أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح جمعة كنجي - بين ولادة (جمعة) وَوأدِهِ ثمانية عشر شهرًا فقط!!!!















المزيد.....

بين ولادة (جمعة) وَوأدِهِ ثمانية عشر شهرًا فقط!!!!


كفاح جمعة كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 22:17
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في شتاء عام 1986 ولد طفل وسيم بعينتان خضراوتان وشعر اصفر في قرية قابعة منذ عهود في سفح جبل كارة الشهير، لم يكن في القرية مستوصف أو كهرباء ولا مدرسة، ولا حتى طريق مٌعبد يٌوصل القرية بباقي المناطق التي تحيط بها، والتي َغضب عليها صدام حاكم بغداد بذريعة أن ساكنيها هم من المعادين له ولسلطته، وبحكم الحاجة ولتجاوز الاحتياجات والمستلزمات الطبية غير المتوفرة، بادرت النساء من ذوات الخبرة البسيطة بمساعدة الأم على الولادة وقد نجحن بامتياز في المهمة وولد جمعة الابن الأصغر ل(حسين حجي كنجي- أبو عمشة) في ذلك الشتاء القارص. صادفت ولادته مع وفاة عمه الأكبر (جمعة) بالجلطة القلبية نهاية الشهر العاشر - تشرين الأول 1986،وما مضى على استدعائه لمديرية أمن نينوى سوى سبعة أيام فقط، أحاطت بموته الشكوك واحتمال تعرضه لتناول مادة حقنت بسم قاتل، هكذا فكر الكثيرون ممن عرفوه وخبروا أساليب الأمن في ذلك العهد، توفي وهو في العقد الخامس من العمر وكان في أوج عطائه الفكري والإبداعي، لذا أطلق على المولود الجميل الجديد (جمعة) تيمناَ بعمه الكبير.. ولا بد أن أؤكد وجود شبه كبير بحكم الوراثة والتقارب الجيني بين المولود الجديد وعمه الراحل. في الشهر الثالث من عمر جمعة، مع مطلع كانون الثاني من عام 1987، اشتدّ البرد في ذلك الشتاء القاسي، وبدلاً من رنات أجراس اعياد الميلاد وهدايا بابا نوئيل وأغاني وأمنيات الناس بقدوم عام جديد تستبشر فيه البشرية الخير والأمان وجد جمعة نفسه محمولاً على أكتاف أمه تارةً وأبيه في مرة أخرى، لإنقاذه من "هدايا" أولئك الغربان الذين لم يتعودوا سوى إجهاض المناسبات الوديعة وتعكير صفو الأيام الجميلة وتكدير مزاج الناس وإذلالهم ، وجد الرضيع جمعة نفسه يستيقظ عنوة من نومه الجميل على أصوات الطائرات الحربية والمدافع وفرقعة السلاح وهو يئن بشدة من البرد الشديدفي الطريق بين (صوصيا) القرية التي ولد فيها و(كافيا)القرية التي يتجه إليها أبويه مع المئات من الأبرياء مشياً على الأقدام للبحث عن مأوى آمن، حتى تنجلي هجمات غربان وذئاب و جحوش حاكم بغداد.مرت شهور ذلك الشتاء ثقيلة ساخنة لكنها حملت هموماً و آلاماً عريضة وكبيرة لا يتحملها سوى من يملك صبراً من ذلك الصنف الذي ينسب للنبي أيوب. عادت الناس إلى منازلها من جديد بعد انسحاب الغربان وعودتهم إلى جحورهم . وعاد (جمعة) برفقة أبويه وأشقائه الأربعة إلى صوصيا المكان الذي ولد فيه من جديد. حلّ الربيع.. وما أجمل الربيع في صوصيا.. ما أجمل ربيع كردستان وهي تفوح بالعطور.. امتلأت الأجواء بعبق الأزهار والورود ورائحة العشب الطري، حلقت الطيور وزقزقت العصافير، تدفقت المياه من ينابيع القرية رقراقة صافية لتغسل ما علق بالسواقي من أعشاب يابسة وأوراق أشجار الخريف المنصرم .
رأت أم جمعه الفرصة سانحة لتمدد جمعة بملابسه الخفيفة وتعرضه لأشعة الشمس الصافية على بساط بسيط ممداً على ظهره بعد أن أرضعته كعادتها كل يوم. عيناه ترنو نحو السماء، و تداعب احيانا كثيرة. نسمات الربيع خصلات شعره الذهبية فيرد عليها بحركات انفعالية من يديه ورجليه معاً كأنه يريد أن يَرد النسمات على إعقابها أو يطلب المزيد منها ليحلق معها في أجواء الفضاء اللامتناهي، وبين نسمة وأخرى يشهق من انفه وفمه، و يبدو كأنه يسبح في الهواء.
بدد هدوء وصفو ذلك الربيع من جديد هدير الطائرات وقذائف المدافع بعد أن فشل الهجوم البري في تلك الأيام، وفي وقت لاحق سٌمع في القرية هدير الطائرات من بعيد وأسرع الشقيق الأكبر لجمعة لالتقاطه من على البساط والتوجه به نحو الملجأ مع باقي أفراد العائلة المعد لتوقي الخطر القادم من السماء ،وما هي إلا دقائق قليلة حتى أنزلت طائرات الهوكر هنتر المخصصة لتدريب الطيارين قذائفها على القرية.. لم تكن المرة الوحيدة التي تقصف بها هذه القرية الوديعة بالصواريخ، وتحولت مع الزمن هذه الغارات إلى ممارسة يومية.. بعد أن قررحاكم بغداد تحويل المنطقة إلى ساحة لتدريب الطيارين.. وجعل الساكنين فيها والمتواجدين معهم أهدافاً حية يسمح للطيارين المتدربين بإطلاق الصواريخ نحوها .. هكذا باتوا يتلذذون بقتل الأطفال والأبرياء دون أي تردد تواصلت الهجمات وتكررت لتصبح حالة يومية تقريباً.. مما دفع بسكانها والمتواجدون معهم إلى مغادرتها.و بصحبة عائلته انتقل جمعة إلى مسكن جديد تحت ظلال الأشجار في الوادي الأقرب لسفح جبل كارة الوعر، بدا أكثر أمناً على أمل العودة للمنزل بعد إنجلاء الوضع وتحقق الأمان في القرية. مرت الشهور، استمر الحال على وضعه، ازدادت شراهة الطيارين في استهداف صوصيا. وغدت العودة إليها مستحيلة، لذا قررت عائلة جمعة تشييد منزلها في الوادي وان كان الوقت متأخراً لكن لا حل يبدو في الأفق غير ذلك، شيد المنزل في شهر كانون الأول، أسدل الشتاء حمله في ذلك المكان. مع اكتمال البيت المؤلف من غرفتين بلغ جمعة عامه الأول.. وبدا يخطو أولى خطواته ويتنقل على قدميه بسهولة.. وفي كل يوم كان يملأ أماسي الشتاء الطويلة بالمرح والسعادة ويتنقل من كتف لكتف ومن ذراع لذراع ومن حضن أبيه في النهاية إلى حضن أمه الذي يكون ختام الأمسية ويبدأ بفرك كلتا عينيه بظهر كفيه معلنا رغبته بالنوم فتحتضنه أمه بين ذراعيها بطمأنينة وترويه بالمزيد من الحليب إلى أن يغفو. حل الربيع من جديد.. أخذ جمعة يلعب ويمرح مع أشقائه والجيران وأطفالهم تعلق كثيراً بالجار الأقرب (مام عبدال).. غدوا كصديقين بالرغم من فارق السن بينهما والذي يناهز الستين عاما..ما أجمل منظر الشيخ مام عبدال وجمعة حين يجلسان إلى جانب الموقد الذي يشع جمره ألوانا جميلة ويقضيان أول المساء أمام الموقد.
مع اشتداد الحر شيئا فشيئا كان أشقائه يضعونه في سطل بلاستيكي بعد ملئه بالماء كمسبح يتمتع به جمعة كثيراً وغدا يقضي ساعات بين ذلك الماء رغم برودته. بدأ الهدوء يسود في الأجواء.. انقضى الربيع.. بدأت ملامح التغيرات واضحة.. حل الصيف سريعاً، زادت من سخونته أحداثه توقفت الحرب مع إيران ولم يجد حاكم بغداد غير الجبال في كوردستان ليرسل إليها قطعانه المدججة بالأسلحة متوعداً الجميع بالموت.. وبعمل عسكري واسع النطاق استمد اسما له من إحدى آيات القران (الأنفال) تبيح لمنفذيها حصولهم على الغنائم بكل أشكالها وأنواعها حوصرت آلاف العوائل و(جمعة) من بينهم في جبل كارة لأيام عديدة من الجيش والجحوش وقصفت الطائرات المنطقة بالأسلحة الكيماوية.. كانت معاناة لا توصف. اشتد الطوق علينا من كل الجهات.. ذات نهار مع حر آب اللاهب نفذ ماء الشرب لدينا عطش جمعة بشدة كان يموء من شدة العطش.. ما العمل ..لا يمكن النزول والتسلل لجلب الماء نهارا لشدة الحصار المفروض.. مع حلول المساء تمكننا من الوصول إلى عين ماء تسمى (قه نه قين) أو( كاني بوطي) لا أتذكر الاسم بالضبط.. ينساب منها الماء ببطء أخذ لتر يستغرق ثلاثة دقائق والمئات ينتظرون دورهم للحصول على الماء وبعد الثانية عشر ليلا حصلنا على حصتنا، وبعد ساعة وصلنا إلى جمعه ومن معه فوجدناه غارقاً في نوم عميق أمام جمرات النار بجوار والدته.. أيقظة والده.. كانت شفتيه قد تشققت من شدة العطش سقيناه الماء ببطىء إلى أن ارتوى وعاود النوم من جديد حتى الصباح بالرغم من الجوع الذي شمله هو الآخر. استمر الحصار الخانق حتى أيلول .. تناقل العالم أخبار الحصار والهجوم عبر الإذاعات والمراسلين.. كعادة حاكم بغداد الذي اشتهر بقدرته الديماغوجية العالية وللتخلص من هذا الضغط أصدر "عفواً عاماً" كما ادعى، أو ادعته وسائل إعلامه... أذيع في الحادية عشر من صبيحة 6 أيلول 1988" ليشمل الجميع حسبما ورد في نصه .
وما كان خيار امام الناس المحاصرة من نساء واطفال سوى استغلال العفو والتسليم على اساسه ووضع الجميع كل الاحتمالات امام نصب اعينهم الا احتمال واحد فقط وهو ان يكون هذا العفو المزعوم جسر خداع يأتوا عليه لِيقتلوا جماعية وسوية ويدفنوا في قبور مازالت مجهولة حتى اليوم . وكان( جمعة) احد هولاء الذين قتلوا في الانفال مع ثلاثة عشر فردا من عائلته ولم يكن قد بلغ عامه الثاني .



#كفاح_جمعة_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أٌنٌفِلتْ ألاٌم البريئة شيرين شمعون البازي؟!!!
- لاتتوقفوا واصلوا الزحف حتى اقتلاع القذافي!!
- تذكروا روبرت في يوم المسرح العالمي!!
- مواقف لاتنسى!
- اوقف استعمال الهاتف الشخصي النقال اثناء انعقاد جلسات البرلما ...
- في الذكرى العشرين لانتفاضة آذار المجيدة
- ابو ابراهيم(اسود حسين الراعي)وطريق الشعب
- خطاب سري للغاية للعقيد للقذافي
- نوري المالكي لا يستحق أن يكون الوزير الأول!
- سلمان... يا رحيقَ جبل ٍ امتزج بالخردل السام المحرم!
- كمين شرقي بيبان
- صور من ماضي العراق القريب


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح جمعة كنجي - بين ولادة (جمعة) وَوأدِهِ ثمانية عشر شهرًا فقط!!!!