أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - نومي بصرة -قصة قصيرة















المزيد.....

نومي بصرة -قصة قصيرة


كامل الدلفي

الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 24 - 19:39
المحور: الادب والفن
    



اخذت قوله على محمل الجد، كان بارعا في المشورة وسخيا في تقديم المعلومة لمن يطلبها منه دون تأخير، فهو السيد حامد قدري الموظف في قسم ارشيف بلدية العاصمة ، قضى اربعين عاما في الخدمة، تدرج خلالها في غضون الوظيفة ليستقر في درجة رئيس ملاحظين اقدم، بالرغم من انه قد تعين في البدء مستخدما دون الشهادة الابتدائية ، زاملته كأخ اكبر طيلة خدمتنا معا في اقسام مختلفة في المؤسسة ، اثار انتباهي فضوله في التعرف على الخبايا قبل اذاعتها، منذ اللحظة التي دخلت فيها مبنى البلدية وانا حامل كتاب تعييني كمعاون مهندس قبل عشرين سنة ، فلم يتركني وحالي حتى انتزع مني قصار الاجوبة عن اسئلة رشقها صليا في وجهي، لم اتفاجأ حين دخلت صالة العمل التي تضم اكثر من عشرين نفرا ، ثلاثة مكاتب منفصلة يجلس عليها رجال احاطوا انفسهم بهالة من كبرياء وظيفي، وثلاثة طاولات كبيرة توزع عليها الاخرون ، الجميع وجه بصره الى الباب لينظرني مثل حمل صغيريقاد الى حضيرة التربية، جلست على حافة الطاولة في عمق الصالة، همس الذي بجواري، انت مهندس احمد ولم ينتظر اجابتي بل اكمل بلا انقطاع - انا " ابو العز" عزيز الرواف ،وهكذا الاخر والاخر... ، عرفت من الوهلة الاولى ان السيد حامد قدري قد سوقني اعلاميا بين صفوف الموظفين ، خبرت خاصياته المتعددة بمرور الوقت ، وصرت اقلع تدريجيا عن تضايقي منها ، بينما ظل محافظا على مزية الفضول واسداء المشورة ، وتفاقمت لديه روح الدعابة والمرح والمزاح ، فصار من مخففات وطأة الدوام الرسمي ، بل علامة فارقة من تاريخ قسم البلدية ،ذهبت على وفق مشورته في نفس اليوم الذي قررت فيه ادارة القسم ان تستبدل الستائر الشتوية لشباك غرفتي ، الذي يشغل عرض اربعة امتار ، كنت سائرا في الممر الى الحمام ، فتناهي صوت المدير العام الى سمعي وهو يكلم مدير المشتريات الذي رأيت ظهره المنحني الى امام، من الباب المفتوح عن اخره، واقفا باستعداد واصغاء تامين : -"...وغرفة المعاون الفني..." ، كان ذلك يوم الخميس الاول من شهر تشرين الثاني من العام 2007، ونذير شتاء ثقيل يحوم على اجواء العاصمة ، ان ذلك يعنينا كمؤسسة اكثر من غيرنا ، فلاتوجد مؤسسة في العاصمة تنكشف سوءاتها في الشتاء كمثل مؤسستنا.
استلمت خمسين دولارا من السيد مدير المشتريات ،ثمنا لشراء الستائر، ودلفت من فوري الى سوق عبد الله الناشي بناء على مشورة السيد حامد قدري ، الذي هداني في الواقع الى تحفة حقيقية من بين اسواق المدينة ، وكنت عن ذلك في شغل ، قال بلغة ممزوجة بالتهكم وهو يسحب الكلام ببطء مثل شريط لبان من تحت انفه الطويل :- "مجانا ، يبيعون المستورد والمهتورد في سوق الناشي، صيني ، سوري ، ايراني ... ." ولو انني لم اكن اعرف ماذا يعني بالمهتورد ؟ لكنها جاءت بوظيفة التوكيد في سياق جملته ، وعزوت ذلك الى ثقافة البيئة التي يسكنها حامد قدري ، وربما الى اصول امه الكردية فقد عاش عند اخواله في الباب الشيخ بعدوفاة ابيه، فقد سمعت اصدقائي الاكراد دائما ما يرددون عبارات توكيدية مثلها ، كقولهم "كباب – مباب" ، "كراج – مراج" وسواها ، لكني فطنت الى ابتسامة متوارية بين ثناياه ، فسرت مردها الى كلمات مضمرات قد يكون قد قالهن في سره قبل ان يعطي مشورته من مثل" ياغبي" او "ياجلف" او "يا ابله"، قلت له ذات مرة انك تقبض ثمن مشوراتك من الاخرين "تلذذا" ،فظل فاغرا فاه،وقاطعني اسبوعا كاملا.
وصلت السوق وهالني كثافة المتسوقين للسلع التي لايحصى تنوعها وكمياتها، فقطعت منعرجات السوق الشاقولية ومنعطفاته الافقية ، مأخوذا بسحر المعروضات وفاغرا فمي عجبا كصورة الاطفال الذين هالهم جمال الملاعب في الاعياد، كنت تائها فاقدا لحيوية تركيزي ، فات وقت حتى تنبهت الى مقدار حاجتي اليه فعمدت الى الاقتصاد بالوقت واتخذت قرارا عاجلا بضرورة التوجه الى قسم المفروشات والستائر، اذ لابد من الخروج من السوق.
داهمتني موجة حزن خفيفة عابرة ، مردها التوجه الاستهلاكي للبلاد والمحرة الحقيقية للعملات الصعبة التي تغادر الى الدول المنتجة لهذه السلع ، و"اوف"حارقة تمر من القلب الى الشفتين عن ضياع الصناعة والانتاج وغياب فرصة الاكتفاء الذاتي، ولكن....
تبدد حزني وزال سريعا،مثل وجبات الطعام السريعة التي وصلتنا مع موجة مطاعم الماكدوناد القادمة بقوة. وتبدل وجوم المحيا الى بشاشة حين استذكرت الحسرات والاهات التي سفحناها ونحن نبيع حاجيات عوائلنا واثاث منازلنالسد متطلبات المعيشة في سنوات الحصار الذي فرضه مجلس الامن الدولي المؤقر!
لقد كان اقتناء مثل هذه السلع يعد ضربا من الخيال قبل خمسة اعوام فقط.
ان لم يدلني احد على قسم الستائر فلن اتمكن من الاهتداء اليه بمفردي،فاشار الذي سالته الى ان القسم على بعد منعطفين الى اليمين.. وقبل ان اتخطى المحال نهائيا اوقني احدهن قبالته عنوة ، لم اعرف سر توقفي . هل كان يعود الى طريقة العرض الباهرة والتوزيع المتقن للبضائع ، ام الى جاذبية المراة التي وقفت كملاك حارس في مقدمة المحل فملأته غنجا و بهاء ؟.
يحتمل انه جاء بفعل العاملين معا ،فانا اشبه بحصان اصيل مدرب ادرك دلالة اللكزة الخفيفة ، لما لها من اثر وايقاع غائرين في العمق. تسمرت قدماي ، وذهلت مداركي امام فيوضات اللذة وخدوشاتها التي كشفتها نظرات امرأة ، واشاحت عن عري لظلال معتمة . كنت قد اغمضت عيني امام مساحة اللون التقني التي تأخذ العقل في نزهة لذيذة بين اطياف ومفردات القفزالتكنلوجي لمنظومة الشرق الاسيوي ، وظننت اني اقترب من حلم، غير ان الحقيقة كنت كمن يتقي ثقلا متجها الى اصابة راسه، الخوف الذي يتكثف مع تفكيرنا لم يجعلني افهم ما الذي اعطى الامور عمقا بايولوجيا كهذا الذي صرت اعاني من وطأته ، فقد شبهت نفسي بصيد في انشوطة ، كمتاعب بلبل ابله. وجهها المنور المستدير لم يبخل على الرغم من رزانة المحيا بمراسم البشاشة والتهليل ، ان قصرقامتي المعتاد لايقابل الى نصف قوامها الممشوق ، ما اوحى الي بامور وعقد غامضة ، وعيناها تقدحان مثل عيني قط فرضتا على عيني الانكسار والتردد بينهما وبين عصارة الفواكه ،وقد تلمست خيطا واصلا في وظيفة مشتركة بين الاثنين .
بلت شفتيها الحمراوين بطارف لسانها المدبب الذي امرته بشهوة جائعة عليهما ، ما توانت حتى عظت على شفتها السفلى ثم اخرجتها، وحركت اللسان ككائن منفصل يسبح في تجويف خوخة حمراء ناضجة .
الاصعب ما رايته من وهن من قلبي الذي تماهى واستسلم فايقنت من عدم سلامته،وحركت ريقها بحركات متعطشة لشراب ،واهتز جانبا فمها كالتأثرات التي تحصل في فم اي احد حين النظر الى من يتناول ليمونا اوتمر هند اونومي بصرة ، فاعتراني هاجس التحول الى ليمونة كبيرة تزن 100كغم ، فلم اقو على مغادرة الشعور النباتي الفض ، فشعرت باوجاع مبرحة على مساحة القشرة الصفراء التي تحيطني بسمك 15مليمترا.جراء الشعور المخيف من قساوة الحشر القسري في فوهة " العصارة" وراودني ان اسأل هل تتمكن هذه الماكنة من عصر هذه الليمونة العملاقة ؟ وكم ستستغرق من الوقت؟ اجهدني ترقب الانعصار. وتطايرت زيوت نفاذة من قشرتي كاجراءات دفاع غريزي ، انتجت اساليب الدفاع الغريزي فكرة الانفلات السريع من السيطرة المضادة،فكسرت بلادة الموقف وانفلتت شجاعتي الى تحرر البايلوجيا الساكنة، فلم اجد بدا من شراءالعصارة بخمسين دولارا بنفس نقود الستائر، ترددت فيما بعد كثيرا في حساب النتيجة وتصنيفها حسب المعايير التقليدية فلم تدخل قوائم الربح والخسارة او الهزيمة والانتصار.
جلسنا ليلا انا وريتا وعلي وامهما وضحكنا من القلب ، وعصرنا فواكه حتى بعد منتصف الليل ، رمان ، موز ، بطيخ ، قمر الدين ، ليمون ، برتقال ، ونحن نضحك بعمق من تفاصيل الحادثة.
قالت ريتا وهي تضع ابريق نومي البصرة المعتق البارد الحلو بيننا :
- درسنا في علم النفس مايشبه موقفك مع هذه المرأة " لوحت امهما الى جودة تخمير نومي البصرة الذي لايحتاج الى اي ماكنة " وذلك ردا على تفخيم الموضوع من قبل ريتا بحسب رايها، بينما استرسلت ريتا: ارى ان عيون المراة مثلت صورة رمزية لتأثيرات سلطوية اختزنتها في حياتك ومثلت دور الارادة السليبة وذلك يحدث في عالم البايلوجيا كثيرا ، يقوم الفأر بتقديم نفسه لقمة سريعة للقط بعد ان يلعب عليه كثيرا فالقط لا ياكل الفار وهو حي الى بعد ان يقتله لذلك يدعي الفار الموت من اجل خدمة القط، والحمل يسهل مهمة الذئب فيقوم بالركض امامه للانفصال عن قطيعه،والجنود يفعلون ضد مشيئتهم في حضرة ضباطهم وآمريهم.
قلت: ان الناس تتماهى مع مصادرالخوف فترة طويلة بعد زوال المؤثر.
ضحكت ضحكة قلبية نادرة وكدت اشرق من حلاوة كأس نومي البصرة الاخير الذي شربته.



#كامل_الدلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حداء الكلك - قصة قصيرة
- الدستور دليل عمل دائم وليس شاهد حسب المزاج. قراءة في اختراقا ...
- هل أتاك حديث التظاهرة ؟
- العلق - قصة قصيرة
- حديث في مفهوم المواطنة والهويات الفرعية
- جماهير اليسار في العراق بين استبداد الماضي وتعسف الحاضر
- لائحة الارهاب العراقية- وسائل تعرية الملثمين
- ديخوخرافيا
- المعجزة و مقامُ النوّرِ
- الثديال- قصة قصيرة
- عدم إرتقاء العقل العراقي الى التمثل الابستمولوجي لصناعة الحا ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- التاريخ لايجلس القرفصاء..إختصارات موجعة في الذكرى السادسة لإ ...
- المتاهة المهذبة في الدوران حول النص المشرعن للسلطة الغائبة ( ...
- أوباما والحلم الامريكي المفقودهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
- قتلتنا الردة ،دلالات في سوء القصد
- الهجنة المدينية في مثقف اليوم، السائد منه انموذجا!
- تمائم الكاهن الاخير.....(2) قصص قصيرة جدا
- تمائم الكاهن الاخير.....(1) قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - نومي بصرة -قصة قصيرة