أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - الالتباس التاريخي في إشكالية الإسلام والحرية















المزيد.....

الالتباس التاريخي في إشكالية الإسلام والحرية


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1005 - 2004 / 11 / 2 - 09:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-
تظل اشكالية الإسلام السياسي من أكثر الاشكاليات اغراءً على البحث من قبل المفكرين العرب والغربيين وخاصة في هذا الوقت، حيث تتصاعد موجات الارهاب الأصولي الديني التي انطلقت أساساً عندما تمَّ تسييس الإسلام تسييساً حزبياً وعقائدياً من قبل جماعة الإخوان المسلمين منذ العام 1942 عندما ترشّح حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين للانتخابات النيابية في مصر وتراجع بعد ذلك نزولاً عند رغبة ونصيحة مصطفى النحاس باشا الذي نصح الإخوان بأن يبقوا هُداة لا قُضاة. وهذا ما ردده فيما بعد مرشدهم المستنير حسن الهضيبي، ولكن ما من مجيب. فإغراء الكراسي السياسية لا يقل قوة وتأثيراً عن اغراء النساء. وإذا كان هناك عاملان حاسمان في تشكيل التاريخ البشري فهما السياسة والجنس، ويصاف إليهما المال.

-2-
أهداني صديقي العزيز الأستاذ محمد الشرفي المفكر التونسي ووزير التربية والعلوم السابق كتابه (الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي) الذي سبق وصدر بالفرنسية ثم تمت ترجمته إلى العربية. والمفكر الشرفي صاحب تاريخ طويل في السياسة والثقافة والتعليم التونسي. وكان من العقول السياسية والتربوية اليسارية البارزة في تونس في حقبة ما بعد بورقيبة، كما لعب دوراً مهماً وتاريخياً في اصلاح التعليم التونسي واصلاح التعليم الديني التونسي خاصة ما يتعلق باعادة هيكلة مناهج التعليم في جامعة الزيتونة الدينية التي تعتبر أقدم جامعة دينية اسلامية في العالم، مما أثار عليه حفيظة الأصوليين التونسيين وعلى رأسهم زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي. وقد اثمرت جهود المفكر الشرفي التربوية والتعليمية الإصلاحية إلى أن تصبح تونس الآن هي النموذج العربي المحتذى في الإصلاح التعليمي والتعليم الديني على وجه الخصوص.

أنا من أسوأ النقاد في عرض الكتب عرضاً صحافياً، فلهذا فنه وطرائقه التي لا أجيدها، رغم أنني ناقد أدبي، جئت من النقد الأدبي إلى النقد السياسي وحالي في ذلك حال طه حسين والعقاد ولويس عوض وسيد قطب وغالي شكري ورجاء النقاش وغيرهم. فأنا لا أجيد العرض بقدر ما أجيد النقد، ولهذا استطعت كتابة ستة كتب في نقد الشعر ، وستة كتب أخرى في نقد الرواية ، وكتابين في نقد القصة.. الخ.

لن أعرض كتاب (الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي) عرضاً صحافياً ولكني سأنقد بعض أفكاره. سآخذ لًباب الكتاب واتحدث عنه علماً بأن كتاب الشرفي كله لُباب من لم يأخذه كله فاته كله. يتألف كتاب الشرفي من أربعة فصول مهمة وحساسة هي: الأصولية الإسلامية ، والإسلام والقانون، والإسلام والدولة، والتربية والحداثة. وكل فصل من هذه الفصول العامة والشائكة والمتفرعة والجدلية يحتاج إلى كتاب كامل لكي يناقشه، ويلم بأطرافه التي شغلت الفكر العربي الإسلامي منذ العصر الأموي حتى الآن.



-3-
أهمية كتاب محمد الشرفي أن مؤلفه يكتب فيه من خلال التجربة وليس من خلال النظر فقط. لذا نرى أن في الكتاب أمثلة تونسية كثيرة واستعراض لتطبيقات تونسية في التربية والتعليم، عاشها وخبرها بل وشارك في هندستها واقامة صرحها محمد الشرفي، اثناء توليه لوزارة التربية والتعليم التونسية (1989-1994)، ومن خلال ترؤسه لجمعية حقوق الانسان التونسية، ومن خلال ممارسته كأستاذ للحقوق في الجامعة التونسية.

إذن، نحن أمام مؤلف جمع المجد الفكري من طرفيه: طرف النظر وطرف التجربة الواقعية الطويلة.

في فصل "الأصولية الإسلامية" وكنت أفضل أن يكون عنوان الفصل : " الأصولية الإسلامية السياسية" فذلك عنوان أدق لما يحتويه هذا الفصل من بحث في دور واثر الأصولية الإسلامية السياسية التي يقول الشرفي بأن سرعان ما تبين للجميع أن الأصولية الإسلامية انما هي مشروع سياسي قد يكون مدخلاً للعنف والرعب والظلم. وأن اللجوء إلى العنف باسم الدين ليس أمراً نظرياً بل إن سلوك الإسلاميين سواء كانوا في صفوف المعارضة أو كانوا في السلطة سلوك مفعم بثقافة العنف. ويخلص الشرفي في هذا الفصل إلى نتيجة أن "اللجوء إلى العنف باسم الدين ليس أمراً نظرياً، بل إن سلوك الإسلاميين سلوك مفعم بثقافة العنف". ويضرب الشرفي أمثلة على ذلك من ايران والسودان ومصر والجزائر وغيرها. ويخلص الشرفي إلى القول إلى أن "مشكل العالم الإسلامي هو غياب الوضوح في خصوص المسالة الجوهرية المتعلقة بالعلاقة بين الإسلام والقانون والدولة".



-4-
كان مطلب تخليص الإسلام من (إسلام الفقهاء) مطلباً متداولاً وملحاً منذ مطلع هذا القرن، مع ظهور وانتشار الفكر العلماني على أيدي رواد الحداثة العربية في مطلع القرن العشرين بقيادة شبلي شميّل وعبد الرحمن الكواكبي واسماعيل أدهم وفرح انطون وسليم وسليمان البستاني وعبد العزيز الثعالبي ثم طه حسين ومحمد حسين هيكل ومنصور فهمي ولويس عوض وغيرهم. فقضيتنا الكبرى كما يقول الشرفي في فصل (الإسلام والقانون) هي السجن الجماعي الذي أودعنا به أنفسنا بأنفسنا. فلا تطور لنا، نحن المسلمين دون حرية ولا حرية دون الإفلات من هذا السجن التاريخي. والمعركة الملحة اليوم هي حرية المسلم في أن يجتهد في فهم الإسلام ويؤوّله كما يدركه. وهذا يقتضي الغاء دور الفقهاء الذين يرمون كل مجدد ومجتهد بالردة التي تهدد حياته باعتبارها أداة ظلت مستعملة حتى الآن لمنع كل تفكير قد يؤدي إلى التجديد والابتكار. ولعل القول بأن "ما أغلقه السلف لا يفتحه الخلف" هو تلخيص لمشكلة الحرية الكبرى في التفكير الإسلامي المعاصر. فشرعية الفقهاء نابعة من كونهم محسوبين على احتكار الحقيقة الدينية. ومن هنا حرص الفقهاء دائماً على ربط القواعد التي ابتدعوها بالتعاليم الدينية حيث أن مهمتهم محصورة في تأويل الإرادة الإلهية.

-5-
يسوّد محمد الشرفي عشر صفحات (ص80- 90) لكي يثبت أن الحدود والعقوبات في الشريعة الإسلامية كانت لذاك الزمان الذي جاءت فيه، ولم يعد لها مكان الآن. وهو بهذه المحاجة يخوض في قربة مقطوعة، حيث أن الموضوع قد استهلك من قبل مفكرين وكتاب كثيرين بتوا فيه البت الديني والمدني وعلى رأسهم المصلح المصري الشيخ خالد محمد خالد في مختلف كتبه الأولى (من هنا نبدأ، لكي لا تحرثوا في البحر، وهذا أو الطوفان) كان عليه أن يستغل هذه الصفحات الطوال التي أهدرها في قضية باتت مستهلكة ومن الماضي، ولم تعد قائمة إلا في أدبيات الجماعات الإسلامية الساعية إلى الحكم. فمن يطبق حدود الزنا والسرقة وغيرها الآن في العالم العربي غير السعودية نتيجة لظروف سياسية واجتماعية معينة، في وجه مطالبة لجان حقوق الانسان في العالم وجمعيات العفو الدولية لالغاء هذه العقوبات واستبدالها بعقوبات مدنية تمت إلى العصر الذي نعيش فيه. فالشريعة مثلها مثل القانون الروماني بالنسبة لأوروبا تم وضعها في ظروف معينة وخدمت تلك الظروف. لكن الظروف تجاوزتها الآن كما تجاوزت القانون الروماني الذي تخلصت منه أوروبا.

كذلك انشغل الشرفي في كتابه بضرورة الغاء تعدد الزوجات في العالم العربي وأهدر الكثير من الصفحات في استعراض الأقوال والحجج. وهذا الموضوع مثله مثل موضوع الحدود. فما هي نسبة الذين يتزوجون أكثر من واحدة في آن واحد في العالم العربي؟ انها فئة قليلة من الأغنياء وأصحاب الجاه والثراء، وهي ظاهرة أخذت بالانحسار في العالم العربي. وكان الأجدى أن تخصص الصفحات التي أهدرت في محاجة هذا الموضوع في الحديث عن مساواة الرجل بالمرأة، فذلك أكثر فائدة ونفعاً.

-6-
العدل أساس القوة السياسية.

فلو لم يكن عمر بن الخطاب عادلاً لما استطاع ايقاف تطبيق بعض ما شرّعه الله كقطع يد السارق ودفع المال للمؤلفة قلوبهم، ومنح الأراضي للمقاتلين، والسماح للمسلمين بالزواج من المسيحيات واليهوديات.. الخ.

ولو لم يكن كمال أتاتورك عادلاً لما استطاع اسقاط الخلافة الإسلامية رغم أن هناك من يقول بأنه لو لم يُسقط أتاتورك الخلافة لسقطت هي من تلقاء نفسها بحكم الحتمية التاريخية التي تُشعل الثورات وتُسقط الإمبراطوريات.

في الفصل الثالث يتحدث الشرفي عن جدلية الإسلام والدولة، ويقرر أن لا دولة في الإسلام وهو ما قاله من قبل الشيخ علي عبد الرازق في كتابة (الإسلام وأصول الحكم، 1925)، وقالوه معظم المفكرين العلمانيين لكي يواجهوا به دعاة الخلافة الإسلامية وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين الذين تخلوا أخيراً عن اقامة الدولة الدينية، وطالبوا باقامة دولة مدنية كما جاء على لسان محمد السيد حبيب عضو مكتب الارشاد في مصر الذي قدم شعارات سياسية حداثية وليبرالية جديدة للإخوان في مقابلة صحافية مهمة (موقع الإخوان المسلمين على الانترنت ، 28/2/2004 ) .

والحقيقة التي يجب أن يعترف بها العلمانيون وغيرهم من منكري أن الإسلام دين ودولة ومنكري الدولة الإسلامية، سواء كانت دولة الرسول في المدينة أو دولة الخلافة الراشدية، بأن الإسلام دولة، وبأن الإسلام كان دولة قبل أن يكون ديناً مكتملاً، وأن الخلفاء الراشدين كانوا سياسيين أكثر منهم رجال دين، فلم يضيفوا فكراً جديداًً إلى الدين بقدر ما أضافوا افكاراً جديدة إلى السياسة وبناء الدولة. ولكن السؤال ليس هنا، ولكنه في هل هذه الدولة تصلح لنا الآن؟ لقد أجبنا على هذا السؤال في مقالنا (لماذا دولة الرسول والراشدين لا تصلح لنا الآن؟ "إيلاف" 4/10/2004). وهذا هو الهدر الآخر للصفحات الطوال التي سوّدها الشرفي لاثبات غير مقنع أن لا دولة في الإسلام. وكان من الأفضل أن تُكرّس هذه الصفحات بالاعتراف البسيط والسريع بأن هناك دولة في الإسلام، ثم الانتقال للاجابة على سؤال: لماذا هذه الدولة لا تصلح لنا الآن؟ وبيان الأسباب التي تجعلها لا تصلح لنا الآن، فذلك أبقى في الأرض وأنفع للناس.

هناك الكثير الكثير من الآراء التي طرحها هذا الكتاب بجرأة وشجاعة وهي جديرة بالنقاش في عدة مقالات. ويظل هذا الكتاب اضافة متميزة في الفكر السياسي الديني، يحاول أن يزيل الالتباس التاريخي عن علاقة الإسلام بالحرية.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيورّث عرفات سُهى الخلافة الفلسطينية
- لماذا كان -البيان الأممي ضد الارهاب- ولماذا جاء الآن؟
- العرب: جنون العظمة وعقدة الاضطهاد
- شارون وعرفات حليفان موضوعيان!
- ما هي مصلحة العرب من هزيمة الارهاب في العراق؟
- الانتخابات الأفغانية: خطوة الديمقراطية الأولى على طريق الألف ...
- الإجابة على سؤال: لماذا دولة -الرسول- و-الراشدين- لا تصلح لن ...
- لماذا -دولة الرسول- و-الراشدين- لا تَصلُح لنا الآن؟!
- أيها الأزاهرة: ارفعوا أيديكم عن ثقافتنا
- هل العرب مسلمون؟!
- لو أن شيراك قالها حقاً، لكانت عين الصواب!
- الليبراليون السوريون الجدد ينهضون
- يا فقهاء الدماء: اهتدوا بهذا الكاردينال!
- فقهاء سفك الدماء
- العفيف الأخضر يموت حياً!
- عرفات وألاعيب الحواة!
- هل الصدر آخر الدمامل المُتقيّئة في الجسم العراقي؟
- لماذا أصبح الارهاب خبز العرب؟!
- قدَمُ عمرو ورأسًُ عرفات!
- طريق الثورة الملكية الأردنية


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - الالتباس التاريخي في إشكالية الإسلام والحرية