أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - كاميرا ابن الرومي














المزيد.....

كاميرا ابن الرومي


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 3367 - 2011 / 5 / 16 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


إنه ليس شاعرا كما الشعراء، بل هو شاعرٌ فنانٌ، رسامٌ مصورٌ ، أنصفه قليلون وظلمه كثيرون، أضحك قارئيه وسامعيه، وأحزن دارسيه، لأنه كان كما قالوا مريضا بمرض العزلة ، يكره الخروج للناس، كان مُتَطيِّرا متشائما، ثَقَبَ بابَ بيتِه الخارجي ليرى الطريق قبل أن يخرج إليها، لأنه كان يتشاءم من الأقوال والأشكال، وكان حتى الأطفال يهزؤون به، عندما يحسون بأنه ينوي للخروج من البيت ، فكانوا يمنعونه، فيصرخون:
غراب البين
هو شاعرٌ أرسى مذهبا نقديا في الشعر العربي، ابتدعه الناقدُ والأديبُ والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، حين أرسى نظرية ( النقد النفسية) التي تُحاكم الشعر وتنقده وفق نفسية قائله!
هو شاعر فنانٌ تشكيليٌ، ومصور سينمائي، اعتاد أن يجعلَ للحروف العربية ألوان الطيف، وأن يمزج الألوان بالكلمات، فتغدو لوحاتٍ فريدةً بديعة الصورة والشكل، تكون في شكل قصائد جميلة الوقع، سرعان ما تنعكس على العقل في صورة بديعة التكوين، فتتركُ بصماتها على قارئيها وسامعيها!
إنه الشاعرُ الكبير ابن الرومي( علي بن العباس بن جريج) الذي عاش في العصر العباسي ، في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي.
قال عنه العقاد:
لم تكن لوحاته الشعرية، وقصائده الوصفية سوى محاولة للهروب من مرض التشاؤم والتطيُّر، أي من ( فوبيا الخوف) !
إنه ابن الرومي الفنان الذي انكفأ على نفسه، واستخرج منها ألماسَها المدفونَ ودررَها وجواهرَها، فغدا بيكاسو الشعراء، فقد كان وصفُه فيلما سينمائيا، فهو عندما يصف خبازا يصنع الخبز في تنوره، يصفُهُ بعين مصورٍ فنانٍ، فيجعل كُرةَ العجين البيضاءَ رُقاقةً مستديرةً كالقمر في لمح البصر، ثم يؤكد صورتَه السريعةَ تلك بصورةٍ أخرى تشبيهية، حين يشيرُ إلى أن السرعة التي تمتْ فيه عملية الخبز، تماثل بالضبط سرعة رميَ حجرٍ في الماء يقول:
ما أنسَ لا أنسَ خبازا مررتُ به....يدحو الرقاقةَ وشكَ اللَّمحٍ بالبصرٍ
ما بين رؤيتها في كفه كرةً... وبين رؤيتها قوراء كالقمرِ
إلا بمقدار ما تنداحُ دائرة.... في صفحة الماء يُرمى فيه بالحجرِ
هو نفسُه الفنانُ ابن الرومي الذي وصف حلوى ( الزلابية) التي كانت مشهورةً في ذلك الوقت ، وكانت تُصنع في المقالي الكبيرة من عجينٍ أبيضَ (فضي)قبل أن توضع في المقلى، ثم تتحول بعد القلي إلى شبابيكَ من الذهب الخالص يقول:
يُلقِي العجينَ لُجينا من أنامِلِهِ... فيستحيلُ شبابيكا من الذَّهبِ
إنه هو الشاعر نفسه، الذي جعلني ذات يوم أشتاق أن أرى نبتة الكتَّان، التي تستخرج منها خيوط النسيج وبذور الزيت، النبتة الطبية الخضراء، التي لها ورودٌ زرقاءُ وبيضاء، ولا يتجاوز طول نبتة الكتان المتر الواحد، والتي تُستخدم في علاج كثير من الأمراض، ولم أكن قد شاهدْتُها في حياتي، فلما رأيتها، أدركتُ أن عدسة ابن الرومي الشاعرة كانت صادقة دقيقة الوصف.
ها هو ابن الرومي يصف (جِلسا) أي حقلا كاملا من نبتة الكتان، تعرش فوق الحقل غيومٌ رقيقةٌ ماطرة( الرباب) تجعلُ نبات الكتان يغفوَ( تُوسِّنُهُ) على وقع مطرها، أما الرياحُ، فإذا مرَّت فوقه، فإنه يصبحُ غديرا من الماء، وليس حقلا من الكتان يقول:
وجِلسٍ من الكٍتَّان أخضرَ ناعمٍ ... تُوَّسِّنُهُ داني الربابِ مطيرُ
إذا درجتْ فيه الرياحُ تتابعتْ.... ذوائبُهُ حتى تقولَ غديرُ
إنه هو راسم الكاريكاتير في الشعر العربي ابن الرومي، الهجَّاء المقذع، الذي استعمل شعره درعا، يتَّقي به شرَّ مَن حوله، ويصبُّ غضبه على مبغضيه، فهو يصف رجلا قصير الأطراف، في فيلمٍ متحرك ناطق بالصوت والصورة، فهو قصير، حتى أن رقبته تختفي بين كتفيه، وهو يُشبه في صورته بلا رقبة مَن يترقَّب أن يُصفع، أو من صُفعَ مرةً، وينتظر الصفعة الثانية:
قَصُرتْ أخادِعُهُ وغابَ قَذالُه... فكأنه مُتربِّصٌ أن يُصفعا
وكأنما صُفِعَتْ قَفَاهُ مَرَّةً... وأحسَّ ثانيةً لها فتجمَّعا
وهو أيضا الذي حكم على البخيل المُسمَّى (عيسى) بالإعدام طوال حياته، وغيّرَ اسمه من عيسى إلى( أبي منخرٍ واحدٍ) حين هجاه ببخله فقال عنه:
يُقتِّرُ عيسى على نفسِهِ.... وليسَ بباقٍ ، ولا خالدِ
فلو يسطيعُ لتقتيرِهِ...تنفَّسَ من مُنْخُرٍ واحدِ !!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكيم أم سطحي؟
- هل أنت يساري؟
- عميد شعر السخرية
- هجوم بسلاح المربوط النووي
- من مناجم الأشعار
- الانتفاضة العربية
- أدب مضغوط
- من القبائل إلى الغروبات
- صرخة بعث لفاروق جويدة
- غسيل العار
- الفئران وصاروخ القبة الحديدية
- من دُرر المُبدعات
- من قتل الملك داود
- اغتيالات تكنلوجية
- من يوميات مكتوم
- ما سرُّ عبقرية محمود درويش؟
- مرض القهر التراكمي
- المستبدون في كتاب محظور
- كاوبوي إسرائيل
- هل سيصمد مفاعل ديمونا للزلازل؟


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - كاميرا ابن الرومي