أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - مجرمون ولكن لا يشعرون















المزيد.....

مجرمون ولكن لا يشعرون


واثق غازي عبدالنبي

الحوار المتمدن-العدد: 3342 - 2011 / 4 / 20 - 08:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المقدمة:

عندما تقودنا أفكارنا ومعتقداتنا إلى معاداة الآخرين الذين يختلفون معنا في العقيدة وطريقة التفكير، وإلى اضطهادهم أو استباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، عندما يحدث هذا، فان العقيدة تصبح خطراً على صاحبها وعلى المحيطين به، وعندئذ يتحول صاحب هذه العقيدة إلى مجرم لا يخضع إلى القانون بل إلى ما تمليه عليه عقيدته، وهذا ما يطلق عليه بالجريمة العقائدية.
إن كل عقيدة تدعي لنفسها الحق بالترويج لمبادئها وأفكارها عبر استخدام العنف حتى ولو في أضيق الحالات فأنها بالإمكان أن تعد من العقائد التي تساهم في صنع الجريمة، وبالتالي اعتبارها المسئولة عن شيوع الجريمة العقائدية. ولعل أكثر الجرائم شيوعاً في عصرنا هذا، وربما في العصور السابقة أيضاً، هي الجريمة العقائدية التي يرتكبها صاحبها وهو مرتاح الضمير ضاناً أن له الحق المطلق بارتكابها. فهو يرى في نفسه المنقذ من الضلال أو المدافع عن حقوق المضطهدين أو الساعي إلى نصرة المظلوم أو حتى الناطق الرسمي باسم الله.
لعلي لا أغالي إذا قلت أن العصر الحالي على الرغم من كونه عصر التقدم التكنولوجي والعلمي إلا أنه في نفس الوقت عصر التخلف العقائدي. فهناك عدد كبير من العقائد الشائعة، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية، لم تجلب إلى البشرية سوى الكراهية والعدوان والظلم والاضطهاد والقتل الجماعي. أنها عادة ما تزرع في نفوس معتنقيها فكرة احتكار الحقيقة، وليس امتلاكها فقط، وبالتالي الحق المطلق في إتيان الفعل الإجرامي ضد الآخر المخالف. ونادراً ما نجد صاحب عقيدة من هذه العقائد وهو يملك في قلبه ووجدانه المحبة للجميع، فهو شديد الحب لمن يشتركون معه في العقيدة، وشديد البغض أو الحقد على المخالفين له. ومن الجدير بالذكر بأنه ليست كل جرائم العقائد الدينية سببها الكره والبغض، فهناك بعض العقائد الدينية تدفع صاحبها إلى ارتكاب الجريمة باسم المحبة والعطف وجلب الخير للآخرين.
إن احتكار الدين او المتدينيين للحقيقة هي السبب الرئيس والمباشر لشيوع جريمة العقيدة الدينية. فالمجرم العقائدي هو شخص يدعي لنفسه احتكار الحقيقة وليس امتلاكها فقط. بمعنى أن الحقيقة تقف إلى صفه دائماً وأن ليس هناك أي احتمال في وقوفها إلى جانب المخالفين له. ويترتب على هذا الاعتقاد الجازم باحتكار الحقيقة عدد من السمات هي: التعصب والتطرف والعنف. وهي متلازمات الجريمة العقائدية. لذلك نرى أن جريمة العقيدة الدينية هي النتيجة الطبيعة لفكرة احتكار الدين أو المتدينيين للحقيقة.

تعريف الجريمة العقائدية:

يعرف المحامي شاكر العاني في كتابه (الجريمة) مجرمي العقيدة على أنهم: (الأشخاص الذين يرتكبون الجريمة كواجب تفرضه عقيدتهم، لا بد من تأديته، متأثرين بما تحتمه ضمائرهم وتفرضه عقائدهم عليهم دون التقيد بأحكام القانون الجنائي، يعلو في نفوسهم واجب العقيدة على واجب احترام القانون) [ص 74]. إن هذا التعريف الذي قدمه المحامي شاكر العاني تعريف دقيق ومهم، وهو يقرر حقيقتين هامتين حول الجريمة العقائدية هما:
أولاً: إن الجريمة من وجهة نظر المجرم العقائدي عمل واجب لا بد من تأديته، أي أنه عمل لا يجوز تركه، بل أن تركه يعد جريمة وليس القيام به. فالمجرم العقائدي إنسان يعمل وفقاً لدوافع عقائدية توجه ضميره.
ثانياً: إن القانون الجنائي لا يحظى باحترام المجرم العقائدي لذلك فالالتزام به ليس واجباً، بل أن واجب احترام العقيدة والعمل بها يفوق كثيراً واجب احترام القانون الجنائي، وهذا يعني أن الجريمة العقائدية تنشأ في مجتمع تسوده عقائد متناقضة أو متضاربة، عقائد وضع بموجبها وعلى أساسها القانون وعقائد لا يعترف أصحابها بهذا القانون.
من الجدير بالذكر، أن الجريمة العقائدية تختلف عن بقية الجرائم في أنها تستند إلى عقيدة تبيح لصاحبها استخدام العنف ضد الآخر المخالف أو حتى المتفق أحياناً، وبالتالي يرتكبها معتنق العقيدة دون أن يشعر انه يرتكب جريمة، أي أن جهل المجرم العقائدي جهل مضاعف أو جهل مركب، لأنه يرتكب الجريمة ولا يعرف أنها جريمة، بعكس بقية أنواع الجرائم التي ربما يرتكبها فاعلها وهو يعرف انه يرتكب جريمة حتى ولو كان يضع لنفسه مبررات كالفقر والحاجة وغير ذلك، لكنه في النهاية يعترف ولو أمام نفسه فقط انه ارتكب جريمة، بينما المجرم العقائدي لا يعترف بوجود جريمة أصلاً تحت أي ظرف من الظروف.

مجرمون ولكن لا يشعرون:

يؤكد علماء النفس والأجتماع على أننا نخضع لعقائدنا وفقاً لسلطة العقل الباطن الذي يجعلنا حبيسي هذه العقائد نتيجة لعوامل الجهل والأنوية والعاطفة والمصلحة. وأن إيماننا المطلق بصحة عقائدنا تلك يقودنا إلى تصغير الآخرين والحط من عقائدهم، وبالتالي العمل على محاربتهم بالقول أو العمل، وقد يئول بنا الأمر، إذا توفرت الظروف المناسبة، إلى ممارسة العنف ضدهم أو ارتكاب الجرائم بحقهم. وكل هذا يتم ونحن مرتاحي الضمير، ضانين أننا نحسن خيراً للبشرية أو أن عملنا هذا قد يكسبنا رضا الله ويورثنا جنة الخلد. وإذا كان اغلبنا يشعر ويتصرف بنفس هذه الطريقة، فأنه من الضروري أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: (هل نحن مجرمون عقائديون؟)،
لعلي لا أغالي إذا قلت أن أغلبنا ارتكب الجريمة العقائدية ولكن دون أن يشعر. فبعضنا قد يكون مجرم بالتفكير القائم على احتكار الحقيقة، وليس امتلاكها فقط، وبالتالي تجده في داخله يحتقر ويستصغر كل من يخالفه في العقيدة. وبعضنا قد يكون مجرم بالقول، فلعله ممن يحرضون على العنف أو الجريمة ويعدها من أعمال الخير والبر والشجاعة والوطنية والإنسانية إلى غير ذلك. وبعضنا قد يكون مجرم بالعمل، فيكون الأداة التنفيذية الساعية إلى نشر العقيدة أو الأيديولوجية التي يرى أنها صحيحة عن طريق القوة، بالحرب تارة وبالتفجيرات الانتحارية تارة أخرى.
ربما الكثير من الناس هم مجرمون عقائديون ولكن لا يشعرون، لأنهم يدعون لأنفسهم احتكار الحقيقة، ومن كان لا يدعي ذلك فمن حقه أن يبرئ نفسه من هذه التهمة. واحتكار الحقيقة يختلف عن امتلاكها، فمن يدعي امتلاك الحقيقة لا يمنعها عن الآخرين المخالفين له، فهو يعطيهم حق امتلاكها أيضاً، وكثيراً ما تجده يقول، علناً أو سراً، لعل الحق معهم وليس معي. أما الذي يحتكر الحقيقة فهو الذي يمنعها عن الآخرين تماماً، ولا يمكن أن يخطر على باله أن المخالفين له قد يملكونها مثلما يملكها هو، وإذا خطر على باله مثل هذا الخاطر استعاذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يوسوس له ليزيغه عن الصراط المستقيم.
إن المجرم العقائدي محتكر للحقيقة، ويعتبر الشك في أي جزئية من جزيئات عقيدته ضعف في الإيمان أو وسوسة من الشيطان أو كلاهما معاً. وهذا الكلام يشمل أغلب أصحاب العقائد في العالم، سواء كانت عقائد دينية (سماوية أو غير سماوية) أو عقائد سياسية (علمانية، لبرالية، ديكتاتورية، ديمقراطية.. الخ) أو عقائد اجتماعية (بدوية أو ريفية أو حضرية). وذلك لأن عدم الاعتراف بإمكانية امتلاك الآخر للحقيقة هو الذي يدفعنا إلى التعصب والتطرف والعنف وبالتالي الجريمة العقائدية.
إن دائرة الجريمة العقائدية سوف لن تتوقف عن التوسع مادمت هناك في العالم عقائد تبرر استخدام العنف ضد الآخر المخالف، وما دام هناك احتكار للحقيقة. فعبارات من مثل (العنف المشروع) أو (الإرهاب المبرر) أو (الحرب المقدسة) أو (قال لي الله) أو (الحرب لأجل الديمقراطية) إلى غير ذلك من العبارات والشعارات، هي المسئولة عن شيوع الجريمة العقائدية في العالم. ونود هنا أن نؤكد مرة أخرى أن الغالبية العظمى من البشر يمارسون هذه الجريمة، سواء كانوا متدينين أم غير متدينين، وسواء كانوا فاتحين أو محررين، وسواء كانوا محتلين أو مقاومين، وسواء كانوا ديمقراطيين أو دكتاتوريين، لأن النتيجة واحدة، فجميعهم ينتهكون كرامة الإنسان ويجعلونه في المنزلة الأخيرة من منازل المقدسات أو الأهداف أو الغايات، ولأنهم يضحون بالإنسان لأجل إعلاء عقائدهم والقضاء على عقائد مخالفيهم، ولأنهم يقتلون الإنسان ضانين أنهم يحسنون صنعاً، يعلو في نفوسهم واجب احترام العقيدة على واجب احترام الإنسان.

كلمة اخيرة:

الرسالة التي تحملها هذه المقالة باختصار هي أنه علينا أن نعتني بعقائدنا، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وعلينا أن نجعل نتائج إيماننا بهذه العقيدة أو تلك مقياساً لصواب أو خطأ العقيدة. فالعقيدة التي تدفعنا إلى ممارسة العنف ضد الآخر، تارة باسم المحبة وتارة باسم البغض، لا يمكن لها أن تكون عقيدة خالية من الخطأ، ويتوجب علينا عندئذ أن نعيد النظر فيها فنعدلها بما ينسجم مع واقع اللاعنف وبالتالي السلام المنشود. وهذا الكلام يصدق على جميع أنواع العقائد سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية، ولكننا نود التشديد على جرائم العقيدة الدينية لما لها من أهمية ودور كبيرين في حياتنا المعاصرة، وكذلك للدور الذي لعبته عبر التاريخ الطويل للبشرية.
وغايتنا النهائية من وراء كتابة هذه المقالة هي أن نطرح عقيدة اللاعنف حلاً لمشكلة شيوع الجريمة العقائدية. وخلاصة عقيدة اللاعنف هي أنه من حقك أن تؤمن بما تشاء من عقائد دينية، ولكن لا تدعي احتكار الحقيقة، أي لا تنسب لنفسك الحق المطلق الذي يبيح لك أن تستخدم العنف ضد الآخر تحت أي مسمى كان، فليست هناك عقيدة تخول صاحبها أن يستخدم العنف مع الإنسان، لأن الإنسان أكرم المخلوقات، وجدت العقائد لأجله، ولم يوجد هو لأجلها.



#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الطاقة الكهربائية في العراق .. لا تنمية ولا استقرار بدو ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - مجرمون ولكن لا يشعرون