أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - مهند عبد الحميد - جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل















المزيد.....

جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل


مهند عبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 3341 - 2011 / 4 / 19 - 13:01
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    



فيتوريو المتضامن الإيطالي الوحيد الذي قرر البقاء في غزة أثناء الحرب الوحشية في العام 2008، وقادته مواقفه الشجاعة والنبيلة إلى حد التوحّد مع الشعب الفلسطيني، يوثق الجرائم والدمار ويأخذ بأيدي الأطفال وسائر الضحايا. ظل فيتوريو صامداً لم يبرح القطاع المنكوب، يرافق الصيادين في البحر، يشد من أزرهم وهم يتعرضون لتهديد الزوارق الحربية الإسرائيلية، ويذهب مع المزارعين إلى الأراضي الحدودية المعرضة للقصف والقنص. تلك كانت رسالة فيتوريو النبيلة والإنسانية التي وضعته في مصاف الأبطال الذين انتصروا إلى حرية الشعوب، رسالة جعلته يستحق الظفر بوسام الشجاعة في حياته، ويستحق أرفع وسام فلسطيني بعد رحيله: هو حب وتقدير الشعب الفلسطيني الدائم له.
مقابل ذلك، قال نص مكتوب للقتلة الخاطفين: "إن "الرهينة" الإيطالي ما دخل ديارنا إلا لإفساد العباد والبلاد ومن ورائه دويلة الكفر إيطاليا". المختطفون عذبوا المناضل فيتوريو وعرضوه دامياً معصوب العينين ولم ينتظروا المهلة التي حددوها، فارتكبوا جريمة قتله البشعة. ثمة تنافر بين حقيقة الدور المتفاني الإنساني الرائع لفيتوريو، والتهمة الموجهة إليه بإفساد العباد والبلاد، تهمة لا تجد ما يسندها إلا الهذيان والإفلاس الأخلاقي. من يصدق مثل هذه التهمة؟ وهو يرى الاختلال الفادح بين التهمة والدور الإنساني لفيتوريو، بين محاكمة العقل وإطلاق الغرائز على عواهنها، بين قيم التضامن الإنسانية التي تجمع الشعوب وتوحدها في نضال مشترك، والتعصب والكراهية والعنصرية.
جريمة قتل الفنان المبدع جول خميس في مخيم جنين تتشابه إلى حد كبير مع جريمة قتل الصحافي المتضامن الإيطالي فوتوريو أريغوني في غزة. فقد جاء جول خميس إلى جنين "ليعمل عبر المسرح مع جيل فلسطيني جديد، من أجل بناء الأمل والمقاومة والهوية وبلورة مفهوم جديد للحياة والحيلولة دون الوقوع في براثن اليأس، جاء من أجل حماية الجهاز العصبي الفلسطيني المتمثل بالثقافة والهوية ووسائل الاتصال الذي تعمل إسرائيل على تدميره".
أهداف جول خميس السامية هي أهداف نقيضة لسياسات الاحتلال، وقد أخذ يجسدها عبر مسرح الحرية في مجموعة من الأعمال التي بدأت بفيلم "أولاد آرنا" وتواصلت في أعمال مسرحية مهمة في الشكل والمضمون. انتصر جول لثقافة ديمقراطية وفكر حداثي منفتح على القيم الإنسانية العالمية، كانت تلك الثقافة متوطنة في فلسطين بفعل رواد كبار في عهود خلت. نجح جول في إحياء ملامح تلك الثقافة عبر جيل جديد من أبناء المخيم، واخترق الحصار والعزلة عندما بنى جسوراً لعبور مبدعين آخرين من عدة بلدان، وكان من نتيجة ذلك تعزيز حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني المنكوب بأشنع أنواع الاحتلال. وبفعل جول وثقافة الانفتاح الجديدة تواجد في جنين مئات المتضامنين والمتضامنات الذين شكلوا سنداً لصمود وتطور المجتمع ومعافاته من الأمراض التي تسبب بها الاحتلال. عشرات من الشبان والفتيات من تلامذة جول وآرنا بدأوا يكتشفون طاقاتهم في العطاء في أكثر من مجال، وتعزز لديهم التفاؤل بمستقبل أفضل. تقول فتيات في أحد المشاهد المسرحية: كان يقال لنا في المدرسة وخارجها، إن دوركن هو المطبخ، والتعليم لن يغير هذا الدور، ستنتقلن من مطبخ الأب إلى مطبخ الزوج. لكننا اكتشفنا عبر المسرح أن دورنا مفتوح على احتمالات المشاركة في البحث العلمي والإبداع والعمل وأننا نستطيع ونملك القدرة على تطوير مجتمعنا. أثبت جول أن أطفال وشبيبة فلسطين يستطيعون الإبداع والتميز إذا ما أتيحت لهم الفرص والمقومات خلافاً للصورة النمطية التي يقدمها الاحتلال.
مقابل هذا الدور الإبداعي المتفاني لجول خميس، اتهمه الظلاميون في بياناتهم بأنه جاء "لتخريب شباب المسلمين ودفعهم للتمرد على تقاليد وأخلاق المجتمع". وكما هو في حالة فيتوريو ليس بمقدور أحد المقارنة بين التهمة والدور الذي مارسه جول خميس في مخيم جنين. الذين نفذوا القتل ينتمون إلى ثقافة واحدة ومفاهيم واحدة وأساليب واحدة في حل الخلاف. ثقافة إقصاء الآخر التي ترفض التعدد الديني والثقافي والسياسي وترفض حرية الاختلاف.
لقد أدانت الحكومة المقالة جريمة قتل فيتوريو ووعدت بمحاكمة المتهمين، وأدانت مؤسسة الرئاسة وحكومة د. فياض عمليتا القتل ووعدت بالمحاسبة والمحاكمة. كذلك أدان واستنكر الفنانون والمثقفون والكتاب الجريمتين. مواقف جيدة لكنها لا تختصر المشهد بكامله. يجب أن نعترف بوجود مناخ وبيئة ومواقف داخل المجتمع والمؤسسة الرسمية وغير الحكومية تتقاطع مع الثقافة الإقصائية الانعزالية. ثمة تعبئة مباشرة حيث توزع بيانات التهديد والوعيد في المساجد، وتعبئة بالهمس، وصمت وتواطؤ وإذعان لهذا النوع من الإرهاب الفكري، نعم في ظل السلطة الشرعية والسلطة التي ترفض الإقالة يمارس إرهاب معلن وغير معلن تحت سمع وبصر أجهزة الأمن. لعمليات القتل والإرهاب الفكري المتواصل صلة بالسلوك والمواقف السابقة.
فماذا يعني السكوت على تدمير وحرق مقاهي الإنترنت ومكتبات أفلام الفيديو ونصب الجندي المجهول وفرض الحجاب ومنع الاختلاط ومنع الرقص والغناء وعروض السينما والمسرح؟ ماذا يعني إحراق كتب التراث "قول يا طير" وسحب كتاب "اسمي الحركي فراشة". ماذا يعني تحريم يوم المرأة العالمي وعيد الأم، ماذا تعني حرية رجال الدين في تعميم تفسير واحد للنصوص المقدسة يتفق مع مفهوم ووعي منغلق. والأخطر من كل ذلك ماذا يعني أن يكون لدينا أكثر من قانون وأكثر من سلطة وأكثر من جهاز للملاحقة والترهيب والمحاسبة.
الرعب الذي يسود النخب الثقافية جراء التهديدات المتلاحقة لأنصار الثقافة الديمقراطية في جنين، واضطرار المتضامنين لمغادرة جنين بعد تهديدهم بالقتل يقود إلى نتيجة مؤسفة مفادها انتصار القتلة على القانون. ماذا تفعل أجهزة الأمن؟ لم تمنع القتل على الرغم من وجود تهديد سابق ولم تلق القبض على الجناة على الرغم من تقولات عن وجود خيوط، وكل هذا قد نجد له تفسيراً، لكن إخفاق الأجهزة في توفير الأمان ومنع تهديد الثقافة والفن والتضامن الدولي، وترددها في تأمين الحماية لمسرح الحرية والعاملين فيه. إن هذه النتائج السلبية تحتمل الاعتقاد بوجود تواطؤ من قبل قيادات أمنية مع ثقافة الإقصاء ومع سيادة مفهوم العشائر والقبائل ما قبل المدنية. ويحتمل أيضاً عجز المؤسسة الأمنية نظراً إلى تشوه بنيتها وبيروقراطيتها.
دور الثقافة والمثقفين والمبدعين في الدفاع عن الثقافة الديمقراطية هو الأساس. فهل يسمح هذا الوسط بانطفاء بقعة الضوء التي أنارها جول ومن قبله آرنا في جنين؟ هل يسمح الإعلاميون والمثقفون بوضع نهاية لتجربة فيتوريو وشجاعته الملهمة في قطاع غزة. هذا هو التحدي الذي يقذف في وجه كل المثقفين والفنانين الذين يهمهم نشر الثقافة الديمقراطية.
"أنا أحب فلسطين... أقتلني أيضاً" شعار رفعه رفاق ورفيقات فيتوريو في غزة ورام الله. وأم فيتوريو وعدت بمواصلة درب ابنها إلى أن تتحرر فلسطين من الاحتلال. مايلاي ابنة جول قالت في كلمة تأبين والدها: لقد أوجد لي أبي إخوة في مخيم جنين لن أتخلى عنهم أبداً. ردود بليغة جسدت ثقافة الحرية وكانت أعظم رد على ثقافة الموت.



#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية
- القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
- ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة
- اربعة مشاهد دراماتيكية مخزية
- الثورة المصرية والتغيير الفلسطيني المأمول
- ظاهرة دحلان...... الى اين؟
- التفكير الآمن أولا !!!
- التفكير الآمن ......!!!
- استقلال المرجعية الثقافية..... ام تبعيتها!!
- القرضاوي عالم دين ام رجل سياسة؟
- مكانة الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني
- قمة بدون قاعدة....!
- الحريم.. صراع العقل والجسد
- انفصالنا عن الرموز
- جورج حبش.. حي في ذاكرتنا
- غزة الأبية.. تستحق محاسبة الذات
- فيلم مغارة ماريا..ثورة ضد المسكوت عنه
- استعادة عرفات رمزا ...
- نوستالجيا باب الحارة
- مؤتمران وخريف واحد


المزيد.....




- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - مهند عبد الحميد - جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل