أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - غريزة الكتابة















المزيد.....

غريزة الكتابة


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 17:32
المحور: الادب والفن
    


يدرك الكاتب أحيانا بناء على تجاربه الشخصية وتجارب الآخرين التي عايشها بشكل واقعي ومن خلال قراءته للرسائل والسير الذاتية لغيره من الكتّاب أن الكتابة هي الفردوس الذي يحصل عليه الكاتب نتيجة مروره إلى متاهة الوجود عبر متاهته الشخصية .. التحرر بواسطة معرفة العالم أو بشكل أكثر تحديدا اختبار خرافاته الممكنة واللعب معها باستعمال التأمل .. حيازة الخلاص الذي قامت عليه عبارة ( شوبنهاور ) : ( هذه الحياة محزنة جدا ، ولهذا قررت أن أقضيها بالتأمل فيها ) .. الفرح الاستثنائي الكامن في تجاوز فرديتك إلى الاشتباك مع أشباح الكون نفسه التي تتولى حراسة الغموض الأزلي لما وراء الحياة والموت .. هذا الفردوس لا أتصوره يرافق الكاتب في حياته العادية باعتباره سعادة مدخرة يسهل حملها في أي وقت وفي أي مكان ويسهل التذكير بها فورا وقت الألم .. ليست يقينا ذهنيا وشعوريا حاضرا دائما بحيث يتدخل بوعوده لإنقاذك من التعاسة أو على الأقل تخفيفها بمجرد أن تبدأ .. الكاتب في ظني يعيش حياته العادية كأن هذا الفردوس لا وجود له من الأساس .. يخوض تجاربه الشخصية المرعبة وتمزقه جروحها ومرارة هزائمها وإخفاقاتها كأن الكتابة لا تنتظره .. كأنه لم ولن يتحرر أو يفرح بالخلاص أبدا .. رغم أنك تعلم تماما أن بصيرة خفية تشتغل تلقائيا بداخلك طوال الوقت دون أن تفكر أو تشعر بها في النطاق المباشر للحواس والوعي وتعمل على إعداد لحظة كتابة أو لحظة خلاص قادمة .. مثلا بينما تكون جالسا مع صديق ما فإنك تنسى وتهمل كل شيء عدا أنك الآن فاشل جدا ولا يوجد شيء في العالم يعوّض هذا الفشل .. لن تقول في نفسك : ( غير مهم ما أعانيه الآن .. لدي الكتابة التي أحقق بها انتصاري ) .. ستتألم فقط كشخص عادي فاقد لأي حماية .. تائه تقليدي محروم ـ مثلا ـ من تقدير الذات ومن القدرة على الانفلات من مهمتك في الحياة كلوحة تصويب ممزقة باستخفاف واستهزاء الآخرين .

* * *

بقدر ما تستطيع حاول ألا تسترجع الماضي كثيرا .. الذكريات تفقد جمالها كلما زادت لحظات استعادتها ؛ أي كلما طالت إقامتها داخل الوحشة الباطنية للسجن المسمى بالراهن لأن ذلك يحوّلها تدريجيا ودون أن تأخذ بالك إلى جزء منه .. بصرف النظر عن كون الأمر يحدث ضد رغبتك العميقة الملحّة والمستمرة التي هي في حقيقتها توسل صامت ولكن حدوثه هذا طبيعي جدا ومنطقي : الراهن هو الذي يجعل الذكريات جزء منه وليس العكس لكونه ببساطة واقعاً أما الذكريات فهي محض استعادة .
عموما أيضا :بقدر ما تستطيع حاول أن تسترجع الماضي كثيرا وإذا شعرت بأن الذكريات تفقد حقا جمالها بسبب الاستعادة الزائدة فعليك أن تعتصر عقلك وروحك بأقصى قوة ممكنة لتنتزع من داخلك ذكريات جديدة لم تُسترجع من قبل .. هكذا طوال الوقت ودون أن تتوقف أبدا مهما بلغت شراسة اليقين الذي يسكنك بأن الأمر لن يمكنه أن يتغير مهما فعلت .. هذا أكثر الأشكال مثالية للعلاقة الوطيدة بين الطفل الذي كبر وأوقاته الراهنة .. بين السجين وسجنه .

* * *

العلاقة الشخصية ضد النص .. هذا ما جربته بنفسي وما أصبحت منذ وقت طويل أؤمن به بدرجة كبيرة .. عدم معرفة القاريء بالكاتب كإنسان تحمي النص من كافة الصراعات العادية الممكنة التي يمكن أن تتوفر لدى فردين لديهما تاريخ حياتي مشترك .. المعرفة الشخصية تفقد النص المفاجأة التي يريدها أن تقودك لأرواحه المتعددة ليس بسبب افتقاده لمقتضيات الدهشة وإنما لأن الطرف الآخر ( القاريء ) لا يعتبرك غريبا وبالتالي يتصور أن أفكاره الناتجة عن تجاربه معك هي يقينيات لابد أن تمر إليه من خلالها أي حالة تصدر عنك بما فيها الكتابة طبعا .. حتى لو كانت هذه الأفكار إيجابية تظل خاضعة لمعايير لا يجب ـ في تصوري ـ أن تخضع الكتابة لها .. يبقى النص محتفظا بوحشيته طالما ظل ممتلكا للسلطة السحرية لغموض كاتبه وعماء قارئه عنه بصرف النظر عن المصير الذي ستنتهي إليه العلاقة بين النص وبين القاريء بعد القراءة .. الكاتب نفسه لا يعتبر القاريء داخل ورطة العلاقة الشخصية قارئا حقيقيا .. يعتبره بسبب الخبرة التي تجمعهما متلقيا مستهلكا لا يتوقع جديد منه يكشف عن عمق محتمل داخل النص بنفس الحدة التي قد يؤدي بها وعي قاريء غريب ذلك .. يريد الكاتب ـ كتعبير وارد عن فهمه أو تعريفه للكتابة ـ أن يشعر ويرى أثر أظافره على جلد العالم الذي لم يسبق له ملامسته من قبل والقاريء حين يكون صديقا / عدوا يصبح جزءا من جلد الكاتب نفسه وليس جلد العالم .. الكتابة تعيش وتزدهر وتحقق خلودها حينما لا ينتمي أحد للآخر .. حينما نتحول إلى مخلوقات فضائية تسكن كواكب متباعدة وتتواصل فقط عن طريق تبادل الرسائل التي تحوي أفكارها عن الوجود مع احتفاظ كل واحد منا بإدراكه عن الآخر بأنه شخص مثله يعيش نفس الحياة وسيموت نفس الموت .

* * *

يؤكد ( إمبرتو إيكو ) على أننا نكتب لقاريء وأننا بالكتابة نريد أن نقول شيئا ما لشخص ما وهذا ما يدفعني للتفكير دائما في أن الكتابة ليست ـ ولا يجب أن تكون ـ فعلا مسالما أبدا بل تمثل طريقة مضمونة لاكتساب أعداء جدد بقدر الآخرين المحتملين الذين سيعتبرون النص صديقا يمكن قبوله في حياتهم بشكل ما ، على الكاتب أن يعتبر العداوة مكسبا يتساوى أو قد يفوق أحيانا الصداقة مع الأخذ في الاعتبار أن القاريء النموذجي بالنسبة له هو من يمكنه تجاوز النوايا الصريحة للكتابة وألا يتصور مثلا أن الكاتب يسعى لتصفية حسابات مع أحد .

* * *

كل ما حدث ـ أيا يكن ـ يندرج في نطاق الطبيعة العادية للعالم .. الحياة المألوفة المستمرة منذ الإنسان الأول وحتى الإنسان الأخير .. بالنسبة لي ليست هناك معجزات أو أحداث خارقة .. لازال كل شيء كما هو يتواصل ويستمر دون أي عائق أو خلل .. السماء .. الأرض .. الزمن .. الكائنات .. كل شيء لا يزال ينفذ مهمته بنفس المنطق وبنفس الثبات الذي لا يمكن أن يصيبه أدنى تغير وللدرجة التي تبدو معها الجدوى أو الهدف الذي تقوم على أساسه هذه المهمة لا يتجاوز استمرار الحدوث بهذا الشكل إلى ما لا نهاية مهما تعاقبت السنوات ومهما اختلف البشر والأماكن والأحداث .. ليس هناك ما غي‍ّر العالم فعلا أو بدل طبيعته .. لم يحدث ما غير الحياة والموت والزمن وعلى هذا يظل كل ما يمكن أن نعتبره أو نظنه إعجازا أو تغييرا أو تبدلا يظل دائما سجين الحدود الأزلية الغامضة للكون .. سجين الصمت اللازم لأن تبقى الحقيقة ـ أي حقيقة ـ التي يحتاجها العالم كي يتغير فعلا متوارية بإحكام داخل الغيب حيث لا يمكن أن تتحول الحقائق إلى معجزات أبدا .



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة والخيال المابعد حداثي
- أسئلة السُلطة
- المزاولة
- سلطة الصحفي الأدبي من الورق إلى الانترنت
- ” لون الماء ” : ضرورة تشريح الماضي
- الرواية تفكك العالم
- معارض متنقلة
- ترتيبات الوداع
- لست نيكول كيدمان ولكنه أجمل من توم كروز
- جماليات الفضيحة
- بالمليمتر يا حبيبي بالمليمتر
- أسئلة القهر عند ( الغريب ) رامي يحيى
- أن ترى الفراغ
- القسوة
- أورهان باموق في ألوانه الأخرى
- مكان الروح
- أورهان والي : لا مكان للغة بيننا
- أنا لا أتهكم
- لا يزال حيا
- فيران الانفتاح تسطو على وطن ما بعد العبور


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - غريزة الكتابة