أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسنين السراج - زجاجة الويسكي والأمتحان الالهي















المزيد.....

زجاجة الويسكي والأمتحان الالهي


حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 3359 - 2011 / 5 / 8 - 03:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يوجد عبارة يمكن أن نعتبرها مطلقة أكثر من عبارة : ( لا يوجد شيء مطلق ) . ولا يوجد عبارة يمكن أن نعتبرها عمومية أكثر من عبارة : ( لا يمكن تعميم شيء ) . فكل فكرة لها فكرة مضادة , وكل تيار له تيار مضاد , وكل نظرية علمية لها نظرية تواجهها وتلغيها , حتى الاخلاق تختلف بشكل نسبي بحكم الزمان والمكان , وحتى الاديان تعتبر مطلقة في نظر مريديها فقط , وهي نسبية أو خاطئة أو معدومة في نظر الاخرين .

في يوما ما زار أحد المتدينين صديقه , وكان هذا الصديق يشرب الكحول . وكان يعلم ان زائره ملتزم دينيا ويصلي وحين حان وقت الصلاة جلب له سجادة , وفرشها له على الارض , وحين أنتهى من الصلاة حاول أن يعبر له عن أحترامه له كونه يصلي وكونه ملتزم , وحاول جاهدا ان يوفر له أجواء مناسبة , وحين حاول المتدين ان يمارس دوره الدعوي في أخراج صاحبه من حبائل الشيطان وأدخاله الى جنائن الرحمن ويحصل على قصر في الجنة براسه , أجابه صاحبة بكل أحترام :( هل تعتقد أن من اللائق أن أصلي نهارا واشرب الخمر ليلا ؟ أليس في الامرعدم أحترام للمباديء ؟ ) .

بعد فترة قام شارب الخمور برد الزيارة لصديقه المتدين . فقابله بوجه رحب وقدم له واجب الضيافة وتبادلوا بعدها أطراف الحديث , وكما تعلمون ان فكر المتدين يدور حول تدينه . وكيف يجعل كل الناس تشبهه , وكيف يدخلهم الى الجنة ويخرجهم من النار, فوصل الحديث كما أراد المتدين الى شرب الخمور والضرر الذي تسببه , وكيف انها أم الكبائر , فقال الخمار مازحا لصديقه المتدين بعد أن لاحظ أنفعاله من تعابير وجهه وأرتفاع صوته : ( ماذا لو قلت لك أني قبل أن أقدم اليك أحتسيت الكحول هل ستطردني ؟ أم سترفع يدك بالدعاء علي أن أذهب الى جهنم ؟ هون عليك يا صديقي الهداية بيد الله وأنا أعلم مدى ضرر الكحول جسديا وعقليا ودينيا ) فاجابه المتدين رضي الله عنه وأرضاه : ( هل تعلم أنك نجس بحكم الشرع ؟) فبادر الصديق الى الخروج فورا معبرا عن أمتعاضه .

أن هذا المتدين الأخرق الذي جرح مشاعر صديقه هو داعيكم كاتب هذه السطور . حين كنت أعتقد ان كل ما اؤمن به مطلق وكل شيء غيره باطل . السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة . لماذا نسبة لا يستهان بها من الغير ملتزمين دينيا يحترمون الاخر (كما فعل صديقي حين زرته وفرش لي السجادة بيده ) ؟ ولماذا نسبة لا يستهان بها من المتدينين يلغون الاخر ولا يحترمون مشاعره ( كما فعلت أنا مع صديقي حين جرحت مشاعره ) ؟
لمست هذه المفارقة أكثر من مرة . حين أزور شخص غير ملتزم أجده أكثر قبول للاخر من الملتزم دينيا الذي قد لا يسمح لي ان أستمع الى أغنية في هاتفي النقال . واعلم جيدا طريقة تفكير هذه الشريحة من المجتمع كوني كنت منهم قبل أقل من عقد من الزمن . أنهم يفكرون بطريقة انفعالية يدعمها تصور وهمي . أنهم يتصورون أن الاخر مثلهم تماما في كل شيء ويرى الامور بعيونهم لكنه اختار الطريق الخطأ . يتصورون ان الاخر يستطيع بكل سهولة أن يكون مثلهم لانه يرى معتقداتهم جميلة لكنه كسول . لكنه فاسق . لكنه فاسد . لكنه ضعيف . يعتقدون ان شارب الخمور يرى السعادة في العبادة والالتزام لكنه أختار التعاسة في شرب الخمر . يعتقدون أنه يجب ان يكون وقع الوعض الديني على نفوس من يحدثوهم تماما كما كان عليهم حين سمعوه وتأثروا به . والواقع غير ذلك فكل أنسان له واقعه والشخصي والاجتماعي الخاص الذي يفرض عليه رؤية مختلفة للامور ومستوى تفاعل مختلف .

الحقيقة التي تقال أن نسبة كبيرة من الذين يشربون الخمور يحترمون الاديان ويقفون أمامها بخضوع وأحترام كبيرين . فلم أجد لحد الان شخص يشرب كحول ويتجرا على قراءة القران وفيه اثار الحكول . أعلم أن كلامي هذا لن يعجب المتدينين وسيقولون : ( لو كانوا يحترمون الاديان لألتزموا بها ) .
أنه خياره الشخصي أن يشرب الكحول . الامر لا يتعلق بمعرفته بالحكم الشرعي من عدمه . الأمر يتعلق بخياره الشخصي وكل الخيارات الشخصية تعتبر شخصية بحتة ما لم تمثل خطر على حياته أو حياة غيره وما لم تتداخل مع حريات الاخرين وخصوصياتهم . فليس من المعقول ان يسمح لشخص أن يشرب في الشارع العام كما فعل احد التافهين قبل فترة حين ألقى بزجاجة البيرة من السيارة ونزل ليتبول وسط الشارع . وليس من المعقول ان يسكر أحدهم ويقوم بضرب زوجته وأطفاله . وليس من المعقول أيضا ان ياتي أحدهم الى عمله مخمورا أو حاملا معه زجاجة في جيبه. وهذه الامور حلها هو قوة القانون والعيش لفترة طويلة نسبيا خلف القضبان . لأن هذا النوع من البشر لا يمكن أيقافه الا بالقوة التي يدعمها القانون . وليس من المعقول أيضا ان يسمح لشخص مصاب بتشمع الكبد ان يشرب . لكن هذه الاخيرة تعتمد على مقدار حرص الأنسان على صحته . الحرية الشخصية لها ضوابط يجب احترامها وتقديسها .

مع أني لا أشرب الكحول . ولم أفكر في حياتي أن اقترب منه ولا أجده الا شيء يفقد الانسان صحته وعقله . ويفقده أحيانا هيبته ومكانته وقد يجعله محل للسخرية . الا أن هذه قناعتي وحدي لا ألزم بها غيري . وقد يكون تصور غيري مختلف تماما . نعم يجب أن يمتنع غيري حين تكون حريته على حساب حريتي وخصوصيتي . وأتمنى ان تتاح الفرصة للجميع في أن يختار بين أن يشرب الحكول أو لا يشرب . وأتمنى أن تحرص الجهات الرسمية على توفير البارات وفق الشروط التي تراعى فيها حرية الجميع . فليس من المعقول ان يفتتح بار في منطقة سكنية وليس من المعقول ان يسمح لشاب لم يتعدى السن القانوني أن يدخل بار . لا يوجد أجمل من الحرية التي يحددها القانون ويحترمها الجميع .

ظهرت في العراق بعد 2003 جماعات مسلحة دينية تحاول قمع من يشربون الكحول . وتعرض الكثير منهم للقتل والتعذيب . لكن لا اعلم لماذا لم تظهر ميليشيا تدعو الى السكر والعربدة ؟ لماذا نسبة لا يستهان بها من الجماعات الدينية تحاول ان تلغي الاخر وتفرض وجهة نظرها بالقوة ونسبة لا يستهان بها من الجماعات الغير متدينة تقبل الاخر الى حد ما ولا تتدخل في خياراته ؟ والاكثر غرابة هو ان بعض المضطربين شخصيا من الخمارين الذين يعانون من أمراض سادية , يحاولون أشباعها من خلال الأنضمام لجماعات دينية مسلحة , لماذا لم يفكروا بتأسيس جيش مسلح يعبر عن ميولهم الحقيقة ليفرضوها بالقوة ؟ لماذا لم يعلنوا تأسيس ( ميليشيا العرك والشؤون الجاجيكية ) .

السبب يكمن في كون الاديان قيمة عليا لها أديولوجيا وهدف أستراتيجي هو المجتمع المثالي الذي ترعاه السماء . ونظرة المجتمع لها نظرة الضعيف للقوي . اما (العرك والجاجيك وكاسيت سعدي الحلي ودك الاصبعتين) فهدفها الأستراتيجي هو النشوة والراحة وقضاء وقت ممتع مع بعض الخلان أو محاولة نسيان الحبيبة. ونظرة المجتمع لها نظرة القوي للضعيف . لذلك حتى الخمار الذي لديه ميول عنف وتسلط على المجتمع يلوذ بجماعات دينية ليفرغ شحنات غضبه من المجتمع . لأنه يشعر بالخزي من حقيقة كونه خمار . ويحاول الظهور كقيمة عليا في المجتمع . فليس غريب أن تجده يشرب الكحول ليلا ويقيم الحد على غيره صباحا .

في المنطقة التي أسكن بها قام مجموعة من رجال الدين بأرسال مجموعة من الرسائل للمرجعية الدينية للتدخل لدى الحكومة لتقفل البارات . أذا كان غضبهم وغيرتهم كون هذه البارات في مناطق سكنية فاتفق معهم 100% . لكن اذا كان سبب غضبهم كونه مكان يعصى فيه الله . فهذا يدل على ضعف تأثير رجل الدين وعدم أيمانه بنفسه وعدم أيمانه بقوة تأثيره على المجتمع . هذا هو التحدي الحقيقي لرجل الدين . هل يستطيع رجل الدين اخراج الشاب من البار وأدخاله للجامع أو الحسينية بارادته ورغبته ؟ الجواب لا وألف لا . لو كان لرجل الدين قدرة وقوة تأثير على الشاب تجعله يترك الكحول ويتجه الى الصلاة لأقفلت البارات تلقائيا . لكن لان رجال الدين يشعرون بضعف تأثيرهم على المجتمع لذلك يلجاون لما هو سهل وممكن ومتاح . وهو استخدام النفوذ الديني . كم هو امر بسيط وسهل ويوفر الكثير من الوقت والجهد .

أن رجل الدين الذي يتمكن من خلال قوة الاقناع والتأثير أن يغير قناعة شاب ويجعله يترك شرب الكحول بمليء أرادته ويجعله يتحول الى حياة صحية روحية فيها مقدار عالي من التواصل مع الله هو رجل دين عبقري وصادق ومؤمن بنفسه قبل أن يؤمن بربه . لكن يبدو أن نسبة عالية من رجال الدين يؤمنون بالنفوذ الديني أكثر من ايمانهم بانفسهم . نحن في زمن الخيارات المتاحة وفي زمن التواصل المفتوح . أبرز افكارك يا رجل الدين بين باقي الافكار وحاول أن تثبت وجودك بقوة افكارك فليس من الشهامة أن تهزم الخيارات الشخصية للاخرين بقوة النفوذ .

يتحدث الكثير من رجال الدين والمؤمنين عن الامتحان الالهي . لكنه لا يصبر حين يركب سيارة أجرة ويجد أن السائق يستمع لاغنية . على أن يطلب منه ان يطفا المذياع . أين الامتحان أذا كنت لم تقاوم الأستماع الى أغنية ؟ الامتحان هو أن تجرب قوة أيمانك بمبادئك حين يصادفك ما ينافيها . الامتحان هو الرياضة الروحية التي تقاوم بها رغبتك في منع الاخرين الموجودين معك في نفس المكان مما منعت نفسك منه . الامتحان هو ان تمتنع عن فعل شيء ما بوجوده أما في حالة عدم وجوده فهذا ليس أمتحان بل هو مجرد نزهة . فلا اعتقد أن الأمتناع عن شيء غير موجود من الاساس , أمر صعب .

القوة الحقيقية هي أن يتمكن رجل الدين من كسب قلوب مرتادي البارات والضعف هو أن يستخدم النفوذ الديني لمنعهم من الدخول . القوة تكمن في الكسب الروحي وليس في المنع الجسدي .



#حسنين_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولا تحسبن الذين قتلوا
- وجهة نظر الخروف
- حاخام في بغداد
- معيار الشجاعة بين أطوار بهجت ومنتظر الزيدي
- التكبر والأستعلاء بين العقل الأيماني والتماهي مع الجلاد
- اللوطي الموجب والحصانة الاجتماعية
- الكلاسيكو السياسي
- قناة العراقية ... أنا ولي نعمتك
- برميل القدر
- الارض أسطوانية أرتفاعها ثلاثة أضعاف عرضها ... فلاسفة الأغريق ...
- جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
- صولجان الألحاد وسيف الأيمان
- الألحاد من فكرة الى عقيدة ... أسماعيل أدهم
- الإنسان وحده تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها ... عبد الل ...
- الخمار المؤمن
- لو كان النبي محمد من الصين
- تخيل دولة عربستان لتفهم دولة كردستان
- حقيقة الله


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسنين السراج - زجاجة الويسكي والأمتحان الالهي