أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صلاح نيوف - العلمانية جوهر الديمقراطية















المزيد.....

العلمانية جوهر الديمقراطية


صلاح نيوف

الحوار المتمدن-العدد: 1001 - 2004 / 10 / 29 - 11:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقال مترجم عن مجلة " الفيغارو الفرنسية "
الكاتب : روبيرت مزراحي[1]
ترجمة : صلاح نيوف
 المقال صدر يوم السبت 23 تشرين الاول   2004عن  مجلة :
Le Figaro       
من أجل تعريف دقيق للعلمانية، يجب علينا في البداية تجنب تفسيرا خاطئا أو معكوسا لها :
العلمانية ليست ذما أو شجبا أو إدانة أو منعا للأديان ، كما أنها ليست الإلحاد أو الكفر. إنها مع كثير من الجدية والدقة والصرامة ، المبدأ والذي من خلاله أو وفقه ، المؤمنون أو " المعتقدون " المتدينون يجب ألا يتدخلوا في الحياة العامة أو المؤسساتية. فلا السلطة السياسية أو تقنين وتنظيم الحياة والخدمات العامة عليها بالعودة أو الاستناد إلى الدين ، كما يجب عدم إعطاءه أي مكان ضمن هذه الشؤون .
 
الدين مع ذلك لا يبعد " بضم الباء" و لا يعزل عن الحياة الاجتماعية ،إنه يبعد عن عملية التشريع التي تعرف المواطنة والمواطنين وتجمعهم . فالدين ليس عامل ربط دائما وكما نعتقد في الكثير من الأحيان، إن كل دين في الحقيقة يستبعد الأديان الأخرى. لكن إذا الحياة الدينية بقيت شأنا غير سياسي ، و إذا الدين يشجع ويقوي الجماعات المشتركة ويزيد من التشارك بينها من غير سلطة سياسية أو استخدام وسيلة للقهر أو الإكراه ، عندها يمارس بكل حرية وخاصة في قلب الديمقراطيات كما هو الحال في فرنسا .                                 
 
إن تاريخ ميلاد العلمانية هو صراع ضد الادعاءات السياسية للسلطة الدينية ، وكل هذا التاريخ هو الضمان لتعريف العلمانية ومصدر تحققها وتطبيقها. فنحن نحتفظ بشكل خاص بتاريخ [1905 ] الذي يشير إلى الفصل ما بين الدولة والكنيسة ، هذا يعني من جهة : أن الدين نظام من العقائد والشعائر، ومن أخرى : أن الدولة موجودة كمجتمع من القانون والحق موحد من خلال تشريعات عقلانية و إنسانية. وهذا يعني أن الصراع من أجل العلمانية هو في نفس الوقت صراع من أجل تشييد و إقامة ديمقراطية أكثر قوة وتطلبا و أكثر أصالة وصدقية وثقة. بعد هذا التعريف للعلمانية ، نجرب الآن الحديث عن معناها :                                        
 
للعلمانية فعل وعمل تحرري . إنها تشيد وتقيم استقلال السلطة السياسية في مواجهة القوى والمؤسسات الدينية المحلية والدولية. فهي تنقذ الحوار والنقاش السياسي والحياة العامة من نفوذ و تأثير جماعات الضغط والمنظمات الدينية ، هذا يعني الإنقاذ من سلطة " المعتقدات " غير العقلانية المنقولة و المحمولة من خلال الاكليروس أو رجال الدين [ المسلمين ، اليهود، المسيحيين ، البوذيين ، الهندوس].                                
 
بالعلمانية، دولة تقرر العيش وفق العقل والحق ، بمعنى آخر من خلال مبادئ عامة معتمدة ومستندة دائما على السيادة التمثيلية والمتغيرة دائما " والممكن تغييرها " ، والخاضعة للنقد وللرقابة. من خلال هذا نضع حدا لحكم العقائد الدينية الخاصة و التي لا تخضع للتحقق منها ، والتي هي في حالة صراع دائم .                       كذلك العلمانية تساهم في تعليم الأفراد لاعدادهم أو لتحضيرهم كي يكونوا مواطنين.هؤلاء الأفراد هم في حالة إعداد " كلي " ويتمتعون بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ، مهما كانت معتقداتهم الخاصة والتي يجب ألا تخضع للمراقبة والتدخل ولا تفرض من قبل السلطة الديمقراطية . إذا بعد اختفاء أديان الدولة يمكن أن يظهر لدينا " المواطن " الذي تحدثنا عنه .إنه يتعلم على تطوير وتنمية عقله النقدي والدفاع عن حريته وحقه في التعبير. في الواقع العلمانية يمكن أن تكون خصبة وولودة في اتجاهين :                               حيث تسمح بظهور مواطن القانون " يهودي ، مسلم ، مسيحي ، بوذي " كما أنها تشارك في الصراع  ضد تبعية أو عبودية أو إكراه الوعي وضد حالة الاغتراب عند الأفراد . وتعمل على التحرر السياسي والتحرر الشخصي والداخلي.                                                                                                             
 للعلمانية أيضا معنى آخر: فهي مذهب ومدرسة للتسامح. تقيم وتشيد الاعتراف المتبادل لقيم الاعتقاد والإيمان عند الآخرين .إن المعتقدات المختلفة هي ليست نهائيا أدوات للسلطة أو للتبشير أو للدعاية ، بل تستطيع أن تكون محترمة بشكل متبادل من قبل الجميع.العلمانية تستطيع أن تكون عصرا من العدالة والسعادة الكاملة ، وتجسيدا للإنسان الكامل أو تشييدا للوحدة ، وحدة كل البشر .                                                  غير المكرهين والمجبرين بالعقائد القهرية والسياسية ، هؤلاء بالإمكان أن يكونوا فرصة للتفكير والتبادل الخصب بين الأفراد المختلفين والجماعات المختلفة. في حضرة العلمانية نحن نكون في حضرة التسامح الفعال والمنفتح والذي لا يعتبر تسامحا متعجرفا أو تنازلا ، ولكن احتراما وفائدة ومصلحة للآخر، احترام وفائدة مبنية على التبادل المطلق . وهذا يعني الرفض المشترك للتشريع السياسي الذي يستند فوق هذا أو ذاك المعتقد الديني الخاص. النزوع للعلمانية إذا هو شيء في غاية الأهمية . إنه تثبيت وتأكيد للقواعد المشتركة " غير الدينية " للحوار ، للحياة ، و للإبداع والخلق السياسي.يفتح مجال الحديث والحوار ويستبعد حكم العنف وسيطرته .هذا الحوار السياسي الناتج عن العلمانية لا يصبح فقط على المستوى الوطني بل على المستوى العالمي أيضا. ففي الحياة السياسية إنه يكفي أن تبعد المعتقدات الميتافيزيقية ، هذا إذا كنا نتمنى حقيقة إقامة سلام بين الناس وبين الشعوب.                                                                                          
 
ولكن ما هي قاعدة و أساس هذه العلمانية داخل العقل الإنساني ؟ أو بشكل آخر، ماهو المصدر الحياتي لها ؟ و ما هو بالتالي مبررها في الوجود و أن تكون شرعية أو مصدرا للشرعية ؟                                               إن أساس العلمانية هو في نفس الوقت الجزء الاجتماعي والعقلاني من الطبيعة  الإنسانية . حيث الأفراد هم الذين أوجدوا المجتمعات لان لديهم فيما بينهم علاقات متبادلة ، ولان لديهم رغبة بالاعتراف بالآخر وصداقته ومحبته.هذه العلاقات لم تكن بشكل فوري وقوي علاقات سلمية .في الواقع الفرد يرغب في ذلك ، يرغب بالسعادة ولكنه عادة ما يترك رغبته تفسد " بفتح السين " في الشهوات وبالعنف ، وتصبح مصدرا أبديا للصراع .هنا يتدخل العقل ، هذا البعد الآخر للكائن الإنساني. حيث كل إنسان لديه بالطبيعة إمكانيات عقلية ، فهذا الجزء العقلي للإنسان هو الذي يسمح له بإيجاد أمكنة لعلاقاته السياسية مع الآخر " أيضا علاقاته الشخصية، وتحت علامة العقل والتفكير ، وليس علامة اللاعقلي أو الانفعالي الشهواني.                          
 
 أيضا العلمانية تشكل العقد الاجتماعي . حيث كل فرد يلتزم بشكل متبادل باحترام نفس القوانين والحقوق، و ذلك من اجل تكوين مجتمع موحد وسلمي . فالديمقراطية العلمانية هي الشكل الأكثر سموا للديمقراطية ، لان المعتقدات تكون مصانة ومحترمة ، ولكن لن يكون لديها أي سلطة لسن القوانين وتشريعها، كما لن يكون لديها سلطة الإجبار والإكراه . إذا المعتقدات والرموز لا تتدخل في العلاقات الدولية ، والسلام المؤسس على العقل وعلى المصالح المشتركة يستطيع أن يتحكم بهذا الانسجام أو التآلف والاتساق الدولي.                                
 هذا التفكير الحيوي والفعال يستطيع بناء وتشييد السلام بين الأمم كما يشيد السلام المدني في داخل المجتمعات أيضا. ولكن إننا نقتصر غالبا في تعريف العلمانية على محاولة رفضها وإنكارها . نحن نعتقد على العكس من ذلك ، يجب الإشارة إلى جميع أبعادها الإيجابية وطاقاتها الكامنة . لدينا إذا ما نقوله في ذلك : ماذا يمكن أن يكون المحتوى " الحياتي" واليومي للعلمانية ، ثم محتواها المادي والأخلاقي. العلمانية تشير إلى أهمية التماثل وتدعونا ليكون لدينا وسيلتنا لبناء حياتنا. ففي داخل هذا العالم وداخل هذا التاريخ ، الإنسان يجب أن ينشر ويظهر كفاءته ومهارته ، ويبتهج للعيش ، من هنا العلمانية تؤكد رفعة الحياة الواقعية الموجودة، ونفعيتها وشعريتها. هذا الكلام هنا يعني الحياة ما بين الميلاد والموت ، من غير العودة أو الاستناد أو الرجوع إلى أية [ متعال يقع ما وراء الوجود ] الله أو أية سلطة دينية .إذا الإنسان يكرس لبناء واختراع واكتشاف سعادته ، واجبه الوحيد أن يكون سعيدا بنفسه ومع نفسه ومع الآخرين . والعلمانية تدعو الفرد و المجتمع للعمل بفعالية ونشاط وبشكل إيجابي ، ولتنمية وزيادة السعادة والفرح. والسعادة بدورها هي بدقة : البناء الثابت لحياة الفرد ، والانتشار والظهور لرغباته المسيطر عليها والمراقبة منه . من هنا العلمانية هي  كالنور الذي ينير فوق الإنسانية ويبين حقيقتها ، والسعادة من جهة أخرى ، هي البحث عن الفرح بالحياة ، الفرح بالعمل وبالخلق و الإبداع . والعلمانية هنا وحدها التي تفتح الطريق لذلك.                                                           
 كان من الواجب تعريف السعادة هنا بشكل أوسع لكن المكان لا يتسع لذلك . ويبقى لنقول أنها إتمام أو كمال النفس ورغباتها بواسطة أشكال وتكوينات مختلفة للفرح والسعادة الفعالين ، وبواسطة الأفعال المحققة داخل هذا الفرح ذاته. أي إيجاد وتأسيس وبناء استقلالية الذات ، والإقرار بالآخر داخل قيمها ،  و إقرار الآخر بها ، والابتهاج بالحياة وبجمال العالم ، الطبيعي و الإنساني . كل هذه الأعمال والأحكام والفعاليات عندما تكون مضيئة ومنارة بواسطة التفكير ، ومبررة بالمأثرة والسماحة ، قوية وحيوية بالرغبة والأمنية الكبيرة ، كل هذه الأعمال والأحكام تقود إلى قوة الحياة والتي نستطيع تسميتها ، الابتهاج بالوجود .                
                                                                                                                       
                                                                                                                    

[1] [ فيلسوف فرنسي وبرفسور في جامعة السوربون ، متخصص ومترجم " سبينوزا "، له عدة مؤلفات من بينها : " يهودي علماني في فرنسا " .حصل على جائزة " الإنسانية " يوم الأحد 17/10/2004 ] .



#صلاح_نيوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأول مرة في تاريخ سورية ، وزير الدفاع يخضع للتحقيق في مجلس ا ...
- ماذا يعني أن تؤدي الخدمة العسكرية في الجيش السوري ؟؟
- فيروس - السارز- الإسلامي يلاحق البشر في كل مكان
- رسالة بالبريد العاجل إلى الأستاذ محمد غانم
- مساهمة في قراءة العلاقة بين العلويين والسياسة في سورية
- المعارضة السورية بين التخوين والتشكيك
- رد على مقال رجاء الناصر- معارضة للمعارضة وللوطن -معارضة سوري ...
- المشاركة السياسية بين الديمقراطية والمواطنة والحوار - بمناسب ...


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صلاح نيوف - العلمانية جوهر الديمقراطية