثم دلف بي إلى زاوية من شارع معتم حيث وقفنا أمام باب خشبي قديم دفع الباب ، قال : أنظر من هذا الثقب في صدع الجدار، نظرت ، كانت هناك وراء الجدار المثقوب قاعة كبيرة ورجال ونساء متأنقون يروحون و يجيئون خدودهم منتفخه وألوانهم متوردة تميل إلى الترف في وسط القاعة منضدة كبيرة عليها مجسم خارطة تشبه كائنا ميتا أو يكاد يموت ، إلا أن الجميع كانوا بمظهر بهيج ، تزهو الأعلام على جوانب القاعة بشكل متكررو مجسم لميزان ثابت لا يتحرك أبدا يزين الحافة العليا فوق رؤوسهم، لم أفهم حينها ، وضع سبابته على شفتيه ، أغلق الباب بهدوء تمتم هس...هس ، لاتثير انتباه ال......، ثم قادني من يدي و على جانب من الباب الخشبي ، كان هناك سلم حلزوني يصعد إلى الأعلى ، أخذنا إلى الأعلى، بعيدا عن الأرض ،و هناك كانت العتمة تشمل كل شيء بغلالتها الكئيبة و إذابي أرى القاعة التي كنا نتلصص عليها من ذاك الثقب في الجدارو لم يكن بها إلا بقرة نافقة و الدود ينهش من لحمها المتفسخ دود كثير يتوزع على جثة البقرة النافقة التي اتسعت حتى شملت كل القاعة، دود كثير يلمع في عتمته يكاد يأتي على ما تبقى من الجثة لكن الغريب في الأمر أن ضروعها لا زالت منتفخة تدر سائلا أسودَ كالزيت يصنع نهرا يخرج من تحت الباب وعندما عدنا أدراجنا ومررنا قرب الباب صرخ بي : انتبه لئلا يلوثك الزيت ، إن من يلوثه الزيت يتحول واحدا منهم، بعد ذلك استيقظت وكان صباحا آخرا رحت أبحث فيه عن صاحبي المجنون لم أجده في مكانه المعتاد رحت أترصده و أتتبع آثاره ولكن عبثا ، اختفى صاحبي المجنون وكأن الأرض انشقت و ابتلعته ، قيل فيما قيل أنه ألقى بنفسه تحت عربة ذات دفع رباعي ، و قيل أن عجلة عسكرية نوع هامر كتب على مؤخرتها إبتعد مئة متر بالإنكليزية و العربية قد اختطفته و لم يعد ينصت لأي شيء، وقيل أنه كان يمثل دور المجنون، و كان عميلا لجهة أجنبية استخدمته في مكان آخر. اختفى الرجل لكنه بقي محتلاً جزءاً من رأسي ولم يغادره أبدا.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيطان الآن-نص تهويمي
- أخدود النار
- يا خليّ الفؤاد-قصيدة
- أوراق التوت- تهويمات
- محنة الماء- قصيدة
- مزمور لسيد الأنهار- تهويمات
- براءة-قصيدة
- كذبة هوى
- مزامير-نص صامت
- تعالوا خذوا قلبي -قصيدة
- العربة -قصة قصيرة
- نظارة سوداء -قصة قصيره
- لما ذكرتكِ -قصيدة
- دمٌ مثل لون الشجر
- موت المدن
- موقف_ قصيدة
- الفقراء- قصيدة واضحة
- وطن كالقلب
- قال لي- قصيدة
- يا ساحة التحرير-قصيدة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صرصار- قصة قصيرة