أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمال علي الحلاق - عربةٌ يجرّها الحصانُ الخطأ















المزيد.....

عربةٌ يجرّها الحصانُ الخطأ


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 10:26
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



لا أعتقد أن الكتابة أمرٌ صعب فقط ، لكنّها أيضا تفتح متاهاتٍ وطرقاً مفخّخةً كثيرة لحظة البدء ، تجعلني أدور حول رأسي ، حول دويُّ الأفكار ، هذا الدويُّ الذي لا يعرف السكينة ، على العكس تماماً ، خلايا نحل تزداد حدّةً واضطراباً ، أوشك أن أرمي برأسي بعيداً ، لكن ماذا عن غواية المشي بين الألغام ؟ ماذا عن الشهوة الجارفة أيضاً في الإعلان عن الوجود ؟

***

خبر قتل ( بن لادن ) ، خبر طازج ، حادٌّ ومدبّب ، يمكن بسهولة أن تنزلق القراءة الى أعماق بعيدة عن الحقيقة ، فبن لادن ليس شخصاً عاديّاً ، ووجوده - بالنسبة لي - يمثّل علامة إستفهام كبيرة ، محاولة في إحياء الشكّ بقدرة الإنسان على الإنفتاح ، وبالتأكيد ، الحديث عنه يتداخل تماماً مع الحديث عن آخرين زامنوه ، بل حقّقوا له وجوده بمداه الواسع ، وأقصد الإدارات الأمريكية التي تناوبت على الحكم منذ تأسيس القاعدة عام 1988 .

***

أتساءل مندهشاً ومستغرباً في آن ، كيف تزامن صعود جورج بوش وبن لادن معاً ؟ هل ثمّة خلل في النظام البشري بشكل عام ؟ هل ثمّة خلل أو فساد في البناء الهرمي للحياة ذاتها ؟ ثمّ ، هل ترتكب الطبيعة أخطاءً كهذه دائماً ؟
لقد كان العالم لطوال ثماني سنوات داخل جمجمتين توأمين ، لا تمتّان للحاضر الراهن بصلة ، عقد من الإحباط والتنحّي للعقل ، عقد من الرعب والفزع ، هل يمكن أن ينتهي العقد بضغطة زرٍّ ، أو بإطلاق رصاصة ؟
لقد تهاوى ( جورج بوش ) في بئر النبذ ، تحوّل الى هزءة ، وتمّ قتل بن لادن ، هل يعني هذا أنّ الحياة ستستقيم الآن في سيرها ؟ هل سيشعر الناس بالأمان قليلاً ؟ هل يمكن للقتل أن يؤسّس أمناً ؟

***

المفارقة هنا أنّ الديموقراطية جعلت ( بوش ) رجل العالم الأوّل طيلة ثماني سنوات ، في الوقت الذي جعلت الدكتاتورية الدينية بن لادن رجل العالم منذ تأسيس القاعدة . علينا أن نحذر الديموقراطية بقدر حذرنا من الدكتاتورية .
كنّا كأفراد وكشعوب معلّقين مصيرياً بين رجلين كلاهما يمتطي حصاناً مختلفاً ، لكنّهما معاً كانا يجريان في الإتّجاه ذاته ، كان العالم ينزلق كلّما ازدادت سرعة جري الحصانين ، كما لو أنّهما حصانان لعربة واحدة ، لقد تمّ ربط عربة الحياة الى الحصانين الخطأ تماماً .

***

وستكون قراءتنا قاصرة عندما نعتقد أنّهما كانا فردين وليسا نظامين إجتماعيين / سياسيين / إقتصاديين ، لكنّهما منهجيّاً لا يختلفان بعضهما البعض لتوأمية المقدّمات والنتائج ، فعلى الجانب الأمريكي بعد أحداث ( 11 أيلول ) تمّ رفع شعار :
عدوّي = ضدّي .
من ليس معي = ضدّي .
إذن
من ليس معي = عدوّي .
أما على جانب القاعدة فتمّ رفع شعار :
من لا يتطابق معي = عدوّي .
بهذه الطريقة عمل كلا الطرفين على توسيع دائرة العدو ، وكلاهما عمل على تضييق وجود الآخر المختلف ، بعد أن قتلا التدرّج اللوني ، وحصرا الألوان كلّها في لونين صاخبين ، الأبيض والأسود ، وكلاهما كان ينظر لنفسه على أنّه الأبيض ، وبهذه الحالة كانا كلاهما أسودين .


***

كلاهما كان الممثّل الشرعي للنظام الإجتماعي الذي دعى إليه ، وكلاهما إمتلك أرضيّة شعبية ما ، وإذن فهما ليسا فردين أيضا ، بل موجة بشرية صعدت على السطح فجأة لتحتل البحر كلّه .

***

كان العالم ينجرّ كضوء داخل ثقب أسود ، للحظةٍ بدا كلّ شيء يدعو الى التقيؤ ، إنسحبت الموسيقى ، وانسحب الفن ، إنسحبت الرغبة على رؤية الجميل جميلاً ، فجأة ، البناية قد تنهار ، الجسر قد يتحطّم ، الأرض قد تنخسف ، علينا أن لا نقف طويلاً في المكان الواحد ، وأن لا نطمئن لمتانة البناء . الطائرات أسماك قرش تلتهم الأحياء .
في تلك اللحظة كان الطرفان - اللذان يديران الحياة - مثل معتوهين مصابين بصرعٍ هستيري ، كلاهما كان خيبة للعقل ، لقد سقط دين الحب الذي نادى به ( ابن عربي ) ، كما سقط كوجيتو ( ديكارت ) ، سقط واجب ( كانت ) ، سقطت عقلانية ( هيجل ) ، وانهار ديالكتيك ( ماركس ) ، فجأة ، العالم يقيم خارج الوعي تماماً .

***

أريد أن أقول أنّ ( بن لادن ) كإنسان لم يكن وجوده خطأً ، الخطأ جاء من النظام الإجتماعي الذي أثّث عقليته ، والكلام ذاته يصلح مع ( جورج بوش ) ، كلاهما يستحقّان الحياة باعتبارهما فردين بشريين يمتلكان حقّ العيش ، لكن ليس النظام الإجتماعي الذي يحملان ، أو الذي يمثّلان .

***

لقد شوّه ( جورج بوش ) صورة أمريكا في المخيال العالمي ، تماماً ، بنفس الحجم والسعة التي شوّه بها ( بن لادن ) صورة الإسلام كدين في المخيال العالمي .
لعقد من الزمن كان هناك كرهاً جمعيّاً لأمريكا ، وللإسلام أيضا كدين ، لقد إنتبه الأمريكان لذلك ، وحاولوا عبر رفع صورة ( أوباما ) أن يديروا دفّة الحصان .
الضغط الداخلي إزاء الكراهية ، بوادر الأزمة الإقتصادية التي ضربت جذور الشركات والبنوك التي ترفد شجرة الحياة بالسيولة كلّها كانت وراء الرفض الكبير الذي شهدته إدارة بوش .
لكن ماذا عن الحصان الآخر ؟

***

لقد ثبت أنّ العنف يتأقلم بسرعة ، بل وينمو أيضا داخل بنية المجتمعات ذات الأنظمة الدكتاتورية ، ينمو كخلايا سريّة ، لكنّها سريعة الإنتشار في الجسد ، تنمو في حقول الرفض ، لكنّها تعمل على هدم القمع بعنف لا يعرف التمييز ، ليس لأنّه مصاب بعمى الألوان ، وإنّما جرياً وراء تبريرات غاية في السذاجة ، كإن يبادر فردٌ ما الى تفجير نفسه بين جمع من الناس لا يمثّلون جهة واحدة أو طائفة واحدة ، تحت ذريعة أنا ومن يشبهني الى الجنّة ، ومن لا يشبهنا فإلى الجحيم . هذا التبرير الساذج يجعل الإقدام على العنف أكثر يسراً ، الفرد هنا يمارس العنف مطمئناً ، ليس هناك قلق ضميري ما دام الذي يشبهني سيذهب الى الجنّة .

***

لقد إستثمرت الأنظمة الدكتاتورية إنتشار الخلايا القاعدية كتبرير للضغط على شعوبها ، بل أنّها تعدّت ذلك الى حدّ جعلت صفة القاعدة لصيقة بأيّ محاولة إحتجاج ضدّ فساد الأنظمة ذاتها ، يمكن أن نرى ذلك الآن في سوريا وليبيا واليمن ، مثلما تمّ وصف المحتجّين تحت نصب الحريّة في بغداد بالإرهابيين أيضا .
ويمكن أن نرى بسهولة كيف إنحسرت تحرّكات خلايا القاعدة ، بل إنتهت أسطورتها مع انتفاضات الشعوب العربية والكوردية ، لقد بات واضحاً دور الإعلام الموجّه في تضخيم الفقاعة الى حدّ أن لا نرى نافذة في الجدار ، التظاهرات جعلت الجدران مفتوحة كلّها .

***

النهاية التي آل اليها مصير كلٍّ من بن لادن وجورج بوش تقول صراحةً أنّ الإنسان يحتاج الى نوافذ أكثر مما يحتاج الى جدران ، يمكننا أن نتحسّس ذلك أيضا في نزوع الهندسة المعمارية الحديثة الى استخدام الزجاج كواحدة من أهم سماتها .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمثال لا يسقط منفرداً
- آنَ للشارعِ أن يُحرّك الدُمى
- فرح كلّه قشعريرة
- المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة
- المكنسة شعار الثورة العراقية
- خدمات لا مساجد
- أزمة الثورة الإنفعالية
- نحن جيل محظوظ
- هل يحقّ لنا إغلاق المساجد ؟ قراءة في سطحية الخطاب الإسلاموي
- أزمة الإيمان والمؤمنين
- أزمة المعرفة الجاهلة
- من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية المجتمع
- الصخرة لا تنزل يا كامو / إعتذار متأخّر لبشرى
- قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟
- نزهة القائد العام للحواس
- إحباط ليس في أوانه
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمال علي الحلاق - عربةٌ يجرّها الحصانُ الخطأ