أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلود الزغير - - الآباء - العاقّون















المزيد.....

- الآباء - العاقّون


خلود الزغير

الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 19:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحدُ شباب سورية الذين خرجوا في مظاهرة الجامع الأموي يوم 18 آذار 2011 كان وأصدقاؤه من أولئك العلمانيين غير المعنيّن برواية الله ويوم الآخرة وإذا ما كان الشهيدُ سيلقى ربّه ورسوله ليعيشَ في جنّةٍ واعدة. لكنّه خرج مع شبابٍ من كُلِّ الأيديولوجيات وخارجها وفق "أجندتهُ" الخاصة التي تقولُ له: أنّ الحريّة قدرُ الإنسان الحر، وأنّ الوطن للجميع والموت في سبيله كرامةٌ وشهادةُ عِزّة وفرحٌ لأجيالٍ ستأتي بعده.
كان شِعرُ (أدونيس) كتابه المقدس، موسيقا (مارسيل) تراتيله كل صباح ومساء، أذكرُ أنه قرأ تاريخ الإنسان وتعلمه في كتب (فراس السواح)، ولطالما اعتبر فكر وفلسفة (صادق جلال العظم) أرضاً لجدلٍ لا ينتهي. كانوا هم وغيرهم آباؤهُ الروحيّن.
بعد أن فُرّقتْ المظاهرة لم يَعُدْ لا هو ولا أصدقاؤه. قالوا اعتقل، قالوا اختطف، قالوا مات تحت التعذيب وأخفيت الجثة. لكنه لم يعدْ. كان يعرف حين خرج أنّ لا جِنان تنتظرُ روحهُ أو جسده إنما ظلامُ السجن أو عماء العدم.
قصصٌ كثيرة كهذه مع ما عرفته ولاحظته من طبيعة الحراك الشبابي في الساحة السورية اليوم حين يقاطعها تصريح (أدونيس) في حواره على العربية رامياً كلمة في ساحة الحرية وأخرى في خندق النظام، أو نداء (فراس السواح)، ثم يقطعه صمت باقي الأنوات النخبوية الثقافوية عن مِحنة أبنائهم السوريين اليوم تجعلني أقول أننا كشباب سوري كنا لكم ولإنتاجكم أبناءً أوفياء وكنتم لنا آباءً عاقّين.
أمضى كلٌّ من (أدونيس) و (العظم) أكثر من خمسين عاماً في حربهم على الغيب أنتجوا خلال هذه الحرب أروع القصائد وأهم الجدالات الفلسفية، لكنهم أغفلوا حقيقة أن شعبهم السوري في هذه العقود كان مُغيّباً بالإستبداد. كتبوا لنا عن الحرية والتمرد والرفض والشك وحين لبس قرّاؤهم كلماتهم ونزلوا للشارع أغلق (العظم) كلماته وجفّ حبره، وكان يكفينا منه كلمة شجاعة وكلمة المثقف موقف. موقفاً يجمع فيه رأياً عاماً ومثقفين عرباً بدل الإنزواء ببيروت صامتاً.
بينما ينشغل ( أدونيس) هذه الأيام بالتنظير للثورة التونسية عبر حملة ندوات ومحاضرات ومقالات، ولا أعرف بعد ما الذي يجعل ما جرى في تونس ومصر ثورة وانتفاضة بينما ما يجري في سورية مجرد "حركة تمرد شبابية" حسب تعبريه؟ لكن ما أشعره أن هذا الموقف من (أدونيس) لا يختلف عن موقف (القرضاوي) من ثورة البحرينيين بشيء.
ثم أتى حكمهُ المُسبّق برفضه لكل مظاهرة تخرج من الجامع! (أدونيس) الذي علمانيته لا تزيد عن علمانية أبنائه السوريين إلاّ قليلاً من التطرف لا يعلم أن السوريون الذين خرجوا من الجوامع خرجوا كسوريين فقط وكان بينهم من ديانات أخرى ومن دونها. وأنّ الجامع اليوم في سوريا مكان تجمع أكثر مما هو مكان عبادة في ظلّ استحالة الإعتصام في الساحات. الساحات التي كانوا سيتوجهون إليها من الجوامع والكنائس والمقاهي والبارات والبيوت ونوادي الديسكو.
أبناؤكم السوريون لا يطالبونكم بقصائد أيديولوجية سياسية ولا بأن تصبحوا فلاسفة سياسيين فهم من جيل ما بعد الحداثة أيضاً، ويتقنون ويتذوقون مثلكم الرمزية. لكن يكفيهم التفاتة جادة منكم في مقالٍ من مقالاتكم الكثيرة هنا وهناك تعلنون فيه دعمكم المعنوي أسوةً بباقي الشعوب العربية الثائرة. وكلنا يعرف أن خطابكم لم يكن يوماً بريئاً من السياسي أو الأيديولوجي.
مفاجأة أخرى تأتي من (فراس السوّاح) في نداءهِ التطيّري من الفتنة والذي يتبنى فيه بقدر ما يتبرأ المواقف الإعلامية للحكومة ملوّحاً ببعبع المؤامرة الظلامية الإسلاموية السلفيّة المطعّمة بالإخوانية التي نبتت بين ليلة وضحاها في كل شبر من سوريا. متخلّياً عن عقلانيته العريقة والمناضلة في استبعاد أوهام الفكر لصالح المنطق والعقل في دراسة الواقع والتاريخ. فيتكلم لأبنائه السوريين بلغة الأساطير التي تشعرنا أن وحوشاً شريرة تخرج من الأرض أو تسقط من السماء ستغتالهم وتمثّل بهم حين يخرجون للمظاهرات. إنها نفس الأساطير ونفس العقل اللذان عمل طوال حياته على دراستهما وتحليل تاريخهما الأنتربولوجي.
أيها الآباء العلمانيون لماذا تركتم أبناؤكم وحيدين خارج الجوامع؟؟
أيها الآباء القوميون العلمانيون الثوريون لماذا صمتم؟
(أحمد برقاوي) السوري الفلسطيني ابن درعا، أذكر كم كنت تحدثنا عن ذكرياتك على صخرةٍ في سهل حوران، عن عائلتك هناك ومرابع طفولتك وشبابك. تُرى أنت الذي كتبت عن الهوية وكيف تُبنى، عن الأنا الحر، أنت الذي ولدت على أرض درعا السورية وحملت في جيبك هوية فلسطينية لوطنٍ تحلم برجوعه ألا تجد روحك الإنساني وفكرك القومي ووطن وجودك يُحتّمُ عليك وقفةً صريحة تجاه أبناءك المحاصرين أو المتظاهرين في وجه الموت؟
لقد سمعتَ الهتافات في شوراع دمشق وسوريا وتعرف على الأقل أن طلاّبك في الشوراع وعلى الفيسبوك هم حتماً علمانيون وقوميون وثوريون وتعرف أيضاً أن باقي الشعب مسلمون فقط.
(أحمد برقاوي) (يوسف سلامه) أين صوتكم؟ إن فلسطينيتكم لا تعفيكم من قول كلمة لأبناءكم السوريين. فأنتم أبناء سورية أيضاً. وموقفكم القومي والعروبي يفرض عليكم وقفة حقٍّ تجاه بلدٍ عربي ولدتم وعشتم فيه وصار لشعبه عليكم حق. إنكم حين أشدتم وتحدثتم عن ثورات الشعوب الأخرى كتبتم من موقعكم كعرب فلسطينيين، فلماذا تستثنوا الشعب السوري اليوم حتى من التوقيع على بيان للمثقفين الفلسطينيين يتضامن مع الشعب السوري؟
(مارسيل خليفة) الذي اعتذر عن الذهاب للبحرين بعد سقوط 17 شهيداً قائلاً: "أشعر بأنّ كل رصاصةٍ تطلقُ على شابٍ متظاهر، إنّما تطلقُ على صدري، وكل هراوة تهشّمُ عظام طفلٍ تنهالُ على جسمي." يبدو أنه لم تصل حتى الآن ولا صوت رصاصة من الرصاصات الستمائة التي أردت صدور ورؤوس الشهداء السوريين أذنه. ولم يشعر جسمه بأي عصا كهربائية أو هراوة من التي انهالت على أطفال وشباب سوريا، وربما أظافره تواصل العزف برشاقة متناسية أن أظافر أطفال درعا قد انتزعت. و (مارسيل) يواصل السفر من لبنان إلى سورية دون أي احتجاج أو تنديد بما يجري لإستكمال تصوير مسلسله مع فراس ابراهيم الذي كان أكثر حسماً منه في إعلان موقفه المؤيد للنظام ووصف المتظاهرين بالمخربين وخوّنهم ناسباً إياهم وفقاً لإحساسه الشخصي لجماعة الحريري وخدام.
نسألك (مارسيل) أيها الفنان المقاوم الملتزم يا من غنّيت للشعوب المنتفضة، للثورة وللشهداء كيف تغمض صوتك عن جمهورك السوري وهو ينزف وهو يثور وهو يتحرر؟ كيف لا تغني لدرعا وأنت تذكر جيداً اللذين حملوك على أيديهم حين تعرضت لحادث سير على طريق درعا أنت وفراس ابراهيم وسارعوا بك إلى المستشفى وبقيوا حولك كأهلك ليطمئنوا عليك؟ تعرف -أنت- نخوة أهل درعا وطيبتهم، تعرف أنهم ليسوا سلفيين وليسوا إخوان وأشرفُ من أكاذيب صديقك فراس ابراهيم فكيف تُصْمتُ أغانيك عنهم؟
ياه .. كم علمانيتكم هشّة أمام الشارع الممتلئ !
كم حريّتكم مختزلة على حدود مناظيركم الفكرية !
كم أنتم خائفون من الإستبداد وأسرى الكلام !
لقد انتظرنا منكم " كرموز ثقافية " فقط كلمة تدعم الحراك العلماني والمتنوع المشارب لهذه الإنتفاضة الشعبية أمام الشعب السوري المتردد والعالم أجمع، لا أمام نظام أطلق حكم الإعدام مُسبقاً عليها. وابتعادكم غير المفهوم عزز تهمة السلفية والإسلاموية. لكننا للأسف لم نُقدّر حساسيتكم النخبوية ربما لكلمة "شعبية". لذلك سنقرأ جمال قصائدكم ونصوصكم ونسمع موسيقاكم بعد اليوم لكن بغصّة. وبغضّ النظر إن كانت هذه الثورة ستنتصر أم لا ومهما سيكون مصير أبناؤكم في الشوارع والسجون، فقد خذلتموهم. هؤلاء الشباب خرجوا ليقرؤا ما كتبتم يوماً بصوتٍ عالٍ عن الحرية فلماذا سكتم عن القراءة معهم؟ هل نسيتم نصوصكم وأغانيكم؟ الشباب السوري كتب على اللافتات لقوات الأمن "رصاصكم لم يقتل سوى الخوف فينا" ونحن سنكتب لكم "صمتكم لم يسكت سوى الحقيقة فيكم".
إنّ أجمل ما في هذه الثورة أنها أسقطت كل الرموز سياسية كانت أو ثقافية ومكّنتنا من قتل كل هؤلاء الآباء دفعةً واحدة. لذلك أقول لتلك الأنوات النخبوية الثقافوية التي طالما تبجحت علينا بتعريف الأنا الحر شعرياً وفلسفياً وفنيّاً ولغويّاً وموسيقيّاً اجمعوا أنواتكم وأعمالكم العظيمة – وهي كذلك – لكن لا تتاجروا فيها حين ترجح الكفّة بعد قليل واكتفوا بتلاوتها عليكم علّها تقيكم برد التردد.
ما أعرفه أن حسّ المثقف والفنان الكبير لا يمكن أن يكون مشروطاً بأي حسابات وإلّا فواحدٌ يخون الآخر إمّا المثقف وإمّا الكلمة.



#خلود_الزغير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد الجميع معاً .. لأجل سوريا فقط.
- الفتنة .. والشعب السوري
- زمن الفضائح
- دفاعا عن هدى أبو عسلي


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلود الزغير - - الآباء - العاقّون