أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - دناءة قصة قصيرة















المزيد.....

دناءة قصة قصيرة


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 3340 - 2011 / 4 / 18 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


دناءة


" أبي... أبي تأمّل مدى الهزيمة الفكريّة لهذا الكاتب المستلب" سكت تيم قليلا، ثم قرأ بصوت مرتفع: " ثم ها نحن العرب ندخل القرن الواحد و العشرين، كما تدخل ذبابة الى غرفة ملك".

ناداني بعدها مرتين ثم اضاف منكتّا:
ــ ما ان اتمّت المدرّسة قولها" السّمك يعيش في الماء"، حتى صاح الأطفال و بصوت واحد: يعيش.. يعيش.. يعيش!!!. كان المساكين قد سيقوا بالأمس لشهود موكب الزعيم.. أبي هل تسمعني ؟
حين لم يظفر بجواب انغمس مجدّدا في قراءته..

لمّا كان مزاجي جدّ متعكّر و لا رغبة لي في خوض أي نقاش، فقد تماديت في الصّمت.. اللعنة، أي شيء يحبّب لادينيّا، في عروبة لا تعني غير إرهاب الدولة و تخلّف الوطن، " الإنسان العربي محتلّ، مناطق إحتلها الرّعب، و مناطق إحتلها الجوع، و مناطق إحتلها اليأس" هكذا كتب الماغوط ذات مرّة، الماغوط نفسه أشار ايضا الى خفايا نفوره من الدّين و التدين:" الإرهاب لم يترك لي فرصة لأحبّ أحدا حتى الله!!.. كان شيخ الحارة يضربني لأحفظ، و فيما بعد، كان الشرطيّ يضربني لأنسى !".. الماغوط ، خير من شخّص نفاق السلطة حين أشار الى الفارق المذهل بين الواقع المريع و المعلن الخدّاع، لمّا خطّ هازئا:" في بلادنا تسنّ القوانين بالطريقة السويسريّة، و لكنها تطبّق بالطريقة الصّوماليّة"!.
قطع تفكيري رنين هاتفي الجوّال، كان لا بدّ لي من الردّ.. فور إنهاء مكالمة عدّلت مزاجي، و رفعت عنى كربا أقضّ مضجعى و عكّر صفوي، دنا مني تيم.
ــ قد علمت أنك كنت تتناوم!
أضاف بجرأته المعهودة، وهو يتخذ مجلسا بجوار مضطجعي :
ــ لأجل ذلك سأسألك.
ـــ ...

ـــ هل استحييت يوما من عروبتك؟
لم يدم صمتي طويلا، فاجأت ولدي مجيبا:
ــ أجل!
ـــ ...!
ــ و إلى حدّ شعوري بالعار!
سارعت معتذرا وقد راعتني دهشة الفتى المراهق:
ــ حدث ذلك في مطلع شبيبتي، و غمار جهالتي، و فورة فتنتى بالغرب و رموزه .

بعد ان أمرت ولدي بتعطيل هاتفه الجوّال، قلت معتصرا ذاكرتي:
ــ ذات ظهيرة مكفهرّة، و فيما كنت بصدد انتظار هبوط ضيف من الأجواء الإسبانية، طرق سمعي مكبّر صوت وهو يعلن للمرّة الثانية:" أيها المسافرون الأعزاء، فضلا.. من كانت له معرفة باللّغة النرويجية أو السويديّة، فليتقدّم مشكورا إلى مكتب الإستعلامات، فهناك حالة إنسانية عاجلة تتعلّق بسيّدة مسنّة تعسّر علينا التواصل معها".

لمّا كنت على معرفة باللّغة المذكورة بحكم إقامتي في بلاد الفايكينج لأكثر من سنتين، فقد يمّمت وجهي صوب إدارة المطار... حال إدراكي مكتب الإستعلامات، أبديت لشمطاء هناك، عن رغبتي في مساعدة السيدة المشار إليها، على أن أعطى فسحة عشرين دقيقة أتأكّد خلالها من كون الرفيق سميح حمدي قد تعمّد إخلاف موعده!

رغم إخلافه الموعد لثلاث مرّات سلفن، دون تكليف نفسه حتى مجرّد الإعتذار، فإنّ تصرّف الرفيق سميح حمدي، و ان كان قد أثار تقزّز الجميع، خصوصا والدتي التي كانت تجهد نفسها كلّ مرّة في طهي ما لذّ و طاب، فان تخلّف الضّيف لم يثر في أبي أيّ غضب أو حفيظة، لإعتقاده بأنّ التعذيب المريع الذي تعرّض له رفيق نضاله، قد أخلّ بتوازنه العقليّ، و أنشأه خلقا آخر لا صلة به بسميح حمدي ما قبل الإعتقال.

بعد تأكّدى من تخلّف الرّجل عن موعده، و حالما دخلت مكتبا قادتني إليه نفس الشمطاء، استقبلني شابّ حديث السنّ، متين البنيان بسّام المحيّا.. سارع الى تقديم نفسه:" الفونس... محقق"

بعد تأكّـد ألفونس من معرفتي بالنرويجية، سألني ما عساني
أشرب. بعد اختيار قهوة سوداء بقطعة واحدة من السكّر، أفادني الشاب الودود، بأن المرض الطارئ للمترجم الرسميّ الذي وافق رحيل طاقم السفارة النرويجية الى بلاده بمناسبة الكريسمس، هو الذي ألجأ إدارة المطار للبحث عن ناطق بلسان الفايكنج، لفكّ معضلة "أنّا ماريت أندرياسن"، السيدة التي عثر عليها منذ ساعات قليلة في مكان خلفيّ من المطار، و هي في حالة نفسيّة و جسديّة سيّئة..

ما إن أتمّ المحقّق الإسبانيّ إفادته، حتى أمر في مصدح كان على مكتبه، باستقدام السيّدة النرويجية، غير أن صوتا نسائيّا أفاده بأن وضعها الصحيّ لا يسمح لها بذلك.
حين انتقلنا الي طابق علوي، عاينت عجوزا شديدة الهزال مستلقية في هيئة الموتى، فيما كانت يدها المعروقة قد اتصلت بأنبوب سيروم.
" بمجرّد جلوسي الى جوار العجوز التي تبيّن لي انها شبه عمياء، و بعد أن حييتها بلغتها، طلب مني المحقق سؤالها عمّا جاء بها الى ذلك المكان المهجور من المطار.
" طاهر هو الذي أودعني هناك"،سألني المحقّق:" سلها من طاهر ذاك؟"
ردّت السيدة العجوز:"وغد عربيّ.. أخطأت حين عاملته كآدميّ!"

بعد قرابة نصف ساعة من استنطاق عجوز ثقيلة السّمع، بطيئة الإجابة، استخلصت ما تأتي حوصلته" قبل عقدين من
الزمن، وفي ذات مساء شتويّ مروّع، و فيما كانت عائدة و كلبها من فسحة روتينيّة، صدمت أنّا ماريت اندرياسن بهيئة آدميّة مكوّرة تحت سلّم عمارتها، لمّا دنت منها بحذر، لمحت شابا أجنبيّا حديث السن، حين أمرته بمغادرة المكان، طفق ينوح
بين يديها، وهو يحاول تبليغها بإشارات من يده و بلغة نرويجيّة مهشّمة، بأنه لم يذق طعاما منذ يومين، كما أفادها مستعطفا، بأنّ استقدام الشرطة، يعني ترحيله إلى بلاده حيث تنتظره ستة أفواه جائعة!.. حينذاك رقّ قلب السيدة النرويجية، فسارعت الى منح الفتى البائس خمس مائة كرونة، ثم دلّته على نزل شعبيّ يقيه برد أوسلو القاتل.. قبل أن يغيب الفتى عن ناظريها، خطر لها تكليفه بمهمّة التجوال اليومي بكلبها..

ظلّ طاهر يرعى كلب السيدة النرويجية لمدة سنة كاملة كانت تمدّه خلالها بخمسمائة كرونة شهريا ( إضافة الى أجرة عنايته بالكلب) حتى يتولّى إرسالها الى عائلته المعوزة... أما حين وثقت من أمانته و دقّة مواعيده، فقد اقترحت عليه زواجا صوريّا يمّكنه من مبتغاه في الحصول على الوثائق المنشودة، خصوصا وقد فشل في ربط علاقة نسائيّة تمكّنه من الحصول على وثائق الإقامة القانونية.

حين أدركنا هذا الحدّ من رواية العجوز، رجتنا الممرضة الإسبانية بالتوقف عن استجوابها، نظرا لتأثرها الشديد الذي ترجمه بكاؤها و حسرتها.
. بعد استراحة ساعتين انفقتهما صحبة الفونس، استمرت انّا ماريت اندرياسن شاكية:
" كان في حسباني صرف بقيّة عمري في مسقط رأسي، لولا إصابتي بحساسيّة ضد أنواع كثيرة من نثار النباتات التي كانت تجتاح الفضاء النرويجي في أوقات كثيرة من السنة.. كانت قد مرت ست سنوات على معرفتي بطاهر، حين اقترحت عليه بيع شقتي و الإنتقال الى بلده العربي، حيث الشمس الساطعة و المناخ الصحّي الجميل و اعتدال ساعات الليل و النهار، فقد دمّرني المناخ النرويجي القاسي و ضاعف كآبتي الشتاء القطبي الطويل وأيّام الصيف الكئيبة و المثقلة بالغيوم. خصوصا وقد زرت بلد طاهر في مناسبات لقيت خلالها حسن القبول و شديد الترحاب، ممّا شجعني على اتخاذ ذلك القرار الكارثي، فبعت داري و أشتريت بربع ثمنها بيتا في بلاد العرب، بعد أن منحت الوغد وكالة للتصرّف المطلق في حسابي البنكيّ، ممّا أتاح له شراء شاحنتين و فتح شركة لبيع مواد البناء.
سكتت العجوز طويلا ثم أردفت واجمة :" لخمس سنوات سعيدة عشنا في وئام. كانت والدة الفتى شديدة العطف عليّ.. كانت تتفاني في خدمتي، كما كانت أكثر حرصا منى على تناول أدويتي في مواعيدها المحدّدة، الى أن حدثت المأساة.
ـــ ...
ـــ كانت لطاهر ابنة خال في غاية التسيّب و الإنحلال، وقد اضطرت للسكني معنا بعد طردها من فرنسا و تسلّل شقيقها الى ايطاليا... كان طاهر يرغب في الزواج من تلك البنت المنحلّة، غير أنّ والدته اختارت له فتاة أخرى، بيد أن الفتى لم ييأس من بلوغ مرامه، حتى أنه طلب منّي استغلال حبّ والدته لي، لإقناعها بتزويجه منها. غير أن والدته اصرّت على رفضها لما تعرفه عن عهر الفتاة التي سمعتها شخصيّا و لأكثر من مناسبة، وهي تناجي رجلا متزوّجا بما كان يحدث بينهما من أعمال مشينة هذا بالإضافة الى سيرتها التي كانت على كل لسان.
سكت انا ماريت اندرياسن، أطالت التنهد ثم أضافت متألّمة:
" شاء القدر أن يكون الشهر الذي حدّدته الأم لتزويج طاهر، هو الذي حدّده الله لوفاتها.. بمجرّد وفاة الأم، استقدم طاهر تلك الفتاة الفاسقة التي أطردتها والدته.
ـــ ...
ـــ ظلت تلك الفتاة تؤذيني بلاذع القول دون ان يحرك طاهر ساكنا، بعد ان شغله الخمر عني.. كان قد اكتشف بنفسه عهر
فتاته، و لكنه لم يكن يملك الإنفصال عنها، أصبح يعاقر الخمرة و يكثر من التغيّب عن البيت، كما طفق يبذّر أموالي بشكل لافت للنظر.. الأسوأ من كل ذلك، أنه شرع يعاملني بغلظة أدهشتني بقدر ما آلمتني و حزّت كثيرا في نفسي...
أطالت العجوز التمخط ، مسحت دمعة ثم اردفت قائلة:

ـــ أصبح الوغد يعاملني ككيس زبالة... أنا التي أنعمت عليه و أتحت له إمكانيات ماديّة لم يحلم بها قط، و حين شكوت إليه ضرّي، أخبرني ــ و كان ثملا ــ، بأن وجودي بينهم صار يزعجه، خصوصا وهو مقدم على الزواج من فتاة تكنّ لي حقدا تودّ معه إجلائي عن البيت، بعد أن أقنعته لست أدري بأية حجة، بأنني أنا الذي قد أثنيت والدته عن الإقتران بها!
علّق تيم متأسّفا:
ــ "اذا أحسنت الى كلب جائع فلن يعضك ما حييت، وهذا هو الفرق بين الكلب و الإنسان" الإمضاء مارك توين.. سكت برهة، أشرق وجهه ثم أضاف مبتسما" رحم الله ابن المرزبان، لقد فاته فصل هام لم يضفه الى كتابه " تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"!
حرّكت راسي موافقا، لكنني سرعان ما واصلت:
ــ زفرت أنا ماريت اندرياسن بشدة ثم أضافت متأوّهة:" ليتي رحلت ساعتها، و لكن حظي البائس حملني على تكذيب ما وعته أذناي، خصوصا وان الوغد قد اعتذر لي صباح اليوم التالي، بأنّ الخمرة هي التي حملته على الإساءة إليّ، و أن توتّر الفتاة بسبب حبس أخيها في ايطاليا، هو الذي حملها على سوء معاملتها الظرفية لي.
سكتت العجوز ريثما مكّنت الممرّضة من قياس حرارتها، ثم طفقت تقول:
.. بعد أربعة أشهر من وفاة والدته، تزوج طاهر، و بدأت مأساتي الحقيقيّة.
مسحت العجوز دمعة ثم استمرت تقول:" كان همّ زوجته التخلّص منّي بأسرع وقت ممكن.. لأجل ذلك سلكت كلّ سبيل ممكنة.. كانت ترفع صوت التلفزيون لحرمان من النوم، تعمّدت تجويعي بتغيّبها المستمرّ، و إغلاقها المطبخ ثم تأخرّها في العودة الى البيت و تركي وحيدة دون معين... بسبب إصابتي
بالسكري، كنت أخفي بعض قطع الخبز تحت سريري، حتى لا يطول تعرّضي للجوع، كما منعتني في مرحلة ثانية و بصفة كليّة من تناول الدواء و مراجعة طبيبي الخاصّ، ممّا نتج عنه فقدان بصري تقريبا، و تعفّن قدمي اليسرى.
لم يملك تيم نفسه حتى صاح متذمرا:
ــ اللعنة.. أي طاهر هذا !
قلت مؤيدا:
ـــ لا شكّ انه من الصنف الذي قال عنه المعرّي:
و كذاك يدعى طاهرا من كله نجس/ و يفقد في الأنام الطاهر
قلت ذلك ثم واصلت راويا على لسان أنّا ماريت أندرياسن:
" كما دأبت قبل أشهر كثيرة من ترحيلي على سماع قرينته وهي تعيد على طاهر طلبها بضرورة إجلائي عن غرفتي التي سيحتلها شقيقها بعد طرده من الأراضي الإيطالية.
بعد تجاوزها نوبة سعال أضافت العجوز:
"قبل ترحيلي بأسبوع واحد، تغيّر سلوك طاهر، شرع يعاملني بلطف و مودّة أثارت ريبتي، أوحى إليّ كذبا بأن ضميره قد أطال توبيخه بسبب ما ألحقه بي من ضرّ وأذى، حتى عبّر لي عن نيته تطليق زوجته في سبيل إرضائي و فتح صفحة جديدة و انّ انفصاله عنها مسألة وقت لا غير.
زفرت انا ماريت اندرياسن بحرارة ثم أضافت متوجّعة:
ــ قبل يومين من تسفيري، أسرّ لي الوغد العربيّ فيما كان يحيطني بذراعيّه، بأنه جدّ سعيد بمرافقتي الى اسبانيا، بعد نجاحه أخيرا في التعرّف على مكان "هرّالد هنسن"، شقيقي التوأم الذي هجر الأهل و الوطن منذ خمسين سنة، حين رجوت منه تمكيني من مكالمة شقيقي، أوهمني بأن الاتصال به سينقص من روعة المفاجأة، و حلاوة اللقاء..
ـــ ...
ـــ حالما حطت بنا الطائرة، جلب الوغد كرسيّا متحرّكا شحنني عليه، ثم دفعني الى مكان خلفي من المطار، تاركا إياي فريسة مخاوفي و نهب بردي و ألمي، حتى عثر علي بعد ساعتين، وقد أفقدني الصّقيع وعيي.
حين انفجرت العجوز ناحبة.. كان الفونس قد سبقها الى التحسّر و التجديف، و أنا الى البكاء!.. حين عاودها بعض الهدوء

أضافت بين شهقات ثلاث :" لا شك أن الوغد العربيّ كان يريد قتلي حين إختار ذلك المكان المقفر، خصوصا وقد أصبح من غير الممكن تنقّـلي دون مساعدة "
بعد أن أتمت سرد مأساتها، وفيما انصرف المحقّق الى تحرير شيك بإسمي، شكرتني العجوز وقد استعادت بعض عافيتها.. تردّدت طويلا قبل ان تهمس لي معتذرة" أرجو الا تكون عربيّا!" حين أخبرتها بأنني من غواتيمالا، حمدت السّماء، أشرق وجهها، أدنتني قليلا ثم نصحتني بألاّ أصاحب عربيّا، و لا أثق بعربي ما حييت.." لا تثق بمحمّد نفسه، حتى و لوعاينته وهو يبعث من جديد!!".
علّق تيم متعجبا:
ـــ لم أتوقع قط تنكر مكّي المحجوب لأصله العربي.
ـــ كنت ساعتها شديد الخجل من عروبتي، كما كنت على جهل تام بتراثنا الخالد و قيمنا الروحية السامية و تسامحنا الذي انشأ مجتمعات تعدّدية آمنة، كما كنت في غفلة عن جهودنا التأسيسية في بعث صرح الحضارة الإنسانية، حين أرسينا المنهج التجريبي للعلوم التطبيقية.
سكت قليلا ثم اضفت:
ــ كان علىّ إفادة العجوز المكلومة بأنّ أمثال طاهر لا يخلو منهم أيّ تجمّع عرقيّ مهما بلغ سموّ أفراده، كما كان عليّ إخبارها، بأنني شاهدت أثناء اختلاطي ببني جنسها من كان يساوي منهم وزنه ذهبا، كما لقيت من بني جلدتها أيضا، من لم يكن يساوي منهم وزنه روث كلاب!
ـــ ...
ـــ أي بني، حين أنكرت عروبتي، و أغضيت عن ثلب "انا ماريت اندرياسن" محمّد، لم اكن ابنا لمكّي المحجوب، بل كنت سليل أب كان يتباهي بإلحاده، و لا يخفى ضيقه و تبرّمه بكلّ ما اتصل بالعروبة بسبب قريب أو بعيد.
ـــ ...
ـــ حين أنكرت عروبتي، لم أكن أحفظ مثلك و عن ظهر قلب، قول "دي لامرتين":" اذا كانت عبقريّة الإنسان تقاس بعظمة قصده و قلّة وسائله و شمولية انجازاته، فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة أي رجل، مهما بلغت عظمته في التاريخ المعاصر، بمحمّد من الوجهة الإنسانية؟ إن أكثر الناس شهرة لم يتجاوزوا تحريك
الأسلحة و سنّ القوانين وإقامة الإمبراطوريات، ولم ينجحوا ـ اذا اعتبر ما قاموا به نجاحا ـ إلاّ في إقامة قوى ماديّة غالبا ما انهارت قبل انهيارهم. أما محمّد فقد حرّك النفوس ووضع تشريعات، وأسّس امبراطوريات، و جنّد شعوبا و دولا و ملايين الرّجال عبر ثلث المساحة المسكونة من الأرض... وأقام على كتاب، أمّة روحيّة تشمل شعوبا من جميع اللّغات والأجناس، وبعث في الأمّة الإسلاميّة طابعا راسخا يقوم على نبذ الآلهة المزيّفة، وعلى عشق الله الذي لا يفنى... لقد كان محمد فيلسوفا خطيبا، و رسولا مشرّعا، و مجاهدا وداعيا للفكر، ومجدّدا لعقائد
عقلانية في عبادة لا تعتمد وسائط، و مؤسسا لعشرين امبراطورية أرضية و امبراطورية روحيّة، فكيف يمكن ــ مهما كانت المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان ــ أن يوجد رجل أعظم من محمّد ؟!"، كما لم أكن قد قرأت" المائة الأوائل" لمايكل هارت، الأمريكي الذي رشح محمّدا على رأس مائة
من مشاهير التاريخ، معللا اختياره بكون" محمّد كان الرّجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني و الدنيوي... وأصبح أحد الزعماء العالميـين السياسيين العظام، ففي هذه الأيام، وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويّا و عارما... و فوق ذلك، فإن محمّدا يختلف عن المسيح، بانه كان زعيما دنيويا فضلا على انه زعيم ديني. و في الحقيقة، اذا أخذنا بعين الإعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمّدا يصبح أعظم قائد سياسيّ على مدى الأجيال.. ومن هذا نرى أنّ الفتوحات العربيّة التي تمّت في القرن السّابع استمرت لتلعب دورا هامّا في تاريخ البشريّة حتى يومنا هذا، وإن هذا الإتّحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّل محمدا أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشريّ". كما كنت على جهل مطبق باعتبار توماس كارليل اشهر فلاسفة الغرب، محمدا و كما جاء في كتابه الأبطال " أعظم شخصيّة تمرّ على البشر ."
ــ ...

ـــ و حين تنكّرت لعروبتي،كنت أجهل ساعتها، أنّ أشرف هامة أظلتها السّماء، و أقلّتها الغبراء، كانت، و دون أدنى مراء، هامة عربيّة شمّاء!
أوسلو 10 مارس 2011



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركاكة قصة قصيرة
- جفاء قصة قصيرة
- تفكيك قصة قصيرة
- لا لإعادة علاقة مصر بايران
- أوراق 1 كتابات ساخرة
- للقرضاوي أقول: لو كنت رجلا فقل لبشّار و محمّد السادس ارحلا ا ...
- أبشع ما قد يمكن لأمرأة أن تتعرض اليه عبر كل العصور قصة بالم ...
- عن الثورة العربية المدهشة... ميتة قصة بالمناسبة
- خسارة قصة قصيرة
- تشكيلة ( قصة قصيرة)
- همسة لزينب رشيد
- عن الدون كيشوت السلفي (قصة)
- لحية ! ( قصة قصيرة)
- باحث (قصة قصيرة)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (21 /21)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (20/21)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (19)
- فضائح -خير القرون- السّلفية (18)
- فضائح -خير القرون- السّلفية(17)
- فضائح -خير القرون- السلفية(16)


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - دناءة قصة قصيرة