أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الهاشم - الموسيقي يوسف وابواه.. نصير شمه وعباس حسن















المزيد.....

الموسيقي يوسف وابواه.. نصير شمه وعباس حسن


احمد الهاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


يوسف عباس عباده، ذو الـ16 سنة، عازف وموسيقي عراقي موهوب، لا يتسع المجال هنا لذكر جوائزه التي نالها وكان اخرها جائزة (التانيت الذهبي) مناصفة في مهرجان قرطاج للموسيقى. وقد يتبادر الى الذهن انها مسابقة للهواة بحكم الاشارة الى سنه. كلا. كانت مسابقة ضمت محترفين وماهرين من عدة اقطار عربية وبعضهم اساتذة في معاهد الموسيقى، (ترشح لها نحو 200 عازف).
وتدفعني انجازات يوسف عباده المبكرة الى عدم الاكتفاء بالاشادة بمهاراته العزفية وتطلعه الى اثراء ثقافته، وانما الالتفات الى جانب قد يظل مغيبا في سيرورة كل موهوب وصيرورته، اي الرعاية والاحتضان وتوافر من ياخذ بيد الموهوب ويسدد خطاه.
لم يظهر يوسف الموهوب على صورته هذه لو لا وجود ابوين. الاول والده عباس حسن الذي كرس نفسه لرعاية ابنه، والثاني الاب المعرفي، اذا جاز التوصيف، وهو الموسيقار نصير شمه الذي لم يمتعض حين سمع يوسف عبادة وهو يقول في لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة، حين كان في اول عهده بالعزف (اظن انه كان في الثانية عشرة من عمره) انه يريد ان يصبح عازفا "افضل من نصير شمه"، بل وجه الاخير دعوة ليوسف للدراسة في بيت العود العربي الذي يديره في القاهرة. بعد ان اتصل بالزميل علي عبد الامير عجام ليعرف منه كيفية الاتصال باهل يوسف.
كما تدفعني حالة يوسف عباده الى الحديث عن اليتم بوصفه حالة معرفية قد تتحقق على رغم بقاء الوالدين احياء في حياة الابناء: فكم من موهبة لم تجد حاضنتها العلمية (وقرينها في الحياة هو العائلة)، فجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية لاتساعد على تنمية المواهب. والاب السياسي (اي الحكم والسلطة) لم نجد منه، اقصد هنا على الاقل ابناء جيلي، سوى صورة مكفهرة يجسدها "الاب القائد" الذي يريد من ابنائه ان يصفقوا له وهو الذي يلقيهم في التهلكة كل يوم، ويهدر الاموال على نزواته والغرباء، فيما ابناؤه احوج ما يكونون اليها.
تصف اللغة العربية من فقد أباه في الناس بانه يتيم، ولا يقال لمن فقد أمه يتيم؛ بل منقطع. اما من فقد أباه وأمه معاً؛ فهو "لطيم"، وعلى هذا، يبدو اننا شعوب لطيمة بامتياز.
ولا ابالغ ان قلت ان الطبيعة وهي الام المفترضة للانسان لا تمثل في العراق شيئا من الرحمة والرافة, انما هي ام قاسية بحرارتها اللاهبة، تنثر علينا غبارها ليس بصورة موسمية وانما كحالة دائمة علينا ان نتعايش معها ومع مخلفاتها من اختناق وحساسية وقذارة. (قد يتذكر البعض في هذا الصدد، ردة فعل الحاكم التركي بعد ان عرف ان الحر الشديد هو لترطيب تمر النخل: امر بقص النخيل عسى ان ينقضي الحر اللاهب).
لمست عند الاب المعرفي نصير شمه خصلة لعلها قليلة الشيوع في وسط الفنانين. ففي حفل افتتاح فرع بيت العود العربي في الاسكندرية، والذي نظمه البيت مؤخرا، كان شمه يبادر الى ان يقدم، بروح المعلم والمربي، المتدربين في بيت العود ومدربيه الذين كانوا بدروهم طلابا في ذلك البيت. وعلى رغم تصدره المشهد الا انه ينحسر حضورا ليترك لطلابه فرصة تقديم انفسهم امام الجمهور، من دون ان يغفل المتلقي عن ظله الذي يظل حاضرا مع حضور طلابه.
اقول انها صفة قليلة الشيوع لان "انوية" الفنانين عادة ما تجعل ذواتهم العالية قلاعا شامخة لا تبوح باسرار الصنعة للصخور الصغيرة. كما ان تلك الانوية تجلعهم يأنفون من ان يكونوا شجرة وسط اشجار تنافسها في النمو. فكيف الحال اذا كان شمه يرعى شتلات صغيرات كي يراها يوما باسقة؟ وتواصلا مع استعارتنا النباتية، اقول ان بعض الفنانين يُقدّر "الغابة" ولا يرعى "الاشجار"، اي انه يقدر الفن لكنه قد لاينظر بعين الرعاية لنظرائه الفنانين. مفارقة لايدرك فحواها الا من خبر ذلك العالم. نصير شمه نفسه يقول في احد لقاءاته الصحفية "انشأت بيت العود لمحاربة الأنا في داخلي، فالذين سبقوني احتكروا المهارات لانفسهم. وهذا امر يقلقني فجاء بيت العود ليحتضن المواهب الموسيقية ويطورها".
اظن ان ذلك ما جعل الصبي يوسف عباده يدرك بعد الالمام والدراسة ان رغبته "بان يكون عازفا افضل من نصير شمه"، بحسب قوله السابق، لا محل لها في عالم الاوتار، اذ لا احد في الموسيقى افضل من الثاني، كما قال هو نفسه بعد ذلك، مضيفا ان ما يسعى اليه هو لون جديد. ادرك الموهوب بفضل الاب المعرفي ان الموسيقى ديمقراطية بطبعها، وفيها اختلاف وليس تفاوت في المراتب، ولكن لديها بالتاكيد خط شروع واحد: الاجتهاد والانكباب والسعي والتمرين والموهبة والاطلاع والتركيز.
جميل ايضا الا يخيب الابن ظن ابويه. فيوسف قد قابل الرعاية والاحتضان بالاجتهاد والدأب، وحقق انجازات اعطت لتلك الرعاية ما تستحقه من رد الجميل. فقد أشاد عميد معهد الموسيقى العربية عاطف إمام بموهبة يوسف، وقال إنه يتوفر على "إمكانيات عالية وتقنيات قوية، ولديه مستوى راق جدا في العزف"، وإن "إحساسه عال بالنسبة لسنه المبكر"، متوقعا ان يكون يوسف عباده في المستقبل "مؤلفا كبيرا للموسيقى العربية". اما ابوه المعرفي شمه فوصفه بأنه من "أصحاب المهارة العالية والثقافة"، متوقعا هو الاخر ان امام يوسف "مستقبلاً كبيراً، وسيبلغ قمة لم يستطع أحد تحقيقها"، كما ورد في التصريحات الصحفية التي اطلعت عليها. وقد تفاجات قبل ايام وهو يخبرني بانه يعيد تنويط معزوفات الشريف محيي الدين حيدر استاذ منير وجميل بشير، والتي تعد من المعزوفات الصعبة. وتنويط المعزوفات بالاستماع اليها، يعني انه قد وصل مرحلة عالية من حساسية الاذن واتقان الصولفيج، ومن لا يدرك ذلك فاقول اني امضيت مدة طويلة مع النوتات ولكني مازلت كمن يعرف الحروف ويتعذر عليه قراءة الجمل.
يوسف عباده عادة ما يسافر برفقة ابيه نظرا لصغر سنه، وهو اب عليه ان يواجه دائما معضلة الجواز العراقي في استحصال الفيزا. وقد ارجعته السلطات المصرية اول الامر من المطار حين جاءت دعوة نصير شمه ليوسف كي يدرس في بيت العود العربي، ثم صبر ورجع ثانية للقاهرة. ولعل نظير ذلك من الصبر كثير. وهو اليوم يفكر في تدبر الامر لشراء بيانو بحسب رغبة يوسف الذي يرى فيها الة تفتح افاقا في العزف ومن الضروري تعلم العزف عليها. كما يفكر الاب في تلبية رغبة ابنه الذي يقول في احد حوارته الصحفية: "اود ان اكمل دراستي الموسيقية باي بلد اجنبي لانفتح على العالم اكثر، اريد ان اعمل شيئا جديدا، عندها اعرف ماذا افعل، لان الموسيقى ليست لها حدود مهما تعمقنا فيها وازدادت معرفتنا عنها.. هناك ما هو جديد ينتظرنا، بمعنى اريد ان ادرس الموسيقى بشقيها الكلاسك والحديث".
لا ادري ما قد يكون عليه مصير يوسف لوكان ابوه متطرفا او متشددا مأسورا بتفسيرات عقائدية لا ترى في الموسيقى ارتقاء روحيا يسهم في سمو النفس البشرية، كما يسهم في خلاصها من حالتها الحيوانية التي جاء الدين بدوره كي يساعد البشر على الخلاص منها، حتى لا يظل الانسان اسير نوازعه الغريزية البدائية. ولا ادري ما قد يكون مصير يوسف لوكان ابوه لا يدرك ان الموسيقى هي الاس الذي تقوم عليه التلاوات والتراتيل الدينية، اضافة الى انها الموروث الاعمق والعنصر الابرز في هوية اي شعب.
اما العائلة الكبرى، اي البلاد وسلطتها فهي تعكس يتما اخر لمواهب العراق. يكفي ان اذكر هنا ما كتبت عنه يوما في احد صحفنا: لم يختر المشرفون على احدى الاحتفالات في المسرح الوطني توقيت ما يسمى "بفقرة توزيع المرطبات" الا حين بدات الفرقة السمفونية العراقية عزفها. واختلطت اصوات الالات الموسيقية بفرقعة فتح علب الببسي، فيما العازفون يلقون بنظراتهم المتاسية على مشهد لا يعكس سوى البؤس والضحالة. وفهمكم كفاية!!
ولا يحضرني هنا سوى مقولة شكسبير في احدى مسرحياته "احذروا قيصر، إنه لا يحب الموسيقى"، فكراهية الاخيرة قرينة بكل مستبد، وبكل من يسعى للتشبه به.
اخيرا وحدهم الاباء من يرغبون في ان يكون غيرهم افضل منهم، اي الابناء.



#احمد_الهاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براقش التي جنت على نفسها.. ليس دفاعا عن احمد عبد الحسين
- أين الجمال في ما يقوله جمال سليمان مداخلة متأخرة في أمر يجدر ...


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الهاشم - الموسيقي يوسف وابواه.. نصير شمه وعباس حسن