أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دنيا الأمل إسماعيل - تلّمس أصابع القصيدة














المزيد.....

تلّمس أصابع القصيدة


دنيا الأمل إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1001 - 2004 / 10 / 29 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


ليس أصعب على الكاتبة من أن تصف ذاتها، لأنّ هذا الوصف يفترض بداهةً أن تكون خارجة عن الذات، لترى الداخل بعمق أكثر. لكن الصعوبة تكمن في أنّ الذات لا يمكن لها أن تكون غير ذاتها. في هذا العالم الجوّاني، الصعب المراس والوصف والإحاطة. تعلمت كينونتي كيف تصوغ وحدتها في عالم يحتفي بالضجيج، ومنذ ذلك الوقت وهي تصادق الورقة والقلم، كانت صداقة مبكرّة ومبهمة أيضاً، فيها من غيم البدايات الكثير، هذا الغيم الذي سيتشكل بعد ذلك قلقاً دائماً، وحيرة لا حدّ لها، تتجسد عبر دهشة يومية، تنسج نفسها نصوصاً مجروحة، موبوءة بلعنات هذا العالم، المهتم جداً بإيلامنا.
في هذه الصورة الملآى بما هو ليس فرحاً، صار الليل صديقاً آخر، ملازماً لرغبات الذات في كتابة سرّية وصامتة، لا تشي بالأسرار ريثما تتحقق نبوءة الطموحات بكتابة تملأ الفضاء، فضاء الذات قبل فضاء العالم، تتنامى من جرح سرّي، ومن رغبة جامحة لامتلاك العالم وإخضاعه لرؤية نص يتشكل من دمه حقاً.
لذا كان علّي دائماً، رغم استدراج الإنشغالات اليومية لي إلى غير عالم الشعر، أن أنحت صورتي على كتابة تدّل عليّ. كان علّي أن أتلمس أصابع القصيدة في فرارها الدائم، واحتراقها الدائم أيضاً، لاريب أنّ الصعوبات كانت كبيرة، ولم تزل- ومن حقها أن تكون كذلك- رغم ادعاءات عدّة بالتحوّل والنمو، لكن ثمة عفن في الزوايا، يمارس سطوته على الجميل في حياتنا، ضد ما هو إنسانيّ فينا ورهيف.
الكتابة فعل خلق، لا يمكن وصفها بأقل من ذلك، وعليها أن تشكل فعل خلق لي أولاً أنا صاحبة النص الأولى(لأنه سيكون هناك أصحاباً تالين) قبل أن تكون ذلك للآخرين، وإذا لم تستطع الكتابة أن تخلق الكائنات الصغيرة المهمشة في دواخلنا ، وتجلو عنها صدأ العتمة، وحرقة الحرمان، يمكننا أن نختار أية صفة نشاء على ما خطته أقلامنا وليس أيدينا(لأنّ الأيدي أداة القلب الذي ينهمر)، غير الكتابة باعتبارها فعلاً أكبر من صف الحروف.
الكتابة مدارات أيضاً، مرة حول الذات، ومرة حول العالم، وثالثة حول نفسها، وهي في كل ذلك تحتاج أن تتلخص من أرتال الخطايا القديمة، وتبدع خطاياها هي في نصوص مفارقة لما هو متوقع منها، لما هو مرهون بجنسويتها، وتتحول إلى شعور دائم بالذنب، مطالب دائماً بالتعبير عن نفسه في أشكال من التطهر غير المرئي مما علق به من آثام النفس والبشر.
الحرمان إثم والإفاضة إثم، والسلطة إثم والرؤى الجامحة إثم وأن تكونين نفسك إثم، والقفز على ما هو سائد ونمطي إثم ، واحتراف الكتابة إثم، وأنا نفسي إثم. ثمة أحد ما لابد له أن يغفر آثامي هذه كلها، دون مراجعة، دون احتقار، ودون تأنيب أيضاً… إنها القصيدة لا أحد غيرها يمكن أن يفعل ذلك دون أن يمنّ علّي.
الكتابة المؤنثة، هل تصبح حكراً على من لا ينتمي إلى جنسها، مثلما انتهى التاريخ الأدبي إلى أن يكون ذكورياً، هل يمكن التعامل مع الإبداع من هذه الزاوية؟ لا يهمني الأمر كثيراً، بقدر ما يعنيني أنّ أجترح نصي الخاص، المخلوق من آلامي وتجاربي المريرة، وعلاقتي المرنة لما هو حولي، حيث يتفوق المتحوّل على الثابت، والمتعدد على الواحد، والأفقي على الرأسي. التفاصيل الصغيرة، واللمسات الإنسانية، مهمة جداً بالنسبة للنص الذي يتشكل بين يدّي، حتى لو اقتصرت النصوص على ما يمكن أن يحصر –ظلماً- في نطاق الذاتية المغرقة(لأنه لا وجود لذات منفصلة عن العالم)، مع إيلاء أهمية قصوى للغة(المؤنثة أيضاً)، النابعة من قيمة التأمل القليل في حياتي، والذي يعاني من محاربة يومية من قبل فوائض الحياة، ومن ثم تبلغ الضرورة منتهاها إلى إعادة تفعيل هذه القيمة النادرة والثمينة في حياتي.
هل يمكن للكتابة أن تكتفي بذاتها؟ وإن فعلت هل يمكن منحها صفة الحيوية والديمومة؟ شائك جداً هذا الأمر،خاصة في ظل طغيان وسائل الإعلام، عدو فعل الكتابة الإنساني. من الصعب جداً أن أكتب لنفسي فقط، وليس من المطلوب أن أفعل ذلك،لسبب بسيط ، ومرهق أيضاً، وهو أنني لا أستطيع أن أكتفي بنفسي. إذن ما الذي يمكن عمله؟ كيف يمكن صياغة نص يحافظ لي على تلك المسافة المنتجة مع مبدع نصي الآخر. تطرح اللغة بدائلها الجميلة، كما يطرح الإنصات الجيد للذات، والتقاط الإبداعي من زواياها المهمشة والمعتمة والمجهولة، آفاقاً لعلاقة تتجاوز الآنية، وتنمو في الحفر الصغيرة التي تصنعها التجارب في عمرنا القصير.
هل يعني أنني أنثي أن أكتب نصاً يتجاوز هذه الحقيقة لأثبت جدارتي الأدبية؟ وفي الجانب الآخر هل تكفي الأنوثة لصناعة نص مفارق؟ ربما تبدو الإجابة جارحة للأنوثة وللنص، لكن لا مفر أيضاً من الوقوع أحياناً في هذا الشباك الجميل.
أخيراً، هل يمكن لي أن أعرف ما الذي سأكتبه في اللحظة التالية، … ربما لو كنت أعرف كم جرحاً سأمتلك، لأدركت نصي القادم.



#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارج البيت/خارج العالم
- الحاجة أم عصام: لا نبكي المنازل، ولكن نبكي العمر الذي قضيناه ...
- اغتيال بيت... اغتيال أسرة
- السكن الجماعي وأوضاع النساء في قطاع غزة
- صمت المقهورات / صوت
- التغطية الإعلامية لدور المرأة في الانتفاضة
- الأسيرات الفلسطينيات
- الإصلاح... الإصلاح... فليحيا الإصلاح
- الشباب الفلسطيني والقيم والثقافة
- فتحية التي هدموا منزلها للمرة الثالثة:
- سعاد وجيش الاحتلال
- هامشية المرأة/هامشية الصحافة
- المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الشكل والمضمون
- أثر العنف ضد المرأة على الحق في الصحة الإنجابية
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دنيا الأمل إسماعيل - تلّمس أصابع القصيدة