أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الشيوعية : بداية مرحلة جديدة بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية، 2008















المزيد.....



الشيوعية : بداية مرحلة جديدة بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية، 2008


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3367 - 2011 / 5 / 16 - 10:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الشيوعية : بداية مرحلة جديدة
بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية، 2008

فصل من كتاب: المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية

فهرس الكتاب
1- تقديم.
2- الثورة التى نحتاج و القيادة التى لدينا.
3- الشيوعية : بداية مرحلة جديدة .
4- القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
5- من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء.
6- ملاحق :
أ- رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى الثورة بصدد دور بوب آفاكيان و اهمّيته.
ب- ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟
ت- حول القادة و القيادة.
ث- لمزيد فهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية : من أهمّ المواقع على النات.

الشيوعية : بداية مرحلة جديدة
بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
سبتمبر 2008
على عكس ما تصمّ به آذاننا بشكل ثابت، هذا النظام الراسمالي الذى نعيش فى ظله وطريقة الحياة التى يتصرف وفقها بشكل ثابت أو فى لحظة تتسبّ بقوة فى جعل الغالبية العظمى من الإنسانية فى حالة إغتراب.
لا يمثل أفضل عالم ممكن، و لا العالم الممكن الوحيد. الطرق التى سار فيها قطار الحياة اليومية ، لقرون وألفيات، وترتب عنها إغراق الغالبية الساحقة من الإنسانية و سحقها جسديا وروحيا ، بالإضطهاد والمعاناة و المهانة و العنف و الدمار و الحجاب المظلم من الجهل والخرافة، لا تعزى إلى خطإ إقترفته هذه الإنسانية المعانية ولا يعزى ل"إرادة " إلاه أو آلهة غير موجودة ، و ليس ناجما عن "طبيعة إنسانية" ثابتة لا يمكن تغييرها . كلّ هذا تعبير وإنعكاس لطريقة تطوّر المجتمع الإنساني إلى الآن فى ظلّ هيمنة الإستغلال والإضطهاد...لكن هذا التطوّر الذى جلب الإنسانية إلى نقطة حيث أن ما حدث لآلاف السنين يجب أن يتوقف وحيث طريقة حياة مختلفة تماما ممكنة فيها البشر فرديا ، وقبل كلّ شيئ فى تفاعلهم أن يكسروا السلاسل الثقيلة للتقاليد وينهضوا بشموخ وينتهجوا طرقا غير مسبوقة أو حتى لم يتمّ تخيلها بالكامل.
/ الظلام الطويل والإختراق التاريخي :I
إن العلاقات الإقتصادية والإجتماعية ، بما فيها الهيمنة المنظّمة على النساء من قبل الرجال وإنقسام المجتمع الإنساني إلى طبقات مختلفة ذات مصالح متناقضة ، لم تكن موجودة دائما فى صفوف البشر. وضع تحتكر فيه مجموعة صغيرة ليس فقط الثروة ولكن أيضا وسائل العيش ذاتها وبذلك تجبر أعدادا ضخمة على العمل كعبيد تحت سيطرتها، بشكل أو آخر، بينما تحتكر تلك المجموعة الصغيرة السلطة السياسية ووسائل فرض هذا الإستغلال و هذه السيطرة على الحياة الفكرية والثقافية للمجتمع،حاكمة على الغالبية الساحقة بالجهل والذلّ، لم يكن هذا الوضع جزءا ملازما للمجتمع الإنساني. وليس من المقدّر أن تبقى طريقة إرتباط البشر هذه بعضهم ببعض ما بقيت الإنسانية . فهذه الإنقسامات الإضطهادية التى ظهرت قبل آلاف السنين معوّضة أشكالا مبكّرة من المجتمعات المشاعية وجدت هي ذاتها لآلاف السنين والتى تشكّلت من مجموعات صغيرة نسبيا أهمّ ممتلكاتها مشتركة وتعمل بتعاون لتلبية حاجياتها ولتنشأة أجيال جديدة.
إنحلال هذه المجتمعات المشاعية البدائية ليس مردّه بعض "الميول الطبيعية " لدى الناس للبحث عن موقع متفوّق فوق الآخرين و "التقدّم" على حسابهم، و لا إلى "إستعدادات جينية وراثية" مفترضة لدى الرجال لإخضاع النساء أو"عرق" من الناس لغزو ونهب "أعراق" أخرى. لا شكّ أنه كانت هناك نزاعات أحيانا عندما إلتقى أناس من المجتمعات المشاعية البدائية ولم يكونوا قادرين بسهولة على التوفيق بين الإختلافات بينهم ، بيد أن هذه المجتمعات لم تتميّز بإنقسامات إضطهادية مؤسساتية صارت مؤلوفة لدينا جدّا اليوم. بالنسبة للناس فى تلك المجتمعات المشاعية ، فكرة أن يركّز البعض فى تلك المجتمعات كسادة على الآخرين ، و يبحثون عن الحصول على الثروة والقوّة بإجبار الآخرين على العمل لفائدتهم ، كانت ستبدو غريبة وشنيعة. بالأحرى ، ظهور الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإجتماعية الإضطهادية بين الناس تسبب فى تغيير طرق الناس فى التفاعل مع المحيط الطبيعي "الخارجي" و بخاصة فى تغيير طرق تنفيذ هؤلاء الناس لإنتاج المتطلبات المادية للحياة والتناسل وتنشأة الأجيال الجديدة.
وعلى وجه الخصوص، مع بداية تنفيذ تنظيم هذا الإنتاج وإعادة الإنتاج بطريقة بحيث أن أفرادا بدلا من المجتمع ككلّ، بدؤوا يسيطرون على فائض إنتاج المجتمع، الفائض عن مجرّد ضرورة البقاء على قيد الحياة، وبالخصوص مع إستقرار الناس تقريبا بشكل دائم على القطع المعينة من الأرض شرعوا فى الإنتاج الزراعي على الأرض أين إستقروا ثمّ أتى ليل طويل وفيه قُسّم البشر إلى سادة وعبيد، أقوياء وضعفاء، حكام ومحكومين ، من لهم دور حاسم فى تقرير إتجاه المجتمع ومن يتشكل قدرهم بهذه الطريقة حتى بينما ليس لهم دور فعّال فى تقرير ذلك المصير.
وعبر آلاف السنين من الظلام للأغلبية الغالبة من الإنسانية ،حلم الناس بحياة مغايرة حيث العبودية والإغتصاب وحروب النهب تنتهى و ينتهي الإغتراب مدى الحياة والمعاناة و اليأس عن تشكيل "الوضع الإنساني". وهذا التوق لعالم مختلف وجد التعبير عنه فى أشكال متنوعة من الخيالات الدينية، والبحث فى ما وراء العالم عن إلاه أو آلهة من المفترض أن تسيطر على مصير الإنسان و الذى من المفترض أنه فى حياة أخرى مستقلّة ، إن لم يكن ذلك فى حياته ،سوف يكافئ الذين تحمّلوا معاناة لانهائية زمن عيشهم على الأرض. ولكن وجدت أيضا محاولات تغيير الأمور فى هذا العالم إذ حدثت تمرّدات وإنتفاضات وهزات جماهيرية ونزاعات مسلحة وحتى ثورات فيها المجتمعات والعلاقات بين المجتمعات تغيرت إلى حدّ هائل. وسقطت حكومات وأطيح بأنظمة ملكية كما جرت الإطاحة بمالكي العبيد النبلاء والإقطاعيين.لكن لمئات وآلاف السنين، بينما تمّت التضحية بحياة عديد الناس بإرادة أو بغير إرادة ، كانت النتيجة أن فى هذه الصراعات ، جرى إستبدال حكم مجموعة بحكم مجموعة أخرى من الإستغلاليين والإضطهاديين ، و بشكل أو آخر، ظلت مجموعة صغيرة من المجتمع تحتكر الثروة والسلطة السياسية والحياة الفكرية و الثقافية، مهيمنة ومضطهدة الغالبية الغالبة وشانّة مرارا وتكرارا حروبا مع الدول الإمبراطوريات المنافسة.
وظلّ كل ذلك على حاله جوهريا إذ لم يظهر ضوء نهار جديد لجماهير الإنسانية بالرغم من تضحياتها وكفاحها... إلى أن برز شيئ جديد جذريا قبل أكثر من مائة سنة بقليل : نهوض الشعب الذى جسّد ليس فقط الرغبة ولكن كذلك إمكانية وضع حدّ لكافة العلاقات الإستغلالية والإضطهادية وجميع النزاعات العدائية الهدّامة ضمن البشر ، فى كل مكان من العالم. فى 1871، فى خضمّ حرب بين حكومت"هم" وألمانيا ،نهض الشغالون فى عاصمة فرنسا،الشغالون الذين كانوا لفترة طويلة مستغَلين ومفقرين ومذلين ،نهضوا لإفتكاك السلطة وتأسيس شكل جديد من المجتمع الإنساني. كانت هذه كمونة باريس التى وجدت فقط فى ذلك الجزء من فرنسا والتى دامت شهرين قصيرين لا غير، إلآ أنها مثلت شكلا جنينيا لمجتمع شيوعي فيه تلغى فى النهاية الإنقسامات الطبقية والإضطهادية بين الناس. وسحقت الكمونة بفعل وزن وقوة النظام القديم وذبح الآلاف فى محاولة جريئة لكنها فى النهاية غير مجدية للإبقاء على الكمونة. بيد أن الخطوات الأولى بإتجاه عالم جديد ، الطريق فُُتح والدرب تجلى وإن بصفة خاطفة حينها.
وحتى قبل أحداث كمونة باريس ، صيغت إمكانية عالم جديد راديكاليا ، دون إستغلال وإضطهاد ،صيغة علمية من خلال عمل كارل ماركس ، سوية مع معاونه ومعاصره ، فريديريك إنجلز مؤسسا الحركة الشيوعية. وكما وضع ذلك ماركس نفسه ، سنوات فقط قبل الكمونة :
" عندما تدرك العلاقة الداخلية ، فإن الإعتقاد النظري للضرورة الدائمة للظروف القائمة يتوقف قبل أن ينهار عمليا"(1)
وهذا ما فعله ماركس إذ نقّب علميا وكشف ليس فقط "العلاقات الداخلية" للنظام الرأسمالي الذى صار الشكل المهيمن للإستغلال فى أوروبا وكان يستعمر مناطق كبيرة من العالم، وإنما أيضا "العلاقات الداخلية" بين الرأسمالية وبقية الأشكال السابقة من المجتمع الإنساني وبقيامه بذلك بيّن أنه لا وجود ل "ضرورة دائمة " سواء فى إستمرار الرأسمالية أو فى وجود مجتمع آخر قائم على إستغلال وإضطهاد البعض للغالبية. فكان ذلك إختراقا عميقا فى فهم البشر للواقع، ما أسّس نظريا لإختراق تاريخي ،عالمي عمليا لتثوير غير مسبوق للمجتمع الإنساني والعلاقات بين الناس عبر العالم كافة.
أكثر إكتشافات ماركس جوهرية هو أن المجتمع الإنساني و العلاقات بين الناس فى المجتمع ،لا تقرّرها أفكار وإرادات الأفراد ،سواء تعلّق الأمر بأفراد من البشر أو بكائنات خارقة خيالية، بل تقرّرها الحاجة التى يواجهها الناس فى إنتاج وإعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة و طريقة ترابط الناس والوسائل التى يستعملونها ، لتلبية تلك الحاجة. وفى عالم اليوم ، بالتقنية العالية التطوّر المتوفرة - وبالخصوص بأولئك الذين أبعدوا عن السيرورة العملية لإنتاج المتطلبات الأساسية للحياة- من اليسير نسيان أنه إذا لم يُنجز النشاط الإنتاجي لتلبية تلك المتطلبات ( الغذاء و السكن والنقل وما إلى ذلك ) وإذا لم تستطع المجتمعات الإنسانية أن تعيد إنتاج أفرادها الخاصين ، فبالتالي ستتوقف تقريبا الحياة وأن كافة ما يستمرّ فى المجتمع والذى يعتبر سيره تقريبا بديهيا طالما أن الأمور فى المجتمع تمضى "عادية" لن يكون ذلك ممكنا. وكان التوغل فى كافة تلك الطبقات المعقدة لتطوّر التاريخ الإنساني و التنظيم الإجتماعي لهذه البنية التحتية و الصميم الضروري لسير المجتمع الإنساني مكسبا عظيما ومساهمة أممية من ماركس.
لكن ماركس أثبت أيضا أن ،فى أي وقت كان ، مهما كانت الوسائل المستعملة فى إنتاج و إعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة ( مهما كانت طبيعة قوى الإنتاج – الأرض والمواد الأولية و التقنية ، سواء البسيطة أو المعقدة، والناس ذاتهم بمعارفهم وقدراتهم-) هي التى تقرّر بالأساس وفى النهاية طريقة تنظيم الناس وعلاقات الإنتاج التى يدخل فيها الناس لكي يستعملوا على أفضل وجه قوى الإنتاج. ومرّة أخرى، أثبت ماركس أن علاقات الإنتاج هذه ليست مسألة إرادة أو نزوات أفراد مهما كانوا أقوياء وإنما ينبغى بالضرورة أن تتوافق أساسا مع طابع قوى الإنتاج فى أي زمن معيّن. على سبيل المثال، إذا كانت تقنية المعلوماتية وسيرورات الإنتاج ذات العلاقة التى هي اليوم محورية فى الإقتصاديات الحديثة، وجدت فى المجتمعات المتكونة من مجموعات صغيرة من الناس التى تبحث عن الكلأ وتصطاد فى مناطق شاسعة ( نسبة لحجم سكانها) ، وهي طريقة الحياة فى المجتمعات المشاعية البدائية، فإن إدخال هذه التقنية سيجلب تغييرات مثيرة فى طبيعة تلك المجتمعات : ستتصدّع طريقة حياتهم وتتغيّر بشكل ذو دلالة. وكذلك وعلى سبيل المثال ،لا يمكن للتقنية الحديثة أن تستعمل بفعالية فى فلاحة المزرعة التى كانت العمود الفقري لطريقة العيش فى جنوب الولايات المتحدة ن أثناء حقبة العبودية ولما يناهز القرن بعد الإلغاء القانوني للعبودية عبر الحرب الأهلية فى عشرينات القرن التاسع عشر . فتلك الفلاحة الزراعية تميّزت بمستوى منخفض من التقنية لكن العمل كان ينجز بالتعويل على العمل المركز أولا بالأعداد الكبيرة من العبيد وبعد ذلك بالمزارعين بالريع والمزارعين: و الكدح الشاق من "الفجر حتى الليل" وفى الحقيقة ، فى الفترة الموالية للحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص ، قد قوّض إدخال التقنية الجديدة إلى الزراعة الجنوبية ،لا سيما الجرارات والزراعة الآلية والحاصدات ، على نطاق أوسع فأوسع، نظام الزراعة القديم وكان الحافز الرئيسي فى دفع عديد السود الذين قيدوا سابقا إلى الأرض بشكل أو آخر ، خارج الأرض نحو مدن الشمال وكذلك مدن الجنوب. و هذا ،بدوره ، شكّل جزءا هاما من القاعدة المادية التى على أساسها شنّ النضال لإنهاء الميز القانوني والإرهاب المفتوح للكلوكلوكس كلان ودعاة تفوّق عنصري آخرين – وهو نضال عبر تضحيات وبطولات عظيمة ،أحدث تغييرات هامة جدا فى المجتمع الأمريكي ،و فى موقع السود بصفة خاصة ،حتى ولو أنه لم يضع ولم يستطع أن يضع نهاية لإضطهاد السود الذى كان ويظلّ اليوم عنصرا تاما وأساسيا من النظام الرأسمالي – الإمبريالي فى الولايات المتحدة الأمريكية.(2)
ويجسد هذا حقيقة حاسمة أخرى كشفها ماركس ألا وهي أنه على أساس علاقات الإنتاج القائمة فى أي وقت كان سينهض بناء فوقي من السياسة والإيديولوجيا – هياكل سياسية ومؤسسات وسيرورات وطرق تفكير وثقافة – يجب جوهريا وستتماشى مع وبدورها ستخدم الحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة و تعزيزها. وبيّن ماركس أكثر بأنه نظرا لأن التغييرات فى قوى الإنتاج ستقود إلى ظهور علاقات إنتاج متميّزة بالإخضاع و الهيمنة فإن المجتمع إنقسم إلى طبقات مختلفة، موقعها فى المجتمع مستند إلى أدوارها المختلفة فى سيرورة الإنتاج. فى مجتمع منقسم إلى طبقات، الطبقة المهيمنة إقتصاديا ، المجموعة فى المجتمع التى تحتكر الملكية والسيطرة على وسائل الإنتاج الرئيسية ( التقنية و الأرض والمواد الأولية إلخ)هي التى ستهيمن أيضا على البنية الفوقية السياسية والإيديولوجية. وهذه الطبقة المهيمنة إقتصاديا ستمارس إحتكارا للسلطة السياسية التى تتجسّد فى الدولة وبخاصة وسائل القمع السياسي ومن ذلك الشرطة وكذلك الجيش و النظام القانوني والمؤسسات الجزائية وإضافة إلى السلطة التنفيذية وهي تتخذ تعبيرا مركزا فى إحتكار القوات المسلحة "الشرعية". لذا، طرق التفكير السائدة هي أيضا سائدة فى المجتمع بما فى ذلك كما يجرى التعبير عنها فى الثقافة ستتماشى مع نظرة ومصالح الطبقة المهيمنة ( مثلما أوضح ذلك ماركس وإنجلز فى "بيان الحزب الشيوعي"طالما أن المجتمع منقسم إلى طبقات، فإن الأفكار السائدة فى أي فترة هي دائما أفكار الطبقة الحاكمة).
ثمّ ما هو الأساس الجوهري وما هي القوى الكامنة الدافعة لتغيّر المجتمع؟حلّل ماركس كيفية أنه عبر نشاط وإبداع الناس ، تتطوّر بإستمرار قوى الإنتاج وعند نقطة معينة ستدخل قوى الإنتاج التى تطوّرت فى تناقض عدائي مع علاقات الإنتاج القائمة ( ومع البنية الفوقية والسياسة والإيديولوجيا التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ) عند هذه النقطة ، كما وصف ذلك ماركس ، تصبح علاقات الإنتاج القائمة ، بمعنى شامل ، قيدا وعرقلة لقوى الإنتاج ، وحين يظهر الوضع ، ينبغى القيام بثورة هدفها تثوير علاقات الإنتاج ورفعها إلى مستوى قوى الإنتاج ،لإيجاد وضع حيث علاقات الإنتاج تكون ملائمة أكثر لذلك التطوّر. ومثل هذه الثورة ستدفع إليها قوى تمثّل طبقة تجسّد إمكانية إنجاز هذا التحويل لعلاقات الإنتاج. ولكن هذه الثورة يجب ولا يمكن لها إلا أن تحدث فى البنية الفوقية – فى الصراع من أجل السلطة السياسية على المجتمع، عبر الإطاحة بسلطة الدولة القديمة وتفكيكها وإرساء سلطة دولة جديدة- مما يمكّن حينئذ من تغيير علاقات الإنتاج وكذلك البنية الفوقية ذاتها ،فى إنسجام مع مصالح الطبقة الحاكمة الجديدة وقدرتها على أن تطلق تماما قوى الإنتاج وعلى أن تستعملها.
وبالطبع ،الثورة سيرورة معقدة للغاية ،تشمل العديد من الناس والمجموعات المختلفة وذات وجهات النظر والأهداف المتنوعة والذين ينجزون مثل هذه الثورة قد يكونون أقل أو أكثر وعيا بالتناقضات الكامنة ( بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج) التى أرسى تطوّرها حاجة وظهور الديناميكية التى جعلت مثل هذه التناقضات و الديناميكية تجلبان إلى المقدمة أولئك الذين يمكن أن يتقدّموا ويتقدّمون جوهريا بموجب الحاجة لتحويل علاقات الإنتاج لجعلها تنسجم مع تطوّر قوى الإنتاج. هذا ما حصل ،على سبيل المثال ،فى الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، أكثر الثورات البرجوازية راديكالية : عديد القوى الطبقية والمجموعات الإجتماعية المختلفة شاركت فى تلك الثورة ، لكن فى آخر المطاف كانت القوى السياسية هي التى مضت فى إرساء النظام الرأسمالي ، بدلا من النظام الإقطاعي القديم، وهي التى كانت قادرة على التخندق فى السلطة جوهريا لأن هذا التغيير فى الإقتصاد وفى المجتمع ككل على ذلك الأساس ، مثّل وسيلة ضرورية لجعل علاقات الإنتاج تنسجم مع قوى الإنتاج التى تطوّرت.
وتزوّدنا الحرب الأهلية الأمريكية أيضا بتوضيح للمبادئ والمنهج الأساسيين الذين طوّرهما ماركس وطبّقهما على تاريخ المجتمع الإنساني. جرت بالأساس نتيجة أن نظامين للإنتاج ( متميّزين بنظامين مختلفين من علاقات الإنتاج : الرأسمالية و العبودية ) بلغا نزاعا عدائيا وما عاد بوسعهما التعايش ضمن نفس البلاد. و نتيجة لهذه الحرب الأهلية التى إنتهت بإنتصار الطبقة الرأسمالية ،المرتكزة فى الشمال، قضى على النظام العبودي ، وبات النظام الرأسمالي مهيمنا فى البلاد ككل، حتى وإن بالخصوص إثر فترة قصيرة من إعادة البناء التى تلت الحرب الأهلية، جرت إعادة إدماج الأرستقراطية و الملاكين العقاريين والرأسماليين المتطوّرين فى الجنوب فى الطبقة الحاكمة لهذه البلاد قاطبة وبالفعل كان لذلك تأثير عظيم داخل الطبقة الحاكمة، بينما أخضع العبيد السابقين ومجدّدا لأشكال من الإستغلال والإضطهاد بالكاد أقلّ ثقلا من العبودية ( وبعض أشكال العبودية الفعلية إستمرت فى الوجود لا سيما فى الجنوب، بعد فترة طويلة من الإلغاء القانوني الرسمي).
ومن هذه الأمثلة التاريخية ، يمكن أن نرى ان نفى الثورات التى أفرزت تغييرات نوعية فى المجتمع لكنها مع ذلك لم تؤدى سوى إلى تركيز طبقة مستغِلة فى الموقع المهيمن ، فإن النمط قد تكرّر حيث تقدّم الجماهير الشعبية المضطهَدَة (أو يقع التضحية بها) فى هذه الثورات ( مثلا 200 ألف من العبيد السابقين قاتلوا إلى جانب الشمال فى تلك الحرب ، وقُتلوا بنسب مائوية أرفع بكثير من غيرهم فى الجيش الإتحادي) ورغم ذلك، فى آخر المطاف جنا مستغلو الجماهير ،القدامى منهم والجدد ، ثمار هذه التضحية. وهكذا كان الأمر منذ زمن ظهور الإنقسامات الطبقية وهيمنة الطبقات المستغِلة تميّز المجتمع الإنساني. هذا كلّ ما كان ممكنا... إلى حينها.
ماهو ذو دلالة وهو محرّر هو أنّ ماركس كشف أن تطوّر المجتمع الإنساني ، بفعل الديناميكية التى أظهرها إلى النور ، أدّت إلى وضع فيه صار عالم آخر مغاير راديكاليا ممكنا. لقد بلغنا نقطة حيث ، عبر كافة التطوّر المعقّد الذى عرضنا فقط فى خطوط عامة هنا بكلمات بسيطة للغاية ، توجد الآن قوى إنتاج تجعل من الممكن إيجاد وتوسيع مستمرين لوفرة جوهريا بوسع الإنسانية ككل أن تتقاسمها وتستعملها لتلبية الحاجيات المادية للشعب فى كل مكان، بينما تزوّد الجميع أيضا بحياة فكرية وثقافية غناها فى إزدياد. ليس فقط كون التقنية تطورت لتجعل هذا ممكنا بصورة عامة لكن أيضا أن هذه التقنية بمستطاعها – وفى الواقع يجب - أن تستعمل من قبل مجموعات واسعة من الناس تعمل بتعاون. وبيّن ماركس التناقض الجوهري للنظام الرأسمالي الذى يسيطر على عالم اليوم، بمثل هذه الكلفة الكبيرة وبمثل هذا الخطر الكبير على الإنسانية : التناقض بين الطريقة المشتركة فى تنفيذ الإنتاج وكون سيرورة الإنتاج وما يُنتج يسيطر عليه ويملك فرديا من طرف عدد صغير من الرأسماليين.
ومثلما يشدّد على ذلك" القانون الأساسي" لحزبنا :" فى عالم اليوم، إنتاج الأشياء و توزيع المنتجات ينجزه بشكل كبير عدد كبير من الناس الذين يعملون جماعيا وهم منظّمون فى شبكات عالية التنسيق. و فى أساس هذه السيرورة جميعها توجد البروليتاريا وهي طبقة عالمية لا تملك شيئا رغم أنها قد صنعت هذه القوى المنتجة ذات الطابع الإجتماعي الهائل وهي التى تشغّلها. وهذه القوى الإنتاجية العظيمة بوسعها أن توفّر للإنسانية ليس تلبية الحاجيات الأساسية لكلّ فرد على الكوكب فحسب بل بناء مجتمع جديد له جملة من العلاقات الإجتماعية و القيم المختلفة كلّيا... مجتمع حيث يستطيع كلّ الناس أن يزدهروا سوية حقا و بالكامل."(3)
إنجاز هذا أي معالجة التناقض الرأسمالي الجوهري عبر الوسائل الثورية وتجاوز إنقسام الإنسانية إلى مستغِلِين ومستغَلِين ،حكام ومحكومين، هو هدف الشيوعية. وهذه ثورة تتناسب مع أكثر مصالح البروليتاريا جوهرية ، البروليتاريا التى تنفذ ، فى ظلّ شروط السيطرة والإستغلال الرأسماليين ،الإنتاج الجماعي والتى تجسّد إمكانية جعل علاقات الإنتاج تتناسب وقوى الإنتاج ومزيد إطلاق قوى الإنتاج تلك، بما فيها الناس ذاتهم . لكن على خلاف كافة الطبقات السابقة التى أنجزت ثورة لمصلحتها ، فإن البروليتاريا الثورية لا تهدف ببساطة إلى تركيز نفسها وممثليها السياسيين فى موقع الحاكم فى المجتمع ،بل تهدف إلى تخطى الإنقسام الإجتماعي إلى طبقات، لإجتثاث جميع العلاقات الإضطهادية وإلى جانب ذلك إزالة جميع المؤسسات والأدوات التى عبرها جزء من المجتمع يهيمن ويضطهد جزءا آخر. ومثلما لخّص ذلك ماركس ،تهدف هذه الثورة إلى – وستنتهى فقط إذا حققت- ما صار يسمى "الأربع الكل" : إزالة كل الإختلافات الطبقية، وكلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقية وكل العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج تلك وتثوير كل الأفكار التى تتناسب مع تلك العلاقات الإجتماعية. وبإختصار مفيد وبقوّة أدرك ماركس فحوى هذا بتشديده على أن البروليتاريا يمكن أن تحرّر نفسها فقط بتحرير كافة الإنسانية .
لكلّ هذا تمثل الثورة الشيوعية الثورة الأكثر جذرية وتحريرية حقا فى تاريخ الإنسانية.
عند إلقاء نظرة على التجربة التاريخية الهائلة التى منها إستقى إستنتاجاته ، أشار ماركس للفهم العميق بأن الناس يصنعون التاريخ ، لكنهم لا يصنعونه بالطريقة التى يتمنون. إنهم يصنعونه على قاعدة الظروف المادية وبشكل خاص الظروف و العلاقات الإقتصادية الكامنة التى ورثوها عن الأجيال السابقة والطرق الممكنة للتغيير الكامنة فى الطبيعة المتناقضة لهذه الظروف. وكما أشار بوب آفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية، فى "القيام بالثورة وتحرير الإنسانية " (الجزء الأول) :
" بوسعنا أن نعقد مقارنة هنا بالتطوّر فى العالم الطبيعي. واحدة من النقاط التى تمّ التشديد عليها مرارا و تكرارا فى الكتاب حول التطوّر الذى ألفته أرديا سكايبراك هو أن سيرورة التطوّر لا يمكنها أن تحدث تغييرات إلاّ على أساس ما هو موجود بعدُ...والتطوّر فى العالم الطبيعي يحدث ولا يمكنه إلا أن يحدث من خلال تغييرات تنهض على أساس وفى علاقة مع الواقع القائم و القيود القائمة (أو بصيغة أخرى ، الضرورة القائمة) (4).
ويزوّدنا هذا بالردّ الأساسي على الذين يثيرون سؤال : من أنتم لتقولوا لنا كيف يمكن تنظيم المجتمع؟ وبأي حقّ أنتم الشيوعيين يجب أن تملوا التغيّر الممكن وكيف يجب أن يتمّ؟ هذه الأسئلة تخطئ الهدف وهي تمثل عدم فهم جوهري لديناميكية التطوّر التاريخي ( وطرق التغيير الممكنة) فى المجتمع الإنساني وكذلك فى العالم المادي على الوجه الأعمّ . وهذا يشبه سؤال لماذا لا تستطيع الطيور أن تلد تماسيحا أو لماذا لا يلد البشر نسلا قادرا على الطيران حول الأرض ، لوحدهم ،فى لحظة ما ، قافزين على العمارات الشاهقة وبقفزة واحدة ويتمتعون برؤية أشعة سينية تخوّل لهم الرؤية من خلال الأجسام الصلبة ، ويودون معرفة : من أنتم لتملوا ما الذى سيحدث عبر التناسل ؟ ومن أنتم لتقولوا إن للنسل الإنساني خصائصا معينة وليس أخرى؟ ليست مسألة "من أنتم" لكن مسألة ما هو الواقع المادي وما هي إمكانيات التغيير الفعلي الكامنة ضمن الطابع (المتناقض) للواقع المادي. المسألة هنا مزدوجة : لأول مرّة فى تاريخ الإنسانية ،جعلت الظروف المادية ممكنا القضاء نهائيا على علاقات الهيمنة والإضطهاد والإستغلال، والفهم النظري لتوجيه النضال نحو ذلك الهدف نشأ على أساس من الواقع المادي وتطوّره التاريخي الذى ولّد هذه الإمكانية.
وفى نفس الوقت، لا يمكن لهذا التغيير التاريخي-العالمي لعلاقات الإنتاج الإجتماعية إلاّ أن يحدث على قاعدة الإعتماد على الظروف المادية الفعلية و التناقضات التى تميّزها والتى تفتح الباب لهذه الإمكانية لكن التى تجسّد أيضا العقبات أمام تحقيق التغيير الإجتماعي الجذرّي ،وهذا يتطلّب فهما ومقاربة علميين لهذه الديناميكية المتناقضة وقيادة مجموعة منظمة من الناس مستندة إلى هذا المنهج وهذه المقاربة. لأجل إنجاز النضال المعقّد والصعب لتحقيق هذا التغيير و التقدّم نحو الشيوعية عبر كافة أنحاء العالم.
/ المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية :II
كانت كمونة باريس محاولة عظيمة أولى لصعود جبال التحرّر الإنساني وكانت رائدة بالنسبة للمستقبل ، لكنها تفتقر للقيادة الضرورية ولم تسترشد بالفهم العلمي الضروري للقدرة على مقاومة الهجمات الحتمية لأعداء الثورة من النظام القديم وثمّ لإنجاز تغيير شامل للمجتمع، فى المجالات جميعها : الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والإيديولوجية.
وبعض الذين يناقشون تجربة الكمونة بنظرة رومانسية ،عوض معالجتها بنظرة ومنهج علميين يحبون الإستشهاد بغياب القيادة المنظمة والموحدة على أساس وجهة نظر علمية ، ماركسية، كأحد مزايا الكمونة. بيد أن هذا كان فى الحقيقة أحد نواقصها الكبرى وأحد أهمّ العوامل التى ساهمت فى هزيمتها، بعد فقط فترة قصيرة من الوجود. غياب مثل هذه القيادة ومحاولة التطبيق الفوري لإجراءات تزيل جوهريا أي قيادة مؤسساتية هي سبب من الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الكمونة بما فيه الكفاية على قمع القوى المنظمة التى كانت مصمّمة على إبادة الكمونة وضمان أن شبح الثورة الشيوعية الذى بدا فظيعا للغاية ، من وجهة نظر المستغِلّين والمضطهِدين ،لن ينهض مجدّدا أبدا. بشكل خاص ،كما أشار ماركس، أخفق الكمونيون فى الزحف على الفور على قلاع الثورة المضادة فى المدينة القريبة ، فرساي ، و لذلك إستطاعت الثورة المضادة أن تعيد تجميع قوتها وغزت باريس ووجهت ضربة مميتة للكمونة وذبحت الآلاف من أكثر مقاتليها تصميما فى السيرورة. لكن أبعد من النتائج الفورية التى إنجرّت إلى درجة هامة، عن نواقص كمونة باريس وحدودها، الواقع أنه لو هزمت الكمونة هجمات الثورة المضادة وبقيت قيد الحياة، كانت ستواجه حينها تحدّيا أعظم حتى فى إعادة تنظيم وتغييرالمجتمع بأسره وليس فقط العاصمة باريس حيث مسكت بالسلطة لفترة لامعة لكن قصيرة للغاية. كان عليها أن تبني إقتصادا جديدا ومختلفا راديكاليا ، إقتصادا إشتراكيا ، فى بلد لا زال متشكلا بصفة واسعة من مزارعين صغار (فلاحين) وكان عليها أن تتخطى اللامساواة العميقة و المتجذّرة فى التقاليد والإضطهاد ،لا سيما السلاسل التى ربطت النساء لآلاف السنين. وهنا من جديد تبرز نواقص الكمونة وحدودها : نهضت النساء بدور حيوي وبطولي فى إنشاء الكمونة وفى القتال للدفاع عنها ومع ذلك ظلّت فى موقع تابع داخل الكمونة.
فى أقل من 50سنة من هزيمة كمونة باريس ، بداية من أواسط الحرب العالمية الأولى بين الإمبرياليين ، أنجز تغيير ثوري أكثر جذرية وعمقا فى ما كان يسمى الإمبراطورية الروسية إذ أطاحت الثورة بالقيصر ( الملك الروسي) الذى كان الحاكم الوارث للإمبراطورية ثمّ أطاحت بالطبقة الرأسمالية التى سعت لملئ" الفراغ فى السلطة "وإفتكاك السيطرة على المجتمع عندما سقط القيصر.
وخلال هذه الثورة التى قادها لينين ، نشأ الإتحاد السوفياتي كأول دولة إشتراكية فى العالم ، ورغم أن لينين ذاته توفي فى 1924 ، لعدّة عقود بعده أنجز التغيير الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ،حتى لماّ واجه تهديدات مستمرّة وهجمات متكررة من القوى المضادة للثورة، داخل البلاد وخارجها، بما فى ذلك الغزو الهائل للإتحاد السوفياتي من قبل الإمبريالية الألمانية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، التى كلفت حياة أكثر من 20 مليون مواطن سوفياتي وأحدثت دمارا كبيرا فى البلاد.
فى قيادته للثورة الروسية ، فى خطوتها العظيمة الأولى لإفتكاك السلطة السياسية وتعزيزها والإبحار على طريق التحويل الإشتراكي ، عمل لينين إنطلاقا من الأساس العلمي للإختراقات التى حققها ماركس وواصل تطوير العلم الحيّ، الماركسية تطويرا خلاقا. وإستخلص دروسا مهمة من كمونة باريس وكذلك من التجربة التاريخية للمجتمع الإنساني و العالم الطبيعي بصورة أوسع. وتتحلى بأهمية بالغة صياغة لينين فهم أن الحزب الطليعي الشيوعي ضروري للسماح لجماهير الشعب بخوض صراع متزايد الوعي فلإطاحة بحكم الرأسماليين وبعد ذلك إنجاز التحويل الجذري للمجتمع نحو الهدف النهائي، الشيوعية عالميا.
وطبّق لينين وطوّر أيضا الفهم الذى صاغه ماركس على أساس تلخيص الدروس المُرّة لكمونة باريس ، بأنه عند إنجاز الثورة الشيوعية ، من غير الممكن الإبقاء على الآلة الجاهزة ، الدولة القديمة التى خدمت النظام الرأسمالي ، من الضروري تحطيم وتفكيك تلك الدولة وتعويضها بدولة جديدة : عوض ما هو فى الواقع دكتاتورية الطبقة الرأسمالية (البرجوازية) ، من الضروري إرساء السلطة السياسية للطبقة الثورية الناهضة ، دكتاتورية البروليتاريا، كنوع دولة مغايرة راديكاليا، سيشّرك بصورة متصاعدة جماهير الشعب فى إنجاز التحويل الثوري للمجتمع. كما شدّد على ذلك لينين ،هذه الدكتاتورية الثورية ضرورية لسببين إثنين:
1- منع الإستغلاليين القدامى منهم والجدد داخل البلاد وفى مناطق أخرى من العالم ، من إلحاق الهزيمة بنضالات الجماهير الشعبية وتشكيل مجتمع وعالم جديدين راديكاليا و التقدّم فى هذه النضالات التى تنشد إنجاز "الأربعة الكل".
2- ضمان حقوق الشعب فى كلّ لحظة ،رغم اللامساواة التى تبقى ، بدرجات مختلفة ، بين قطاعات من الشعب خلال شتى مراحل الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية وفى نفس الوقت نظرا لكون غاية دكتاتورية البروليتاريا هي مواصلة إجتثاث وفى النهاية تخطى مثل هذه اللامساواة الإجتماعية وبلوغ نقطة عبر العالم ، بحيث لن تستطيع الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية أن تظهر،والدولة ، كأداة مؤسساتية لفرض القوانين والحقوق لن تكون ضرورية وستعوّض الدولة ذاتها بالإدارة الذاتية للناس دون إختلافات طبقية وتناقضات عدائية إجتماعية.
للإستشهاد مرّة أخرى بمقدّمة" القانون الأساسي" لحزبنا : " خدمت كافة الدول السابقة توسيع العلاقات الإستغلالية وعزّزت نفسها ضد أي تغييرات جوهرية فى هذه العلاقات. وبالعكس ، دكتاتورية البروليتاريا ، تهدف إلى إلغاء الدولة فى النهاية ، مع القضاء على الإختلافات الطبقية وكافة العلاقات الإجتماعية العدائية المؤدية إلى الإستغلال والإضطهاد والتجدّد الثابت للنزاعات الهدّامة بين الناس. ولأجل أن تستمرّ بالتقدّم صوب هذه الغاية ، ينبغى على دكتاتورية البروليتاريا أن تجلب بصفة متصاعدة جماهير الشعب ، من عديد شرائح المجتمع المختلفة ، للمساهمة مساهمة ذات دلالة فى عملية تسيير المجتمع وإنجاز التقدّم بإتجاه الهدف النهائي ، الشيوعية عبر العالم."
فى السنوات القليلة من ترأسه للدولة السوفياتية ، قادها لينين للإبحار فى التحويل الإقتصادي و فى المجتمع ككل وفى توفير التوجيه النظري والدعم النشيط للنضال الثوري فى كافة أنحاء العالم. لكن ، مع وفاة لينين فى 1924، تحدّى قيادة هذه السيرورة ، فى عالم معادى تهيمن عليه البلدان الإمبريالية القوية ودول رجعية أخرى، وقع على عاتق ستالين الذى برز كقائد للحزب الشيوعي السوفياتي . كانت هذه تجربة تاريخية لم يسبق لها مثيل : لعقود عدّة ، شهد الإقتصاد وكذلك العلاقات الإجتماعية الواسعة بما فيها العلاقات بين النساء و الرجال وكذلك بين مختلف القوميات و المؤسسات السياسية وثقافة المجتمع ونظرة جماهير الشعب، شهدوا تغييرات عميقة . وتحسّن مستوى عيش الشعب كثيرا وفى كل المجالات بما فيها الرعاية الصحية والإسكان والتربية ومعرفة القراءة و الكتابة . لكن أبعد من ذلك، بدأ عبئ الإستغلال ووزن التقاليد القديمة يرفع عن كاهل الجماهير الشعبية. وتحققت إنجازات عظيمة فى جميع مجالات الحياة والمجتمع ولكن وليس بالأمر الغريب وجدت حدود ونواقص وأخطاء وبعضها راجع إلى الوضع الذى ألفى فيه الإتحاد السوفياتي نفسه دولة إشتراكية وحيدة فى العالم لعدّة عقود ( حتى بعد الحرب العالمية الثانية) وبعضها يعزى لمشاكل فى نظرة ومقاربة ومنهج الذين قادوا السيرورة بالخصوص ستالين. بأفق تاريخي ضروري وتطبيق النظرة والمنهج العلميين الماديين الجدليين وفى معارضة لإشاعة التشويهات والإفتراءات التى لا تبدو لها نهاية ضد الإشتراكية والشيوعية ، يمكن ويجب أن نستخلص بوضوح بأن التجربة التاريخية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ( ولدرجة حتى أكبر فى الصين، إثر إرساء الإشتراكية هناك) كانت بالتأكيد إيجابية رغم السمات السلبية التى يستحيل نكرانها ومنها جميعا يتعين أن يتمّ التعلّم بعمق.(5)
ماوتسى تونغ هو الذى قاد النضال الثوري فى الصين لعقود متوجا ذلك بإنتصار فى المرحلة الأولى من الثورة بتركيز جمهورية الصين الشعبية فى 1949. ولفهم الأهمية الكبرى لهذا ، ينبغى تذكر أن الحكمة التقليدية بما فى ذلك فى صفوف الحركة الشيوعية ، دافعت عن كون فى بلد مثل الصين لا يمكن إنجاز الثورة التى ستؤدى إلى الإشتراكية وتغدو جزءا من الكفاح العالمي وهدفه النهائي الشيوعية ، بالطريقة التى إنتهجتها عمليا بقيادة ماو. لم تكن الصين فحسب متخلفة وبلدا غالبية سكّانه من الفلاحين ( كان هذا صحيحا بالنسبة لروسيا أيضا، زمن ثورة 1917) لكن الصين لم تكن فى حدّ ذاتها بلدا رأسماليا إذ هي تقع تحت سيطرة بلدان رأسمالية –إمبريالية أخرى والإقتصاد و المجتمع فى الصين عموما كانا يستجيبان لأولويات الهيمنة الإمبريالية الغربية والمراكمة الرأسمالية خدمة لهؤلاء الإمبرياليين. وإلى ذلك ، الثورة التى قادها ماو فى الصين لم يكن هدفها المباشر الإشتراكية بل بناء جبهة متحدة واسعة ضد الإمبريالية والإقطاعية (والراسمال البيروقراطي / الكمبرادوري المرتبط بالإمبريالية و الإقطاعية)، وتمّت هذه الثورة ليس بالتركيز على المدن ، فى صفوف الطبقة العاملة الصغيرة الحجم هناك، بل عبر خوض حرب ثورية طويلة الأمد ، ضمن الفلاحين فى الريف الشاسع، محاصرة المدن إنطلاقا من الريف وبعد ذلك فى النهاية ملحقة الهزيمة بالقوى الرجعية فى معاقلها فى المدن ، كاسبة السلطة عبر البلاد كافة ومتمّتا المرحلة الأولى من الثورة وبذلك فتحت الطريق أمام الإشتراكية.
مع ذلك ،أكّد ماو نفسه ،رغم أهمية وتاريخية الإنتصار فإنه ليس سوى خطوة أولى فى مسيرة طويلة والتحدّى الذى ينبغى رفعه على الفور هو التقدّم على الطريق الإشتراكي وإلا فإن الإنتصارات الأولى للثورة ذاتها ستتعرّض للخسارة وستقع البلاد تحت هيمنة الطبقات المستغِلّة و القوى الإمبريالية الأجنبية مرّة أخرى. ولم تقف المسألة كلّها عند هذا الحدّ و إنما أنجزت عملية بناء إقتصاد إشتراكي وتحققت التغييرات المناسبة فى المجالات الأخرى للمجتمع، و مع تلخيص ماو لهذه التجربة الأولية، توصّل إلى إدراك أنه من الضروري تطوير مقاربة مختلفة للتحويل الإشتراكي عن "نموذج" ما حصل فى الإتحاد السوفياتي. وأعطت مقاربة ماو هذه مزيدا من المبادرة للشعب على المستويات القاعدية و المناطق المحلّية وبصفة خاصة شدّد ليس على التقنية ( وإن كان ماو إعترف بأهمية تطوير تقنية متقدّمة أكثر) لكن قبل كلّ شيئ على المبادرة الواعية لجماهير الشعب. وبات هذا مركزا فى شعار " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " الذى يوفّر الخطّ العام الأساسي لبناء إقتصاد على نحو يعزّز قاعدة مواصلة التقدّم فى الطريق الإشتراكي وسيوطّد بصفة متبادلة التحويل الثوري لعلاقات الإنتاج والبناء الفوقي السياسي والإيديولوجي).
وكان كلّ هذا مرتبط وجزء من سيرورة تطوّر مساهمة ماو الأهم والأكثر حسما فى قضية الثورة الشيوعية ألا وهي نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا نحو هدف الشيوعية وقيادة ماو لتجسيد هذه النظرية فى حركة ثورية قوية للجماهير الشعبية أثناء الثورة الثقافية فى الصين لعقد بداية من أواسط الستينات .
قاطعا من جديد مع "الحكمة المنزّلة" فى الحركة الشيوعية ، قام ماو بتحليل ثاقب بأنه طوال المرحلة الإشتراكية ستبقى الظروف المادية التى تشكّل خطر إلحاق الهزيمة بالثورة الإشتراكية. إن التناقضات فى القاعدة الإقتصادية وفى البنية الفوقية وفى العلاقة بين البنية التحتية و البنية الفوقية للبلدان الإشتراكية ذاتها ، بالإضافة إلى التأثير والضغط و الهجمات العامة من قبل الدول الإمبريالية و الرجعية الباقية فى وقت معيّن، تفرز إختلافات طبقية وصراع طبقي داخل البلد الإشتراكي، وعن هذه التناقضات تنجرّ إمكانية مستمرّة لأن يقاد المجتمع على إما الطريق الإشتراكي أو الطريق الرأسمالي ، وبشكل أكثر تحديدا ستفرز مرارا وتكرارا طبقة برجوازية طموحة ، ضمن المجتمع الإشتراكي نفسه، ستجد أكثر تعبيراتها تركيزا بين الذين فى الحزب الشيوعي لا سيما فى أعلى مراتبه ، الذين يتبنون خطوطا وسياسات تحريفية ، والذين بإسم الشيوعية عمليا يستسلمون للإمبريايلية ويعيدون تركيز الرأسمالية. لقد حدّد ماو هؤلاء التحريفيين ب " أناس فى السلطة سائرين فى الطريق الراسمالي" وحدّد للصراع بين الشيوعية و التحريفية كتعبير مركز فى البنية الفوقية، عن التناقض والصراع فى المجتمع الإشتراكي بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي. وأقرّ ماو وشدّد على أنه طالما أن هذه الظروف المادية وإنعكاساتها الإيديولوجية موجودة ،لا يمكن أن يوجد ضمان ضد الثورة المضادة وإعادة تركيز الرأسمالية، و لا وسائل بسيطة وسهلة لمنع ذلك، و لا حلّ سوى مواصلة الثورة لتقليص وفى النهاية ، مع تقدّم الثورة عبر العالم بأسره، إجتثاث اللامساواة الإجتماعية والبقايا الأخرى للرأسمالية التى تفرز هذا الخطر والقضاء عليها.
مجدّدا ، من الصعب المبالغة فى أهمية هذا التحليل النظري لماو، هذا التحليل الذى أوضح كما كبيرا من البلبلة حول وجود وسبب وجود خطر إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي والذى وفّر توجّها جوهريا لإستنهاض الجماهير للتقدم على الطريق الإشتراكي فى معارضة للقوى التحريفية التى كان توجهها وكانت ممارساتها تقود بالضبط إلى مثل إعادة تركيز الرأسمالية هذه. لقد كانت الثورة الثقافية فى الصين التجسيد الحي لمثل هذا الإستنهاض الثوري الشعبي الذى في أتونه عشرات ومئات الملايين من الناس ناقشوا وصارعوا حول مسائل خاصة بشكل حاسم بإتجاه المجتمع والثورة العالمية. لعشر سنوات ، نجحت هذه الإنتفاضة الشعبية فى إيقاف ووضع فى موقع الدفاع قوى إعادة تركيز الرأسمالية بمن فيها موظفون سامون فى الحزب الشيوعي الصيني مثل دنك سياو بينغ. لكن إثر فترة وجيزة من وفاة ماو فى 1976 ، أفلحت هذه القوى التى كان على رأسها ، فى النهاية وفى الخفاء دنك سياو بينغ، أفلحت فى تنفيذ إنقلاب مستعملة الجيش وأجهزة أخرى تابعة للدولة لقمع الثوريين وقتل الآلاف وسجن آخرين وشرعت فى إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. فكان هذا لسوء الحظّ إثباتا حيّا للخطر الملموس الذى أشار إليه ماو بدقّة والذى حلّل قاعدته تحليلا ثاقبا.(6)
/ نهاية مرحلة والإستنتاجات التى يجب و التى لا يجب إستخلاصها من هذه التجربة التاريخية :III
على عكس ما تصمّ به آذاننا بشكل ثابت ، هذا النظام الرأسمالي الذى نعيش فى ظله وطريقة الحياة التى يتصرف وفقها بثبات
مع الإنقلاب التحريفي وإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين ، عقب صعود التحريفيين إلى السلطة فى الإتحاد السوفياتي ، قبل عشرين سنة ، (7) إنتهت الموجة الأولى من الثورة الشيوعية. فى اللغة الأساسية والسهلة " للقانون الأساسي" لحزبنا :
" مضت الآن عقود على مسك البروليتاريا الثورية السلطة فى أي بلد ، ومهما كانت المسميات ،لاوجود اليوم لدولة إشتراكية."
زيادة على ذلك، هذه النكسة التى عرفتها الإشتراكية وقضية الشيوعية ( إنهيار الإتحاد السوفياتي بعد فترة طويلة من توقفه فعليا عن كونه بلدا إشتراكيا )، أدت إلى تناحرات قروش بين القوى الرجعية التى لطالما كرهت فى أعماق أعماقها القاسية الثورة الشيوعية و التحويل الراديكالي للمجتمع الذى يجسدها ، و التى عملت بإستمرار بكافة الوسائل المتاحة لها للمساهمة فى إلحاق الهزيمة بهذه الثورة وتحطيمها . لقد زادوا فى بذل الجهود ليهيلوا أكثر ما أمكن لهم من الأوساخ على الشيوعية وما تمثله من تغيير تحرّري للمجتمع ، التزييف والإفتراء على هذه الثورة فى هجوم إيديولوجي بلا هوادة ، فى محاولة لجعلها لا تنهض مجدّدا أبدا، مدّعين ان النظام الرأسمالي قد إنتصر بصورة غير قابلة للنقض ومصوّرين حلم عالم أفضل مختلف راديكاليا وتحديدا الثورة الشيوعية الهادفة لتحقيق ذلك العالم ككابوس ومصوّرين الكابوس الحقيقي واللانهائي للنظام القائم كأرقى تجسيد للإمكانيات البشرية.
تصوّروا وضعا يكون فيه الأصوليون المسيحيون المؤمنون بفكرة الخلق قد إستولوا على السلطة ، فى أكاديميات العلم وفى المجتمع ككلّ ومضوا فى قمع معرفة نظرية التطوّر . تصوّروا أنهم يمضون بعيدا إلى حدّ إعدام وسجن أبرز العلماء والأساتذة الذين أصرّوا على تدريس نظرية التطوّر ونشر معرفتها شعبيا وأنهم يزدرون وينتهكون الحقيقة العلمية الراسخة للتطوّر ويشجبونها ويسخرون منها كنظرية خاطئة وخطرة تناقض "الحقيقة" المشهورة فى قصة الخلق التوراتية والأفكار الدينية عن "قانون الطبيعة"و "النظام المنظّم إلاهيا. ولمواصلة المقارنة ، تصوّروا أن فى هذا الوضع عديد المثقفين "ذوى النفوذ" وآخرين يتبعونهم فى صحوتهم يقفزون إلى عربة " لم يكن ساذجا فحسب بل إجراميا إعتقاد أن التطوّر كان نظرية علمية موثقة بشكل جيّد وإجبار الناس على الإعتقاد فى ذلك"ويصرّحون "الآن بإمكاننا أن نرى "الحكمة المشتركة" التى لا يضعها أحد موضع تساؤل (لذا لماذا علينا إثارة التساؤل حولها؟) و أن التطوّر يجسّد نظرة للعالم ويقود إلى أعمال كارثية بالنسبة للبشرية. لقد ضلّلنا الذين بثقتهم المتغطرسة روّجوا هذا المفهوم. يمكننا رؤية أن كل شيئ موجود أو وجد لم يكن ليولد لولا اليد المرشدة ل "مصمّم ذكيّ". وأخيرا ، تصوّروا أن فى هذا الوضع ، حتى العديد من الذين قد كانت لهم معارف أفضل صاروا فى حيرة ومحبطين وأجبروا على الإذعان والصمت إذا لم يرتبطوا ، بصوت خافت أو عالي ، بجوقة الإستسلام و الشجب.
للهزيمة المؤقتة للإشتراكية ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الإشتراكية عدّة ميزات وإنعكاسات مماثلة لمثل هذا الوضع .وأدّت فيما أدّت إليه إلى تقليص الرؤى والأحلام : حتى فى صفوف العديد من الناس الذين كانوا قد عرفوا الصورة أفضل وكانوا قد كافحوا بصورة أرقى ،أدت على المدى المنظور إلى قبول فكرة أن (فى الواقع وعلى الأقلّ المستقبل المنظور) لا يمكن أن يوجد بديل للعالم كما هو ، فى ظلّ الهيمنة الإمبريالية وهيمنة مستغَّلين آخرين وأن أفضل ما يمكن للمرء أن يحلم به ويعمل من أجله هو بعض التعديلات الثانوية داخل إطار التأقلم مع هذا النظام وأن أي شيئ آخر وخاصة محاولة إحداث تمزيق ثوري لحدود هذا النظام، بغاية صنع عالم مختلف راديكاليا ، عالم شيوعي ، غير واقعية وتنزع لجلب كارثة عظيمة.
وفى نفس الوقت ، فى "الفراغ" الذى أحدثه الإنقلاب على الإشتراكية والنكسات للشيوعية ومع تواصل وحتى تفاقم النهب الإمبريالي بكل ما يعنيه ذلك من إنتفاضات وفوضى وإضطهاد لبلايين الناس فعلا فى كافة أنحاء العالم. ونمت الأصولية الدينية وتعبيراتها المنظمة فى عديد مناطق العالم ،بما فى ذلك ضمن المضطهَدين للغاية. اللصوص الإمبرياليون والقتل الجماعي والأصوليون الدينيون المتعصبون، الأولون الأقوى و المحدثين لأكبر الأضرار وبقيامهم بهذا يعطون مزيدا من الدفع للآخرين ، لكن كلاهما يمثّل حجابا أسود ، وقيودا حقيقية جدا وإستعباد وفرض للجهل ويعزّز كل منهما الآخر حتى حين يعارض الواحد الآخر .
لكن هذا لم يتخلص من الحقيقة ، حقيقة الوضع العالمي ففى ظلّ هيمنة هذا النظام الرأسمالي –الإمبريالي والرعب اليومي الذى يعنيه بالنسبة للغالبية العظمى من البشرية أو واقع ما تمثله الشيوعية فعلا بالنسبة للإنسانية وإمكانية إنجاز إختراقات جديدة وتقدّم على طريق الثورة الشيوعية.
حين نفحص بنظرة ومنهج علميين ، التجربة الغنية للبلدان الإشتراكية الأولى والمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ككلّ ، يمكن أن نرى أن الشكل ليس ، كما يصمّون أذننا على الدوام ، أن الثورة الشيوعية بمحاولتها التخلّص من الرأسمالية كانت تبحث دون جدوى تجاوز الميزة الثابتة التى لا تتبدّل والتى تجعل الناس يهتمون بالمصالح الأنانية كحافز " أدنى" ، حافز يتعيّن أن يكون المبدأ المرشد والموجه للمجتمع الإنساني، خشية أن تنتهك "الطبيعة الإنسانية " وبالتالى يدفع المجتمع نحو الكارثة ويخضع الناس للإستبداد . المشكل كان أن هذه الثورة بينما جلبت تغييرات عميقة فى الظروف ولدى الناس ، نتيجة المبادرة المتصاعدة الوعي للناس الذين تبنوا وجهة النظر الشيوعية ، فإنها لم تحدث فى فراغ وبأناس "أوراق بيضاء" بل فى ظروف وبأناس نشأوا ضمن المجتمع القديم وب"بقايا" ذلك المجتمع (وآلاف السنين من العادة التى تجسد وتبرّر علاقات الإستبداد بين الناس). والمجتمعات الإشتراكية الجديدة التى ولدتها هذه الثورات وجدت فى عالم ما زالت تهيمن عليه الإمبريالية ذات السلطة التى ما برحت هائلة جدا إقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ومثلما فهم ماركس ولينين بصورة أساسية ومثلما إكتشف ماو وشرح بصورة أتمّ ، ليست الإشتراكية هدفا فى حدّ ذاته : ليست بعدُ الشيوعية وإنما هي مرحلة إنتقالية إلى الشيوعية ، يمكن بلوغها ليس فى هذا البلد أو ذاك البلد بالذات وإنما على النطاق العالمي فحسب، بالإطاحة بجميع الطبقات الحاكمة الرجعية والقضاء على جميع العلاقات الإستغلالية والإضطهادية فى كلّ مكان. وأثناء كامل هذه المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ، لكون الدول الرجعية ستواصل الوجود لبعض الوقت وتواصل تطويق وتهديد الدول الإشتراكية التى تولد ولكون بقايا المجتمع القديم ، فى علاقات الإنتاج والعلاقات الإجتماعية و البنية الفوقية السياسية والإيديولوجية و الثقافية ، التى تستمرّ فى الوجود ضمن المجتمع الإشتراكي نفسه ، حتى وإن أدى التقدّم فى الطريق الإشتراكي إلى تقليص هذه البقايا وتحويل جوانب هامة منها بإتجاه الهدف النهائي ،الشيوعية ...لكلّ هذا تظلّ إمكانية أن تفتك يد الماضي الذى لم يمت بعدُ و لا زال قويا، دفّة المجتمع وتوجهه إلى الخلف. بإختصار لهذه الأسباب يظلّ قائما خطر إعادة تركيز الرأسمالية طوال المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ويمكن الكفاح ضد هذا وإلحاق الهزيمة به فقط بمواصلة الثورة ، داخل البلد الإشتراكي ذاته والقيام بذلك كجزء وبينما يتمّ دعم وتشجيع الثورة الشيوعية عبر العالم قاطبة.
والإنقلاب على الإشتراكية وما هو حقا إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي والصين لم يكن مسألة "ثورة أكلت أبناءها" ... أو مسألة "ثوريين شيوعيين متآمرين تحولوا إلى طغاة مستبدين" لماّ وصلوا إلى السلطة...أو مسألة " قادة بيروقراطيين ، متحصنين فى السلطة مدى الحياة، يخنقون الديمقراطية (البرجوازية)، أو مسألة " نتيجة حتمية لتأبيد تنظيم المجتمع المراتبي" أو مسألة أي من الأفكار الخاطئة ... واللاعلمية جوهريا والتى لا يتوقف الترويج لها هذه الأيام لمهاجمة الشيوعية.
إن الذين هزموا الثورة فى الإتحاد السوفياتي وفى الصين كانوا بالفعل أناسا فى المراتب العليا فى الحزب والدولة الثوريين ، لكن ما كانوا مجموعة لا وجه لها ولا طبقة، بيروقراطيين مهووسين بالسلطة لأجل مصلحتهم الخاصة. مثلما وصفهم ماو ، هم أناس "فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي". كانوا يمثلون لا الشيوعية بل الرأسمالية وبصفة خاصة بقايا الرأسمالية التى لم يتمّ بعدُ كليا إجتثاثها وتجاوزها ولم يكن ذلك ليحدث على المدى القريب وضمن حدود بلد إشتراكي معيّن أو آخر.
كون هؤلاء التحريفيين كانوا موظفين سامين فى الحزب وجهاز الدولة لا يكشف نوعا من العيب الجوهري فى الشيوعية أو فى الثورة الشيوعية أو المجتمع الإشتراكي كما تشكّل إلى الآن. إنه لا يشير إلى الحاجة إلى البحث عن طرق وأنماط أخرى تماما لصنع عالم جديد راديكاليا. فأسباب هذه الإنقلابات على الإشتراكية عميقة وهي متسقة مع فهم شيوعي علمي للمجتمع وبوجه خاص للإشتراكية كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية : إنها تكمن فى التناقضات التى فى جوانب هامة منها موروثة من المجتمع القديم الذى تمّت الإطاحة به غير أن هذه المظاهر والتأثيرات لم يجر تحويلها بعد تحويلا تاما. وهذه التناقضات بما فيها التناقضات بين العمل الفكري والعمل اليدوي ،المرتبطة بتقسيم المجتمع إلى طبقات وشكلت هي نفسها تقسيما كاملا وعميقا فى كافة المجتمعات التى تحكمها الطبقات الإستغلالية ، تفرز الحاجة إلى طليعة شيوعية منظمة لقيادة الثورة ، وليس فقط الإطاحة بالنظام الرأسمالي ولكن ثم مواصلة الثورة فى ظل المجتمع الإشتراكي وفى نفس الوقت تفرز خطر خيانة الثورة والإنقلاب عليها من قبل أناس فى مواقع قيادية فى صفوف الطليعة. ونظرا للتطوّر التاريخي الحالي للمجتمع الإنساني والطرق الممكنة للتغيير الآن ( لنتذكّر المقارنة بنظرية التطوّر فى العالم الطبيعي والعلاقة بين الضرورة والتغيير ، مسألة البدائل الفعلية ، فى العالم الواقعي ، إذا ما كنّا نروم تغييرا جذريا لهذا العالم ، بغية إجتثاث الإستغلال والإضطهاد والقضاء عليهما.) ليس قيادة مقابل لا قيادة ،او ديمقراطية مقابل لاديمقراطية أو دكتاتورية مقابل لادكتاتورية ، وإنما هي مسألة طريق إشتراكي أم طريق رأسمالي، مسألة قيادة تتخذ توجها أم آخر ، ديمقراطية ودكتاتورية فى خدمة تعميق نوع أو آخر من النظامين، بإتجاه تعزيز وتأبيد الإستغلال والإضطهاد أو بإتجاه القضاء عليهما فى النهاية وبذلك فى الأخير القضاء على الحاجة لحزب طليعي أو دولة عندما تتوفر الظروف المادية والإيديولوجية التى تجعل ذلك ممكنا مع إنتصار الثورة الشيوعية عبر العالم قاطبة.(8)
ملخص هذه النقطة هو أن المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية مضت بعيدا ، وحققت أشياء ملهمة لا تصدّق ، القتال من أجل تجاوز العراقيل الواقعية حقا التى واجهتها وفى التقدّم صوب عالم حيث سيتمّ فى النهاية القضاء على العلاقات الإستغلالية والإضطهادية وسيتمتّع الناس ببعد جديد من الحرّية وسيأخذون على عاتقهم وسينجزون تنظيم ومواصلة تغيير المجتمع فى كافة أنحاء العالم ،بمبادرة واعية وطوعية غير مسبوقة فى تاريخ البشرية. لكن ليس بالأمر الغريب أن وجدت أيضا نواقص هامة وأخطاء حقيقية وأحيانا أخطاء جدّية للغاية ، فى كلّ من الخطوات العملية التى إتخذها قادة تلك الثورات والمجتمعات الجديدة التى ولدت وفى مفاهيمهم ومناهجهم. وهذه النواقص والأخطاء ليست سبب هزائم المحاولات الأولى للثورة الشيوعية لكنّها ساهمت وإن كان بصورة ثانوية فى تلك الهزائم وأبعد من ذلك كلّ هذه التجربة للمرحلة الأولى بكلّ من إنجازاتها الملهمة حقّا وأخطاءها ونواقصها الحقيقية جدّا وأحيانا الجدّية جدّا، حتى وإن كانت عموما ثانوية ، ينبغى التعلّم منها بعمق من كلّ الجوانب لأجل إنجاز الثورة الشيوعية فى الوضع الجديد الذى ينبغى أن نواجهه والقيام بما هو أفضل هذه المرّة.
/ التحديات الجديدة والتوليف/التلخيص الجديد :IV
عندما إستولى التحريفيون على السلطة فى الصين سنة 1976 وطفقوا يعيدون تركيز الرأسمالية ، لفترة من الزمن لم يواصلوا فقط التظاهر بأنهم شيوعيون بالمعنى العام بل إدعوا كذلك بصفة خاصة أنهم يواصلون السير على هدي خطّ ماو وتراثه الثوريين. فى تلك الوضعية ما كان الشيوعيون عبر العالم فى حاجة إليه حقا هو الحفاظ على روح ومقاربة نقديين وتحديد هدف وإنجاز تحليل علمي لما كان قد حصل عمليا ولماذا والتمييز بين الشيوعية والرأسمالية، بين الماركسية والتحريفية كما وجدوا و كما جرى التعبير عنهما فى تلك الظروف الملموسة المعقدة. حينها لم يكن من اليسير القيام بذلك الأمر وجلّ الشيوعيين فى العالم الذين نظروا للصين الماوية كنموذج ومشعل ثوريين أخفقوا فى القيام بذلك، وبالتالي إماّ إتبعوا عن عمى حكام الصين الجدد التحريفيين وسلكوا طريقا يؤدى إلى المستنقع وإماّ بأشكال أخرى تخلّوا عن نظرة الثورة الشيوعية وأهدافها.
إستجابة للحاجة الماسة ورفضا لمسايرة ما حدث فى الصين ببساطة لأنه يحدث بإسم الشيوعية وبإستغلال السمعة العظيمة التى تمتّعت بها الصين الثورية وتمتع بها ماو بصفة صحيحة فى صفوف الثوريين والشيوعيين عبر العالم ( وبكلفة إنشقاق كبير داخل حزبنا) تصدّى بوب آفاكيان لمهمّة إنجاز تحليل علمي لما حدث فى الصين ولماذا ثم صارع من أجل فهم أن إنقلابا تحريفيا جدّ فعلا فى الصين وأن إعادة تركيز الرأسمالية تمّت فعلا. وإلى جانب ذلك قدّم عرضا منهجيا لمساهمات ماو فى تطوير علم وإستراتيجيا الثورة الشيوعية.(9)فى زمن إضطراب كبير ويأس وفوضى فى صفوف "الماويين" عبر العالم ، لعب عمل بوب آفاكيان هذا دورا حاسما فى تركيز القاعدة الإيديولوجية و السياسية لتجميع الشيوعيين الباقين عقب خسارة الصين والتأثيرات المدمّرة لذلك على الحركة الثورية والشيوعية فى كافة أنحاء العالم.
لكن برزت حاجيات حتى أعظم الآن. وبينما كان يقود حزبنا ،واصل بوب آفاكيان، خلال الثلاثين سنة الماضية تعميق تحليل علمي لتجربة الحركة الشيوعية العالمية وللمقاربة الإستراتيجية للثورة الشيوعية. وأفرز هذا العمل ظهور توليف /تلخيص جديد ، تطويرا للإطار النظري لإنجاز هذه الثورة.
ومثلما يشير " القانون الأساسي" لحزبنا ، الوضع العالمي الراهن بما فى ذلك هزيمة الموجة الأولى من الثورة الشيوعية " يبرز من جدبد الحاجة الملحّة للشيوعية " و " بينما لا توجد أية دولة إشتراكية فى العالم ، هناك تجربة الثورات الإشتراكية وهناك جملة الأعمال الغنية النظرية العلمية التى تطوّرت خلال الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية عليها نشيّد الصرح الجديد. بيد أن نظرية وممارسة الثورة الشيوعية يتطلبان التقدّم لمواجهة تحدّيات هذا الوضع و التعاطي علميا مع التجربة العامة للموجة الأولى من الثورة الإشتراكية والإنعكاسات الإستراتيجية للتغيرات الواسعة التى تحدث فى العالم وإستخلاص الدروس الضرورية من كلّ ذلك.
لقد إضطلع بوب آفاكيان بهذه المسؤولية وطوّر جملة من الأعمال والمنهج و النظرة الشيوعيين تستجيب لهذه الحاجيات والتحدّيات الكبرى."
وفى هذه الجملة من الأعمال والمنهج و النظرة ، فى هذا التوليف/التلخيص الجديد الذى أنجزه بوب آفاكيان ،هناك تشابه مع ما قدّمه ماركس فى بداية الحركة الشيوعية ، هناك تركيز فى الظروف الجديدة الموجودة ، إثر نهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية لإطار نظري لتجديد تقدّم تلك الثورة. لكن اليوم ، وبهذا التوليف /التلخيص الجديد ، بالتأكيد ليس الأمر مسألة "عود على بدء" كما لو أن ما يدعى إليه يرمى إلى التخلّى عن كلّ من التجربة التاريخية للحركة الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية التى ولدتها و "جملة الأعمال الغنية للنظرية الثورية العلمية " التى تطوّرت فى خضم هذه التجربة الأولى. ستكون هذه مقاربة غير علمية وفعلا رجعية. بالأحرى ، المطلوب – وما قام به بوب آفاكيان- هو البناء على كل ما حدث قبلا ،نظريا وعمليا- وإستخلاص الدروس الإيجابية و السلبية من ذلك ورفع هذا إلى مستوى توليف/تلخيص جديد و أرقى.
وعروض ومنشورات أخرى لحزبنا وفرت نقاشا أشمل وأكثر منهجية لهذا التوليف/التلخيص الجديد(10). وهنا بإختصار سنلقى الضوء على بعض أهمّ عناصره :
◙ من الناحية الفلسفية والمنهجية ، يعيد هذا التوليف/التلخيص الجديد فى معناه الأساسي ، إرساء الماركسية على أكمل وجه على جذورها العلمية. إنه يعنى أيضا التعلّم من التجربة التاريخية الغنية منذ زمن ماركس ، مدافعا عن الأهداف و المبادئ الجوهرية للشيوعية ،التى ثبت أنها صحيحة أساسا ،وناقدا ونابذا المظاهر التى ثبت أنها خاطئة أو لم تعد قابلة للتطبيق ومؤسسا شيوعية على أساس علمي أتمّ وأصلب.
فى المفهوم الأصلي للتطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني نحو الشيوعية ،حتى كما صاغه ماركس ،وجدت نزعة ، وإن كانت بالتأكيد نزعة ثانوية ، نحو نظرة نوعا ما ضيقة وخطّية. وتجسّد هذا مثلا فى مفهوم " نفي النفي" ( نظرة أن الأشياء تسير بطريقة بحيث أن شيئا معينا ينفيه شيئ آخر بدوره يؤدى إلى نفي أعمق ويتضمّن عناصر من الأشياء السابقة لكن الآن على مستوى أعلى).
وهذا المفهوم إستعير من النظام الفلسفي الهيجلي الذى مارست فلسفته تأثيرا هاما على ماركس (وإنجلز) حتى حينما ، أعادوا فى الأساس صياغتها وركزوا نظرة هيغل الجدلية على قاعدة مادية ، هذه النظرة الهيجلية المتميزة بالمثالية الفلسفية ( نظرة أن التاريخ فى جوهره كشف للفكرة). كما جادل بوب آفاكيان ، " نفي النفي " يمكن أن ينزع نحو "الحتمية" كما لو ان الشيئ حتما سينفيه شيئ آخر على نحو معيّن ، مؤديا لما هو تقريبا تلخيص محدّد سلفا. وحين يطبّق على البحث فى تاريخ المجتمع الإنساني ، بطريقة تجعله ببساطة مركّبا (مثل صيغة : مجتمع بدائي (مشاعي) خال من الطبقات ينفيه مجتمع طبقي بدوره سينفيه ظهور مجدّدا لمجتمع خال من الطبقات ، لكن الآن على أساس أرقى، ببلوغ الشيوعية عبر العالم) فإن النزعة نحو الإختزالية فى ما يتصل بالتطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني المعقّد للغاية و المتنوّع ، النزعة نحو "نظام مغلق" ونحو "الحتمية" تبدو أوضح وإشكالية أكثر.
ومن جديد ، كان هذا نقيصة ثانوية فى الماركسية عند تأسيسها ( وكما جادل بوب آفاكيان كذلك : " الماركسية ،الشيوعية العلمية، لا تجسّد وفى الحقيقة ترفض كل مفهوم ..لاهوتي بأن هناك نوعا من الإرادة و الغاية وفقهما تسير الطبيعة أو يسير التاريخ" (11) . لكن مثل هذه النزعات أكدت نفسها بالكامل مع تطوّر الحركة الشيوعية وصارت ضارة بشكل خاص ومارست تأثيرا سلبيا ، على تفكير ستالين الذى بدوره أثّر على نظرة ماو الفلسفية حتى حين نبذ ماو وقطع إلى حدود هامّة مع نزعات ستالين نحو "التخشّب" والمادية الميكانيكية، نوعا ما ميتافيزيقية. والتوليف/التلخيص الجديد لبوب آفاكيان يجسّد مواصلة لقطع ماو مع ستالين لكن أيضا فى بعض جوانبه قطيعة أبعد بما تأثّر به ماو ذاته، حتى وإن ثانويا، من ما صار نمط التفكير فى الحركة الشيوعية فى ظلّ قيادة ستالين.
◙ الأممية.
فى بداية الثمانينات ، فى عمله "كسب العالم؟" (12) قام بوب آفاكيان بنقد واسع لتيارات خاطئة فى تاريخ الحركة الشيوعية ، وبصفة خاصة ، التوجّه نحو القومية ، نحو فصل النضال الثوري فى بلد معيّن وحتى رفعه فوق النضال الثوري من أجل الشيوعية عبر العالم. وقد فحص طرق تمظهر هذه النزعة ذاتها فى كلّ من الإتحاد السوفياتي والصين ، لما كانتا بلدين إشتراكيين والتأثّر الذى مارسته على الحركة الشيوعية بصورة أوسع وضمن ذلك أحيانا تحركات واضحة لإلحاق النضال الثوري فى البلدان الأخرى بحاجيات الدولة الإشتراكية القائمة
( أولا فى الإتحاد السوفياتي ، ثم فى الصين لاحقا ). فضلا عن هذا أجرى آفاكيان تحليلا أعمق للقاعدة المادية للأممية ولماذا فى النهاية وبمعنى شامل ، المجال العالمي هو الأكثر حيوية ، حتى بمعنى ثورة فى أي بلد معيّن، لا سيما فى هذا العصر الرأسمالي- الإمبريالي كنظام إستغلال عالمي ، وكيف أن هذا الفهم يجب أن يدمج فى نظرة الثورة ، فى بلدان معيّنة وكذلك على النطاق العالمي.
بينما كانت الأممية دائما مبدأ جوهريا فى الشيوعية منذ بداية تأسيسها ، فإن آفاكيان لخّص الطرق التى كانت موضع مساومة خاطئة فى تاريخ الحركة الشيوعية وكذلك عزّز الأساس النظري لخوض هذا الصراع لتخطّى مثل هذه الإنحرافات عن الأممية ولإنجاز الثورة الشيوعية بطريقة أممية صريحة.
◙ حول طبيعة دكتاتورية البروليتاريا و المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية نحو الشيوعية . بينما تشرّب بعمق وتعلّم من ودافع بحزم عن ونشر المساهمات العظيمة لماو بصدد طبيعة المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية إلى الشيوعية والتناقضات والنضالات التى تميّز هذه المرحلة الإنتقالية والتى بحلّها ، فى إتجاه أو آخر ، تكون حيوية للتقدّم صوب الشيوعية أو العودة إلى الرأسمالية، أقرّ بوب آفاكيان وشدّد على الحاجة لدور أعظم للمعارضة وتبنى أكبر للخميرة[بمعنى الصراعات] الفكرية ومجال أوسع للمبادرة والإبداع فى الفنون فى المجتمع الإشتراكي. ونقد نزعة "تحويل الشيئ فى الذهن إلى شيئ خارج الذهن"، نزعة تحويل البروليتاريا ومجموعات المستغَلين الآخرين (أو المتغَلين سابقا فى المجتمع) ، نزعة ترى أناسا معينين فى تلك المجموعات كأفراد ، كممثلين لأوسع مصالح البروليتاريا كطبقة والنضال الثوري الذى يتناسب مع المصالح الجوهرية للبروليتاريا ، بالمعنى الأشمل. وقد ترافق هذا بنظرات ومقاربات ضيقة ، براغماتية وتجريبية تحدّد ما هو فعّال أو ما يمكن تحديده (أو إعلانه) على أنه حقيقة بما يرتبط بالتجارب والنضالات المباشرة التى تشارك فيها جماهير الشعب وبالأهداف الفورية للدولة الإشتراكية وحزبها القائد ، فى كلّ وقت معيّن. وهذا بدوره دفع هذه النزعات التى كانت عنصرا مميّزا للإتحاد السوفياتي وكذلك للصين لمّا كانا إشتراكيين بإتجاه مفهوم "الحقيقة الطبقية"، التى هي بالفعل تتعارض مع الفهم العلمي بأن الحقيقة موضوعية ولا تتغيّر وفقا لمختلف المصالح الطبقية، و لا تعتمد على النظرة الطبقية التى يحملها الباحث عن الحقيقة. إن النظرة والمنهج الشيوعيين العلميين ، لو إستوعبا وطبّقا كعلم حيّ وليس كدوغما ،لوفّرا ،بمعنى عام ،الوسيلة الأكثر إتساقا ومنهجية وشمولية للتوصّل إلى الحقيقة لكنها ليست نفس الشيئ وقول إنّ للحقيقة ذاتها طابعا طبقيا أو أن الشيوعيين سيتوصلون للحقيقة فيما يتعلّق بالظواهر المعنية ، بينما الناس الذين لا يطبقون أو حتى الذين يعارضون النظرة والمنهج الشيوعيين ليسوا قادرين على بلوغ حقائق هامّة. ومثل هذه النظرة " للحقيقة الطبقي" التى وجدت إلى درجات مختلفة وبأشكال متنوعة داخل الحركة الشيوعية نظرة مادية إختزالية وجلفة وتذهب ضد وجهة النظر والمنهج العلميين الفعليين للمادية الجدلية.
وكجزء من التوليف/التلخيص الجديد ، نقد بوب آفاكيان وجهة النظر الإحادية الجانب فى الحركة الشيوعية تجاه المثقفين نحو رؤيتهم فقط كمشكل والإخفاق فى الإعتراف الكامل بالطرق التى يمكن ان تساهم فى السيرورة الغنية التى سيصل بها الناس فى المجتمع ككل إلى فهم أعمق للواقع وقدرة أشدّ على الصراع المتزايد الوعي لتغيير الواقع صوب الشيوعية.
ومن جديد ، كما يشرح ذلك " القانون الأساسي" لحزبنا :
" ويشمل التوليف/التلخيص الجديد تقديرا عظيما للدور المهمّ للمثقفين والفنانين فى كل هذه السيرورة فى متابعة رؤاهم الخاصة وكذلك فى مساهمة أفكارهم فى الخميرة الأوسع كلها – وكل هذا مجدّدا ،ضروري للحصول على سيرورة أغنى بكثير...
بإختصار، فى هذا التوليف/التلخيص الجديد الذى طوّره بوب آفاكيان ،ينبغى أن يوجد لبّ صلب يتمتّع بالكثير من المرونة. وهذا ، قبل كلّ شيئ ، منهج ومقاربة ينطبق بصورة واسعة جدا...وإدراك جلي للمظهرين [اللبّ الصلب و المرونة] وترابطهما ،ضروري فى فهم الواقع وتغييره، فى جميع المجالات وحاسم فى إنجاز تغييرات ثورية فى المجتمع الإنساني...
مطبقة على المجتمع الإشتراكي ، تتضمّن هذه المقاربة للب الصلب والكثير من المرونة ، الحاجة إلى لبّ قيادة وتوسّع ، لبّ له فكرة واضحة عن الحاجة لدكتاتورية البروليتاريا وهدف مواصلة الثورة الإشتراكية كجزء من النضال العالمي من أجل الشيوعية ومصمّم على مواصلة خوض النضال ،عبر جميع المنعرجات والإلتواءات. وفى نفس الوقت ، سيوجد بالضرورة أناس وتيارات متنوعة فى المجتمع الإشتراكي يدفعون نحو إتجاهات مختلفة وكلّ هذا يمكن فى النهاية أن يساهم فى سيرورة بلوغ الحقيقة وبلوغ الشيوعية. وسيكون هذا شديدا أحيانا وصعوبة تبنّى كل هذا (بينما ما زالت تقاد كافة السيرورة الشاملة بإتجاه الشيوعية) ستكون شيئا مثل الذهاب ،على حدّ قول بوب آفاكيان، إلى عملية التفكيك و التركيب مرارا وتكرارا وكلّ هذاعسير لكنه ضروري وهو سيرورة مرحّب بها."
وكنقطة ناظمة لكل هذا ،شدّد آفاكيان على توجّه "محرّرو الإنسانية" : الثورة التى يجب القيام بها والتى يجب أن تكون الجماهير القوّة الدافعة الواعية فيها ، لا تتعلّق بالإنتقام ولا بتغيير فى الواقع داخل إطار ضيّق ( "الأول يصبح الأخير والأخير يصبح الأول") وإنما هي تتعلّق بتحويل العالم بأسره حتى لا يوجد أناس هم "الأولون" وآخرون هم " الأخيرون" ، فالإطاحة بالنظام القائم وإرساء دكتاتورية البروليتاريا ومواصلة الثورة فى هذه الظروف غرضه كله وهدفه هو القضاء على كافة الإنقسامات الإضطهادية والعلاقات الإستغلالية ضمن البشر و التقدّم لعصر جديد تماما فى تاريخ الإنسانية.
◙ النظرة الإستراتيجية للثورة :
أعاد التوليف/التلخيص الجديد لآفاكيان تركيز أرضية العمل الشيوعي وأثرى الفهم الأساسي اللينيني لحاجة جماهير الشعب لتطوير الوعي الشيوعي ليس فقط ولا رئيسيا عبر تجربتها الخاصة وصراعاتها المباشرة لكن أيضا عبر الفضح الشامل لطبيعة ومميزات النظام الرأسمالي الإمبريالي و توضيح قناعات وأهداف ونظرة ومنهج الشيوعية التى يقدّمها للجماهير بطريقة منهجية وشاملة منظّمة حزبية طليعية ، رابطة الكفاح فى وقت معيّن مع وموجّهة إياه نحو الهدف الإستراتيجي الثوري ، بينما كذلك "يعرض أمام الجماهير" المسائل والمشاكل الأساسية للثورة ويشركها فى صياغة وسائل معالجة هذه التناقضات والتقدّم بالكفاح الثوري. بقيادة بوب آفاكيان ،التوجّه الإستراتيجي الجوهري الضروري لإنجاز العمل الثوري وظهور شعب ثوري ،بالملايين والملايين و ثمّ إغتنام الفرص حين تتوفّر فى النهاية ( والقدرة على القتال والكسب فى هذه الظروف) وتتطوّر وتواصل مزيد التطوّر(بإرتباط بهذا ، راجعوا "الثورة و الشيوعية : الأسس والتوجّه الإستراتيجي " كتيب "الثورة" 2008).
كلّ هذا يفنّد تفنيدا حيّا الذين يجادلون بأن الثورة ليست ممكنة فى البلدان الإمبريالية أو أن جهود الشيوعيين العملية و النظرية يجب أن تنصب هناك على النضال من أجل إصلاحات و"حلول" للمشاكل المباشرة للجماهير ، بطريقة تقطع مع الأهداف الثورية والنظرة الشيوعية ، والتى ستؤدى ، فى الواقع ، إلى الإبتعاد عن ذلك طالما أن تأثيرات جماهير الشعب ستقودها إلى طريق مسدود ، طريق الإحباط وفى الأخير إلى التأقلم مع النظام الإضطهادي القائم.
وفى نفس الوقت، كما طوّر هذا التوليف/التلخيص الجديد ، فإن التوجه الإسترتيجي الجوهري للثورة فى البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، لفت آفاكيان الإنتباه أيضا إلى التحدّيات الجديدة للنضال الثوري ، و الحاجة إلى مزيد تطوير الإستراتيجيا الثورية ، فى البلدان التى تهيمن عليها الإمبريالية الأجنبية ، نظرا للتغيرات الكبرى فى العالم ، وفى أغلب هذه البلدان ، فى العقود الأخيرة.
و وضع هذا التوليف/التلخيص الجديد فى العديد من أبعاده الحاسمة (التى لم نستطع سوى تناولها بإقتضاب هنا ) الثورة و الشيوعية على أساس علمي أصلب. ومثلما شدّد على ذلك آفاكيان ذاته :
" غاية فى الأهمية هو عدم التقليل من أهمية التوليف/التلخيص وقوّته الإيجابية الكامنة : نقد أخطاء ونواقص هامة و القطع معها بينما نقدّم ونعيد بريق ما كان إيجابيا فى التجربة التاريخية للحركات الشيوعية العالمية و البلدان الإشتراكية التى وجدت إلى الآن، وبمعنى حقيقي نعيد إحياء – على قاعدة جديدة وأكثر تقدّما – قابلية نجاح ونعم الرغبة فى عالم جديد ومختلف جذريا ،و إقامة هذا على أساس أصلب من المادية الجدلية...لذا لا يتعيّن أن نستهين بإمكانية هذا كمصدر للأمل و الجسارة على قاعدة علمية صلبة."(13).
/ الشيوعية فى مفترق طرق : طليعة للمستقبل أم بقية الماضي؟V
إزاء التحدّيات و الصعوبات المستمرّة فى الفترة الخالية ، فسح التجميع الأولي للشيوعيين الذى حدث بعد الهزيمة فى الصين ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ، إلى مدى هام فى المدّة الأخيرة لخلافات حادة . فمن جهة حزبنا الذى لخّص خطّه الأساسي فى " قانوننا الأساسي " الجديد ،سوية مع بعض الآخرين المنجذبين نحو التوليف/ التلخيص الجديد ومن جهة أخرى ، تياران معارضان سواء متعلقين دينيا بكافة التجربة السابقة و النظرية والمنهج المرتبطان بها أو (جوهريا وليس فى الكلمات) متخلين عن كلّ هذا جملة و تفصيلا.
بمعنى معيّن جرى توقع ذلك فى إجابات "كسب العالم؟" حين نشر لأوّل مرّة ، تقريبا قبل ثلاثة عقود من الآن. ومن ناحية أخرى وجد الذين فى الحركة الشيوعية العالمية أزعجهم ما قيل فى "كسب العالم؟" مدّعين أنه قلّص تجربة الحركة الشيوعية إلى "راية مستهجنة" (وهي إجابة بحدّ ذاتها تعكس نظرة دغمائية و هشّة لما هي الشيوعية ، عوض رؤيتها وإدراكها كما هي فعلا : علم ثوري نقدي حي ومتطوّر ، وإحدى مظاهره المساءلة الذاتية المستمرّة ) ومن ناحية أخرى إلى جانب الذين رحبوا ب"كسب العالم؟" لأسباب صحيحة ، هناك الذين رحبوا فعليا به لكنهم فعلوا ذلك بنظرة ترغب فى أن يشكّل وتدا يفتح الباب لنبذ التجربة التاريخية برمتها والتخلى عنها ، التجربة التاريخية التى يتطرّق لها "كسب العالم؟" بشكل نقدي من وجهة نظر مختلفة جوهريا ، تعترف موضوعيا بأن هذه التجربة كانت رئيسيا إيجابية وحققت تقدّما غير مسبوق تاريخيا بالنسبة للإنسانية ينبغى بصلابة الدفاع عنه ولكن أيضا تعترف بوجود مشاكل ونواقص وأخطاء بعضها جدّي للغاية تحتاج التعمّق فيها وتفحصها نقديا و التعلّم منها كذلك. فى ذلك الوقت ، كانت هذه الردود المتضاربة بشأن "كسب العالم؟" فى حالات جنينية وضمن إطار عام من الوحدة المحدّدة بصورة واسعة. وفقط مع تطوّر الأحداث فى العقود القليلة التالية ومع تجربة مواجهة مزيد من الصعوبات (بما فى ذلك تراجعات فى النضالات ، بدا فى وقت معيّن أنها توفّر أرضية جديدة وتجسيدا لإعادة إحياء الحركة الشيوعية فى العالم)، تطوّرت هذه النظرات المعارضة وإحتدّت .
واليوم ،فى جانب الذين يرفضون فحص التجربة التاريخية للحركة الشيوعية فحصا نقديا ، من الشائع وجود ظاهرة التأكيد على "الحقيقة الطبقية" و تحويل الشيئ الداخل فى الذهن إلى شيئ خارج الذهن بالنسبة للبروليتاريا المرتبطة بها وعموما نظرة للنظرية و المبادئ الشيوعية كنوع من الدوغما ، قريب من التعاليم الدينية ، و جوهريا " نعرف كلّ ما نحتاج إليه ، لدينا جميع المبادئ المطلوبة ويتعلّق الأمر فقط بتنفيذ الحكمة الموروثة ". وفى القطب المعاكس ، يوجد الذين لهم فهم للتجربة التاريخية للحركة الشيوعية وبشكل خاص أسباب الصعوبات و النكسات و الهزائم ، سطحي وضعيف أيضا ، يجهل أو يستبعد التحليل الشيوعي العلمي للتناقضات العميقة التى ولّدت خطر إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي ، والذين يحاولون تعويض ذلك التحليل بالنظرة المستندة إلى المبادئ و المعايير الديمقراطية البرجوازية ومفاهيم الشرعية البرجوازية الديمقراطية المرتبطة بالسيرورة الشكلية للإنتخابات وبتنافس الأحزاب السياسية ، وهو أمر شائع فى المجتمع الرأسمالي ومتوافق جدّا مع ويؤدى إلى ممارسة الطبقة الرأسمالية للسلطة السياسية. والذين يتمسّكون بهذه المواقف ، حتى حينما يواصلون إدعاء لبس عباءة الشيوعية ، متلهّفون لنبذ مفهوم دكتاتورية البروليتاريا وتجربة دكتاتورية البروليتاريا و النأي بأنفسهم عنهما وفى كثير من الحالات حتى عن التلفّظ بذلك. وبالفعل ، مثل هؤلاء الناس يبحثون عن "تحرير أنفسهم" من أكثر تجربة تحرّرية فى تاريخ الإنسانية إلى الآن ! ويدعون أنهم يريدون التحرّك للأمام بسرعة ، إستجابة لمتطلبات الظروف الجديدة... لكن لديهم روابط مع الأدوات الخاطئة وهم يتحركون بسرعة فى الإتجاه العكسي منسحبين على عجل نحو الديمقراطية البرجوازية والحدود الضيقة للحق البرجوازي (14) ، عابرين القرون من القرن ال21 إلى القرن 18.
وفى حين أن هذه التوجهات الخاطئة التى حدّدناها هنا تتضمّن إختلافات هناك أيضا مظهر هام فيه هي متشابهة وفى الواقع تشترك فى مظاهر هامة. فى الحقيقة تجدر الملاحظة بأن فى السنوات الأخيرة وجدت ظاهرة أن بعض المجموعات "تتقلّب" بين قطب وآخر ، لاسيما بين الدغمائية و التيارات المرتبطة بها إلى معانقة الديمقراطية البرجوازية ( وإن ظلّت تتقنّع بالشيوعية). وإليكم بعض أهمّ السمات المشتركة بين هذه التيارات :
♦ عدم الإضطلاع أو عدم الإنخراط مطلقا بأي طريقة منهجية ، فى تلخيص علمي للمرحلة الأولى من الحركة الشيوعية وبوجه الخصوص للتحليل الثاقب لماوتسى تونغ لخطر وقاعدة إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي. وهكذا ، بينما قد تدافع أو قد كانت تدافع فى الماضي عن الثورة الثقافية فى الصين ، تفتقر إلى أي فهم حقيقي وعميق للماذا كانت هذه الثورة الثقافية ضرورية ولماذا وبأية مبادئ وأهداف أطلقها ماو وقادها. إنها تحوّل الثورة الثقافية ، فى الواقع ، إلى مجرّد حلقة أخرى فى ممارسة دكتاتورية البروليتاريا أو من جهة أخرى تعيد تأويلها على أنها نوع من الحركة الديمقراطية البرجوازية "المناهضة للبيروقراطية" تمثّل فى جوهرها نقضا للحاجة لطليعة شيوعية ودورها القيادي المؤسساتي فى المجتمع الإشتراكي ، عبر المرحلة الإنتقالية إلى الشيوعية .
♦ النزعة المشتركة لتحويل "الماوية " لمجرّد وصفة لخوض حرب الشعب فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث بينما تهمل مجدّدا أو تقلص أهمية أهمّ مساهمة من مساهمات ماو فى الشيوعية : تطويره لنظرية وخطّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا وكافة التحليل الثري والمنهج العلمي اللذان عليهما تأسّس ذلك و اللذان جعلا تطوير تلك النظرية وذلك الخطّ ممكنا .
♦ الفلسفة التجريبية و البراغماتية و التجريبية . ومن جديد بينما يمكن أن يتخذ هذا تعبيرات متنوّعة تبعا لوجهات النظر والنظرات المتنوعة الخاصّة، فإن الشائع عندها هو إبتذال النظرية والإستهانة بها ، محوّلينها ل "مرشد للعمل" فقط بالمعنى الأضيق والأكثر مباشرة، معاملين النظرية كما لو أنها ، جوهريا ، إفراز ممارسة خاصة ومحاولين عقد مقارنة بين الممارسة المتقدّمة ( التى ، من جانب هؤلاء الناس ، تتضمّن عنصرا من التقييم الذاتي والإعتباطي ) و النظرية المتقدّمة المفترضة. إن وجهة النظر الشيوعية العلمية ،المادية الجدلية ، تؤدّى إلى فهم أن الممارسة هي مصدر ومحكّ النظرية ، لكن على عكس هذه التشويهات التجريبية الضيقة ، يجب فهم هذا على أن الممارسة بالمعنى الواسع ، شاملة التجربة الإجتماعية و التاريخية الواسعة ، وليس فقط التجربة المباشرة لشخص أو مجموعة أو حزب أو أمّة. تأسيس النظرية الشيوعية ذاتها ومزيد تطويرها يبيّن ذلك بقوّة : منذ زمن ماركس ، تشكّلت هذه النظرية وأثيرت إنطلاقا من جملة واسعة من التجارب ، فى جملة واسعة من الحقول المختلفة وخلال تطوّر تاريخي واسع النطاق ، فى المجتمع و الطبيعة. ستتحوّل مقولة أن الممارسة مصدر النظرية ومقولة " الممارسة معيار صحّة النظرية " إلى كذب عميق إن جرى تأويلها وتطبيقها بأسلوب ضيّق ، تجريبي وذاتي.
♦ بصورة هامة للغاية ، هذه التوجهات "المتناقضة تناقض إنعكاس المرآة " الخاطئة تشترك فى كونها تحوّلت إلى أو إنسحبت إلى نماذج من الماضي، من هذا النوع أو آخر( مع أن النماذج الخاصة يمكن أن تختلف) : إما متعلّقين بدغمائية بالتجربة الماضية للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ( أوبالأحرى ، لفهم ناقص إحادي الجانب وفى النهاية خاطئ) أو الإنسحاب إلى مجمل العصر الماضي والثورة البرجوازية ومبادئها : عائدين إلى ما هو فى الجوهر نظريات القرن18 للديمقراطية (البرجوازية ) بقناع او بإسم " شيوعية القرن 21 " وفى الواقع مساوين "شيوعية القرن21 " هذه بديمقراطية مفترضة " نقية " أو " لاطبقية " ، ديمقراطية فى الواقع ، طالما وجدت الطبقات ،لايمكنها إلآ أن تعني ديمقراطية برجوازية ودكتاتورية برجوازية (15). كل هذا فى الوقت الذى يجرى فيه إهمال أو إعتبار متقادم أونبذ كدوغما ( أو حصره ضمن تصنيف بلا معنى " أبجديات الشيوعية " يعترف بها بصفة مجرّدة وبعد ذلك توضع جانبا بإعتبارها غير صالحة للنضال العملي) الفهم الشيوعي العلمي الجوهري الذى دفع ثمنه أصلا ومرارا و تكرارا دم بلايين المضطهَدِين منذ زمن كمونة باريس ، فهم أن الدولة القديمة ،الرجعية يجب أن تحطّم وتفكّك ويجب أن تولد دولة جديدة راديكاليا ممثّلة المصالح الثورية للمستغِلِين السابقين فى تغيير المجتمع باسره وتحرير الإنسانية جمعاء وإلاّ فإن أي مكاسب حققها النضال الثوري ستبدّد وتحطّم وسيقضى على القوى الثورية.(16)

فقط بالقطع مع هذه التوجهات الخاطئة والإنخراط بعمق والتحوّل إلى أرضية أصلب من نظرة الشيوعية ومنهجها ومبادئها كما جرى تطويرها إلى حدّ الآن (وينبغى مزيد تطويرها بإستمرار) ينهض الشيوعيون بالمسؤولية والتحدّى العظيمين لأن يكونوا فعلا طليعة المستقبل ولا يأسرون أنفسهم فى أن يكونوا [أو يفسدوا] ويصبحوا بقية الماضي، وبالقيام بذلك يخونون الجماهير الشعبية عبر العالم التى تمثّل لهم الثورة الشيوعية السبيل الوحيد للخروج من جنون ورعب العالم الراهن صوب عالم يستحق حقا العيش فيه.
/ ثورة ثقافية صلب الحزب الشيوعي الثوري : VI
ولم يكن حزبنا ذاته بمنأى عن تأثير الخطوط التحريفية التامة الخاطئة . وفى الواقع ، الخطوط والنزعات التى نقدنا هنا لم توجد فقط صلب حزبنا ، على إمتداد سنوات ، بل إلى المدّة الأخيرة ، مارست دفعا قويّا وشكّلت خطرا حقيقيا يهدّد بأن يكفّ حزبنا عن أن يكون حزبا شيوعيا ثوريا وعوض ذلك يفسد ويتحوّل إلى مجموعة أخرى من الإصلاحيين ، حتى وإن أبقت ،على الأقلّ لفترة من الزمن ، لباس الشيوعية.
طوال فترة الثمانينات والتسعينات ، تطوّر وضع صلب حزبنا فيه بالفعل وجد حزبان، يمثّلان جوهريا طريقين متعارضين . من ناحية، كان هناك الخطّ "الرسمي" للحزب ، و التطوير الجاري له كما تجسّد بوجه خاص فى التوليف/التلخيص الجديد الذى كان ينجزه بوب آفاكيان ، وبالأساس ،عبّرت عنه جريدة الحزب ( "العامل الثوري" ، الآن " الثورة " ) ووثائق ومنشورات أخرى للحزب. لكن فى نفس الوقت، فى تصاعد معارضة التوليف/التلخيص الجديد و الخط الشيوعي الثوري ككلّ وجدت نظرات تحريفية تمايزت فى بعض الخصوصيات لكنها كانت مشتركة موضوعيا ، فى أنها تصبّ فى التخلّى عن النظرة والأهداف الشيوعية الثورية متأقلمة مع النظام الإمبريالي وقابلة به وفى أفضل الأحوال عاملة من أجل إصلاحات ضمن هذا النظام الفظيع.
ما هي أهمّ مظاهر هذه الخطوط التحريفية وأهمّ العوامل المؤدية إلى نموّها وتزايد تأثيرها داخل حزبنا ؟
•--- الهزيمة فى الصين ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية (مرفوقة بعقود من "الإستقرار " النسبي فى أقوى بلد إمبريالي فى العالم، إثر هذه الهزيمة وإنحسار الإنتفاضة العظيمة للستينات إلى بداية السبعينات فى الولايات المتحدة وكذلك على النطاق العالمي ) لم تحدث فقط بلبلة وإحباط لدي الكثيرين الذين أرادوا وقاتلوا من أجل تغيير جذري للعالم وأيضا للناس بشكل أوسع ، وإنما كان هذا صحيحا ضمن الشيوعيين وداخل حزبنا. تتكوّن الأحزاب الشيوعية من أناس يجتمعون على أساس فهم علمي متقدّم لضرورة وإمكانية الثورة ،غايتهم مستقبل مغاير جوهريا وأفضل بكثير بالنسبة للإنسانية، لكنهم يوجدون ويقومون بعملهم فى النظام القائم ، ليسوا ولا يمكنهم و لايجب ان يكونوا منفصلين وليس أقلّ منغلقين عن بقية العالم والظروف التى يفرضها و التأثيرات التى يمارسها.
وفى نفس الوقت ، مستغلين هزائم ونكسات الثورة الشيوعية ، قام المدافعون عن النظام القديم ومادحوه طوال عديد العقود الماضية بهجوم إيديولوجي مستمرّ على الشيوعية وكان لهذا تأثير على الدفع نحو التأقلم مع الإمبريالية ،خصوصا فى بلد مثل الولايات المتحدة ، بلد قويّ لدرجة كبيرة.
متحدّثا لإجتماع حزبي هام قبل بضعة سنوات حيث تطرّق مباشرة ونقد بشدّة الخطوط التحريفية داخل الحزب ، ساق بوب آفاكيان الملاحظات التالية :
" دعونا ننظر مجدّدا إلى هذا. تحدثت عن كيف أننا لا نزال نعاني من تأثيرات خسارة الصين. لا يجب أن نستهين بهزيمة الصين وكلّ ما نجم عنها وكلّ ما قام به الإمبرياليون وبنوه على ذلك الأساس. خسارة الصين وكلّ ما كانت تمثّله بالنسبة للبروليتاريا العالمية والثورة البروليتارية العالمية ، بعد الثورة الثقافية [فى الصين] وبعد مشاركة الملايين والملايين فيها وفى سيرورة هامة من إعادة تشكيل وجهة نظرهم للعالم ونعم هذا شيئ لا زلنا نتفاعل معه ، سواء فى الواقع الموضوعي أوفى تفكيرنا نحن.
وإذا ما أضفنا إلى كل هذا كامل ظاهرة "موت الشيوعية" والهجوم المستمرّ المعادي للشيوعية و التشويه والإتراء من كافة الإتجاهات وبكافة الطرق للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين والثورة الصينية والإشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا ، إذا ما فكّرنا فى تبعات كلّ هذا ونحن ماديون ونطبّق الجدلية ، من الصعب جدا التفكير فى أن لنا مناعة ضد تداعيات كلّ هذا وأنه فقط يأثّر على الناس خارج الحزب. حتى فى تفكيرنا وفى ذواتنا إن أردتم إستعمال هذه المفردة ، فى أعماق أعماقنا ، أليست لدينا أسئلة حول إذا ما كنا على خطإ بشأن كلّ هذا : لماذا خسرنا؟ إذا كنّا على حق وإذا كان ما نطمح إليه صحيح لماذا إنتهى الأمر على هذا النحو؟ لا أعتقد أنه هناك عديد الرفاق الذين يستطيعون قول إن تلك الأسئلة لم تأرّقهم ، و على الأرجح اكثر من مرّة.
لدينا إجابة على تلك الأمور إلآ أنه يجب التعمّق فى الإجابة ويجب مواصلة التعمّق وينبغى أن نكون علميين. ينبغى أن نطبّق المادية الجدلية ".
المشكلة هي أنه بينما كان بوب آفاكيان وبعض الآخرين فى الحزب "يتعمّقون" فى هذا ، مطبّقين النظرة العلمية و المنهج المادي الجدلي، لم تكن غالبية الحزب ، على المستويات كلّها ، تفعل وعوض ذلك كانت إلى درجة كبيرة "تقبل" الإفتراءات ضد الشيوعية وتتحوّل إلى ما حدّده لينين بدقّة بالنزعة العفوية للسقوط تحت كلاكل البرجوازية ، إيديولوجيا وسياسيا : الإنسحاب إلى حدود الديمقراطية البرجوازية و الحقّ البرجوازي و التذيّل للنظرة التى تميّز الحركات الإصلاحية بما فى ذلك "سياسة الهوية " والنسبية الفلسفية المرتبطة بها ( فكرة أنه ليست هناك حقيقة موضوعية ، أو أن الحقيقة الموضوعية لا يمكن تحديدها بأية درجة من اليقين، و أن هناك مجرّد مجموعات وأفراد مختلفين لهم "روايات" مختلفة وجميعها على حدّ سواء صحيحة أو غير صحيحة ) مستبدلة الثورة بالإصلاح كهدف أساسي.
•--- تميّزت التحريفية داخل حزبنا بالميزات التحريفية المعروفة لمدّة طويلة داخل الحركة الشيوعية والتى فضحها لينين كذلك وقد تجسّدت فى مفهوم أن " الحركة كلّ شيئ والهدف لا شيئ "، والتوجّه الحتمي إلى أن ما هو ضروري هو الممكن والممكن هو ما قد أُنجز بعدُ وهذا يعنى "الإنصهار" فى صفوف الجماهير بالمعنى الخاطئ ، على أساس ضيّق وبنظرة ضيقة للصراع ، مع ترك الثورة والشيوعية جانبا أو فى أحسن الحالات بطريقة لا معنى ولا حياة لها ، " الثبات على" العمل الإصلاحي وإحباط أي مغزى ورابطة حقيقيين بالنشاط الحزبي الجاري وفى الواقع قبر الثورة والشيوعية. كان أعضاء الحزب عادة مشغولين جدا بكلّ شيء بإستثناء الثورة و الشيوعية.
جوهريا ، كان هذا شكلا من أشكال "الإقتصادوية" . تاريخيا، فى الحركة الشيوعية ، مفاد الإقتصادوية هو تركيز الإنتباه الطبقة العاملة على ظروفها المباشرة وعلى النضالات "بوسائل قابلة للتطبيق على أوسع نطاق" لكسبها ، يوما ما ، للإشتراكية و الشيوعية وهي نظرة عرضها لينين بصفة شاملة ودحضها مؤلفه الشهير "ما العمل؟" ، أين بيّن أن هذه المقاربة لن تؤدّي مطلقا إلى بناء حركة ثورية غايتها الشيوعية بل ستساهم فى حصر الحركة و الجماهير المشتركة فيها ، ضمن إطار الرأسمالية . فى معارضة هذا ، أكّد لينين أنه فى حين من المهمّ بالنسبة للشيوعيين أن يشتركوا فيها ويرتبطوا بالنضالات الهامة للجماهير وحتى أن يبذلوا الجهد لقيادة العديد من هذه النضالات ، فإنه عليهم أن يقوموا بذلك كشيوعيين. وعملهم يعتمد على فضح ميزات وطبيعة النظام الرأسمالي ، عبر التحريض و الدعاية المناسبين واللازمين عارضين أمام الجميع قناعاتنا وأهدافنا الشيوعية وبهذه الطريقة يربطون نضالات وتحركات اليوم بالهدف الثوري والشيوعية ، وتوجيه هذه الصراعات و الجماهير الشعبية من النضال العفوي و السقوط تحت كلاكل البرجوازية نحو الهدف الثوري. منذ زمن لينين ، صارت الإقتصادوية تتخذ معنى أوسع لتطبيق "الوسائل الأكثر قابلية للتطبيق" ليس فقط النضالات ضمن شرائح مختلفة عديدة مركّزين نظر العمل الشيوعي على تنظيم مثل هذه النضالات فعلا وليس دائما قولا ، متعاطين مع أفق الثورة والشيوعية كشيئ مطلق ينتمى إلى فترة مستقبلية غير محدّدة ، لا صلة حيّة لهما بالحركات والنضالات الراهنة فى أي وقت معيّن.

فى الجوهر، بدلا من العمل الثوري فى وضع غير ثوري ، التعجيل وإنتظار تطوّر وضع ثوري ، الوصفة الإقتصادوية هي العمل الإصلاحي بإنتظارثورة ، ثورة لن تحدث أبدا ولا يعدّ لها أبدا وفعلا من خلال هذه النظرة . و ما تشترك فيه كافة مظاهر الإقتصادوية كميزة أساسية هو التذيّل للجماهير ، عوض التصرّف كطليعة لقيادة الجماهير، ( التعلّم منها أي نعم ، لكن القيادة بينما يتمّ التعلّم) رافعين نظرها لإمكانية الثورة وضرورتها وعاملين ومكافحين معها لكسبها لتبنّى وجهة النظر الثورية والشيوعية والكفاح من أجل أهدافها التحرّرية.
•--- الإقتصادوية و التحريفية بصورة عامة التى كانت تسم على نحو متزايد العمل الفعلي للحزب وحياته وثقافته تميّزت بالبراغماتية و التجريبية اللتان كانتا شائعتين فى الحركة الشيوعية ( اللتان ناقشنا أعلاه) وكذلك اللاأدرية حول المبادئ الشيوعية الراسخة وحتى حول رغبة وإمكانية الثورة و الشيوعية. و العمل النظري المستمرّ والإختراقات الحقيقية فى النظرية الشيوعية التى أنجزها رئيس الحزب ، بوب آفاكيان، لم تقابل بمعارضة صريحة بما هي مهملة بشكل كبير من قبل أغلب أعضاء الحزب ( أو أحيانا تواجه على حدّ سواء بتصرّف غير مهتمّ كذلك وقول "ثقيل..."ثم توضع على الرفّ لتراكم الغبار) لأن مثل هذا العمل والإختراقات النظرية التى أوجزنا بينما هي حاسمة فيما يعلّق بأهداف الثورة و الشيوعية ، م تكن ذات قيمة أو "مفيدة" للغارقين فى التوجّه الإقتصادوي و التحريفي.
•--- فى إرتباط بما ذكر أعلاه، عنصر رئيسي آخر ضمن "الحزمة التحريفية" ( التى كسبت رواجا صلب حزبنا ) هو نظرة عدم التعاطي مع الشيوعية كتوجّه شيوعي ثوري حقيقي ينبغى أن يكرّس بإستمرار وبنشاط أي يقاتل من اجله لكن عوض ذلك يتمّ تقليص الشيوعية إلى "نمط حياة بديل". وبهذه النظرة يتحوّل الحزب إلى مجرّد فرقة معارضة تصدّق نفسها ،تقريبا عصرية. وأحيانا عني " نمط حياة بديل " الإنشغال وجعل الآخرين ينشغلون بالتنقّل السريع من كفاح مباشر إلى آخر ، و أحيانا إتخذ شكل الرضا المتعجرف والدغمائي بكون المرء شيوعي (مفترض) ، له معرفة خاصة بالتاريخ وجملة أخلاق ( لا يمكن أن ترتبط بأي واحد، إذا جرت المحاولة حتى) ، وأحيانا عنى فقط تمضية الوقت ووضع الفكر النقدي فى الثلاّجة. وتميّز عمل الحزب بصورة متزايدة بنظرة غذاء عقلي للجماهير، فى حين تقع المحافظة على المنطقة الخاصة ب "المبتدئين"، ما وصف على أنه "معبد المعرفة السرّية" ، محوّلا الشيوعية إلى شيئ بلاحياة وجوهريا إلى شيئ ديني ودوغما.
فى تعارض مع مؤلفات بوب آفاكيان وجريدة الحزب ومنشوراته الأخرى ووثائقه الرسمية ،كانت غالبية الوجه العام للحزب ( المكتبات المرتبطة به ،على سبيل المثال) تنبعث منها رائحة آثار الماضي أو "مراكز حركة "مشغولة (غير ثورية). الإختلافات فى كلّ هذا يمكن أن تكون متنوّعة لكن المصدر والنتيجة واحدة : التحريفية.
•--- إلى جانب كلّ هذا، ثمة نبذ أكيد وتجنّب مدروس لخوض النضال الإيديولوجي مع الجماهير الشعبية لا سيما فى معارضة الأفكار والمفاهيم الدينية بالإضافة إلى وجهات النظر المتخلفة التى تمثل حقيقة قيودا وسلاسل ذهنية لدى جماهير الشعب. وتمادي هذا إلى حدّ تضمّن مستوى من التردّد أو رفض مواجهة الأفكار والتصورات المسبقة المناهضة للشيوعية الواسعة الإنتشار الآن و فى نفس الوقت السطحية جدا.
•--- عموما وبالشكل الأكثر أساسية ، ما تمثله "الحزمة التحريفية" هو التخلى عن الثورة ، وإن لم يكن بصفة واضحة وبصراحة تامة أي تبنى موقف "رأينا كل الثورة التى سنرى". على الأغلب ، الثورة مسألة مستقبل بعيد أو هي للآخرين ، فى مكان ما . ربّما يمكن أن تنجح فى ما يسمّى بالعالم الثالث، لكن بالنظرة التحريفية التى لها علاقة حية وواقعية محدودة بما كان يقوم به حزبنا ( ما عدا ربما جعل نفسها بلا معنى "من كبار مشجعى" النضالات الثورية فى أماكن أخرى) . أما بالنسبة للحزب و ثقافته ، ففى ظل تأثير هذه التحريفية ، كانت الليبرالية مستشرية وعمّ موقف عام مفاده جوهريا " لنكن واقعيين ، ما الذى تتوقعون ؟ لا يمكن أن يوجد حزب فى هذه البلاد يكون حقّا طليعة ثورية ، يستحق فعلا إسم "حزب شيوعي ثوري".
إن التناقض الجوهري العدائي والمتفاقم الحدّة هو بين هذين الخطين ( خطّ جملة الأعمال و المنهج و النظرة المطوّرين من قبل بوب آفاكيان و خطّ الحزب ووثائقه ومنشوراته "الرسمية" من جهة و"الحزمة التحريفية " بمظاهرها المتنوعة و المضمون الأساسي الذى لخصناه هنا) اللذان صارا متعارضين تمام التعارض فى السنوات القليلة الأخيرة إذ لم يعد هذان الخطّان بوسعهما التعايش داخل الحزب ، و إلاّ كان مثّل هذا "التعايش" سيؤدى إلى إنتصار التحريفية ونهاية الحزب كنوع من الطليعة الشيوعية الثورية حقيقة.
والعامل الذى عجّل وأدّى إلى الصراع المفتوح والعميق حول هذه الإختلافات الجوهرية ، حدث فى سياق إعداد الحزب لحملة بناء ثقافة تقدير ونشر وترويج شعبي لدور بوب آفاكيان كقائد شيوعي، مثلما تركّز ذلك فى جملة أعماله ومنهجه ونظرته. بناء هذه الثقافة من التقدير والنشر والترويج لبوب لآفاكيان باتت الآن أحد الركنين الأساسيين لعمل حزبنا الثوري الشامل ( الركن الأساسي الآخر هو إستخدام صحافة حزبنا وكلّ هذا جرى نقاشه فى "القانون الأساسي" الجديد لحزبنا). لكن حينها ، قبل بضعة سنوات ، أبرزت النقاشات بهذا المضمار داخل الحزب بصفة أجلى مما بدت عليه سابقا أن صلب الحزب هناك كما صاغته وثيقة حزبية داخلية " نقص فادح فى تقدير ما هو فعلا المضمون الرئيسي لأعمال رئيس الحزب وإعادة تصوّره للثورة والشيوعية و التوليف/التلخيص الجديد ".
وكما ورد فى تلك الوثيقة الداخلية : " إستمرّ العمل فى هذا التوليف/ التلخيص الجديد لمدّة 25 سنة عندها، بيد أن الخطّ التحريفي أدار ظهره لذلك العمل ، أوّلا بعدم الفهم ، وتاليا ، مع تطوّر الأمور بمعارضة موضوعية . " وجد شيئ جديد وهو الآن يكافح ليولد فى هذا العالم ، إنه يحارب صاعدا جبلا ضد الحكمة التقليدية و الدغمائية وكذلك الإصلاحية لدى الشيوعيين. لكن إمّا عارضه الرفاق ...أو أهمل ، او على الأغلب إعتبر "مهمّا". وتقريبا عالميا لم يدرك فحواه ( أو يعارض بإنتقائية). عمليا عُدّ غير فعّال. وبالأساس ، فى صفوفنا ، لم تقع مواجهة التجريبية الفظّة القائلة بأن " النظرية لا يمكن أن تسبق الممارسة ". كان بوب آفاكيان يواجه ويتعمّق فى المشاكل الحقيقية التى أدّت إلى كون الكثير من الناس لم يقدروا على التمييز بين الماركسية و التحريفية بعد عشر سنوات من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين. وقد أهمل العديد من الرفاق هذا وإنزعج تماما بعضهم الاخر. وتعمّقه فى هذا وشروعه فى تطوير إجابات لهذه الأسئلة المضجرة للغاية عورض مرّة أخرى سواء مباشرة أو من خلال " تجاهله". و سقطت هذه [ المعارضة التحريفية ] موضوعيا فى إبتلاع "موت الشيوعية " فإستبدلت القيادة الشيوعية الحيّة المتطوّرة المشتبكة فعلا ( والصائغة لأجوبة) الأسئلة المؤلمة بصدد " لماذا خسرنا الصين" بالإيمان السلفي الدغمائي الجامد."
عند هذا الحدّ ، بات التناقض بين الخطين التحريفي و الشيوعي فى حزبنا معبّرا عنه بصورة تامة وبات بجلاء وحدّة متعلّقا بإدراك ونشر ضمن الجماهير الشعبية لما تمثّله قيادة بوب آفاكيان و ما هو مركز فى التوليف/التلخيص الجديد الذى يقدّمه ، أو نبذه ورفض التصرّف بناء عليه. فى هذه الظروف ، يمثّل الأوّل التقدّم على الطريق الثوري والشيوعية لأن دور بوب آفاكيان وجملة أعماله ومنهجه ونظرته تكرّس فوق كلّ شيئ تطويرا للشيوعية كعلم حيّ وتوجه ثوريّ إستراتيجي ، بينما معارضة هذا داخل حزبنا كرّست بصورة مركّزة التراجع نحو الإصلاحية والإستسلام للإمبريالية حتى وإن جرى هذا مع المحافظة على "الشيوعية" كنوع من التعويذة الدينية و/ أو "نمط حياة بديل".
معترفا تمام الإعتراف بجدّية الوضع و الرهانات وكذلك الأخطار المتضمّنة وقادرا على التعويل عندها فقط على مجموعة صغيرة جدّا داخل قيادة الحزب ، اصدر بوب آفاكيان بجرأة نداءا لثورة ثقافية داخل الحزب الشيوعي الثوري. وفى نفس الوقت، اكّد على أنّ هذه الثورة الثقافية ينبغى أن تتمّ فى خضم مسيرة كبرى ( مشدّدا بهذه الإستعارة على أن التغيير الراديكالي و التعزيز الثوري للحزب وهو هدف وغاية هذه الثورة الثقافية يتعيّن أن ينجز فى إطار وجوهريا فى خدمة تغيير العالم الموضوعي الأشمل ) و عمل الحزب الذى ستوجهه حقا المبادئ والأهداف الشيوعية سيوجد حركة ثورية وليس حركة إصلاحية. وللأسباب التى ناقشنا أعلاه هنا ، النقطة المحورية و المسألة الحيوية للثورة الثقافية كانت إذا كنا نعتمد على وننفّذ التوليف/التلخيص الجديد وجملة أعمال و منهج ونظرة بوب آفاكيان و نتقدّم فى النظرية والإستراتيجيا الشيوعية التى تركّز ذلك أم أننا نبتعد عنها ونتبنى عوض ذلك ضربا من ضروب التحريفية – او بعض الخليط الإنتقائي التحريفي.
فى حديث له فى وقت سابق هذه السنة مع مجموعة من أعضاء الحزب ، عرض بوب آفاكيان توجهه فى بداية هذه الثورة الثقافية :
" كما رأيت وواجهت الأمور فى ذلك الوقت ، تقريبا قبل خمس سنوات ، كان هناك ثلاثة خيارات أساسية لمّا صار واضحا أنه رغم تواصل الطابع الشيوعي الثوري للخطّ "الرسمي" للحزب ، كان الحزب فى الحقيقة "مشبعا" وحتى متميّزا بالتحريفية. كانت أمامي ثلاثة خيارات :
- القبول بهذا الحزب كما هو و التخلّى جوهريا عن ما يفترض أن هذا الحزب أسّس من أجله،
- مغادرة الحزب والإستعداد لتأسيس حزب جديد،
- أو إطلاق ثورة ثقافية.
حينها إعتقدت و لا زلت أعتقد الآن لأسباب تحدثت عنها فى مكان آخر و اليوم فى ما مر ّبنا ، بأن الخيار الأخير هو الطريق الوحيد الصائب و الضروري. وهذا لأسباب تتعلّق بمدى قيمة حزب و مدى صعوبة خلق حزب جديد لو جرى بالفعل التخلى عن هذا الحزب قبل الأوان وبشكل خاطئ. لكن ،نعم ، صحيح ليس هناك شيئ مقدّس بشأن حزب وإذا لم يكن طليعة ثورة فبالتالي فليذهب إلى الجحيم! ولنقم بشيئ آخر ولنحصل على شيئ آخر. بيد أننى إعتقدت حينها و لازلت أعتقد أنه لا ينبغى أن نتخلى عن هذا الحزب ما لم يغدو موضوعيا وعلميا وبصورة واضحة لا أمل فى تحويله حقيقية إلى ما يحتاج أن يكونه."
ولم تكن هذه الثورة الثقافية عملية تطهير بل صراعا ، صراعا إيديولوجيا غايته و منهجه لم يكونا إستهداف أشخاص وإنما المقارنة و المواجهة بين الخطّ الثوري و الخطّ التحريفي و بهذه الطريقة يتمّ تعميق أسس الحزب و أعضاءه على الخطّ الثوري بينما يقع فضح ونقد الخطّ التحريفي و القطع معه وذلك لإنعاش وإعطاء حافز كبير للحزب ككلّ كطليعة شيوعية ثورية حقا قادرة ومصمّمة على مواجهة مسؤولياتها ولا شيئ أقلّ. إن مسار هذه الثورة الثقافية و طبيعتها ، على مدار ما يناهز الخمس سنوات منذ بدايتها ، كان معقّدا وأحيانا حادا. تضمّن عددا من الإلتواءات و المنعرجات و تطلّب صراعات إيديولوجية متكرّرة و متعمّقة لإحداث قطيعة أساسية من طرف أعضاء الحزب و الحزب ككلّ مع التحريفية و قفزة – من جديد و على أسس أعمق- للتحوّل إلى شيوعيين و طليعة شيوعية مطالبين بأن نكونها ومصمّمين على أن نكونها. وقد عرفت عدة مراحل ، بتقدّم حاسم حصل فى مراحلها الأولى ، عندما إلتحقت قيادة الحزب جماعيا، بالمعنى الأساسي ، بالخطّ الثوري وقيادة بوب آفاكيان فى تطوير ذلك الخطّ و الكفاح من أجله و على تلك القاعدة عمّقت تصميمها وقدرتها على إنجاز هذه الثورة الثقافية من خلال إلحاق الهزيمة بالتحريفية وإنقاذ وإنعاش الحزب كطليعة شيوعية ثورية.
وكما كان متوقّعا من صراع بهذا الحجم الهائل وبهذه التحدّيات ، كانت سيرورة الثورة الثقافية فى حزبنا سيرورة تمخّضت عن القطع مع الذين كانوا ينوون عقد سلام مع الإمبريالية وجرائمها الفظيعة ، حتى وإن ظلّوا أحيانا يسمون أنفسهم شيوعيين أو يعبرون عن أمنية عالم أفضل، طالما أنه ليس عليهم الإضطلاع بمسؤولية الصراع ومواجهة التضحيات اللازمة لجعل ذلك فعلا واقعا. رفض البعض ، أو وجدوا أنفسهم غير قادرين على القطع مع التحريفية و بالتالى إستقالوا ( أو أقنعوا بالإستقالة ) من الحزب. بالنسبة للجزء الأكبر، مع بعض الإستثناءات، (17) ، أولئك الذين تركوا الحزب فعلوا ذلك على أساس إصرارهم على أنهم لا يعتقدون بأن الثورة ممكنة ( على الأقلّ ليس فى هذا البلد وليس فى أي أفق زمني ذو مغزى ) بينما إعترف البعض حتى بأنهم لو يعودوا يعتبرون الثورة و الشيوعية مرغوب فيهما. فى الواقع، معنى هذا ليس أن الثورة ليست ممكنة و الشيوعية غير مرغوب فيها ، بل معنى هذا هو أن الإرادة الثورية لهؤلاء الناس وتوجههم الشيوعي تحلّلا وفسدا
( على خلاف أولئك الذين تقدّموا فى خضمّ الثورة الثقافية فى حزبنا و مجدّدا وبصفة أعمق إلتزموا بقضية الشيوعية) و الذين أداروا ظهرهم للحزب و للثورة يعترفون بأن هذه الثورة وهدفها الشيوعية سيتطلبان ما ليسوا على إستعداد لتقديمه، " العمل الشاق و العمل الخطر و العمل فى أغلب الأحيان غير المرغوب فيه شعبيا و "ضد التيار" ، لتحقيق أهدافنا فى الواقع " (18) ولم تعد المعايير الأساسية الموضّحة فى " القانون الأساسي" لحزبنا (الجزء الثاني ، مبادئ التنظيم) تنطبق عليهم :
" يتكون الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية من أناس تجمعوا للمساعدة على تلبية الحاجة الكبرى للإنسانية : القيام بالثورة كخطوة أولى بإتجاه الشيوعية. و كرّسوا حياتهم بالكامل إلى هذا ، بجدّية عظيمة و حبّ عظيم ، بتصميم عظيم و حماس عظيم أيضا ." ( 19)
فى مظهرها الرئيسي والأكثر جوهرية ، مثلت الثورة الثقافية صلب الحزب إنعاشا للنظرة والأهداف والروح و الثقافة الثوريين الشيوعيين للحزب، حزب يواجه مباشرة و عمليا تعقيدات وصعوبات ومخاطر وكذلك يلهم ويفعل كل ما فى وسعه فى سبيل الثورة فى هذه البلاد وفى سبيل المساهمة بأكبر قدر ممكن فى هذه القضية ذاتها عبر العالم، وكلّ هذا بغاية تحقيق الهدف النهائي ، الشيوعية. والنضال يستمرّ على قاعدة جديدة ، داخل الحزب لمزيد تعزيز وتعميق طابعه وأسسه الثورية، فى إطار النهوض بالعمل الثوري بحماس وبصورة خلاّقة ، بإلإعتماد على ما هو فعلا الخطّ الشيوعي الثوري لهذا الحزب.
لفترة زمنية ، عانى حزبنا (بينما الجماهير الشعبية التى وضعت أعينها عليه والجماهير الشعبية بشكل أوسع كانت تعاني هي الأخرى) بفعل التحريفية التى كسبت مزيدا من التأثير داخل الحزب، متغذّية وبدورها موطّدة ، نزعة تبنّى تلخيص ونظرة خاطئين للوضع حيث إنتهت المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية مع إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين وكان الإمبرياليون القدامى و الجدد فى حالة هيجان ليستغلوا هذا الوضع لنهب العالم حتى بلا رحمة ولشنّ حرب إيديولوجية وسياسية لا هوادة فيها فى محاولة لتدمير ما تبقى من إحترام للأشياء العظيمة التى أنجزت فعلا فى تلك المرحلة الأولى من الإشتراكية ولبثّ الشكّ حول العلم الثوري للشيوعية الذى كشف إمكانية وأرشد النضال فى العالم الحقيقي أين تحققت مكاسبا عظيمة. عبر سيرورة الثورة الثقافية فى حزبنا ، صرنا أقوى واكثر وحدة على مستوى أرقى ، إيديولوجيا وسياسيا وكذلك تنظيميا، وأكثر إرتكازا على علم الشيوعية كما زاد فى تطويره بوب آفاكيان من خلال التوليف/التلخيص الجديد وبإدراك هذا العلم كعلم حيّ علينا مواصلة تطبيقه ومزيد تطويره ، على نحو مستمرّ وعبر مواصلة الصراع.
لقد دفعنا ثمن التمسّك بالمبادئ والأهداف الشيوعية ورفضنا التخلى عن طريق الثورة من أجل أخاديد الإصلاحية المهترئة التى يُدّعى أنها أكثر "واقعية "وبطريقة ما "ستعمل" فى حين أن التجارب المُرّة دللت ، المرة تلو الأخرى، أن هذا "سيعمل" على إبقاء الناس سجناء إطار الحدود القاتلة للحكم البرجوازي والإضطهاد الرأسمالي. لكن بعد دفع هذا الثمن ، نحن الآن مستعدّون أكثر للإضطلاع بالمسؤوليات الملقاة على عاتقنا ومصمّمون أكثر على مواجهة التحدّيات التى توجد أمامنا، و العمل من أجل الثورة هنا ، على قاعدة التوليف/التلخيص الجديد الذى تقدّم به بوب آفاكيان، للقيام بكلّ ما نقوم به بنشاط و للمساهمة ذات المغزى فى الهدف الثوري و للقتال من أجل هذا الفهم و التوجّه ذاتهما داخل الحركة الشيوعية فى العالم قاطبة.
مدركين الإدراك التام المشاكل والأخطار الحقيقية التى قد تنجم عن ذلك ، نخوض تجربتنا (و ما صرنا ندركه بأكثر عمق وصلابة، عبر هذه التجربة) المعروفة لدى الآخرين، داخل الحركة الشيوعية وأوسع منها ، دروسها العميقة ولأهمّيتها الكبرى لقضيتنا بأسرها . لقد رفعت تجربتنا ، خصوصا فى خضم الثورة الثقافية صلب حزبنا ، فهمنا كثيرا لما يعنيه لجماهير المضطهَدِين ، هنا وعبر العالم، ولمستقبل الإنسانية، أن مثل هذا الحزب لم يهزم و لم يحطّم وأنه لم يثابر فقط وإنما توصّل إلى إنعاش وتعزيز حقيقيين إيديولوجيا وسياسيا ومن ناحية النظرة الإستراتيجية الثورية و التوجّه الشيوعي والتصميم العلمي المعتمد على عمل لا يكلّ لجعل هذا الفهم واقعا قويّا و حيّا لدى جماهير الشعب التى تقاتل بوعي من أجل الثورة ، نعم فى أعتى قوّة إمبريالية، فى وحدة مع الشعوب التى تقوم بالشيئ ذاته عبر العالم . و كما كتب حديثا رئيس الحزب ، بوب آفاكيان :
"بهكذا طريقة ، على أساس علمي و من خلال تطبيق المنهج و النظرة العلميين ، بإمكاننا و علينا أن نمتلك روحا إنتصارية ، وتوجها (لإستعارة جملة من قصيدة لييتس) من العشق الشديد للثورة و الشيوعية "(20).

/ خاتمة : تحدّى و نداء :IIV
إننا نعنى ما قلناه هنا، ونعنى ما قلناه فى نهاية "القانون الأساسي" لحزبنا :
" أخذ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقه مسؤولية قيادة الثورة فى الولايات المتحدة ، قلب الوحش الإمبريالي، كمساهمة رئيسية منه فى الثورة العالمية و الهدف النهائي ، الشيوعية. و هذا تعهّد عظيم وتاريخي وكلّ الذين يتطلعون لرؤية حدوث هذا يجب أن يلتحقوا بهذه الطليعة و أن يساندوها ، عاملين سوية مع هذا الحزب ، وبانين له الدعم و على أساس تبني قضية ونظرة الشيوعية ينضمّون إليه.
تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لاشيئ أقلّ من هذا هو هدفنا ، ليس هناك من قضية أعظم و لا هدف أعظم له نكرّس حياتنا " (21).
كلّ ما تحدّثنا عنه هنا و الذى عرضنا مباشرة ودون تزويق ، يجب أن يعطى معنى وتأكيد أعظم للنداء الموجّه للناس الذين يشاطرون أو يحترمون تصميمنا على صنع عالم جديد خال من الإستغلال والإضطهاد ، ليلتحقوا بمساعدة هذا الحزب ودعمه. إلى الثوريين و الشيوعيين فى كلّ مكان ، إلى كل الذين يطمحون لعالم آخر ، مختلف راديكاليا وأفضل بكثير : دعونا لا نتراجع إلى ونتخندق فى الماضي، باي شكل كان ، دعونا بدلا من ذلك ، نتقدّم بجرأة صوب هدف الشيوعية وتحرير الإنسانية من لآلاف السنين من سلاسل التقاليد.
الهوامش :
1- من ماركس إلى كوغلمان ، 1868، ذكراه رايموند لوتا و فرانك شانون فى " إنحطاط أمريكا ، تحليل للتطورات نحو الحرب و الثورة ، فى الولايات المتحدة وعالميا ، فى الثمانينات "، المجلّد (1) بانربراس ، شيكاغو 1984، ص 10.
2- لتحليل أتمّ للعلاقة بين إضطهاد السود و التطوّر التاريخي للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية ، راجعوا بوب آفاكيان " الشيوعية وديمقراطية جيفرسون" ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ،2008 ، وهو موجود كذلك على الأنترنات بموقع الحزب.
3-" القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية"، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ،شيكاغو ،2008، المقدّمة : المبادئ الأساسية للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، ص2 ، التشديد مضاف فى الأصل. وهذا "القانون الأساسي" متوفّر على الأنترنت بموقع الحزب.
4- "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " الأجزاء 1و2 متوفر أيضا على الأنترنت وفى "الثورة و الشيوعية : الأساس و التوجّه الإستراتيجي" كتيّب من نشر "الثورة" ، غرّة ماي 2008. و كتاب سكايبراك المشار إليه هنا هو "علم التطوّر وأسطورة الخلق، معرفة الواقع و خلفياته" إنسايت براس، شيكاغو، 2006.
5- فى مكان آخر ، فى أعمال رئيس حزبنا، بوب آفاكيان وجهود آخرين مستلهمين ومسترشدين بأعماله ومنهجه ونظرته، أنجز تلخيص هام – ومزيد التلخيص بصدد الإنجاز – لكلّ من المكاسب الواقعية و الحقيقية فعلا و النواقص والأخطاء الثانوية لكن مع ذلك الهامة ، و بعضها جدّي للغاية، الواقعية و الحقيقية فعلا فى الإتحاد السوفياتي و كذلك فى الصين ، عندما كانا بلدين إشتراكيين.
راجعوا مثلا بوب آفاكيان "كسب العالم؟ واجب وما ستقوم به البروليتاريا العالمية" المنشور فى العدد 50 من مجلّة "الثورة" ، ديسمبر 1981 وهو متوفّر على الأنترنت، و " نهاية مرحلة، بداية مرحلة جديدة " فى مجلّة "الثورة" عدد 60 ، نهاية 1990، وراجعوا أيضا "هذه هي الشيوعية " موقع مشروع " لنقيّم ما حصل فعلا ".
6- إضافة إلى مصادر أخرى أشرنا إليها فى علاقة بتجربة الثورة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي . لتلخيص هام لمساهمات ماركس و لينين و ماو فى تطوير علم الشيوعية وإستراتيجيا الثورة الشيوعية ، راجعوا ملحق بعنوان" الشيوعية كعلم" ضمن "القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية ".
7- النهاية التامة للإتحاد السوفياتي ، فى بداية التسعينات ، حصلت بعد ثلاثة عقود من الإطاحة الفعلية بالإشتراكية وإعادة تركيز الرأسمالية فى ذلك البلد أواسط الخمسينات. مذّاك صار الإتحاد السوفياتي ، مثلما حدّده ماوتسى تونغ، إمبريالية –إشترالكية، أي إشتراكية قولا لكن رأسمالية –إمبريالية فعلا وعملا، رغم أن ذلك كان شكلا من الرأسمالية الإمبريالية فيه كانت الدولة النقطة الحيوية و العنصر المحوري للإقتصاد . مع ذلك بينما كان الإتحاد السوفياتي رأسماليا ، و قوّة إمبريالية –إشتراكية ، فإنه ظلّ منازعا هائلا للولايات المتحدة وكتلتها الإمبريالية ، وما يبعث على السُخرية هو أنه حينما سقطت كليا الإمبراطورية فى التسعينات ، إستغلّ ذلك مادحو و" مناصرو " الرأسمالية الإمبريالية "الكلاسيكية الغربية" وإدّعوا مع ذلك حصول هزيمة أخرى للشيوعية و "دليلا" على أن الإشتراكية وحشا فظيعا وغير قابل للتطبيق. لتحليل التجربة الفعلية للمجتمع الإشتراكي ، فى الإتحاد السوفياتي والصين ، و التغييرات التاريخية غير المسبوقة و التحرّرية المنجزة فى تلك البلدان لمّا كانت إشتراكية ، والمشاكل و النواقص والأخطاء الحقيقية، راجعوا موقع إنترنت "هذه هي الشيوعية" .
8- الذين يدعون أن تجربة الحركة الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية التى أفرزتها ، تبّين حدود وفى الأخير إفلاس ما يسمونه " نموذج حزب-دولة " إستخلصوا إستنتاجات جوهريا خاطئة و مضلّلة تردّد "الحكمة التقليدية" التى ينشرها الرأسماليون وأتباعهم من المثقفين و تغذّى نشاز خطاباتهم المناهضة للشيوعية ( صوتهم أو غضبهم الذى لا يعنى فى النهاية أي شيئ أو أي شيئ إيجابي). وفى الأشهر و السنوات القادمة ، بما فى ذلك عبر جريدة حزبنا " الثورة " ووسائل أخرى، سنتعمق أكثر وبصورة شاملة ونفكك وندحض نظريات مثل هذه و النظرة و المنهج اللذان تجسدهما. هنا دعونا نذكر بوضوح بأنه دون هذا المسمّى " نموذج حزب-دولة ". بكلمات أخرى ، دون سلطة دولة بالنسبة للمستغَلّين سابقا، تهدف إلى القضاء على كافة الإستغلال وإجتثاث كافة العلاقات الإضطهادية عبر العالم، ودون طليعة تقود هذه السيرورة لن يتمّ حتى الإقتراب من مواجهة ، ناهيك عن معالجة التناقضات العميقة و المعقّدة التى ينبغى التعاطي معها لصنع عالم مختلف راديكاليا. التخلّى عن هذا "النموذج " و مهاجمته، على الأقلّ موضوعيا وبغضّ النظر عن أي محاولة المعترف ، يعنى التخلّى عن و تقويض الهدف و النضال لتحقيق ذلك الهدف،
و الخروج عن وفى النهاية التخلّص من النظام الذى يؤيّد كافة الرعب الحقيقي جدا الذى يجرح الآن يوميا الإنسانية و يلازمها وبالفعل يمثّل تهديدا واقعيا للغاية لتواصل وجودها. هذا ما تدلّل عليه تجربة الحركة الشيوعية وبالفعل تاريخ تجربة المجتمع الإنساني ككلّ لمّا تعالج وتلخّص بنظرة و منهج علميين.
9- أنظروا مثلا كتيّب بوب آفاكيان ، " الخسارة فى الصين والإرث الثوري لماو تسى تونغ "، وهو نصّ خطاب لبوب آفاكيان ألقاه فى التجمعات التذكارية لماوتسى تونغ ، منشورات الأر سي ب ، شيكاغو ، 1978 و "مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة " منشورات الأر سي بي ، شيكاغو، 1979.
10- أنظروا "إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هو التوليف/التلخيص الجديد لبوب آفاكيان " متوفّر على الأنترنت ، موقع الحزب.
11- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ( الجزء الأول) متوفّر على الأنترنت ...وكذلك ضمن "الثورة و الشيوعية : الأسس و التوجه الإستراتيجي" كتيب " الثورة " ، الإستشهاد هنا موجود بالصفحة 27 .
12- بوب آفاكيان ، "كسب العالم؟ واجب و ما ستقوم به البروليتاريا العالمية " نشر فى العدد 50 من مجلّة "الثورة" ديسمبر 1981، منشورات الأر سي بي ، شيكاغو . ولعرض المظاهر الجوهرية لتطوير بوب آفاكيان لمحتوى الأممية الشيوعية وقاعدتها العلمية ، راجعوا( فضلا عن "كسب العالم؟") " دفع الثورة العالمية : مسائل توجه إستراتيجي" ، نشر فى الأصل فى فى مجلّة "الثورة" ،ربيع 1984، متوفّر على الأنترنت.
13- "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "(الجزء الأول) متوفّر على الأنترنت وضمن " الثورة و الشيوعية : الأسس و التوجه الإستراتيجي" كتيّب "الثورة" ، الإستشهاد هنا من الصفحة 36-37 من هذا الكتيب.
14- "القانون الأساسي" لحزبنا ، فى ملحق"الشيوعية كعلم"، يشرح أن الحق البرجوازي يحيل على " الطريقة التى وفقها العلاقات السلعية الموجودة و اللامسواة الباقية من الرأسمالية ، بالضبط صلب المجتمع الإشتراكي، تعزّز بعضها البعض بصورة متبادلة و تنعكس فى البنية الفوقية ، المؤسسات السياسية و طرق التفكير و الثقافة و ما إلى ذلك، و كيف أن كلّ هذا يشكّل حواجزا أمام مواصلة التقدّم الثوري فى ظلّ الإشتراكية و يجب تحديده و فى النهاية تجاوزه كجزء حاسم من النضال لمنع إعادة تركيز الرأسمالية و بلوغ الهدف النهائي ، الشيوعية ".
15- عرض موجز لأوهام الديمقراطية "النقيّة" و "اللاطبقية" ، و شرح العلاقة الفعلية بين الديمقراطية و الدكتاتورية ، من أصناف مختلفة جوهريا، تقدّمه المقولة التالية لبوب آفاكيان :" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد "ديمقراطية للجميع" : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."( ذكر فى " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ") التسطير فى النصّ الأصلي، وهذا أيضا يمكن العثور عليه بموقع الأنترنت التابع للحزب.
16- طوال هذه الفترة الراهنة ، بعض الشيوعيين و "زملاء السفر" للشيوعية ، إستحضروا طبخة من السكولاستيكية و اللاأدرية و النسبية التى هي فى تعارض ، أحيانا عن وعي وصراحة ، مع التوليف/التلخيص الجديد الذى قدّمه بوب آفاكيان وعلى أي حال جوهريا مع نظرة الشيوعية ومنهجها وأهدافها. و الذين يروّجون لهذه الطبخة يدّعون أنه لا وجود لإطار نظري لتفسير التجربة الماضية للحركة الشيوعية ولتوضيح وإستخلاص الدروس المناسبة ولإرشاد الممارسة التى ستتفادى أخطاء الماضى ، حسب (عدم) فهم هؤلاء. وعليه يواصلون المحاججة ، يجب أن نصرف الجهد فى ما يمكن أن نعتبره مساعى لانهائية وبلا هدف فقط لنكتشف ، فى خضمّ مطلق تماما من الممارسة الثورية تسترشد بالمبادئ الشيوعية ، الإطار النظري الضروري. وعادة ما يترافق هذا مع الدفاع عن إنجاز النشاط و الصراع العمليين على أضيق الأسس و من النوع الأكثر إصلاحية ، وهو مكوّن من مكوّنات هذه الطبخة الإنتقائية. ويعمل كل هذا على الأقلّ موضوعيا ، كعقلنة للإنسحاب و التراجع أو مجرّد البقاء بعيدا عن النضال الثوري الفعلي ، النضال الموجّه بالنظرية و المبادئ الشيوعية التى يمكن فى الواقع أن تتطوّر وقد تطوّرت وهي تتطوّر فى علاقة جدلية بالممارسة ، بالمعنى الشامل وليس بالمعنى الضيّق وهو نضال له مضمون ثوري وليس إصلاحي.
وليس من المستغرب ، خصوصا فى بلد إمبريالي طفيلي جدا، ( إمبريالية تفترس كليا العالم وبلايين سكانه) أن يظهر مثل هذا التوجّه و النظرة السكولاستيكية واللاأدرية ، حتى بتلوين تقريبا شيوعي ، و يجد بعض التقبّل لا سيما ضمن الشرائح الأكثر إمتيازات وبصفة خاصة ضمن المثقّفين. وطالما أنّ المرء يمكن أن يواصل الدفاع عن فقدان إطار نظري مناسب بإمكان المرء أن يواصل إقناع نفسه بأنّه لا وجود لشيئ خاطئ فى رفض الإلتزام بالنضال الحالي من أجل الشيوعية ، إلتزام و نضال يمكن أن يرغما المرء على التحرّك خارج ما هو ، مع ذلك ، وجود غير مزعج كثيرا لأكاديمي فى حصن الإمبريالية الأغنى والأقوى عالميا. ما يتمّ الإعتراض عليه هنا ليس أصلا دور المثقف الأكاديمي فى حدّ ذاته
( وهو حقل يمكن أن يكون هاما فى النضال ويمكن فى الحقيقة أن يقدّم مساهمات ثمينة ، بطرق متنوّعة ، فى القضية الشيوعية حتى حين لا يتضمّن هذا مجال السياسة و فلسفة السياسة. بالأحرى ، ما يجرى تحديده و نقده بحدّة هو ظاهرة جعل المقاربة النظرية مبدأ مجرّدا عن الممارسة الثورية وفى تعارض مع الشيوعية العلمية، و الفهم الجدلي و المادي للنظرة و للعلاقة بين النظرية و الممارسة كما ناقشنا ذلك هنا.ونحن نشعر بالحاجة للتعبير عن نفاذ صبرنا تجاه نوع من التشويش صراحة غير المفهوم وبوعي ذاتي يعبّر عن نفسه وعادة ما يقدّم نفسه على أنه تفكير راديكالي فى الأوساط الأكاديمية و الذى يتقنّع أحيانا بالماركسية.
17- إستثناء للتوصيف العام للذين تركوا الحزب على أساس تقريبا التخلّى عن الثورة ، هو مجموعة متنوّعة لم تكن فقط راضية بالإستسلام للإمبريالية بل جعلت نفسها عصابة صغيرة من " النقاد الطفيليين" خارج الحزب ، باحثة عن" صياغة عقلية كبيرة " لهذا الإستسلام بشنّ هجمات كبرى لامبدئية على الحزب وقيادته وبخاصة على رئيس حزبنا بوب آفاكيان. بتشجيع الثرثرة والإفتراء و التشويه المحض لخطّ حزبنا
و نشاطه ، و حتى مصدرة نداءات سافرة معادية للشيوعية( و كلّ هذا الإدعاء كذلك من المحتمل أن يتمّ التخلّى عنه قريبا). وفى حين أن هذا يمثّل موضوعيا ظاهرة بسيطة ، فإن هناك بعض الأشياء التى تميّز هؤلاء "النقاد " يمكن أن تستعمل بصورة مفيدة للتعلّم من الأمثلة السلبية.
أولا، للمواقف ولوجهات النظر التى يدافعون عنها الآن مزيّة ( إذا أمكن نعتها بذلك) تقديم على نحو شامل جدا بالضبط لأنواع الخطوط التحريفية التى حدّدناها وكشفناها وافقدناها الثقة وهزمناها فى خضمّ الثورة الثقافية صلب حزبنا. وهي خطوط مظاهرها عرضناها هنا عند نقاش "الحزمة التحريفية" التى ظهرت فى تعارض مع الخطّ الثوري صلب الحزب.
ثانيا، أعضاء الحزب السابقين الذين إستقالوا و كوّنوا العصابة الصغيرة صاغوا كتيبا مثالا عن الطبيعة السياسية و الإيديولوجية للإنتهازية بما فى ذلك كونهم رفضوا خوض صراع مبدئي حول الإختلافات صلب الحزب. وهذا التصرّف فى تناقض مع و ينتهك حقّا المبادئ الأساسية للمنظمة الشيوعية وكان على طول مبدأ صريحا لحزبنا بأن يتمتّع أعضاء الحزب ليس فحسب بحقّ بل كذلك بمسؤولية إثارة الإختلافات مع خطّ الحزب وسياساته ، بطريقة مفتوحة و صريحة عبر قنوات الحزب الملائمة. علاوة على ذلك، أثناء سيرورة الثورة الثقافية صلب حزبنا ، دُعي كافة أعضاء الحزب عند نقطة معيّنة ليترجموا جدّيا إلتزامهم بالحزب ومبادئه وأهدافه الشيوعية ومضمون وأهداف الثورة الثقافية فى الحزب ، وإذا وفقط إذا، كان إلتزامهم صلبا أن يعيدوا الإلتزام بذلك. و من الجدير بالإشارة إليه هو أن مايك آلي الذى يسعى الآن لنفخ نفسه كنوع من "السمك الكبير" فى هذه البركة الراكدة الصغيرة من " النقاد الطفيليين" قام ساعتئذ فعلا بإعادة الإلتزام بذلك مرّة أخرى دون رفع أية إعتراضات أو إختلافات بشأن خطّ الحزب والأهداف وسيرورة الثورة الثقافية صلب الحزب.
ونظرا لأنه بات جدّ واضح أنه كانت لديه خلافات مع الخطّ الأساسي للحزب ، ليس فقط فى السنوات القليلة الماضية ، اثناء فترة إنجاز الثورة الثقافية داخل الحزب ، لكن قبل ذلك بكثير، سؤال يفرض نفسه طبعا : لماذا يبقى هكذا شخص فى الحزب كلّ ذلك الوقت وهو يرفض طرح خلاف جوهري أو خوض صراع مفتوح وصريح حول مظاهر هامة من خطّ الحزب له معها إختلافات أساسية طوال هذه الفترة الزمنية ؟
و الجواب البديهي هو أنه ظلّ فى الحزب بينما فى نفس الوقت يخفى إختلافات رئيسية ، فى محاولة لإستعمال الحزب كأداة لخطّه الخاص الإنتهازي . بديهيا ، نتيجة القبضة التحريفية فى صفوفنا ، أمكن له لسنوات أن ينفّذ "نمط حياته البديل" داخل حزبنا، مدّعيا الوحدة وتقريبا عاملا ما أراد ، نظرا لليبرالية المنتشرة كجزء من الخطّ التحريفي و الثقافة التى نشرها فى صفوف حزبنا. و فقط مع تواصل إنجاز الثورة الثقافية و مع قطع أرضية التحريفية بشكل متزايد ، وجد من الصعب أكثر فأكثر أن يستمرّ فى معارضة الخطّ فى حين يتظاهر بالإتفاق مع الحزب . لذا ، وقتئذ ، ما الذى فعله؟ فجأة ترك الحزب وبحث عن دروب أخرى للتعبير عن إنتهازيته وأطلق هجماته غير المبدئية على الحزب وقيادته. قبل ترك الحزب ، هل إستنفذ أو حتى بحث عن إستعمال الوسائل الموجودة داخل الحزب لطرح الخلافات والصراع بطريقة مبدئية ؟ قبل ترك الحزب ، هل كتب ورقة يعبّر فيها عن خلافاته و أبلغها عبر قنوات الحزب إلى القيادة؟ هل طلب إجتماعا مع قيادة الحزب ليعبّر عن هذه الخلافات ويناقشها معها؟ لا. بدلا من ذلك، تصرّف فى خرق نام لمبادئ الشيوعية و بالفعل بشكل يتناقض مع طريقة إي إنسان له حسّ أساسي من الإستقامة.
و هذا النوع من التصرّف غير مفاجئ من هذا الشخص ليس بسبب خطّه العام السياسي و الإيديولوجي الإنتهازي فحسب لكن أيضا بسبب بالخصوص أنه لو حاول عندما أطلقت الثورة الثقافية وأخذت تكسب زخما داخل حزبنا ورفعت أنظار أعضاء الحزب إلى مسائل حيوية بصدد الخطّ الإيديولوجي و السياسي و لصراع هذه الخطوط بالعلم و المادة ، لو حاول وهو لا يزال فى صفوف الحزب أن يستعمل طريقة " الصحف الشعبية " التى إستعملها منذ مغادرته الحزب ، الإساءة المبطّنة و الثرثرة فإنه ما كان فقط سيكشف فورا داخل الحزب كمجرّد تشويه سخيف وإنتهاك صارخ للمبادئ الشيوعية لكن كان كذلك سيحدّد كجزء من إنتهازية أشمل وكان سيطلب منه ترك هذه الطرق غير المبدئية وبدلا من ذلك الخوض بطريقة جدّية فى المسائل الحيوية وذات الدلالة بالنسبة للخطّ و التى كانت محور الثورة الثقافية و الدفاع بوسائل مبدئية و ذات مغزى عن الخطوط التى دافع عنها فى معارضة للخطّ الثوري للحزب. وكان سيخفق ببؤس فى محاولة القيام بذلك مرّة أخرى لأنّ هذه الخطوط كانت ستكشف كخطوط ممثّلة لذات "الحزمة " التى كان الحزب وأعضاؤه يتعرّفون عليها بصفة تصاعدية على أنها تحريفية ويخوضون لذلك صراعا إيديولوجيا ضدّها.
كما قلنا ، فى سيرورة صراع طبقي كبير ( وهذا حال الثورة الثقافية داخل حزبنا : صراع طبقي حيوي فى المجال الإيديولجي) ينزع الناس وتنزع الأشياء إلى الإنقسام. بعد خوض هذا الصراع على أساس مبدئي ، مركزا على مسائل الخطّ الإيديولوجي و السياسي وباحثا عن كسب أكبر عدد يمكن كسبه للخطّ الثوري، دون مساومة مع التحريفية ، غزّز حزبنا نفسه كثيرا فى نظرته و توجهه الشيوعيين وقدرته على النهوض بمسؤولياته الثورية، و على هذا الأساس تخلصنا على نحو جيد من الإنتهازيين مثل الذين شكّلوا عصابة صغيرة من "النقاد الطفيليين". وبينما أفلس خطّ هؤلاء الإنتهازيين كليا ، سيتعزّز حزبنا و كذلك الحركة الثورية التى نكرّس أنفسنا لبنائها و قيادتها لمّا يقارن الناس موضوعيا بين الخطّ المعادي للثورة لهؤلاء الإنتهازيين و الدور الذى يلعبونه، من جهة و الخطّ و العمل الشيوعيين الثوريين لحزبنا من جهة أخرى. ( فى إرتباط بهذا ، راجعوا "الإلتصاق بالواقع الراسمالي الفظيع" أم صياغة طريق للمستقبل الشيوعي" ، ردّ على التسع رسائل لمايك آلي" لمجموعة كتابة من الحزب الشيوعي الثوري، متوفر على الأنترنت).
18- " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "، المبادئ التنظيمية، الفصل 1 ، العضوية ،ص18 وهو كذلك متوفّر على الأنترنت.
19- نفس المصدر السابق، المبادئ التنظيمية ، ص 15.
20- بوب آفاكيان: " الشيوعية وديمقراطية جيفرسون"، منشورات الأر سي بي ، شيكاغو 2008، وهذا العمل أيضا متوفّر على الأنترنت.
21- "القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية"، الخاتمة ، ص 24 ، وهو كذلك متوفّر على الأنترنت.



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب ال ...
- غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة_ ليني وولف
- الإمبريالية و السيدا / الأيدز فى أفريقيا( مقتطف من كتاب - عا ...
- بيع النساء : تجارة البشر العالمية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر ...
- من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة (التجربة ا ...
- هدف الماركسية هو الشيوعية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر، أفضل ض ...
- الرأسمالية ، البيئة و حماية البيئة فى ظل الإشتراكية ( مقتطف ...
- حقيقة الحرس الأحمر( مقتطف من كتاب- الثورة الماوية فى الصين: ...
- شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثان ...
- حقيقة التيبت : من الدالاي لاما إلى الثورة ( مقتطف من كتاب- ا ...
- الوجه الحقيقي لل-معجزة الصينية - (مقتطف من كتاب- الثورة الما ...
- حول تلخيص الحركة الشيوعية النيبالية ( مقتطف من كتاب – لندرس ...
- الحركة الشيوعية العالمية و دروسها التاريخية( مقتطف من كتاب- ...
- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم ...
- أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس ...
- الماركسية-اللينينية-الماوية :من وثائق أحزاب شيوعية ماوية( ال ...
- الحركة الأممية الثورية : بيان سنة 1984 و بيان سنة 1993( الفص ...
- مشاركة النساء فى حرب الشعب الماوية فى النيبال (الفصل الثالث ...
- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوّة جباّرة من أجل الثورة ! ...
- الثورة البروليتارية و تحرير النساء (الفصل الخامس من كتاب - ت ...


المزيد.....




- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الشيوعية : بداية مرحلة جديدة بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية، 2008