أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - نوسترداموس برؤية تفكيكية (1)















المزيد.....


نوسترداموس برؤية تفكيكية (1)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 21:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توطئة

يشيع هذه الايام عن قرب حلول كارثةٍ كونية يعقبها يوم القيامة في 2011 م ، بل بعد لحظات ستحل هذه الكارثة المزعومة عند السادسة بالتوقيت الدولي ..!
وكذلك ايضاً ما يعرف بانقلاب قطبية الارض بكارثة كوكب نبيرو عام 2012 م .. !
لا ندري حقيقة إن كانت متعمدة من قبل " الامبريالية " التي من مصلحتها تخلي الناس عن قيمهم فيما لو كذبت النبوءة ولم تحدث كارثة ، ليتخلى البعض تدريجياً عن قيمٍ واخلاقيات لم تعد لها اي ارضية ومصداقية بعد ان يتيقنوا بان الإنجيل أو القرآن تخطيء حساباتها الرقمية الدقيقة ، لتنجح مشاريعها العولمية وتقطع اوصال الحضارات ..؟
ام تراها عفوية سببها الضغط الحضاري الذي مارسته ثورة المعلوماتية وما اتت به من اسلوب حياة وثقافة لم يعد البعض يقوى على احتماله فراحوا يلجؤون لا شعورياً لطلب حلول الكارثة الكبرى بهذا العالم .. خصوصاً من اجيال قديمة ليست شابة لم تلحق القطار وتتكيف مع سرعة وتعقيد عالم المعلوماتية الجديد ..؟
في النهاية ، النتيجة واحدة .. اهتزاز القيم ..
مثلما احترم ثقافتي الإسلامية ، احترم الكتاب المقدس واعتبره جزءاً لا يتجزأ من حضارتنا ، فقرآن هذه الامة مؤسس عليه رغم كل الخلافات التاريخية ، اعتبر من الإسلام والمسيحية كلاً موحداً ..
اوهام نهاية العالم وسواها ستؤدي إلى استنزاف ما تبقى من قيم نبيلة في نفوس الشعوب ، الغربية خصوصاً ، سيزيدون تغييباً ونوماً في افيون التنافس الفردي والحضاري بعيداً عن كل قيمة .. وربما لتعبئتهم من ثم لحروب الشركات الجشعة المتوحشة ..!
شخصياً لا اعتقد بان الكتب السماوية إلهية المصدر ، في نفس الوقت لا اقلل من قيمة الانبياء واعتبرهم آلهة غيروا مجرى التاريخ وما تركوه لنا من ميراث نبقى ندين له بالفضل في حفظ اهم الملامح الاجتماعية لإنسانيتنا ، هذه الملامح التي تشكل عامل كفٍ يقي البشرية من الانحراف و الإنجراف في فوضوية الرغبة و اللامعنى القيمي لوجودنا ..
فهي كتب روحانية مصدرها اللاوعي الكلي الإنساني ، وما تضمنته من تعاليم وشروح كان الهدف منها تحقيق مصلحة الكل ولو على حساب " الفرد " احياناً ، وربما كانت ضريبة مستحقة في حقب من الزمن وما ان فقدت استحقاقها دقت نواقيس التغيير سواء في اوربا النهضة او العالم الإسلامي ما بعد سقوط الخلافة الإسلامية في القرن الماضي .

لهذا اعتبرها صمام امان في حضارتنا العصرية المعقدة رغم كل تحفظاتي على تشددها ..
اخترت نبوءات الدكتور نوسترداموس لما تمتلكه من " بعض " المصداقية وما تشكله من امتداد عميق في مسيحية القرون الوسطى النقية الصافية ، في نفس الوقت ، فإن هذه النبوءات تسلط الضوء على المصدر الحقيقي للقيم :

الباطن الإنساني ، لأي إنسان حتى لو لم يعرف في التاريخ بانه نبي وصاحب رسالة سماوية .

موقف المسيحية من الإنسان ككيان كلي كان يحمل العديد من الجوانب الايجابية والتي نحن بأمس الحاجة إليها في عالم اليوم ، سندرس عمقها الانثروبولوجي الإنساني عبر دراستنا لنوسترداموس وما تشكله رباعياته من ميراث توراتي انجيلي حقيقي تجاه ما " قد " يعصف بالمسيحية من عواصف اولها اوهام النهاية التي حددت موعد القيامة هذه الأيام حسب حسابات انجيلية كما يدعي البعض ، وحتى القرآن لن يكون مستثنىً عن هذا في المستقبل المنظور ...
لا يعني هذا إنني اصدق بكل ما يقول ، لكن ، بعض ٌ مما يقوله يستحق ان نتوقف عنده و نتأمله بدهشة وإعجاب واحترام كبير ، فنوستراداموس يبقى إنسان يصيب و يخطيء ، و نطاق إصابته ونطاق خطاه هذه المرة ليست نطاقات الاخطاء والإصابات التقليدية لنا نحن البشر العاديين ..
اخطاؤه اخطاء نبي ، وصدق بعض رباعياته يرتقي بها ان تكون بمصاف انجيلٍ جديد للزمن ..
املي ان ارى التوراة والإنجيل والقرآن كتاباً واحداً يجمع التناقضات والتلونات ليبني لنا شرقاً حضارياً جديداً ..يقبل الآخر ويفسح المجال لنسبة خطأ وارد يكون عنواناً لإنسانيتنا الجديدة .

وفي الحقيقة ، كنت انوي ان ابدا بنشر دراستي الموسعة عن نوسترداموس بعد سنوات ، حين يبلغ بي الكبر عتياً ، لكن لظرورة ما يجري اليوم من احداث ، اجد ان لا باس بنشر بعض المقالات عن نبوءاته خصوصاً ما يتعلق منها بالقرنين العشرين والحادي والعشرين مسلطاً الضوء على نمطية خاصة وفريدة من فلسفة لاهوتية كونية خلابة ..

فلسفة ٌ ادبية تنير كشمعة توحي لنا بضيائها حقيقة ما كانت عليه باراسايكولوجيا العصور المسيحية الوسطى في اوربا ، والتي لا يوجد مثقف متنور في العالم لا يشعر بشيء من الحنين او الخشوع عندما يقرأ عنها أو حين مشاهدة افلامٍ تاريخية تصور مناخها واجوائها ، رغم كل ما يشاع عنها اليوم بانها كانت قاسية موحشة مظلمة ..
الرحلة مع نوسترداموس هي رحلة غريبة نحو تلك العصور التي نجد فيها حاضرنا المعاصر ماثلاً في انجيله الزمني المقدس بشكل يبعث على الفخر ويعطينا الامل بأن الإنسان عظيم ومقدس رغم ضعفه وقصوره احياناً ، لكنه في النهاية يحوز على إمكانيات خلاقة ونفاذة عبر الزمن تجعله كمن يتصحف رواية ً يقرأ فيها قصة كل شيء :
{ ما كان وما سوف يكون } وإن برمزية مبهمة يقرأها هذا المخلوق كطفلٍ يتعلم لغة عالم كبير اوسع من عالمنا اليوم ، واعمق من إدراكنا البشري الفردي المحدود وافق تصوراتنا الضحل الهامشي الذي نحسبه كل شيء ..
هذه الرباعيات ستخبرنا باننا مجرد دمى ً تصارع كي لا تحركها خيوط الاقدار وتحاول بعجز أن ترسم ولو بمساحة ضيقة حياتها وتكتب تاريخها .. ولكن هيهات، تبقى نطق الحرية محدودة بمزاج " القدر " الذي في النهاية تبقى له الكلمة الفصل !

(1) المقدمـــة

لطالما شغلت نبوءات نوسترداموس العالم منذ قرون ، خصوصاً بعد الثورة الفرنسية وتنبؤها بحلول عهدٍ جديد من القوانين والقيم يحتل الدين فيه مكاناً هامشياً ..
إذ كتبت النبوءات في عهدٍ كانت للكنيسة فيه الكلمة العليا واليد الطولى قبل أن تأتي الثورة الفرنسية وتقتل رمزية الملك المقدسة ممثلةً بـ " لويس السادس عشر " و مكانته السماوية في قلوب الكثير من المسيحيين المقاربة لمكانة الخليفة في قلوب المسلمين .
هذه الحادثة وصفتها هذه النبوءات التي تعرف باسم الرباعيات بدقة كبيرة قبل ان تحدث بقرون .
فهي ( رباعيات ) لكونها ابيات شعرية مكونة من اربعة مقاطع ، وهي شعرية بطبيعتها لما يتسم به ادب القرون الوسطى من ارتفاع شأن الشعر ..
فتأثير الحضارة الإسلامية واضح في ادب القرون الوسطى كون الإسلام حضارة كلامية شعرية اسندت للكلام وسجعه دوراً اساسياً في الخطاب السياسي الديني ..
كذلك فإن مرونة الشعر في تحمل الالغاز المضمنة في هذه الرباعيات خوفاً من محاكم التفتيش التي من المؤكد إن نوسترداموس كان يخشاها في ذلك الحين اتاحت له أن ينشرها مشفرة دون ان يخاف ..
ما يهمنا في موضوع اليوم دراسة وتحليل هذه الرباعيات بمنهج تفكيكي بإرجاعها إلى اصولها " الاعماقية " التي شكلت البنية الذهنية الخاصة لنوسترداموس كفرد وكذلك البنية الثقافية اليهودية – المسيحية التي شكلت عمقه اللاشعوري كمنتمٍ إلى أمــة كانت تعيش في العصور الوسطى ، فضلاً عن التطرق إلى اهم نبوءاته " المتحققة " فعلياً في القرن العشرين والتي جعلتها تحوز على كل هذا الانتشار في وقتنا الراهن مضيفاً إليها تفسيراتي الخاصة عن نبوءات تحققت في القرن الحادي والعشرين ..


(2) نوسترداموس والارقـــام

سنبدأ موضوع تحليلنا وبحثنا بأهم رباعية من رباعياته برايي الشخصي ، و التي تشكل نواة ثقافته التنجيمية اللاهوتية ورؤيته " الرقمية " الخاصة الفريدة ..

اذا يقول في احدى رباعيات القرن الاول ، تحديداً في الرباعية 48 :

عندما تكون قد انقضت عشرون سنة من سنوات سلطان القمر
سيبتدئ واحد آخر سلطانه مدة سبعة آلاف سنة
وحينما تبتدئ الشمس المرهقة دورتها
عندئذ ، سيتحقق وعدي ووعيدي

في الحقيقة ، وفي البيت الرابع فإن " وعدي ووعيدي " يترجمها البعض للعربية بــ
(( نبوءتي وتهديداتي ) )

وارتأيت بقراءتها هكذا منطلقاً من قناعتي بأن نوسترداموس كان يعتبره وحياً إلهياً ، فالقارئ في الغرب ولما يتسم به الغرب المعاصر من فردانية وذاتية يتصور بان النبوءة متأتية من " قدرة " خاصة بنوسترداموس ، في حين إنه يفتتح كتابه برباعية يشير فيها إلى " حضور " الإله اثناء التنبؤ ..
وبذا ، فإن من يرسم خريطة التاريخ هو " الله " وهو من علمها نوسترداموس حسب قناعته هو .
هو يبدو على قناعة تامة بان " القيامة " هي التي ستعقب الالف السابع :
يقول في القرن الثالث، الرباعية 92 :
يقترب العالم من فترة نهايته
وسيكون زحل مرة اخرى متأخراً في عودته
سوف تتغير الامبراطورية الى امة داكنة اللون
عين في ناربون يقتلعها احد البزاة

وهو يلمح إلى ان " امة سمراء " هي التي ستحكم العالم قبل النهاية .. مع إننا سنوضح فيما بعد وحسب الزردشتية التي اعتمدها نوسترداموس وسواه من الروحانيين في العالم الشرقي بان نهاية الالف السابع ستشكل ظهور " حياة جديدة " وقد تعني تكنولوجيا جديدة ولا يعني زوال الجنس البشري ..
على سبيل المثال ، الرسول محمد كان يتصور بنبوءاته إن الغزو المغولي سيدمر الحضارة الإسلامية وبعدها بمدة من الزمن تحل القيامة بذكره ليأجوج و مأجوج وما كان ينقص كل يوم من السد الذي كان يفصلهم عن الامة بقوله ( ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ... إلخ الحديث الذي يذكر هذه النبوءة التي تحققت فعلياً ) ، والذي حصل هو دخول الامة الإسلامية في ظلام يقارب السبعة قرون ... ومن ثم حلول عصرٍ جديد .. ودورة تاريخية جديدة سندرسها في رؤى نوسترداموس المختلفة ..
اما " عين ناربون " التي يقتلعها " باز " في البيت الرابع ، فهذه تشفيرة خاصة ترد امثالها في اغلب الرباعيات يستخدمها نوسترداموس " لا شعوريا " كخاتمة مبهمة تتعلق بالهيكلية العامة لصياغة النبوءة التي سندرسها في المقال القادم .
إن دورة القمر الواردة في البيت الاول و حسب المنجم " روسا " تنحصر بين العام 1535 إلى 1889 ميلادي ..
أما " انقضاء عشرين سنة من بعد 1535 " فهذا يعني التاريخ 1555 الذي يؤشره بداية دورة كونية جديدة مدتها سبعة آلاف عام حسب قناعته ، وهو موعد نشر نبوءات نوسترداموس واطلاع الناس عليها لأول مرة ، وفي الحقيقة ، هو تعمد نشرها في هذا التاريخ كما يجمع اغلب شراح رباعياته والمتتبعين لسيرته ... مقررا بذلك ابتداء دورة جديدة في " التاريخ " حسب الفلسفة الشرقية القديمة عن الزمن ..
فحتى وقت مبكر في العصور المسيحية ، كان كتاب اينوخ Enoch في القرنين الاول والثاني بعد المسيح يفيد بان نهاية العالم ستكون بعد نهاية الالف السابع .. قبل ان تحذفه الكنيسة من قوانينها بحدود عام 300 بعد المسيح ليصبح الشائع بعدئذ إن نهاية العالم ستكون في العام 999 ميلادي ، فتجمع الناس من المؤمنين في القدس بانتظار الدينونة ونزول المسيح في تلك السنة ، مكثوا في " اورشليم " لسنوات دون جدوى .. فكان ان ارتد الكثير منهم عن المسيحية وربما شكلت هذه مرحلة جديدة من تضعضع القيم المسيحية مهدت لما تلاها ، و التي نرى إعادة نفس السيناريو هذه الايام عبر نبؤة قيامة 2011 أو نبؤة كوكب نبيرو في العام 2012 ..
هذا في الحقيقة يفسر " ردة " نوسترداموس عن الكنيسة في رؤيته لخريطة التاريخ و لجوئه للكتب القديمة و " التنجيم " في بحثه عن القيامة واليوم الآخر والاحداث التي ستسبق نهاية العالم .
إن ملامح " الردة " في نظرته للأحداث الكونية نحو التنجيم والسحر تتمثل في الرقم " 5 " المعروف في الممارسات السحرية التي حاربتها الكنيسة بشدة في ذلك التاريخ ، ففي فيلم " اللعبة " على سبيل المثال نشاهد اللعبة الحية " تشاكي " وهو يرسم على الارض النجمة الخماسية كي يستنزل القوى الكونية لتهب له جسداً آدمياً حقيقياً ..
كذلك فكرة انقضاء الالف السابع السابق للقيامة ، مصدرها الزردشتية وفلسفات شرقية ربما اقدم ، والتي كانت ترى بان الزمن يمر بدورات جزئية صغرى ودورات كبرى ، الدورات الجزئية كانت تستغرق خمسمئة سنة ، وسنجد نوسترداموس يحرص على تثبيتها كمنطلقات لأحداث عالمية كبيرة .
أما الدورة الكبرى فكانت تستغرق اثني عشر الف سنة .. وهي تبدأ بالطوفان العظيم الذي ضرب العالم وتنتصف بالحرب التاريخية الفاصلة الكبرى بين الخير والشر حسب الزردشتية يعقبها الف عامٍ من السلام .. قبل ان تمر خمسة آلاف سنة اخرى معلنة نهاية عصرٍ بشري كامل .. لتبدأ دورة جديدة مع انواع جديدة من الحياة ..
من المفارقة ان نعرف بان تاريخنا المكتوب في سومر يبدأ بأربعة آلاف سنة قبل المسيح ، وفيما نحن اليوم في مطلع الالف الثالث بعد المسيح ، إذن نحن في مطلع الالف السابع ، موعد المعركة الكونية التاريخية التي تنبا بها زرادشت بين الخير والشر ..!
نبؤته تقول بان جيوش الخير وجيوش الشر تتجمع في العالم لمدة ستة الآف سنة ، وفي الالف السابع تبدا المعركة التي سينتصر فيها الخير ليحكم العالم بقية الالف السابع ..
وهذا يفسر مصدر " السبعة الآف " سنة التي كان يؤمن بها اينوخ و نوسترداموس ..
ويكشف لنا على الاقل العمق اللاهوتي الذي بموجبه يمكن تحديد ما يسمى بالحرب على الإرهاب في اول سنة من سنوات الالف السابع من تاريخ البشرية المكتوب ، في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، ولا ندري إن كان هذا حدث صدفة أم هناك من " هندس " هذه الاحداث عن قصد ..؟
فبن لادن صرح في وقتها بان العالم انقسم إلى " فسطاطين " ، فسطاط الخير الذي يمثله هو وفسطاط الشر الذي تقوده اميركا ...
كذلك جورج بوش الابن ، قال بان من ليس معنا فهو ضدنا في الحرب على الارهاب بمنظار بن لادن الفسطاطي نفسه .. لكن بانقلاب دور الخير إلى " البيت الابيض " .
هو نفس المنظار الزردشتي اذن ، و الذي يقول بان مطلع الالف السابع سيشهد الحرب الكبرى بين قوتي الخير والشر في العالم ..!

(3) لماذا الرقم 55 ؟

نوسترداموس كان منجماً ومولعاً بالترقيم والتوقيت في الحسابات الفلكية والتاريخية ، واعتقد شخصياً بانه كان على اطلاع كاف بنبوءات زرادشت ، فزرادشت عاش في حدود 500 سنة قبل المسيح ، و نوسترداموس في حدود 500 بعد الالف الاول للمسيح ..
وقد اختار العام 1555 لنشر النبوءات التي نجد فيها بأن الرباعيات التي تحمل الرقم 55 دائماً تشكل وقفة تحتاج منا لتأمل ، اذا جعل اغلب رباعياته التي تحمل هذا الرقم هي الرباعيات التي يعتقدها " مركزية " و ربما اساسية في اي تحول تاريخي ..

إن تأثر نوسترداموس بنبوءات زرادشت واضح وتكشف رباعيته الآتية بصورة هيكلية الاقتباس من نبؤة زارادشت عن المعركة الكونية الفاصلة :

القرن الثالث ، رباعية 31

في سوح معارك ميديا والجزيرة العربية وارمينيا
سيقوم جيشان عظيمان بالتجمع ثلاث مرات
قرب حدود اراكسوم ستنهار
مؤسسة سليمان العظيم وتسقط على الارض

فهي تذكرنا يتجمع جيوش الخير والشر لستة الآف سنة قبل ان تشتبكان في الحرب الفاصلة ، كأنه يفسر نبؤة التلمود " هرمجدون " بذكر الجيوش الإسلامية التي يقود امبراطوريتها السلطان العثماني سليمان والتي ستهزم في النهاية بقيام دولة اسرائيل في رباعية اخرى ، كانه يفصل بين هرمجدون والملحمة التاريخية الكبرى التي تنبا بها زارا!
ففي نفس رباعيات هذا القرن ( الثالث ) يعيد صياغة النبؤة اعلاه بشكل اكثر وضوحاً في الرباعية 97 :


قانون جديد سوف يحتل ارضا جديدة
في مكان قريب من سوريا ويهوده وفلسطين
الامبراطورية الهمجية العظيمة
سوف تنهار قبل نهاية قرن الشمس

وهكذا فإمبراطورية الهمج ( Barbarians ) هي الامبراطورية الاسلامية كما هو شائع في ادبيات القرون الوسطى وليست " الجمهورية العربية المتحدة " كما يحاول اللوبي الصهيوني تفسير الرباعية كيف يشاء ، فمثل هكذا جمهورية ما كانت يوماً لتنهار ..
وباقتران هذه الرباعية مع سابقتها ، يكون المقصد بشكلٍ مؤكد هو الحرب العالمية الاولى التي انتهت بسقوط الخلافة الإسلامية وظهور القانون الجديد في العالم ، ومن ثم الحرب العالمية الثانية ... وهذا هو التجمع الثاني للجيوش الذي ولدت من رحمه دولة اسرائيل كما تذكر الرباعية التي تلتها ، اما " التجمع " الثالث ، فهو الاعظم بالتأكيد ...
انقسام العالم إلى معسكرين ، شرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي ، وغربي بقيادة الولايات المتحدة ، ولعله كان دقيقاً جداً بقوله " تجمع " في اشارة إلى الحرب الفعلية والتحشيد الفعلي للحرب الذي كان سمة ما عرف بالحرب الباردة في القرن الماضي ..
خصوصاً وإن ترميز " ارمينيا " و " ميديا " من الواضح إنه يشير إلى اوربا الشرقية في الحرب الباردة وإن كان غير دقيق ، وكذلك منطقة الخليج في الجزيرة العربية .. كانت بؤرة توتر شديد ولا تزال مهددة في كل لحظة بالحرب ، لكنه لم يعتبرها الحرب الكونية الفاصلة ..

نعود الآن للرقم 1555 الذي كان مولعاً به ، فيما يبدو ، واعتماداً على قرائن كثيرة سندرسها فإن نوسترداموس كان يضع نفسه في مصاف الانبياء بتعاليه عن المعتقدات الكنسية عن القيامة واليوم الآخر على الاقل ، المفاجئة هي إنه في القرن الخامس ، وفي الرباعية 55 من نبوءاته يذكر شيئاً غريباً :

القرن الخامس ، رباعية 55

في البلد السعيد من جزيرة العرب
سيولد شخص ذو شان بقوانين محمد
سوف يقلق بال اسبانيا ويفتح غرناطة
والجزء الاغلب من الامة الليغورية من البحر

المحير في امر هذه الرباعية انها تتحدث عن " المهدي " بصفاته كما يرسخ في الوعي الجمعي الإسلامي و الذي ينتظره المسلمون ، والغريب إن الآية 55 من السورة الخامسة من القرآن ( المائدة ) تتحدث عن مسألة خلافة محمد حسب رؤية الشيعة ويعتبرونها دليلاً على إمامة علي ، الذي ينحدر منه " المهدي " المنتظر في آخر الزمان ، والذي يتفق السنة والشيعة بالإسناد إلى النبي محمد بانه من ولد فاطمة ، اي من نسل علي بن ابي طالب ..
حتى " السلفية " تؤمن بانه من نسل علي ، بل حتى إن القائمة الإنتخابية للتحالف الشيعي في الانتخابات العراقية في 2005 حملت الرقم 555 ...!
وهذا في حقيقته يكشف بان نوسترداموس " ربما " كان يقرأ كتباً كثيرة مصدرها الشرق ، ومنها القرآن وكتب عرفانية اسلامية ، ولا يعني إنه كان يؤمن بان " صاحب الشأن في قوانين محمد " هو مخلص البشرية ، لكن فيما يبدو ، فهو قد قبل التصور الذي طرحه النبي محمد عن احداث آخر الزمان بظهور المهدي من ولده ونزول المسيح بن مريم في دمشق .. وقيامها بتأسيس تحالف اسلامي مسيحي خاص ..!
فالمهدي برايه حتى لو اعتبر بمقام نبي ، يبقى المسيح " إلها" ، و نوسترداموس بمثابة رسولٍ لهذا الإله ..

ففي رباعيته من نفس القرن :

القرن 5 ، الرباعية 79
الابهة المقدسة ستخفض جناحيها
عند قدوم صاحب الشريعة العظيم
سوف يرفع المتواضع ويقلق بال المتمرد
لن يظهر مثيله على الارض مرة اخرى

كأنه يشير إلى خفض ابهة " المهدي " لجناحيها امام هيبة المسيح ، وهذا ما تذكره الآثار الإسلامية ايضاً بان المهدي سيقف احتراماً واجلالاً للمسيح ويطلب منه ان يؤم الناس بالصلاة في بيت المقدس ، لكن المسيح يستبقيه للناس إماماً ...
ومجرد اشارته إلى ان لن يظهر له مثيلٌ على الارض من جديد يؤكد بانه يقصد المسيح ، وسنتكلم عن هذه المسالة في مناقشتنا لاحقاً .
ربما يكون الكتاب العربي الذي أثر في نوسترداموس هو على شاكلة " بدائع الزهور في وقائع الدهور " المعتمد في رواياته على اليهودي كعب الاحبار ..
وقد لا يكون قد قرأ كتاباً واحداً منقولاً من العربية ، ربما هو توافق مرجعه صدفة عشوائية أو صدفة موجهة من العقل الكوني بوصوله في العمق العقلي للوعي الكلي .. ذاته الذي انبثق منه القرآن ؟
فعندما نعود إلى الرباعيتين السابقتين من القرن الخامس ، في الرباعية 55 يرى بانه سوف يقلق بال اسبانيا ، اما في 79 فهو يقلق بال المتمرد ..
هناك توافق بين المهدي والمسيح في مواجهة " متمردين – متكبرين " ..
السؤال هو :
كيف ليهودي مسيحي مثل نوسترداموس يعيش في القرون الوسطى ان يصدق بان محمداً نبي ، او على الاقل شخص لقرآنه قيمة تاريخية كونية حتى ينضم رباعيته وفق هذا التسلسل الرقمي ..؟
فما كان يشاع عن " محمد " هناك بانه { ضد المسيح Anti-Christ } أو النبي الكاذب .. وهذه مصدرها الصراع السياسي العسكري بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية .. ، حيث في المقابل يشاع عن المسيحيين في العالم الإسلامي إنهم كفار مشركون ..
ما هي الذهنية التي تشكل معتقدات حامل الدكتوراه في الطب نوسترداموس ..؟؟

(4) عقيدة نوسترداموس

بالعودة إلى موضوعة الدورات الكبرى والصغرى للقرون ، فإن دورة الخمسمئة سنة الصغرى تحمل اكثر من دلالة لاهوتية وتنجيمية ..
ففي اللاهوت العبري ، فإن كل خمسمئة سنة تكون هناك " رسالة " سماوية كبرى ، وتوقيت نوسترداموس بان الخمسمئة سنة التي ستاتي بعدها ستشهد ظهور صاحب الشريعة الاعظم ( المسيح ) الرب ، و ( المهدي ) الذي يقوم في تهجئة اسمه في رباعيات اخرى ، تعني بانه يضع نفسه على رأس دورة تاريخية كونية ، هو يعتبر من نفسه نبي القرون الوسطى محدداً العام 1555 عاماً لنبوته ..
ومن الطبيعي ان يكون هناك نبيٌ سبقه في حدود العام 1055 ، ونبي اسبق بحدود العام 550 للميلاد ...
نبي الإسلام محمد ولد في العام 556 للميلاد .. بعد خمسة قرون من ولادة المسيح ، وهو يطابق التسلسل الزمني لظهور الرسالات السماوية الكبرى حسب حسابات نوسترداموس ، الفجوة الناقصة لدينا هي .. من كان نبي العام 1055 م ..؟
نوسترداموس ربما كان يعتبر من محمد نبياً على شاكلته هو ، وهذا يفسر مطابقته لما يعرف بآية " الولاية " لدى الشيعة مع نبؤته بولادة المهدي في البلاد السعيدة من جزيرة العرب كما تذكر الرباعية ..( ولا ادري إن قصد " السعودية " او " اليمن السعيد " ؟ )
فضلاً عما ذكرناه بان المسيح " رب " حسب الوعي الجمعي المسيحاني واتباعه الاثني عشر هم " رسل " ، نوسترداموس .. ربما اعتبر نفسه رسولا اعظم من هؤلاء الرسل
والنص التالي يؤكد بأنه كان مؤمناً بالمسيح ، لكنه يشير إلى نبؤة تاريخية تحققت وشكلت فاصلاً اساسياً لعصر النهضة ..

اذا يقول في القرن الاول ، الرباعية 53
واحسرتاه ، كيف سنرى امة عظيمة تتعذب إلى هذا الحد
والقانون المقدس في خراب تام
قوانين اخرى تحكم المسيحية باسرها
عند اكتشاف مورد جديد من الذهب و الفضة

هذه الرباعية تتنبأ بدقة بالغة باكتشاف راس الرجاء الصالح و اميركا ، وعذاب وابادة الهنود الحمر ، وتوفر موارد جديدة للذهب والثروة من اميركا ما احدث تغيرات اقتصادية قوت شوكة البروتستانتية في الغرب الاوربي واضعف الكنيسة .. وفجر الإصلاح الديني ومن ثم النهضة والتنوير اللتين جعلتا الكنيسة وقوانينها في خرابٍ تام ... بعد قدوم البروتستنتية و علمانية الثورة الفرنسية بعدها ( قوانين اخرى تحكم الكنيسة أو العالم المسيحي ) ..

يتبـــــع



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان و الروبوت (2)
- الإنسان و الروبوت (1)
- ولادةُ عالمٍ جديد : تعقيباً على قراءة الرفيق عذري مازغ (2)
- ولادةُ عالمٍ جديد : تعقيباً على قراءة الرفيق عذري مازغ (1)
- التجسس السايكوترونكي وتقنياته الخفية
- السيطرة على العقول ( السايكوترونك ) : توضيحات
- انظمة تشغيل المخ ...مدخل لعلم السايكوترونك ( السيطرة على الع ...
- الوجه الآخر للجنون ..
- 2 - جبرائيل والشيطان
- 1- قراءة الطالع بالفنجان والاصداف والتوراة والإنجيل والقرآن ...
- امتنا العظيمة تستفيق : حان وقت تمزيق ( الباسبورت ) وعبور الا ...
- رموز الأحلام والدين : تحليل في خبايا رموز الأعماق النفسية ال ...
- الحداثة والدين : إشكالياتٌ وتوضيح لبعض الاخوة
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _3_
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _2_
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _1_
- الجاذبية الجنسية : رؤية ٌ ماركسية
- ليبيا ... عروس ُ عروبتنا الحمراء
- إسرائيل في مواجهة الطوفان العربي : رؤية استراتيجية للمستقبل
- مذبحة الساحة الحمراء في البحرين والإعلام العربي


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - نوسترداموس برؤية تفكيكية (1)