أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محمد طوالبة - رسالة عمان والمسؤولية المشتركة للدفاع عن الاسلام















المزيد.....

رسالة عمان والمسؤولية المشتركة للدفاع عن الاسلام


حسن محمد طوالبة

الحوار المتمدن-العدد: 3364 - 2011 / 5 / 13 - 09:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رسالة عمان والمسؤولية المشتركة للدفاع عن الإسلام
أدت التجربة التاريخية الطويلة لأعمال العنف أنَّ ممارسيها يعانون قصورا فكريا وعجزا عن مواجهة الحجة بالحجة وسوق الأدلة والبراهين العقلية ويغلِّبون أسلوب الصراع على أسلوب الحوار." إن واجبنا أن نقدم للعالم الصورة الحقيقية للإسلام من حيث هو دين التسامح والانفتاح ورفض كل أشكال الإرهاب والعنف والعدوان ".

العبارة أعلاه للملك عبدا لله الثاني من حديث له مع الفضائية العربية في آب 2004م. وفي ضوء هذا الاعتقاد الجازم بأن الإسلام دين السلام والتسامح, حمل الملك أمانة بيان الصورة الحقيقية للإسلام أمام الرأي العام العالمي, وأخذ على عاتقه الدفاع عن الإسلام ووقف التجني عليه, ورد الهجمات عنه, وإبراز القيم النبيلة للدين الإسلامي الحنيف وإيضاح صورته النقية.. لأنه دين التسامح ودين الوسطية الذي ينبذ العنف المفضي إلى الإرهاب. وهو ما أكدت عليه رسالة عمان التي صارت مناهج عمل لكل الصادقين في الدفاع عن الإسلام. وجاءت رسالة عمان في وقت صعب, حيث تكالبت قوى البغي ضد الإسلام, وتجرأت أن تتهمه بالإرهاب, فأخذ الملك عبدا لله الثاني على عاتقه أن يدافع عن الإسلام في كل المحافل الدولية, وأن يسهم في عقد لقاءات ومؤتمرات لعلماء المسلمين, من أجل توحيد كلمتهم وشحذ هممهم للدفاع عن الإسلام بكل السبل المتاحة.
وإسهاماً في توضيح صورة الإسلام السليمة الرافض للتطرف والعنف والمؤمن بالوسطية نقدم هذه المداخلة لعلها تسهم في توضيح الصورة النقية عن الإسلام.
عُرف التطرف في لغة العرب بأنه مجاوزة الحد والخروج عن القصد في أي شيء. والتطرف هو الجنوح في الفكر والسلوك إلى أقصى طرفي اليمين أو اليسار, أو مجاوزة الاعتدال بالغلو والتشدد في الفكر أو الرأي أو الاعتقاد أو السلوك. وقد ظهر التطرف في التدين بشكل خاص, إذ سقط التدين من محيط العقل إلى محيط العاطفة, فقاد في معظم الأحيان إلى العنت بكل أشكاله. وقد يسيء التطرف إلى فكر نافع في حقيقته, وقد يكون نسيج فكر معين أو خليط معتقد جماعي, فيغالي أصحاب هذا المعتقد في عرض رأيهم أو الدفاع عنه, أو يبالغون في تطبيقه, وقد يُنتج فكراً ولكنه يتسم بالمغالاة والتشدد.
تتمثل خطورة التطرف في العشوائية والاندفاع العفوي أو رد الفعل, فأصحاب هذا النوع من التطرف يلجئون إلى التشدد في الألفاظ وبعض الأمور الشكلية, كما يرجحون أسلوب العنف في سبيل الدفاع عن فكرهم أو سلوكهم. وقد حُكم على أعمال العنف في التاريخ الإنساني بأنه نتيجة قصور فكري, وعجز المتطرفين عن مواجهة الحجة بالحجة, وسوق الأدلة والبراهين العقلية, ويغلبون أسلوب الصراع بدل أسلوب الحوار.
ومن دراسة تاريخ الحركات الدينية المتطرفة, وجدنا أن لها امتداد خارج الوطن العربي سواء الآتية من تجارب الغرب (الثورة الفرنسية, الثورة البلشفية), أو الآتية من بلدان المشرق, وبالذات الحركات ذات المرجعية الفارسية. ويذكر التاريخ أن إسماعيل الصفوي هاجم مدينة تبريز التي رفضت قبول المذهب الشيعي, وذبح حوالي سبعين ألفاً من سكانها.
إن منطق الصراع الذي غلب على المتطرفين أفراداً أو جماعات قد أسفر عن مظاهر عدائية من المجتمع ومن مؤسساته, تجسدت في مقاطعتها ومعاداتها واتهامها بالانحراف والكفر, كما عملت الجماعات والحركات المتطرفة في بعض الأحيان على تخريب مؤسسات الحكم والعمل على إسقاطه. ولا شك أن معتقدات كثير من الحركات والجماعات المتطرفة في التاريخ العربي الإسلامي, مثل الخوارج وما تشعب منها من حركات, تمثل جذراً للحركات السياسية الدينية المعاصرة, إذ استمدت منها أدلة عملها ومفاهيمها ومصطلحاتها, وصارت تستخرج من هذا الفكر ما يساعدها على الكسب ومنذ البدء لا بد من التمييز بين الحركات السياسية الدينية التي اختارت أسلوب العنف طريقاً لتحقيق أهدافها, وبين الحركات الدينية السوية. وبين الحركات الدينية السياسية إن ظاهرة التدين قديماً وحديثاً ظاهرة صحيحة في المجتمع المسلم, وضرورية لأبناء المجتمعات الإسلامية, لأنها تمثل الميل الفطري نحو التمسك بالتعاليم الدينية العقيدية, والفروض, والقصص وأداء الفروض والواجبات. غير أن هذه الظاهرة لا تتسم بالثبات في كل المراحل, بل تتأثر بالأحداث التي تلم بالمحيط الاجتماعي. ويزداد ظهورها في ظروف الكوارث والحروب والفتن والمشكلات الاجتماعية, ففي مثل تلك الظروف, يحس الفرد أن به حاجة ماسة إلى قوة السماء لتعينه على تجاوز أزماته. وفي مثل هذه الظروف يتهيأ المجال أمام الحركات السياسية الدينية للتحرك وكسب المؤيدين لها, مقابل وعدهم بحل مشكلاتهم! وتعمد هذه الحركات إلى الركون إلى الماضي لتأخذ الجاهز منه, بدلاً من اكتشاف حلول لمشكلات العصر بمنطق العصر نفسه, الذي يعتمد مستلزمات النهضة والتقدم.
ما هي أسباب التطرف..?
يمكن إرجاع أسباب التطرف إلى عاملين: داخلي وخارجي. يقع في مقدمة الأسباب الداخلية الموروث التاريخي وأثر الشخصية الجاهلية في حياة العرب بعد الإسلام. إذ كان العرب قبل الإسلام شديدي التطرف إلى الشيء أو ضده, لا يعرفون توسطاً ولا يقرون بأن التوافق يقتضي التنازل من كل طرف. كما أن التعايش الاجتماعي يقتضي عدم فرض رأي على الآخرين فرضاً من دون اقتناع منهم, ويعني ذلك إقرار منطق الحوار وتغليبه على الصراع. فعرب الجاهلية كانوا أقرب إلى الصراع منه إلى الحوار وكان شعارهم بيت الشعر الذي يقول:
ونحن أناسٌ لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
إن هذه العقلية المتطرفة رفضها الإسلام, وشجب طبع التطرف الذي كان سائداً وجاء في القرآن الكريم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة:[ : 143
وثاني الأسباب الداخلية هو: الاعتقاد الديني وتأويل التفسير, إذ تستمد الحركات السياسية الدينية المتطرفة مبررات أعمالها من تفسير خاص لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنماذج التاريخية الفعلية بما يُرضي توجهها تأويلاً لظاهر النص, وقد اقتطع المتطرفون آيات من السياق القرآني وفصلوها عن أسباب نزولها وفسروها في عموم ألفاظها, في حين أن المنهج الصحيح في تفسير الآيات هو الذي يربطها بأسباب نزولها. وفهمها على خلفية الواقعة التي نزلت بشأنها أو بسببها, أو كان نزولها رداً على حدث وقع في زمن الدعوة أو رداً على افتراء أصاب شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم(, كحادثة الإفك. فعزل الآيات عن سبب نزولها منهج خاطئ يقود إلى الانحراف, ويروج إلى تفسيرات بحسب الأهواء والفهم الخاص للآيات, وهذا ما حذر منه ابن عباس ( إذ قال: سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل, أو يعرضون عن سبب التنزيل, فيكون لهم رأي ثم يختلفون في الآراء ثم يقتتلون فيما اختلفوا فيه.
وما توقعه ابن عباس حصل على يد الخوارج, إذ كانوا أول من خالف منهج التفسير الصحيح, إذ اقتطعوا آيات قرآنية وقطعوها عن أسباب نزولها, واستخدموها في عموم ألفاظها لخدمة هدفهم في معارضة الحكم.
وقد لقي التفسير اللفظي استجابة من العامة الذين لا يفهمون تفسير القرآن بمعانيه الدقيقة, ويجهلون مناسبة نزول الآيات. فاندفعوا بعفوية وراء الدعوات الدينية المتطرفة من دون دراية أو تمحيص.استكمالا لعرضنا السابق الخاص بأسباب ودوافع التطرف نقول ان ثالثهما يكمن في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمع, بالبطالة وفقدان الأمل والضياع لدى الشباب, دفعت بهم أو ببعضهم إلى قبول دعوات التطرف ضد الحكم, كما أن شيوع ظواهر الفساد المالي والفساد الإداري أدى إلى فقدان العدالة, وأدى الفساد الاجتماعي إلى ردة فعل معاكسة للمجتمع كله. كما أن النكسات التي أصابت الأمة العربية, دفعت بالشباب إلى فقدان الثقة بينهم وبين الحكام العرب, بدعوى مسؤوليتهم الكاملة عن تلك النكسات, ودفعت البعض إلى الانخراط في الجماعات المتطرفة الداعية إلى العنف ضد الحكم وضد المجتمع الذي يقبل بحكمه. وزادت بعض الجماعات والحركات في تطرفها بأن اعتبرت المجتمع كله كافراً, ويجب محاربته قبل محاربة العدو الخارجي.
أما الأسباب الخارجية التي دفعت إلى التطرف, فقد تجسدت في انهيار نظام القطبية الثنائية وتفرد الولايات المتحدة في السيطرة على العالم بالقوة والمغالاة في دعم الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني واحتلال أفغانستان ومن ثم العراق, وتشجيع الإدارة الأمريكية القوى الطائفية على الاصطراع والانقسام والاقتتال الدموي بحيث صارت ساحة العراق أرضاً خصبة لتفريخ الإرهاب, مما حقق المزيد من المكاسب على الأرض لصالح المشروع الصهيوني التوسعي, وبفعل ذاك الانهيار لنظام القطبية الثنائية, شاعت في العالم نظريات ليبرالية مثل سقوط الأيديولوجيات, وسقوط القوميات وصراع الحضارات, ونهاية التاريخ, كل ذلك أحدث ردود فعل سلبية لدى الشباب العرب, ودفعهم إلى الانخراط في صفوف الحركات الدينية المتطرفة; ومنحت تلك التطورات السياسية فرصة للحركات المتطرفة لتدعم موقفها القائل: بأن مقاومة مشاريع الولايات المتحدة والغرب بعامة, لا يكون إلا بالصراع والعنف المسلح.
ومما زاد في بروز حركات التطرف محاولة الولايات المتحدة فرض نموذجها على العالم بعامة وعلى العرب بخاصة, مستغلة نفوذها الإعلامي ووسائلها الاتصالية لإيصال أفكارها ومفاهيمها إلى الرأي العام العالمي, والأمّر من ذلك اعتبار الإسلام العدو الأول للغرب وربطه بالإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول .2001

إن مفاهيم التعالي والغطرسة التي شاعت في سلوك الإدارة الأمريكية, ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني, وعدم الضغط عليه للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وفق منطوق قراري مجلس الأمن ,242 و338 رغم وعود الرئيس جورج بوش الابن بحل الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية), ولم يتحقق مثل هذا الوعد مع انتهاء مدة ولايته في عام 2008-2009م.
وزاد الحقد على الولايات المتحدة بعد احتلالها العراق ,2003 وتدمير بناه التحتية وتخريب حضارته وتراثه العلمي, كل ذلك دفع بالشباب العرب للانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة, سواء كانت القاعدة أو ما تفرع منها من جماعات متطرفة في الجزائر ومصر والمغرب.
فالقاعدة صارت تشبه تنظيم الخوارج, الذي فرخ عشرات التنظيمات التي بالغت جداً في تطرفها, سواء في تكفير الناس, أو تفسير الآيات حسب هواها. ومن خلال نظرتها للناس وللمجتمع بعامة وللحاكم بخاصة.
إن اتهام الإسلام بالإرهاب اتهام باطل لأنه دين السلام والمحبة, ويرى روجيه غارودي المفكر الفرنسي الذي أسلم, في كتاب الأصوليات المعاصرة أن الغرب يُفتش عن ثغرات في العالم الإسلامي لينفذ من خلالها لتحقيق أهداف سياسية.
وإذا كانت هذه بعض الأسباب والدوافع التي ساعدت على نمو التطرف لدى الحركات السياسية الدينية, فما هو موقف الإسلام من التطرف والعنف.
موقف الإسلام من التطرف والعنف:
عندما أنزل الله رسالة الإسلام على محمد (, لم يكن أمام الذين آمنوا بها إلا السعي لنشرها بين أهل مكة أولاً وما حولها ثانياً, وكانت وسيلتهم في نشر الرسالة الحوار والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن. ودعوة قريش للإيمان بالله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام. ومن ثم عرضوا الرسالة على الأمم الأخرى, فإن قبلوها فلهم الحسنى وإن رفضوها فلا سبيل لأحد عليهم, ولاسيما إذا دفعوا الجزية, ولم يناصبوا الإسلام العداء. وكان مرشدهم قوله تعالى }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{
وقد امتثل العرب لقول الله تعالى في نشر رسالة الإسلام لأن الله تعالى لو أراد بحكمته وقدرته لآمن الناس جمعياً لقوله } وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ{ . فالله تعالى لحكمة يعلمها خلق الإنسان وفيه استعداد للخير والشر, الإيمان والكفر, فيختار أحد الطريقين بلا إكراه.
الإسلام يرفض الإكراه, ويدعو الناس جمعياً للإيمان, فمن شاء آمن ومن شاء اختار طريق الضلالة بدل الهداية, وكان توجيه الله تعالى لرسوله الكريم: } وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ{ ويوصي الله تعالى رسوله الكريم في آيات بيِّنات بأن لا يكره الناس حتى يؤمنوا وعليه إبلاغهم برسالة الإسلام بالإقناع والدعوة والتبشير ومخاطبة القلوب والعقول لقوله تعالى: }مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً{ وقوله تعالى: } مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ{0والإسلام دين السلام, وتحية المسلمين إفشاء السلام فيما بينهم, ويدعو المسلمين إلى إقرار السلم بالحوار والإقناع لقوله تعالى: وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ والدعوة إلى السلم هي لمن يقبلها ويميل إلى المصالحة ويستجيب لها. أما الذين يرفضون دعوة السلم ويشكلون خطراً على الإسلام, فإن الله يحرض المسلمين على قتالهم لقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.
وقد نهى الرسول ( عن قتل أي امرئٍ نطق بشهادة (لا إله إلا الله), وروى أسامة بن زيد مولى الرسول الكريم أن الرسول أمّره على سرية لمقاتلة إحدى القبائل المتمردة الكافرة, فحاربها وانتصر عليها وغنم منها غنائم كثيرة. وعندما عاد سأله الرسول عما حدث في المعركة, فروى أسامة قائلاً: أن رجلاً من القبيلة كان يصول ويجول بسيفه ويدافع عن قومه, وعندما ظفرت به وهممت طعنه قال: (لا إله إلا الله). وعندما سمع الرسول ذلك تغير وجهه وقال: ويحك يا أسامه, أقتلته بعد أن قال (لا إله إلا الله), فقلت إنما أراد أن يدرأ عن نفسه القتل. فقال الرسول: هل دخلت قبله? وندمت ووعدت الرسول أن لا أقتل من ينطق (لا إله إلا الله).
وعندما طلب علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) من أسامة أن يقف معه أثناء الفتنة قال له: والله يا أمير المؤمنين لو وضعت يدك في فم التنين, لوضعت يدي معها, ولكني أذكرك بكلام الرسول (الذي حرم قتل من ينطق? (لا إله إلا الله) واعتذر لعلي عن المشاركة في قتال الخوارج.
ومع تحريض الله تعالى المؤمنين على الجهاد ضد الكفار, إلا أن الله نهى المؤمنين عن إيذاء الآخرين لمجرد الإيذاء لقوله تعالى: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ.
واستجابة لأمر الله تعالى, كانت وصايا الرسول للمجاهدين تحض على عدم قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان, وكذلك كانت وصايا عمر بن الخطاب للجند بأن لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا صبياً أو امرأة ولا يفسدوا الأرض والنهر.. الخ.
إن خصال الرأفة والرحمة هي سمات المسلم المؤمن بالله ورسوله واليوم الآخرة, وبمقدار قوة إيمان المسلم يكون مبشراً بدين الله بالحوار والإقناع, ولا يتطرف ولا يغلو في تنفيذ حدود الله. كما أن الإسلام دين قصد ويُسر ودين الحكمة الشاملة والبصيرة النافذة والالتزام الدقيق بالحق وقواعد السلوك, وشروط الحوار وآداب النقاش والمناظرة, والإسلام بكل تلك الصفات هو دين الرحمة بالعباد والرسول الكريم أرسله الله رحمة للعالمين.

وكما أن الإسلام دين رحمة فهو داعية للأمن والأمان. لأن الأمان نعمة من نعم الله, وتقترن بنعمة الصحة في الأبدان والعقول, ونعمة الارتواء والشبع. وتزول نعمة الأمان إذا شاع العنف والإرهاب. وقد ربط الله تعالى بين نعمة الأمان والشبع لقوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ.
وطالب الله عباده المحافظة على نعمة الأمان. فهي النعمة التي اختارها يوسف (عندما بشر أبويه وإخوته عند استقباله لهم على مشارف مصر فقال كما جاء في التنزيل: ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ, أي آمنين من الخوف ومن الجوع ومن الحاكم الظالم. وهي النعمة التي دعا إبراهيم (ربه لكي يُسبغها على من يسكنون حول البيت الحرام, إذ جاء في القرآن الكريم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً.
مما تقدم وكثير من الآيات والأحاديث وسيرة صحابة الرسول, (أن الإسلام ضد التطرف والغلو, وبالتالي ضدالعنف والإرهاب. فالتطرف والغلو ينفر الناس من الإسلام بدل أن يجذبهم إليه, كما أن التطرف قصير العمر, ونفس المتطرفين قصير الأمد, نظراً لطبائع عامة الناس الميالين إلى البساطة والوسطية ورفض العنف, والمتطرف في العامة يُلزم نفسه والآخرين بما لا طلقة لهم عليه, كما الإسراف في تحريم الأشياء هو تحميل الآخرين فوق طاقتهم وتضييق الفرص أمامهم, وهذا الإسراف يُفضي إلى التنفير من الدين, في حين عُرف الإسلام بأنه دين يسر وليس دين عسر.
وعليه فإن الله تعالى لم يأمر بقتال المسلمين الذي آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر, بل حث على المعاملة بالحسنى والكلمة الطيبة, وحث المؤمنين على إتباع منهج الحوار والإقناع بالعقل والحجة.
وأخيراً يظل السؤال هل يحق للجماعات المتطرفة أن تكفر المسلمين استناداً إلى ظاهر بعض الآيات القرآنية..? ألا يمكن للجماعات والحركات السياسية الدينية أن تحقق برنامجها بالوسائل السلمية ومن خلال العمل المؤسساتي والنضال الحزبي المعروف?.
الهوامش متوفرة لدى الكات



#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدوانية صهيونية متمردة ضد العرب
- المصالحة الفلسطينية هل تقود الى قيام الدولة
- اغتيال بن لادن نقطة لصالح اوباما في الانتخابات
- يوم العمال احتفالات شكلية واهمال للمطالب
- العولمة دراسة في المضامين والاهداف
- يوم دامي في ذكرى احتلال الاحواز
- الثورة حق تاريخي لكل الشعوب
- الثروة سبيل للنهضة أم للتراجع ؟


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محمد طوالبة - رسالة عمان والمسؤولية المشتركة للدفاع عن الاسلام