أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الاسدي - قصة قصيرة ( روائية ولكن ! )















المزيد.....

قصة قصيرة ( روائية ولكن ! )


حيدر الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 25 - 19:20
المحور: الادب والفن
    




المدن الأخرى بائسة ..تغفى على رذاذ الوعود المغموس بعهر الآخرين الوافدين حديثاً ، تركت طيبتهم خلف جدران بيوتهم المتهرئة ، وفي الصباح تنبعث روائح الأزقة إلى مقدمة أرنبة أنوفهم، دأبوا على مشاوريهم اليومية ، لا شيء تحت هذا السقف يغمرهم ...اختفت عن مرمى عيونهم ذكريات سالفة ...بدا أن الصيرورة قد أكلت زمنهم ، وغيرت وجوههم وثياب أبنائهم ، وحياء نسائهم ، بدا أن الجهل أكل أجسادهم ، وان الجوع لا زال يحكمهم ويقارع الأضداد من اجل كرسياً بغيض جاءا به من أقاليم أخرى ، بويب ما عاد ينهمر ، وصاحبه لا زال معلق على سفح الضفاف التي تحولت إلى بصاق الساسة وتخمة النفاق التي تجعل بطونهم متقدمة بمحاذاة أنوفهم، لا شيء أعطر من الزهر ، ولكن ما حوله مياه أسنة ، الفنادق الرخيصة جداً تستقبل الوافدين من العمال والمتسولين وطلبة الجامعات ، الجو كئيب في الخارج ، لكن ضجيج السيارات المارقة من الشارع التي تترك رنين في المكان يحوط على إسماعهم ويستحوذ على الزوايا ويشكل موسيقى يوميه يستقبلون بها الصباح ، المتسكعون ينتشرون في المقاهي المجاورة ، مقهى الحاج رائد يقبع في نهاية الشارع يضم في طياته إنصاف شعراء يتبادلون قراءة نصوصهم متبوعة بكلمة

( جميل) وفي الشارع الأخر المحاذي لمراب السيارات يشخص لك بائع الصحف ( نبيل ) يقلب العناوين على صفحات وجهه المتجعد ، وقد غيرت لونه الشمس ، أصوات الباعة ترتفع وكأنهم يصرخون لرؤية شخصاً عزيز قد فارق الحياة للتو ، روائح الشواء ، واللحوم المتعفنة وأشياء منتهية الصلاحية قد لفت هواء المكان القريب ، كل شيء ممكن في ام البروم ،ما زال ثمة اشياء طرحت جانباً وبويب ما عاد يلهم الشعراء ، تعود الشاعر والكاتب حامد فاضل ان يزور مقر الصحيفة البائس في نهاية ذلك الشاعر المملوء بالحفر والمعرقلات ،لكي يسلم مادته الى ذلك العجوز المتخم بالمال والذي تفوح منه رائحة خمر الأمس قاطعه حامد بينما كان يجهز لنفسه قدحا من الشاي :









- هذه مقال عن......



عدل هذا العجوز البائس من طريقة وقوفه :



- هذا أنت ...مرة أخرى ...الم اقل لك ان موادك لا ترقى الى نشرها في صحيفتي!



- ولكنك نشرت العديد من المقالات لي ؟



- هذا في السابق؟



- وماذا تغير؟



- كل شيء؟



-مثلاً؟



- المجتمع ...انه تقدم فلا حاجة له بمقالات تكتبها عن مثالياتك وجماليات الفشل الذي يسكنك !



- انا لست بفاشل ؟



- أنت مجنون ؟



- كيف؟



- لأنك تعيش بماضٍ مقعر مغبر !



- وما هو الحاضر؟



- إرادة الآخرين؟



- كيف؟



- اكتب ما يبغاه الناس!



- كيف؟ لا علم لدي بالنوايا؟



- اكتب عن مواضيع نحاول أن نمرر الصحيفة إلى الجمهور عن طريقها !



- وان لم افعل ؟



- لا تأتي لهذا المكان مرة أخرى ؟




سحب القدمان معاً كما فعل مع ورقته التي دون فيها مقالته ، دون أن يترك كلمة أخرى ،قابله العجوز بنفس الوداع ، وقد سام تجواله اليومي في هذا الشارع اذ تعود ان يمرر وجهه على كل هذه اليافطات التي تزخرف الأمكنة هناك ، يذهب طوعا ليجالس إنصاف الشعراء في ذلك المقهى وهو يتغنون في قصائد داعرة يشجبون بها بؤسهم ، وبين فينه وأخرى يوبخ صاحب المقهى احدهم لعدم تسديد ديونه عن الايام التي تسلف ، يضاحكهم المكان وخلفه مداد من المعاناة ، فينتظره اب معاق وأم قد توسدها المرض منذ عامين وباتت لا تقوى على الحركة الطبيعية ، وأخت في عنفوان شبابها يخشى على انزالقها في مهاوي صرعات اليوم ، كان يتجول عائداً الى داره وقد حمل معه صحيفته اليومية التي ينشر فيها بعض كتاباته مقابل اجراً زهيد تغنيه عن تململ ذاك العجوز صاحب الصحيفة الأخرى ، ولكن هذه الأجور تكفيه للنقل والمواصلات وبعض الأشياء الضرورية جدا جدا في بيته ،لكن من يعيل أخته طاغية الأنوثة ؟ ومن يوفر دواء لامه ؟

صافحه وجه احد الأصدقاء الذي يشق الطريق مترنحاً :



- كيف حالك حامد ؟



- لازلت على عهدي ؟



- لدي لك فرصة تستهدف منها مالا وفيراً !



- وما هي؟



- سيأتي القائد .............يوم الجمعة صباحاً لكي يلقي خطابه في شارع الأدباء؟



- وانا ما دخلي بكل هذا ؟



- سيلقي بعض الشعراء قصائدهم ؟



- شعراء ذاك المقهى المنتشون بخمرة قصائدهم الداعرة ؟



- دع عنك هذا وشاركهم الحفل؟



- شكرا على دعوتك ولكنك تعرف ان هذا ليس ثوبي ؟



- لهذا ثوبك الذي ترتديه عتيق جداً ( وأطلق ضحكة ملء شدقيه)



وبجواب دبلوماسي سحب كامل نفسه من أمام ذلك الذي راح يحضر نفسه لإلقاء قصيدة في حضرة ذاك القائد !!! . تاركاً خلفه غياب اليوم بكامله لصالح رقاد طال انتظاره منذ يومين،غير آبه لما سيحصل غداً ، فهو تعود ان يدب على الطريق المعتاد بعيداً عن تلصص أعين الآخرين،وفي الطريق الى هرج السوق باحثاً عند صديق قديم على مهنة تليق ومكانته ، كان العامل في نقل البريد يحفه قدما مع قدم حينما التقت إليه وقد عبأ نفسه لعناقه :



- كيف حالك يا حامد ؟



- بخير ..ماذا عندك؟





- هذه لرسالة وصلت لك منذ شهر تقريباً؟



- وأين كنت كل هذا الوقت انت تعرف اني ازور هذه الأمكنة كل يوم ؟





- اعذرني المشاغل يا صديقي أنها المشاغل أنستني حتى أصدقائي؟



- طيب أعطني الرسالة ؟



اخذ الظرف المغلف بإحكام وقد كتب على أعلاه بعناية وخط جميل ( يصل إلى الشاعر حامد فاضل ) وبعد لحظات من وصوله إلى المحل الذي قصده قد فتح المظروف ليقرأ ما فيه ،فوجد انه من فتاة اسمها ( سمر عامر) وهي تعمل في تصميم الأزياء من محافظة أخرى وقد وضعت له تاريخ وصولها الى مدينته طالبت منه ان يلتقيا عند ذلك العجوز المتخم بالمال،وقد شرحت له في الرسالة أنها مطلعة تماماً على ما يكتب . وبعد يومين من تاريخ استلامه الرسالة وبعد أن حصل على وظيفة في محل لبيع اللحوم مع تاجر امي لا يفقه من القراءة والكتابة شيئاً ، جاءه احد العاملين مع ذلك العجوز وقد اخبره بان رئيس التحرير يطلبه بعجله وسرعة. لملم بقاياه واقفل ما لديه ليشد نفسه صوب ذاك المكان العتيق ، وقد قابلته ابتسامة ساحرة من قبل فتاة شابة ولكن طريقة تعاملها كانت تبدوا وكأنها فتاة عملية جداً ، جلس بعد أن أغلق نافذة عيناه التي تطل على الشعرات الهاربة من رأسها وهي تتطاير في هذا المكان القذر ، وراح العجوز يعرفه بصاحبة الرسالة وبعد برهة عرف ان تلك الفتاة تعتزم الاستقرار في المدينة ،وبدء يتكلم العجوز مع الفتاة برموز لم يعهدها حامد من قبل ،وبعدها مباشرة وضح ذلك له العجوز أن هذه الفتاة تنوي ان تقيم لها اسماً ادبياً في عالم الصحافة وهي عازمة على شراء مخطوطة حامد الروائية التي كتبها عن المدينة ؟ بهت لون حامد وهو يتصفح الاثنين معاً:



- شراؤها كيف؟



- أن ترفع اسمك وتضع اسمها بالمقابل تمنحك ما تشاء من المال؟





- كيف تجرؤ أنت وهي على ذلك ؟



- أنت تريد أن تصل غايتك الفكرية والجمالية فما شان الاسم دعك منه؟





- كيف تفكر هكذا انه جنيني الذي نبت في أحشائي؟





- دعك من هذه الترهات ووفر الدواء لوالدتك؟ أن لم تشتري منك وهي معجبة بعملك فسيفعل ذلك غيرك؟



باغتهم بزعيق ورد جعل المكان يصب ويلا عليهم بعد أن وبخهم بوابل من الألفاظ التي جعلتهم يراقبوا بعض بصمت واحدهم يرمي الشرر في عيني الاخر،وقد عاد والنار تغلي في كافة مفاصل جسده . وبعد نصف شهر من الحادثة كان حامد فزعاً هلعاً في مراسيم تشيع والدته ، وقد حضر عدد كبير من أصدقائه ، والمقريين منه ، حتى ذاك العجوز ، وبعد انقطاع لمدة عام على الكتابة عاد حامد ليمارس سيرته الأولى ينشر مواده في الصحف المحلية ليفاجأ بان احد مقالاته قد نشرت تحت مقال كان أعلاه في الصفحة وعنون باسم ( سمر عامر) وهي التي لا تفقه من الكتابة شيئا حتى أنها ذات يوم في تلك السنة التي انقطع فيها حينما التقاها في أحدى الأماكن العامة وإثناء حوارها معه تبين أنها لا تعرف شكسبير ولا تولستوي ولا دستوفسكي ولا موليير ولا تشيخوف ولا موباسان ، ولا نجيب محفوظ ولا السياب ، ولا ألجواهري ، ولا المتنبي ، وتبين أنها لم تقرأ شيء سوى ثلاث من روايات أجاثا كريستي قدمت لها كهدية من ذلك العجوز،انه غاوية أزياء وعاملة في مجال الموضة؟ أذن كيف حصلت على هذا الشرف ؟ هكذا بقي يدور السؤال في خلده وقد انقسم فؤاده إلى عدة انشطارات وهي يفكر بهذا الدهاء النسوي ! وبعد عام أخر كانت الصفحة الثقافية قد رفعت اسم حامد وقد نشرت مقالا نقديا عن رواية لكاتبة اسمها ( سمر عامر ) كال لها كاتب المقال المديح الوفير وبجلها بما فيه الكفاية وجعلها في مصاف الكاتبات المرموقات ، بينما تذيل الصفحة اعتذار بإزالة عمود الشاعر حامد من الصحيفة نهائيا بحجة عدم تلبيته طموح الجمهور المعاصر ووصول بعض الانتقادات عليه من مثقفي المدينة!! وبعد خمسة أعوام وقعت بيده صحيفة تعنى بالأدب النسوي تبين من خلال صفحة إصدارات إن ( سمر عامر) تباشر هذه الأيام بكتابة روايتها الخامسة على التوالي .....!! بينما كان حامد يلفه الجوع متشرداً في احد شوارع المدينة عازفاً عن الحياة بكافة أشكالها وتمفصلاتها!



#حيدر_الاسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح والدراما وصراع التلقي والإنتاج
- قضايا الفن والتعاطي معها مجتمعياً
- عاهرة الجوع
- اليابان بلا كهرباء ولا برلمان ؟؟!!
- ما يجب ان يقال ...قبل ساعات من الانتخابات البرلمانية
- هل توافقوني الرأي (نحتاج وجوه جديدة تحت قبة البرلمان القادم ...
- هذيان خارج نطاق التغطية ( عندما يتكلم الصمت)
- أنقذوا أطفال العراق يا (.........)
- حوار مع الاديب الدكتور محمد طالب الاسدي
- الاتفاقية الأمنية في الميزان
- المسامحة والمصالحة
- ساسة العراق تجمعوا في البصرة قبل أيام من الانتخابات!! لماذا ...
- أعطني صوتك ... أمنحك النجاح
- لماذا العزوف عن الانتخابات القادمة ؟!
- الاتفاقية الأمنية وجروح العراق المتلاطمة
- بوش أوباما يفوز بالانتخابات الأمريكية !!!
- البصرة سلة خبز العراق ...ولكن
- الصُحف تاريخ كبير وواقع مرير
- أعمال شاقة لا تليق بشقائق الرجال وقوارير العراق
- أرجوحة مايا


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الاسدي - قصة قصيرة ( روائية ولكن ! )