أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عبد الأمير الربيعي - حُسين مِردان....... سيّدُ النَدامى















المزيد.....

حُسين مِردان....... سيّدُ النَدامى


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 3367 - 2011 / 5 / 16 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


حُسين مِردان....... سيّدُ النَدامى
نبيل عبد الأمير الربيعي

قال زرادشت لأحد أتباعة: منذً أن عرفتً الجسد ما عادت الرّوح عندي أكثر من كلمة تقال , وكلّ هذا الذي لا يفنى إن هو أيضاً إلا رمز.
حسين مردان ذلك الشاعر الذي امتلك الطيبة وسلامة النية وبراءة الطفولة وذوق وعمق وحب للمعرفة وحبه للحياة, وشعبيته الأصيلة وروحه المفعمة تمرداً, هي القريبة لقوى الشعب المتوثبة , وهذا هو الجمال الحقيقي , فتدرج مع العمر والمعاناة والتجربة والقسوة ووهج الوعي , ليصبح معرفياً وأساسياً في مواجهة التخلف والجهل .
ولد شاعر التمرد والصعلكة البودليري المبدأ حسين علي مردان عام 1927 في بابل من أب عريف شرطة وأم أميه طيبة القلب , وقد انتقل والدة للسكن في ديالى للعمل عريف شرطة لمحطة القطار. ترك الدراسة ابو علي في مرحلة المتوسطة بعد أن وجد ضالته في الأدب وهوس المطالعة حتى أصبح يكمل كتاباً يومياً , يقول حسين مردان انهُ في السابعة قرأ عنتره وفي العاشرة نظم أول بيت شعري , ولكن عند معرفة أمهُ اهماله وإهتمامهُ بالشعر ونظم القصائد بدأت تضايقهُ لترك الأدب ,مما ادى به لترك مقاعد الدراسة والذهاب الى بغداد ليجد ضالتهُ, ولضيق ذات اليد مارس مختلف المهن وكان منها عاملُ بناء ولغربتهُ الوجودية المتجذره في داخل اعماق صدره ذكر مقوله: سأضع رجلي فوق الجميع وبعد أيام جلست مع الشاعر الرصافي.
التقى في بغداد (بجماعة الوقت) الذي يشترك معهم بأكثر من آصرة , كان لقاءهم في مقهى العراق , لا شيء يحملهُ معهُ إلا دراهم معدودة وبعض الملابس.. ورحبت به هذه الجماعة منهم( جميل حمودي وبلند الحيدري وكانت ضيافتهُ وسكناه في الغرفة البائسة التي تقع فوق المقهى مجاناَ, كان يبلغ من العمر العشرين عاماَ , هذا العمر الذي يتصف بشباب متحمس وكتله من نار ودهشته لبغداد وشارع الرشيد كان يفكر في ذاته ومسيرته الصعبة لصعود قمة الجبل ووصوله إلى مقهى الزهاوي حيث يحضر هادي الدفتري وخضر الطائي وعبد الرحمن البناء , فقد كانوا يعاملونهُ كظاهرة غريبة طريفة ليس إلا.
ويذكر الكاتب باسم عبد الحميد حمودي في جريدة المدى : فهو لا يمكث مع هؤلاء طويلاَ وإنما ينتقل مع رشيد ياسين وبلند الحيدري وزهير أحمد القيسي الى مقهى البلدية يومياَ, تبدأ بدوافع من أُدباء وشعراء الكليات آنذاك , ومن هؤلاء بدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد وأكرم الوتري وبرعاية دائمة لروح التجديد في الاشعار الذي يتبناه هؤلاء.. ومن رواد مقهى حسن عجمي أمثال عبد القادر البراك – الصحفي- وجلال الحنفي – الباحث- وكمال الجبوري – الشاعر- ومحمد مهدي الجواهري الذي يلتقي مجلسياً بجماعته ولكنهُ غير مستعد آنذاك لقبول قصيدة شعرية حرة.
هذا الشاعر المتمرد عزز تمردهُ وكرسّ التزامه بموسيقى الكلمة عندما أصدر مجموعته الشعرية( اللحن الأسود) عام 1950 وطبع ( قصائد عارية)1949 ثم أطل على شعراء المرحلة بمجموعتة(الارجوحه هادئة الحبال) عام 1958 متحملاَ تبعات الإتهام بالوجودية والعبثية. وقد برز حسين مردان في شعر الجنس إلا أن ديوانه ( قصائد عارية) لم يلقي الترحيب من الحكومة العراقية آنذاك لأنها كانت مخلة للأخلاق وحظر على المجتمع. فجمعت من الأسواق وصودرت وسجن مردان وأحالوه الى المحكمة وبعد مرور شهر أُطلق سراحه بإعتبار قصائدهُ من الأدب المكشوف حالهُ حال أي رسام أو نحات يظهرُ الجنس في عملهُ الفني وبدفاع المحامي صفاء الأُورفلي وكيل الشاعر أمام الحاكم لمحكمة جزاء بغداد في حينه وبوساطة الشاعر محمد مهدي الجواهري,ثم أُعتقل حسين مردان مرة أُخرى بسبب صدور مجموعته الشعرية( عزيزتي فُلانه) عام 1952 والتي كانت شبيهه بقصائد عارية إلا أن العذر الذي حصل عليه مردان في قصائد عارية لم يعد ساري المفعول في مجموعته الشعرية(عزيزتي فلانة) فحكم بالسجن عام واحد وقد ذكر ذلك بإحدى مقالاته بسجن واحد مع الشيوعيين وقرائتهُ للفلسفة الماركسية بأكثر من مئة الف صفحة . وقد وصفت بعض الصحف الغربية مردان بأنهُ بودلير العراق وقالوا بأنهُ مثال للشخصية العراقية التواقه الى التجديد والحُرية, وقد حقق مردان نجاح وشُهرة كبيرة وبسبب سجنهُ الثاني إنكفأ مردان ليؤسس الإنطلاقة الشعرية وليصارع في وطنهُ الحُكام والمحاكم والسُجون والفُقر والواقع الثقافي التقليدي.. وليُعلن التمرد على الموروث الشعري وقوالبهُ وليتلقى بدلاُ من الإحتفاء الرفض والمطاردة.
شعرْ هذا الشاعر مرادفاً للبُؤس والموت مثقلاً بالوعي الحاد بتعبير فني يشكل وفق سلسلة من الدوافع الخفية المختزنة في رؤى الشاعر, فقد التزم التلقائية والعفوية التي تدفع كلماتهُ دفعاً , حتى تحمل عذابات قصائدهُ تشريداً ومطاردةً وسجناً , وقد سدد فواتير قصائدهُ بالكامل.
أما قصائد عارية كانت تحمل مفردات يوصف فيها مردان الحياة الصاخبة الحافلة بالملذات الجسدية والشهوة المرعبة للنساء , وقد كتب الشاعر مقدمة الديوان بنفسهِ , عبارة هنّ صرخة بوجه الرذيلة , حيث بدأت المقدمة على النحو التالي:( إني أحيا عارياً , أما أنت تحيا ساتراً ذاتكَ بلف ستار , فنصيحتي إليك هو أن لن تظل على أشعاري خشيناً مني إن لن ترى الحيوان الرابض في أعماقك). كان مصراً على قول الحقيقة ويقول: هل يتوب مفكر صرًَ على قول الحقيقة مجبر.
عمل الشاعر حسين مردان في الصحافة ليحصل على قوت يومه لا لغرض الغناء ومن هذه الصحف : الأهالي, البلاد, الأخبار والمستقبل, مصححاً وكاتباً للمقال.
يذكر الدكتور علي جواد الطاهر في مقاله( حسين مردان.. مقالياً)ص18: للكلمة وحركاتُها أهمية كبرى في الشعر الحر.. إن الشعر الحديث يعتمد الى حد كبير على موسيقى الكلمة وحركاتهُا داخل المقطع ولكن الكلمات إذا لم تتفاعل مع بعضها تفاعلاً حيوياً تفقد الصورة قسماً كبيراً من الانسجام الفني.) هذا بحق مقالات حسين مردان بسبب إهتمامة وتأثرهُ بالشعر واطلاعهُ على شعر بودلير وكتابات أبو شبكة ومتابعتهُ لمجلة الأديب البيروتية , إعتزازهُ بنفسه لدرجة تحسبها إدعاءً وغروراً ووهماً ذلك الشاعر الفقير المعدم المتشرد الذي لم تُأثر عليه معنويات الحياة فقد كان عادلاً محتفظاً بمنطلقاتهُ الإنسانيه.
لقد اتقن مردان كتابة المقاله في الصحف الذي عمل بها وأبدع وكانَ ذو حس وطني واقعي حر الإنتساب محب للإسفار والترحال وقد اصبحت هواياتهُ حيث زار اكثر من ستة عشر بلدتاً .
يؤكد د. علي جواد الطاهر في تعليقهُ على كتابات حسين مردان الذي اعدهُ بعد وفات الكاتب وجمع مقالاتهُ وبعض اشعارهُ بعنوان( من يفرك الصدأ ؟) : ما هو بالثائر المبدع , هو شاعر ولا نقاش عندهُ في ذلك , أما المقاله شيء يكتب, وقد كتب ... آراء متلاحقة مؤيدة بأبيات متلاحقة).ص23
لقد أبدع بمقالاتهِ في مجلة ألف باء بشتى الموضوعات من الفن والأدب والسياسة والإجتماع والشعر الحديث والقصيدة والنثر .. كانت مقالاتهُ قصيرة ذات طابع تعليمي ولكنها ذات إبداع عالي بحُكم مزاجهُ الفَني لسبب الإمتزاج الشعري النثري في أَغلب مقالاتهُ منها ( الحلم) و ( منائر كربلاء ) و ( لقاء مع الدكتور مصطفى جواد).
ولهُ مقالات يمزج فيها بين الرمزية الشعرية والسريالية منها( لنحطم بيضة العنقاء)و( جسدي الذي يتحول إلى دموع) ) و ( قبضة الضوء والحزام). لقد وصفهُ أصدقاءهُ بالعربدة والسكر والشعوذة والتشرد والصعلكة بسبب قربهِ من حانات بغداد ومواخيرها ونساءها. ولكن لم يسيء هذا الشاعر لأحد من أصدقاءه أو حتى الادباء في سلوكه ولم يهزل في حياتهِ , كان جاداُ في عملهِ مخلص في واجباته إتجاه الصحف والمجلات التي يعمل بها.
يكتُب المقاله عندما تختمُر الفكره وتكتمل في ذاتهُ البناء المقالي والبناء لديه فتخرج مقالاتهُ براقة كإنشاء أدبي إذ يقول في مقاله لهُ بعنوان ( الموت والفعل الخارق): فالبطوله هي التي ترفع هذا الطوق بواسطة الأعمال المجيدة .. ولكن الخسارة لا تساوي أبداً ذلك الشعور العظيم المرافق لروحنا أثناء القيام بعمل كبير.. لن تفلق البذره أي لا تساعد على حدوث الطفرة التي تشق وجه الأرض ويفتح الدروب أمام الزهرة الجديدة).
وفي وصف الثورة الكوبية بقيادة كاسترو والثائر جيفارا يقول: متى أمُد بقامتي عبر العالم كلهُ فأُقدم لشعبي ولإنسانية مثل تلك الخدمات التي قدمها جيفاراو سيدا وبارون ... متى ).سيدا تلك المناظلة اليوغسلافية التي دفعت عن بلدها امام الغزو الالماني وبارون شاعر انكليزي دافع عن الحرية للشعب اليوناني.
لقد عُرف مردان عمق وحدتهِ وعزلتهِ بل توحشه في عالم الإنس , لذا أثرا ليهدي قصائدهُ الى نفسهِ ويستعير بعض الأحيان كلمة بودلير حين يخاطب القاريْ بقولهِ( أيها القاريء المراوغ, يا شبيهي يا أخي... إني لأضحك ببلاهه كلما تخيلت وجهك العزيز وقد استحال الى علامة إستفهام ضخمه ... ولكن ثق انك لا تفضلني على الرغم من قذارتي إلا بشيء واحد وهو أني أحيا عارياً .. بينما تحيا ساتراً).
بما إنهُ عاش فقراً من ناحية الإمكانية فكان ينام في كل مكان وفي مذكراته يقول : إني نمت في مقبرة الإنكليز في الكرنتينة ليالي كثيره. وكان ضيفاً في مصطبات العمال والمقاهي الرخيصة وفي أرصفة شارع الرشيد يقضي إستراحتهُ ممتداً على الرصيف مع أصدقائهُ الصعاليك من الشعراء أمثال عبد الأمير الحصيري وجان دمو وغيرهم.
رغم أشعارهُ عن الحب لكنهُ لم يمارس الحب ولم يتزوج الى يوم وفاتهِ حيث يقول:
سأتركُ الحبَ إلى حينٍ
إلى أن نجد العسلَ لكلِ طفلٍ
وعندئذٍ سأعود
الى حبيبتي الجميلة كقنديل من ماس
زإلى جسمها القهوائي

جاء في أبياتهِ الشعرية عن الحياة العصيبة التي يعيشها والوضع المادي المزري يقول:

إن جبيني الخشن كنشارة خشب
لا يحس بعطر الورد
أنا لا أبحث عن الحبَ
لأني لا أعرف الربيع
أعرف الجوع
الجوع الذي يلتصق بنفسي
والجوع الذي يعيش في معدتي
والجوع الذي يدور في رأسي

وفي مخاطبتهُ للشيطان والصورة الشعرية المرعبة يقول:

قلت للشيطان مره:أريد أن أكون مفكراً عظيماً
فنظر إلي بعيونه التي لا تحصى
قلت لم أجد في عقول الفلاسفة شيئاً كبيراً
ومنذ ذلك اليوم وأنا أقوم بتجاربي

وقد اهتمت جريدة المدى فقد أصدرت ملاحق خاصة عن الشاعر حسين مردان وأقامت إحتفالية خاصة أستذكاراً له ولكن أجمع النقاد على محدودية ثقافة حسين مردان إذ كتب الناقد د. احسان عباس أن مردان ظهر في ( فترة سئم الناس فيها في العراق مواعظ الرصافي بإسم الشعر الإجتماعي ومنظومات الزهاوي بإسم الأفكار العلمية. ولكن لحسين مردان بعض الحكم في قصائده منها آراء مفاجئة : الشاعر العظيم هو الذي يُحدّق بعيون الهدهد في التراب الذي يملأ رئتيه) وكتب( الرسام إذا جرب الحب لا يرسم الحب لنفسه , ولكن يرسم ما يبعثهُ الحُب فيه).
وقد جسد حياة الراحل حسين مردان الكاتب الراحل غائب طعمه فرمان في رواية ( خمسة أصوات) عام 1967 فكانت شخصية (شريف) التي أداها الفنان القدير يوسف العاني وقد كتب كبير النقاد العراقيين الدكتور علي جواد الطاهر عام 1988 في ( من يفرك الصدأ؟) الذي أوجز فيه سيرة حياة الراحل حسين مردان.

وقد خاض حسين مردان انتخابات إإتحاد الادباء وينتصر بأصوات الأدباء الشباب ليصعد إلى منصة الهيئة الإدارية بشكل أجبر الشاعر الجواهري والمخزومي وصلاح خالص وبحر العلوم على أحترامه والأخذ بآرائه. كما كتب لثورة 14 تموز 1958 في ( هلاهل نحو الشمس) و ( أغصان الحديد) التي رمو بها لحراب الجيش العراقي الذي قاد الثورة.

ويصف الدكتور علي جواد الطاهر الشاعر الراحل مردان في الكتاب الذي جمع فية مقالات مردان( من يفرك الصدأ؟): يقول( تعجب لمن كان متشرداً بوهيمياً وبودليرياً كحسين مردان ... يقيد نفسه فيلتزم بكلمتهً للمجله ويواصل الكتابه الإسبوعية في موعد مقرر وحجم محدد . ولا تعجب والعمر والمصاحبة والمناقشة والقراءه والسفر وطيب الجوهر...).

أما البيان الشعري الذي قدمتهً مجلة ( شعر) 1969 بتوقيع مجموعه من الأُدباء والشعراء منهم الشاعر فاضل العزاوي وسامي مهدي وخالد علي مصطفى وفوزي كريم , هذا البيان الطويل الذي ذكرهُ الأديب الشاعر فاضل العزاوي في ( الروح الحية) ص334 ذو أفكار متعددة ومقاطع سته صاغ حسين مردان من كل مقطع مقاله فنهضت لديه ست مقالات وهكذا إمتلأت ستة اسابيع متوالي منها: الكلمات. الحرب والوحوش. الماركسية واللاوعي . إماتة الوعي . حول البيان الشعري . مقالات تتصل بخيط اللباب وتنفصل بوحدة النوع المقالي . وكان الراحل كثير السفر فسافر الى اكثر من ستة عشر دولة منها استنبول وموسكو ولبنان والكثير غيرها وكتب مقال من استنبول: طاحونة الشرق , وكان صعباً وغير معقول أن يكون مردان في إستنبول ويكون موظفاً ومراسلاً لمجلة ألف باء , وقد تواصل بمقالات أربع تريد أن تكون أكثر من مقاله ( حتى في النوم).

هذا الشاعر الذي تأثرتُ به أيام الشباب في فترة السبعينات فقد كان يعشق الليل وكان مجدهُ قد قام على الليل الذي يقترن بنساء من نوع معين فقد باع في أحد الأيام سروالهُ ليشتري بثمنهُ زجاجة ليسكر بها مع غائب طعمة فرمان وعبد الحميد الونداوي وشربوا البنطلون في الملهى , ملهى بلقيس الذي كان يرغب الاستمرار في الجلوس فيه وغناء عفيفة إسكندر التي كانت تصرف عليه وتعطف عليه وهو دائم الحضور لهذا الملهى.

لقد أحب السفر ويجمع بهِ الخيال ليستذكر أخيه العامل عباس ومحبتهُ للعمال وحب الناس ولكن الليل أكثر حَبيب لحسين مردان لأَنهُ هدفهُ يريد البلوغ إليه فالليل ينتظر والزمن يحملق بهِ ويطرح أسمالهُ على عينه ولكن واقنا مرّ هذا الواقع الذي يساوي بين الكبير والصغير والعظيم والحقير , لكن الإنسان الصادق في النهاية كما كان صادقاً في البداية, كما كان صادقاً في المسيرة كلها بين الرضا والسخط والكبرياء والتواضع والعزة والهوان والبناء والهَدم , الكاتب البارع هو الذي يجلو الصوره وكإنها عملت نفسها ولكن كان حسين مردان يسكن في قبر حسب وصفهُ ( وإقتربت من البيت... من قبري المؤقت فيا إلهي متى تعود الكف التي تفرك الصدأ ... ) . ولكنها حرمان في حرمان ولم يبق لهُ إلا منفذ واحد هو الصدق .. وفقدان الإحساس ولكن بقيت أنت في بكاء صامت ولكن الهمس ضرب من البكاء , لا تستطيع أن تحب إمرأه واحدة ولا تتوانى عن النص على وجهك وفي( الروح والحليب الأسود )يقول:( آه أيها الوجه , يا وجهي البغيض , إنك لم تخلق علامة عطور الفساتين , فأجمع آهاتك ولتعد المبدعة وأنت أهلاً لها ومنها).

ايها الشاعر الراحل لن تنساك المجالس الشعرية وزملاء المهنة والشعراء الخلص لمواقفك فأنت الذي مررت بمرحلتان , مرحلة التشرد ومرحلة الثوربة وقد وصل طريقك الأول إلى الانتحار ولكن لخشيتك من الهزيمة تنبهت لذلك فتحولت للحقيقة المخيفة والمفجعة إن الدرب الوحيد الذي يصل إلى الهدوء هو الموت ولكن تراجعك عن هذا الطريق المأساوي لتزج نفسك في حميم الحياة حيث تقول: إني.. رجل شارع حقيقي , لا أميل إلى المختلة والتزويق , لأني مقاتل نظيف.

لقد كانت حياة مردان خالية من المرأه وهذا يدخل الحزن الى قلبهُ ليتصور وخيال أمرأه جميله رائعه تجلس بجانبهُ ويداعب شعرها الجميل ولكن كبرياءهُ المفعم بعزة النفس يخاف المغامرة ويصفهُ الدكتور علي جواد الطاهر : ( فإن رجلاً إسمهُ حسين مردان لا يلقي السلاح في يسر ولا يعدم مجالاً جديداً للكبرياء إن فاتهُ مجال ثم إنهُ إنسان _ كأي إنسان_ يعزي نفسهُ صدقاً أو كذباً , ولا نريد لحسين مردان الكذب هنا لأنهُ لا يريدهُ , ولأنهُ العوض الأكبر).

وقد كتب مقاله لم تكتمل هي ( نحو هدف واحد) ولكن الأزمة القلبية الذي داهمتهُ في الساعه الثامنة والنصف صباحاً من يوم 14/9/1972 وعلى أثرها نقل الى مدينة الطب ولكن هذه الأزمة قد تحسنت صحتهُ وفي فجر الأربعاء 4/10/1972 توقف قلب الشاعر البودليري البوهيمي وقُضي الأمر ولم تعد أزهارهُ تورق داخل تلك العاصفة التي عصفت بأوراقه اليابسه وأزهارهِ ولكن بقية شجرتهِ الوارفة وأغصان حسين مردان تنمو بمرور الأيام ويتذكرها الأُدباء والشعراء.

وقد رثاه الشاعر فوزي كريم بقصيدة حيث يقول:

يا حُسين مردان
كيف تركت الباب مفتوحاً
والليل لم يبدأ
وكان السر مفضوحاً
وأنت قد تجهل أن الخمر في الندمان.

وقد كتب الراحل حسين مردان في الموت والضحك يقول: لو يموت كل ما في العالم من جمال قبل موتي بيوم واحد فقط , إذن لإستطعت أن أُنظم قصيده عن الضحك.

أما الكاتب عبد الكريم كاظم فقد خاطبهُ بعد سقوط النظام عام2003 وما آل اليه الآداب والثقافة والمسرح والإهمال حيث يقول: لقد أحرقوا المسارح ونهبو المتحف العراقي وغزو العراق وما تضمنهُ من حرق وتدمير وسلب ونهب بل ما تختزنهُ المكتبه الوطنية بعد أن أضرموا بها النيران وتفجرت صراعات جديدة ومسميات غريبة... فقد إندحر الجمال وانتصر القبح وعلينا الإنتظار لفتره أخرى من الزمن .. وصولاً لصور الماضي الأليم.

وانا اخاطبك يا شاعرنا ذو المواقف الصادقة والحقيقية والكاتب الذي آمن في يومٍ ما بالفكر التقدمي ومناصرة العمال وثورة الرابع عشر من تموز والمتفاءل في الحياة والإنسان والأبداع لن ينساك اصدقاءك وقراء قصائدك إذا كانت عارية أو أزهارك الذي لا تموت ما دامت اشعارك خالدة



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب( كاظم الجاسم ودوره في الحركة الوطنية للباحث مح ...
- القرامطة ...اول حركة اشتراكية في التأريخ الاسلامي
- قانون نقابة المعلمين رقم7 لسنة 1989 ما له وما عليه من مآخذ
- ثورة الزنج والصراع الطبقي في الاسلام
- هل العلمانية هي الحل
- صلاح حسن والجزع البابلي
- بابل تحتفي بالشاعر المغترب صلاح حسن
- بشتاشان جريمة العصر المغيبه
- تاريخ وواقع التعليم المهني في العراق
- سليم كاظم فنان فطري من بلادي.......مدينة الحلة
- مازلت بيننا أيها الفاضل... المربي فاضل ناجي الربيعي
- غياب قمراً من أقمار مدينتي الديوانية.. الشهيد كريم حميد عبد ...
- عبد الله كوران... والانقلاب في الشعر الكوردي
- العلمانية كحقيقة ( الإنسان بطبعه ميال إلى العلمانية ...
- جند السماء .... يحلقون بأجنحة من ورق
- العنف ..... والعنف المقدس
- حروفنا الجميلة......... والكائن اليشري
- جان دمّوا .. شاعر آخر يتوارى
- احتفال الشيوعي ابن الحلة الفيحاء( احمد يحيى بربن )في زنزانة ...
- نساؤنا أملنا


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عبد الأمير الربيعي - حُسين مِردان....... سيّدُ النَدامى