|
مساء عراقي ساخن : كل شيء عادي كالعادة
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3347 - 2011 / 4 / 26 - 00:43
المحور:
الادب والفن
ينزل عمّار مهرولاً من سطح داره و هو يسمع أزيز طلقات الرشاشات من كل نوع ، و يصيح ، و هو بعد لم يبلغ أرضية السلم : - يُمّه ! يومْ ! بالعَجَل ، أقفلي البيبان مال البيت كلهن ، و خلّي بس الشبابيك مفتوحة ! مبيِّن عِلْگت من صُدُگ مرة اللخ ! - ها ؟ شلون هاي ؟ صخام ! ليش شكو ؟ شصار ؟ يوميّا عَنْجِليّا ؟ - إي يوم ، عنجليّا بين الجيش الأمريكي و جيش المهدي ! عَحْ عَحْ عَحْه ! و المناوَش بيناتهم صار بالهاونات و الصواريخ ، عَهْعَه ، و الدوشكات و الرباعيات ! إسمعي ! هاي الطيارات دا تحوم فوگ البيوت ! الشارع صار جبهة قتال ! عَحْعَهْعَهْ ! - الله اليستر ! لعنة الله على الظالمين ! - لا عاب حلگِچ ، يوم ! عَهْ ، عَهْ! - دخُذ دوا بالعجل ، يا يمّة . هسّا لو ما أنت طبيب و تعرف كلشي عن الربو چان شسويت بروحك ؟ ما دا تشوف الجو شلون انصبغ دم أحمر ! - إي يمّه ، خنسد البيبان بالأول ، خاف تجينا طلقة تايهة ، و بعدين آخذ الدوا .عَهْعَهْعَهْ ! يتناوب عمّار و أمّه على غلق أبواب غرف دارهما بسرعة ، ثم يجلسان في غرفة الإستقبال ، و هما يرقبان السماء المغبرّة من فتحات ستارة النافذة المطلة على حديقة المنزل . يتناول عمّار علبة بخّاخ الڤنتول من جيب سرواله ، و يدخلها في فمه ، و يضغط مرتين . لحظات و تهتز جدران و أبواب الدار إهتزازاً رهيباً ! يقف عمّار ، و ينظر إلى السماء متطاولاً ، فيلوح له عمود أسود قريب من الدخان . - يبووو على المصخَّم بوش و أهله ! ساعة السودا من شفنا چهرتهم الزفرة ذولي الأمريكان ! إلها ؟ عليها ؟ عايفين مگمّعيكم بأمريكا ، و جايين من تَلفْات الدنيا للعراق ؟ - عَهْ عَهْ ! يمّه مو هوّا إلما عنده شغل شيسوّي ؟ يگوم يدوّر موت ! هذا هاون ثقيل : ثمانين ملم ! عَهْ ! يمكن القنبرة وگعت يم بيت أبو نبراس ، براس الشارع . الله و أكبر ! بالله عليكم ، أكو واحد يقصف الأحياء الآهلة بالسكّان بالهاونات الثقيلة ؟ - لا اااااااء ، تُئتئتئتتـ ! خطيّة ! جهّالها بعدهم كلهم زغار ، و رجلها مسافر للأردن ! الله يساعدها للمَرَه ! المگرودة بقت إبوحدها بنص خمس زعاعيط ! إي إببيش مطلوبين ؟ الله اليدري هسا شصار بيها المسكينة! و الله زين الجهال ما يتخبّلون من القصف ! الله لا ينطي كل من اللي صار السبب ! همَّ عمّار بالتحرك للصعود مرة أخرى للسطح ، فتضرعت أليه أمه : - إبني ، ابق يمي هنا يمّه ، و لا تصعد مرة لخ للسطح ! أروحلك فدوا عيوني ! الله يخلّيك ، ما دا تشوف هاي الطيارات فوگانا شلون دا تضرب عامي شامي ؟ إنعل الشيطان يمّه و أگعد ! خاف يصير بيك فرد شي ، الله لا يگولها ، و إنت بيك ربو ، و آني بعد ما بقالي والي غيرك ! - إهدي ، يمّا ! بس ردت أشوف شصار يم بيت أبو نبراس ! خطيّة ، يوم ، خاف عدهم جريح ينزف و معتازين مساعدة ! - على بختك ، يمّا ! لخاطري لا تصعد ! مو من علگت قبل شهرين ، الأمريكان چتلوا جيراننا حسن و أخوه حسين من صعدوا للسطح مالتهم يشدون الأريل مال الإنترنيت ؟ إنتابت عمار نوبة شديدة من السعال الحاد ، فجلس و هو يسعل و يعطس ! - ها يوم ؟ شگتلَكْ ؟ ديَللا يوم : أُخذ البخّاخ ، و أگعد بمكانك ، و مروتك إستِچِنْ ! على بختك إبني ، ترى بعد ما بيّا حيل للبواچي و اللطم ! - يوم ، دقيقتين : بس أشوف شكو ، و أنزل . عَهْعَهْ . و الله ، يوم ! - على بختك يمّا ، ترى مَلَكْ الموت بعده ما مات ! و هوا ما يوكّر إلّا على أطيب الأثمار ! يستنگيهن مستنگاه ! أستغفر الله ! ليش مو إنت تدري ؟ شخلّا بينا صدام ، ها ؟ مو أخذ منّي أبوك الله يرحمه ، و ست شبان عيونهم ستوها مفتِّحة على الدنيا ، و يگطر الورد من خدودهم تگطير ! ها ؟ مو هاي ستة و تلاثين سنة ، و آني مچفّنة بالأسود بالحياة گبل الموت ! إي ما كفانا اللي صار بأبوك و بأخوتك الستة ، يوم ؟ و ما صدَّگنا خلصنا من صدّام واحد ، أشو النوب إجونا ألف صدّام ! و هَمْ چماله فوگاهم الأمريكان ، خاف العراقيين ما شابعين موت ! أبني أگعد : هذولة چَتْلة البنيادم عدهم أرخص من چتلة الجلب ؛ يوم ، و الطايح بالعراق رايح ، يوم ! و انت بعدك ستوَّك تخرَّجِت ، أسم الله عليك ، و بعدني لا فرحت بزواجك ، و لا شفت أولادك و عيوني گرّت بيهم ، يوم ! و آني بعدك وين أروح ، وين أنطي وجهي ، ها ؟ وين أوَلّي ، و آني حرمة عجوز و بوحدي ؟ تبدأ أم عمّار بالنحيب و هي تغطي وجهها بشيلتها السوداء ، فيما يُخرج عمّار علبة بخّاخ الڤنتولين ، و يأخذ ثلاث جرعات و هو يسعل ! تهتز أركان الدار من جديد أثر سقوط قنبرة ثانية ، فيما تشتد لعلعة الرصاص و إنفجارات صواريخ القاذفات ! تواصل أم عمّار النحيب : - يُمّا ، ما ريد من چيسك فلوس ، يُمّا ! أوهوووءهوووء ! يُمّا ؛ و لا ريد من بيتك غموس ، يُمّا ! هووءءهوووء ! يُمّا ، أريدك إلي هيبة و ناموس ، يُمّا ! أوهووووء ! - يوم ، أبوس إيدچ ، لا تگومين تنعّين ! الله يخلّيچ ، يوم ! - أووئووووء ! يُمّا ، أريدك للشدايد لو ضامني الضيم ! أوهووووء ! - الله يخليچ أسكتي ، و شتريدين آني حاضر ! مروتچ يوم ، لا تشدّيها ، هسّا مو وكتها ! يمكن هذه القنبرة وگعت يم بيت خالي ! - هيييييه ! سودا بوجهي ! وين خلّيته للموبايل ؟ عزا العزّاني ! ما صار لهم شهر من حَصِّلولهم على مهجوم يگعدون بيه ! خطيّه ! باعوا الأكو و الماكو ! ها ، لعد هسّا شلون ؟ شنسوي ، ها ؟ نخابرهم؟ - يمّا ، ترى آني ما عندي رصيد ! و ذولا الأمريكان يقطعون كل شبكات الهاتف بكل مكان يهجمون عليه ! - شلون يصير يمّا ، لازم نخابر ! أويلي عليك خويا أبو أمير ! شغدى بيك و بجهالك ، هسّا ؟ تذهب إلى غرفة نومها ، تفتح باب الـ " كنتور" ، تتناول حقيبة يد سوداء ضخمة ، و تخرج منها جهاز الهاتف النقّال و تنقر عليه ، ثم تضعه قرب إذنها اليمنى بعد أن تبعد الشيلة عنها ! - ألو ؟ .. إي - هَمْ زين دگ - .. ألو ؟ ألو ؟ منو ؟ .. منو ؟ الحمد لله ! ها خويا أبو أمير ، شلونك ؟ ...... الحمد لله......... زين ، أم أمير و الجهال شلونهم ؟..... أ...... ألحمد لله ؟ ها؟ آني ؟ كلش زينة ، و هذا إبن أخيتك عمّار هنا يسلم عليك ..........و عليكم السلام ...... يمنا ؟ تزهي : كمرة و ربيعة ! ليش ، ليش أنتو هسّا وين ؟ ....... ها ، ها ....... . يعني كلكم زينين ؟ ........... و شوكت رحتوا للكاظمية ؟ ..... ها ها ...... و أم حسنين ، شلونها ؟...... أگول : رجِلها طلعوه من السجن ، لو بعده ؟ ......... نعلة الله على الظالمين ! ..... لا حول و لا قوة إلا بالله ....... إي خطية ، لعد شبيديها عليه ...... شتسوي المسكينة !...... شوف شلون....... إبتلاء ....... . لا يا مضروب الچلوة ...... لا حول و لا قوة إلا بالله ......... يللا ، العوض على الله ! أدعم من ربي الكريم أن يفرِّج عن أبو حسنين بالقريب العاجل إنشاء الله . سلم لي عليها ، و على بناتها السبعة كلهن ...... و عليكم السلام ....... أودعناكم العافية ، خويا ............ في أمان الله ! - ها ، هسّا إرتاحيتي ؟ لازم بيت خالي مسافرين ! - ربّك حميد ! كلهم مسافرين لبيت عمَّك أبو حسنين بالكاظمية من البارحة بالليل . - و شلون صارت شغلته العمّي أبو حسنين ؟ - أسكت و خلّيها ! مخابرهم واحد عقيد بالشرطة ، و طالب منهم عشر دفاتر حتى يطلعه لعمك من التوقيف بتهمة الإرهاب ! خطيّة ، بيت عمّك راحوا باعوا بيتهم بالمنصور بقرش و نص ، و إنطوا العقيد العشر دفاتر كاملات . العقيد گاللهم : باچر أبوكم راح يطلع بالليل . فخابروه بنفس اليوم لخالك ، و هم زين راح هوّا و كل عائلته حتى يستقبله لعمًّك من يطلع ، و يبارك له . اليوم الثاني العصر ، إتصل بيهم العقيد ، و طلب منهم خمس دفاتر فوگ العشرة اللي إستلمهن گبل حتى يگدر يطلعه . گاللهم : اللواء قائد الشرطة القديم إنِّقل لغير منصب ، و إجا بداله لواء جديد ، و هذا هَمْ يريد حصته : خمس دفاتر جدَّد ! - بس لا خطيّه يشتغلوهم لبيت عمي ، و يطببوهم بدائرة قذرة ! - بَدادا ، صخام ، يمّا ! و يسجنون بناته السبعة ويّاه بتهمة الإرهاب ؟ - لع يمّا ، لا ! إسم الله عليهن ! أقصد : يبقون يجرجرون منهم دفاتر فوگ دفاتر ، حتى ينتفون كل ريشاتهم ، و بعدين ما يطلقون سراحه ، لو يعدموه ، لو يموت بالسجن بسبب عدم توفر الرعاية الصحية ! - و الله شگلك ، يا إبني ؟ كل شي يصير بهيچي زمن أغبر ! ليش هوّا خطية عمَّك المگرود كجا مرحبا هو و الإرهاب ! أشو هوّا رجال شايب و بيه ستين مَرَض ، و صايم مصلي و مستور ، و يروح بدربه و يجي بدربه ! و ماله دخل بكل شي ، و ما عنده أذيّة على كل عبد مسلم ! - إي ، يمّا : شافوه مريَّش ، فسووله الپلام مالت المخبر السري ، و إعتقلوه ، و هسّا بدوا بنتف ريشه حسب الأصول ! و چماله يگولون إحنا أحزاب إسلامية و قريبين من الله ! - مو يا زوغ ؟ الله بري من القوم الظالمين ! و الله عشنا و شفنا ! و هم نشوف رب العالمين شكاتب بعد علينا نشوف ؟ و النوب طلّعولنا نبّورة السنّة و الشيعة ! أستغفر الله ربي و أتوب إليه ! بالله ، إلها ؟ عليها ؟ تسوون تفرقة بين المسلمين ؟ - شلون تسليط من رب العالمين : السياسيين الجدد بالعراق ما عدهم شغل غير بس :اليوم يهيجولهم هاي النبّورة ؛ و باچر: ذيج الفستوقيّة ، و عگبا : ذيجين الپرتاوه و الفتيلة ! أما خدمة الشعب ، فكِش و بِرّه ! تهتز أركان البيت مرّة ثالثة بسقوط قذيفة أخرى . و يسمع قرعٌ قويٌ على باب الدار ! - هذا منو جاينا بمثل هيچي وكت ؟ أنت أگعد بمكانك ، إبني ! آنا طالعه أشوفن منو . أراد عمار أولاً منع أمه من الخروج ، و تولي الأمر بنفسه ، و لكنه إنثنى عن عزمه لعلمه بعنادها و حدبها عليه ، فراح يرقب خطواتها الثابتة الشجاعة نحو باب الدار ، و هي متشحة بالسواد ، و المسبحة بيدها ، و صار يعجب لمبلغ شجاعتها . تَفتح أمه الباب ، فيدخل رجل كهل مهندم ، و هو يسند فتاة شابة فارعة شقراء ترتدي قميصاً و سروالاً، مشدودة أسفل الساق . يتحرك عمّار نحو الزوّار ، و يرحب بهم : - تفضلوا ، تفضلوا ! أهلاً و سهلاً ! - السلام عليكم ، دكتور ! أقدم لك نفسي : آني جيرانكم : شمعون أوشانا ، و هاي بنتي : كرستين . - و عليكم ألف السلام ، أهلا و سهلاً أستاد ، إتفضلوا أدخلوا بسرعة ! - هلا بيكم يما ! البيت بيتكم يمّا ! تفضلوا يمّا ، إستريحوا ! يسرع الزائر و الزائرة بدخول غرفة الإستقبال خلف أم عمار، يغلق عمار الباب و يسأل : - تفضلوا إستريحوا . الله بالخير ! - الله بالخير ، دكتور ! - خير ، خو ما بيها شي الست ؟ - دكتور : هاي بنتي إجتها طلقة تايهة برجلها من چانت واگفة بالحديقة . إحنا هنا جيرانكم : بيتنا گبال المدرسة براس الشارع يمكم ! - صحيح ؟ أشو ، و لا زغرن بيكم ، آني ما شايفكم گبل بالمنطقة هنا ؟ - دكتور ، إحنا مسيحيين ؛ إجينا قبل أسبوعين نازحين للحلة من حي الميكانيك بالدورة إببغداد ! إشترينا بيت هنا يمكم بالبكرلي ، و إگعدنا بيه ! گلنا بلكي نخلص من الحرب الأهلية ! آني أشتغل موظف بالمصرف ، و هاي بنتي مهندسة بالنفط ! - شرفتمونا ، تاج راسي ! - إنتو الشرف ! - ها يمّا ، بعد شتردين ! هاي همْ إجتّي من يمچ ، إجوچ گرايبچ ! - شنو دكتور : الوالدة مسيحية ؟ - لا ، مسلمة ! بَسْ هيّا من شِفِتْها لليوم ناذرة نذر كل شهر لازم تروح للكنيسة مالتكم بحي الزهراء ، و تعلگلها شمعة يم محراب السيدة العذراء ، وتذبِّلها دمعتين لو تلاثة هناك ، و ترجعلنا فرحانة ! تسمح لي أشوف الجرح مالت المحروسة ، أستاذ ؟ - تفضل دكتور ، لعد إحنا لويش جايين يمكم ؟ و هاي بنتي كرستين هم أختك ! - يمّا ، ألله يساعدكم على هذا الزمن الأغبر ! أگول ، و شلون گدرتوا توصلونا بنص الرصاص و الإنفجارات ؟ تجلس كرستين على الكنبة ، فيما يقوم عمّار بالجلوس أمامها ، و يبدأ بحل لفافة الضماد . - و الله حِجيّة أسكتي وخليها ، سودا مضخمة : الجثث مسطرة بالشوارع ، و تلث بيوت تهدِّمن على روس أهاليهن ! و اللي يريد يعبر الشارع ، تخيِّطة رشاشات الطيارات الأمريكية على القير خياط ! و إحنا إجينا نمشي ويّا الحيطان و الرصاص يتطاير فوگ روسنا ، و منّا و منّاك ! - لعنة الله على الظالمين ! هلا بيكم يمّا ، هذا بيتكم . عيني أبو كرستين : أسوّيلكم غدا ، خاف ما متغدايين ؟ و الله عدنا خوش سمچ يلوگ لهذا الحلگ . خمس دقايق و أمد لكم السُفرة ! - تسلمين ، حجِّية ، لا و الله : متغدايين ، و ما نشتهي العسل ! الساعة هسّا بلخمسة العصر ! الله يعمر بيتكم ! - زين : تريد أسويلكم چاي ؟ لو گهوة ؟ - شنهو هلزحمة حجيّة ! و الله ما مشتَهين شي ! - هذا شلون حچي خويا : شلون يصير تطب لداري ، و ما تذوگ زادي ، لو تشربلك فرد شي ؟ - عيني أبو كرستين : اللي يزورنا لازم يذوگ الچاي لو الگهوة مالت الوالدة ، لو نزعل عليه ! - إنتم على راسي ، أنشاء الله ماكو بيناتنا زعل ! گهوه ، إذا سمحتم ! - تركيّة ؟ لو نسكافة ؟ - تركيّة ! بلا زحمة ! - و إنت بنيتي ، كرستين : شيعجبچ ؟ - مثل بابا ، عمّة ! - يمّا : فدوا لهذا الحلگ الحلو ! بعد عمتچ ! تؤمرين عيني : إنتي و بابا ! تتوجه أم عمّار نحو المطبخ ، فيما يكلّم عمّار السيد شليمون و هو يحدق في إصابة المريضة : - عيني أستاد ، هم زين : فرد شي بسيط ! هاي مو رصاصة ؛ هاي شظيّة ألمنيوم مالت قذيفة صاروخية : تصير شلون الموس ! هم زين ما نافذة هواي ! هسّا أطلعها ، و أضمّدها ؛ و أسبوعين و أنشاء الله تطيب ، وما تترك أثر . - دكتور توجَعني ! هوايا ! بالنبي ! و ما أگدر أدوس برجلي ! بالنبي ! - صحيح ! صحيح ! لحظة و أجيب عدّة الإسعافات ! يتوجه عمّار إلى غرفته ، يدخل ، و يخرج حقيبة . يتوجه نحو الكنبة ، و يخاطب كرستين : - مَدِّدي بالطول ! إي هَشَّكل ! هسّا راح أستعمل مخدر موضعي ، و أسحب الشظية ، و بعدين أخيّط الجرح خياط داخلي حتى ما يبقى للجرح أثر ! خوش ؟ - بكيفك ، دكتور ! بعد أن ينهي عمار العملية ، و يضمّد الجرح ، تجلس كرستين ، ثم يجلس هو ، فتدخل أمه و هي تحمل صينية فناجين القهوة ، مع الچكليت و البتي فور و الماء . - ها عيني ، كرستين ؟ شلون صار صوابچ ! - عمّة ، الدكتور سحب الشظية ، و خيّطه للجرح ، و ما وجعني أبد ، بالنبي ! - آني ممنون منّك دكتور ! - تؤمر أستاد ، هذا واجبي ! توزع أم عمّار فناجين القهوة مع مستلزماتها على الضيوف ، و يبدأ الجميع بالرشف و الأكل ! - عاشت إيدج أم عمّار على هيچي گهوة ! - يا ، بالعافية أخويا ! - يما ، أريدچ ورا ما نشرب الگهوة ، تنطين أمپولين لكرستين ، واحد مال گزاز ، و الثاني مضاد للإلتهابات ! - تدلَّل بنيتي كرستين ! - آنا ممنون منك ، دكتور ! شگد تؤمر؟ - و الله حجّي إنت خوش عندك سوالف ! مو عيب ! آني إبني ما ياخذ فلوس من الجيران . و أنتو هم جيراننا و هم ضيوفنا ! شرَّفتونا ! - زاد الله شرفكم ، حجيّة . و الله آني مستحي منكم ! بعد شرب القهوة ، تذهب كرستين مع أم عمّار لغرفة الأخيرة لأخذ الإبرتين . يجاذب عمّار ضيفه أطراف الحديث : - أبو كرستين ، أشو - مع الأسف الشديد - دا نشوف هوايا مسيحيين يتركون بلدهم العراق و يهاجرون ! و كلهم كفاءات و خبرات ، يا حيف ! - شيسوون ؟ مو حقهم ! مدا تشوف الوضع شگد رهيب و ما ينطاق هنا ؟ أنا أولادي الأثنين و أمهم صار لهم سنتين من راحوا لأمريكا ، لجوء إنساني ! و آني و بنتي كرستين بقينا ويّاهم بديترويت ست شهور ، و بعدين حنّينا كلّش للعراق ، و رجعنا ! هذا البلد صدگ ينحب حيل ، و لو هوّا يچوي چوي ! - صحيح ! الوطن عزيز ! - تدري بأمريكا إللي يحصّل على لجوء إنساني ، يسكِّنوه هناك بما يعادل رفاهية فندق درجة أولى ! مع ذلك ، و الله گعدة وحدة وقت الغروب على شاطئ دجلة تسوى أبو أمريكا ! هناك ، چنِت الصبح يوميّا أگعد أتريك آني و كرستين . كل شي چان متوفر عدنا بالثلاجة : المعلبات موجودة أشكال و أرناگ : الجبن أنواع ، و القشطة ، و الفواكه . شتريد موجود ! بس تدري آني شچنت أتذكر يوميا الصبح ؟ - شتتذكّر ، أستاذ ؟ - أتذكّر طعم گيمر السدة ، و لبن أربيل المدخّن ، و عسل الموصل ، و خبز الرگاك ! و همّاتين أتذكر طعم الميوة العراقية ؛ فينعصر گلبي ، و آخذ لي إصبع كيكة ريوگ ، أطببها گوة بزردومي بالنسكافة ! - و الله حقّك ! - الظهر ، و يا الغدا ، أتذكّر الكباب و الدولمة و كبّة البرغل ، و مثرودة البامية ، لو تشريب الزند ، فتنسد شهيتي ! بس الطامّة الكبرى تصير بالليل : مسگوف مال أوادم ماكو ! پاچة و كيپايات ما كو ! و هاي كلها قبلنا بيها ! بس أنگس شي : عرق بعشيقة ماكو ، و نومة السطح بالليل هم ماكو ! تاليها إنسلّيت سَل ، و غديت عودة ! فقررنا آني و كرستين نرجع للعراق ؛ نرجع للموت بهاي الگاع ! - الله يساعدكم ، أستاذ ! أنشاء الله ، الله يفرِّج لك عن كربك ، و يفرِّح گلبك ، و يحفظك أنت و ست كرستين من شر بنيادم ! تهتز أركان البيت مرة أخرى ، و تسمع أصوات تهشم الزجاج من شباك في الطابق العلوي ! تخرج كرستين و أم عمّار من الغرفة ، و تتساءل أم عمّار : - بسم الله الرحمن الرحيم ! خو ما بيكم - إسم الله عليكم - واحد تعوَّر ؟ شِنْكِسَر ؟ - بس بالريش ! يمكن شبّاك البيتونة ، يوم ! القصف صار أقرب ! كرستين ، أخذتي الدوا ؟ - نعم دكتور ! بابا ، عمتي إيدها بيها العافية ، بالنبي ! گمت أگدر أمشي على رجلي ، بالنبي ! بعد فترة ، يتعاظم أزيز الرصاص . ينظر عمّار من الشباك ، فيقول : الأمريكان واگفين گبال بيتنا : هَمَرات و مصفّحات ! و الطيارات الأپاچي تحوم بگد الزنابير فوگاهم ! يخف أبو كرستين ليقف خلف الشباك ، و يرى آليات جيش الإحتلال ! يسرع ، و بدون سابق إنذار ، إلى فتح باب غرفة الإستقبال ، و يتحرك نحو باب الدار يريد فتحها ! يهرول عمّار خلفه ، و ينادي عليه : - عيني ، أستاد ، وين طالع ؟ مدا تسمع الرصاص ! شنو الموضوع ؟ - دكتور ، الله يخليك ، لازم هسّا أرجع لبيتنا بالعجل . اليوم يتزوج إبني بديترويت ، و أريد أسوي چات ويّا العرّيس و العروس و أمها و أبوها بهاي المناسبة ! إذا ما إتصلت ، راح يتشوشون ، لو يزعلون عليّا ! - خوب خابرهم منّا ! - دكتور ، مو آني نسيت الهاتف النقّال مالتي بالبيت ! و كرستين هم عافة جهازها بالبيت ! - إي ما كو مشكلة ! خابر بتلفون أمي ! و بعدين شنو دخل المخابرة بطلعتك هاي ؟ - عيني دكتور ، إنت غرّگتني بأفضالك ، و آني هسّا طالع أطلب من هذولا الأمريكان يوصِّلوني آني و كرستين لبيتنا ! أرجوك تسمح لي ! ما أريد أسوّي عليكم زحمة أكثر ، و بيتنا ما يصير يبقى فارغ بهيچي ظروف ! - ما كو أي زحمة ! إحنا جيران و أخوان ، والناس للناس ! بس إنت براحتك أستاد ! و يبقى هذا بيتك ، و آني مثل إبنك ، و الوالدة أخيتك ! - رحم الله على البطن اللي نگلتك ، دكتور . تسمح لي ، رجاءً . أرجوك ! يفتح عمّار باب الدار ، فيخرج أبو كرستين ، و يتوجَّه نحو الضابط الأمريكي الجالس في صدر أقرب عربة هَمَر ، فيوجّه العسكري الجالس خلف المدفع الرشاش من على برجه المدرع فوَّهة سلاحه إليه . يراه أبو كرستين ، فيرفع يديه ، و هو يخاطب الضابط الأمريكي : - Hi ! - Hi ! - could you do me a favor, please ? - What ? - I said: could you please help me ? - An how s that ? - Please escort us, my daughter and I, up to our house, which is less than eighty meters down this street! - And why on earth should I do that, sir ? - You see, my daughter got injured, and had to come here for medical care, but have been unable to return home since, being caught in cross-fire. Please escort us home. - Nop ! - But why, sir? We are innocent civilians, and the International Law requires you to protect us. - Coz right now we re engaged in a goddamn combat mission, sir. Our job is to protect you by terminating the violence of those goddamn insurgent elements here, not escort civilians, sir! Sorry, sir. I wish you a hell of luck! Bye. - Bye! ينزل أبو كرستين يديه ، و يعود لدار عمّار ، الذي كان يرابط عند الباب ، و يتابع بألم محادثة أبو كرستين مع الضابط الأمريكي . - عَفا عليك ، أبو كرستين ، شلون تنزِّل نفسك لذولا الچلاب ، ها ؟ ليش همّا ذولا منيلهم شرف ؟ و منين يعرفون شنو هوّا القانون الدولي ؟ مدا تشوفهم كلهم مزعطة ، و زايعتهم الگاع ، و دا يتراجفون تريجف على أرواحهم ! - إي آني شمدريني ، دكتور ! عبالي مثل الأمريكان بديترويت ! شمدريني همّا هناك شِكِلْ ، و هنا غير شِكِلْ ؟ - شنو أنت مطرود منّا ، أستاد ؟ - و الله دكتور ، آني هوايا مستحي منكم ، و خجلان منكم ! - أرجوك ، إتفضَّل طب بالعجل جوّا . و أبداً لا تتقرب بعد من أي آلية عسكرية أمريكية . تدري ليش ؟ - لويش ؟ - لأنهم إذا ضربوا أو إنضربوا ، ففي الحالتين يمكن الضربة أن تصير بيك ، إسم الله عليك ! عندما يدخل أبو كرستين و عمّار البيت ، تسأل أم عمار إبنها : - ها أبني ؟ شگالوا له ؟ - گالوله : إحنا واجبنا هنا نقتلكم ، مو نوصِّلكم لبيوتكم سالمين ! - يا ؟ نزول عليهم ! مضروبين الچلوة ! عيني أبو كرستين ، و الله ما إلها داعي تتحملون خطريّة ، و تطلعون بنص جهنم الحمرا هاي ! إي قابل أنتو مطرودين ؟ هذا بيتكم ، و أنت أخيي ، و كرستين بنتي ! - سبحان الله ! الضابط الأمريكي گله لأبو كرستين : أتمنى لك حظ جهنم ! - يا ؟ صخام بوجهه ، و بوجه اللي جابوه ! عيني أبو كرستين : بعد طلعة منّا اليوم ماكو ، الليلة أنتم تباتون هنا يمنا ، و الصباح رباح ! عيني كرستين ، تعالي ويّاي للمطبخ ، خلّي نحضر العشا سويّا ! - حبيبتي عمّة ، الزلاطة عليّا ! بالنبي ! فيما تدخل أم عمار و كرستين المطبخ ، يفتح عمّار التلفاز ، و يستمع هو و أبو كرستين لرياض أحمد و هو يشدو :
ها خويا ، ها ، ها ، ها ، تگول آنا عيناك ؟ ما مال حِمْلي و كَلّفاك ، ويْن الحَچي ذاك ؟ إتعمن و العبّاس ، بَسْچَن يالعيون ! تِبْچَن و همّا هنا ، لو شالوا شلون ؟
و عندما ينتهي من أداء المقطع :
تِنْشِدني على الحال : حالي أسوا حالة ! سِمْچة و شِحيح الماي ، و بظهري فالة !
يستغرق الرجلان بالبكاء الصامت بحرقة ، وسط سياط لعلعة الرصاص ، و عواء السمتيات ، و رجيف الأبواب و الشبابيك .
25/4/11
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضيحة الثعلبان -چيق- و -چاق- و الضبع -ورين-
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /8 ، و هو ال
...
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /6
-
الدكتور محمد مهدي البصير / الشخصية الحلية الفذة
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /5
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /4
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /3
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /2
-
الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /1
-
قصة قصيرة : يوم جمعة في حياة جندي مكلف عراقي
-
حكاية الموت الغريب للفيل -جَلا-
-
ملاحظات حول حركة حقوق المرأة و مدرسة النقد الأدبي الأنثوي
-
خَلَفْ
-
دِشَرْ
-
ستراتيجيات سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق خلال الفترة 2003-20
...
-
قصة الخنزير البهلوان -نجم-
-
رسالة قصيرة
المزيد.....
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في
...
-
جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا
...
-
مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين
...
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ
...
-
عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا
...
-
رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
-
تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال
...
-
الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|