أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية و الاشتراكية و حرية الانتقاد















المزيد.....


الماركسية و الاشتراكية و حرية الانتقاد


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 11:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


منذ الثمانينات كنت أشير إلى«أزمة الماركسية العربية»، حيث كنت أعتقد بأن هذه«الماركسية» ليست ماركسية، وأنها تكرر صيغة تبلورت في الاتحاد السوفييتي أسميت«الماركسية اللينيينية» وأطلق الياس مرقص تسمية«الماركسية السوفييتية» وهو يوصفها ، وكنت أشير إلى ضرورة أن تلقَ في«سلة المهملات». لأنها لا تحمل من الماركسية سوى«الأشكال» أي الكلمات، بينما يقبع في عمقها منطق أكثر من مثالي، وأقصد لاهوتي. وكان وجود الاتحاد السوفياتي يمدها بالأساس الضروري لاستمرارها، وكما بشرعيتها، وأكثر من ذلك بالحسم أنها هي الماركسية. وكانت المسألة الأساسية التي انشغلت بها- ولقد انشغل بها العديد من الماركسيين قبلي- تتمثل في توضيح خواء هذه«الماركسية»، وبالتالي نقد منظوراتها المختلفة، سواء فيما يتعلق بالمسألة القومية، أو فيما يتعلق باختيارات التطور الاقتصادي الاجتماعي، أو فيما يتعلق بماهيتها…إلخ، للوصول إلى أن السياسة التي تتبعها«الماركسية العربية» منافية للماركسية، لأنها بالأساس منافية للواقع.
مع بدء انهيار النظام الاشتراكي في أوربا الشرقية، ومن ثم مع انهيار الاتحاد السوفياتي، جرت عملية تحول«حاسمة»،حيث فتحت معركة بالعيار الثقيل ضد نمط الماركسية التي كانت تسكن عقول الماركسيين العرب، من قبل العديد من الذين كانوا مدافعين أشداء عن«الماركسية الرائجة» ربما كان ذلك ضرورياً، نعم ولكن ما بدا هو أن مشرعاً حكم عملية الانقلاب هذه، لأن«لحظة الانهيار» هي ذاتها «لحظة الانقلاب» دون مسافة ولو بسيطة من أجل التأمل وإعادة الدراسة ومراجعة التجربة. وكأن المسألة تتعلق بقميص متسخ ألقي في سلة المهملات، وليست مسألة
وعي وممارسة، وبالتالي قناعة واقتناع يحتاج تجاوزها إلى وعي مشكلاتها وبالتالي وعي البديل عنها. لهذا بدا هذا الانقلاب وكأنه انتقال من سياسة إلى أخرى، لكنه في الواقع تغيير في الشكل مع تمسك في الأساس والمتابع لما يكتب سيلاحظ بأن الماركسية لازالت غائبة كما كانت في السابق وأن السياسة العملية لا زالت كما كانت. لكن –هذه المرة- انقلب المديح ذماً للأفكار ذاتها، والأشخاص أنفسهم. لهذا طرح السؤال ما الماركسية، وما دورها الواقعي، وهل الاشتراكية ضرورية؟ كما أصبح لينين محط اتهام، وأشير إلى أفكار لماركس تحتاج إلى نفي، وأعيد الاعتبار لبرينشتاين وكاوتسلي وبليخانوف…وإلخ، وإستند إلى غرافنشي انطلاقاً من أنه نقيض لينين. وكذلك طرح سؤال الديمقراطية، بارتباطها، أو بعدم ارتباطها بالماكسية. وأعيد البحث في خيارات تطور الأمم المختلفة، انطلاقاً من ضرورة ترسملها بالتحديد، كما وضح الحزب اللينيني على بساط«النقد»، والمسائل كثيرة، ليبدو أنكل«المحفوظات» السابقة، والتي كانت مجال تبجيل غدت مجال رفض. إنها فوضى عارمة، اختلط فيها السؤال المؤرق، بالإجابة«الهزلية» ومن التلمس الجاد للمشكلات بالتشكيك، ومحاولات الفهم المتزن بالتسرع بإصدار الأحكام و«إعدام» الأشخاص والأفكار. وأقول هنا أن الطابع العام لهذه الموجة لم يكن «عاقلا» بل عبّر عن انقلاب سطحي لأنه أعاد إنتاج السياسات ذاتها وإن في إرهاب جديد، في كلمات جديدة، وعبر حملة «هجومية» قاسية على تصورات اعتبر أنها تصوراته السابقة، رغم أنه كان على النقيض منها، لقد اعتقد بأنه كان لينينياً فبدأ الهجوم على لينين، واعتقد أنه كان يدعو إلى تحقيق الاشتراكية، فبدأ التأكيد على حتمية التطور الرأسمالي كي لا ندخل نفق حرق المراحل وحرف التاريخ عن مساره عبر إرادوية فظة، تملكها لينين في يوم ما. وليصبح مفهوم الثورة طفولياً لأن تجاوز حرف المراحل يفترض«التراكم» عبر الإصلاح!! وليس عبر أي طريق آخر.
لهذا بدأت أداته«الماركسية الرائجة» انطلاقاً من أنها دعت إلى تحقيق الاشتراكية، وطالبت بالثورة عبر اتباعها طريق لينين متجاهلة الطريق الأصلح، طريق كاوتسكي وبليخانوف وقبلهم برنشتاين، وليصبح طريق هؤلاء هو الطريق القويم، المعبر عن ماركسية ماركس!! ولأنني التقطت منطق الماركسية الرائجة منذ الثمانينات، بدا لي بأن هذا الضجيج هزلياً، لأن هذه الحرب هي حرب ضد طواحين هواء، فنقادنا الجدد يفتحون حرباً ضد تصورات وسياسات لم تكن هي سياستهم ولا تصوراتهم، تصورات وسياسات أخرى من جهة، ولإعادة إنتاج سياستهم وتصوراتهم ذاتها من جهة أخرى. ولن أجهد هنا توضيح ذلك لأنني أوضحته في مكان آخر. لكن من الضروري أن نناقش«الأفكار الجديدة»، لكي تتوضح مطابقتها للماركسية، ماركسية ماركس، التي يؤكد النقاد الجدد أنهم يعودون إليها.
هذا ما يتناوله د. هشام غصيب في هذا الكتاب، وهو الماركسي الجاد، المعني بعملية الماركسية وثوريتها، حيث يتناول موجة النقد هذه بشكل عام، ومن ثم يتناول قائداً شيوعياً أردنياً ليخصص الجزء الأساسي في مناقشة كتاب عطية مسوح «الماركسية من فلسفة للتغيير إلى فلسفة للتبرير» الصادر عن دار الينابيع سنة 1995. وأنا أتفق مع د. هشام بالاتجاه الأساسي للنقد، ويتوضح ذلك في كتابي«فوضى الأفكار»، فرغم انقطاعي عنه في فترة التسعينات، إلا أننا تناولنا الزوايا ذاتها تقريباً ونحن ننتقد ما أسميته النقاد الجدد، أو ما أسماه هو «شيوعية ما بعد الانهيار» وخصوصاً تناولنا لطبيعة وعي الماركسية ومن ثم السياسات التي يقود إليها هذا الوعي. ولا شك في أننا مقتنعين بأن هؤلاء لم يعرفوا الماركسية وفي الغالب لم يتطلعوا عليها، سوى عبر الأدبيات السوفياتية المبسطة. رغم«قسوة» هذا الحكم إلا أن مناقشة الأفكار التي يطرحونها توصل- في الغالب- إلى هذه النتيجة، ولهذا يبدو أننا في فوضى،حيث تدمر الماركسية باسم الماركسية، ويشطب لينين باسم ماركس، ويزال هدف الاشتراكية باسم الضرورة التي تفرض الرأسمالية، ويهال التراب على خيار لينين باسم تصفية الحساب مع الماركسية السوفياتية، إننا في فوضى، ولهذا كان من الضروري التحديد، وإعادة ترتيب الصورة، وما يقدمه د. هشام هنا يسهم في ذلك إلى ابعد حدود، فهو يلتقط أساسيات وعي«شيوعي ما بعد الانهيار»، ليؤكد تناقض مفاهيمهم والماركسية، وليشير إلى أنهم لم يتطلعوا – بالأساس- على الماركسية.
واتفقت ود. هشام بأن المشكلة لا تكمن في المراجعة والانتقاد، بل تكمن في أن هذه المراجعة تجري انطلاقاً من «الأدوات القديمة» ذاتها، لهذا تبدو الأفكار الجديدة وكأنها«انتقال من طرف إلى آخر» ليتوضح بأن المنهجية التي تحكمها هي منهجية قديمة، أساسها مفهوم الهوية الأوسطي(وإن لم يقرؤوا كذلك أرسطو) وليس جدل هيغل/ماركس، رغم أن النقاد الجدد يدعون إلى ضرورة التزام الماركسية إنطلاقاً من أنها«الجدل المادي التاريخي» ليبدو أن تحديد الماركسية بأنها الجدل المادي لا يعني شيئاً ما دامت«آلية الذهن» مؤسسة أرسطياً، لهذا سيبدو هذا التحديد فارغاً أو ممراً لأفكار جديدة تتجاوز الماركسية. وإذا عدنا إلى كل الاتجاهات التي تجاوزت الماركسية سنلحظ أنها كانت تبدأ في التخلي عن الجدل هذا ما فعله برنشتاين حينما انتقد«المخلفات» الهيغلية لدى ماركس ويقصد بالتحديد الجدل ولا شك في أن وعي مفاعيل الجدل وارتباطه بمجمل منظومة ماركس هو الذي قاد إلى التخلي عنه كممر للتخلي عن الاشتراكية، حيث أصبح بديله هو منطق«التراكم الكمي» القائم على أساس«موضوعي» حيث تتطور الرأسمالية إلى أن تتعفن فتخلقها الاشتراكية وهنا جرى التمسك بنص ماركس يقوله«إن تشكيلاً اجتماعياً معنياً لا يزول قط قبل أن تنمو كل القوى الإنتاجية التي يتسع لاحتوائها ولا تحل قط محل هذا التشكل علاقات إنتاج جديدة ومتفوقة ما لم تتفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه»
لتكون النتيجة أن«تقل القوى الإنتاجية» لرأسمالية لم تنم ما يكفي لتجاوزها ولقد حكمت هذه النتيجة –كما أشرت- «نظرة كمية» قادت إلى أن تصبح«الأحزاب الاشتراكية» جزءاً من التكوين الرأسمالي.
لهذا سيبدو مستغرباً موقف«النقاد الجدد»، لأن أساس خطابهم يقوم على التمسك بالجدل المادي، لكن النتيجة لم تكن تختلف حيث أن«الجدل المادي التاريخي» يفضي- عبر دراسة الواقع !!- إلى التأكيد على«خرافة الاشتراكية» و«ضرورة الرأسمالية» لأن الرأسمالية لم تستنفد ممكنات وجودها، وأنها«الصيغة الموضوعية» على الضد من كل تصورات«الماركسية الرائجة» التي كانت تسعى إلى تحقيق الاشتراكية حسب هؤلاء النقاد. والغريب أن نص ماركس آنف الذكر هو المستند لهذه الرؤية، كما كان لدى برنشتاين.
ليبدو أن«الجدل المادي التاريخي» ليس مفهوماً، أو صيغة غامضة طرحت كبديل لـ«النظرية الماركسية اللينينية» ذاتها وأقصد«الماركسية السوفياتية» عبر تنسيقها النصوص الماركسية في«موضوعات» لكل منها قوانينها الخاصة، مما حول الجدل إلى«فلسفة تأمل» حيث وضع التاريخ(المادية التاريخية) والواقع( الاقتصادي والسياسي والاشتراكية العلمية وعلم الأخلاق الماركسي)، ليكون صيغة«فلسفية» تهيم بعيداً عن كل هذه الموضوعات. وبالتالي أصبح من الطبيعي أن تظل كذلك لدى«النقاد الجدد» ما داموا لم يعودوا إلى دراسة ألف ياء الماركسية، لأن وعي الجدل المادي وتمثله يفترضان العودة إلى ماركسية ماركس/انجلز ولينين، ودراستهم بتأن وعمق وروية إن تجاوز الماركسية السوفياتية يفترض قراءة ما لم يُقرأ سابقاً ولأقصد الماركسية فالجدل المادي لا يصبح«آلية ذهنية» علمية دون ذلك ولأن الماركسية السوفياتية رفعت الجدل وقولبته وأسست قوانين الواقع بعيداً عنه بدا رمزاً دون معنى ولا فعل بينما يفهم الواقع انطلاقاً من تلك القوانين وهذا ما كان يؤسس للقول بضرورة(حتمية) المرحلة الرأسمالية حيث لا يمكن أن يخلف الإقطاع سوى الرأسمالية وهذا هو أساس فكرة«حرف مسار التاريخ» و«حرق المراحل» عبر الارادوية الفظة…إلخ ما علاقة الجدل بذلك؟ أليست الإرادة أليس الوعي جزءاً من الواقع؟ وبالتالي ألا يشملها الجدل؟ سنلاحظ هنا أن«الجدل المادي التاريخي» يفهم خارج إطار الواقع بما هو بني يسكنها- بالتالي- الوعي والإرادة وإذا كانت«الماركسية السوفياتية» رُبطت بالإرادة ارتبط الجدل بنزع الإرادة، فرغم أن الأستاذ عطية مسوح- مثلا- يسعى لتوضيح كيف أن الماركسية تحولت من«فلسفة للتغير إلى فلسفة للتبرير» سنلحظ بأنه يعمل على تبرير«التطور الطبيعي» (أي العفوي بمعنى ما) بالتالي فهو يرفض أن تصبح الماركسية«فلسفة تغيير» فيعيد هنا إنتاج التصورات التي تداولتها«الماركسية الرائجة» والمتمسكة حتى العظم بضرورة التطور الرأسمالي لكن هذه المرة عبر«طربوش 5 الجدل المادي لهذا يصير د. هشام على أن الماركسية ليست منهجاً معرفياً بل هي نهج ثوري يهدف إلى التغيير وأنا أوافق على ذلك وأعتقد بأن عدم وعي الماركسية كونها منهج مادي جدلي هو الذي يقود إلى التخلي عن طابعها الثوري التغيير لأن وجود التناقض يفرض تفاقمه وتبلور طرفيه ومن ثم حسمها(النفي) ليصبح ممكناً تحقيق التركيب وتحقيق ذلك يفترض- كذلك- تحقيق الكيف عبر الكم بينما سيبدو ما يطرح من قبل«النقاد الجدد» وكأنه يدفع باتجاه تحقيق التراكم الكمي في «طريق واحد» هو الرأسمالية وعبر تجاوز تناقض البرجوازية الطبقة العاملة وإلحاق هذه الأخيرة بالبرجوازية هذا ما حاوله برنشتاين وهذا ما تدعو إليه«فلسفة التغيير».
إذن كما تمسك النقاد الجدد بالجدل المادي دون أن نلحظ مفاعيله في تصوراتهم فإنهم يتمسكون بـ«فلسفة التغيير» دون أن يمس ذلك تصوراتهم ليبدو أن التغيير هو عودة من تخيل ذهني إلى واقع قائم أي جوهرياً ثبات التصورات حيث تسكن«الحتمية» أي الجبرية ذاتها وأقصد ضرورة التطور الرأسمالي فالمطلوب ليس تغيير الرأسمالية بل تبريرها تبرير وجودها وتبرير استمرارها وبالتالي فإذا كان تصور«الماركسية الرائجة«أي الجبرية» يقوم على أساس أن الماركسية اللينينية أي الماركسية السوفياتية هي الماركسية ماركسية ماركس سنلحظ هنا القعر ذاته حيث صيغة« ارتقاء المجتمعات» هي ذاتها كما صاغتها الماركسية السوفياتية لتكون هذه هي الجدل المادي التاريخي وليتركز الهجوم على الماركسية ماركسية ماركس ولينين وبالتالي لتكون الماركسية هذه المرة هي هي« الماركسية اللينينية» أي كمقولات في فلسفة تأملية مقطوعة الصلة بـ« العقل» بفعل« العقل».
ولقد كنت منذ الثمانينات أؤكد على أن الماركسية هي منهجية بالأساس وأن المادي هو أسسها في وقت كانت الماركسية تعرّف كفلسفة أو كنظرية أو كعلم..إلخ وكان المنطق النصي هو منهجها و«العلماء السوفيات» هم أساتذتهم وكبار مفكريها وحيث صيغت في شكل مكتمل عبر أقسامها الأربعة أو الخمسة وأقصد: المادية الجدلية، المادية التاريخية، الاقتصاد السياسي، والاشتراكية العلمية(وعلم الأخلاق الماركسي) لتعتمد كـ«فلسفة، نظرية، علم..» مكتملة ونهائية. وبهذا كانت الدعوة إلى العودة«للماركسية الأصلية» ماركسية ماركس/ انجلز ولينين ضرورية كما كان التأكيد على ماهيتها أي الجدل المادي ضرورياً كذلك لأنه يهدف إلى تجاوز« الماركسية اللينينية» أي الماركسية السوفياتية ولقد كنت أحل منهجية هي الجدل المادي بدل نص مقدس هو الماركسية اللينينية وأحلَّ آليات تفكير بدل نصوص معروضة لكي تحفظ عن ظهر قلب وأيدلوجيا تأسست عل أنقاض الجدل المادي والماركسية الأصلية وكنت في ذلك أعيد الاعتبار لماركس كما للينين وبالأساس كنت أعيد الاعتبار لماهية الماركسية لأسها: الجدل المادي. لكن موجة التسعينات حولت كنه الماركسية إلى واجهة معركة من المفترض أنها ضد الماركسية اللينينية لكنها غدت ضد لينين والروح العلمية والثورية في الماركسية دفاعاً عن الماركسية اللينينية أو على الأقل عن منظوماتها السياسية وكذلك مدخلاً لتجاوز الماركسية وبالتالي يحول الجدل المادي إلى مسخ، حيث أن نقادنا الجدد لا يفهمونه ولا يستطيعون الفهم انطلاقاً منه وإلا كانت كتاباتهم جدلية لهذا يكررون السياسات ذاتها التي حكمت الماركسية الرائجة أي حكمتهم وبالتالي فهم يعيدون إنتاج الخطاب القديم ربما في ثوب جديد مختلط بتصور ليبرالي أجوف أشير إلى ذلك من أجل القول بأن التمسك بكنه الماركسية أي الجدل المادي أمر ضروري بغض النظر عن الاستهلاك المبتذل له ليس إلا وأنه من الضروري كشف ذلك من جهة أخرى إن تحليل المنطق الذي يحكم مجمل الأفكار التي باتت تطرح من قبل«شيوعيي ما بعد الانهيار» يوضح بأن الجدل المادي غريب فيها كما يوضح بأنها لا زالت تحكم لمنطق نصي يقبع فيه لون أرسطي حيث تشكيل هذه الأفكار في التضاد وشيء ما فكر ما ولم تتأسس انطلاقاً من البحث في الواقع استناداً إلى الجدل المادي.
ولا شك في أن موجة الانتقاد التي بدأت منذ التسعينات لامست قضايا صحيحة لكنها عالجتها بطريقة خاطئة أو أن بعض الأفكار التي جرى تردادها استندت إلى نقد سابق من قبل مفكرين ومناضلين حاولوا تحديد مشكلات الاشتراكية والماركسية الرائجة وإن كانت وضعت في سياقات مختلفة أو فهمت بشكل خاطئ أو منقوص لكن تبقى حاجة للتوضيح بأنه لا أنا ولا د. هشام نعتقد بأن الماركسية مكتملة أو أن كل أفكار ماركس أو انجلز أو لينين صحيحة أو أن كل أفكار برنشتاين أو كاوتسكي أو بليخانوف ..إلخ خاطئة إن دراسة الثمرات الماركسي الذي يشمل كل هؤلاء وغيرهم استناداً إلى الجدل المادي هي التي تنتج حدود فكر كل هؤلاء وأيضاً راهنيته حيث يجب أن نلاحظ بأن الجدل المادي هو محو إنجدال كل منظومة الماركسية وهو في الوقت ذاته أساس مطابقة هذه المنظومة والواقع وكذلك أساس عدم انغلاقها لهذا أشير إلى أن العديد من القضايا في الماركسية تحتاج إلى البحث عمق لأن الإجابات حولها ليست حاسمة والكثير منها شابه التباسات هذا إضافة إلى أن نشوء الاشتراكية والتطورات في النمط الرأسمالي العالمي يقدمان واقعاً جديداً يحتاج إلى الدراسة وإعادة إنتاج التصورات الجدل يؤسس لمنظومة مفتوحة ولهذا فهي في حاجة لإعادة إنتاج دائم. وعليه سيبدو الحوار حول الماركسية ضروري وما تناوله د. هشام هنا وكذلك ما تناولته في كتاب فوضى الأفكار جزء من مناقشة جادة للماركسية بما هي ماركسية وبتلويناتها المتعددة إننا بحاجة إلى إعادة بناء الماركسية والحوار أساسي في ذلك إن العديد من القضايا المثارة تحتاج إلى بحث وبالتالي تحتاج إلى إجابات جديدة حيث لا تكفي العودة فيها إلى نصوص ماركس/انجلز أو لينين أو كاوتسكي أو بليخانوف أو تريسكي أو ماوتسي تونغ أو حتى لوكاش وغرافشي…إلخ مثلاً أصبح ضرورياً أن نعيد البحث في علاقة الماركسية بالديمقراطية لكي نفهم كيف تناول ماركس /انجلز ولينين هذه المسالة ولكن أيضاً لكي نفهم سبب تحول دكتاتورية البروليتاريا إلى استبداد شمولي ولا شك في أن المسألة ليست نظرية محضة بمعنى أن الماركسية تحمل بذور الاستبداد نتيجة تأكيدها على الإرادة الذات الوعي بل أنها نتاج واقع الاستبداد نتيجة تأكيدها على الإرادة الذات الوعي بل أنها نتاج واقع ظرف موضوعي وسنلاحظ بأن تناوله هذه المسألة يكشف طبيعة الجدل المادي التاريخي لدى الأستاذ عطية مسوح وكل الاتجاه المجدد لأن مادية الجدل تفرض تحديد التصورات بالواقع وليس العكس حيث يطابق الواقع ما يناظره ما يستجيب لممكناته ويلفظ ما هو خارج الممكن حتى اكثر الأفكار أخلاقية أو إنسانية حتى مفهوم الإرادة يحتاج إلى بحث خصوصاً وأن الميل المثالي يخترق كل النقاد الجدد حيث ل يمكن تحديد الإرادة في إطار الموضوع وبالتالي لا يمكن أن تهيمن إرادة على موضوعها إلا إذا كان الموضوع ذاته يؤسس لذلك لهذا أقول ليس من مقدرات تحديد مصير البشرية فوق قدرات البشر أنفسهم وهي القدرات المحددة بالواقع من هذا المنطلق يبدو مفهوم حرف مسار التاريخ وحرق المراحل متهافتا ويوشي بالميل لتجاوز فعل الإرادة الوعي لمصلحة الموضوع العفوية أي يخرج فعل البشر من معادلة الواقع وبالتالي يلغي وعيهم ونشاطهم لحولهم إلى شيء تتنازعه الظروف ولهذه النتيجة أبعاد خطرة تعلق بالتناقض القائم في الواقع ليكون أساس الميل الإصلاحي الذي يقيم الأخلاق محل الفعل السياسي وانطلاقاً من ذلك تحدد جوهر المنطق الذي يطرحه النقاد الجدد بأنه يقوم على إلغاء مفهوم الثورة وإلغاء مبدأ التحول النوعي وتحويل التناقض إلى منافسة والتعادي إلى تنازع ….إلخ من السلسلة التي تشير تكريس المفعول به بدل الفاعل هذه المسألة تطال مفهوم الحزب الذي هو اتحاد ذات موضوع وعي ممارسة«نخبة/طبقة أو طبقات» إرادة عفوية حيث ينفتح أفق فكفكة العلاقة تلك وتحويل دوره وإذا كان مفهوم المركزية الديمقراطية محط نفي فقد كان بالأساس مفهوماً ملتبساً وأعطيته الماركسية اللينينية معنى استبدادياً لكن هل يمكن لجهاز أن يعمل دون مركز ودون آليات ضبط معينة؟ إذن المسألة تتعلق بمنظومة مفاهيم كانت غائبة عن البحث في قضايا التنظيم بعمق وبوعي لماهية الحزب المشكلة التي تواجهنا ونحن نتابع نقد النقاد تتمثل في أن المفهومات الأساسية غائبة وأن نقدها بالتالي سيكون هزلياً ويتحدد في النفي فقط أو بمواجهتها بأفكار عمومية فهم ضد التنظيم اللينيني ومع الديمقراطية في التنظيم ومارس ذك وسيبدو النقد قائماً على الربط بين لينين وستاليني وهو الربط السابق ذاته لكن المقلوب هذه المرة من المديح إلى الذم من مديح الحزب الستاليني انطلاقاً من أنه لينيني إلى ذم الحزب اللينيني انطلاقاً من أنه ستاليني في كل الأحوال أتمنى النقاش الجاد لهذه المسالة وكل المسائل الأخرى من مفهوم تلاشي الدولة إلى مفهوم الاشتراكية إلى طبيعة النمط الرأسمالي…إلخ حيث أننا إزاء سيل الإدانة الذي لاحق التجربة الاشتراكية منذ أن انهارت نقفز عن التقييم الموضوعي للتجربة من جهة وبالتالي تخسر من جهة أخرى إمكانية الإفادة منها في إعادة صياغة التصورات حول الاشتراكية ونجهد في الدفاع عن مسائل حسمت منذ قرن تقريباً كما نضيع عن التحليل العلمي لطبيعة النمط الرأسمالي العالمي في الوقت الراهن لكن ربما المصلحة فرضت الإفادة من انهيار التجربة الاشتراكية لكي تعيد إنتاج مفاهيم لم تنتج سوى الحركة لاشتراكية الأوربية أي اليساري للرأسمالية وهذه المسألة تلقي ضوءاً على الطبيعة الطبقية لنقادنا الجدد وبالتالي فإن المهمة الراهنة تتمثل في إعادة إنتاج التصورات الماركسية والدفاع عنها في آن معاً مكن أجل تجاوز قسوة التسعينات التي أفضت إلى انهيار عام في صفوف الماركسيين العرب وإلى فوضى انحكمت لموجة عاتية من الانتقاد ومن التشفي وكذلك من الهجوم والإدانة إننا بالتالي إزاء إعادة وعي الماركسية ووعي دورها الواقعي من أجل أن تعود قوة فعل أيضاً.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ممكنات تجاوز الرأسمالية عودة الى ماركس
- مأزق الحركة الشيوعية العربية ملاحظات حول عوامل الإضمحلال
- مشكلات اليسار في الوطن العربي - ما العمل؟
- مشكلات مفهوم المجتمع المدني
- حول الموضوعات من أجل نقاش هادئ لمنهجية و لرؤية - مناقشة لموض ...
- هل الرأسمالية باتت - إنسانية-؟ مناقشات حول العراق
- من أجل المقاومة العراقية الشاملة- 3 - الحركة الشيوعية و مشكل ...
- من أجل المقاومة العراقية الشاملة 2 -3 المقاومة العراقية و ضر ...
- (من أجل المقاومة العراقية الشاملة(1-3 - وضع أميركا في العراق
- الخطاب -الديمقراطي- الأمريكي في -الشرق الأوسط الكبير-
- -g8-ال
- مقدمات الشمولية
- - وعد بوش- و السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني
- عفوية الجماهير و دور الحركة السياسية في الوطن العربي
- دراسة الآليات التي تسمح بتحقيق المقاومة والمواجهة
- آفاق الصراع و دور الماركسية بعد حرب الخليج
- التبشير بالخصخصة
- الطبقة العاملة واليسار في عصر العولمة
- اليسار السوري في واقعه الراهن
- مناقشة لفكر ملتبس المادية والمثالية في الماركسية


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية و الاشتراكية و حرية الانتقاد