أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - علاء عوض - المسارات السياسية للثورة المضادة















المزيد.....


المسارات السياسية للثورة المضادة


علاء عوض

الحوار المتمدن-العدد: 3368 - 2011 / 5 / 17 - 01:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


الثورة هى أقوى أشكال الصراع الاجتماعى وهى ترجمة لدرجة تطور هذا الصراع على المستوى الموضوعى ودرجة حدة الأزمات المجتمعية الناتجة عنه. والثورة ليست حركة احتجاجية محدودة باطار زمنى ومجموعة من المطالب الاصلاحية على الصعيد السياسى والاجتماعى ولكنها عملية تاريخية مستمرة تستهدف احداث تغييرات جذرية فى علاقات الطبقات الاجتماعية والبنى السياسية والثقافية المعبرة عنها. هذه الديناميكية التى تميز حركة الثورة تنعكس بالضرورة على مواقف القوى الاجتماعية المختلفة منها، ففى مرحلة ما من الممكن أن تلتف أكثر من قوى اجتماعية وتعبيراتها السياسية حول شعارات الثورة استنادا الى طبيعة مصالحها فى الصراع أتناء تلك المرحلة، بينما من الممكن أن يختلف الأمر كلية فى مرحلة لاحقة من تطور الثورة التى تطرح شعارات أكثر جذرية وفى هذه الحالة قد تنتقل قوى سياسية من الاصطفاف فى صفوف الثورة الى الانضمام الى صفوف أعدائها. ان الثورة المضادة هى العملية المضادة للثورة وتبدأ فى اللحظة الأولى لانطلاق الثورة وتتحدد تكتيكاتها ومساراتها السياسية بميزان القوى على الأرض.
كانت مشاركة القوى الاجتماعية فى حركة الثورة المصرية مركبة، فمنذ بداية انطلاقها فى 25 يناير كانت قطاعات شبابية تنتمى بالأساس الى الطبقة الوسطى هى المحرك الرئيسى للاحتجاجات ثم سرعان ما التف حولها قطاعات أوسع من الطبقات الشعبية وفقراء المدن وهؤلاء لعبوا دورا كبيرا فى انتصار الثورة فى معركتها الشرسة مع أجهزة الأمن القمعية، وبعد أيام قليلة بدأت نضالات الطبقة العمالية فى التواجد بشكل ملحوظ داخل حركة الثورة، ولم يكن هذا الدور وليد اللحظة الثورية بقدر ما كان امتدادا لسلسة من الاحتجاجات والاضرابات العمالية شهدتها مصر عبر السنوات السابقة للثورة (بدءا من عام 2006)، وكان دخول الطبقة العاملة ساحة الصراع عنصرا هاما فى حسم المهمة الملحة التى التفت حولها معظم طبقات المجتمع والقوى السياسية وهى الاطاحة بمبارك. ومنذ انجاز هذه المهمة فى 11 فبراير بدأت عملية اعادة ترتيب مواقف مختلف القوى الاجتماعية والسياسية من الثورة.
كان الطابع العفوى هو السمة الغالبة فى المشهد العام للثورة مما أدى الى غياب البديل السياسى المتبلور والقادر على تسلم السلطة واسقاط النظام، ولم يكن هناك خيار أمام البرجوازية المصرية سوى انتقال السلطة لقيادة الجيش للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاجتماعية وضمان سيطرتها السياسية. فى الوقت نفسه لم تستطع هذه الطبقة المهزومة أن تمنع استمرارية الاحتجاجات والاضرابات العمالية والشعبية واتساعها بشكل أفقى رغم تذبذب نطاقها الرأسى بين الصعود والانحسار، وقد كان لهذه الموجة الاحتجاجية قدرة عالية فى التأتير على صناعة العديد من القرارات السياسية وعلى ممارسة ضغط جماهيرى نجح فى اسقاط الحكومة وتحويل مبارك وأسرته للتحقيق القضائى وفتح العديد من ملفات فساد النظام البائد وحل جهاز أمن الدولة والحزب الوطنى، أى أننا أمام حالة من ازدواجية السلطة بين المجلس العسكرى بصلاحياته التى أوردها فى الاعلان الدستورى وبين حركة جماهيرية تشكل كتلتها الرئيسية العمال وصغار الموظفين والطبقات الشعبية فى المدن. كان المسار الأساسى للثورة المضادة فى الأيام الأولى للثورة يعتمد على المواجهة الأمنية العنيفة مستخدما آلة القمع البوليسى وميليشيات البرجوازية المنظمة والتى كانت من أهم الأدوات القمعية فى الانتخابات المصرية عبر السنوات الماضية، ولكن هذا المسار قد انكسر سريعا أمام شجاعة وبسالة الثوار الذين استطاعوا الحاق الهزيمة النكراء بكل هذه الأدوات القمعية، وتلا ذلك مسار المناورة السياسية وأكاذيب الحوار السياسى االذى لم يستطع أيضا أن يصمد فى وجه موجة الغضب العاتية فى الشوارع والميادين. وبعد 11 فبراير بدأت المسارات السياسية للثورة المضادة تتخذ ثلاثة محاور أساسية على المستوى الداخلى (لا أتناول فى هذا العرض مسارات الثورة المضادة التى تقودها الامبريالية وحلفاؤها على المستوى الدولى):
المحور الأول هو محاولة تفريغ الثورة من محتواها الاجتماعى واعتبارها ثورة سياسية قادها الشباب من أجل بعض الاصلاحات السياسية وحفنة من التعديلات الدستورية، فبدأت محاولات استقطاب بعض العناصر والرموز الشبابية النشطة الى موائد الحوار مع المجلس العسكرى والحكومة وابراز ذلك المشهد اعلاميا. فى الوقت نفسه كانت هناك حملة اعلامية شديدة قادها المجلس العسكرى بالتعاون مع الحكومة ورجال الأعمال ضد الاضرابات العمالية، واستخدموا المصطلح الشائع هذه الأيام، وهوالاحتجاجات الفئوية، فى توصيفها محاولين بذلك تفتيتها والتقليل من شأنها وتصويرها على أنها احتجاجات متناثرة تفتقد الارتباط بحركة الثورة وتقفز فوق نجاحها، واعتبر رجال الأعمال فى فضائياتهم أن العمال يستغلون لحظة الثورة للمطالبة بحقوق غير مشروعة!! كما اعتبر المجلس العسكرى والحكومة أن هذه الاضرابات تدفع البلاد باتجاه أزمة اقتصادية وركود فى الاستثمارات مما يهدد الوطن بالافلاس وربطا بين هذه الاضرابات والاعتصامات وبين فلول النظام السابق مما يجعلها فى صفوف الثورة المضادة من وجهة نظرهما. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل لجأ المجلس العسكرى والحكومة الى اصدار تشريع جائر يجرم هذه الاحتجاجات ويعاقبها بالحبس والغرامة المالية الطائلة وهى عقوبات لم ترد فى قوانين مبارك نفسه. والواقع أن هذه الاحتجاجات فى معظمها تناضل ضد الهيكل المختل للأجور وسياسات العمالة الجائرة فى الجهاز الادارى للدولة، وهى ضد الادارات الفاسدة للمؤسسات والمنشآت الانتاجية وهى أيضا ضد تفاقم ظاهرة البطالة خصوصا بين أوساط الشباب. ان تقديم حلول جذرية لهذه الملفات هو من المهمات الرئيسية للثورة المصرية التى رفعت شعارات العدالة الاجتماعية فى مقدمة مطالبها، وان عجز البرجوازية المصرية عن تقديم هذه الحلول فى اطار سيطرتها الاقتصادية أمر ثابت تاريخيا بحكم البنية المشوهة والطفيلية الريعية لهذه الطبقة التى ولدت تابعة ورجعية، وبالتالى فان السماح لهذه الاحتجاجات بالنمو والتطور سوف يهدد بالقطع مصالح هذه الطبقة ويسمح بميلاد موجة جديدة من الثورة المصرية توجهها الرئيسى ضد الاستغلال الطبقى والقهر الاجتماعى، وبالتالى كانت أهم مهمات الثورة المضادة هى وأد هذه النضالات وفصلها عن حركة الثورة. ومن الجدير بالذكر أن العديد من القوى الليبرالية وقوى الاسلام السياسى – وهى ضمن التعبيرات السياسية عن البرجوازية المصرية وقد وقفت فى صف الثورة حتى الاطاحة بمبارك- قد تبنت هذا الطرح لتنتقل مواقعها الى صفوف الثورة المضادة اتساقا مع مصالحها الطبقية. الاسلاميون والليبراليون الذين كانوا يطالبون الجماهير بالخروج الى الشوارع والميادين قبل 11 فبراير أصبحوا اليوم من أهم الداعين الى وقف أشكال الاحتجاجات تحت دعاوى الاستقرار وعدم الفوضى، لقد توقفت مطالباتهم بالديمقراطية عند حدود اسقاط مبارك وبعض من رموز حكمه الذى نجح عبر سنوات طويلة فى تهميشهم سياسيا ومواجهتهم أمنيا، وبعد هذا التاريخ طالبوا الجماهير بالتزام الهدوء والسماح لهم باستكمال مهام الديمقراطية كما يرونها. هذه هى ديمقراطية البرجوازية المصرية فى أزهى أشكالها، الوقوف فى مواجهة جماهير الفقراء المطالبة بنصيب عادل من الثروة وحقوق الحياة الكريمة والاكتفاء ببعض المكاسب السياسية الهزيلة التى تسمح لهم بلعب دور أكبر على المسرح السياسى أو من خلال آلة الحكم. ان تطور النضال الجماهيرى نحو مسارات راديكالية وتنظيم هذه النضالات من خلال التنظيمات القاعدية العمالية والشعبية كالنقابات واللجان الشعبية للدفاع عن الثورة هو الضمان الأقوى لاستمرار الثورة وانتصارها، كما أن فضح مواقف الليبراليين والاسلاميين المعادية للجماهير الفقيرة فى نضالاتها الاجتماعية والمعبرة عن مصالح فساد الرأسمالية هو من أهم المهام الثورية الراهنة.
وعلى صعيد آخر وفى نفس السياق، كانت هناك محاولات دؤوبة من رجال الأعمال والمجلس العسكرى لتعطيل اجراءات محاسبة الفاسدين من النظام السابق قضائيا وارتكز الخطاب السياسى والاعلامى على فرضية أن هذه الاجراءات سوف تدفع رؤوس الأموال والاستثمارات المحلية والأجنبية الى الهروب خارج البلاد خوفا من المساءلة القانونية، وظهرت عبارات مثل المصالحة ونبذ الانتقام والاستشهاد بنموذج مانديلا فى العدالة الانتقالية بجنوب افريقيا. والواقع أن ملاحقة ومحاربة الفساد أمر لا يعنى مجرد محاسبة بعض المنحرفين بالمعنى الأخلاقى ولكنه أمر بالأساس موجه ضد هذه النسخة من البرجوازية المصرية التى بدأت عملية انتاجها منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وهى الطبقة التى راكمت أصولها الرأسمالية عبر سلسلة طويلة من الفساد الذى وصل فى بعض مراحله الى درجة الحماية القانونية من خلال بعض التشريعات التى ترعاه وتكرسه، ولم يكن الفساد فى مصر حدثا مفردا مهما بلغت درجة اتساعه، ولكنه كان مؤسسة كاملة وكان هو الاطار الذى تمارس من خلاله هذه الطبقة سيطرتها الاقتصادية والسياسية. لقد كان الفساد مرتبطا بشكل عضوى بالبرجوازية المصرية الرثة وبالتالى فان مهمة ملاحقتة والدعوى الى استئصاله قد أصبحت مهمة أساسية فى حركة الثورة وهى تتسق مع جوهرها الاجتماعى، وان الدفاع عن الفاسدين والمفسدين ومحاولة حمايتهم من الغضب الشعبى هو بالأساس دفاع عن البرجوازية فى مواجهة الطبقات المصرية الفقيرة.
المحور الثانى هو استدعاء الفتنة الطائفية الى مشهد الصراع والدفع نحو ابرازها فى الصدارة بهدف حرف الصراع السياسى والاجتماعى الدائر عن مساراته فى اتجاه مسارات رجعية وظلامية. وهذه السياسة ليست حديثة على الخبرة المصرية، فلقد عرفها الشعب المصرى منذ الاحتلال البريطانى وحتى أيامنا هذه، ولقد استخدمها مبارك لفترة طويلة. والواقع أن الثورة المصرية كانت قد استطاعت كسر هذا الحاجز الطائفى منذ انطلاقها، فقد كانت مشاركة المسلمين والأقباط واضحة فى الثورة رغم رفض الكنيسة للمشاركة فى المظاهرات واعلان ذلك بشكل واضح، وكان المزاج العام فى ميدان التحرير طوال أيام الاعتصام الثمانية عشر السابقة لسقوط مبارك يغلب عليه الطابع العلمانى دون أى شعارات أو مطالب دينية، ولم تشهد هذه الفترة رغم الغياب الأمنى الكامل أى حوادث اعتداء على دور العبادة أو اشتباكات ذات طابع طائفى. لقد كانت لحظة الثورة قادرة على التصدى للطائفية وعدم السماح لها بالظهور فى المشهد. وبعد 11 فبراير، وظهور التحالف بين قوى الاسلام السياسى والمجلس العسكرى وابراز التيار السلفى على الساحة السياسية (رغم أنه كان من أهم التيارات التى دعمت نظام مبارك وحاربت الثورة وأصدرت العديد من الفتاوى التى تحرم التظاهر وتكفر الخروج عن الحاكم) وتقديم رموزه كقادة سياسيين ودينيين، والافراج عن قيادات الجماعة الاسلامية ذات العقيدة الجهادية التى تستند الى العنف وتقديمهم اعلاميا كأبطال، بدأ استدعاء الفتنة الطائفية لتظهر حوادث الاعتداء على الكنائس والاعتداء على الأقباط بدنيا (تم قطع أذن أحد الأقباط فى صعيد مصر بدعوى تطبيق الحد عليه) واعادة احياء قصص المسلمات الجدد ودعاوى احتجازهن وتعذيبهن داخل الكنائس ونشر دعايات حول تسليح الكنائس والأديرة القبطية ووصلت درجة عنف المواجهات الطائفية الى حد القتل (فى أحداث امبابة كانت نتائج المواجهات 12 قتيلا ومئات الجرحى). ومن البدايات المبكرة لاستدعاء الطائفية كانت التعبئة الدينية التى مارسها الاسلاميون فى استفتاء التعديلات الدستورية والتى خلقت حالة شديدة من الاستقطاب الطائفى فى ممارسة دعائية هى بالأساس سياسية. وكانت أكثر أشكال النزاعات الطائفية دلالة هى احتجاجات الجماهير فى قنا (محافظة فى صعيد مصر) بعد تعيين محافظ جديد قبطى وهو أيضا ضابط شرطة سابق وله علاقات تاريخية بجهاز أمن الدولة، حيث اتخذت الاحتجاجات شكلا طائفيا رغم أنها فى جوهرها تعبر عن رفض الجماهير لآلية تعيين المحافظين وحرمانها من الحق فى اختيارهم، هذا الجوهر الذى كان من المنطقى أن يتخذ طابعا ديمقراطيا، تم تهميشه اعلاميا وعلى الأرض اتخذ الاحتجاج طابعا طائفيا نتيجة تدخل التيار السلفى وسيطرته على الأحداث. والأمر الهام فى هذا السياق أن مسرح هذه الأحداث الطائفية غالبا ما يكون فى المناطق الفقيرة والمهمشة فى القرى والنجوع والعشوائيات، ويحتل صعيد مصر موقعا خاصا فى هذا المسرح، أى أن مناخ انتشار الفقر والأمية والخرافة هو الذى يسمح بانتشار هذه الدعاوى. وهنا يجب التوقف عند كيفية تعامل اليسار الثورى مع تلك الأزمة، فاليسار الثورى بالقطع هو ضد التمييز الدينى والطائفى ويدعم علمانية الدولة والنظام السياسى باعتبار أن هذا الطرح يشكل جزءا هاما فى الرؤية الديمقراطية، ولكن الانزلاق الى الدائرة الضيقة التى تخنق الصراع الطبقى وتختزله الى صراع بين الدولة العلمانية والدينية على أرضية شعارات ديمقراطية خالية من أى محتوى اجتماعى هو أمر يجب تجنبه، ولابد أن تكون دعاية اليسار الثورى وخطابه السياسى مرتكزة على حقيقية أن الطائفية هى افراز لواقع الفقر والأمية الناتجين عن الاستغلال الطبقى، وأن تكون الجهود التعبوية الجماهيرية فى اتجاه أن الديمقراطية ترتبط ارتباطا عضويا بمكافحة الفقر وأن التمييز الطائفى هو جزء من قهر اجتماعى أكثر شمولا. وبالرغم من أن الاتجاهات الليبرابية والقومية من الممكن أن تتخذ موقفا معاديا لفكرة الدولة الدينية والتمييز الطائفى وتطالب بعلمانية الدولة، فانه يجب ابراز التمايز الجوهرى بين ديمقراطية الليبراليين التى تتوقف عند حدود مصالحهم السياسية وبين ديمقراطية اليسار الثورى التى تسعى نحو تفعيل الادارة الشعبية الكاملة فى السياسة والانتاج. ان الحديث عن وحدة سياسية بين اليسار الثورى والليبراليين فى هذا السياق هو حديث غير دقيق، ولكننا بالأحرى من الممكن أن نعتبره التقاء فى المهام العملية على أرضيات متمايزة من الضرورى ابرازها فى المشهد السياسى وفقا لمقولة نسير على حدة ونضرب معا.
المحور الثالث هو انجاز مهمات انتقال السلطة بغطاء ديمقراطى وجوهر لاديمقراطى.، وقد بدا ذلك التوجه مبكرا منذ أن تولى المجلس العسكرى الحكم فبالرغم من مطالبة الثوار بمجلس رئاسى مدنى انتقالى، فقد رفض المجلس العسكرى هذا المطلب بشكل قاطع منذ الأيام الأولى لتوليه، ولم يقبل سوى باستئثاره لقيادة المسار السياسى للمرحلة الانتقالية بما يضمن خلق آلية لانتقال السلطة تسمح باستمرار السيطرة السياسية والاقتصادية للبرجوازية، وطرح سيناريو انتقالى يحافظ على الأطر التشريعية لللنظام. وكانت بداية هذا المسار تشكيل لجنة لاعداد تعديلات فى بعض مواد دستور 1971 فى مواجهة المطالبات الشعبية بصياغة دستور جديد للبلاد، وكانت هذه المواد فى غالبها هى نفس المواد التى أحالها مبارك للتعديل وكان تيار الاسلام السياسى هو الفصيل الوحيد الممثل فى تشكيل هذه اللجنة التى صاغت بعض التعديلات التى تتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية وتحديد مدة الرئاسة وصحة عضوية المجالس النيابية، غير أن أخطر ماتضمنته هذه التعديلات أنها قدمت آلية غير ديمقراطية فى وضع الدستور الجديد تستند الى أرضية التمثيل البرلمانى الذى يتجاهل أوضاع الأقليات والمطالب النوعية للعديد من القوى الاجتماعية والمهنية. ان الدستور هو عقد اجتماعى توافقى واطار جامع لكل مكونات الشعب، بخلاف القانون الذى هو اطار ملزم. وبعد اعلان نتيجة الاستفتاء التى جاءت فى صف هذه التعديلات بفعل الدعاية الطائفية الكثيفة التى استندت الى تصدير أوهام الحفاظ على الهوية الاسلامية للوطن من خلال بقاء المادة الثانية فى الدستور والتى لعبت فيها تيارات الاسلام السياسى الدور الأهم، أصدر المجلس العسكرى اعلانا دستوريا يكرس دستور 1971 مع تعظيم صلاحياته لتشمل صلاحيات السلطة التشريعية الى جانب صلاحيات رئيس الجمهورية. نجحت الخطوة الأولى فى السيناريو الانتقالى فى الحفاظ على الاطار القانونى لحكم البرجوازية، وبدأت الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة تعقبها انتخابات رئاسية لانهاء مهام انتقال السلطة. كان المطلوب هو انهاء الزخم الثورى فى الشوارع والمصانع والمؤسسات ودفع المجتمع الى معارك صناديق الاقتراع، تلك المعارك التى سوف ينتصر فيها بالقطع أصحاب الثروة ورموز العصبيات القبلية فى القرى ودعاة الشعارات الدينية، وبالتالى يعاد انتاج برلمانات مبارك برموز مختلفة وتحت غطاء ديمقراطى زائف. وفى الخلفية من المشهد كان المجلس العسكرى يصدر حزمة من التشريعات المعادية للديمقراطية مثل قانون الأحزاب الذى وضع العديد من المعوقات لاشهار حزب جديد خارج دوائر رجال الأعمال وأصحاب الثروة وقانون تجريم الاضرابات الذى يستهدف اجهاض النضالات العمالية. وفى الوقت ذاته كان المجلس العسكرى يقاوم بشدة كل الاحتجاجات المطالبة بتغيير القوانين الحاكمة لمؤسسات الدولة، تلك المؤسسات الذى استطاع مبارك أن يدمجها بشكل كامل وفريد فى نظامه السياسى وأن يسيطر عليها بجهازه الأمنى. أصر المجلس على بقاء قانون الجامعات والقوانين الحاكمة للمؤسسات الصحفية وقوانين تعيين المحافظين بكل ما تحمله من أنماط لاديمقراطية فى ادارة واختيار قيادات هذه المؤسسات، ووصل الأمر الى درجة اقتحام الجيش لجامعة القاهرة لفض اعتصام طلابى يطالب باقالة عميد كلية الاعلام أحد رموز نظام مبارك. كما استمرت الممارسات القمعية للشرطة العسكرية فى مواجهة التحركات الجماهيرية فى اعتصامات التحرير والاضرابات العمالية وبدأت اجراءات محاكمة المدنيين عسكريا تتسع لتشمل بعض النشطاء والمدونين. كانت هذه السياسات والممارسات هى الوجه الحقيقى اللاديمقراطى للمرحلة الانتقالية ولم تصلح كل مساحيق الديمقراطية الزائفة فى تجميل هذا الوجه.
كانت تيارات الاسلام السياسى من أكثر القوى الداعمة لهذا السيناريو، وهى أيضا شاركت فى اعداده، وكان هذا التأييد نابعا من فهمها للديمقراطية التى تعنى بالنسبة لها الحصول على القدر الأكبر من المكاسب السياسية الضيقة التى تسمح لها بالصعود، وكان الليبراليون أيضا غير رافضين لهذا السيناريو وان كانوا قد قدموا بعض التحفظات التى تتعلق بمحاولة خلق دور لهم فى صياغة الدستور وتأجيل الانتخابات البرلمانية بعض الوقت مما يسمح لهم بالدعاية السياسية اللازمة. الاسلاميون والليبراليون اتفقوا على ضرورة غيبة الجماهير من على المسرح والخروج من دائرة الصراع، لأن ديمقراطيتهم تقوم على تعظيم دورهم السياسى كنواب عن الجماهير التى ينتهى دورها بانتخابهم. ان هذا السيناريو يدفع بالمرحلة الانتقالية نحو اعادة تكريس حكم البرجوازية وتصفية الحركة الجماهيرية وتحويل الاحتجاجات العمالية والشعبية الى مجرد بطاقات فى صناديق الاقتراع. ان مواجهة هذا السيناريو هى من أهم المهمات الثورية فى اللحظة الراهنة، ولابد من طرح سيناريو بديل يقوم على انهاء حكم المجلس العسكرى وانتخاب مجلس رئاسى مدنى يقود مرحلة الانتقال والدعوة الى انتخاب جمعية تأسيسية بأعلى أشكال التمثيل الديمقراطى لوضع دستور جديد للبلاد، ولابد من مواجهة كل التشريعات اللاديمقراطية واسقاطها والعمل على انتزاع كل الحقوق السياسية عبر كافة أشكال النضال الجماهيرى والعمالى، واعادة صياغة مؤسسات الدولة بما يتيح القدر الأكبر من المشاركة الجماهيرية فى اداراتها. ان النضال من أسفل لبناء المنظمات الجماهيرية القادرة على مواحهة هذا السيناريو هو المهمة الأساسية للثورة، التغيير الجذرى لن تصنعه صناديق الاقتراع ولكن تصنعه حركة الكتل الاجتماعية على الأرض.


تم تقديم هذا الموضوع فى مؤتمر أيام اشتراكية - ندوة من يقود الثورة المضادة؟ - 14 مايو 2011 - القاهرة



#علاء_عوض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتجاجات الفئوية ما بين الثورة والثورة المضادة
- الثورة المصرية...نتائج وتوقعات
- الإخوان والدستور وعنق الزجاجة


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - علاء عوض - المسارات السياسية للثورة المضادة