أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية حسن عبدالله - هل تحولت ثقافة الفساد إلى ثقافة للإفساد؟















المزيد.....

هل تحولت ثقافة الفساد إلى ثقافة للإفساد؟


نادية حسن عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 16:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثر الحديث هذه الأيام أن "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، وعن "السلطة المشخصنة"، و"الفساد والإفساد"، و"ثقافة الفساد" و "فساد الدولة الأمنية"، و" سلطة الدولة أم دولة السلطة" و" الدولة في خدمة الأمن أو الأمن في خدمة الدولة" وغير ذلك من المصطلحات التي نسمعها كل يوم عن انتشار الفساد في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واتخاذه أبعادا وأساليبا جديدة ومبتكرة.

وقد أعلنت السيدة " نغوي اوكونيو " المدير الإداري للبنك الدولي ان التقديرات الأولية لحجم أموال الفساد سنوياً تتراوح بيت 3-11 تريليون دولار وان ما تم التوصل إليه من أموال مهدورة بسبب الفساد بلغ 20-30 مليار دولار سنوياً.

ومع انتشار الفساد والمفسدين، واتساع نطاق "الدخول الخفية" الناجمة عنه، فإن العمل النزيه والجاد يفقد قيمته، بل إن القانون نفسه يفقد هيبته واحترامه. هذا، فضلاً عن أن للفساد تكلفته الاجتماعية والاقتصادية التي تتمثل في انخفاض معدلات الكفاءة في تخصيص الموارد الاقتصادية، وهو ما يؤدى إلى تخفيض معدلات التنمية وعدالة التوزيع للدخل القومي.

على أن العلاقة المباشرة بين الفساد والاستبداد تتمثل في أن الفساد عندما يستشري ويترسخ فإنه يعمل على حماية نفسه، وذلك بإبقاء كل الهياكل التي أنتجته على حالها، فلا تغيير في القوانين ولا تعديل في اللوائح ولا تطوير في السياسات، لذلك نجد أن المسئولين غير مبالين بالإصلاح الحقيقي (مجرد إصلاح تجميلي) ولا بالتغيير وذلك ضمانا لاستمرار المناخ الذي يضمن لهم المزيد من التربح واستغلال النفوذ، وهو ما يصفه البعض بانتشار نمط "ثقافة الفساد" ، حيث في العالم العربي، ليست هنالك حاجة لكشف الفساد، فالفساد يكشف نفسه بنفسه .وهو ليس بحاجة لوثائق وشهود، فدرجة شيوعه واستشرائه تجعل الكل شاهدا عليه، كون الكل شاهد وجرب وعاش بنفسه الكثير من الفساد في حياته العملية أو حياته الإجتماعية .

لكن هناك تغير في أساليب انتشار الفساد في المنطقة العربية وتطوير آليات وأساليب جديدة للفساد تركز على التحول من الفساد إلى الإفساد.
حيث ينتشر الفساد في كل مكان في إدارات ومؤسسات ومرافق الدولة، وهناك تدني في إنتاجية الفرد، وتفشي الرشوة، والبطالة المقنعة والعلنية، والواسطة وشراء الذمم والضمائر، والاستخفاف بالقوانين والبيروقراطية، والتلصص على الناس وخنق حرياتهم. فالفساد صار له بعد وبائي ينتشر بسرعة تؤثر على المجتمع والتنمية وكافة الأمور اليومية والحياتية. والخطر الأعظم إن ثقافة الفساد تحولت إلى ثقافة إفساد لان هذه الثقافة أكثر خطورة من ثقافة الفساد لأنها عملية تربوية متصلة ومستمرة، وتتصف بالتحريض المباشر أو غير المباشر على تخطي القوانين. كما ان الإفساد يصير نمط حياة ويمارسه المجتمع، ويصبح شيء طبيعي عند الناس وجزء من الحياة الطبيعية، وجزء من ثقافة الفرد والتربية والأخلاق التي تحض الفرد على ان يصل إلى ما يريد عبر اقصر الطرق كالانتهازية والوصولية والطرق السوداء الملتوية.

ومع اقتران هذه الظواهر، بضعف الرقابة والمساءلة والشفافية في إدارات الدولة والمجالس التشريعية والنيابية وأجهزة الرقابة في "الدولة" ، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، نجد إن هذا النوع من الفساد والإفساد يعشش لمدة طويلة ويتم توارثه من جيل إلى آخر.
الفساد هو المعوق الأساسي للإصلاح والتوأم للاستبداد وأبرز تحديات الإدارة الرشيدة والحكم الصالح وعليه فأن المرحلة القادمة بعد الثورات العربية لا تحتمل التأخير أو المماطلة في التأسيس لسياسات واستراتيجيات للإصلاح وللحد من انتشاره والتخفيف على الوطن والمواطن من آثاره المدمرة على الافتصاد والسياسة والمجتمع.

من معالم الفساد والاستبداد أن تنتقل الدولة من كونها تعبيرا عن جماعة وأداة للحكم بين الناس إلى التمركز حول شخص الحاكم ( الدولة المشخصنة)، والتعبير عن مصالح نخبة ضيقة من بطانته، دونما اعتبار للناس ومصالح المواطنين، فلا يبقى ثمة وجود لقوى سياسية اجتماعية تتجاوز إرادة الدولة وهيمنتها، حيث يقوم الحاكم بالسيطرة على مفاتيح السلطة، وتصير آلة الحكم وأجهزته كلها تحت إمرته، وهو يتغلب على ضغط عمال الدولة عليه بأن يشخصن الفئة المحيطة به من العاملين معه بإبقائهم في وظائفهم أطول مدة ممكنة، رغم ممارساتهم الفاسدة، بحيث تحل العلاقات الشخصية محل علاقات العمل الموضوعية.

وينتشر الفساد في وطننا من خلال الدولة الأمنية والنظام المشخصن والنظام المنغلق، لا ينفتح على خارج ذاته، ولا تقوم آلية ما لإجراء أي تعديل فيه أو تجديد أو تغيير أو إصلاح، وأي تعديل أو تنويع فيه، ومن ثم فلا تقوم في النظام المشخصن أية قدرة ولا إمكانية على التجديد الذاتي أو الإصلاح أو أي جهود لمكافحة الفساد، إنما يشكل فقط حالة من حالات الاستبقاء، وحماية الفاسدين، بأي ثمن وبأي مقابل. وإن واحدا من أسباب الشخصنة هو طول مكث الشخص في قمة العمل العام بذات سلطاته وصلاحياته وبغير تحد يلقاه . ومن الملاحظ أنه كلما ضاقت دائرة الأفراد الممسكين بزمام الدولة زاد الفساد، وزاد التضييق على خصومهم السياسيين، وزاد ميلهم لاستخدام العنف مع الخصوم، وهنا تضيق المصلحة المحمية من الدولة؛ لأنها تكون اقتصرت على مصالح أفراد، ويزيد احتمال استخدام آلة الدولة الأمنية لقمع أي حركة مخالفة في مهدها وحماية الفاسدين. واستخدام عنف الدولة هنا هو الحل الجاهز دائما والسريع لمواجهة أي تحرك أو أي تجمع ولو في مهده، لإجهاض ما يتكون ولردع ما هو في طريق التكوين، فينتشر الفساد وتصبح هذه المجتمعات مستعصية على الإصلاح.

التغيير الجوهري المطلوب, لا يأتي سوى من حراك مجتمعي واع وعام يشمل منظومة قيم مثل السيادة المطلقة للقانون, العمل والمواطنة الشاملة, والأداء قبل الولاء أو الوظيفة للأكثر كفاءة على كافة مستويات الإدارة, والتوازن بين حقوق المواطنة وواجباتها- ويشمل التعليم, وعدالة توزيع منافع التنمية ضمن الجيل الحاضر, وبينه وبين الأجيال المتعاقبة. ويتعذر إنجاز الإصلاح ومراميه بدون مكافحة الفساد حيث ان الإصلاح عملية متواصلة ومستمرة بوصفها انعكاساً للعلاقات غير المتوازنة التي تفرز الفساد حيث يتحول الفساد من حالة فردية إلى ظاهرة كبرى تستعصي على الحل نظراً إلى مقاومة المنتفعين منها لإجراءات الإصلاح التي تهدد مكتسباتهم غير المشروعة .

أن مواجهة الفساد تحتاج إلى أمرين, الأول هو تأكيد قاطع لسيادة القانون, والثاني هو الحرص على أن تكون السلطات الثلاث قدوة في نظافة ونزاهة ممارساتها. ووظيفة القانون بالدرجة الأولى ليست عقابية على أهمية العقاب, ولكنها وقائية, لذا يجب التركيز دائما على السياسات الوقائية التي تمنع حدوث الفساد.

وفي هذا المجال نؤكد على أهمية الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد, التي شارك في تحضيرها الكثير من دول العالم، ويمكن اعتبارها دستور لمحاربة الفساد, حيث يجب أن تنشأ قوانين وتأسيس جهات تعمل على مكافحة الفساد.

ولم تحظى اتفاقية بإجماع دولي وباهتمام أممي كما حظيت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إذ تأتي أهميتها من انها وضعت أساساً شاملاً يمكن ان تبنى عليه الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد وقد أرست لذلك دعائم التعاون الدولي في هذا الشأن انطلاقاً من ان مشكلة الفساد لم تعد شأناً داخلياً وأنما اصبح الأمر دولياً ويحتاج إلى تضافر جميع الجهود داخلياً وخارجياً ، خاصة بعد ان كشف مؤخراً ان أموال الفاسدين التي سلبوها من أوطانهم نقلوها فورأ إلى خارج دولهم على شكل إستثمارات أو أسهم أو عقارات أو رصدت ببنوك أو شركات وساطة أو مشاريع وهمية.

إن الثورات في وطننا العربي، هي ثورات ضد الفساد، وضد المحسوبيات والواسطات، حيث شعار "الشعب يريد القضاء على الفساد" من أهم الشعارات التي نادى بها شباب الثورة.

إن محاربة الفساد ليست بالعملية السهلة المبنية على الوعود والأماني ومكافحتة تعتبر من أشد بل من أقوى أشكال الكفاح والدفاع عن الوطن لما يعرقل ويحد من المسيرة التنموية وينال بقوة من الفقراء ومحدودي الدخل ويضعف الثقة بمؤسسات الدولة إذا لم تبدي جدية في هذا الشأن وينال كذلك في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

الدكتورة شذى ظافر الجندي
الجامعة الامريكية في لندن
حقوق الانسان ومكافحة الفساد والتنمية



#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآثار النفسية والسلوكية والتعليمية والاجتماعية لممارسات الأ ...
- اليوم العالمي لحرية الصحافة -آفاق جديدة حواجز جديدة-
- سورية يا حبيبتي…
- دور الأحزاب السياسية العربية في المرحلة المقبلة
- الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان انتهاك لميث ...
- ننتمي كلنا الى وطن واحد سورية
- عيد الجلاء في سورية: الشعب يطالب بالحرية واحترام الكرامة الا ...
- العصابات المسلحة في الدول العربية: الرأي العام محصن من هذه ا ...
- ثورات شبابنا العربي .. عززت روح المواطنة في المنطقة العربية
- كيف سنكافح الفساد في سورية؟
- الفساد في سورية
- يتهمون شبابنا الذي يشارك في الثورة بأنه غير وطني... بل وصل ب ...
- الاعلام العربي والثورات العربية
- استخدام اللغة الخشبية للتعامل مع شبابنا العربي
- ثورات شبابنا العربي تطالب بالاصلاح السياسي
- الفوضى الخلاقة وثورة الشباب العربي
- ثورات الشباب العربي لاسقاط الدولة الأمنية - التحرر من الخوف
- ثورة الشباب في وطننا العربي ... تطالب بمكافحة الفساد..
- ليبيا تتعرض لخطر الانقسام، خطر الحرب الاهلية، وخطر التدخل ال ...
- العنف! ..... إلى متى سيعاني شبابنا العربي


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية حسن عبدالله - هل تحولت ثقافة الفساد إلى ثقافة للإفساد؟