أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد الشيخ - الهوية لا يصنعها الطغاة














المزيد.....

الهوية لا يصنعها الطغاة


ماجد الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 3361 - 2011 / 5 / 10 - 14:39
المحور: المجتمع المدني
    


هل يمكن الحديث عن نصوص أو سرديات مؤسسة للهوية؛ ثابتة ودائمة، لا يعتريها التحوّل والتغيّر والتفاعل، والتأثير والتأثّر، والتمازج مع نصوص أخرى تاريخية سابقة و/أو لاحقة؟
بين أن تكون ذاتا تحدد هويتها انطلاقا من تمييزها الإدراكي للأنا وللآخر، مهجوسة بهواجس التغيير الدائم لذاتها في ضوء رؤيتها لآخر متغير على الدوام؛ وبين إلغاء الآخر عبر أشكال متدرجة من عدم القبول، ورفض الاعتراف بوجوده وإثارة النزاعات والصدامات معه، في ما أضحى يتجلى في زماننا في تلك الصراعات الشوفينية القومية والتمايزات الدينية الطائفية والمذهبية، تكمن أدلوجة الفهم المشوه للوجود، من حيث هو الإشارة الترميزية لحقيقة وجوهر كينونة الذات والذات الأخرى، في احتكامهما لجوهر من الاختلاف الطبيعي بين لا متشابهات؛ لا يمكن أو يستحيل تشابهها، بل هي محكومة لقوانين من التغير دائمة الحركة من التفاعل والتفعيل، والتأثر والتأثير، من أجل ايجاد كل عوامل وجود القواسم المشتركة للوجود الحقيقي للذات الفاعلة، نقيضة تلك المنفعلة التي لن تستطيع انتاج مروياتها وسردياتها الخاصة، بدءا من الهوية وصولا الى التاريخ، ولا المساهمة في إبداع سرديات حقيقية في إطار المشترك الإنساني.

بين الذات الفاعلة وتلك المنفعلة، تكمن إشكالية العلاقة غير المتكافئة؛ بين أدوات تذهب بالتفعيل والتمكين حد الهيمنة، وبين أخرى تذهب في الخضوع حد التحول الى بوتقة استقبال منفعلة؛ تنحطّ في أفعالها الاستلابية حتى حدود التماهي مع الذات المكابرة في منافحتها عدم الاعتراف بالآخر، بل رفض وجوده أو الاعتراف بهذا الوجود، والتعبير عن ذلك بمسلكيات انفعالية إستعلائية؛ لا يمكنها ان تؤدي وعبر استمراريتها التنميطية في رؤيتها لذاتها وللآخر إلا الى التهلكة، وتدميرها لأناها الخاصة من حيث أرادت، بل وهدفت إلى تدمير الذات الأخرى.

لا تنبني الهوية إذن، إلا عبر المغايرة العقلانية، تلك التي تستوعب في سياق بنائها لسرديات تاريخها؛ أن الهوية ليست واحدة مفردة، أو ناجزة على الدوام، أو ناشئة عن تخلّق تأسيسي أصيل، ينوجد مرة واحدة والى الأبد. فالذات الانسانية ليست كذلك، ولأنها ليست بهذا الجمود وهذا التعريف أو التوصيف السكوني الجاهز أو الناجز، فإن الهوية أيضا واحدة من أبرز الموجودات تغيرا وتحولا، في فضاء من التفاعلات الجدلية بين متحققات لا تتحقق على الدوام إلا كنتاج فواعل كثيرة، تبدأ من الأنا الانساني مرورا بعوامل التعرية الطبيعية لجغرافيات السلطة والدولة، وحراكات المجتمع والسياسة والاقتصاد وصولا إلى التاريخ؛ الناتج الأبرز للفواعل الرئيسة العاملة على إنتاج حركية الهوية في أبعادها المتغايرة، القارّة على إبراز نماذج من هويات ومن ذوات ومن أناوات ليست واحدة، لكنها في تفاعلها مع أنساق من العقل الجدلي- الفلسفي، قادرة على خلق القواعد المتراكبة لمفهوم للهوية لا يقوم على احتكار أو نفي أو مصادرة هويات الآخرين، بما هي الشكل الأرقى لانعكاس الوجود الإنساني وطبعه أو طباعه التي تصوغها وبشكل دائم هويات الاختلاف والمغايرة العقلانية الطبيعية، لا تلك المحكومة على الدوام لأدلوجات الميتاعقلانية.

الهوية نتاج إبداع دائم ومتواصل، وعمل دؤوب على إنتاج معنى متجدد لوجودنا كبشر (الأنا والآخر)، وبهذا المعنى لا يمكن للهوية أن تتحول إلى "تراث" جامد سكوني دون النظر والفهم والتأويل، وبالتالي نقد كل ما يحيط بهذا "التراث" من أسباب النكوص، ومسببات الإنحطاط والتراجع عن مناطق الإشراق والتنوير، إلى مناطق معتمة ومظلمة تتردى فيها سرديات حياتنا اليومية والتاريخية في كل أصعدتها؛ من الثقافة والفكر والفلسفة والعلوم الى الاقتصاد والسياسة والإجتماع، وصولا إلى الحط من التاريخ، وحتى النكوص في الجغرافيا، وضمور الديموغرافيا كذلك.

في هذه الحال أو في هذه المرحلة من مأزق وجودنا البيولوجي، لا يمكن الحديث عن هوية ناجزة، في ظل هذا التشظي والتذرر المجتمعي والسياسي والجغرافي والتاريخي الذي تشهده هويتنا، أو بالأحرى هوياتنا التي أضحت تتناثر كقطع زجاج يستحيل إعادة جمعها وفق صورتها السابقة؛ إلا إذا عملنا على استعادة صورة وطنية جامعة مصادرة ومحتكرة، يهمّشها الاستبداد، ويفعّلها غيابا وغيبوبة تلك القوى المجتمعية التي ترتع في سردياتها الشوفينية والتعصبية الخاصة، الطائفية والمذهبية والفئوية.

هنا تطرح إشكالية الأصالة والمعاصرة ضمن ثنائيات يراها البعض متصادمة أو متفاصلة، فيما يراها بعض آخر متواصلة، تجمع فيما بينها معارف مشتركة، تواصل بحثها الدائم والدائب عن تأصيل ما يتجادل حرا مع التاريخ ومع الواقع؛ بحثا عن وسائل علمية تاريخية كفيلة بتأصيل ما يمكن تأصيله، وتفصل ما لا يمكن أن يؤصل إلا عبر وسائل أيديولوجية، تطغى فيها لغة النقض العصيّة على التعاصر، وبالتالي فهي عصيّة على الفهم والتأويل في حقول الأصالة. على أن نقض طغيان الأيديولوجيا بوسائل ميثولوجية من أجل التأصيل أو البحث عن الأصالة في مواجهة المعاصرة والحداثة،لا يمكن أن يساهم في تقدمنا خطوة إلى الأمام، كما أنه لا يمكن إتمام هذه العملية بغير إيجاد الوسائل العلمية التاريخية المجرّبة، لا عبر وسائل أيديولوجية وطغيانها في كامل مساحة بناء الهوية.

لهذا.. فالهوية لا يصنعها الطغاة، ولا تبلورها سلطة الإستبداد، ولا تكرّسها السلطة؛ مطلق سلطة؛ دينية أو مدنية، وحتى بعض تمظهرات الوعي بالهوية، قد لا يكون منزّها عن الهوى والغرض؛ طالما هو يحيل إلى مرجعيات سلطويّة قاهرة؛ ميثولوجية أو أيديولوجية، تتحدّد بها الهوية ويرتبط وعيه بطغيانها. الهوية هنا رجراجة ليست ثابتة، لا سيما وأن السلطة المنتجة أو المروّجة لها ليست ثابتة أو دائمة. إن تقويض مجتمع دولة ما، إنما هو تقويض لهويّته الثقافية، قبل أن يكون تقويضا لدولة هذا المجتمع. هنا يصنع الطاغية هويته، كي تتماهى الدولة والمجتمع وحتى الأمة مع "هوية" هي صنيعته هو.



#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اي مصالحة في ظل نظام إشكالي؟
- سلطويات مانعة للمواطنة
- الإصلاح الشامل كمسألة وجودية
- سلطويات الذات الاغترابية ونزعتها النيرونية
- آلام التغيير وثقل الستاتيك الفلسطيني
- فجر ليبيا وغروب الأوديسة
- في تعددية ولا معيارية الثورات الديمقراطية
- ليبيا الحرة دولة مدنية حديثة
- دولة الحل المرحلي: دويلة منزوعة السيادة
- روح التغيير وبدء الإنفراج التاريخي
- محفزات احتضان السياسة.. وصناعتها
- فات أوان الإصلاح.. هبت رياح التغيير
- في التغوّل السلطوي اللاغي للتعددية
- الدمقرطة العربية: إعادة تفكير أم اتجاه نحو ثورات التغيير؟
- في التحاكم التبادلي تعاقديا
- أحرار الميادين وعبيد النظام والمال الحرام
- بين الحقيقة الضائعة والتدليس في وثائق -الجزيرة- وويكيليكس!
- حين ينهض فينيق حلم التغيير والثورات الشعبية
- عقل سياسي مغيّب ومجتمعات مأزومة تنفجر
- تونس ومحنة تغيير قد لا يكتمل


المزيد.....




- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد الشيخ - الهوية لا يصنعها الطغاة