أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟















المزيد.....



إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 10:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية
ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان ؟
========================
من كتاب: المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية

فهرس الكتاب
1- تقديم.
2- الثورة التى نحتاج و القيادة التى لدينا.
3- الشيوعية : بداية مرحلة جديدة .
4- القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
5- من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء.
6- ملاحق :
أ- رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى الثورة بصدد دور بوب آفاكيان و اهمّيته.
ب- ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟
ت- حول القادة و القيادة.
ث- لمزيد فهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية : من أهمّ المواقع على النات.

إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية
ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟
/ " الإنسانية فى حاجة إلى الثورة و الشيوعية "I
اليوم نتحدّث عن الخلاصة / التأليف الجديدة لبوب آفاكيان و إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية . وللخوض فى هذا المضمار يتعين الحديث أولا عن لماذا نحتاج إلى الثورة و الشيوعية .
أودّ أن أقرأ مقتطفا من جريدتنا ، " الثورة " ، حول مراقبة الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية للسلوك من قبل 4600 شرطي فى المعاهد الحكومية فى نيويورك . لقد ورد فى تقارير يومية أنه ثمّة وجبة يومية من التحرّش و الإهانة اللفظية
و مثال بعد آخر من العنف السافر. و هذا يشمل ضمن ما يشمل حال بيكو أدواردس الذى كان يتجه نحو قسمه للكيمياء حين أوقفه نائب المدير . و عندما إحتجّ بيكو لعدم السماح له بالإلتحاق بقسمه ، نادى نائب المدير الشرطة. و جاء فى تقرير الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية، وصف لما جدّ بعدئذ :
" الضابط ريفيرا أمسك عندئذ بيكو و دفعه ضد باب تقسيم من الأجر ،متسببا فى جروح فى وجه بيكو و تدفق للدماء, ثمّ رشّ الضابط ريفيرا مادة فى عيني بيكو وعلى وجهه ممّا تسبب فى حروق بعينيه و عوض معالجة الطالب ، طالب الضابط ريفيرا حينها بتعزيزات عبر الراديو و مضى فى تقييد بيكو...و نقل بيكو إلى المستشفى حيث قضى تقريبا ساعتين لعلاج جروحه،و قضى معظم الوقت فى المستشفى وهو مقيّد إلى كرسي ... وهو الآن يواجه خمس تهم إجرامية " (1)
بالنسبة للذين يعرفون ستيفان بيكو ، الثوري من جنوب أفريقيا و الذى سمّي على الأرجح هذا الشاب على إسمه ، يلفون سخرية حادّة و مُرّة هنا. ذلك أن ستيفان بيكو ضرب حدّ الموت فى سجن من قبل شرطة جنوب أفريقيا خلال عهد التمييز العنصري [ الأبرتايد] لحكومة عنصرية أهمّ مسانديها الولايات المتحدة . وتعكس الإهانة التى لحقت ببيكو إدواردس ما يتكرّر يوميا فى كلّ معهد غيتو ، فى نيويورك و عبر البلاد.
أي نوع من النظام يقوم بهذا تجاه شبابه ؟
و دعونى أتقاسم معكم مقتبس من مقال نشر قبل بضعة أسبيع فى مجلّة النيويورك تايمز،وهو يتطرق لوحدة أمريكية مناهضة للتمرّد فى أفغانستان. ضمن عديد الفظائع الأخرى ، يصف هجوما دام ليلة بأكملها على قرية و كيف أن ، بعد الهجوم، للإستشهاد بالمقال:" الملازم الأول مات بيوسا وهو متخرّج من واست بوينت وله من العمر 24 سنة ...أرسل بالراديو رسالة مفادها أن شيوخ القرية كانوا يطالبون بدفن موتاهم .و قد جمعوا الجرحى من المدنيين . النتيجة كانت ثقيلة: 5 قتلى و 11 جريحا ، كلّهم نساء و بنات و أطفال" . و أدعوكم لقراءة المقال بأكمله لتدركوا قليلا ممّا يفعله القتلة الذين يسمّيهم باراك أوباما و هيلاري كلينتون " رجالنا و نساؤنا الشجعان فى الزيّ الموحّد"(2)
الجيش إمتداد للمجتمع الذى عنه يدافع، فما هو نوع المجتمع الذى يفرز جيشا يقاتل على هذا النحو ؟
لنلقى نظرة على أفضل العوالم الممكنة المعولم. تحدّثوا إلى أُسر 150 ألف مزارع فى الهند الذين و قد أفلستهم الرأسمالية المعولمة ، إنتحروا فى العقد الماضي ، عادة بشرب مبيدات الحشرات. وإذهبوا لأنغولا ، فى أفريقيا حيث ، لنقتبس من مقال من التايمز " الأطفال عراة حتى من الملابس الداخلية ،يرقصون فى جداول المجاري و يتزحلقون فوق نفايات القمامة بزلاجات صنعت من اللوح المعدني و يتغوطون فى البرك و يفسدونها. بينما يتفنّن ممثّلو شركات النفط فى عقد الصفقات فى نزل تمتاز بالرفاهة."(3) و لتتوقفوا فى شرقي أوروبا ، حيث آلاف النساء كلّ سنة يختطفون و يجعل منهم عبيد جنس لأجل ذات السوق المعولم.(4).ثمّ توجهوا إلى المكسيك و زوروا أسرة أي من ال 400 رجل و إمرأة الذين يموتون سنويا بسبب العطش و هم يحاولون قطع صحراء آريزونا فى بحث يائس عن العمل.(5) فكّروا فى هؤلاء الناس وقولوا لي و لهم و لأنفسكم إنّ هذا العالم لا يحتاج إلى تغيير جوهري، رأسا على عقب. قولوا لي إن هذا العالم لا يحتاج إلى ثورة.
ثمّ يثار سؤال "هل يمكن أن توجد ثورة يمكن أن تغيّر حقّا الأشياء؟ ألم يحاول الناس ذلك و فشلوا؟ و حتى إن تمكّنت ثورة من تغيير كلّ هذا ، كيف سيتمّ ذلك فى بلد مثل هذا؟
كانت هذه الأسئلة محورية بالنسبة لأعمال بوب آفاكيان – لما نسميه الخلاصة الجديدة. وهي الأسئلة التى سنخوض فيها اليوم. بديهيا لا يمكن لحديثي أن يشمل جميع ال30 سنة من مؤلفات بوب آفاكيان فى ساعتين. لكن ما أتمنّى إنجازه هو إعطاء معنى لطريقة شاملة جديدة لمقاربة تحرير الإنسانية و التغيير الجوهري ، بالبناء على أفضل ما حصل فى السابق لكن بالسموّ به إلى مستوى جديد.
ولنتوغّل فى الموضوع.
بداية مرحلة جديدة من الثورة :
قبل 160 سنة ، أعلن ماركس و إنجلز فى " بيان الحزب الشيوعي " أن عمال العالم –البروليتاريا الأممية- لم يكن لهم ما يخسرونه سوى قيودهم و لهم عالم يربحونه. و قد وضع ذلك البيان أسس الإختراق التى شقّت طريق قيادة النضال.
و بعد 25 سنة ، حصلت أوّل محاولة قصيرة لثورة بروليتارية مع كمونة باريس و بعد 50 سنة من ذلك ، أوّل إختراق فعلي – أوّل ثورة إشتراكية معزّزة ، جدّت فى الإتحاد السوفياتي ، فى ظلّ قيادة لينين و عقب وفاة لينين ، ستالين. و إلتحقت الصين بالركب حيث توصّلت الثورة إلى السلطة فى 1949 و حيث إثر 17 سنة ، شنّ قائد تلك الثورة، ماو تسى تونغ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، ثورة داخل الثورة ، للحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و أيضا لأجل مزيد التوجه الفعلي نحو الشيوعية.
و إنتهت هذه المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية برمتها فى 1976 إذ لمّا توفي ماو ، جرى إنقلاب مضاد للثورة فى الصين سجن و /أو قتل الذين وقفوا مع ماو فى قيادة الثورة الثقافية. و السياسات التى لطالما ناضل ضدّها وضعت موضع الممارسة العملية و أعيد تركيز الرأسمالية. و اليوم لا وجود لبلدان إشتراكية حقيقية فى العالم. و يشعر الناس عبر العالم و يناضلون بذلك الثقل كلّ يوم ، سواء يعلمون بذلك أو لا يعلمون.
لذا ، كيف التقدّم فى وجه هذا؟ كيف الإبحار فى مرحلة جديدة من الثورة ؟ فى هذا الوضع ، قاد بوب آفاكيان الدفاع عن المكاسب الهائلة لتلك الثورات و الرؤى المضيئة لمفكّريها و قادتها العظام و رفع رايتها و بنى على أساسها. لكنه و بعمق حلّل الأخطاء و النواقص فى المفاهيم و المنهج اللذان أفضيا إلى هذه الأخطاء. و على هذه القاعدة ، صاغ إطارا نظريا متماسكا و شاملا هو الخلاصة و بينما بالتأكيد ينتج هذا و ينبنى على ما حصل قبلا ، فإن هذا التقدّم يتضمّن أيضا قطيعة حقيقية مع الفهم و التجربة الماضيين كعنصر حيوي و لهذا نسميها خلاصة جديدة.
و اليوم سأناقش هذا فى حقول ثلاثة : الفلسفة أو كيف نفهم العالم ، و السياسة ، بالخصوص و ليس حصرا المفاهيم السياسية التى قادت المحاولات الأولى لبناء المجتمعات الإشتراكية و القيام بالتغيير الإشتراكي ،و المفهوم الإستراتيجي الذى يركّز على كيف سننجز عمليا ثورة فى بلد مثل هذا .
الهوامش :
، مارس 2008. ACLU نيويورك ، CLU 1- " تجريم القسم : المبالغة فى عمل الشرطة فى معاهد مدينة نيويورك "
2- "شركة بايل هناك" ، أليزابيت روبين ، مجلّة نيويورك تايمز، 24 فيفري2008 .
3- " فى أنغولا الغنية بالنفط ، الكوليرا تكتسح الأفقر"، شارون لافرانيار، نيويورك تايمز، 16 جوان 2008.
4- أنيتا غرادين ، مبعوث الإتحاد الأوروبي ، مرتينا فندنبارغ، "المرأة اللامرئية" موسكو تايمز ،8 أكتوبر 1997.
5- مجموعة عمل أمريكا اللاتينية.
------------------------
/ فلسفة لفهم العالم و تغييره :II
الآن بالفلسفة نعنى طريقة مستنبطة نوعا ما لفهم العالم تقود و تأثّر على كيفية رؤية الناس لموقعهم فيها و ما يفكرون أنه يمكن أو يجب أن يفعل بصدده. إذا فكّرتم أن الناس "ينزعون إلى أن يكونوا أنانيين بسبب إرثهم الجيني " هذه فلسفة. إنها طريقة فهم كافة العالم و المجتمع وهي ستقود ما تعتقدون أنه يمكن و يجب القيام به.
إذا قلتم إنه ليست لديكم فلسفة ، أنتم تقبلون بما ينجح ، و للأسف هذه أيضا فلسفة ، فلسفة البراغماتية المصنوعة فى الولايات المتحدة الأمريكية. إذا تبنيتم هذه الفلسفة ، لا تفكّرون كثيرا فى الأسباب الكامنة ،و الديناميكية الأوسع التى تشكّل العالم – فقط تقبلون بالعالم كما هو و تحصرون أنفسكم فى إصلاحات جزئية.
و إذا قلتم إنّ جميع الفلسفات هي فقط " منشآت إجتماعية " جميعها متساوية الصلاحية أو اللاصلاحية، لبلوغ الحقيقة ، و إذا تساءلتم حتى عن وجود مثل هكذا شيئ كالحقيقة ، هذه أيضا فلسفة وهي النسبية ، فلسفة منتشرة جدّا. لسوء الحظّ و إن كان متوقعا ، تنسجم مع عدم القناعة بالمعارضة الصارمة و النضال الفعلي ضد كافة الجرائم الحقيقية للقوى السائدة.
للفلسفة أهمّية ،بكلمات أخرى ، لها أهمّية فى ما تفعلون.
حسنا ، الشيوعية كذلك تتبنّى فلسفة. و فى موقع القلب من الخلاصة الجديدة يوجد عمل بوب آفاكيان للتساؤل النقدي أو التحليل لأسس الشيوعية ووضع هذه الأسس لفهم كيف أن ذلك كذلك ، سيتعيّن علينا معالجة بعض المفاهيم المعقّدة جدّا. و بعض هذه المفاهيم فى البداية ستكون معقّدة و ربّما غير معتاد عليها لكن إبقوا معنا ، فلكل هذا تبعات فى منتهى الأهمّية بالنسبة ل"العالم الحقيقي" و أرجو أن تصبح الأمور واضحة.

إختراقات ماركس:
كان كارل ماركس و فريديريك إنجلز طالبان يدرسان المنهج الجدلي الذى طوّره الفيلسوف الأماني هيغل الذى أدرك أن كلّ شيئ فى العالم يتغيّر و يتطوّر بإستمرار. و هذا التطوّر مردّه إلى القوى المتنازعة التى تتواجه و تتصارع داخل كل ظاهرة و سيرورة . حتى عندما يظهر شيئ ما على أنه مستقرّ نسبيا... فإن الصراع و التغيّر و التطوّر لا يحدثون داخله فقط بل يعطونه طابعه بالذات.و هيغل تقدّم بأنه عبر صراع الأضداد يمكن أن يمسي أحد المظهرين مهيمنا ، و النتيجة قفزة نحو شيئ جديد جوهريا.
لنأخذ مثالا، لم يكن بالمناسبة بإمكان هيغل معرفته .فالشمس تبدو فى شكل كرة صلبة حمراء حارة، و فى الواقع ، هي مجموعة من الإنفجارات الحرارية النووية المتواصلة التى تحوّل الهدروجان على سطح الشمس إلى هيليوم بما يشعّ حرارة و ضوءا. و شمسنا ستشهد مراحلا من التطوّر ، مغيّرة تكوينها و حجمها و كمّية الحرارة و الضوء اللذان تفرزهما ، إلى أن تموت كما هو محتمل و تغدو غذاءا لنجوم جديدة. إنّه مثال للوحدة و الصراع و تغيّر الأضداد بما يفرز شيئا جديدا.
غير أن هيغل حدّد مصدر كلّ التطوّر فى مجال الأفكار السابق الوجود و هذه الأفكار تظهر تاليا فى العالم المادي. بهذا المعنى ، كان هيغل مثاليا فلسفيا. و الآن ، للمثالية فى الحقل الفلسفي معنى مختلفا عن المعنى فى حياتنا اليومية . فى حياتنا اليومية ، عادة ما تعنى المثالية أن الإنسان يهتمّ بأكثر من نفسه. لكن فى حقل الفلسفة ، المثالية تحيل على مفهوم أن الأفكار تأتى قبل العالم المادي ، أو توجد فى مجال أرقى مستقلّ عن هذا العالم.
لنأخذ الدين. "فى البدء كانت الكلمة" ،أو " كلّ شيئ يسيطر عليه و يخلقه إلاه يوجد فى مجال مختلف و غير مادي" أو " كلّ عذابي هو فعلا جزء من ما قدّره لى الإلاه" – هذه جميعها تشكّل الفلسفة المثالية. أو لنأخذ كتاب "السرّ" الذى يقول إنّكم تخلقون عالمكم بأفكاركم. مجدّدا هذه مثالية ذلك أنّ فى الواقع ، تفكيركم يتطوّر فى علاقة و فى إطار المجتمع المعين الذى فيه ولدتم و موقعكم فى ذلك المجتمع، و "الخيارات" التى يقدّمها إليك.
فى تعارض مع المثالية توجد المادية. و من جديد ، يختلف الإستعمال الفلسفي اليومي لتلك الكلمة . اليوم حين يتحدّث غالبية الناس عن المادية يقصدون شيئا مثل الإستهلاكية...حبّ المادة/المال لكن فى حقل الفلسفة ،تقف المادية من أجل نظرة تبحث عن أسباب الظاهرة ، بما فيها أفكارنا ، فى الديناميكية الحقيقية للعالم المادي. والوعي خاصيّة شكل معيّن من المادة المفكّرة ، أي البشر.
طوال زمن ماركس ، كانت المادية السائدة ميكانيكية أي أن ماديي ذلك الزمن إستوعبوا أنه يمكن معرفة قوانين العالم الفيزيائي ، إلاّ أنهم كانوا ينزعون إلى رؤية هذه القوانين كشيئ مستقرّ و شبيه بالميكانيكا ، نوع من العالم الذى يعمل مثل الساعة. إستطاعوا أن يروا الأرض تدور حول الشمس و قوانين الجاذبية التى وفقها تعمل ،و الطرق التى بها كانت تستطيع مواصلة الحركة ، غير أنهم لم يدركوا الطريقة التى بها الشمس ذاتها ظهرت و التطوّر الذى شهدته و كيف ستموت و من ثمّة كانت وجهات نظرهم محدودة و إنعكس ذلك فى فلسفتهم . ببساطة لم يستطيعوا إدراك كيف أن التغيير النوعي ، نشوء الأشياء الجديدة كليا، أو" الطفرات" ،يمكن أن تنجم عن الأسباب المادية.
أخذ ماركس و إنجلز الفكرة اللامعة العظيمة للجدلية من هيغل ، فكرة أن كلّ شيئ يتغيّر بفعل صراع قوى الأضداد ،و خلّصاها من مثاليته ، و تبنيا الفهم المادي بأن الواقع يوجد بإستقلالية عن و قبل كلّ فكر و خلصاه من المادية ذات الطابع الميكانيكي. فكانت الخلاصة المادية الجدلية : فهم أنّ كلّ شيئ فى العالم يشهد تغييرا و تطورا مستمرين بفعل القوى المتضادة صلبه و انّ الفكر الإنساني ذاته إفراز و إنعكاس لهذه السيرورة ، و يتفاعل معها.
وضع دراسة المجتمع على أساس علمي :
و طبّقا ذلك على وضع دراسة المجتمع الإنساني على أساس علمي و طوّرا المادية التاريخية. فقد حلّلا قبل كل شيئ كونه يترتب على الناس أن ينتجوا ضروريات الحياة ، و أنه عليهم أن يدخلوا فى علاقات مع بعضهم البعض لإنتاج ذلك – أي فى علاقات إنتاج.
و تتناسب علاقات الإنتاج هذه تقريبا مع مستوى معيّن من قوى الإنتاج، أي من التقنية و المصادر و معرفة الناس فى أي مجتمع معيّن و زمن معيّن. فى النظام العبودي ، جرى الإنتاج عبر علاقات بين الناس فيها كانت طبقة تمتلك تماما طبقة أخرى . و تتناسب عموما علاقات الإنتاج هذه خلال العبودية مع فلاحة واسعة النطاق بأدوات بدائية للغاية.
فى الرأسمالية ، يتمّ الإنتاج عبر العلاقات بين الناس حيث طبقة هي الرأسماليون تمتلك المصانع و المخازن و ما إلى ذلك و حيث الطبقة الرئيسية الأخرى أي العمّال أو البروليتاريون لا يملكون شيئا سوى قدرتهم على العمل، و عليهم بيع تلك القدرة لأجل البقاء على قيد الحياة. الرأسماليون لا يمتلكون العمال كلّيا ، لكن عوض ذلك يدفعون لهم أجورا حينما يستطيعون الإستفادة منهم و يطردونهم حينما لا يستطيعون مثلما نري ذلك من حولنا الآن ، بالمناسبة. و تتناسب علاقات الإنتاج هذه مع وجود واسع النطاق لوسائل إنتاج تتطلّب تعاون الناس للقيام بالعمل ، عندما يذهب الناس لمصنع لصناعة الحديد و الجرارات ، عليهم العمل بصفة مشتركة للقيام بذلك.
كل من الرأسمالية و العبودية نظامان إستغلاليان ، لكن علاقات الإنتاج مختلفة. لذا للمجتمعات المختلفة نوعيا علاقات إنتاج مختلفة. و أبعد من ذلك ، تنشأ علاقات الإنتاج المختلفة نوعيا حكومات نوعيا و مفاهيم مختلفة عن الحقوق و الواجبات و الأخلاق المختلفة.
مثلا كُتبت التوراة ، بما فى ذلك العهد الجديد ، خلال عهد كان فيه جزء هام من الإنتاج ينجز عبر علاقات العبودية . لهذا لا وجود بأي معنى فى أي مكان من الإنجيل بأن العبودية جريمة ضد الإنسانية، بإستثناء حصولها للإسرائيليين فى "العهد القديم "من قبل غير اليهود. و هكذا إستعمل الإنجيل ببساطة من طرف سادة العبيد فى الجنوب القديم لتبرير العبودية .
و اليوم ، و الحال أنّ العبودية لم تعد تتناسب مع مصالح الطبقة السائدة ، فإن الرأي العام السياسي و الثقافي يجدها فظيعة. لكن إستغلال العمال من قبل الرأسماليين و طرد هؤلاء العمال عندما لم يعودوا مصدر إستغلال مربح، ينظر إليه فقط
ك " هذا حال الأشياء و هذه طبيعة الإنسان" ، بالضبط مثلما كانت العبودية. مثل العاملين على إلغاء العبودية قبل الحرب الأهلية الأمريكية ، لكن على أساس أكثر علمية ، نحتاج إلى فضح أن هذه ليست طبيعة الإنسان مثلما لم تكن كذلك فى العبودية ، لكن ببساطة هي نتيجة العلاقات الرأسمالية و علينا أن نتقدّم بأخلاقنا المختلفة و المعارضة لذلك، القائمة على جملة مختلفة من علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية.
لنعتمد مقاربة علمية ، مادية تاريخية للحال التى بدأت بها الخطاب، ما الذى قاد إلى تعنيف بيكو أدواردس و الطلبة الآخرين؟ هل كان " تصرّفا غير قانوني" ليس لسبب وجيه ؟ حسنا ، يجب أن تنظروا إلى الإطار الإجتماعي الشامل و التاريخ الأوسع و الأشمل لما قاد لذلك الحدث. عليكم التساؤل : كيف إنعكست علاقات الإنتاج فى المجتمع- و مختلف الطرق التى أجبر السود من خلالها على إيجاد علاقتهم بها ، عبر التاريخ، على هذا ؟ عليكم أن تحلّلوا علميا ما الذى حوّل الأمريكان ذوى الجذور الأفريقية إلى أوّلا عبيد ، مختطفين و منزوعين من منازلهم و مجلوبين إلى هنا مقيدين بالسلاسل ليشيّدوا الثروة العظيمة لهذه البلاد و ثمّ إلى مزارعين محصورين فى المزارع بعد الحرب الأهلية و ثمّ قيدوا و سحبوا إلى المدن بالأساس كعمّال فى أكبر الأعمال إستغلالا و إضطهادا...و الآن إلى وضع حيث غالبية الأمريكان من جذور إفريقية هم سواء عبيد مأجورين أو يعاملون كفائض بشر- و فى حال شباب السود مثل بيكو إدواردس يعاملون كمجرمين ( و مرّة أخرى مقتبسين من" النيويورك تايمز "، يوجد1 من 9 شبان سود فى السجن ما يمثّل أعلى نسبة مسجونين فى العالم) (1).
عليكم تحليل المؤسسات و الأفكار التى ظهرت و تركّزت و جرى تشجيعها فى كلّ فترة من هذه الفترات. عليكم أن تحلّلوا كيف أنّ تفوّق البيض شهد تغيرات ، لكنه يظلّ قويا للغاية عبر كافة المؤسسات فى المجتمع. عليكم أن تنظروا إلى كلّ هذا فى علاقة بكلّ الظواهر الهامة الأخرى فى المجتمع. و ثمّ على أساس كلّ ذلك يمكنكم أن تشرعوا فى تحليل علمي من أين أتى و يأتى هذا الإضطهاد و ما الذى يجب أن تفعلونه للتخلّص منه. لذا هذا مثال للمقاربة المادية التاريخية.

تجاوز النواقص :
من الصعب التشديد على أهمّية إكتشاف ماركس و مساهماته عامة فى الفكر الإنساني و تحرير الإنسانية. لقد صاغ سوية مع إنجلز القاعدة النظرية فعبّدا الطريق .
لكن وجدت، و هذا ليس أمرا عجيبا، نواقص فى طريقة ماركس و إنجلز مع ذلك و إمتزجت هذه المشاكل مع هنات منهجية جدّية لدى ستالين الذى قاد الإتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية لتقريبا ثلاثين سنة بعد وفاة لينين. و الأسوأ هو أن هذه الأخطاء جاءت فى وقت كانت هناك حاجة ماسة للتقدّم فى الفهم. لقد ناضل ماو ، قائد الثورة الصينية، ضد هذا المشكل، غير أنه هو ذاته كان يصارع ضد إطار موروث و لم يكن حرّا من تأثيره. و كانت لهذه النواقص تبعات.
الآن ، حدّد بوب آفاكيان و بعمق نقد الهنات من أربع أبعاد فى الفلسفة الشيوعية. وهي تخصّ أوّلا ، قطيعة أتمّ مع مثالية ، و حتى تقريبا دينية، أشكال التفكير التى وجدت طريقها إلى تأسيس الماركسية و لم يقع القطع معها، و ثانيا، فهم نوعي و أبعد و أعمق للطرق التى بها تتداخل المادة و الوعي و تتحوّل الواحدة إلى الأخرى ، ثالثا ، نقد طيف من المشاكل المرتبطة بالبراغماتية و التيارات الفلسفية المرتبطة بها و رابعا ، إبستيمولوجيا أو طريقة بلوغ الحقيقة مختلفة. و فى القيام بهذا ، وضع الماركسية على قاعدة أكثر علمية.
بداية ، حفر آفاكيان و نقد و قطع مع بعض النزعات المشابهة للدين الثانوية لكن مع ذلك الهامة ، التى وجدت سابقا داخل الحركة الشيوعية و النظرية الشيوعية ، نزعات رؤية بلوغ الشيوعية ك " حتمية تاريخية " و النظرة المرتبطة بالشيوعية كأنها تقريبا جنّة ، نوع من " مملكة التناغم الكبير" ، دون تناقضات و صراعات ضمن الناس. لكن الشيوعية ليست حتمية . لا وجود لتاريخ "يشبه الإلاه" ب حرف "ت" كبير يدفع الأمور نحو الشيوعية . و بينما سوف تضع الشيوعية نهاية للعدائية و النزعات العنيفة بين البشر ، ستتميّز بعدُ بالتناقضات و النقاشات و الصراعات التى ستخاض دون نزاع عنيف وهي ستكون فعلا أمرا جيدا جدّا، بما أنّ هذا سيساهم بإستمرار فى تحقيق مزيد فهم و مزيد تقدّم تحويل الواقع فى إنسجام مع المصالح الشاملة للإنسانية.
كانت نظرة كون إنتصار الشيوعية "حتمي" و يدفعه التاريخ ب "ت" كبيرة و نزعة رؤية الشيوعية كنوع من الطوباوية دون تناقض و صراع ، بالأحرى بارزة لدى ستالين و لكنها وُجدت فى الماركسية إلى درجة معيّنة بصورة عامة. فى بعض مظاهرها و على درجة معيّنة ، قطع ماو مع هذه الأنواع من النظرات و المناهج ، غير أن المسألة هي أنه وُجد بعدُ ، حتى لدى ماو ، مظهر من "الحتمية " و التيارات المرتبطة بها ، وقام آفاكيان بمزيد القطع مع هذه الطرق فى التفكير ، هذه الطرق التى توحي بعنصر ديني داخل الماركسية ، حتى عندما لم يكن ذلك العنصر أبدا رئيسيا أو محدّدا بالمعنى الخاص بالنظرية الماركسية ذاتها . فى هذا الصدد ( و كذلك بالمعنى العام ) لم يقم آفاكيان بالدفاع عن ماو و لخّص مساهماته فى الثورة و فى النظرية الشيوعية فقط بل أنجز القطيعة التى مثلها ماو مع ستالين ، و على ذلك الأساس قام آفاكيان الآن ببعض القطيعة مع بعض الفهم لدى ماو أيضا.
قول إنّ الشيوعية ليست حتمية لايساوى قول إن التاريخ هو ببساطة خليط . بالفعل ، ثمّة منطق تاريخي ، كما وضعه ماركس ، إعتمادا على أنّ القوى الناتجة ( مرّة أخرى الأرض و التقنية و الموارد و الناس بمعارفهم) تورّث من جيل إلى آخر وهي تتطوّر بإستمرار ،و أنّه عندما تصبح العلاقات التى يدخل فيها الناس لإنجاز الإنتاج معرقلة لمزيد تطوّر هذه القوى، يحدث تغيّر كبير . و صارت علاقات العبودية الجنوبية ،التى وجدت لعقود مع و غذّت الرأسمالية الشمالية ، بالأساس معرقلة لتوسّع الرأسمالية الشمالية فكانت النتيجة حربا أهلية.
و حدث كما قلت تغييرا كبيرا.
الآن حلّ هذا حلاّ إيجابيا ، تقدّمنا على طريق الحياة الشيوعية الممكنة حاليا ، أمر غير "مضمون". إنه مرتهن بنا و بما إذا نقوم بالعمل الصعب لتطوير كلّ من فهمنا العلمي للمجتمع و للطبيعة و قدرتنا على إنتزاع حرّية من التحدّيات التى تواجهنا.
مثل الإعتقاد الديني ، يمكن " لضمان الحتمية " أن يواسيكم و يهوّن عليكم ، إلاّ أنه غير صحيح و يذهب ضد مواجهة الواقع كما هو . بالفعل إنه يقيّد تفكيركم فى ما يتعلّق بمختلف الطرق الممكنة للتطوّر الإنساني ، الطرق التى هي عرضة لحواجز فعلية حقا وهي "محدّدة " بهذا المعنى ، لكنها لا تسير بإتجاه محدّد سلفا.
و الشيوعية لن تكون جنّة أو مملكة الإنسجام العظيم ، كما قلت ، شأنها فى ذلك شأن كلّ شيئ آخر، ستتغيّر و تتطوّر عبر فعل تناقضات الصراع ، بإختلاف بالأحرى هائل ألا وهو أن هذا الصراع لن يحدث بعدُ على نحو عنيف، عبر فئات إجتماعية عدائية ،و سيكون الناس ذاتهم قد تجاوزوا التفكير الضيق و العادات الخبيثة التى تفرزه الرأسمالية ، وكذلك البطرياركية و الإضطهاد القومي الذين يعرفون كطبيعة إنسانية .

دور الوعي و قوته الكامنة :
ثانيا ، و فى إرتباط بذلك ، طوّر آفاكيان فهما أعمق للدور و القوة الممكنين للوعي . ولنعبر عن ذلك على النحو التالي : بقدرما تقومون علميا وتفهمون بعمق طابع المجتمع المتناقض المعقّد و المتعدّد المستويات ، بجميع عراقيله و إمكانيات طرقه العديدة بقدر ما تكبر حرية تأثيركم فى الوضع إلى حدود هائلة.
قبلا، لم تكن أهمية القاعدة الإقتصادية ( أي علاقات الإنتاج) معروفة فقط بل جرى التشديد عليها أكثر من اللازم. فكانت هذه نزعة نحو الإختزالية ،أي تقليص ظاهرة معقّدة إلى سبب وحيد ضروري ، مستبعدين سيرورات لها عدّة مستويات بطريقة لا تتناسب و تحرف الواقع فعلا. نعم ، المؤسسات السياسية و الأفكار و أخلاق المجتمع ، بكلمات أخرى ،البناء الفوقي للمجتمع ، تنشأ فى آخر المطاف عن علاقاته الإجتماعية ، وهذه فكرة لامعة أساسية من أفكار ماركس .
بيد أنّه لهذه المؤسسات و أفكار البنية الفوقية حياة خاصّة نسبيا ، إضافة إلى أنها تعمل و تاثّر فى بعضها البعض ،على كثير من المستويات المتنوعة و المتداخلة. غير ممكن فقط تقليصها تقليصا مسطّحا إلى أنها نتائج مباشرة خطيّا لعلاقات الإنتاج و العلاقات الطبقية . لنأخذ مثالا . عنصرية البيض ، فكرة أن هناك "عنصر" من الناس مختلف و أنّ السود عنصر أدنى خدعة يدّعى أنها علمية أو محض كذب ، ظهرت فى بداية القرن 19. نشأت و تعزّزت بالعلاقات العبودية و بخاصة الطبقة مالكة العبيد. لكن تأثير هذه الفكرة إتسع أكثر من ذلك ، متحوّلة إلى تفريخ مفاهيم ما يعنيه أن يكون المرء أمريكيا و ما تعنيه الديمقراطية ، وهي نقطة تعمّق فيها آفاكيان كثيرا فى خطابه حول "ديمقراطية جيفرسون"(2) و أخذت تلك الفكرة تتطوّر بذاتها و تأثّر على تفكير الجميع ،و علينا النضال ضدّها بالذات فى المجتمع الإشتراكي ،حتى و إن يتمّ حفر جذورها حاليا.
بينما قام لينين و خاصة ماو بمساهمات هامة فى فهم أصحّ و أكثر جدلية لكيفية فهم " سير" هذه العلاقة بين القاعدة و البنية الفوقية ، فإنهما لم يدركا تماما مدى و سلاسة هذه الإستقلالية النسبية بالعمق الكافى أو بطريقة منضّدة بما فيه الكفاية .
القطع مع النزعات البراغماتية :
ثالثا، وجدت كذلك نزعات و مشاكل فلسفية سلبية أخرى فى المنهج و العديد منها مرتبطة بالبراغماتية وهي فلسفة كما قلت سابقا ، تعارض البحث فى الواقع الأعمق بإسم " ما ينجح " وهي كذلك تحافظ على تلك الأفكار على أنها حقيقة طالما أنها مفيدة. و هذه النقطة الأخيرة تثير سؤال " مفيدة لماذا؟ ". و أهمّ ،عمليا تنكر المعيار الواقعي للحقيقة – ما إذا كانت الفكرة تناسب الواقع. فكرة أنّ صدّام حسين يملك أسلحة دمار شامل كانت مفيدة لبوش لكن ذلك لم يجعل منها حقيقة.
و أثّرت هذه النزعات الفلسفية الخاطئة ،خاصة لدى ستالين، على الحركة الشيوعية و حتى تسربت إلى نسيجها. هنا سأسألكم أن تركّزوا معى و أنا أحاول أن أشرح و تذكّروا أن لهذا إنعكاسات جدّية . إنها تشمل الذرائعية التى تحيل على إستعمال النظرية كأداة لتبرير بعض الأهداف القصيرة المدى أكثر منها وسيلة للبحث عن الحقيقة، التجريبية ،وهي تقيّم الحقيقة على اساس التجربة العينية المباشرة فى إطار ضيّق، و الماقبلية التى تعنى فرض المفاهيم على العالم عوض إستخلاصها من العالم ذاته ،فى تفاعل معقّد بين الممارسة و النظرية، و الإيجابية وهي طريقة تنزع نحو تحديد و تقليص العالم إلى وصف و تصنيف الملاحظات ، مركّزة على معيار القياس الكمّي و التنبؤ.
لدقيقة . -positivism لنركّز على الإيجابية -
وجهة النظر هذه تنكر و تعتبر دون معنى تحليل المستويات الأعمق للديناميكية و التوجّه. بسبب ذلك ، تنحو إلى عزل الظاهرة عن الأطر الأوسع و المستويات المختلفة و كذلك تسعى لتقليص الأشياء و السيرورات إلى سبب وحيد بسيط.
و بالتالى تنحو إلى إنكار أو نفي الطرق التى يمكن فيها للنظرية و يجب أن " تفرزها " الممارسة ، الطرق التى يمكن عبر التحليل العميق للتجربة أن توفّر لنا أفكارا أعمق عن الديناميكية و التوجهات الكامنة ( أو الممكنة) داخل الواقع و أن تفتح طرقا جديدة لتغيير ذلك الواقع. دون نظرية "طليعية " سيكون الناس غير قادرين على فهم أي شيئ مغاير نوعيا عن ما هو معلوم بعدُ ، دون نظرية طليعية ، كيف إستطاع ماركس و إنجلز أن يكتبا "بيان الحزب الشيوعي " ؟
دعوني أقدّم نوعا من المثال البارز لإعطاء معنى لإنعكاسات هذه المقاربات المنهجية الخاطئة. و هذا المثال يتّصل بعالم جيني إسمه ليسنكو فى الإتحاد السوفياتي خلال بدايات الثلاثينات. شدّد ليسنكو على أن الميزات المكتسبة يمكن أن تورّث بكلمات أخرى ، إذا كنت فعلا نحيلا لكنك صرت بدينا بزيادة الوزن و المنشّطات ، فإن أطفالك سيرثون هذا النوع من الجسد . حسنا ، هذه النظرة خاطئة فعلا . لكن لأنّ لليسنكو برنامج كامل عن كيفية الحصول على الكثير من القمع بسرعة كبيرة فى بلد كان عرضة للمجاعة و لأنه حقّق بعض النجاح على المدى القصير فى هذا بالقيام ببعض الطعوم ، أعلنت أن ذلك صحيحا.
لننظر فى هذا عن كثب. هناك براغماتية –حكم أن فكرة حقيقة بالإعتماد على " أنها تعمل" لهدف أو آخر قصير المدى.
و هناك تجريبية – حكم أن فكرة حقيقة فقط بمجموعة ضيقة من التجارب الملموسة . عوض ذلك ، عليكم أن تضعوا ما تقومون به و ما تتعلمونه فى إطار ما نعرفه فى أي وقت على أنه حقيقة- صورتنا الممكنة الأتمّ و الأحدّ ، أو النموذج ،الواقع الموضوعي.ثمّ عليكم أن تربطوها كذلك بالأدلّة الفاعلة المتوفرة من مصادر أخرى. كيف إرتبطت نظرية ليسنكو بما عرفنا أنه حقيقة ، بما فى ذلك نظرية داروين ، و بعض الأعمال المختلفة المقامة للتدليل عليها؟ لو وجدت تناقضات بين نتائج ليسنكو و ما يمكن أن يكون متوقعا من قبل نظرية داروين، كيف نفهم هذه التناقضات؟
لكنهم لم يتصرفوا على هذا النحو . و كانت النتائج كارثية، ليس فقط على علماء الجينات الذين مُنعوا حقّ العمل و قمعوا حتى بأكثر قساوة فى بعض الحالات لأنهم لو يوافقوا على ذلك ، و ليس فقط بالنسبة للطرق التى علّموها للناس و مقاربتهم و تقييمهم للأفكار فى كافة المجالات.
و الآن لنضرب مثالا من الماقبلية و كذلك التجريبية . كانت لستالين فكرة مسبّقة عن كون حين تكون الفلاحة قد تمّت مكننتها و حين يكون الإنتاج فى الأساس قد وُضع ضمن الملكية الإشتراكية فى الثلاثينات ، لن توجد بعدُ طبقات متعادية فى المجتمع السوفياتي. بيد أن الصراع مع ذلك تواصل. و بما أن " نموذج " ستالين الماقبلي للمجتمع الإشتراكي دون طبقات متعادية لم يكن ليستطيع إدراك هذا ، قاده الأمر إلى إستخلاص أن كلّ معارضة يجب أن تكون بفعل عملاء الإمبريالية. و كانت النتائج خطيرة ، من زوايا شتّى.
الآن ، لاحقا و بصورة مهمّة جرى نقد هذا و معارضته من قبل ماو و إحدى مساهمات ماو العظيمة تتعلّق بتواصل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية و كجزء من هذا نقد قدرا هاما من نزعات ستالين الفلسفية نحو الإستهانة و عدم الإقرار بالتناقض. لكن هذه النزعات من الإيجابية و الذرائعية و ما إلى ذلك تسببت فى خسائر فادحة و لم يقع التعرف عليها تمام التعرّف بإعتبارها كذلك و القطع المنظم معها قبل آفاكيان.
تقدّم آفاكيان الراديكالي فى الإبستيمولوجيا :
و فى الأخير و فى منتهى الأهمية ، نقد بوب آفاكيان و قطع مع النظرات الإبستيمولوجية السائدة لمدّة طويلة فى الحركة الشيوعية. و الإبستيمولوجيا تعود على نظرية المعرفة أي كيف نصل إلى فهم الحقيقة. و تشمل هذه النظرات الإبستيمولوجية الخاطئة فكرة أن " للحقيقة طابع طبقي" . فى الواقع ، الحقيقة هي بالضبط الحقيقة و الكلام الفارغ هو بالضبط الكلام الفارغ بغضّ النظر عن من يقوله. و الآن يجب على المادية و الجدلية كمنهج شامل أن يخولا لكم الوصول إلى الحقيقة بصفة أفضل، إذا كنتم صريحين فى تطبيقهما على الواقع لكن مهما كانت الفكرة التى تخرجون بها يتعين الحكم عليها بكونها حقيقة أو لا بالإعتماد على أساس ما إذا كانت تتطابق جوهريا و الواقع و ليس كيف توصلتم إليها.
فى الواقع ، الناس الذين لا يستعملون هذا المنهج و يمقتونه فعلا ، يمكن أن يكتشفوا حقائقا هامة. لا وجود لحقائق منفصلة خاصة بمختلف الطبقات و لا وجود ل" هذا شيئ بروليتاري ..و لن تفهموه". هناك واقع واحد. و لأن البروليتاريا كطبقة لا تحتاج لتغطية الطابع الجوهري للمجتمع الإنساني ، فإن المادية الجدلية و التاريخية تتناسب مع مصالحها الجوهرية ، لكن تقليص هذه النقطة الشاملة إلى " للحقيقة طابع طبقي" يمكن أن يقود إلى رفض تعلّم أي شيئ من المفكّرين البرجوازيين أو حتى المفكرين الذين ليسوا برجوازيين و لا هم ضمن إطار ماركسي. و يمكن حتى أن تقود إلى التفكير فى أنه ببساطة لأن الإنسان من البروليتاريا له نوع من الإمتلاك الخاص للحقيقة.
هنا أيضا علينا أن نتعلّم من التجربة السلبية لليسنكو . كان يُعتقد أنه نظرا لأن ليسنكو أصوله الطبقية من الجماهير الكادحة و نظرا لأنه يدعم السلطة السوفياتية ... و نظرا لأن الذين عارضوه إلى حدّ بعيد أصلهم من ما كانت طبقات ذات إمتيازات فى المجتمع القديم و لا يساندون السلطة السوفياتية...حسنا ، كان كلّ هذا ببساطة و مزيدا من الدلائل على صحّة نظريات ليسنكو. بيد أنه لا علاقة للأصل الطبقي أو يجب أن تكون له علاقة بتقييم ما إذا كانت أفكارهم صحيحة أم خاطئة.
و ليس صحيحا أنّ الأفكار محدّدة بما إذا كانت "مفيدة " بالمعنى الفوري. و قادت هذه المقاربة البراغماتية إلى التعامى
و إلى " التسريع" أو حتى حرف الواقع وفى حال ليسنكو ، مرّة أخرى، إعتبرت نظريته حقيقة لأنها كانت تبدو مفيدة فورا.
الآن ، ليست مسألة "البحث عن الحقيقة " منفصلة عن الصراع من أجل تغيير العالم. و لا هو "الحقيقة ستجعلك حرّا " إذ هي لن تفعل دون صراع. لكن إذا لم تفهم بصورة سليمة تقريبا العالم ، إذا لم تعرف ما هي الحقيقة ،لن تصبح كذلك حرّا. سوف تقوم بأشياء لا تتطابق مع الديناميكية و التناقضات الفعلية للواقع و لن تستطيع أن تغيّر ذلك الواقع، على الأقلّ ليس فى إتجاه سيجعلك أقرب إلى الثورة و الشيوعية.
هناك غنى هائل فى هذه السيرورة . لا يمكن للأفكار اللامعة لماركس و حتى تلك المعادية للشيوعية لا أن تُستبعد و لا ببساطة أن تتبنى جميعها ، يجب أن يتمّ تمحيصها نقديا و أن تلخّص عادة و أن يعاد سبكها ،لكن إذا قطعت نفسك عن هذا ،وهو ما صار " تقليدا " فى الحركة الشيوعية، كيف يمكنك أن ترجو أن تملك معنى للعالم حيث نعيش وهو فى تغيير مستمرّ و يولّد أشياء جديدة و غير مسبوقة ؟ فعلا ، تحتاجون إلى صراع الأفكار ، تحتاجون إلى النقاش و الجدال و الخميرة و إلى أناس يتبعون طرقا يمكن على ما يبدو الاّ " تساهم فى الأشياء " و يمكن، من جهة أخرى، أن تثمر أفكارا لامعة جديدة . فى الواقع ، تعيق نظرة أن " للحقيقة طابع طبقي" هذه السيرورة الحيوية الضرورية و تحرفها .
ولنكن صريحين هنا . هناك حقائق ، على المدى القصير و بالمعنى المباشر الخطّي، تذهب ضد النضال من أجل الشيوعية لكنها حين توضع فى إطار أوسع و بالمنهج والمقاربة التى يقدّمهما آفاكيان ، تساهم عمليا فى ذلك الصراع. و يشمل هذا
" الحقائق التى تجعلنا نخجل " وهي حقائق حول المظاهر السلبية لتجربة الحركة الشيوعية العالمية، و المجتمعات الإشتراكية التى قادها الشيوعيون و لكن كذلك بصورة أعمّ ،الحقائق المكتشفة التى تبيّن الحقيقة ، فى بعض جوانبها، مغايرة لما كان يفهمه الشيوعيون سابقا، أو الناس بصورة أعمّ.
فى علاقة بأهمّية " الحقائق التى تجعلنا نخجل" تجدر بنا العودة إلى ليسنكو للمرّة الأخيرة. على نحو تقليدي ، يشير المعادون للشيوعية إلى قصة ليسنكو كدليل على أن الشيوعية تنزع إلى تشويه الحقيقة... و إلى قمع المثقفين. و ينأى بعض الشيوعيين بأنفسهم عن حادثة ليسنكو بطريقة سهلة ،و البعض ببساطة يتجاهلونها ، لكن فى الأساس لا يريدون حقّا "الذهاب إلى هناك " من وجهة نظر كيف انّ الشيوعيين يطبقون بصورة صحيحة الماركسية ليقودوا كلّ مجالات المجتمع الجديد. و بالعكس ، يؤكّد آفاكيان على المواجهة التامة لهذه التجربة ، عائدا إليها فى عديد الأعمال المختلفة و مستخلصا الدروس الأعمق: ما كانت الأفكار الخاطئة فى المنهج و النظرة اللذان قادا إلى ذلك ...و ما كان الإطار الذى دفع نحو ذلك... و ما الذى على الشيوعيين القيام به للقطع مع هذا النوع من النظرة و على مستوى أعمق ، هذا النوع من الممارسة لكي يستطيعوا حقّا المضيّ بالعالم إلى مكان أفضل.
مجدّدا لأنّ المسألة هنا ليست "البحث عن الحقيقة " لكن القيام بذلك على قاعدة نظرة و منهج مادي جدلي ، علمي محكم الإدارك الصحيح للعلاقة بين هذا و الصراع من أجل الثورة و فى النهاية الشيوعية- و الحصول على الغنى التام لما يعنيه هذا . الإقرار بأهمية البحث عن الحقيقة بهذه الطريقة و التأكيد عليه، دون عرقلة الإعتبارات الضيقة البراغماتية و الذرائعية لما يبدو أكثر مواتاة وقتئذ أو ما يبدو متماشيا أكثر مع أهداف شيوعية خاصّة مباشرة و فورية...البحث عن الحقيقة بتطبيق النظرة و المنهج العلميين للمادية الجدلية بالطريقة الأشمل و الأكثر صراحة بغاية مواجهة الواقع كما هو فعلا و على ذلك الأساس ، تغييره على نحو ثوري بإتجاه الهدف الشيوعي. هذا أمر جديد راديكاليا و يمثّل جزءا مفتاحا فى غنى الخلاصة الجديدة التى تقدّم بها بوب آفاكيان . هذا هو المعنى التام لما ركّز فى موقف أن "كلّ ما هو فعلا حقيقي جيد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعدنا على الوصول إلى الشيوعية ".
بإمكانكم مقارنة هذا الموقف ب " كلّ ما هو فى مصلحة البروليتاريا سيساعدنا على بلوغ الشيوعية حقيقي" و هذه النظرة الأخيرة بمضمونها و مقاربتها البراغماتية الذرائعية قد تغلغلت إلى درجة كبيرة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و بالفعل هي نقيض ما رُكّز فى موقف بوب آفاكيان أعلاه. و هذا جزء مفتاح من القطيعة الراديكالية التى يجسّدها هذا المنهج و هذه المقاربة و الغناء الإبستيمولوجي الذى تقدّم به و لنضاله من أجل أن يتبناه الشيوعيون.
فى النصف الساعة الأخير ، إستطعت فقط أن ألمس بالكاد الأساس الفلسفي و المنهجي النقدي لهذه الخلاصة الجديدة.
و لمزيد التوغّل فى هذا ، سأحيلكم على كتابي " ملاحظات..." و " الماركسية و نداء المستقبل" (3) لكن الآن اودّ أن أنتقل إلى الإنعكاسات السياسية لكلّ هذا .
الهوامش
1- " الولايات المتحدة تسجن واحد من مائة من الكهول حسب تقرير" آدام ليبتاك، نيويورك تايمز، 29/ 02/2008.
2- التسجيل الصوتي لخطاب "الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون" متوفّر على الإنترنت...
3- بوب آفاكيان "ملاحظات حول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة" (شيكاغو: إنسايت براس 2005) و بوب آفاكيان و بيل مارتن " الماركسية و نداء المستقبل : أحاديث حول الجماليات و التاريخ و السياسة" ( شيكاغو:أوبن كوربليشنغ ، كاروس بليشينغ ، 2005).
----------------------

/ الخلاصة الجديدة : الإنعكاسات السياسية- البعد الأممي III
هنا سأركّزعلى شيئين إثنين هما الأممية ، و الديمقراطية و الدكتاتورية فى المرحلة الإنتقالية إلى الشيوعية .
و الآن من جديد ،أحتاج أن أعطي خلفية صغيرة . دعا ماركس و إنجلز عمال العالم إلى الوحدة . و الأساس المادي لهذا النداء كان أن الرأسمالية لم تظهر فى عصر الأمم الحديثة و الأمم-الدول فقط بل أوجدت سوقا عالمية ، و أن البروليتاريا كانت طبقة عالمية واحدة و عليها أن تتخطى الإنقسام إلى أمم و كذلك إلى طبقات ،لأجل بلوغ عالم دون تناقضات عدائية بين الشعوب.
فى أواخر القرن التاسع عشر ، صار الرأسمال الإحتكاري مهيمنا على البلدان الرأسمالية المتقدّمة و إندمج الرأسمال البنكي و الرأسمال الصناعي معا فى كتل رأسمالية مالية هائلة، و شرعت هذه الأمم فى تصدير ليس السلع فحسب بل الرأسمال ذاته نحو البلدان الأقلّ تطوّرا. لقد بنوا مصانعا و سككا حديدية فى تلك البلدان و أدخلوها إلى "الحياة المعاصرة " بطريقة جديدة لكن على أساس إضطهاد و تبعية. و إشتدّ التنافس بين القوى العظمى من أجل مجالات التأثير كما إشتدّت العسكرة و الحرب لأسناد ذلك التنافس ،و تواصل كلّ هذا و إحتدّ إلى يومنا هذا ، عبر حربين عالميتين ، أخذت معا حياة أكثر من 60 مليونا! و ثمّ إنتصار الولايات المتحدة فى ما سُمّي الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفياتي . والإنتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى ذو طابع عالمي، لكن الملكية و التصرّف و تنظيم رأس المال لا تزال كلّها متجذّرة فى أمم مضطهِدة و مضطهَدَة.
لا تقوم الأمم المضطهِدة مثل الولايات المتحدة بمجرّد نهب الأمم المضطهَدة مثل المكسيك. إنّما إقتصاد الأمّة المضطهَدَة برمته مندمج بشدّة بسيرورة المراكمة الإمبريالية على أساس تبعي مشوّه و مفكّك خدمة لهذه السيرورة . و تجد الأزمات الآن تعبيراتها كنزاعات جغراسياسية حادة حول إعادة تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية وهي نزاعات يمكن أن تندلع و قد إندلعت أحيانا لتتحوّل إلى عواصف نارية فظيعة مثلما حصل خلال الحربين العالميتين. و تخلّلت هذه الحروب فرصا متصاعدة للثورة... مع ذلك لو كنتم تجريبيين أو إيجابيين ، كان الأمر سيبدو على العكس ، و عند إندلاع الحرب العالمية الأولى، مثلا ، فى واقع الأمر كافة الحركة الإشتراكية العالمية الأولى ، بإستثناء ملحوظ للبلاشفة بقيادة لينين و قوى أخرى قليلة ، إنهارت و إرتدّت.
و فى نفس الوقف ، لعبت هذه الحروب دور " الأزمات الكلاسيكية " فى ظلّ الرأسمالية أي كسر الإطار القديم لمراكمة رأس المال الذى صار معرقلا للغاية و إقامة إطار جديد. لقد قاد آفاكيان تعميق تحليل لينين للإمبريالية و النموذج الذى عرض كذلك قطع مع ما قد أضحى الخطّ المهيمن داخل الحركة الشيوعية ، نظرة أنّ الإمبريالية فى أزمة عامّة و كانت تتجه رأسا نحو الإنهيار . تأسيسا على كلّ هذا ، طوّر آفاكيان مبدأ أن الصراع الطبقي فى كلّ بلد معيّن محدّد أكثر بالمجال العالمي أكثر منه بالتناقضات المتجلّية داخل بلد معيّن ، نوعا ما خارجه أو بإنفصال عن ذلك الإطار. إنّ الوضع الثوري الذى سمح للينين بقيادة البلاشفة لإفتكاك السلطة ، ظهر فى إطار وضع حرب عالمية أثّرت تأثيرا راديكاليا على الوضع فى روسيا و سمحت بإنجاز إختراق ، أممية لينين و إدراكه الأعمق نوعيا للمادية و الجدلية خوّلا له رؤية هذه الإمكانية فى حين ان الجميع فى القيادة ، على الأقلّ فى البداية ، عارضوا فكرة التوجه نحو الثورة. و بصورة مشابهة ، حصلت الثورة الصينية فى إطار عالمي خاص للحرب العالمية الثانية و غزو اليابان.
الآن بإستطاعتكم حرف هذا ليعني أنّكم لا تستطيعون القيام بأي شيئ لو أنّ عالميا " ميزان القوى غير مناسب" . هذا غير صحيح و الثورة حتى المحاولات الثورية ، داخل بلدان معيّنة يمكن أن تأثّر جذريا على ميزان القوى. لكنكم تلعبون فى مجال عالمي و عليكم أن تفهموا الديناميكية على هذا المستوى، "كافة " النظام الإمبريالي أكبر من مجموع الأمم التى تكوّنه منفصلة.
لذا لا يمكنكم فهمه من منطلق " ننطلق من بلدنا أولا " و القيام بهذا بالمناسبة مثال آخر عن الإيجابية. و لا يمكنكم رؤية الأممية كشيئ " توسّعونه " لبلدان أخرى ، نقطة الإنطلاق ينبغى أن تكون العالم بأسره. لا يمثّل الشيوعيون هذه الأمّة أو تلك ، إننا (و من المفروض أن نكون) دعاة إلغاء كافة الأمم ، حتى و نحن نعلم أنه علينا أن "نعمل عبر" عالم ستوجد فيه لفترة طويلة من الزمن فى المستقبل أمم و حتى أمم إشتراكية ، و حيث يجب أن توجد فترة كاملة أوّلا لتحقيق المساواة بين الأمم لأجل تجاوزها. لكن طوال كلّ هذه الفترة ، على الحركة الشيوعية أن تبقى "عينيها على الجائزة " للمجتمع العالمي للإنسانية ، و تربط كلّ ما تقوم به بذلك.
و من السخرية أنه إذا تعاملتم إنطلاقا من " ننطلق من بلدنا أولا "ستفشلون فى المسك بالإمكانيات الواقعية للثورة فى بلد معيّن فيه توجدون بالصدفة. لن تروا كيف أن نهوضا غير منتظر فى هذا الجزء أو ذاك من العالم أو هذا المظهر أو ذاك من النظام ، يمكن أن يوفّر فجوات يمكن إستغلالها. ستكونون ذهنيا منغلقين أيضا إذا جاز القول، فى القومية و لن تروا حتى أساس خوض نضال ناجح من أجل التحرّر الوطني. و هذا الإنغلاق فى الأرض كان جزءا ممّا قاد إلى الفكر المحافظ و حتى أتعس، إلى الإستسلام فى زمن خطر كبير... لكن ، نعم أيضا زمن إمكانيات كبيرة لتقدّم ثوري.
تعزّزت كلّ هذه المقاربة الخاطئة فى إطار وضع فيه وُلد الإتحاد السوفياتي محاصرا بقوى إمبريالية عدوّة تحاول خنقه و قمّة ذلك كانت الهجوم النازي الذى أخذ حياة أكثر من 25 مليون سوفياتي. كان الدفاع عن أوّل دولة إشتراكية ضرورة واقعية. لكن هذا الدفاع وجد فى تناقض مع ،و فى علاقة مع ، ضرورة التقدّم بالثورة فى بلدان أخرى فى نفس الوقت. لإخفاقه فى الإقرار ب أو إنكاره لوجود هذا التناقض ، غالبا ما ضحّى الإتحاد السوفياتي ، أو حاول التضحية ، بالنضال الثوري فى هذه البلدان لصالح الدفاع عنه هو . و إستمرّت هذه النقطة الخفية بصراح لدى ماو. إذا لم تعترفوا بهذا كتناقض و لم تنطلقوا من الواقع الجوهري لكون الإمبريالية قد ادمجت كافة العالم فى وحدة و أنّ السيرورة الثورية سيرورة عالمية مندمجة ،حتى و لمختلف البلدان ثوراتها المنفصلة ،و إن كانت مترابطة ، لن تتوفّر لكم فرصة معالجته.
فى نقده ، كان آفاكيان بعيدا عن البساطة أو الإسكولستيكية. فقد اكّد على تقييم شامل لما كانت الدول الإشتراكية تواجهه فعلا. لكن على هذا الأساس حفر ما كانت تعتقد أنها كانت تقوم به و لماذا ، و قام ببحث نقدي لفهمهم النظري.
و كجزء من هذا ، طوّر آفاكيان مبدأ أنّ البروليتاريا فى السلطة يجب أن " تضع تطوّر الثورة العالمية فوق كلّ إعتبار ، حتى فوق تقدّم الثورة فى بلد معيّن – بناء الإشتراكية قبل كلّ شيئ كقاعدة إرتكاز للثورة العالمية ". و بصفة جدّ هامة ، صاغ أيضا مبدأ أنّ على الثوريين ، فى ذات الوقت، أن يبحثوا عن إحداث أكبر تقدّم ممكن فى بناء حركة ثورية و الإعداد لوضع ثوري فى كلّ البلدان ،بينما كذلك يكونون منتبهين ل "أ وضاع خاصة تصبح عند نقطة معيّنة نقاطا مركزية للتناقضات العالمية و العلاقات الضعيفة الممكنة... و حيث بالتالى يجب أم يركّز عليها إنتباه البروليتاريا العالمية و طاقاتها بصورة خاصّة ". و هنا سأحيلكم على عملين فيهما جرى التعمّق فى الموضوع هما " كسب العالم ؟ واجب و إرادة البروليتاريا العالمية " و " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : مسائل توجّه إستراتيجي" (1).
و أبعد من ذلك ، رفع آفاكيان راية فهم لينين و عمّقه ، هذا الفهم الذى يفيد أن تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية و الأمم المضطهَدَة أفرز داخل القوى الإمبريالية قطاعا من الطبقة العاملة ،و قطاعا حتى أكبر من الطبقة الوسطى ، لا تستفيد فقط ماديا من طفيلية الإمبريالية و نهبها ، لكن أيضا تتماثل سياسيا مع أسيادها الإمبرياليين. و تابع نقطة لينين حول الحاجة من ثمّة على الإرتكاز على تلك القطاعات من الجماهير التى لا تستفيد كثيرا أو هي ، فى كلّ الحالات ، تنزع أكثر إلى معارضة الإمبريالية. وهذا يعنى أنّه من واجب الشيوعيين أن يطمحوا لأن يكونوا غير مرغوب فيهم شعبيا و ان يذهبوا ضد تيار الشوفينية القومية فى البلدان الإمبريالية ،سواء إتخذ ذلك شكل تفشّى خبيث حقيقة للشوفينية الأمريكية القبيحة أو كذلك الشكل المجرم للمشاركة السلبية.
الهوامش
1- "كسب العالم؟ واجب و إرادة البروليتاريا العالمية " نشر فى مجلّة "الثورة" ( ديسمبر 1981) متوفّر على الأنترنت...و " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : مسائل توجه إستراتيجي" نشر فى مجلّة "الثورة " (ربيع 1984) متوفّر على الأنترنت.
--------------------------
/ الخلاصة الجديدة : الإنعكاسات السياسية – الدكتاتورية و الديمقراطية IV
وللخلاصة الجديدة إنعكاسات أيضا فى منتهى الأهمية فى ما يتصل بدكتاتورية البروليتاريا ،التى سمّاها ماركس المرحلة الإنتقالية الضرورية نحو المجتمع الشيوعي. بإختصار ، كيف تحافظ الدولة الإشتراكية على نفسها كسلطة إنتقالية إلى مجتمع شيوعي عالمي دون دول ، و لا تغدو هدفا فى حدّ ذاته ؟ كيف تواصل التقدّم و لا تقع إعادة تركيز الرأسمالية ؟
قضّى آفاكيان أكثر من 30 سنة ملخّصا بعمق تجربة الثورات الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و الصين، بما فى ذلك مفاهيم و فرضيات و مناهج و مقاربات القادة الكبار الذين قادوا تلك الثورات. و هنا كذلك سأعرض بإقتضاب أو أرسم بعض النقاط المفاتيح و أحيل على الأعمال.
فى جزء كبير منه ، ما كتبه آفاكيان فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ينطبق على كافة المرحلة الأولى من الحركة الشيوعية :
فى تاريخ الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي ،كان التوجه الأساسي ،توجه التعامل مع الواقع المادي و ظروف الجماهير الشعبية كأولوية ، كمركز و كأساس ، فى تعارض مع المقاربة البرجوازية لتجاهل ، أو فعلا تعزيز ، الظروف الإضطهادية للجماهير الشعبية ،الغالبية العظمى من الإنسانية. و من الهام جدّا أن نستوعب بصرامة أنه بإسم الفرد و "الحقوق الفردية " يرفع فعلا المدافعون عن هذا الشكل أو الآخر من النظرة البرجوازية ، مصالح طبقة و ديناميكية نظام فيه تحكم تلك الطبقة البرجوازية و حيث جماهير الشعب تحديدا بملايين الأفراد من الطبقات المستغَلّة و المضطهَدة بلا رحمة يتمّ إخضاعها و سحقها و حيث فرديتها و أي مفهوم عن فرديها لا معنى له .(1)
قاد الشيوعيون فى الإتحاد السوفياتي و فى الصين الجماهير لتستعمل سلطتها الثورية لتنجز أشياء مذهلة و غير مسبوقة. لقد جرت مشركة ملكية وسائل الإنتاج و وجهت نحو تلبية المتطلبات المادية للمجتمع و حاجيات الشعب. فى غضون سنوات قليلة، تحوّلت النساء فى تلك البلدان من الأكثر عبودية و قمعا فى العالم إلى الأكثر تحرّرا. و تحوّل الشعب من كونه جوهريا أُمّيا إلى تقريبا متعلّم كلّيا ، و التعليم و الثقافة فتحا أمام الذين أبعدوا عنهما قبلا. على وجه الخصوص ، بذل الإتحاد السوفياتي جهودا عظيمة بإتجاه المساواة داخل ما كان يسمّى بسجن الأمم و الشعوب المضطهَدَة . و شرع فى توفير الرعاية الصحّية للجميع أين قبل الثورة غالبية السكان لو يروا أبدا طبيبا.
لكن لا يمكنكم إبقاء الأمور على حالها هكذا. على ضرورته ليس كافيا أن نقف بصلابة و ندافع – و نعتزّ- بتلك الإنجازات فى وجه السدّ اللا متناهي من الكذب و التشويه. ليس كافيا مجرّد التعمّق فى بدايات هذه الثورات و القوى الخبيثة بلا رحمة التى واجهتها و التى يتعذّر وصفها.

رفع راية المكاسب و الإستماع إلى النقد :
على المرء أيضا أن يستمع إلى و أن يعالج بعمق نقد تلك التجارب من كلّ الجوانب و أن يتساءل : بأيّ ثمن؟ ينبغى على الدولة البروليتارية أن تتمسّك بالسلطة فى وجه مقاومة حياة أو موت من المستغِلِّين المطاح بهم و الهجوم الخبيث
من الخارج ، لكن هل يجب أن يجعل ذلك من الضروري أن نحاصر و حتّى أن نقمع المعارضة و الخميرة و تنوّع الأفكار ووجهات النظر – و منها أفكار ووجهات نظر معارضة للإشتراكية ؟ تواجه السلطة الجديدة مهمّة تاريخية – عالمية فى جلب الجماهير إلى الحياة الفكرية و الفنون و فى رسم ثقافة جديدة تماما و قد أنجزت أشياء مذهلة فى هذا المضمار فى الصين بصفة خاصة، لكن هل يجب أن نقيّد متابعة البحوث و التجارب من قبل أناس تدرّبوا كفنانين و علماء فى المجتمع القديم، أو حتى فى المجتمع الجديد؟ لأوّل مرّة هناك قاعدة و حاجة هائلة لمقاربة مسألة الحرّية كتعهّد إيجابي جماعي ، "كيف سنغيّر العالم و نخدم الشعب " و ليس " أريد أن أمتلك " لكن هل يجب أن يعني ذلك أنه لا حاجة أو دورا إيجابيا صغيرا للفردية و المجال الفردي؟ هناك حاجة " للقيام بالأشياء " لكن هل يرتبط ذلك بكون الدولة البروليتارية شكلا مختلفا راديكاليا من أشكال الدولة ، جالبة بإستمرار الجماهير إلى التوجه العام الفعلي و الإدارة المباشرة للدولة ؟
لا يمكنكم الإجابة على هذه الأسئلة حقا إذا تساهلتم فى الأمر. لتفكّروا لدقيقة فى الحرب الأهلية فى هذه البلاد وفترة إعادة البناء ، بالضبط بعد تحرير العبيد و من المفترض أنهم تحصّلوا على أرض و حقوق سياسية. و الآن لعديد السنوات ، القصّة التى تروى فى المعاهد ،و حتى أكثر فى الثقافة بكلمات مثل ذهب أدراج الرياح وولادة أمّة، أنّ إعادة البناء كانت فترة رهيبة فيها شهد الناس عذابا رهيبا.( بالمناسبة هذا فعلا يجب أن يعطيكم بعض الأفق حول المادة التى ترونها عن الثورات الإشتراكية تقريبا كلّ أسبوع فى قسم مراجعة الكتب ، فى النيويورك تايمز).
ما حدث بالفعل هو أنه من أجل كسر سلطة المزارعين فى الجنوب ، بداية حرم الرأسماليون فى الشمال بعضهم من حقوقهم السياسية لفترة و ساندوا العبيد السابقين فى محاولة الإنتخاب و تولّى وظائف و المطالبة بالأرض. لكن مع إعادة إدماج هؤلاء المزارعين الجنوبيين ضمن الطبقة الحاكمة على أساس تبعي الآن ، و مع شروع تناقضات أخرى فى أماكن أخرى من الولايات المتحدة فى الغليان ، سحب الرأسماليون الشماليون فيالقهم و سمحوا لأعداء الأمس بتنظيم عصابات الكو كلوكس كلان ، لتركيز أنظمة مشابهة للعبودية من العمل الشاق و الزراعة و لمنع جماهير السود من أية حقوق أصلا و لتوطيد هذا عبر القوانين و أيضا عبر القتل دون محاكمات.هذه الطقوس العربيدية من الثأر قلبت إعادة البناء و كانت رسميا مسماة ب "الخلاص" . و كتب التاريخ من طرف المنتصرين إلى أن عاد إليه جيل جديد فى الستينات و كشف الواقع و حقيقة الأمر الموضوعية.
كان التحقيق العملي لأهداف إعادة البناء يتطلّب منع مالكي العبيد السابقين من الحقوق السياسية و تعزيز ذلك. و بصراحة تامة كان سيكون داميا و بعض الناس الأبرياء يمكن أن يكونوا ذاقوا الويلات لكن
كان الأمر يستحق ذلك،
وعدم حصول تقريبا 5000 قتيل دون محاكمة فى فترة ما بعد هزيمة إعادة البناء و تأثيرات ذلك على ملايين السود ؟
كان هو الآخر يستحق ذلك،
و عدم حصول تحطيم الروح التى ذهبت بالنظام العام للتمييز العنصري؟
كان يستحق ذلك،
إيقاف جعل أشياء مثل العمل الشاق و مجموعات السلاسل و المعاهد الرهيبة و كلّ الأشياء الأخرى التى تلتصق بالناس اليوم مؤسسات أحيانا بأشكال مختلفة و أحيانا تقريبا دون تغيير؟
كان يستحق ذلك،
الآن لنرجع إلى صفحة الثورة الشيوعية وهي أكثر صراحة ، و أكثر جوهرية و راديكالية من أي محاولة أبدا لإعادة البناء و التى أتت إلى السلطة فى ظروف أصعب بكثير.
لم تواجه هذه الثورات المستغِلّين المطاح بهم فقط الذين، كما قال لينين مرّة، يمتلكون كلّ معارف التسيير و معنى التأهيل و العلاقات من قبل و الذين جاؤوكم بعشرات أضعاف الخبث و الخداع عندما يخسرون جنتهم ، لكن كذلك القوى الإمبريالية الأعظم و الأقوى عسكريا. لقد خاض السوفيات حربا أهلية من 1918 إلى 1921 كلّفتهم حياة الملايين و حطّمت بالأساس الصناعة القليلة التى لديهم وواجهوا فى تلك الحرب الأهلية تدخل و غزوات من 17 قوّة عسكرية مختلفة و منها الولايات المتحدة. و من جديد ، جاء الغزو النازي ، أقلّ حتى من 20 سنة من كسبهم الحرب الأهلية. و مع ذلك ، حتى و قد تفحّصنا هذا تماما ، علينا أن نخضع للسؤال ما أنجز و أن نحلّل النواقص فى كلّ من الممارسة و النظرية و أن نعدّ أنفسنا حقّا و نعدّ
الجماهير إلى إنجاز ما أفضل فى المرّة القادمة.
القطع بمزيد العمق مع الديمقراطية البرجوازية :
كجزء من إنجاز ما هو أفضل، و حتى لأجل الإجابة عن سؤال "بأي ثمن؟" على القاعدة الصحيحة ، من الضروري القيام بقطيعة صريحة أكثر مع تأثيرات الديمقراطية البرجوازية و كافة مفهوم " الديمقراطية اللاطبقية " فى صفوف الحركة الشيوعية . فى كتابه المَعلَم ، طرح آفاكيان مسألة : الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ و أجاب بتشديد نعم بوسعنا .
و الآن أودّ تناول هذا بإقتضاب فى موقفين قصيرين من آفاكيان عادة ما ننشرهما فى جريدتنا :
الأوّل هو "جوهر ما يوجد فى الولايات المتحدة ليس ديمقراطية و إنما رأسمالية-إمبريالية و هياكل سياسية تعزّز الرأسمالية –الإمبريالية .و ما تنشره الولايات المتحدة عبر العالم ليس الديمقراطية و إنما الإمبريالية و الهياكل السياسية لتعزيز تلك الإمبريالية ".
و الثاني و من زاوية مغايرة ،" فى عالم متميّز بإنقسام طبقي و لامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" ، دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية و أي طبقة تخدم ، لا معنى له ،و أسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لا يمكن أن توجد "ديمقراطية للجميع" ، طبقة أو أخرى ستحكم و ستدافع و تشجع هذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : أي طبقة ستحكم و إذا ما كان حكمها و نظام ديمقراطيتها سيخدم مواصلة ،أو القضاء المحتمل على الإنقسامات الطبقية و العلاقات المتناسبة معها من الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة."
لنتحدّث عن معنى ذلك. ولنبدأ بانه لا يمكنكم أن تستعملوا الدكتاتورية الرأسمالية –الجيوش و السجون و المحاكم و البيروقراطية الذين طوّرهم هذا النظام و شكّلهم لتوطيد و توسيع الإستغلال و الإمبريالية – لا يمكنكم أن تستعملوا تلك الأشياء عينها للقضاء على الإستغلال و إجتثاث الإضطهاد و الدفاع ضد الإمبرياليين. و لا يمكنكم إستعمال أدوات الديمقراطية البرجوازية التى تستهدف أوّلا معالجة النزاعات صلب المستغِلّين و ثانيا تخدع الجماهير الشعبية و تضلّلها و تجعلها سلبية، كوسيلة لتعبئة الناس و تفجير طاقاتهم للفهم الواعي و لتغيير العالم بأسره. و بينما صحيح ،كما عبّر عن ذلك لينين ، أنّ الإشتراكية أكثر ديمقراطية ألف مرّة بالنسبة لجماهير الشعب، فإن الإشتراكية ليست و لا يمكنها أن تكون إمتدادا للديمقراطية البرجوازية ( المؤسسة على الإستغلال) إلى المستغَلين. و هذا الدرس ليس مبنيا على أسس علمية فحسب و إنما دفع ثمنه دماء.
ال4 كلّ":
على دكتاتورية البروليتاريا ،النظام البروليتاري للديمقراطية، أن تكون مغايرة. عليها أن تخدم القضاء على الإنقسامات العدائية فى صفوف الشعب و على العلاقات و المؤسسات و الأفكار الناشئة عنه و ليس تعزيز هذه الإنقسامات. الان ستفعل السلطة الجديدة الكثير لتحقيق ذلك ، بما فى ذلك مصادرة وسائل الإنتاج الإجتماعية و الشروع فى إستخدامها لتلبية الحاجيات المادية للشعب و لتعميق الثورة العالمية.
لكن غداة الإنتصار سيكون لديكم مجتمع نشأ ضمنه الناس كعناصر طبقات إجتماعية متنوعة. و حتى واضعين جانبا الرأسماليين الكبار الذين لا ينبغى التغاضى عنهم بما أنهم لا زالوا موجودين و غير راضين عن مصادرة أملاكهم، ستوجد بعدُ إختلافات صلب الشعب بين الذين تدرّبوا على أشياء كالطبّ و الإدارة و الهندسة ، من جهة ،و الذين يفتقدون إلى هكذا أصناف من التدريب و كان عليهم العمل فى مصانع و مستشفيات أو حقول أو لم يستطيعوا إيجاد أي عمل بتاتا، من جهة أخرى. و هناك أيضا قوّة عادة القرون و خلالها الطريقة الوحيدة لتجمّع الناس لإنتاج حاجيات الحياة قد تمّت بواسطة أو عبر علاقات فيها تستغِلّ طبقة أساسية طبقة أخرى، و فيها ثمّة تقسيم دقيق بين الذين يعملون بأفكارهم و الذين يعملون بأجسادهم.
فضلا عن ذلك ، عليكم أن تعالجوا كلّ العلاقات الإجتماعية و الأفكار التى قد تحدّدت و تعزّزت بعلاقات الإستغلال. و ستعمل السلطة الجديدة على التوّ على تحطيم أسس هذا النظام مثل تفوّق البيض و التفوّق الذكوري وعلى تشريع المساواة الحقيقية. لكن حتى بعد الشروع فى هذه التغييرات و حتى بعد شروع تفكير الناس فى التحرّر بطرق عديدة و فى عكس العلاقات الإشتراكية الجديدة ، فإن قرون الإستغلال مع ذلك سيظلّ لها تأثير شديد على تفكير الناس. سيشبه ذلك علامات صدمة إثر إغتصاب ، هذا المجتمع و كلّ الناس فيه قد صدموا بمئات و آلاف السنين من الإضطهاد و نتائج ذلك على تفكير الناس كالعنصرية و الميز الحنسي و الشوفينية القومية لرقم واحد فى الولايات المتحدة الأمريكية و كره السكان الأصليين للناس من مختلف البلدان الأخرى و النخبوية و حتى شعور الدونية المنتشر ضمن الجماهير، جميعها سيجرى النضال ضدّها ، لكن لن تضمحلّ ببساطة. و هذه الأفكار ستغذّى اللامساواة المتبقّية و العلاقات الإقتصادية التى تتضمّن مظاهرا من العلاقات المشابهة للرأسمالية و التى لا يمكن كنسها بين عشيّة و ضحاها- ما يسمّى ب"الحق البرجوازي".و الأفكار و البرامج السياسية التى تمثّل هذه العلاقات ستنمو على التراب و ستأكّد ذاتها و توفّر قاعدة لولادة عناصر رأسمالية جديدة تنافس من أجل إفتكاك السلطة. و على السلطة الجديدة أن تستنهض الجماهير لتتعرّف على ذلك و تفهمه و تتجاوزه.
لذا ليس من اليسير كقول " حسنا ، نغيّر فقط العلاقات الإقتصادية ، و الباقي سيتداعى فى الحال و إلى الدرجة التى تصوّر فيها الشيوعيون و لا زالوا ذلك ، فإن الأمر مضرّ كبير الضرر. كلّ مجال من مجالات المجتمع يجب تغييره و تثويره على مدّة طويلة من الزمن أطول من تلك التى توقعها ماركس و لينين . و كلّ هذه المجالات كما وضّح ذلك ماركس علميا ، كلّ الإختلافات الطبقية و كلّ العلاقات الإجتماعية التى تنهض عليها و كلّ العلاقات الإجتماعية التى تقوم على هذا الأساس و كلّ الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات ، أو "ال4 كلّ " بصيغة مختزلة ، يجب أن يتمّ القضاء عليها لأجل الذهاب إلى و كجزء من سيرورة بلوغ الشيوعية. (2)
نوعا مختلفا من الدكتاتورية و الديمقراطية :
و من هنا ستحتاجون إلى ممارسة الدكتاتورية على المستغِلين السابقين و الذين يهدفون إلى إعادة تركيز الإستغلال و ستحتاجون كذلك إلى الديمقراطية صلب الجماهير للإنجاز الحقيقي للتغييرات الضرورية. لكن يجب أن تكون دكتاتورية و ديمقراطية ذات طبيعة مختلفة نوعيا عن تلك التى لدينا الآن. و مجدّدا ، لا يمكنكم ببساطة قلب الأشياء ، بشتى الناس مستخدمين ذات الأدوات. ينبغى أن توجد أشكال عبرها تتقدّم الجماهير فعلا لتحي و لتخلق مجتمعا مختلفا جدا و لتغيير ذاتها فى السيرورة ،على نطاق بالكاد يمكن صراحة تصوّره داخل الحدود الذهنية "لما هو الحال" فى ظلّ هذا النظام.
و هذا يعنى إستنهاض الشعب و إطلاق طاقاته و قيادته و التعلّم منه لتخطّى اللامساواة و العلاقات الإجتماعية للمجتمع القديم، و جميعها تقوّض التقدّم بإتجاه شكل جديد من المجتمع. إنه يعنى تسليح أوسع فأوسع دوما للجماهير الشعبية بالأدوات النظرية للتحليل النقدي للمجتمع و لتقييم ما إذا و كيف يتحرّك عمليا فى إتجاه الشيوعية و ما يحتاج القيام به للمضي إلى أبعد نقطة ممكنة فى هذا الإتجاه فى أي زمن معطى.
وتتعارض هذه النظرة مباشرة مع فكرة أن ما ينبغى عليكم فعله فى الأساس ، فى ظلّ الإشتراكية هو " التزويد بالسلع" أي ضمان أن يرتفع مستوى حياة الناس و أن يتوفّر أمنا أكثر و غير ذلك من الأمور، و الإبقاء على الأشياء بأيدى " الذين يعرفون كيف يفعلون ذلك". بكلمات أخرى ، "غذّيهم " و " قُدهم". هذا ما يعرف بالنظرة التحريفية التى تبقى على إسم الشيوعية لكنها تحرّف جوهرها الثوري. و كان هذا هو خطّ الذين فى النهاية إفتكّوا السلطة فى الصين بعد وفاة ماو و أطاحوا بالذين تجمّعوا حول ماو و الآن رأينا إلى أي شيئ فى النهاية يؤدّى ذلك ، إلى جحيم رأسمالي بيافطة إشتراكية.
لذا المسألة هي هل أن الجماهير ستقاتل و تنتج لا غير؟ أم هل ستكون محرّرة للإنسانية ؟ هل يمكن للجماهير أن تواجه حقّا العالم كما هو و أن تفهمه و تغيّره؟
و الجواب يمكنها أن تواجه حقا العالم كما هو و أن تفهمه و تغيّره. إلاّ أنه لن يكون ذلك عفويا و دون قيادة. لا يمكن أن يقوم الناس بمبادرات واعية لتغيير العالم إذا لم يعرفوا كيف يعملون . هذا يتطلّب علما. و بما أن الأشياء جعلت بشكل يبعد الجماهير عن الإشتغال بالأفكار ، يحتاجون للحصول على ذلك العلم من أناس كانت لهم فرصة تحصيله. و مجدّدا يحتاجون إلى قيادة.
و لا ترتكبون أي خطإ بشأن ذلك فكلّ إنسان فى هذا المجتمع مُقاد فى إتجاه أو آخر. بالضبط الآن عديد الناس الذين يدعون أنّهم ليسوا مقادين يبذلون كلّ ضروب الجهود و المصادر و الآمال فى النزاع بين كلينتون و أوباما. و عندما يكون كلينتون أو أوباما أو ماك كاين فى الرئاسة- أي منهم كسب - فهو سيحدّد الإطار. سيقول لكم ما الذى يجب فعله – كما كانوا يقولون لكم – و سيفعلون ما يخدم الهيمنة الأمريكية على العالم و " النظام الإجتماعي" داخل أمريكا.
لهذا ليست المسألة إذا ما كان سيوجد قادة ، بل هي أي صنف من القادة ، فى خدمة أي أهداف. يعبّر بوب آفاكيان عن الأمر على النحو التالي فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " :
" طالما كان ذلك صحيحا ، تظلّ المسائل الجوهرية : ما هو مضمون و تأثير هذه القيادة – إلى أين ستقود الناس الذين تقود و كيف؟ ما الذى تسمح للناس بفعله أو تمنعهم من فعله؟ هل تساهم فى قدرتهم على الإدراك الفعلي للواقع و العمل بوعي لتغييره، فى إنسجام مع المصالح الجوهرية للإنسانية ،أم تشوّش عليه و تقوّضه؟ "(3).
من المهمّ التفكير فى هذا فى إرتباط بما شرحته سابقا حول المزايا و السلطة الباقيتين بعدُ لدى الإمبرياليين المطاح بهم
و علاقاتهم الدولية. لا يمكن للبروليتاريا أن تتقاسم السلطة مع البرجوازية ،أو ستُلتهم حيّة ،و مثلما قلت سابقا ، جرى تناول ذلك تناولا علميا ، فى أعمال جدال كتبها آفاكيان مثل " الديمقراطية : أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و من واجبنا إنجاز أفضل من ذلك" ( الذى يوجد ضمن كتاب " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية ") و نعم هذه دروس دُفع ثمنها دماءا. و على مستوى أعمق ، فقط البروليتاريا لها مصلحة كطبقة فى القضاء الفعلي على هذه " ال4 كلّ " و على الدولة أن تكون إمّا أداة للقضاء على هذه " ال4كلّ " و إمّا ستعزّزها.
بسبب كلّ هذا، ستحتاجون إلى دور قيادي مؤسساتي للحزب البروليتاري فى الدولة الإشتراكية ، طالما أنّ هناك طبقات عدائية و أرضية يمكن أن تنشأ تناقضات طبقية عدائية. و حين يقع القضاء على هذه الطبقات ، لن توجد عندئذ حاجة إلى قيادة مؤسساتية و قيادة للدولة معا.
و فى نفس الوقت ، علينا أن نقرّ بهذا التناقض وأن نعالجه و أن نثوّر بإستمرار و نعيد الحياة للحزب كي يواصل توفير ذلك النوع من القيادة و لا يتحوّل أعضاؤه إلى مضطهِدِين جدد. و هذا ليس بالمشكل البسيط و قد خصّه بوب آفاكيان بقدر كبير من الإهتمام وهو يشكّل جزءا كبيرا سأتناوله لاحقا : نظرة مختلفة نوعيا ،خلاصة جديدة ، لدكتاتورية البروليتاريا.
اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة :
لنكن واضحين ، إننا نتحدّث عن تغييرات و قطيعة مع العديد من المقاربات فى المجتمعات التى إلي الآن يمكن قول إنّها كانت حقيقة إشتراكية و حقيقة ثورية لكن كانت لها رغم ذلك نواقصا هامة . و هذا ليس كما عبّر عن ذلك أحدهم بفكاهة
" أعرض المسرحيات الجيّدة و لا تعرض المسرحيات السيّئة " فهذه نظرة مغايرة تماما، معتمدة على إختراقات فى النظرة الشيوعية للعالم و الإبستيمولوجيا التى مرّت بنا أعلاه، طريقة للإجابة الصحيحة عن سؤال "بأي ثمن؟" و طريقة لقيادة اشياء بطريقة مغايرة و على مستوى أرقى.
لنأخذ مسألة الإيديولوجيا الرسمية التى كانت ميزة من ميزات المجتمعات الإشتراكية . الآن ، كما قلت، يجب على الحزب أن يقود فى المجتمع الإشتراكي و الحزب ذاته ينبغى أن يكون متّحدا حول الإيديولوجيا الشيوعية بما يسمح بقيادة الشعب من أجل الفهم الصحيح و تغيير الواقع . و الحزب ، مع ذلك ، تجمّع طوعي . لكن ما الذى يحدث لو أن كلّ فرد فى المجتمع ، داخل الحزب أم خارجه، عليه أن يعرب عن مواقفه مع الإيديولوجيا حتى يسُتمع له ، أو حتّى لمجرّد التقدّم؟
حسنا ، الواقع أنّ غالبية الناس لن يتبنوّا فعلا هذا كوجهة نظرهم مباشرة عقب الثورة ،و الخروج من المجتمع الرأسمالي. لقد إستعمل بوب آفاكيان إستعارة المظلّة لوصف كيف أن الأشياء تصبح مضغوطة زمن الثورة ،و كيف أنّ المجتمع ينقسم إلى قسمين ، قسم منخرط فى الخندق الثوري و ملتحم به، و قسم آخر يدافع عن الرجعية. لكن بعد الثورة ذلك الطابع المضغوط لقطب الشعب ينفتح ، مثل المظلّة. مثلما كتب آفاكيان فى " أسس و أهداف و مناهج الثورة الشيوعية "، إثر وصول الثورة إلى السلطة :
" ...كلّ البرامج السياسية و النظرات المتنوعة و النزعات المتنوعة و ما إلى ذلك التى تعكس مرّة أخرى علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية المتبقية فعليا و التى هي مميّزة للمجتمع القديم و كذلك ما يظهر جديدا فى المجتمع الذى وُلد نتيجة للإفتكاك الثوري للسلطة و لتعزيزها ، و كلّ هذه الأشياء تؤكّد و تعيد تأكيد نفسها . و إذا ما ذهبنا إلى فرضية أنّه لأن الناس قد توحّدوا حولكم فى تلك اللحظة الخاصة حين فقط برنامجكم إستطاع إحداث إختراق ، إذا حددتم الأمور على فرضية أنّهم جميعا سيمضون خلفكم فى صفّ متراص و فى إتفاق معكم فى كلّ نقطة طوال الطريق إلى الشيوعية ،فستقترفون أخطاء جدّية للغاية...(4).
ليست اللحظة التى تظهر حيث كلّ شخص تائه و " يرى النور" و يقول ،شكرا لله! إنه مجتمع إشتراكي. يمكنكم قيادة الناس للقيام بعديد الأشياء الجديدة ،عديد الأشياء الهامة و التحريرية و تركيز سيرورة شاملة فيها يُغيّر الناس المجتمع
و ذواتهم فى الإتجاه الإيجابي...لكن لن ينهض ذلك كما لو أنّ كلّ شخص لم يفهم فجأة فقط بل شرع فى تبنى و تطبيق المنهج و الموقف ووجهة النظر الشيوعيين. و إذا حاولتم القيادة كما لو أن الأمر كذلك ، أ- لن تتصرّفوا فى إنسجام مع ما هو حقيقة و ب- بالنتيجة ستهيلون التراب على و تشوّهون السيرورة بأسرها التى من خلالها يتوصّل الناس إلى الحقيقة و سيفرز ذلك جوّا خانقا أو محبطا.
يجب أن توجد إيديولوجيا قائدة ،و الإختلاف فى المجتمع الإشتراكي هو أنّنا سنعبّر عنها بوضوح ، عوض حجب الرأسماليين لها لكن الناس الذين ليسوا متأكّدين أنّهم يتفقون معها ينبغى أن يشعروا بأنّهم أحرار فى قول ذلك و الذين لا يتفقون معها ينبغى أن يقولوا ذلك بالتأكيد و يجب خوض نقاش بهذا الصدد.
و يتعيّن تطبيق مبدأ آخر فى السياسة. فعلى مستوى معيّن ، ينبغى أن يمسك الحزب بزمام المبادرة و يعبّئ الجماهير و يطلق طاقاتها بشأن أهداف مفاتيح. و عليه أن يحدّد إطار النقاش. و نعم ، يمكن و يجب أن تكون سيرورة حيوية و ملهمة و فاتحة للذهن، و قد كانت كذلك فى الماضي ليس فى الصين فقط بل فى الإتحاد السوفياتي أيضا على الأقلّ فى العقد و نصف العقد الأولين تقريبا.
لكن ماذا عن العفوية من الأسفل ؟ ماذا عن الأشياء التى تبدو خارجة عن النطاق تماما فى إتجاه مختلف ،أو التى تعارض الإطار و النشاط السياسيين جوهريا اللذان يرسمهما الحزب؟ ماذا عن عروض فى الفنّ تبرز لوحدها مثل عروض المقاهي فى الخمسينات و الستينات ب " الضربات /البيتس" أو عروض الهيب هوب و طواقم الرسم على الجدران التى ظهرت فى ساوث بروكس قبل 30 سن من الآن ، أو جولات شعر الكلمة المنطوقة فى التسعينات ، أشياء ستنشأ من الناس ، العديد منها يمكن ان يكون معارضا أو على الأقلّ تتميّز بأنها "خارج السيطرة " ؟ ماذا عن المجموعات السياسية التى تريد أن تناقش مسائل دون وجود عناصر من الحزب ، أو تنظّم تحركات ضد المشاريع ،حتى مشاريع هامّة يرعاها الحزب و الحكومة ذاتهما ؟ ماذا عن الأساتذة الذين يريدون تدريس نظريا ت و تأويلات لا تتوافق مع فهم الحزب ؟
حتى نكون صرحاء ، لم يتوفّر مجال واسع لهذا النوع من الأشياء فى المجتمعات الإشتراكية السابقة . فى" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، نقد آفاكيان نزعة كلّ من الصين و حتى أكثر ، فى الإتحاد السوفياتي "نحو الإنقباض فى ... سيرورة التغيير الإشتراكي ،وبقدر ما فرضت هذه النزعة ذاتها ، قادت إلى نوع من عدم المسك بالعلاقة بين الهدف و السيرورة ، حتى أنّ ما يحصل فى وقت معيّن يصبح ، أو يتجه نحو التماهي مع الهدف ذاته ، عوض فهمه كجزء من سيرورة نحو هدف اعمّ. و إلى جانب هذا وُجد تحديد للعلاقة بين الإتجاه الجوهري الضروري ، بالمعنى الجوهري للكلمة، وما كان موضوعيا يمثّل "الإنعطافات" أو الإنحرافات عنه لكن جرى النظر إليها و جرى تناولها كإنحرافات خطيرة عن التوجه الجوهري. و قد قاد هذا إلى درجة معيّنة و أحيانا إلى درجة معتبرة، إلى خنق الإبداع و المبادرة و التعبير الذاتي و نعم ، الحقوق الفردية فى السيرورة العامة لا سيما حين بدا أنها تتعارض ، أو تعارضت فعلا ، على المدى القصير ن مع الأهداف المعلنة للدولة الإشتراكية و حزبها القائد."(5).
على مستوى جدّ أساسي ، تحتاجون عمليا إلى خميرة فكرية لفهم العالم . خميرة ، نقاش و تجريب – "هواء فكري" – يوفّرون لكم نافذة على كلّ ما يتمخّض تحت سطح المجتمع فى أي وقت كان و الطرق الممكنة للمعالجة و التقدّم التى يفتحها هذا المخاض ، إنه سيساعدكم على رؤية أين تخطؤون فى العمل و أين تكرّسون نظرة إحادية الجانب. دون هذا،ستفتقد الجدلية بين الحزب و الجماهير، بين القادة و المقادين إلى أن تمسي "طريقا واحدا" ، و ستمسى الروح النقدية و الخلاقة عمياء ، فى كلا النهايتين.
لأنّه إذا حاولتم تقديم أدوات نقد للناس فى نوع من الجوّ البارد ، فإنها ببساطة لن "تعلق" إذ ينبغى أن يقاد الناس لكن أيضا ينبغى أن يتعلّموا بأنفسهم و القيادة ذاتها ينبغى أن تتغيّر و أن يجري تثويرها فى المسار. لتكون السيرورة سليمة يتطلّب الأمر خميرة و إحتجاجا و ببساطة تماما غليان أكثر فأكثر. وقد وجد الكثير من هذا فى الثورة الثقافية ،لكننا نتحدّث ضمن الخلاصة الجديدة عن شيئ على نطاق أعظم حتى ، بعناصر و ديناميكيات متنوعة فيه.
غالبية الصينيين لم يستوعبوا فعلا أبعاد المعركة الأخيرة. حسنا ، الطابع المختلف و البعد الأعظم للخميرة فى الخلاصة الجديدة هو جزء كبير من الإجابة عن كيف ننجز أفضل من ذلك فى المرّة القادمة.
" الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزّق":
لقد أبرز آفاكيان التضارب بين إستعارة طرح خطّ كما لو كنتم تصطادون سمك الذبابة ...و " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة "، الذى يعبّر عنه هذا النوع من الحركة. لنضرب مثالا على ذلك . يمكن أن تجدوا وضعا حيث الحكومة الإشتراكية قرّرت بناء سدّ فى مكان ما تلبية لحاجيات ملحّة للشعب- و بالمناسبة فإن مجتمعا ثوريا هنا سيواجه متطلبات و حاجيات مادية عاجلة لأننا سنتوقف عن مصّ دماء الناس عبر الكوكب! – و شخص مثل آرونداتى روي ( وهي كاتبة رواية هندية شهيرة و غير شيوعية و ناشطة تقدّمية ) يمكن أن تقوم بالتحريض ضدّك. و وفق الخلاصة الجديدة ، لن تتسامحوا مع ذلك فحسب ، بل ستوفرون لها المجال و الوقت و المال ،حتى وهي ربّما تنظّم قوى ضدّكم و تقود مظاهرات و ربّما حتى نوعا من الإعتصامات الكبرى. عليكم الذهاب إلى هناك و الإلتحام و النقاش . إذا كانت على حقّ و لو جزئيا ، بالتالى ستتعلّمون منها. و إذا لم تكن على صواب ، يظلّ عليكم كسب الناس إليكم ، ليس فى نقاش مع رجل هشّ الفكر و إنّما مع مدافع عن موقف مقتنع به لبق و متحمّس. (6).
و لن يكون ذلك خاليا من المخاطر لأنّ الناس الذين لهم أهداف غير جيدة سيعملون بصورة أكيدة تقريبا و سيتصرفون فى إطار كلّ هذا و يحاولون جعله شيئا متحوّلا إلى محاولات فعلية لتحطيم الدولة الإشتراكية. و لا ننسى أنه إذا تخليتم عن السلطة ، إذا قبلتم بأن تعيد القوى البرجوازية ( القديمة منها و الجديدة ) تركيز الرأسمالية ، ستقترفون جريمة كبرى بحق كافة الناس الذين ضحّوا من أجل إفتكاك تلك السلطة ،و حتى أكثر ، فى حقّ الإنسانية بصورة أعمّ.
اللبّ الصلب سيحدّد المجال و الإطار لكن داخل هذا ، سيطلق العنان و يسمح بأقصى قدر ممكن من المرونة فى زمن معيّن بينما يظلّ ممسكا بالسلطة ،و ممسكا بها كسلطة تتجه نحو الشيوعية ، متقدّمة بإتجاه تحقيق "ال4 كلّ" سوية مع النضال العالمي ككلّ. و الآن سيواجه اللبّ الصلب عراقيلا فى زمن معيّن فى القيام بذلك ، بما فيها أنواع التهديدات الإمبريالية التى تواجهكم . أحيانا ستقدرون على الإنفتاح بصورة واسعة و أحيانا قد يكون عليكم كبح اللجام ، لكن إستراتيجيا ، بصفة عامة ، بالأساس ستعملون على تشجيع و تعملون بمرونة محاولين التعلّم من ذلك و محاولين إدراك كيف تقودون الأشياء لكي تصبح كلّها قوّة محرّكة تساهم فعلا ، حتى و إن لم يكن ذلك مباشرة و فورا، على المدى القصير، لكن على وجه العموم مساهمة فى الهدف الذى ترنون تحقيقه. و سيكون فهم الأمر فيه تحدّ ى و معقّد و مليئا أخطارا.
لهذا يتحدّث آفاكيان كثيرا عن " الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق"،و البحث عن القيام بذلك! إن دور المعارضة دور كامل فى هذا النمط من الإشتراكية ،حتى مع وجود طرق فى وقت معيّن يمكن أن تعقّد جذريا المسألة كلّها. من جديد ، سينتهى لبّكم الصلب إلى أن يكون جدّ هشّ ... و المرونة لن تكون جدّ ...مرنة ، إلاّ إذا كنتم مستعدّين إلى الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق- و الشدّ و السحب يحيل على نوع من التعذيب حيث يربطون الأيدى و الأرجل و يدفعون بها فى أربع إتجاهات مختلفة !. و فقط لنكون واضحين للغاية : هذا مفهوم إستراتيجي لا يتماثل و لا يجب مماثلته مع أو تقليصه إلى نفس الدفع فى عديد الإتجاهات بفعل عديد التحولات المتنوعة ، أو أن تكون لدينا مهام متنوعة. هذا المفهوم "الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق" يقصد شيئا مغايرا تماما، شيئا أعقد و أعمق و إستراتيجيا أهمّ من ذلك.
إضافة إلى معارضة من هذا الطراز ، تقدّم آفاكيان بالنقاش كجزء من هذا النموذج من الأفكار عن : النزاع الإنتخابي حيث المسائل المفاتيح التى تواجه الدولة تناقش بحيوية و براهين حقيقية ، و دستور (بما فى ذلك القيود التى يضعها على الحزب) و نظرة واسعة لحقوق الأفراد ،و وجود مجتمع مدني و جمعيات مستقلّة عن الحكومة ،و معالجة شاملة جديدة للتناقض بين العمل الفكري و اليدوي ، و ضمنه نظرة مختلفة لدور المثقفين ، كلّها ليس بوسعى إلاّ الإشارة لها هنا، لكنّنى مستعدّ للخوض فيها خلال فترة الأسئلة.
و مسألة أخيرة فى هذه النقطة هي من هو اللبّ الصلب؟ اللبّ الصلب لا يساوى الحزب و لا يساوى البروليتاريا ، بنوع من منهج الوحدة الصماّء . فى أي وقت معطى يمثّل اللبّ الصلب أقلّية ،فى المراحل الأولى من المجتمع الإشتراكي هو أولئك الملتزمين بصلابة بالهدف الشامل لبلوغ الشيوعية ،و ثمّ لديكم درجات متنوّعة من الناس ، من مختلف الطبقات و الفئات ،مجتمعين فى علاقة بذلك . يجب أن يكون للبّ الصلب جذور فى البروليتاريا و يجب على القيادة بإستمرار أن تقدّم و تطلق طاقات أناس جدد من ضمن الذين فى المدى القصير يقطعون مع التناقضات التى بقيت من الرأسمالية – مثلا أناس لم يتدرّبوا على العمل الفكري فى المجتمع القديم ، أو نساء من فئات شتى ( و كذلك رجال ) يريدون دفع تحرير النساء إلى الأمام.
لكن البروليتاريا ذاتها ليست شيئا ثابتا . إنّها تتضمّن تنوّعا كبيرا و تشهد تغييرا ديناميكيا جدّا فى كلّ من مشاركتها فى كافة مجالات المجتمع و فى السيرورة العامة للعيش مع و تغيير – و التعلّم من – الطبقة الوسطى. لديكم مختلف الطبقات و لديكم مستويات متنوعة من الإلتزام بالمشروع الشيوعي و انتم تحاولون التعاطى مع هذا التناقض ،و لكن من فوق إلى تحت. و هذا يعنى إطلاق العنان لسيرورة ثمّ دخول السيرورة مع الجماهير.
هذه مفاهيم مغايرة جدّا لتلك السابقة ، قامت على نمط من النظرة "المجسّدة " للبروليتاريا ، نظرة تربك الدورالتاريخي – العالمي للبروليتاريا كطبقة تجسّد علاقات الإنتاج الجديدة مع الأفراد الذين يشكلون تلك الطبقة فى أي وقت معطى. و مثلما تعرضت لذلك قبلا فى نقاش "الحقيقة الطبقية" فإن هذا "التجسيد" للبروليتاريا إنعكس فى الكثير من التشديد على الأصول الطبقية للناس فى تقييم آراءهم ووضعها فى مواقع قيادية أو مواقع مسؤولية ،و فى الدفاع عن كونه بوضع العمال و الفلاحين فى هكذا مواقع ، تضعون نوعا ما من الضمانات ضد التحريفية. و كان هذا بارزا جدّا لدى ستالين ، لكنه وجد تعبيره بطرق مختلفة أيضا مع ماو و الثورة الصينية.
مرّة أخرى حول الخلاصة الجديدة :
هكذا تعرّضنا للكثير من الإنعكاسات السياسية للخلاصة الجديدة و على وجه الخصوص فى علاقة بالإشتراكية . لكن قبل الإنتقال إلى الإستراتيجيا ، و بناءا على كلّ ما قتله اودّ منكم أن تفكّروا فى مدى و قدر الأهمية العميقة لإستيعاب الوصف التالي للخلاصة الجديدة فى هذا المقتطف من الجزء الأول من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ،بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ،نعم، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ،بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ،مفهوما بصورة واسعة ،و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى "مجتمع مدني" مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ،كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي. " (7).
و دعونى أضع الأمر كما يلى : كانت المرحلة الأولى لحركتنا تاريخية و بطولية – وهي تستحقّ و تتطلّب دراسة أعمق و يجب الدفاع عنها و رفع رايتها . لكن أفضل فهم لذلك لوحده لن يقود الإنسانية إلى الشيوعية. مع الخلاصة الجديدة ، أعيد فتح ذلك الأفق ، و كما قال أحد الرفاق ، إنّه يشبه البرعم الجديد فى جذع متطوّر.
الهوامش
1-" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ضمن كتاب " الثورة " "الثورة الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" (1 ماي 2008) ،ص 31 ، متوفّر على الإنترنت...
2- كارل ماركس " الصراع الطبقي فى فرنسا ،1848-1850 ، ضمن الأعمال المختارة لماركس –إنجلز ، المجلّد الأوّل.
3- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ... ص 52.
4- " أسس و أهداف و مناهج الثورة الشيوعية " ، متوفّر على الإنترنت.
5- " القيام بالثورة ..." ،ص 35.
6- السؤال الثالث من أسئلة و أجوبة من 7 خطابات (أوديو) ، نشرت فى 4 أوت 2006 فى موقع على الإنترنت.
7- " القيام بالثورة ..." ،ص 35.
-----------------------------
الإنعكاسات الإستراتيجية – القيام بالثورة / V
هذه نظرة ملهمة لا تصدّق عن مجتمع مختلف ، مجتمع فيه تريد حقّا الغالبية الغالبة للناس أن تعيش فيه.
لكن كيف نصل إلى هذا المجتمع الجديد ؟ هذا يقودنى إلى الجزء الأخير من عرضي هذا ، مسألة إسترتيجيا الثورة ، لا سيما فى البلدان الإمبريالية. من جديد ، لن أستطيع هنا سوى ملامسة بعض المفاهيم المفاتيح، و هذا سيكون مضغوطا أكثر من الجزء السابق من العرض.
أوّلا ، الثورات أمور جدّية . الثورات فى بلد مثل هذا لا يمكن أن تحدث إلاّ حين يكون المجتمع ككلّ فى قبضة أزمة عميقة ، نابعة جوهريا عن طبيعة و سير النظام ذاته، و إلى جانب ذلك ثمّة ظهور لشعب ثوري ، يعدّ الملايين و الملايين، واعي بالحاجة إلى تغيير ثوري و مقرّ العزم على القتال من أجله. إذا كنتم طليعة ، فإن كلّ ما تفعلونه ينبغى أن يكون بصدد بلوغ ذلك ، كلّ ما تفعلونه يقيّم فى علاقة بذلك، كلّ ما تفعلونه ينبغى أن يكون بصدد الثورة.و كلّ شيئ أقلّ من ذلك سيبترها و سيؤدّى إلى الإستسلام.
الموضوعي و الذاتي ... و التعجيل بينما ننتظر:
لكن كيف نصل إلى ذلك؟ مفهوم مهمّ هنا هو ما يسمّى علميا " العلاقة بين العامل الموضوعي و العامل الذاتي " . والعامل الموضوعي يشمل الظروف المادية للمجتمع و ديناميكيتها الكامنة و التيارات السياسية و الإيديولوجية الأوسع التى تتحرّك فى علاقة بذلك و بطرق مستقلّة عنها ؟ التوجّهات ( المتناقضة) التى فيها يتحرّك و يتغيّر كلّ هذا ، أمزجة و أحاسيس و أفكار مختلف قطاعات الناس ،و ما إلى ذلك. و العامل الذاتي يحيل على الناس الذين يسعون إلى تغيير كلّ هذا، و عادة نقصد بذلك الحزب لكن أحيانا يمكن أن نستعمل ذلك للإحالة على حركة أوسع ، طبقا للإطار.
الآن هذه علاقة جدلية حيث الموضوعي و الذاتي مختلفان ، لكنهما يتداخلان و يتحوّل الواحد منهما إلى الآخر. العامل الموضوعي يشبه الحقل الذى يلعب فيه الحزب وهو عموما يضع الشروط والإطار. لكن هذه الشروط و هذا الإطار ليسا ثابتين و محدّدين، فالحقل بإستمرار متغيّر الأبعاد و بإمكان العامل الموضوعي أن يأثّر فى العامل الذاتي . و أحيانا ، الحزب ذاته جزء هام من الوضع الموضوعي ، يمكن أن يقود نضالا عظيما ، أو أن يركّز هجوما ، أو أن يكون له تأثير كبير بمبادرة إيديولوجية ، سيتحدّث الناس عنه بفعل ذلك ، و هكذا تجدون العامل الذاتى جزءا من العامل الموضوعي. و فى نفس الوقت ، يدخل العامل الموضوعي فى العامل الذاتي إذ يتأثّر الحزب بشتى الطرق بأمزجة و أفكار الجماهير و الناس الذين حوله و يعملون معه و يلتحقون به.
لكن الحكمة التقليدية فى حركتنا كانت إقامة جدار مفهومي عازل بين الإثنين و تبنّى موقف سلبي تجاه العامل الموضوعي، و تقليص العمل الشيوعي إلى القيام بمبادرات تعكس بالأساس ما تقوم به بعدُ الجماهير أو هي مستعدّة للقيام به، و ثمّ
" تنظيم" ذلك. هذا النوع من النظرة لا يتحدّى الناس إيديولوجيا فضلا عن أنه لا "يمسك بمقاليد النضال "بيديه. أشار بوب آفاكيان إلى "الواقعية الحتمية " التى تقف وراء هذا أي فكرة أنّ أبعاد العمل الثوري تتحدّد و تتعيّن بصفة ضيقة جدّا و بما يوجد بعدُ و فرضية أّن ذلك سيتواصل بلا نهاية فى نفس الإتجاه ، دون قطيعة راديكالية أو تغييرات فجئية، دون أي شيئ مرتبط بذلك الإتجاه، و دون إمكانية ظهور أشياء جديدة بطرق غير متوقعة من التناقضات الموجودة.
لكن حاليا و فعليا يزخر الواقع بالتناقضات . التاريخ ، كالطبيعة ، مليئ بالقفزات الفجئية. لذلك فإن المبادرات الجريئة التى يتخذها العامل الذاتي ( طالما أنها معتمدة على ديناميكية حقيقية للواقع المادي) يمكن أن يكون لها تأثير كهربائي يمكن أن "يغيّر اللعب" لإستعمال صيغة مستعملة جدّا و لا زالت معبّرة. إلاّ أن النظرة الحتمية ليست حيوية أو منتهية للأحداث التى يمكن نهائيا أن تغيّر المعادلة بأكملها ، مرتهنا بما تفعله الطليعة.
الان لا يمكنكم ببساطة أن تقفزوا على الثورة على أساس الإرادة المطلقة . هذا سيضعكم و الجماهير فى وضع سيئ للغاية. بيد انه على وجه العموم ، التيار الأساسي فى البلدان الإمبريالية هو التخلّى عن الثورة فعلا إن لم يكن قولا، و عدم إدراك أو معارضة الديناميكية الممكنة الكبيرة للعامل الذاتي ، أو الوعي.
بناءا على فهم صحيح و عميق لهذا التناقض ، تبنى بوب آفاكيان مفهوم ماو : التعجيل بتطوير الثورة بينما ننتظر تطورات مواتية فى الوضع الموضوعي، تلك الأوقات التى فيها يذهب كلّ شيئ للمسكة . لكن هذا أيضا جدلي و ليس ميكانيكي إذ تعملون فى ظروف مع توقّع و فهم أن يتحول هذا إلى جزء من ليس فقط الإعداد لتغييرات كبرى فى الوضع الموضوعي ـ لكن متقدّمين و إلى أبعد حدّ ممكن مشكّلين هذه التغييرات عندما تجدّ. إنكم تبذلون طاقتكم ضد الحدود و تجتهدون ضد الإطار العام و تقومون بكلّ هذا بوعي بأنّ التناقضات الحادة لهذا النظام تجد تعبيراتها فى إتجاهات عديدة مختلفة و غير متوقعة. و هذا مقتطف آخر من الخطاب الحديث " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ":
" رغم أنّ التغيرات فى ما هو موضوعي بالنسبة لنا لن تأتي كلّيا أو ربّما لن تأتي حتى أساسا من خلال "فعلنا فى" الظروف الموضوعية ( بمعنى مباشر ، معنى واحد لواحد) ، فإن "فعلنا فيها" مع ذلك يمكن أن يجلب بعض التغيرات داخل إطار معطى من الظروف الموضوعية و الإرتباط مع و كجزء من "مزيج" من عديد العناصر ، منها القوى التى تفعل فى الواقع الموضوعي من وجهة نظرها هي ، فإن هذا يمكن ، فى ظلّ بعض الظروف ،أن يكون جزءا من تجمّع العوامل الذى ينتج تغير نوعيا . و مجدّدا ، من المهمّ التشديد على أن لا أحد بإمكانه أن يعرف بالضبط كيف سيسير كلّ هذا " (1)
لذا إذا ما تبنيتم هذا الخطّ و هذا التوجّه من " التعجيل بينما ننتظر" ليس مسألة أخلاقية و إنّما يتعلّق الأمر بما إذا سيبرز أبدا وضع ثوري أو إذا ، بصراحة تامة ستتوجهون أبدا و تقدرون على التعرّف على إمكانية ظهوره.
على ضوء هذا ، و على ضوء كلّ ما قد عرضنا اليوم ، فإن التالي ( وهو كذلك من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" ،الجزء الأوّل) هو أحد أهمّ الفقرات فى مجمل أعمال بوب آفاكيان. وهو يستعمل الكثير من المفردات العلمية ، العديد منها شرحته أعلاه ، لكن لأجل إدراك هذا علينا أن نعرف أن مصطلح "الضرورة " فلسفيا يعود على الواقع الموضوعي فى زمن معيّن- التوجهات المتناقضة التى يتحرّك و يتطوّر ضمنها و كلّ من العوائق أمام التطوّر و الطرق الممكنة له – و أن "البناء الفوقي" يعود على المؤسسات السياسية و الثقافية و الأفكار و هكذا فى المجتمع ، بما هي مختلفة عن علاقات الإنتاج و إليكم ما كتب بوب آفاكيان :
" لكن جوهريا (و لنقل فى أساس كلّ هذا ) الحرّية تكمن فى الإعتراف بالضرورة و تغييرها . و المسألة هي أن هذا الإعتراف وهذه القدرة على إنجاز التغيير تمرّ مرتبطة بطريقة إيجابية أو إختزالية أو خطّية لكيفية طرح التناقضات الإجتماعية الجوهرية نفسها فى وقت معيّن . إذا كان الأمر كذلك ، أو إذا تناولنا الأمر على هذا النحو ، سنقضى على دور الفنّ و قدر كبير من البنية الفوقية عموما . لماذا نقاتل فى مجال الأخلاق؟ لأن هناك مبادرة و إستقلالية نسبية فى البناء الفوقي. و بقدر ما يعبّر عن ذلك بصورة صحيحة بقدر ما يكون الأمر أفضل، بمعنى نوع المجتمع الذى لدينا فى زمن معيّن و بمعنى قدرتنا على الإعتراف بالضرورة و خوض الصراع لتغيير الضرورة.(2)
إغناء فكر "ما العمل؟" :
هذا محوري بالنسبة للمفهوم الإستراتيجي الهام ل " إغناء فكر ما العمل؟ "و هذا المفهوم يذهب ضد تقليد تام فى الحركة الشيوعية يسمى "الإقتصادوية". و الإقتصادوية عنت فى الأصل تركيز إنتباه العمال فى المعارك حول الأجور ،و ظروف العمل و النقابات و ما إلى ذلك لكنه صار يشمل أي نوع من الإستراتيجيا التى تتركز على إستنهاض الجماهير للنضال من أجل "نتائج ملموسة". ما من أحد " يعترف"أبدا بعدم الرغب فى إيصال الشيوعية للجماهير، فقط يقولون إنّهالآن ليس الوقت المناسب" و إن " معرفة المطالب الحالية هي أفضل طريقة لنكون فى وضع القيام بذلك ..لاحقا".
لقد تطرّق لينين لهذه النظرة بالذات قبل قرن فى كتابه المَعلَم "ما العمل؟" فأشار إلى أنّ الشيوعية علم نشأ خارج البروليتاريا و يجب إيصاله إليها من الخارج. و قال إنّه يجب على الشيوعيين أن يكونوا خطباء أمام الشعب و يمكنهم إغتنام كلّ حدث كبير ليعرضوا أمام الجميع قناعاتهم الشيوعية و عارض بذلك ذهنية الكتاب العامين للنقابات الذين يقودون النضالات حول الحاجيات المباشرة لأعضائها. و قال إنّ للقيام بذلك و التقدّم فى المهام العديدة الأخرى الخاصة بالثورة ، لا بدّ من حزب طليعي، متشكّل من البروليتاريين و أناس من فئات أخرى يتبنون النظرة الشيوعية و يكرسون حياتهم لقضية الشيوعية.
و اليوم ، يبقى كلّ هذا محلّ نزاع . و ما يعنيه هذا النضال اليوم هو مسألة ما إذا كانت الجماهير ستُقاد لأن تكون محرِّرة واعية للإنسانية أو عوض ذلك ، ستُعامل كبيادق تغذّى و بالأساس يحكمها أناس تدرّبوا على العمل فى مجال الأفكار . لقد تحدّثت عن ذلك قبلا فى ما يتصل بدكتاتورية البروليتاريا ، لكنّ ذلك يجد تعبيرا صحيحا حادا عنه الآن.
أنظروا : التحوّل إلى محرري الإنسانية قطيعة عملاقة و لن تفعلوا ذلك دون قيادة. من جديد ، لا يمكن للناس أن يقوموا بمبادرات لتغيير العالم إذا لم يعرفوا كيف يسير العالم ، الأمر يستدعى العلم. و عليهم الحصول على هذا العلم من أناس كانت لهم فرصة تحصيله. دون ذلك ، دون طليعة تستحق فعلا إسمها ، لن تقع ثورة شيوعية . و لتغذية الناس بينما يكون لكم أنتم ما أطلق عليه أحد الرفاق " معبد المعرفة السرّية " ( و القيام بذلك بإسم الجماهير) سيكون محتقرا ، إن لم يكن جدّ هدّام و خطيرعلى نطاق واسع.
"إغناء فكر "ما العمل؟" مجموعة شاملة وليس محدودا فى شكل واحد من النشاط و لكي نمسك معنى هذا ، أوصيكم بقوّة بدراسة الجزء الثاني من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " . بإختصار، مع ذلك ، فى حين ننطلق من توجه التعجيل بينما ننتظر وضعا ثوريا ، فإنه أحاط الدور المحوري للجريدة الثورية ، و الحاجة للنشر الجريئ للشيوعية فى كلّ ما نفعله، ،و أهمية الترويج لأعمال بوب آفاكيان ، و الحاجة إلى تنظيم الناس حول شعار "مقاتلة السلطة و تحويل الناس من أجل الثورة" لنشر الثورة و بناء مقاومة للطرق الرئيسية التى يهاجم بها النظام الجماهير ، و تخريط الناس فى الحزب، و إتخاذ مبادرات سياسية حول "الخطوط الحمراء" الإجتماعية التى تتركّز فيها أهمّ التناقضات الإجتماعية فى أي وقت معيّن، مثل النضال للإطاحة بنظام بوش.
وكذلك من المهمّ جدا هو التوجّه الإستراتيجي للجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا. هذا فى آن توجه و منهج ، مقاربة إستراتيجية لإعادة إصطفاف مختلفة القوى الطبقية بطريقة تقدّم هدف الثورة و النظرة الشيوعية الثورية التى ناقشت اليوم
و تركيزها فى موقع القيادة . و يحدث هذا عبر سيرورة معقّدة لما نسميه وحدة - صراع- وحدة ، أي تشكيل وحدة مع الناس ذوى الخلفيات و النظرات المختلفة جدّا حول المسائل الإجتماعية المفاتيح، كلّ من "الخطوط الحمراء" النقدية للنظام إضافة إلى مروحة أوسع ، خائضين الصراع داخل الوحدة حول مسائل كيفية رؤية العالم إيديولوجيا و سياسيا ،و عبر هذه السيرورة من التشابك الجدّي ، مطوّرين هذه الوحدة إلى مستوى أرقى و أعمق تجذّرا. و عبر كلّ هذا ، نهدف إلى إعادة تشكيل إستقطاب فى الوضع السياسي ، لتجاوز الإنقسامات و الفرقة و عدم الثقة و لقيادة الجبهة المتحدة التى ستكون ضرورية ليس للقيام بالثورة فقط بل للتقدّم بالأشياء على طول الطريق نحو المجتمع الشيوعي.
على ضوء كلّ هذا ، أريد أن ألفت الإنتباه إلى كتاب " لنطح بكافة الآلهة ! تحرير العقول و التغيير الراديكالي للعالم" الذى سيصدر فى الشهر القادم ... و الذى يتحدّى بقوّة شديدة الدين و الطريقة التى بها تعرقل المعتقدات الدينية الناس. و نشر هذا شعبيا بطريقة جدّ جريئة هو بالضبط نوع الشيئ المعني بتحدّى الناس ليقطعوا مع ذهنية العبودية و يخطوا خطوة إلى الأمام ليكونوا محرّري الإنسانية.
"حول إمكانية الثورة ":
فى النهاية ، من المهمّ هنا الحديث عن مسألة ذات دلالة كبيرة جدّا ألا وهي هل من الممكن فى بلد مثل هذا أن ننتصر؟ فى علاقة بهذا ، أرغب فى أن أقرأ بإقتضاب من المقال الهام للغاية الذى صدر فى جريدتنا ، "حول إمكانية الثورة ". يشير المقال إلى أن :
" فى خطاب له السنة الفارطة " التقدّم بطريقة أخرى" ( و الذى قد نشر تباعا فى "الثورة " و نشر برمته على الإنترنت) ، شدّ بوب آفاكيان الإنتباه إلى كون هناك "شيئان إثنان لا نعرف كيف نقوم بهما ، تحديدا ،مواجهة القمع و الإنتصار الفعلي حين يحين الوقت.الآن نقطة قول إن هذان شيئان لا نعرف كيف نقوم بهما ...هي لفت للإنتباه إلى أنه يتعيّن علينا العمل على هذه الأشياء ، بالطريقة المناسبة و ليس بالطرق غير المناسبة."
و يسترسل ليقول ، فى علاقة بمسألة الإنتصار حين يحين الوقت :
" علينا أن نعالج هذه المسألة و أن ننظر لمسألة الإنتصار على نحو جدّي للغاية و ليس على نحو طفولي ،و ليس على نحو يجعله حتى أسهل لهذا النوع من السلطة الرجعية الممركزة [ المتجسّدة فى الطبقة الحاكمة الإمبرياليةٍ] لتسحق أية محاولة لإيجاد عالم جديد."
لمزيد التشديد على هذا التوجه ، ضمّن بوب آفاكيان " التقدّم بطريقة أخرى" موقفا نشر فى "الثورة" ، "بعض النقاط الحيوية فى التوجّه الثوري – فى معارضة الموقف الطفولي و تشويهات الثورة " . يبدأ هذا الموقف قائلا :
" الثورة مسألة غاية فى الجدية و ينبغى تناولها بطريقة جدّية و علمية ،و ليس عبر عبارات الإحباط و المواقف و تحركات الذاتية و الفردية التى تذهب ضد تطوّر حركة ثورية جماهيرية إليها نتوق – و التى يجب أن تتميّز بوسائل جوهريا متّسقة مع و تخدم إيجاد عالم مختلف راديكاليا أفضل بكثير. الثورة و بصورة خاصة الثورة الشيوعية هي و لا يمكنها إلاّ أن تكون فعل جماهير الشعب ، منظمة و مقادة لإنجاز صراع متزايد الوعي للقضاء على كافة الأنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و التقدّم بالإنسانية إلى الأمام " ( " بعض النقاط الحيوية " نشر فى الأصل فى العدد 55 من "الثورة" ، 30 جويلية 2007 ،و أعيد نشره كملحق لكتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" ،ص 91)
بتوافق مع ذات هذا التوجه فى " التقدّم بطريقة أخرى " ، إنطلاقا من أساس ما قيل فى " بعض النقاط الحيوية " ، نادى آفاكيان للدراسة و الجدال فى مجال النظرية و المفاهيم ، فى علاقة بمشكل الإنتصار حين يحين الوقت. وكما عبّر عن ذلك :
" الآن ، فى خطابات سابقة ،تحدّثت عن عربتين فى علاقة بالإنتصار ، فى علاقة بإفتكاك السلطة عندما يظهر وضع ثوري و شعب ثوري بالملايين. و على ضوء ما قرأت أخيرا ( وهو كلّ "بعض النقاط الحيوية للتوجه الثوري- فى معارضة الموقف الطفولي و تشويهات الثورة ") و بهذا كأساس ، إذا أردتم ، أو كقاعدة ، و من وجهة نظر إستراتيجية و ليس من وجهة نظر آنية ، علينا أن نفهم دور هتين العربتين و العلاقة الجدلية بينهما . إنهما أمران منفصلان و فقط بتغيير نوعي فى الوضع ( كما تمّ الحديث عنه فى ما قرأت أخيرا من "بعض النقاط الحيوية") ...يمكن أن يوجد دمج للعربتين . إلى حينها ، يمكن أن يتطوّرا بصورة صحيحة و يجب أن يتطوّرا على نحو منفصل. العربة الأولى وهي أهمّ مركز إهتمام ومضمون الأشياء الآن ، هي العمل السياسي و الإيديولوجي للجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا ، منتبهين و معدّين سياسيا لظهور وضع ثوري و شعب ثوري على نطاق جماهيري واسع. و هذا ما يعنيه " التعجيل بينما ننتظر" تطوّر وضع ثوري.
العربة الثانية تحيل على وهي جوهريا تطوير النظرية و التوجه الإستراتيجي للقدرة على التعاطى مع الوضع و الإنتصار حين يمكن و يجب أن تدمج العربتان ، مع تغيّر نوعي فى المجال السياسي الموضوعي عند ظهور الوضع الثوري و الشعب الثوري ( كما تحدّثت عن ذلك هنا و كما عُبّر عنه بشكل مركّز فى "بعض النقاط الحيوية").
و من المناسب الآن بهذا المضمار إعارة الإنتباه إلى الحقل النظري و التفكير و الفهم الإستراتيجيين و التعلّم بطريقة عميقة و شاملة من شتى التجارب. و هناك حاجة لدراسة كلّ هذه التجارب المختلفة نوعيا و تلخيصها من أفق إستراتيجي صحيح ، كلّ هذا لأجل مراكمة المعرفة لتعميق الفهم النظري و المفهوم الإستراتيجي".
و بناءا على نقطة أثارها ماو ، شدّد آفاكيان على التوجه الجوهري الذى هو فى منتهى الأهمّية ألا وهو مدى أسر النفس بالخرافات و التقاليد و بما إعتبر إلى حدّ الآن صحيحا ، لكن عوض ذلك مقاربة كافة المشاكل بفكر نقدي و خلاّق ، قائم على مبادئ و مناهج علمية ".(3)
لذا بصدد تلك المسألة الكبرى ، مسألة الإنتصار حين يحين الوقت ، أودّ أن أوصي بقوّة بأن يقتني الناس كتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" وهو يحتوى على ذلك المقال أو التوجه إلى الأنترنت و قراءة المقال الذى قاده منهج بوب آفاكيان.

الخاتمة :
هذا هو إذا عرض عام للخلاصة الجديدة و إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية لأجل مجتمع مغاير راديكاليا وفى النهاية ، عالم شيوعي ، دون إستغلال و دون علاقات إضطهاد بين الناس. و هذه الخلاصة الجديدة قد "أدلجت" الثورة و أعادتها إلى الركح وهي تمثّل موضوعيا ، كما قال آفاكيان "مصدر أمل و جرأة على أساس علمي صلب"(4)
هنا نحتاج إلى أن نتمكّن من هذا جدّيا و أن نتوغّل فيه و نجعله قوّة إيديولوجية و سياسية شديدة لتغيير العالم ، بينما فى نفس الوقت " نشتبك" على نحو أشمل و بطريقة مستمرّة ، مع مجمل الأعمال الواسعة و المتواصلة التطوّر و الغنية و كذلك المنهج و النظرة اللذان يقدّمهما بوب آفاكيان .
و أرغب فى ان اختم بالتالى ، بقراءة فقرة من " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك؟ " فهي تصوّر المستقبل الشيوعي الذى من أجله نقاتل :
" اليوم من الممكن فقط أن نتخيّل و أن نحلم بالتعبيرات الإجتماعية التى سيتخذها المجتمع الشيوعي المستقبلي و كيف سيتم حلّها . كيف يمكن مقاربة مشكل مزج قوى الإنتاج المتقدّمة ،التى تتطلّب درجة هامة من المركزة،مع اللامركزية و المبادرة المحلية ( مهما كان معنى "المحلية" حينها)؟ كيف يمكن معالجة تربية أجيال جديدة من الناس ،وهي عملية منجزة الآن على نحو متفرّق و عبر علاقات إضطهادية ،فى العائلة ؟ كيف سيُعار الإنتباه لمجالات خاصّة من المعرفة ، أو للتركيز على مشاريع معينة ،دون جعلها" محميّة خاصّة" لبعض الناس ؟ كيف يمكن معالجة تناقض تمكين الناس من الحصول على قدرات و معرفة شاملين و فى نفس الوقت تلبية الحاجة إلى بعض الإختصاص؟ ما العلاقة بين المبادرات الفردية للناس و المساعى الشخصية من جهة و مسؤولياتهم و مساهماتهم الإجتماعية من جهة أخرى؟ يبدو أنه سيكون على الدوام حال أن بشأن مسألة خصوصية أو خلافية ، ستوجد مجموعة – و كقانون عام فى البداية أقلّية- سيكون لها فهم أصحّ و أكثر تقدّما ، لكن كيف سيستخدم هذا من أجل المصلحة العامة و فى نفس الوقت تمنع المجموعات من التصلّب و التحوّل إلى "مجموعات مصالح"؟ كيف ستكون العلاقات بين مختلف المناطق و الجهات ، بما أنه لن تبقى موجودة بعدُ بلدان مختلفة، و كيف تعالج التناقضات بين ما يمكن تسميته ب" المجتمعات المحلّية" و التجمعات الأعلى ، صعودا إلى النطاق العالمي؟ ماذا سيعنى بالملموس أنّ الناس مواطنو العالم حقيقة بالخصوص بمعنى المكان الذى يعيشون فيه و يعملون و ما إلى ذلك ، هل "سيتنقلون" من منطقة إلى أخرى من العالم؟ و كيف ستعالج مسألة التنوّع اللغوي و الثقافي فى مقابل الوحدة الإنسانية للعالم؟ و هل سيقدر الناس حينئذ ، حتى بكلّ هذا الفهم للتاريخ ، فعلا أن يعتقدوا فى أنّ مجتمعا مثل الذى نحن سجناء فيه الان قد وُجد ، فما بالك بإعلان أنه أبَديّ و اعلى قمّة إستطاعت الإنسانية بلوغها؟ من جديد هذه الأسئلة و عديد ، عديد الأسئلة الأخرى لا يمكن إلاّ أن تكون موضوع تخمين و حلم اليوم ، لكن حتى طرح هذه الأسئلة و محاولة تصوّر كيف ستتمّ معالجتها ، فى مجتمع لم يعد فيه إنقسام طبقي و عدائية إجتماعية و هيمنة سياسية و فى حدّ ذاته محرّر تحريرا هائلا بالنسبة لإنسان ليس له أي أدنى مصلحة فى النظام الحالي.(5)
أليس هذا مستقبل يستحق أن تكرسوا له حياتكم؟
لنمسك بالخلاصة الجديدة ! لنكن جزءا من تحرير الإنسانية !
الهوامش
1/ " القيام بالثورة..." ،ص 40
2/ "القيام بالثورة..." ، ص11
3/ "حول إمكانية الثورة " ضمن كتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" ( 1 ماي 2008) ،ص 80-81 ، متوفّر على الأنترنت.
4/ "القيام بالثورة..."،ص 37
5/ "الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ " ( شيكاغو : بانر براس ،1986)



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعية كعلم- RCP,SA
- حول القادة و القيادة RCP,SA
- القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأم ...
- من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاءRCP ,SA
- الثورة التى نحتاج ...و القيادة التى لدينا – رسالة و نداء من ...
- الشيوعية : بداية مرحلة جديدة بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الو ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب ال ...
- غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة_ ليني وولف
- الإمبريالية و السيدا / الأيدز فى أفريقيا( مقتطف من كتاب - عا ...
- بيع النساء : تجارة البشر العالمية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر ...
- من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة (التجربة ا ...
- هدف الماركسية هو الشيوعية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر، أفضل ض ...
- الرأسمالية ، البيئة و حماية البيئة فى ظل الإشتراكية ( مقتطف ...
- حقيقة الحرس الأحمر( مقتطف من كتاب- الثورة الماوية فى الصين: ...
- شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثان ...
- حقيقة التيبت : من الدالاي لاما إلى الثورة ( مقتطف من كتاب- ا ...
- الوجه الحقيقي لل-معجزة الصينية - (مقتطف من كتاب- الثورة الما ...
- حول تلخيص الحركة الشيوعية النيبالية ( مقتطف من كتاب – لندرس ...
- الحركة الشيوعية العالمية و دروسها التاريخية( مقتطف من كتاب- ...
- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم ...


المزيد.....




- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟