أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - قراءة في طبائع الاستبداد ج 8















المزيد.....

قراءة في طبائع الاستبداد ج 8


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 20:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الاستبداد والعلم

حيث يبدأ هذا الفصل بالقول:

ما أشبه المستبدَّ في نسبته إلى رعيته بالوصيّ الخائن القوي، يتصرّف في أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ما داموا ضعافاً قاصرين؛ فكما أنّه ليس من صالح الوصيّ أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبدّ أن تتنوّر الرعية بالعلم.
لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء، فلو كان المستبدُّ طيراً لكان خفّاشاً يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقّف دواجن الحواضر في غشاء الليل، ولكنّه هو الإنسان يصيد عالِمَه جاهلُهُ.
العلم قبسةٌ من نور الله، وقد خلق الله النّور كشّافاً مبصراً، يولّد في النفوس حرارةً وفي الرؤوس شهامةً، العلم نور والظلم ظلام، ومن طبيعة النّور تبديد الظّلام، والمتأمل في حالة كلِّ رئيس ومرؤوس يرى كلَّ سلطة الرئاسة تقوى وتضعف بنسبة نقصان علم المرؤوس وزيادته.
المستبدُّ لا يخشى علوم اللغة، تلك العلوم التي بعضها يقوّم اللسان وأكثرها هزلٌ وهذيان يضيع به الزمان، نعم؛ لا يخاف علم اللغة إذا لم يكن وراء اللسان حكمة حماس تعقد الألوية، أو سحر بيان يحلُّ عقد الجيوش؛ لأنه يعرف أنّ الزمان ضنينٌ بأن تلد الأمهات كثيراً من أمثال: الكميت وحسان أو مونتيسكيو وشيللر.
وكذلك لا يخاف المستبدُّ من العلوم الدينية المتعلِّقة بالمعاد، المختصة ما بين الإنسان وربه، لاعتقاده أنّها لا ترفع غباوةً ولا تزيل غشاوة، إنما يتلهّى بها المتهوِّسون للعلم، حتى إذا ضاع فيها عمرهم، وامتلأتها أدمغتهم، وأخذ منهم الغرور، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذٍ يأمن المستبدُّ منهم كما يُؤمن شرُّ السّكران إذا خمر. على أنّه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبدّ وسيلة لاستخدامها في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنّه يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسدُّ أفواههم بلقيماتٍ من مائدة الاستبداد؛ وكذلك لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً؛ لأنّ أهلها يكونون مسالمين صغار النّفوس، صغار الهمم، يشتريها المستبدُّ بقليل من المال والإعزاز، ولا يخاف من الماديين، لأنّ أكثرهم مبتلون بإيثار النّفس، ولا من الرياضيين؛ لأنّ غالبهم قصار النظر. انتهى النقل .

وهذه حقيقة واقعة، ففي قراءة بسيطة لتأريخ الدولة الاموية أو العباسية، نرى انتشار واسع جداً للآداب بشتى أنواعها، ولكن جميعه كان يصب بصالح الخليفة المستبد أو أفراد حاشيته، حيث كان هؤلاء الشعراء مثلا يبيتون أمام أبواب الملوك كي يوصلوا قصيدة مدح له، ينالون بها رضاه وحفنة كبيرة من المال يعيشون بها، فلم يكن يهمهم كيف يأتي الخليفة بماله هذا، وكم من الناس قد ظلم وقتل حتى جمعه، ولكن جل همهم كيف سينالون المال والعطايا منه .

ثم يقول:
ترتعد فرائص المستبدُّ من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النّوال، وكيف الحفظ. وأخوف ما يخاف المستبدّ من أصحاب هذه العلوم، المندفعين منهم لتعليم النّاس الخطابة أو الكتابة وهم المعبَّر عنهم في القرآن بالصالحين والمصلحين في نحو قوله تعالى: أنّ الأرض يرثها عباديَ الصالحون وفي قوله: وما كان ربُّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون، وإنْ كان علماء الاستبداد يفسِّرون مادة الصلاح والإصلاح بكثرة التعبُّد كما حوّلوا معنى مادة الفساد والإفساد: من تخريب نظام الله إلى التشويش على المستبدين. انتهى النقل .

وهذا ما يحدث بعصرنا الحالي، حيث كل خروج لمظاهرة في بلد ما مطالبة بحقوق وبعض من الحرية، ينعتها المستبد وأزلامه بأنهم مفسدون في الأرض، وجب الاقتصاص منهم، وما ثورتي تونس ومصر، وكذلك ليبيا واليمن والبحرين وسوريا والعراق، إلا أكبر دليل على نفس أسلوب المستبد العربي رغم مرور عشرات السنين، بل مئاتها .

ثم يقول:
والخلاصة: أنَّ المستبدّ يخاف من هؤلاء العاملين الراشدين المرشدين، لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسهم محفوظاتٌ كثيرة كأنّها مكتبات مقفلة! انتهى النقل .

وهذا ما نجده بكثير من مثقفي عصرنا، فهم موسوعة في الآداب، بل ويحفظ البعض منهم آلاف أبيات الشعر، وقرأ لفلان وعلان، وهو كالمكتبة المتنقلة، به كل ما تحب وتريد، ولكنه راض بالضيم الذي يعيشه هو ويعيشه معه مجتمعه، فمن كثر الأسفار التي يحملها، أصبح لا يعرف كيف الخلاص والحرية، فما زادته معرفته إلا اجهادا وضيناً، بدل أن تكون له عوناً.

ثم يقول:
كما يبغض المستبدُّ العلمَ ونتائجه؛ يبغضه أيضاً لذاته، لأن للعلم سلطاناً أقوى من كلِّ سلطان، فلا بدَّ للمستبدِّ من أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علماً. ولذلك لا يحبُّ المستبدُّ أن يرى وجه عالمٍ عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملِّق. وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قوله: (فاز المتملقون)، وهذه طبيعة كلِّ المتكبرين، بل في غالب الناس، وعليها مبنى ثنائهم على كلِّ من يكون مسكيناً خاملاً لا يُرجى لخيرٍ ولا لشرٍّ. انتهى النقل .

نعم فاز المتملقون، ولكن أي فوز هذا، إنه فوز بالمال والجاه والتقرب من السلطان، ولكنه خسارة للنفس وللقيم ولاحترام النفس والناس .

ثم يقول:
وينتج مما تقدَّم أنَّ بين الاستبداد والعلم حرباً دائمةً وطراداً مستمراً: يسعى العلماء في تنوير العقول، ويجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام. ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، كما أنَّهم هم الذين متى علموا قالوا، ومتى قالوا فعلوا. انتهى النقل .

وهذا بالضبط ما رأيناه في كل من تونس ومصر أخيراً، فقد وجدنا العوام ومدى خضوعهم لمستبدهم، فقد كانوا خائفين، مما أدى لاستسلامهم، ثم عقلوا حالهم وعلموا ما كانوا فيه من جهل واستعباد، ففعلوا وثاروا .

ثم يقول:
العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ. بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة. انتهى النقل .

وهذا بالضبط حال شعوب الاستعباد دائماً، فالمستبد يستغل بعضهم ليضرب به البعض الآخر، فيستغل الشرطة في ضرب الشعب كما فعل مبارك وبن علي، أو الجيش في ضربه كما فعل صدام ويفعل القذافي الآن وعلي صالح .

ثم يقول:
والحاصل أنَّ العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة، فإذا ارتفع الجهل وتنوَّر العقل زال الخوف، وأصبح الناس لا ينقادون طبعاً لغير منافعهم، كما قيل: العاقل لا يخدم غير نفسه، وعند ذلك لا بدَّ للمستبدِّ من الاعتزال أو الاعتدال. وكم أجبرت الأمم بترقّيها المستبدَّ اللئيم على الترقّي معها والانقلاب –رغم طبعه- إلى وكيلٍ أمين يهاب الحساب، ورئيسٍ عادل يخشى الانتقام، وأبٍ حليمٍ يتلذذ بالتحابب . وحينئذٍ تنال الأمة حياةً رضيّة هنية، حياة رخاء ونماء، حياة عزّ وسعادة، ويكون حظّ الرئيس من ذلك رأس الحظوظ، بعد أن كان في دور الاستبداد أشقى العباد؛ لأنه على الدوام ملحوظاً بالبغضاء، محاطاً بالأخطار، غير أمين على رياسته، بل وعلى حياته طرفة عين؛ ولأنه لا يرى قطّ أمامه من يسترشده فيما يجهل؛ لأنَّ الواقف بين يديه مهما كان عاقلاً متيناً، لا بدَّ أن يهابه، فيضطرب باله، فيتشوش فكره، ويختلّ رأيه، فلا يهتدي على الصواب، وإن اهتدى فلا يجسر على التصريح به قبل استطلاع رأي المستبدّ، فإن رآه متصلِّباً فيما يراه فلا يسعه إلا تأييده راشداً كان أو غيّاً، وكلُّ مستشار غيره يدَّعي أنَّه غير هيّاب فهو كذَّاب؛ والقول الحقُّ: إنَّ الصدق لا يدخل قصور الملوك؛ بناءً عليه؛ لا يستفيد المستبدُّ قطُّ من رأي غيره، بل يعيش في ضلال وترددٍ وعذابٍ وخوف، وكفى بذلك انتقاماً منه على استعباده النّاس وقد خلقهم ربهم أحراراً. انتهى النقل .

وهو وصف دقيق جداً لحال حاشية الملك، فهم يخافونه، ويوحون اليه بما يريحه ويرضيه، لا بما يريح العامة ويرضيها بالعدل والحرية، فاستشارتهم هي شر استشارة .

ثم يقول
إنَّ خوف المستبدّ من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه؛ لأنَّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقُّه منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل؛ وخوفه عن عجزٍ حقيقي فيه، وخوفهم عن توهّم التخاذل فقط؛ وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على لقيمات من النّبات وعلى وطنٍ يألفون غيره في أيام؛ وخوفه على كلِّ شيء تحت سماء ملكه، وخوفهم على حياةٍ تعيسة فقط. انتهى النقل .

وهذا وصف دقيق للفرق بين المستبد والمستعبد، فالأول خائف لعلمه والثاني لجهله، والاول خوفه عن عجز حقيقي والثاني عن توهمه لعجزه بينما هو غير عاجز، والاول خائف لزوال سلطانه والثاني لا يستحق أن يخاف على لقيمات قليلة ذليلة، فمن أحرى بالخوف من الثاني ؟، هل المستبد أم المستعبد ؟!.

ثم يقول:
كلما زاد المستبدُّ ظلماً واعتسافاً زاد خوفه من رعيّته وحتّى من حاشيته، وحتى ومن هواجسه وخيالاته. وأكثر ما تُختم حياة المستبدِّ بالجنون التّام. قلت: (التام) لأنّ المستبدَّ لا يخلو من الحمق قطّ، لنفوره من البحث عن الحقائق، وإذا صادف وجود مستبدٍّ غير أحمق فيسارعه الموت قهراً إذا لم يسارعه الجنون أو العته؛ وقلتُ: إنه يخاف من حاشيته؛ لأنَّ أكثر ما يبطش بالمستبدين حواشيهم؛ لأنَّ هؤلاء أشقى خلق الله حياةً، يرتكبون كلَّ جريمةٍ وفظيعة لحساب المستبدِّ الذي يجعلهم يمسون ويصبحون مخبولين مصروعين، يُجهدون الفكر في استطلاع ما يريد منهم فعله بدون أن يطلب أو يصرِّح. فكم ينقم عليهم ويهينهم لمجرَّد أنهم لا يعلمون الغيب، ومن ذا الذي يعلم الغيب، الأنبياء والأولياء؟ وما هؤلاء إلا أشقياء؛ أستغفرك اللهم! لا يعلم غيبك نبيٌّ ولا وليٌّ، ولا يدّعي ذلك إلاّ دجّال، ولا يظنُّ صدقه إلاّ مغفَّل، فإنَّك اللهم قلت وقولك الحقّ: فلا يظهر على غيبه أحداً وأفضل أنبيائك يقول: «لو علمتُ الخير لاستكثرت منه». انتهى النقل .

وهذا حال الحاشية دائماً، مذمومة ومهانة من قبل المستبد على طول الخط، وهو لا يغفر لهم خطاياهم بحقه، بل يريدهم أن يقرؤوا أفكاره قبل أن يقولها، ويا ويل من يخطأ .

ثم يقول:
من قواعد المؤرِّخين المدققين: إنَّ أحدهم إذا أراد الموازنة بين مستبدَّين كنيرون وتيمور مثلاً، يكتفي أن يوازن درجة ما كانا عليه من التحذُّر والتحفُّظ. وإذا أراد المفاضلة بين عادلين كأنو شروان وعمر الفاروق، يوازن بين مرتبتي أمنهما في قوميهما.
لما كانت أكثر الديانات مؤسسة على مبدأي الخير والشر كالنور والظلام، والشمس وزحل، والعقل والشيطان، رأت بعض الأمم الغابرة أنَّ أضرَّ شيء على الإنسان هو الجهل، وأضرّ آثار الجهل هو الخوف، فعملت هيكلاً مخصصاً للخوف يُعبد اتقاءً لشرِّه. انتهى النقل .

بل أكثر تابعي الأديان السابقة إن لم يكن كلها يعملون هياكل للآلهة التي يخافونها، ويقدمون لها القرابين والأضاحي حتى تبعد بأسها عنهم .

ثم يقول:
قال أحد المحررين السياسيين: إني أرى قصر المستبدِّ في كلِّ زمان هو هيكل الخوف عينه: فالملك الجبار هو المعبود، وأعوانه هم الكهنة، ومكتبته هي المذبح المقدَّس، والأقلام هي السكاكين، وعبارات التعظيم هي الصلوات، والناس هم الأسرى الذين يُقدَّمون قرابين الخوف، وهو أهم النواميس الطبيعية في الإنسان، والإنسان يقرب من الكمال في نسبة ابتعاده عن الخوف، ولا وسيلة لتخفيف الخوف أو نفيه غير العلم بحقيقة المخيف منه، وهكذا إذا زاد علم أفراد الرعية بأنّ المستبدَّ امرؤٌ عاجز مثلهم، زال خوفهم منه وتقاضوه حقوقهم.
ويقول أهل النظر: إنَّ خير ما يستبدل به على درجة استبداد الحكومات؛ هو تغاليها في شنآن الملوك، وفخامة القصور، وعظمة الحفلات، ومراسيم التشريفات، وعلائم الأبَّهة، ونحو ذلك من التمويهات التي يسترهب بها الملوك رعاياهم عوضاً عن العقل والمفاداة، وهذه التمويهات يلجأ إليها المستبدُّ كما يلجأ قليل العزِّ للتكبُّر، وقليل العلم للتصوُّف، وقليل الصِّدق لليمين، وقليل المال لزينة اللباس.
ويقولون: إنَّه كذلك يُستدلُّ على عراقة الأمة في الاستعباد أو الحرية باستنطاق لغتها؛ هل هي قليلة ألفاظ التعظيم كالعربية مثلاً؟ أم هي غنية في عبارات الخضوع كالفارسية، وكتلك اللغة التي ليس فيها بين المتخاطبين أنا وأنت، بل سيدي وعبدكم؟! انتهى النقل .

وهنا أخالف المؤلف، فالعربية وإن كانت لا تحوي ذاك الكم من كلمات العبودية، ولكن بها ما يكفي حتى استعبدت من حكامها، ثم يعتبر من غير اللائق في العربية مخاطبة الفرد بأنت دون تقديم وتجليل .

ثم يقول:
والخلاصة أنَّ الاستبداد والعلم ضدان متغالبان؛ فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم، وحصر الرعية في حالك الجهل. والعلماء الحكماء الذين ينبتون أحياناً في مضايق صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار النّاس، والغالب أنَّ رجال الاستبداد يُطاردون رجال العلم وينكلون بهم، فالسعيد منهم من يتمكّن من مهاجرة دياره، وهذا سبب أنَّ كلَّ الأنبياء العظام - عليهم الصلاة والسلام وأكثر العلماء الأعلام والأدباء والنبلاء- تقلَّبوا في البلاد وماتوا غرباء. انتهى النقل .

وهذه الحقيقة موجودة في كل الأمم ذات حكام مستبدين، وفي كل العصور، فالعالم مطرود ومنكل به في بلده، وهو مرغوب بغربته .

ثم يقول:
إنَّ الإسلامية أولَّ دين حضَّ على العلم، وكفى شاهداً أنَّ أول كلمة أُنزلت من القرآن هي الأمر بالقراءة أمراً مكرراً، وأوَّل مِنَّةٍ أجلَّها الله وامتنَّ بها على الإنسان هي أنَّه علَّمه بالقلم. علَّمه به ما لم يعلم. وقد فهم السَّلف الأول من مغزى هذا الأمر وهذا الامتنان وجوب تعلُّم القراءة والكتابة على كلِّ مسلم، وبذلك عمَّت القراءة والكتابة في المسلمين أو كادت تعمُّ، وبذلك صار العلم في الأمة حراً مباحاً للكلِّ لا يختصُّ به رجال الدّين أو الأشراف كما كان في الأمم السابقة، وبذلك انتشر العلم في سائر الأمم أخذاً على المسلمين! ولكنْ؛ قاتل الله الاستبداد الذي استهان بالعلم حتى جعله كالسلعة يُعطى ويُمنح للأميين، ولا يجرؤ أحد على الاعتراض، أجل؛ قاتل الله الاستبداد الذي رجع بالأمة إلى الأمية، فالتقى آخرها بأولِّها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال المدققون: إنَّ أخوف ما يخافه المستبدون الغربيون من العلم أن يعرف الناس حقيقة أنَّ الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزَّها، والشّرف وعظمته، والحقوق وكيف تُحفظ، والظلم وكيف يُرفع، والإنسانية وما هي وظائفها، والرّحمة وما هي لذّاتها.
أما المستبدون الشرقيون فأفئدتهم هواء ترتجف من صولة العلم، كأنّ العلم نار وأجسامهم من بارود. المستبدون يخافون من العلم حتى من علم الناس معنى كلمة (لا إله إلا الله)، ولماذا كانت أفضل الذكر، ولماذا بُني عليها الإسلام. بُني الإسلام، بل وكافة الأديان على (لا إله إلا الله)، ومعنى ذلك أنّه لا يُعبد حقاً سوى الصانع الأعظم، ومعنى العبادة الخضوع ومنها لفظة العبد، فيكون معنى لا إله إلا الله: "لا يستحق الخضوع شيءٌ غير الله". وما أفضل تكرار هذا المعنى على الذاكرة آناء الليل وأطراف النهار تحذُّراً من الوقوع في ورطة شيء من الخضوع لغير الله وحده. فهل –والحالة هذه- يناسب غرض المستبدين أن يعلم عبيدهم أنْ لا سيادة ولا عبودية في الإسلام ولا ولاية فيه ولا خضوع، إنما المؤمنون بعضهم أولياء بعض؟ كلا؛ لا يلائم ذلك غرضهم، وربما عدّوا كلمة (لا إله إلا الله) شتماً لهم! ولهذا؛ كان المستبدون –ولا زالوا- من أنصار الشِّرك وأعداء العلم.
إنَّ العلم لا يناسب صغار المستبدين أيضاً كخَدَمَة الأديان المتكبِّرين وكالآباء الجُهَلاء، والأزواج الحمقى، وكرؤساء كلِّ الجمعيات الضعيفة. والحاصل: أنَّه ما انتشر نور العلم في أمةٍ قطّ إلا وتكسَّرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدّين من رؤساء سياسة أو رؤساء دين.


محمد الحداد
22 . 04 . 2011



#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة لخروج العراق من جامعة الدول العربية
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 7
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 6
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 5
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 4
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 3
- ماذا قال مبارك لوزرائه في أعقاب يوم الغضب؟
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 2
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 1
- بحث مقارن ج 14
- قصيدة مجهولة النسب
- بحث مقارن ج 13
- بحث مقارن ج 12
- بحث مقارن ج 11
- بحث مقارن ج 10
- بحث مقارن ج 9
- بحث مقارن ج 8
- بحث مقارن ج 7
- بحث مقارن ج 6
- بحث مقارن ج 5


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - قراءة في طبائع الاستبداد ج 8