أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسنين السراج - برميل القدر















المزيد.....



برميل القدر


حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 07:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أنا الان اكتب ... تلك اللحظة التي كتبت بها أول حرف من هذا السطر أصبحت الان في هذه اللحظة من الماضي حالها حال أي لحظة مر عليها الزمن قبل 1000عام او قبل 100عام ... لا فرق كلها لحظات مضت ولا يمكن أن تعود ولا يمكن أن تتغير . كلها مجموعة من الثواني المتراكمة تمر دون توقف... الزمن ذلك الشيء العجيب الذي طالما تأملته وطالما أدهشني . كلما نظرت الى عقرب الثواني شعرت بشعور غريب , هو مزيج من الحزن والغرابة في ان واحد. يشعرني عقرب الثواني ان كل شيء خارج عن السيطرة وان هناك لغزا ما يقف خلف دقاته التي تحاكي بشكل عجيب نبضات القلب التي بتوقفها يتوقف الزمن . في اللحظة التي سيتوقف فيها قلبي سيكون الزمن بالنسبة لي قد توقف ... كأن الحياة وهم كبير ولغز عجيب كلما تعمقت في محاولة حله كلما زادت المتاهة أتساعا وتعقيدا . لم أكن قبل سنوات أهتم لبعد الزمن فكان بالنسبة لي يعني ببساطة مرور الوقت . حين تعمقت في تامله شعرت أن الحياة تزداد غموضا وظلمة وكأني في ظلمات بحر لجي . يبدو أن الزمن هو مفتاح الحل للغز الحياة ويشترك معها في انه كلما نظرت أليه ببساطة وسطحية فهمته وكلما نظرت أليه بعمق وقوة شعرت بمقدار هائل من السذاجة والضياع والتوهان ...... المكان الذي أجلس فيه الان لا أعلم كيف كان قبل 100 عام ( قد يكون بيت من الطين أو بستان نخيل أو مستودع أسلحة للجيش العثماني أو بيت لأحد وجهاء بغداد ... لا أعلم ) ولا أعلم كيف سيكون بعد 100 عام (مركز أبحاث متطور أو أرض فارغة أو مرصد فلكي أو بيت أحد أحفادي لا أعلم ) ولا أعلم من كان يجلس هنا ولا أعلم من سيجلس ولا أعلم كيف سيفكر . لكن ما أعلمه أن كل هذه المتغيرات يحدثها عدد هائل من البشر بمقدار هائل من الثواني المتراكمة ... في لحظة ما شعرت أن الحياة عبارة عن عدد هائل من الناس تمر عليهم مجموعة هائلة من الثواني يكررون نفس التجارب ويقعون بنفس الأخطاء بدون توقف .

لا يمكن العودة بالزمن للماضي فهذا شيء لا يحدث ألا في هوليوود كما حدث في مسلسل لوست حين عاد بهم الزمن الى حقبة السبعينات . وعلى ذكر السبعينات لو عدنا الى عام 1970 في أندونيسيا تحديدا وتحدثنا مع ذلك الطفل الأسمر البشرة ذو التسع أعوام الذي ولد في حجر عائلة هجينة (أم أمريكية وأب من أصل كيني) . لو قلت له مثلا أريد ان اخذ معك صورة تذكارية لأنك ستكون أول رئيس أمريكي ذو بشرة سوداء . ماذا لو كنا في عام 1900 وقابلت الطفل أدولف وقدمت له قطعة حلوى وتوسلت أليه أن لا ييأس من أن يكون رسام بعد أول فشل وأن يستمر في الرسم على أمل أن لا يدخل مجال السياسة . الزمن يمر وتحدث متغيرات لا يصدقها أحد فلا أوباما في عام 1970 كان يحلم أن يكون رئيسا لأمريكا ولا هتلر في عام 1900 كان يعلم أنه سيتحول الى جلاد وسفاح لا مثيل له . لا أجد فرق كبير بين العودة الى عام 1970 أو البقاء في عام 2011 . النتيجة واحدة وثابتة هناك رئيس مستقبلي لا يزال طفل صغير وسيدور عقرب الثواني مرات ومرات ليصبح هذا الطفل رئيس . على سبيل المثال الرئيس الذي سيحكم العراق عام 2046 والذي سيرشح من قبل الكتلة النيابية الأكبر , أي بعد تسع دورات أنتخابية لمجلس النواب هو الان في عام 2011 طفل صغير . على فرض أنه من مواليد عام 2000 فهذا يعني أن عمره الان 11 عام أي أنه الان في الخامس ابتدائي . لا زال يكستب من الحياة ويتعلم ولا أعتقد أنه يحلم ان يصبح رئيس أو رئيس وزراء . قد يحلم أن يصبح طبيب أو مهندس أو محامي أو مغني أو لاعب كرة قدم أو أي شيء اخر ألا منصب رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية فلم أسمع في حياتي حين كنت طفلا من أي صديق لي حين كنا نتحدث عن المستقبل انه يحلم أن يكون رئيس . قد يكون السبب اننا جيل كان يعتقد انه لم ولن يرى رئيس اخر غير صدام حسين لأننا ولدنا وهو رئيس وكبرنا وهو رئيس ولولا التدخل الامريكي لمتنا وهو رئيس . لم نكن نفهم ولم نكن نستوعب أن الرئيس شخص عادي كان يعيش طفولة مثلنا . قد يكون حلم الرئاسة من ضمن خيارات أطفال الجيل الحالي على ضوء المتغيرات الحالية . لا أدري لكن الامر يستحق أن أسأل مجموعة من الاطفال لما لا . ولم لا يكون أحدهم هو من سيصبح الرئيس العراقي في عام 2046 , من يدري كل شيء وارد وممكن الحدوث حتى لو كان بنسبة 1 الى خمسة ملايين .


الأنبهار بنمط الحياة الاوربية وطبيعة الفرد الاوربي فضلا عن الأنبهار بالتطور العلمي أمر طبيعي في مجتمعنا خصوصا ما يتعلق (بالبساطة لدى الشخصيات رفيعة المستوى وذات المكانة الاجتماعية العالية). وحين يكون الحديث منصبا عن (روح التعاون والالتزام بالقانون). وسبب تأثرنا بهاتين النقطتين أكثر من غيرهما هو أفتقادنا لها بشكل ملحوظ . هناك قصص كثيرة سمعناها من أصدقاء يعيشون في أوربا عن بساطة المسؤول الاوربي وجدية تعامله ومستوى تفاعله العالي مع الأنسان العادي , يبدو أن أرضنا غير مؤهلة لانبات (البساطة والتواضع ) للأستهلاك البشري في الوقت الحالي على الأقل . تنبت أحيانا من تلقاء نفسها كعشبة برية ضارة سرعان ما تستأصل من رعاة هذه الارض لانها شاذة عن محاصيلهم ... نعم أذا برز مسؤول يتمتع بمقدار عالي من التفاعل الاجتماعي سيتحول الى ظاهرة وسيعاني من الاستعداء من أقرانه لأنه بالنسبة لهم عشبة ضارة تستهلك مياه محاصيلهم ... لا بد لك أن تنبهر بالتواضع والبساطة من المسؤول رفيع المستوى لأنها اخر ما تتوقعه من الراعي ولا أقصد راعي الغنم بل أقصد راعي الرعية ... سمعت الكثير من القصص التي تعبر عن الانبهار بالمسؤول الذي أنتجه المجتمع الغربي وتعبر عن الانبهار بأحترام القانون وروح التعاون . بعض هذه القصص سمعناها كمشاهدات من أصدقاء مقيمين في أوربا والبعض الاخر مرت سطوره امامنا بالصدفة . أجد الأستئناس ببعضها أمر ممتع وقد يكون مفيد في نفس الوقت . وبصراحة لم أفكر في أيراد هذه القصص ليعتبر مسؤول ما يجلس على الكرسي . أو لأيماني باننا من الممكن أن نحاكيها بعد ان نتأثر بها . الحقيقة أن نمط حياة مجتمع لا يمكن محاكاته بهذه السهولة فقد اخذ منهم الوصول أليه وقتا وجهدا عاليين . ومروا بمراحل عسيرة وقاتمة قبل أن يصلوا أليه . ولا يمكن ألتزام مجتمع اخر به أختياريا بهذه البساطة . الواقع انها تؤثر بنا بشكل من الاشكال وتعجبنا ونحكيها لغيرنا من باب التندر والمقارنة وأن كانت مقارنة غير عادلة وليست في محلها لسبب جوهري سيتضح لاحقا . المؤكد أننا نتأثر بالصور التي تحوي مشهد مؤثر لكن مع شديد الأسف لا نستطيع بهذه البساطة تقليدها وتطبيقها على أرض الواقع . ليس لأننا من نوعية أخرى من البشر . بل لأننا ... لحظة لننتظر قليلا سيتضح سبب ذلك لاحقا . أن من يمارس السلطة الان لا أعتقد انه حتى سيستانس بقصص واقعية تتحدث عن البساطة والتفاعل العالي مع الانسان العادي . من الممكن أن يكون أطلاع من سيكون مسؤول مستقبلا على هكذا أنماط أكثر تأثير وأكثر جدوى الى حد ما من أطلاع شخص يتربع على كرسي السلطة ؟ لا يمكن أن نعلم مستوى تأثير كلمة ما او جملة ما ذات مغزى في شخص مهما كان هذا الشخص . فلا يمكن التكهن بمستوى تأثر الانسان وأتجاه هذا التأثر سلبا او أيجابا . فكثيرا ما يكون الانسان غامض وخارج حدود التوقع .

المدير وصباغ الأحذية

كنت أصبغ حذائي ذات يوم على رصيف شارع في نيويورك , وكان الصباغ يتوقف عن الصبغ بين لحظة وأخرى ليتحدث الى رجل كان واقفا بجانبه وعليه سيماء الوقار . لقد كانا يتحدثان عن رحلة للصيد قام بها ذلك الرجل الوقور هو وزوجته في سواحل كاليفورنيا ... وبعد ذهاب ذلك الرجل سألت الصباغ عنه فقال :( أنه صديق .. وهو مدير هذا المستشفى ) وأشار بيده الى مستشفى قريب كبير جدا لعل مستشفانا الحكومي لا يصلح أن يكون مطبخا فيه . لقد ذهلت حقا حين وجدت ذلك المدير الكبير يتحدث الى الصباغ الذي كان يصبغ حذائي . ولقد تذكرت انذاك ما يروى عن علي أبن أبي طالب من أنه كان أيام خلافته في الكوفة يكثر من الجلوس في دكان بقال , أذ كان البقال صديقه , وكان الخليفة يبيع التمر مكانه أذا غاب . يقول جعفر بن محمد : ( ما من رجل تكبر أو تجبر ألا لذلة وجدها في نفسه وهذا قول يصدق في حالات كثيرة . (1)

قرب الهايد بارك

مررت يوما بمستشفى , بالقرب من الحديقة الهايد بارك الشهيرة وأذا بمئات البشر قد أصطفوا على قارعة الطريق وشكلوا سلسلة طويلة واحدا خلف الاخر .. لقد لفت نظري منظرها , وسالت صديقا كان معي سبب هذا التجمع ؟ .. فقال لي : أقرأ ما كتب على جدار المستشفى .. رفعت نظري وأذا باعلان متكوب بحروف بارزة على قطعة قماش يقول : ( أن هذا المستشفى بحاجة الى مساعدة مالية من اخواننا أبناء الانسانية ) وكل فرد في هذا الجمع المحتشد ينتظر دوره ليضع في صندوق المستشفى ما تجود به نفسه , فلله در هذا الشعور بالتضامن وهذه الروح الأنسانية العالية . (2)

الأميرة فكتوريا

ذات يوم وبينما كنت في عملي ، وعلى وشك الوصول للمكان الذي كنت انوي الذهاب اليـه بسيارة العمل توقفت عنـد أحدى الإشــارات الضوئيـة بعـد أن وهج لونها الأحمر ، وما هي إلا لحظات حتى توقفت بجانب سيارتي سيارة ســوداء يجلس فيها شخص بجانب السائـق يرتدي نظارات توحي بأنـه أحدى أعضــاء رجال الأمن ، نظر لي وابتسم فتسائلت بنفسي لماذا ينظر لي ويبتسـم ، فنظرت لمن يجلس بالكرسي الخلفي ، وإذا فتاة جميلـة تحدق لي بعينيها الواسعـتان كالبحر وبثغـر مبتسم جميـل ، كان الزجاج المضلل لا يظهر كثير من محاسنها ، وكأنها شعرت ما بداخلي ، ففتحت مرآة الباب الذي جالسـة بجواره ولم أصدق عيني انها هي ، نعم انها هي ، تبتسم لي وتوميء بيدها ملقيـة التحيـة عليّ !! لم أصدق نفسي بأن بيني وبينها بضع سنتميترات ولا يفصل بيننـا غير بابي سيارتي وسيارتها ، ولم اعلم ما افعل غير ان ابادلها التحيـة والإبتسامـة وحينها تمنيت لو ان ضوء اشــارة المرور لا يتحول للأخضـر كي لا تنتهي هذه اللحظات الجميلـة ، ولكن لابد للسير أن ينطلق وكل شخص يتخذ سبيلـه ، فتعجبت وتسائلت في نفسي مرة أخرى ، متى يكون ذلك في مجتمعاتنـا العربيـة ؟ فأجبت مسرعاً على الســؤال .... لا يكون ذلك ابــداً . لقــد كانت بحق أميرة ، وتستحق أن تكون ولية عهــد ابيها الملك كوستاف ، انها الأميرة فكتوريا ، وليـه عهد ملك الســويد . (3)


رئيس وزراء النرويج ... والدراجة الهوائية

قد تتعجب لو قلت لك ان رئيس الوزراء أو البرلمان هنا في النرويج يستعمل الدراجه الهوائيه للذهاب الى الدوام الرسمي بعض الاحيان ويقف في طابور طويل لحجز بطاقه دخول سينما لمشاهدة فلم وبدون حمايه وقد ترى بروفيسور وأستاذ جامعي يرتدي الجينز ولفتره طويله وترى عامل تنظيف يملك شقه فارهه وسياره أخر موديل ويفتخر بعمله لكونه يؤدي خدمه للانسانيه مقاييس العمل وبناء الشخصيه تختلف هنا عن مجتمعنا ثقافة الرجل ليست ببدلته ومدى علمه ليس بضخامة مكتبته بل بعطاءه وبساطته وتفاعله مع المجتمع ورفع الحواجز بينه وبين الناس الانسانيه والتواضع هو رفعه للانسان والتكبر هو قمة المذله والله ولا يحب المتكبرين .(4)

مدير شركة نوفارتس الالمانية

عدد من الموفدين العراقيين الى احدى كبريات شركات الادويه في العالم شركة نوفارتس السويسريه وكان من ضمن برنامج اللايفاد القيام بزيارة لاحد معامل الشركه ، ومن الطبيعي ان عليك الالتزام بالضوابط والتعليمات من اجل مصلحتك اولا ومن هذه الضوابط هي ارتداء الملابس الخاصه التي تقيك من التماس المباشر مع المواد التي قد تصيبك بالضرر ، ارتدى الموفدين تلك الملابس الواقيه وهمّوا بالدخول الى احدى مختبرات الشركه وكانت احدى الموفدات تسير ببطء وتتعثر بسبب كون رباط الحذاء الواقي الذي ارتدته فوق حذائها مفتوح ويعرقل سيرها ، فما كان من مدير الشركه شخصيا الانحناء ويشد الرباط . انه درس رائع للتواضع وقمة في الاخلاق الراقيه ... فأين نحن منها ؟ (5)

أجتماع الاباء والامهات

من اهم صفات القيادي الناجح هي تقبل الرأي الاخر والفكر المضاد لذلك نرى كل المسؤلين هنا في اوربا مهما كان حجم مسؤليتهم يتفاعلون مع الجمهور وينصتون لافكارهم وارائهم. اضرب لك مثل قريب جدآ ابني يحيى في الصف الثاني الابتدائي قبل فتره قصيره جدآ بعثت لنا اداره المدرسه طلب لقاء بين اولياء الامور والاداره والطلاب انفسهم وكان اللقاء مفتوح تكلم ممثل الاداره وتكلم الاهالي ووصل الدور للطلاب وهنا المفاجأه حيث امتنع الطلاب عن التفوه بأي كلمه احتجاجآ على عدم الاستماع لهم وتنفيذ رغباتهم في الاجتماع السابق .طبعآ لانني عراقي ودمي حار عصبت كثيرآ على ابني منعآ للاحراج ولكن انتبهت الى الجميع اعطوا الطلاب حقهم واعتذر مدير المدرسه بشده عن ما حدث في الاجتماع السابق وقام على الفور بتشكيل لجنه مشتركه تظم(احد اولياء امر الطلاب وممثل عن اداره المدرسه و4 طلاب تم اختيارهم عن طريق الانتخاب)وأجلوا الاجتماع لحين انتهاء اللجنه من دراسه المشكله وحلها. بعدها قام المدير بالاعتذار من الطلاب وشكرهم على اختيارهم طريقه حظاريه لتوضيح وجهه نظرهم.(6)


الطبيب والمريض

في بلداننا العربيه كافة وبدون استثناء عندما يصل شخص لمركز معين . سيكون هذا المسؤل قد ابتعد عن العالم الخارجي واصبح هو فوق الجميع ولايحق لاي شخص ان يكلمه او يستفسر منه لانه عيب وان لديه موظفين اقل منه يجب الذهاب أليهم ..صدقوني ان ابسط موظف عندما تذهب اليه سيكون هو بمثابة الرئيس وليس موظف بسيط . بينما في اوربا عندما يصل الشخص الى اعلى مستوى سيكون حظوره وسط الجماهير كبير ولايعتبر هذاالمسؤل شيء مهم لانه يعتبر موظف صدقوني هنا حتى رئيس الوزراء يعتبر موظف يؤدي المهام وهو شخص اعتيادي لافرق عن اي شخص اخر ولو قارنت بينه وبين ابسط مطرب او ممثل سيكون المطرب او الممثل محبوب اكثر منه ويشتهر اكثر منه , وايضا تلاحظ هؤلاء المسؤولين في المكانات العامه يسيرون من غير اي حراسات او ماشابه عكس الذين لدينا ولا تقولوا لي الوضع فقبل الان لم يكن الوضع صعب بل كانت الامور جيده . اذا الفرق ان مالدينا هو التكبر والتعالي ... بينما هنا البساطه والعفويه . ابسط مثل ساقوله لكم عندما نذهب للدكتور في العراق نتعذب حته ندخل ويدخل وياك للغرفه 10 وتسلم عليه لو يرد السلام لو لا بيمنا هنا عندما نذهب للدكتور يخرج الدكتور من غرفته وينادي بالاسم ويصافحك ويعرف عن نفسه ويقدم لك المساعده . هذا ابسط مثال فكيف السيد الوزير . (7)

التفاعل

في الغرب اذا تسنم احدهم المسؤولية اصبح اختلاطه بالناس وسماع ارائهم اكثر لذا وصلوا الى ما وصلوا اليه من تطور اما في العراق فاذا تسنم احدهم المسؤولية فانه يمتنع عن الاختلاط بالناس ويرفض ارائهم مما يؤدي الى تراجعنا اكثر فاكثر . (8)

الجندي الياباني

لي موقف مع احد الجنود من الجيش الياباني الذين كانوا في احدى المحافظات الجنوبية واثناء الحديث الذي دار بيني وبينه قال لي بعد الحرب العالمية الثانية تطورنا بسبب وضع رجل ذكي وفاهم لقيادة مجموعة من الاغبياء يعملون تحت تصرفه وامرته ...اما انتم العراقيين فكل مجموعة اذكياء يقودكم شخص غبي والدليل انظر من كان يقودكم ولمدة 35 سنة .... حقيقة هذا الياباني اصاب كبد الحقيقة بمقولته هذه .(9)

مدير الشركة والعامل

الثقافة الدارجة في مجتمعنا مع الاسف توحي لمن يتبوأ منصبا بانه الافضل بين الاخرين لذا يبدأ بالاستعلاء عليهم وهنا اضيف حادثة مشبهة لما ذكرته قصها لي احد الاخوان من الموفدين الى اوربا حيث انه شاهد مدير الشركة وهو يمد يده ويسلم على الفراش حسب ما متداول لدينا اي الذي يقدم له القهوة فابدى صاحبنا استغرابه لهذا الفعل فقال له المدير وهو يشير الى الفراش انه يقدم لي خدمة فكيف لا احترمه .(10)


أحتاج الغربيين قرون من الزمن للوصول ألى ما ذكر في هذه القصص من صور أيجابية . وحدثت هذه القصص تحديدا في القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين . من الانصاف أن نتحدث قليلا عن أنفسنا في نفس الزمن ليس من باب المقارنة فالمقارنة ظالمة بشكل كبير . لكن من باب أكتمال الصورة أمامنا أو أقترابها من الأكتمال :
أود أن أبدأ الحديث عنا بحكاية دبلماسية حدثت في ثلاثينيات القرن العشرين في العراق :

حفل تتويج الملك جورج السادس

قامت وزارة الخارجية العراقية في عام 1937 في حفل تتويج الملك جورج السادس بتغيير تشكيلة الوفد العراقي الذي كان من المقرر أن يحضر مراسم التتويج ثمانية مرات وفي كل مرة كان يحدث أجتماع في وزارة الخارجية لمناقشة سبب تغيير التشكيلة وفي كل مرة يتم تغيير أسم احد أعضاء الوفد أو من سيترأس الوفد وفي كل مرة ينتفض أحدهم في أعتراض على أسم احد الاعضاء أو أسم رئيس الوفد وفي كل مرة من المرات الثمانية كان يرسل خطاب الى السفارة العراقية في لندن لأضافة أسم جديد أو ألغاء أسم . وفي كل مرة يتم أقتراح أسم جديد يجدوه يستحق التواجد في هكذا مناسبة . (11) لا يجدر بنا أن نستغرب أو نمتعض من مماطلة سياسيينا في تسمية وزير أو أقتراح أن يكون للرئيس أربعة نواب . فالأمر طبيعي جدا قياسا بمجريات الاحداث الدراماتيكية لتسمية الوفد العراقي الذي من المقرر أن يحضر مراسم تتويج الملك جورج السادس . لا غرابة هذا عنواننا وقد يكون أبعد ما نراه وقد يكون هدفنا في الحياة لا أدري .

أجتماع عاجل

(قررت أن أجعل كل لوحات العناوين المستعملة باللغة العربية ... وقد جمعتكم اليوم لأستمزج رأيكم في الالوان التي يجب ان نستعملها في تلك اللوحات ).
هذا ما قاله معالي وزير المعارف العراقي بعد ان دعى كل رؤساء الاقسام بشكل فوري للحضور لمكتبه لمناقشة أمور مهمة وبعد نقاش طويل ورأي يتلو رأي قال الوزير : لا انا أرى أن يكون الوجه أزرق والكتابة بيضاء . فصاح الجميع بصوت واحد : (هذا هو الصواب وراي الوزير وزير الاراء ). (12)


القاط والرباط والوجه الحسن

كتبت مرة مقال في أحد المواقع الالكترونية يتحدث عن ظاهرة الروتين والعرقلة المتعمدة من الموظفين كبار وصغار لمعاملات المواطنين والتعالي على المواطن وأتذكر جيدا أربع مشاركات في الموضوع تكمل أحدها الاخرى . أحدى المشاركات كانت تحت عنوان (الأحلام الضائعة) يقول كاتبها :

يوم امس كانت لي معاملة في احدى القنصليات العراقية(لن اقول انها في (؟؟؟) منعا للاحراج . عندما وصلت الى باب القنصلية وجدت شخصا واقفا وبيده كاس ماء باردة ومنعشة استقبلني بها وعلى وجهه ابتسامة رائعة.ثم ادخلني الى الموظف المسؤول وتفاجئت لانه كان شخصا مهما لم احلم برؤيته من قبل.وبكل اريحية وبشاشة اخذ مني الاوراق ثم نظر اليها وبدا الحزن على وجهه بل كاد يبكي لان اوراقي غير كاملة وبها نقص.وبعد ان دمعت عيناه سالني اذا كنت قادما من مكان بعيد فاخبرته نعم.فاخذ القلم ووقع المعاملة على ان ارسل له الاوراق المطلوبة بالفاكس.وحينما سالت عن الرسوم نظر الي بغضب وقال نحن لا ناخذ رسوم على خدمة مواطنينا ... .لن اقول انني صحوت من النوم لاجد نفسي في حلم فهذا ليس حلما وانما ضرب من ضروب المستحيل ان نصل لهذا المستوى والله المستعان . (13)


أما المشاركة الثانية فيتحدث صاحبها عن شيء اخر مختلف لكنه ذو علاقة بالمشاركة السابقة :
ما يحدث في دوائرنا مصيبة بل كارثة ... فقد حدث وان ذهبت الى بناية المحافظة لغرض يخص الدائرة ..وبينما انا في الاستعلامت قالوا لي ان مهندس .....مدير الـــ(.....) قد جاء . ضعوا مليون خط تحت كلمة مدير ....ولما التفت الى هذا المهندس المدير ...وجدته احد المهندسين الذن اعرفهم ....فقد كان هذا المدير الفلتة قد عين بعقد . اسمعوا بعقد . ولكن لان لديه واسطة قوية جدا في وزارة الــــ(......) فقد قال له واسطته لايجوز ان تكون مدير لدائرة وانت عقد ..فيجب ان تعين . والاخ اول ما تعين مباشرة مدير .(14)

أما المشاركة الثالثة فهي تعلل الظواهر التي تحدثت عنها المشاركتين السابقتين :

معظم من يتسلق على الكراسي داخل بلدنا يشعر في داخله انه غير اهلا لهذه المكانه والمسؤوليه
ويتصرف من دافع ذاتي بالابتعاد عن الناس لكي لا يقع بالحرج ويعلم كم هو صغير فكريا وثقافيا وانسانيا
لان الاغلبيه من من تسلق وتسلم وتنصب جاء من باب ابن عمك وابن خالك ومن نفس الفخذ .(15)

والرابعة تعطي السبب الجوهري الذي يجبر المسؤول على لألتزام بالقانون :

المسؤول عندما يعلم بان هناك جهات اعلى منه تقوم بمسائلته عما يعمله وبمحاسبته لو اخطا فسوف تراه يعمل بجد ويؤدي واجبه. ولكن في عراقنا العزيز مع من تتكلم والى من تشتكي؟؟؟ لقد كثر السراق وكثر الاشخاص الذين يتم تعيينهم بالواسطه بغض النظر عن الكفاءه . الاشخاص الذين ذكرتهم وغيرهم يعلمون جيدا بان لا احد سوف يحاسبهم.متى ماكان هناك اناس غيرتهم على البلد ولا يستغلون مراكزهم لمصالحهم الشخصيه عندها نستطيع ان نقول البلد بخير ومتى ماكان الراس نضيفا وشريفا عندها نستطيع ان نتامل خيرا .(16)

الواقع ان الكثير من مسؤولينا ينشغلون جدا بالقاط والرباط والوجه الحسن فقلما تجد مسؤول يكسر حاجز البدلة الرسمية ولو ليوم واحد في الشهر ولا أعلم لماذا . والغريب أن بعضهم يقوم بشكل متعمد بعدم أدخال الضيف ألا بعد مرور وقت معين لأشعاره بأنه لم يدخل ببساطة وليأخذ انطباع أنه دخل الى أنسان ذو مكانة مرموقة لا يتاح بسهولة . مع أنه غير منشغل . هذا كله فضلا عن التحدث مع المراجع بلغة أستعلاء وتكلف لأشعاره بالدنو . لا يوجد مشكلة تذكر في البدلة الرسمية لكن المشكلة تكمن حين تكون البدلة الرسمية والجلوس بوجه مكفهر والتحدث بتكلف مع الزائر هو الهدف الرئيسي لاثبات الوجود وكأنه يقول : ( انا مسؤول وأنت مواطن عادي يجب أن أثبت لك هذه الحقيقة ) ويحاول جاهدا بهذه التصرفات أن يثبت ذلك. نعود الى ما قاله جعفر أبن محمد ففيه من البلاغة ما يختصر علينا الكثير من الكلام : (ما من رجل تكبر أو تجبر ألا لذلة وجدها في نفسه )

حدثني أحد أصدقائي مرة عن حادثة حصلت معه حين كان يراجع في أحدى المستشفيات وكان هناك طابور طويل في الانتظار قبل الوصول الى الطبيب وحين وصل دور لصديقي قرر أن ينحني قليلا ليحدث الطبيب دون أن يتمكن باقي المراجعين من سماعه كونه كان يعاني من حالة محرجة نوعا ما . وأثناء حديثه مع الطبيب نظر اليه الطبيب بوجه مليء بالأنزعاج وقال له :( أوكف عدل واحجي ) . فما كان من صديقي الا أن مزق الملف الخاص للمراجعة الخاص بهذا المستشفى وقال للطبيب :( أنت طبيب ولست ضابط وأنا مريض ولست جندي عندك ) وخرج من المستشفى لا يلوي على شيء . هذا النوع من البشر يعتقد أنه يمتهن مهنة تعطيه رفعة وسمو فوق مستوى البشر . ولا يحتمل حتى أنحنائة بسيطة من المريض .


عضو مجلس النواب ... صوت الفقراء

قبل سنوات كنت أشاهد أجتماع لمجلس النواب وكان النقاش فيه يدور حول قانون التقاعد فقام أحد الاعضاء معترضا وقال ما مضمونه :( لا يمكن أن نساوي محامي بدأ العمل مع الدولة وهو بعمر 55 عام بمحامي بدأ العمل مع الدولة وهو بمعر 24 عام فالأول سيحصل على تقاعد بعد سنوات معدودة من الخدمة والثاني سيحصل على التقاعد بعد 30 سنة خدمة وهذا أمر غير عادل ) . يبدو أن الرجل على حق فعلا لا يمكن ان يتساوى من عمل في دوائر الدولة خمس سنوات بمن عمل مع دوائر الدولة لثلاث عقود . يبدو أن عضو مجلس النواب الذي تحدث عن هذه النقطة من النوع الذي لا يستطيع السكوت على عدم الأنصاف . لكن المضحك أنه نسي أنه سيحصل على راتب تقاعدي بعد أربع سنوات من العمل في مجلس النواب . لماذا لم يتحرك ضميره الحي حين تم مناقشة قانون تقاعد أعضاء مجلس النواب ؟ ولماذا لم يصرخ كما صرخ حين تم مناقشة قانون التقاعد لعامة الموظفين ؟ أتعلمون لماذا ؟ لأنه من هذا النوع من الناس الذين يشعرون أنهم لم يصلوا الى المكان الذي هم فيه ألا لانهم يستحقون التواجد ويشعرون كذلك أنهم يقومون بخدمة جليلة للمجتمع لا يستطيع أي شخص أن يقدمها فهي خدمة أستثنائية يجب أن يشكرون عليها بشكل أستثنائي فهو يساهم في بناء دولة ديمقراطية وأقل ما يجب أن يقدم له من قبل الدولة هو راتب تقاعدي يبلغ مقداره 80 % من راتبه بعد أربع سنوات فقط لأنه في هذه السنوات الأربع أعطى للبلد كل عصارة جهده ومن حقه أن يتنعم بباقي عمره .

يقول الدكتور علي الوردي :

أينما ذهبت رايت من ينصحك على المنوال التالي : النجاح بالمثابرة , كل من سار على الدرب وصل , الجد في الجد والحرمان في الكسل , من طلب جلب ومن جال نال ... الى غير ذلك من أقاويل سلطانية أخترعها لنا المغرورون وأصحاب العبيد . وقد رأينا في العراق في بدء حياته السياسية الجديدة أكواما من هذه الحكم والنصائح الفارغة . وقد امتلأت كتب المدارس ونصائح المعلمين بها الى درجة تسبب الصداع . فأخواننا الذين ساعدهم الوضع الشاذ او الصدفة على نوال المناصب العالية أخذوا ينظرون على من حولهم من البؤساء والمساكين بعين الكبرياء ويتبجحون عليهم بانهم وصلوا الى مناصبهم تلك بسعيهم وأرادتهم . وكثير منهم قد ثاروا في الحرب العالمية الأولى على الدولة العثمانية وأنحازوا الى صفوف أعدائها وكان من حسن حظهم ان تلك الدولة خرجت من الحرب مغلوبة فصعدوا هم من جراء ذلك الى مناصب لم يكونوا يحلمون بها وظلوا في معظم أوقاتهم يتحدثون عن كفاحهم ونظالهم ومساعيهم السالفة ثم يهتفون بمليء أفواههم : هذه هي نتيجة العمل والدأب والمثابرة . فلو أن تلك الحرب كانت قد أنتهت على عكس ما أنتهت عليه فعلا وهذا أمر ليس لهم يد فيه لكان مصيرهم كمصير الخونة أو العصاة المنشقين على الدولة العثمانية (العلية) .(17)

ليس كل من جد وجد وليس كل من زرع حصد . هناك الاف العاطلين عن العمل من حملة الشهادات . وهناك أميين يعملون في مناصب رفيعة جدا . نعم من جد وجد مقولة صحيحة حين يكون الحديث عن النتائج داخل الانسان . فمن يدرس بجد يرجح انه سيحصل على شهادة عليا لكن ليس من المؤكد أنه سيحصل على وظيفة محترمة . من يملك صوت جميل ويبذل قصارى جهده للوصول للاحتراف سيطور نفسه لكن ليس بالضرورة أن يتحول الى نجم . من يصبح عضو مجلس نواب ويطالب بعدم منح تقاعد لفئة ما حرصا منه على مسواتهم مع البقية لكنه لا يمنع نفسه من الحصول على راتب تقاعدي فاخر بعد أربع سنوات فقط , فهو بكل تأكيد يعتقد الى درجة اليقين انه أعلى منزلة من الجميع وما يقوم به عمل مقدس .

من جد دمج

من جد وجد ومن زرع حصد ... دورات الدمج . هي دورات لتخريج الضباط في الجيش والشرطة يقبل فيها طلاب يرشحون من الأحزاب التي كان لديها ميليشيات لمواجهة نظام صدام .(أسلامية وعلمانية) مدة الدورة أربعة اشهر يتخرج منها الطالب حاصلا على رتبة توازي عمره فاذا كان في عمر الثلاثين يحصل على رتبة نقيب أي رتبة توازي رتبة الضابط الذي تدرج في السلك العسكري بنفس العمر . الكثير من هؤلاء الضباط الدمج لم يحصلوا على شهادة دراسية تذكر ومنهم من حصل على شهادة المتوسطة ومنهم من حصل على شهادة الاعدادية وللانصاف بعضهم حاصل على شهادات عليا وبعضهم كانوا ضباط سابقين في الجيش العراقي . في العراق الان وفي هذه اللحظة يوجد الالاف من الحاصلين على شهادة البكلوريوس تطوعوا في الجيش برتبة (جندي مطوع )وفي الشرطة برتبة (شرطي مطوع) . المعظلة تكمن أن بعضهم ياتمرون بامرة ضباط (دمج ) حصلوا على شهادة المتوسطة . تخيل المنظر من حصل على شهادة البكلوريوس يقف يوميا من الصباح الباكر ليأخذ التحية العسكرية لضابط برتبة رائد حاصل على شهادة المتوسطة . من جد وجد ومن زرع حصد . الحاصل على شهادة البكلوريوس يحصل على رتبة شرطي مطوع والحاصل على شهادة المتوسطة يحصل على رتبة رائد . من جد وجد ومن زرع حصد . يا للسعادة والهناء ويا للروعة . حين يبذل الانسان جهد كبير للوصول لهدف ما ليكن مثلا الحصول على شهادة البكلوريوس في مجال ما سيجد معلومات أضافية في دماغه وليس بالضرورة سيجد عمل مرموق في مجال تخصصه فقد يجد هذا العمل شخص أنتهازي من أقارب الوزير مثلا أو من أقارب المسؤول الفلاني ليتبجح عليك يا صاحب الشهادة وصاحب المجهود وسهر الليالي بمقولة من جد وجد ومن زرع حصد .

البرج العاجي

الابراج العاجية ... مفردة تقترن بالأشخاص الذين يملكون صفة العجرفة والتكبر والتعالي مع الناس البسطاء وهم موجودين في كثير من المجالات . مفردة الابراج العاجية هي في الواقع تعبير مجازي وليس حقيقي . لكن أحد السياسيين العراقيين حاول جاهدا أن يحوله الى حقيقة واقعة . في يوم التظاهرات التي حدثت في الخامس والعشرين من شباط جاء حضرة جناب السياسي ليراقب التظاهرة عن قرب ويستمع لمطالب المتظاهرين فاختار أن يصعد الى أعلى بناية من التظاهرة ... لم أكن أتوقع في حياتي أن هناك دماغ ما يحوي هذه الفكرة الجهنمية . ولحد الان لم أجد تفسير لهذا السلوك . أذا لم يكن يملك الشجاعة لتقبل هتافات المتظاهرين أو غضبهم . وأذا لم يكن يامن لردود فعلهم وأذا كان يتوقع منهم أفعال غير حضارية ما الذي جاء به الى مكان المظاهرة ؟ أليس أمر محير ؟ أما كان أولى به أن يتابع المظارهة من بيته عن طريق التلفاز ؟ أول أنسان في تاريخ السياسة يحول مفردة الأبراج العاجية من تعبير مجازي الى واقع فعلي . تصوروا المنظر أن المتظاهرين يعلمون أن فلان الفلاني في سطح اعلى بناية تطل عليهم ويريد التواصل معهم عن طريق الهاتف . كم هو أمر مهين ومثير للاشمئزاز . ما الذي دهاك يا رجل ؟ في الواقع لم أجد تفسير منطقي لهذه الحالة الغريبة . ومن المؤسف أن يكون لأصحاب هكذا عقليات دور بارز في كتلة سياسية مهمة لها دور فعال .


التوقيع ... ولي نعمتك ... الشعب العراقي

قبل سنوات ظهر أحد السياسيين في أحدى القنوات الفضائية وسأله مقدم البرنامج السؤال التالي :( هل يمكننا ان نعتبر رئيس الوزراء في العهد الديمقراطي الجديد مجرد موظف يسير أعمال الشعب ليس أكثر ) فنظر أليه صاحبنا بغضب وأنزعاج وقال ( رئيس الوزراء راعي لمصالح الشعب ...ألخ)
شعرت بحزن شديد وقتها لأني لم أكن أتوقع ان هناك سياسي بهذه الدرجة من السذاجة السياسية. النابعة من تعالي وتكبر مقصود . ما كنت أتوقعه هو أن يتعامل هذا السياسي بذكاء ويقول بدون تردد ( نعم رئيس الوزراء موظف يمكن أن يغيره الشعب كل أربع سنوات أذا لم يكن بالمستوى المطلوب) ليكسب بذلك القول بعض التعاطف اللحظي . من سخريات القدر أن أنسان يحمل هذه العقلية الساذجة واللئيمة في نفس الوقت يمارس السياسة وبأعلى المستويات .
أن هذا الأفندي يخزن في عقله اللاواعي نظرة سيئة عن الموظف فهو يعتقد ان الموظف أنسان متدني المستوى ورئيس الوزراء لا يمكن أن يسمى موظف فهو راعي أو قائد أعلى أو أي شيء اخر من هذا القبيل .بعد ثلاث سنوات شاهدت نفس السياسي في أحدى القنوات وفي الحملة الانتخابية لمجالس المحافظات يخاطب الجماهير بحماسة وصوت عالي قائلا ما مضمونه : ( بأمكانكم الان ان تحاسبونا وتسألونا عن أي شيء ... حتى رئيس الوزراء موظف لدى الشعب زمن القائد الأوحد قد أنتهى ونحن في عهد الديمقراطية والكلمة لكم ) بعد ثلاث سنوات فهم هذا الاخرق أنه يجب ان يتحدث هكذا حديث ليكسب ود الجماهير . وأجزم أنه لا يؤمن بهذا الكلام . لكن وصل الى قناعة أن هذه الكلمات تدغدغ مشاعر الناس فقالها للضرورة فقط . وقد يصل بعد سنوات طويلة الى نتائج أخرى تجعله يفهم ان العمل الحقيقي وحده هو سر البقاء في البلدان التي تملك راي عام قوي . وأن رئيس الوزراء أو اي مسؤول ليس فقط موظف لدى الشعب بل الشعب ولي نعمته . المشكلة ان الفطنة السياسية لدى المواطن العراقي تتنامى بسرعة أكبر من الفطنة السياسية لدى السياسي العراقي لذلك هناك عدم تكافؤ واضح . فالمواطن العراقي متقدم دائما على السياسي العراقي بخطوة .

سحت وحرام

أحد الوزاء الجدد . أول شيء قام به حين أستلم الوزارة هو أقفال الطابق الذي فيه مكتبه عن باقي الموظفين والرسالة واضحة وهي اشعارهم انه ومكتبه المبجل أعلى منهم مستوى وأنه صاحب القدرة في هذا المكان. وقد يكون هناك سبب اخر وهو محاولة التعتيم على قلة الخبرة أو أنعدامها لدى كادر الوزير . ومن الامور التي اثارت أزعاج الموظفين في تلك الوزارة هي أستمارات المعلومات المتكررة التي تحوي أسألة تثير أجواء الشك والاتهام . وتشعر أي انسان بمقدار هائل من الكراهية تجاه شخص هذا الوزير الذي يتعامل بتعالي وعدم ثقة مفرطين . وهناك أمر غريب قام به معالي الوزير وهو استخدام مفردة ( سحت وحرام )في أحدى الأوراق الرسمية حين رفض صرف مكافئات لمجموعة من الموظفين . ولست أبحث هنا عن أستحقاق الموظفين للمكافاة من عدم أستحقاقهم فهذا أمر يحتمل الوجهين . المثير للأهتمام حقا هو استخدام مصطلح فقهي في ورقة رسمية .

من سيقول لهذا الرجل (انت لست رجل دين وجه له أستفتاء شرعي) . من سيقنع هذا الرجل انه انسان عادي كغيره و مهما كانت علاقته بالله قوية فهذا لا يسمح له أن ينصب نفسه ناطقا رسميا بأسم الله . من سيقنع هذا الانسان ان أقفاله للطابق الذي فيه مكتبه من شانه خلق حاجز نفسي بين الموظفين والوزير و يؤخر العمل ويخلق اجواء سلبية تؤدي الى تراجع مستوى الموظفين . متى سيعلم هكذا نوع من الناس أنهم ناس عاديين يدخلون للحمام ويصابون بمرض الجدري المائي ويصابون بالحصبة وتقعدهم الحرارة المرتفعة في الفراش حالهم حال غيرهم يمرعليهم كل ما يمر على الانسان العادي من أمراض ونكبات . ومن سيقول لهذا الرجل أنه لم يصبح وزير بسبب التوفيق الالهي والدعوات بل بسبب ترشيحه من قبل الكتلة التي ينتمي اليها .

تسبيحة الوزير ... طلسم الديمقراطية

أتمنى ان يقوم هذا الوزير وغيره من المسؤولين الذين يشعرون بوجود هالة فوق رؤوسهم ويشعرون بوجود ملاك حارس يحميهم , والذين يشعرون أنهم ما وصلوا لمناصبهم ألا لأن الله وفقهم (كونهم أحبائه ومخلصين لدينه). ان يمسكوا السبحة (أم 101) التي لا تفارق أياديهم الطاهرة وبعد القيام بالتسبيحات الشرعية التي تحميهم من كيد الفجار وشر الاشرار ان يرددوا التسبيحات التالية بشكل يومي :
أنا مجرد موظف 101مرة
الشعب ولي نعمتي من حقه محاسبتي 101 مرة
راتبي يصرفه لي الشعب 101 مرة
ويستحب حسب الفقة الديمقراطي أن يرددها بصوت مرتفع ومسموع ويستحب اكثر أن يرددها وهو واقف امام المراة لان في ذلك فائدة أكبر في شفائه بوقت أسرع من مرض العنجهية والتكبر والغرور الفارغ الذي يدل على خوائه .

يقول الوردي علي :

أن جلاوزة العراق ومن لف لفهم من المتزلفين وأنصاف المتعلمين ينظرون الى أبناء الشعب الفقير نظرة ملؤها الاحتقار والاستصغار . ولعلهم لا يشعرون بهذا الأحتقار الذي يكنونه لأبناء الشعب , أذ هو أحتقار كامن في أغوار اللاشعور في أنفسهم , فهم ينساقون به وقد لا يعرفون ماتاه أحيانا . (علي الوردي – خوارق اللاشعور – 213 214 )

يبدو أن الحال لم يتغير كثيرا منذ منتصف القرن العشرين حين كان علي الوردي يمسك قلمه ويكتب كلماته عن زماننا هذا ما خلا مفردة جلاوزة فهي نسبية الى حد ما كون الواقع السياسي الحالي نتاج الشعب الى حد كبير .

التماهي مع أسلوب حياة المتسلط

وهي من الحالات التي يتحدث عنها علم النفس والتي يتماهى فيها الشخص المقهور في تقمص حياة المتسلط الى حد كبير ومثير للدهشة .

يقول الدكتور مصطفى حجازي :

يصل الأسلوب في هذه الحالة أخطر درجاته , لأنه يتم بدون عنف ظاهر , بل على العكس , من خلال رغبة الانسان المقهور في الذوبان في عالم المتسلط , بالتقرب من اسلوبه الحياتي .(18)

يتحدث الدكتور مصطفى حجازي عن التماهي مع حياة المتسلط اثناء وجوده في السلطة وليس بعد الأطاحة بنظامه. وظاهرة تماهي المقهور الذي وصل الى السلطة مع جلاده السابق قد يعاني منها نسبة كبيرة من سياسيينا الذين أختاروا نمط حياة شخصي يتماهى مع نمط حياة المتسلط الى حد كبير . وبما أننا لسنا مختصين في هذا المجال نترك لذوي الشان من المختصين في علم النفس تفسير وتسمية الحالة التي يتماهى فيها المقهور الذي وصل لكرسي السلطة مع جلاده السابق في كثير من النواحي .

حزب البعث من أمامكم والقاعدة من ورائكم

أن حدوث حراك جماهيري يدعو له الشباب في العراق للمطالبة بالحقوق الطبيعية أمر يدعو للارتياح ويشعرنا بان هناك وعي عالي يسير في خط تصاعدي . لكن المخيب للامل هو مظاهر التخريب وتكسير الارصفة وغيرها . والمخيب للامل أيضا هو تصريحات بعض السياسيين الذين يعتقدون ان الشعب ساذج ويمكن تخويفه . والمخيب للامل أيضا هو دخول أشخاص على خط المطالبة بالحقوق يدعون الى الانتفاضة ضد الدولة والى المواجهة وهم أنفسهم هربوا من البلد حين تعلق الأمر بمصيرهم الشخصي فسلامتهم مهمة بالنسبة لهم لكن سلامة غيرهم ليست مهمة . الحقيقة تقول ان سياسيينا بامس الحاجة لتظاهرات , ليفهموا ويتعلموا بشكل أسرع . فهذه التظاهرات تعد درس خصوصي في السياسة .للمجتمع والسياسيين على حدا سواء . وبمرور الايام سيشعر السياسيين أن هناك راي عام قوي يقف خلفهم وأمامهم ويعد لهم أنفاسهم . ويجبرهم جبرا على العمل بكل طاقتهم ليس حبا بالعمل بل لخوفهم من فقدان أمتيازاتهم .

المعلومة المؤكدة والخبر العاجل المستمر الى أجل غير مسمى هي ان حزب البعث سيستمر ويستمر ويستمر في محاولة تخريب الحياة في العراق . لذلك من المعيب في كل حركة أصلاحية أو محاولة للمطالبة بمطلب ما من المطالب الطبيعية للشعب . من المعيب أن يظهر سياسي ليقول هناك مندسين من البعث والقاعدة . يفترض أن الحكومة تعلم جيدا ان هاتين الجهتين لم ولن تتوقفان عن محاولة أيقاف الحياة في العراق بشتى السبل . ومن واجب الدولة حماية كل حراك جماهيري حتى لو كان ناقدا لها . من المعيب الحديث عن خطر البعث والقاعدة بوجود حكومة تريد تثبيت القانون . كان يجب على الدولة أشاعة فكرة أنها ستحمي كل مواطن في الشارع حتى لو كان يتظاهر ضد الحكومة فمن واجب الدولة حماية الجميع دون أستثناء ومن المعيب الأيحاء بخطر النتائج والتنصل عن المسؤولة .

النجمات الثلاث

من يحب حزب سياسي أو قائد ملهم عليه أن يثبت حبه بشكل من الأشكال , حين أعبر بطريقة ما عن حبي لجهة سياسية فهذا نابع من قناعتي بتوجهات هذه الجهة . ولو كان هذا الحزب خارج السلطة فمن يعبر عن حبه له وحنينه لأيامه يعني انه كان سعيدا لنمط الحياة بكل أشكالها في عهد هذا الحزب . وألا سيكون الحب مجرد كلام ليس له معنى .
من يحب حزب البعث ويحن لأيامه ويحمل علمه ذو الثلاث نجمات أو يضعه كواجهة لموقعه الألكتروني أدعوه أن يثبت حبه بالتالي :
- عدم أستخدام الهاتف النقال لانه لم يكن مسموح به في عهد القائد الضرورة وأستخدامه أمر يؤلم روح القائد
- عدم مشاهدة القنوات الفضائية لأنها موجهه من قبل الصهيونية والأمبريالية حسب حزب البعث
- مشاهدة القنوات الارضية فقط وبما أن القنوات الارضية لا تروج لفكر حزب البعث ولا تلتزم بتوجيهات مكتب التوجيه السياسي والمعنوي فعليه أن يستعمل جهاز الدي في دي ويشاهد فيه خطب القائد وأجتماعات مجلس قيادة الثورة واغاني في حب القائد من الصباح حتى المساء .
- عدم أستخدام الأنترنت لأنه لم يكن متاح للجميع في عهد القائد الضرورة ومن يحب السيد الريس عليه أن يحترم رغبته ولا يؤلمه في قبره .
- من يريد الترويج لفكر القائد الضرورة والحزب الاوحد عليه أستخدام الوسائل المتاحة في عهده فليس من المعقول أستخدام وسائل الديمقراطية للترويج للدكتاتورية
- والاهم من كل هذا من هو موظف في دوائر الدولة ويروج لأيام البعث الخوالي أدعوه أن يكون صادق مع نفسه ويأخذ ثلاثة الاف فقط من راتبه ويتخلص من الباقي لأن هذا راتب الموظف في عهد البعث المفدى وعليه أحترام رغبة الحزب الذي يحن لأيامه بكل أخلاص .
- أما عن الخدمة العسكرية فحدث ولا حرج . فالوقوف بذل وخنوع أمام التجنيد ينتظرك . والعقوبات العسكرية المعنوية والمادية على أحر من الجمر .

من المخزي أن يروج أحدهم لحزب دكتاتوري بأدوات ديمقراطية ما كانت متاحة له في ايام ذلك الحزب . من المعيب والمخجل ان يستعمل احدهم وسائل ممنوعة في عهد صدام حسين للترويج لصدام نفسه . أما أن يثبتوا ان نمط الحياة في عهد البعث كان مريح لهم ويلتزمون به دائما وابدا . او يصمتوا الى الأبد فلم نعد نحتمل هذا النفاق في أستخدام الديمقراطية لدعم الدكتاتورية بأبشع صورها . لست مجبر أن تؤيد جهة سياسية أخرى ولست مجبر أن تحب شخصية سياسية غير منتجة وغير مطلوب منك أن تمجد حزب سياسي اخر غير حزب البعث ولست مجبر أن تؤيد العملية السياسية بعد 2003 ولست مجبر أن تكره حزب البعث أو صدام حسين فهذا أمر شخصي بحت ولا يمكنني الولوج الى قلبك وتغيير قناعتك الا أنك مجبر أن تحترمني وتحترم نفسك ولا تستفزني في أستخدام أدوات لم تكن متاحة في أيام صدام حسين في الترويج لصدام حسين فكأنك تقول ( أنا أستحق الرفاهية ولكن غيري يستحق أن يعود حزب البعث جاثما على صدره حاسبا أنفاسه)

الكثير من الناس يحددون مواقفهم بنائا على عنصرين هما ( المزاجية والمصلحة )ولا اقصد بذلك محبي صدام حسين فقط بل أقصد بصورة عامة . فبأمكانك في جلسة حوار أجتماعي سياسي عفوية في سيارة نقل او عند الطبيب أو في أي مكان عام ان تسمع نفس الشخص يمتدح صدام ومرة يذمه ومرة يلعنه ومرة يترحم عليه . كل هذا ممكن ان يحدث في خمس دقائق . وهو مألوف جدا في الشارع العراقي وغير مستغرب . فممكن أن تثير أمر ما حدث في عهد صدام واحد الجالسين كان من المتضررين من حدوثه ستجده يلعن صدام بكل ما لديه من ألفاظ اللعن . وبعد قليل ذكره بشيء حدث في زمن صدام وعاد عليه بالفائدة . سيقول لك بكل أريحية ( الله يرحمة بهاي جان فايدنة) المصلحة والمزاجية هي التي تحدد مواقف الكثير من الناس . والغريب حين يكون الحديث عن مظاهر الاضطهاد في زمن صدام تجد أحدهم يحدثك عن المظلومية ويكاد يبكي من الالم على من تعرضوا للاعدامات . وحين تحدثه عن ظاهرة اجتماعية متخلفة ومزعجة يقول لك : ( عمي ما يلام بينة صدام من ايدنة ) ولا تعلم ماذا يريد وبماذا يؤمن . مرة يبكي من ظلم صدام ومرة يضع اللوم على تخلف المجتمع وهمجيته ويبرأ صدام .

التماهي بأحكام المتسلط

يقول الدكتور مصطفى حجازي :
يقوم الانسان المقهور , في عملية التماهي بأحكام المتسلط , بأجتياف عدوانيته وتوجيهها الى الذات على شكل مشاعر ذنب ودونية وتبخيس للقيمة الذاتية . أنه ينخرط في عملية حط من قيمته , وقيمة الجماعة الاصلية التي ينتمي اليها . وبقدر ما يذهب بعيدا في هذا الأتجاه , فأنه يعلي من شان المتسلط ويبالغ في أعتباره وفي تثمين كل ما يمت أليه بصلة .(19).

والمقصود فيما سبق هو حين يكون المتسلط في السلطة وليس بعد رحيله من السلطة . وأن كانت هذه الظاهرة كما يبدو قائمة ومترسبة حتى بعد مرور سنوات على رحيل المتسلط من السلطة .

قبل فترة كنا في جلسة شبابية وتحول الحديث الى السياسة فقام أحد الاصدقاء بتوجيه كل كلمات السب واللعن والشتم الى حزب سياسي عراقي وقال أن هذا الحزب ضحك علينا وخدعنا بأسم الدين وبأسم المذهب وخذلنا ولم يقدم لنا شيء . بعد فترة ألتقيت بنفس الشخص في الشارع وحين أستفهمت منه عن وجهته فتبين أنه ذاهب ليحضر أجتماع في هذا الحزب الذي كان يسبه قبل أيام . وحين سألته عن سبب تحوله المفاجيء قال لي :( عندي شغلة يمهم بلكي يمشولياهة ) هذا نموذج بسيط للمزاجية والمصلحة في تحديد المواقف والتوجهات .


نوري المالكي ... صفوي فارسي عميل ايران


يستخدم فئة من المعارضين لنوري المالكي وللحكومة بصورة عامة هكذا مصطلحات . والواقع انهم لا يعلمون أنهم يخدمون المالكي بشكل كبير . فلا يوجد مفردة أكثر أيلام لنفس الفرد الشيعي من مفردة صفوي او فارسي أو أيراني أو عميل حتى لو لم تكن موجهة له فيكفي أن يسمعها فقط ليستذكر كل الماضي الأليم . فتحت هذه العناوين أعدم أبنائهم وبأسم الوطنية الخالصة والتخلص من العملاء قتلوا على الظن والشبهة . فحين يسمع الشيعي العراقي الذي يسعى الى تغير الواقع وأصلاحه والذي يسعى الى التعبير عن أعتراضه هذه المصطلحات سيشعر بخيبة أمل وأحباط تدفعه الى النكوص . وسيصطدم بلوحة قديمة من المصطلحات التي تذكره بمقدار هائل من الألم النفسي والمعاناة لأثبات الوطنية والهوية العراقية . في الواقع أن هذه المصطلحات تعد بمثابة أعلان تذكيري بالمظلومية المذهبية للفرد الشيعي . وخلق مجاني لمشترك قوي بين العراقيين الشيعة الراغبين بتغيير الواقع السياسي والأداري والساعين لأصلاحه وبين القوى السياسية السياسية الشيعية . ما يحصل حين يستخدم فئة من المعارضين مصطلحات (صفوي فارسي أيراني ) هو أيقاظ للحس المذهبي وتغليبه على الحس الوطني العراقي لدى الفرد الشيعي وبهذا سيقول في نفسه (يبدو أن المالكي محق في تحذيره من مندسين وبعثيين وغيرهم ) .

قبل فترة كتبت في أحدى الصفحات العراقية في الفيس بوك عن هذا الموضوع وقلت أنه يجب التركيز على المؤسسة الحكومية بصورة عامة ومنصب المسؤول محل النقد وليس شخصه فلا يربطنا بالمالكي شيء سوى انه رئيسا للوزراء فما يهمنا هو اداء رئيس الوزراء وليس شخص نوري المالكي وتوجيه تهم شخصية ومصطلحات مستهلكة ليس من شانه الا أيقاظ الشخصية الطائفية وتحجيم الشخصية الوطنية الوليدة .
فأجابت أحدى الاخوات ويبدو من كلامها انها تستخدم هذه المصطلحات ما مضمونه ( أنا أوجه كلمات من قبيل صفوي او عميل أيران او فارسي للمالكي تحديدا وليس للشيعة فالشيعة أخوننا ولا فرق بين شيعي وسني والشيعة عراقيين وطنيين)

أفهم جيدا الثقافة التي تنطلق منها الاخت وأفهم جيدا من أي أرضية ثقافية جائت هذه المفردات ولا ذنب للاخت في أستخدامها لها فهي تعيش في واقع أجتماعي ثقافي لم يعاني من تهمة العمالة أو تهمة التبعية لبلد اخر لذلك فهي تستغرب من التحسس من أتهام المالكي بهذه التهم وتؤكد بانها لم تفكر في الشيعة حين أستخدمت هذه التهم وتعتبر الشيعة أخوانها وشركائها في الوطن . لكن الواقع يفرض التأثير السلبي لهذه المفردات .

من المفرح أن نرى الشخصية الوطنية العراقية تولد من رحم الشباب الذي يمثل جميع الأنتمائات القومية والدينية والمذهبية لكن المؤلم أن نجد بعض الثغرات التي قد تحيي الشخصية الطائفية من غيبوبتها . أن الشخصية الطائقية التي طفت على السطح بعد 2003 ونضجت في 2006 دخلت في غيبوبة في 2008 وكما نعلم من يدخل في غيبوبة هو شبه ميت لكنه حي ممكن ان يعود في أي لحظة . وما أستخدام هكذا مصطلحات الا تحفيز لعودة الشخصية الطائفية العراقية .
من المفرح ان نجد معترضين يمارسون الديمقراطية في نقد الواقع الفاسد بكل حرية لكن المؤلم ان نجد تركيز على جوانب سخيفة لا تخدم الا الطبقة السياسية . في خلق مشترك شاخص وقوي بين الجمهور وبينهم وهو التهمة التاريخية الازلية التي وصف بها الشيعة (أيرانيين صفويين فارسيين )
الكلام بيني وبينكم اتمنى ان أصحو يوما لأجد أيران عادت سنية مرة أخرى ليتخلص الشيعة العرب من كل الثقل النفسي الملقى على عاتقهم في التبعية لايران . فحين يتواجد الشيعي العربي في ايران يعاملوه بعنصرية قومية كعربي وحين يتواجد في بلاده العربية يعاملوه بريبة كتابع لأيران .

بياع السبح

أجد هذه التهمة تناقض تهمة (صفوي فارسي عميل لأيران) فالعمالة لايران تعني ملايين وحياة مرفهة ولا تعني بيع سبح . والتهمتين توجهان غالبا بالتتابع ( بياع سبح عميل أيران ) والتهمتان تناقض أحداهما الاخرى . الغريب أن هذه التهمة تجد رواجا بين شريحة لا يستهان بها من الشباب والسبب يعود لمشكلة اكثر ضخامة وهي احتقار المهن البسيطة . فمجتمعنا يميل الى أحتقار ذوي المهن البسيطة مع أدعائه غير ذلك. فلا يوجد ابسط من تذكير احدهم بماضيه مثلا : (نسيت نفسك هو انت جنت تبيع جكاير) . قبل فترة شاهدت أحد عمال النظافة في الشارع ولفت أنتباهي انه كان يغطي وجهه بقطعة قماش فسأله احد أصدقائي الذي لم يقاوم فضوله عن سبب وضعه لقطعة قماش فقال له : انا طالب كلية قانون مرحلة ثانية أشعر بحرج من ان يشاهدني احد زملائي وأنا أعمل . تخيلوا لو مر الزمن وأصبح طالب القانون هذا قاضي أو محامي بارز أو أصبح رئيس وزراء وكل هذا وارد . كم ستكون صورته وهو يعمل منظف في الشارع ويرتدي ملابس عمال التنظيف مثيرة لمثيري تهمة ( المالكي يبيع سبح) . هذه العقليات تملك من الغرور والتكبر والتعالي ما يفوق التصور .

الكلاسيكو السياسي المفقود

زادت شعبية المالكي بعد تحالفه مع الصحوات وتمكنه من الميليشيات . فالامان كان حلم حوله المالكي الى حقيقة بشكل نسبي . الحقيقة الواقعة أن المالكي يملك القدرة السياسية والذكاء السياسي لكنه يفتقر للذكاء الاجتماعي . فهو تمكن من كسب مجموعة من السياسيين السنة لجانبه لكنه فشل في كسب جماهيرهم . كانت لديه الفرصة لذلك لكنه لم يستغلها . يفتقر المالكي للقدرة على كسب الجمهور المضاد له . فهناك خطوات وتفاصيل تبدو بسيطة لكنها مؤثرة في الجمهور والرجل لا يملك هذه القدرة التي تحتاج الى مقدار عالي من الذكاء الاجتماعي . لكنه يملك ذكاء سياسي منحه نفوذ عالي مكنه من البقاء في الكرسي . فهو تمكن من الحصول على التأييد الأقليمي على نطاق واسع . وتمكن من الحصول على التأييد الامريكي والدولي . وتمكن من لي ذراع كل القوى السياسية وتقطيع أوصالهم والبقاء في الكرسي . كل هذا أعطاه أحساس عالي بالقوة والقدرة مما دعاه الى التفكير في ضم الهيئات المستقلة تحت جناحه لانه لم يعد يخشى من شيء يقف أمامه . أن عدم وجود زعيم قوي يقود المعارضة في العراق ليعادل كفة الميزان من شانه خلق ثغرة كبيرة في المستقبل السياسي . وهناك عدة عوامل من شانها خلق دولة ديمقراطية قوية منها :
- معارضة قوية داخل البرلمان يقودها شخص يحمل كاريزما الزعيم
- هيئات رقابية قوية كاملة الاستقلال
- أعلام رسمي كامل الاستقلال والحيادية
- رأي عام ناضج وقوي (حراك شعبي ومنظمات مجتمع مدني)

العملية السياسية ذات الطرف الواحد هي في الواقع كالدوري الاسباني بدون أحد قطبيه . فتخيل طعم الدوري الاسباني بدون ريال مدريد أو بدون برشلونة . نوري المالكي تمكن من الجميع ولم يعد يشعر بوجود منافس . وهذا كفيل بخلق حلقة من المتنفذين والمتسلقين حوله . ما دمنا بدون كتلة معارضة قوية داخل البرلمان فمستقبل الديمقراطية في العراق في خطر . واذا لم تولد كتلة معارضة قوية فهذا يعني ان الديمقراطية في خطر كبير .
في الدورة السابقة لمجلس النواب قدمت الحكومة بين يدي مجلس النواب أكثر من مشروع مهم يعود بالنفع للصالح العام لكن الاجابة كانت الرفض والتأجيل بحجة ان تقديم هذه المشاريع الان يعد دعاية أنتخابية . هذه تسمى اعاقة وليست معارضة . وكان يجدر بنا كشعب أن نعاقب هذه الكتل أنتخابيا . الواقع أن وجود رأي عام شعبي قوي كفيل بخلق معارضة برلمانية ناضجة وحقيقية . وفي حال عدم وجود رأي عام قوي سيحصل نفس ما حصل من أعاقة لأي مشروع أيجابي بحجة وبأخرى .


شبكة الاعلام العراقي ... استاعد

كل القائمين على شبكة الاعلام العراقي بكل وسائلها الأعلامية المرئية والمسموعة والمقرؤة . عليهم الوقوف امام أولياء نعمتهم بوضع الاستعداد دون ان ترمش لهم عين . يجب ان تفهموا وتستوعبوا ان الشعب العراقي هو ولي نعمتكم الاوحد . والحكومة العراقية حالها من حالكم . ليست الحكومة العراقية في الواقع ألا مجموعة من الموظفين يصرف لهم الشعب رواتبهم . ( الحمال والمنظف والفلاح والمهندس والطبيب والضابط والكاسب ... ألخ) هم أولياء نعمتكم وليس رئيس الوزراء أو رئيس الجمورية او رئيس مجلس النواب . كل هؤلاء مثلكم موظفين لدى الشعب . حين تملك الحكومة المال والقوة لا يعني انها المالك الشرعي لشبكة الاعلام العراقي . أن المالك الشرعي الأوحد لمؤسستكم هو الشعب والشعب وحده . على فرض أن وسيلة من وسائل الاعلام التابعة لشبكة اللاعلام العراقي تعرضت لضغط من قبل الحكومة لتقوم بالتطبيل والتزمير لها فعلى هذه الوسيلة ان تعرف قيمتها . وتعلن تعرضها لضغط حكومي بطريقة تسترعي انتباه أكبر عدد ممكن من الناس . وتحرضهم على التظاهر السلمي للدفاع عن حياديتها . يجب أن يعلم كبار المسؤولين عن شبكة الاعلام العراقي أن بأمكانه الوقوف بكل كبرياء عالي وندية امام اكبر موظف حكومي وظفه الشعب من رئيس الوزراء الى أصغر موظف . وعليه الوقوف بوضع الاستعداد امام الشعب وعليه أن يحترم عقول الناس ومستوى أدراكهم للواقع . فنحن في زمن تتوقع فيه أن تجد امرأة مسنة تملك وعي سياسي عالي وتتوقع فيه أن تجد رجل امي يملك وعي سياسي عالي فأدراك السياسة وفهمها لم يعد حكرا على المتعلمين أو اصحاب الشهادات . أحترام عقول الناس ونقل الواقع كما هو بكل حيادية ونقل الراي والرأي الاخر بكل حرفية عامل أساسي في تحديد عدد متابعي الوسيلة الاعلامية وكما نعلم ان الوسيلة الاعلامية بدون متابعة تعني لا شيء . بل اللاشيء أفضل .

من المعيب أن نجد قنوات عراقية تحاول جاهدة تحويل العراق الى افغانستان تملك أدوات فعالة في التأثير على الشارع أكثر من القناة التي نصرف عليها . من المخجل ان تتمكن قنوات عراقية تريد حرق العراق وتحويله الى ساحة حرب من التأثير في الرأي العام . وتفشل القناة التي نصرف عليها في أرضائنا بنقل الحدث والخبر كما هو ونقل الرأي والرأي الاخر بكل حيادية . قبل سنوات وفي أحد البرامج المباشرة في قناة العراقية وكان البرنامج مخصص لجمع تبرعات لكارثة جسر الأئمة فأتصل أحد الاشخاص وقال :( لماذا نجمع تبرعات ونحن في دولة غنية يستلم وزرائها رواتب ضخمة أليس الأولى ان تذهب هذه الاموال لمعالجة هذه الكارثة ) فقاطعه مقدم البرنامج بأنفعال وقال له :( أحنة الى متى نبقة بهاي العقلية خالين عينة على راتب فلان وعلان . احنة معلينة براتب فلان وعلان . أحنة نريد نعالج مشاكلنا بنفسنة خلي نترك هاي العقلية مال هذا راتبة هلكد وذاكة راتبة هلكد ) هذا الكلام يدل على ان مقدم البرامج كان يعتقد حينها أن من يتحدث عن ضخامة راتب فلان وعلان من المسؤولين فهو يتحدث من باب حسد النعمة . الحقيقة تقول أن أي موظف في الدولة من المنظف الى مقدم البرامج الى رئيس الوزراء يستلم راتبه من الشعب والشعب من حقه الحديث دائما وأبدا عن أنزعاجه من أرتفاع قيمة الراتب عند المسؤول الكبير ومن حقه أن يعبر عن أمتعاضه من دنو قيمة راتب الموظف العادي .
لا يوجد مشكلة في دعم الحكومة حين تقوم بخطوة أيجابية . لكن يجب التركيز على الحكومة أيضا حين تقوم بخطوة سلبية . يجب ان يفهم القائمين على شبكة الاعلام العراقي حقيقة أنهم يملكون منبر بأمكانهم فيه أيصال صوتهم للشعب الذي يصرف عليهم من أمواله في حال تعرضهم لضغوط . ويجب ان يعلموا ان المالك الحقيقي لهذه المؤسسة هو الشعب وليس الحكومة فالحكومة ليسوا الا مجموعة من الموظفين عيناهم لمدة أربع سنوات وسنغيرهم أذا لم يعملوا بشكل صحيح .
قفوا أمام شعبكم بوضع الأستعداد وقفوا أمام المسؤولين بوضع الكبرياء ونقل الحقيقة كما هي سواء كانت أيجابية او سلبية .
لو كنت رئيسا للوزراء لتصرفت بدهاء ودفعت القناة الرسمية دفعا لأنتقادي وانتقاد حكومتي . بطريقة واقعية وبكل أريحية ولأعطيتهم كل التسهيلات. ليس من باب أني أنسان جيد بل من باب المصلحة والواقعية التي تتطلب في ظل الفطنة التي يتمتع بها المشاهد وفي ظل التنوع العالي في وسائل الأعلام ومنافذ الخبر . أن ذلك من شانه تقويتي على المدى البعيد . لكن يبدو أن هناك قصر نظر وسوء تقدير وعقلية تستهين الى حد كبير في الرأي العام ومستوى نضجه . فضلا عن وجود قصور في نوعية الخدمة الاعلامية التي شخصناها كمشاهدين ومتابعين نتذوق الخبر ونتذوق الحوار وليس كخبراء في هذا المجال . من يفكر بواقعية سيجد أن التوجه الى بناء أعلام حر وحيادي كقيل بضمان عبور مرحلة من مراحل بناء الدولة . وقد يجعله من الاباء المؤسسون للدولة العراقية في القرن الحادي والعشرين .




أمريكان ... أمر الله كان


هناك رجل يبدو انه مختل عقليا يسأل كل من يلاقيه في الشارع (ما معنى أمريكان؟ ) وأي أجابة تأتي من المقابل يقول له : (غلط , أمريكان تعني - أمر الله كان - ) ولا أعلم لحد الان لماذا هذا الرجل مولع بتفسير كلمة أمريكان , لكني أستلطفت السجع اللفضي في تفسيره . وهذا السجع يذكرني بقصة سمعتها عن خير الله طلفاح خال صدام حسين ووالد زوجته . يقال أن أحدهم سأله عن معنى أسمه فقال له : (خير من الله طل وفاح).

قبل تظاهرة يوم الخامس والعشرين من شباط بأيام سالني أحد الأصدقاء : ( من هي الجهة الخفية التي تحرك التظاهرات التي تجري في البلدان العربية والتي ستجري في الجمعة القادمة في العراق ؟) فقلت له وهل برايك أن هناك جهة خفية تحرك هذه التظاهرات ؟ فقال لي نعم لا بد من ذلك فقلت له : ( أحد أصدقائي من المتحمسين لمظاهرة يوم الجمعة ويدعو لها في الانترنت ولا اجده انسان خفي . هو انسان عادي مثلي ومثلك يجد ان هناك خلل في الخدمات وخلل في مسار الديمقراطية ويحاول أيصال صوته ليس أكثر من ذلك ) فنظر لي وبوجهه أبتسامة ساخرة قائلا : ( كل ما يحدث في البلدان العربية وما سيحدث في العراق تقف خلفه أمريكا ) فقلت له : (هل تملك روح رياضية كافية لاوجه لك سؤال ؟) فقال لي وبوجهه أبتسامة ثقة مفرطة ( تفضل أسأل على راحتك ) فقلت له : (هل تؤمن بان الله على كل شيء قدير ام تؤمن أن الامريكان على كل شيء قادرين وبعبارة أخرى هل تؤمن بأله واحد ام ألهين ؟ ) فقال لي : ( الامريكان والصهاينة الملاعين قادرين على كل شيء ولديهم أعوان في كل مكان ولا تتوقع ان هناك شيء يحدث أذا لم يكن لامريكا وأسرائيل يد فيه . أن المخطط الصهيوني أعمق وأعقد مما تتوقع ) بعد ان تحدث هذا الكلام لم تعد لي رغبة لتكملة النقاش فقلت له : ( أعذرني فانا لا أملك خبرة في هذه الامور وقد يكون كلامك صحيح )

أن من يملك هذه العقلية ليس هناك جدوى في النقاش معه . والملاحظة الغريبة التي لاحظتها ان من يكرهون أمريكا يؤمنون بها أكثر من محبيها . أمريكا لديها نفوذ وتحاول فرض رغباتها لكن ليس كل ما تريده تتمكن من الحصول عليه وليس كل ما تخطط له ياخذ طريقه للنفاذ فهناك امور كثيرة تحدث لا تتمنى امريكا حدوثها . وأمور كثيرة تعجز امريكا عن فعلها ولو كانت امريكا بهذه القدرة المطلقة لما أنهار أقتصادها بهذه الطريقة المذلة وفي وقت قياسي . لا أعلم سبب الايمان المطلق بقدرات أمريكا من قبل معاديها أكثر من محبيها وهذه النقطة تستحق التامل .

هناك قصص أنتشرت في الشارع العراقي قبل أعوام وهي ذات مغزى سأروي لكم قصتين من هذه القصص لنناقش المغزى منهما :

القصة الأولى

مجموعة من المدنيين يركبون سيارة أجرة وفي الطريق المؤدي من المحافظة (أ) الى المحافظة (ب) أوقفتهم مجموعة من المسلحين الملثمين فاخذوا هوياتهم وحين أكتشفوا انهم من مذهب اخر قاموا بأخذهم الى منطقة قريبة وعرضوهم على أمير المجموعة فامر بذبحهم جميعا وأثناء تنفيذ عملية الذبح نظر أحد أفراد المجموعة المسلحة الى وجه احد الضحايا وقال له :( ألست نائب ضابط فلان من الفرقة الفلانية في الجيش العراقي ) فقال له نعم أنا هل تعرفني ؟ فكشف عن لثامه وأجابه : (نعم انا فلان الفلاني وكنت جندي في كتيبتك ألم تذكرني فقال له : (نعم تذكرتك ) فاخذ أحدهما الاخر بالأحضان .فطلب الضحية من المسلح ان يفرجوا عن الجميع فقال له هذا غير ممكن أنا تمكنت من تخليصك لكن ليس لي قدرة على تخليص الجميع وبعد قليل جائت سيارتان عسكريتان نوع همر ونزل منها مسلحين أمريكان فذهب اليهم أمير المجموعة وسلم الرؤوس المقطوعة للأمريكان وقبض مبلغ من المال يقدر بعشرات الالاف من الدولارات . وهذا الناجي هو من نشر هذه القصة بعد أن كتبت له حياة جديدة بأعجوبة . فكشف بذلك حقيقة ما يجري ورفع الغشاوة عن عيوننا .

القصة الثانية

في الطريق المؤدي من المحافظة (أ) الى المحافظة (ب) أعترضت مجموعة مسلحة أحدى سيارات الاجرة وأستوقفتها . وكان في السيارة ثلاث ركاب . فسال المسلحون الراكب الاول : (من أي مذهب أنت ) فقال لهم : ( أنا سني ) فقتلوه على الفور . وسالوا الراكب الثاني : ( ما هو مذهبك أجب بسرعة ) فقال لهم : ( أنا شيعي ) فقتلوه على الفور . فسألوا الراكب الثالث وكان حائرا فيما يجيب فمن قال أنه سني قتلوه ومن قال انه شيعي قتلوه فقال لهم : ( أني لا سني ولا شيعي اني واحد كاولي -غجري- ) فضحك المسلحين بشدة على ما قاله وقالوا له : ( أسمع أنت مبين خوش ادمي مراح نقتلك بس لازم تنام وية الجثث لانه المسؤولين بعد شوية يمرون يتاكدون من موتكم . لازم تسوي نفسك ميت وتنام بين الجثث ) ففعل الرجل ما طلبوا منه . وبعد قليل سمع صوت سيارة قادمة وحين توقفت السيارة قرب الجثث حاول أختلاس النظر فاكتشف حقيقة مذهلة وهي أن من جائوا للتاكد يرتدون زي حاخامات يهود وبعد أن تأكدوا أخرجوا مبلغ من المال وأعطوه للمسلحين . ويبدو أن الله أراد لهذا الرجل أن يبقى حي لينقل لنا هذه الحقيقة .

منذ متى والقاتل يهتم للزاد والملح ومنذ متى الملثم يكشف عن نفسه . ولماذا تلثم أصلا أليس لتغطية شخصيته خوفا من أن يتعرف عليه أحدهم ؟ وما الذي يجعل الأمريكان بهذه الدرجة العالية من الغباء . حتى لو فرضنا ان الامريكان يريدون التحريض على الذبح ما الذي يجعلهم يستخدمون أساليب قديمة وسخيفة جدا ومكشوفة ؟ ولماذا يحضر الحاخام اليهودي مرتديا زيه الديني ؟ وأين كان رجال المقاومة الغيارى عن هؤلاء (عملاء اليهود والأمريكان) الذين يسرحون ويمرحون ويقتلون العراقيين على الهوية في مناطقهم ؟

الواقع ان هذه القصص لا تحتاج الى خبير ليفندها . فهي تفند نفسها بنفسها . ولا تستحق ان نقف كثيرا لاثبات صحتها من عدم صحتها . لكن الذي يستحق ان نقف عنده هو المغزى من الترويج لها و الجهة التي تبث هذه القصص .

المجتمع العراقي ميال بشكل كبير لتصديق هذه القصص والزيادة عليها وحبكها . فلا يحتاج من يريد بث هكذا قصة بين الناس الكثير من الخيال الواسع فحتى لو كان في قصته ثغرة واضحة ستختفي هذه الثغرة بعد وقت قصير . ستروى القصة من لسان للسان وتتغير وتحبك وتصبح حقيقة قائمة لا يجرأ أحد على تكذيبها . فحين سمعت كل قصة من هاتين القصتين على حدا كان من يرويها صادقا في قوله ومستمتعا في روايتها لانه يجدها تدعم ما يؤمن به وما يتمناه . أحد الأصدقاء قال لي بعد ان أنتهى من سرد قصته ( وهذا الرجال موجود حي يرزق جيران بيت فلان وهو حدثهم عن قصته بنفسه ) . انا في الواقع لا أقول أن صديقي يكذب فليس لدي شك في مصداقية كل من يروي هذه القصة ما عدا الراوي الاول والبقية يميلون الى دعم هذه القصة وتصديقها لأنها تحاكي ما يؤمنون به ويتمنونه. أن المجتمع العراقي يميل بشكل كبير لتصديق هذه القصص لأنها تحاكي خياله وتحاكي ما يؤمن به من فكرة الشر الامريكي المطلق والخير العراقي المطلق لذلك فهو بحسن نية يقوم بحبك القصة . ليشعر بمصداقيتها قبل غيره .

المغزى الحقيقي

أن المغزى الحقيقي من ترويج هذه القصص هو تبرئة الارهابيين من أي عمل مسلح يذهب ضحيته مدنيين عراقيين وهذه القصص هي أروع ما يدعم فكرة أن من يقتل العراقيين مختلفين تماما عن الذين يقتلون الامريكان فمن يقتل الامريكان هي فصائل المقاومة أما من يقتل العراقيين فهم مجموعة من عملاء الامريكان مدسوسين لتشويه صورة المقاومة .

هذا هو المغزى الحقيقي من بث هذه القصص . ان أثارة هكذا جو عام يعطي أريحية كبيرة للمسلحين للقيام باعمالهم التي تشمل القتل والترويع وسلب أرادة المجتمع لأن المسلح ملثم ومخفي الهوية . ولا يمكن تمييز من يقتل العراقيين ومن يقتل الامريكان . فكلاهما ملثم . وهذه القصص ترفع الشعور بعدم الارتياح عند الرأي العام المؤيد للمقاومة المسلحة حين يشاهدون تعرض مدنيين عراقيين للقتل . اصبح الموضوع سهل . ( هؤلاء مندسين من قبل الامريكان ) . كم هي فكرة رائعة ومريحة للضمير .
هناك عراقيين رفعوا السلاح بوجه الامريكان بدافع الوطنية . هذا امر مؤكد . لكن هؤلاء تركوا السلاح وجلسوا في بيوتهم بعد أشهر من رفعهم للسلاح . بعد ان أكتشفوا الحقيقة . وبعد ان وضحت امامهم الصورة .

أن الجهة المروجة لهذه القصص لديها خبرة عالية في التعامل مع ترويج الاشاعة وفبركة الحدث . وهي جهة لديها خبرة في التعامل مع المجتمع العراقي لسنوات طويلة . لا يوجد جهة تملك خبرة في هذا المجال ولا يوجد جهة تملك سوابق في هذا المجال أكثر من حزب البعث العربي الاشتراكي ومؤسساته .
من حسن حظي ان ألصدفة جمعتني بشخصان يؤمنان بالمقاومة المسلحة ورفعوا السلاح ضد الامريكان . وكلا منهما ألتقيت به بوقت مختلف عن الاخر وكلاهما حاصلان على شهادة جامعية وحين سالت كل منهما أن كان لا زال يرفع السلاح ضد الامريكان فكان جوابهما مقارب ويحوي المضمون التالي : ( حين رفعت السلاح كنت أؤمن بضرورة مقاومة المحتل الذي دخل بلدي عنوة . وهذا ما فعلته . والحقيقة اني كنت أشعر بضرورة رفع السلاح . لكن بعد فترة من الزمن تغير الحال وتحول الأمر من مقاومة الأمريكان الى قتل من يثير لديهم الشك في تعاونه مع الأمريكان ثم تغير الأمر الى سلب أرادة المجتمع وتطور الأمر أكثر الى وضع أوراق تهديد لأشخاص يعتقدون أنهم يتعاملون مع الأمريكان . فما كان مني الأ أن أنسحب بهدوء وأحترم نفسي وأبرء نفسي من سفك دماء أشخاص أبرياء . فليس هذا ما دفعنا لرفع السلاح غايتني كانت حماية الأنسان وليس قتله . ولا أتقبل قتل أنسان عراقي مهما كانت التهمة . لذلك كان الجدير بي الانسحاب ) .

لولا لقائي بهذين الشخصين لما كنت اصدق ان هناك من حمل السلاح بحسن نية وحبا بالوطن . بسبب المقدار الهائل من دماء العراقيين التي هدرت هباءا .
لم يكتسب الوطن هذا الاسم الا لانه يضم في أرضه المواطن . وحين يخلو الوطن من المواطنين سيحمل أسم اخر (أرض غير مأهولة بالسكان ) . الوطن هو نحن المواطنين ولو طبقنا شعار (نموت نموت ويحيا الوطن ) جميعنا بدون استثناء لتحول الوطن الى ( أرض غير مأهولة بالسكان ) الوطن هو نحن وبدوننا لا يعني شيء وموتنا يعني موت الوطن .

يقول معمر القذافي : (سنموت الى اخر رجل واخر أمراة لاجل النفط ) لا اعلم لمن سيبقى النفط للقطط ؟ ام للطيور ؟ أم للسناجب ؟
يقال أن سيدة شربت كوب من الحليب , وهي تشرب لاحظت وجود نمل يسبح داخل الحليب لكنها في ذلك الحين كانت قد شربت نصف الكوب فقامت مسرعة الى المطبخ وأخرجت مبيد الحشرات وشربته الى اخره ظنا منها ان المبيد سيقتل النمل فقط . فوقعت بعد قليل على الارض ونقلوها الى المستشفى وماتت هناك بعد ساعات .
هذا بالضبط ما فعلناه حين رفعنا السلاح لقتل الامريكان فقتلنا أنفسنا وفرغنا أمراضنا السادية على بعضنا . . يجدر بنا أن نرفع شعار (نعيش ... نعيش ليحيا الوطن ) لأننا نحن الوطن .

يقول الدكتور مصطفى حجازي :
يكمن جوهر السادية , في نظر أنطونيتي , في البحث اليائس عن الانا . في الحاجة الى توكيد الذات , في دفع الاخر للاستجابة الى حقيقتك الذاتية : هذا انا , أنا هنا , يقول السادي يجب أن تلاحظ وجودي , أذا لم تلاحظه بمحبتي فعليك ان تدركه من خلال ألمك , أني أنا من يجعلك تتالم . بالمك تعترف بوجودي الذي يصبح أكثر واقعية بمقدار ما تكبر معاناتك.(20)
وصف أحد السياسيين ما يجري من أثارة أجواء أنعدام الامن من خلال قتل المدنين فضلا عن أعمال العنف ضد الجيش الامريكي بانها رسائل حب سادية . ويبدو أن وصفه قريب من الواقع الى حد ما .


أنا جبان ... أنا جبان

الاول : يوميا تأتينا لتثير أعصابنا بهذه الافكار المدسوسة والغوغائية . يا أخوان المقاومة واجب شرعي والجهاد فرض عين وحين يقول أحدهم ( لا يوجد مقاومة في العراق وما يحصل هو أرهاب ) فهذا يعني انه يقصد ان في العراق 28 مليون (غيرة سز ) فهل يعقل أن شعب من 28 مليون انسان ليس فيه مجموعة تقاتل دفاعا عن هذا الوطن ؟ المقاومة موجودة وأذلت الامريكان أذلال كبير ولقنتهم درسا لا ينسى ومن يقول غير ذلك فهو يتهم العراقيين في غيرتهم على وطنهم .

الثاني : يا اخي لم أجد شخص يصر على أن ياتي يوميا ليقول : أنا جبان ... انا جبان . ألم تمل من هذا القول ؟ يوميا تاتي هنا لتقول انا جبان . يكفي يا أخي أتهمت نفسك بالجبن بما فيه الكفاية .

الأول: عن ماذا تتحدث ومتى قلت أنا جبان الا تستحي من هذا الاسلوب الهابط في الحوار

الثاني : يا أخي أنت قلت ( الجهاد فرض عين . والمقاومة واجب شرعي على كل عراقي . وانت تقيم في هولندا وتصدع راسنا بهذه الكلمات ولا تكلف نفسك في تطبيقها . الا تستحي من الدعوة الى المقاومة في العراق وأنت تتمتع بالأمان في اوربا ؟ ألا تشعر بانك تدفع غيرك الى فعل شيء قد يؤدي الى موته وأنت مختبيء في أوربا . أنا مثلك أسكن في أوربا لكني لم أدعو للمقاومة ولم أدعو للجهاد . اما ان تعترف انك جبان أو تترك الترويج لفكرة المقاومة .

الاول : هناك فرق بين المقاومة ودعم المقاومة وأنا أدعم المقاومة معنويا .

هذا مضمون حوار جرى في أحدى الغرف الصوتية العراقية قبل أعوام .

يتعامل البعض مع قضايا معينة كأنه يتعامل مع برنامج أستعراضي يتابعه في التلفاز أو كما يتعامل مع لعبة بلي ستيشن . فالاخوة العرب الذين كانوا يؤيدون المقاومة في العراق . في الحقيقة كانوا يتعاملون مع الموضوع كتعاملهم مع لعبة (بلي ستيشن ) فالموت في ألعاب البلي ستيشن أمر عادي ولا يعني موت حقيقي . بنفس طريقة التفاعل مع الموت في البلي ستيشن يتفاعل مؤيدي المقاومة وعشاقها الغير متواجدين في العراق . فبموت جندي امريكي يشعر بشعور عالي بالنصر والرفعة وحين يعلم أن هناك خمس عراقيين ماتوا حين مروا بالصدفة قرب حصول الحادث سيقول لك ( هؤلاء شهداء ) زحين يسمع خبر ذبح عشرة مدنيين عراقيين سيقول في نفسه ( لا بد ان هناك ما يبرر قتلهم ولا بد أنهم عملاء للمحتل . عادي جدا الامر بالضبط كما يحدث في البلي ستيشن . صاحبنا المقيم في أوربا ويدعو للمقاومة بكل قوة وفخر . لا يتقبل أن يتعرض أبنه لجرح صغير في قدمه ولو حصل ذلك ستجده يتألم بشدة لأجل أبنه فلذة كبده بكل جوارحه . لكن أبناء الخائبة الذين يشجعهم على المقاومة ليس لهم قيمة بالنسبة له فهو لا يعرفهم ولم يجلس معهم فهم بالنسبة له مجرد ارقام تعبر عن الخير . هم بالنسبة له كفلم جميل يشاهده وينحاز فيه لجهة معينة تمثل الخير لكن الفرق الجوهري هو أن الموت في الفلم غير حقيقي والموت في العراق حقيقي لكنه لا يفرق بين الاثنين فكلاهما مجرد رموز تمر أمامه ( شيء يرمز للخير لا اكثر ) وأذا مات فهو شهيد . ما هي المشكلة ؟ الامر عادي ما بالكم ؟

ان هؤلاء يعلمون أن ما يحدث في العراق حقيقي . ولديهم ميول محسومة مسبقا للمقاومة المسلحة لانها تحاكي البطولة والشجاعة والقوة التي يبحث عنها هؤلاء . ولأن المعلومة عن ما يجري في العراق تصلهم أما تلفازيا او تلفونيا او انترنيتيا . فشعورهم بهول ما يحدث ضعيف نوعا ما لذلك لا يتفاعلون بشكل كبير مع الماساة الانسانية . لكنهم يتفاعلون بشكل كبير مع الامور التي تثير فيهم الشعور بالفخر والنصر و الزهو . تماما كما يحدث في البلي ستيشن . هذا فضلا عن ظاهرة تبرير القتل بعد معرفة السبب حتى من قبل أشخاص يعيشون الواقع داخل البلد . فحين يسمع أحدهم عن خبر مقتل شخص فاول ما يفعله هو السؤال عن سبب قتله وحين يكتشف أنه قتل بسبب اتهامه بالعمالة للمحتل أو بسبب تعرضه لشخصية مقدسة بالنقد . فهو لا يشك أبدا في أحكام المقاومين فليس لديه شك من أن التهمة التي قتل بسببها صحيحة ويستحق عليها القتل والا لما قتلوه . لهذا السبب يقول : ( من ايدة هو جابهة لنفسة) لأنه في تلك اللحظة لم يعد يراه أنسان تعرض للموت بل شيء يرمز للشر .

الغاية من مقاومة المحتل هي منع حدوث انتهاك شخصي لأبناء الشعب ومنع حدوث سرقة من قبل المحتل لثروة الشعب . بأختصار ( حماية الوطن والمواطن ) لكن بمرور الزمن سيقوم المقاومين بنفس الفعل ( أنتهاك الحياة الشخصية للمواطن وسلب ارادته وقد تسلب حياته ) الغاية من مقاومة المحتل هي حماية المواطن لكن ما سيحدث تدريجيا هو فعل مطابق لما هو متوقع من المحتل . ( سلب أرادة المواطن ) .

يقول الدكتور مصطفى حجازي :

(في المجتمع المتخلف) تنعدم علاقة التكافوء لتحل محلها علاقة التشيؤ . بدل علاقة انا – أنت التي تتضمن المساواة والاعتراف المتبادل بأنسانية الاخر وحقه في الوجود , ذاك الاعتراف الذي يشكل شرط حصولنا على أنسانيتنا من خلال أعتراف الاخر بنا كقيمة أنسانية , بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع انا – ذاك ذاك هو الشيء ذاك هو الكائن الذي لا اعترف به , بأنسانيته وقيمتها , أو بحياته وقدسيتها بأعتباره شيئا يصبح كل ما يتعلق به أو يمت اليه مباحا . (21)


القوي المعتدي

قم بهذه التجربة البريئة أختر أسم شخص مهذب ومؤدب ومسالم . وأسال عنه أبناء منطقته . ستلاحظ أن هذه المفردات ستتكرر على ألسنتهم أكثر من غيرها :( خطية , فقير , خوش ولد , ما عندة أذية علة أحد) . وقم بتجربة أخرى وأسأل عن شخص اخر معروف عنه كثرة المشاكل والمشاجرات والصوت العالي , ستسمع هذه المفردات اكثر من غيرها : ( سبع , أخو خيتة , تخليه علة يمناك , واحد شراني دير بالك منة )

الحقيقة أن مفردة فقير تعني أن المجتمع ينظر الى الأنسان المؤدب الذي لا تبدر منه تصرفات عدائية وكانه يفتقر الى شيء وهو فعلا يفتقر الى شيء مهم وهو ( الأعتداء على الاخر ) فهذه الصفة لو كانت موجودة لأستخدموا مفردة (سبع) وتلفظ بطريقة مشددة جدا مع حركة تأكيدية بالرأس وملامح تعبيرية هائلة بالوجه . الواقع ان تعابير مثل فقير أو خطية أو غيرها تعبر عن عدم تقدير المجتمع للشخص المسالم . مع أنهم يحترموه ظاهريا ويحبوه ويفضلون التعامل معه لكن في داخلهم نوع من التحقير والأستهانة التي تجعلهم يستخدمون مفردة فقير والتي تلفظ مع تعابير واضحة بالوجه وفي العينين تحديدا تعبرعن الضعف .
أما صاحب المشاكل فمع ان المجتمع قد يذمه وينتقده لكن من المحتمل أن يصفه أحدهم بمفردة (سبع) أو(أخو خيتة) ويحاول الناس بشكل دائم المهادنة معه للأبتعاد عن مشاكله وخوفا من أستخدامه للقوة . لذلك تجد المجتمع يميل بشكل كبير الى منافقة هكذا شخصيات ومحاولة كسبهم بكل الوسائل . وبأمكانك أن تكتشق الأحترام والتقدير من قبل المجتمع للشخص صاحب المشاكل وكثير المشاجرات بسهولة . فحتى بعد أن يبين لك احدهم انه يجب أن تتقي شر هذا الرجل فلا تستبعد ان يستخدم مفردة سبع . لأنها تعبيرعن أحترام القوة .

يقول الوردي :
رأيت شخصا نشأ في بيئة تحترم القوي المعتدي وهو في الوقت نفسه ورث من أبويه أستعدادات عصبية وهرمونية تجعله شديد الغضب قاسيا يحب الايذاء , وأذا كان هذا الشخص قد ورث العضلات وضخامة البدن فأنه لابد أن يكون في طفولته زعيم أطفال المحلة , وهو قد يقودهم في المعارك المحلية , وعندما يكبر هذا الطفل قد يصبح شقيا يسطو على البيوت ويقطع الطرق أذا وجد في مجتمعه ظروفا تساعده في ذلك وتشجعه عليه . (22)


القوة لا تعني الشجاعة

كل ما سبق نسبي الى حد ما ولا يمكن تعميمه لكنه واقع فعلي ملموس وشائع . أن أحترام القوة لا يقف عند القوة العضلية فقط . والقوة لا تعني الشجاعة دائما . فهناك فرق جوهري بين القوة والشجاعة فليس كل أستخدام للقوة يعتبر شجاعة . وليس كل شجاعة تحوي في تفاصيلها أستخدام للقوة . لكن في أعتبارات المجتمع بصورة عامة القوة تعبرعن الشجاعة .
مجتمعنا تأسره وتسحره الشعارات التي تعبر عن الوقوف بوجه المحتل . وهكذا شعارات بحد ذاتها تعد شجاعة عالية لكن ليس كل من يرددها يتمكن من التحول الى قائد ملهم مسموع القول . فهناك عوامل أخرى تتعلق بطبيعة المجتمع والصفات الذاتية للفرد (كالنسب والذكاء الأجتماعي والكاريزما – سمة الشخصية -) .
يقول الوردي :
أحب الشعب الملك غازي أكثر مما أحبوا أباه . والسبب في ذلك أن في ذلك أن الشعب العراقي كان لديه معيار واحد يقيس به رجال السياسة وهو معيار العداء للانكليز . فالذي يعادي الانكليز هو في نظر الشعب وطني , والذي يصادقهم خائن . أنها كانت لدى الشعب كالمعادلة الرياضية . أذ كانوا ينظرون لرجل السياسة حسب هذه المعادلة . فكلما كان الرجل أكثر عداء للانكليز كان في نظرهم أكثر وطنية والعكس بالعكس . (23)

تعيش أطوار بهجت ... يسقط التاريخ

منطقة ساخنة تعرض فيها مرقد أمامين من ائمة الشيعة للتفجير الذي أدى الى غضب شعبي عارم . لم تكن قدسية هذا المرقد مقتصرة على الشيعة فقط ومن يعرف أهل سامراء يعلم جيدا ماذا يعني لهم مرقد العسكريين ومدى تعلقهم الروحي بهذا المرقد وهذين الامامين . أتجهت أطوار وفريق العمل المرافق لها الى تلك المدينة المنكوبة والكل يعلم مدى سخونة الطريق المؤدي الى سامراء . كان هدفها نقل الحدث ونقل الحقيقة كما هي . لم تبالي بسخونة المنطقة ولم تبالي في أن المنطقة تحت سيطرة الأرهابيين على مختلف مسمياتهم . بكل شجاعة أتجهت الى هناك لتنقل الحقيقة كما هي . كانت تعلم جيدا أنها متجهة الى مكان خطر الى درجة كبيرة وكانت تعلم أن هناك احتمال ان يحدث ما حدث لها . وحدث لها ما حدث وفارقت الحياة بكل شجاعة وشرف . وهي بحق رمز من رموز الشجاعة في عصرنا الحالي . أن أطوار بهجت تنتمي لمدرسة المبدا . لو أردت أن أعرف الشجاعة بمفهوم معاصر فساقول (الشجاعة : وهي أطوار بهجت) لكن لنرى كيف قيم المجتمع شجاعة اطوار بهجت . ومن باب الانصاف فهي حصلت على تعاطف شعبي واسع وحصلت على محبة الناس وودهم وأسفهم على ما جرى لها وهذا أمر أيجابي . لكنها لم تتحول الى رمز للبطولة مع أنها تستحق ذلك . الشجاعة المركزة والحقيقة هي ما فعلته أطوار بهجت وزلملائها. لكن المهزلة ان التاريخ ارعن ولا يسجل أسماء الشجعان الحقيقيين ألا مكرها . فلا تتوقعوا أن التاريخ سعيد لأن الحسين أبن علي ذكره مخلد لحد الان . ولا تتوقعوا ان التاريخ سعيد لان جيفارا ذكره مخلد لحد الان فالتاريخ لا يسجل هذه الأسماء ألا مكرها . أن المجتمع ينظر لاطوار بهجت نظرة تعاطف وشفقة . ولا ينظر اليها كرمز للبطولة والشجاعة . ولو كان كذلك لتحولت الى رمز للبطولة يتذكرونه ويحتفلون به كل عام . الشجاعة التي بدرت من أطوار بهجت تستحق عليها ان تخلد شعبيا وتاريخيا . لكن ليس هكذا تجري الامور .

في قلب فندق من فنادق الدرجة الاولى أو في قصر المؤتمرات لا أعلم ولست مهتم جدا للمكان . وقف بوش في مؤتمره الصحفي . فخلع منتظر الزيدي حذائه والقاه على بوش وصرخ بأسم الابرياء والمساكين . ليحصل بهذه البساطة على دور البطولة والشجاعة والفروسية . بكل هذه البساطة تحول منتظر الى بطل . لن يحتاج أن يذهب الى منطقة ساخنة لنقل الحقيقة ولن يحتاج أن يعرض حياته للخطر . فكلنا نعلم أن رد الفعل الرسمي والقانوني تجاه منتظر لن يصل في أسوء حالاته الى الاعدام . بكل هذه البساطة وفي جو مترف ومليء بذوي البدلات الرسمية حصل منتظر على لقب بطل وتحول الى رمز للبطولة والجهاد ضد المحتل البغيض . لاتحتاج أكثر مما فعله منتظر لتصبح بطل . ليس هناك داعي ان تخاطر بحياتك كما فعلت أطوار . وليس هناك داعي ان تجاهد للوصول للحقيقة لتصبح بطل . فيكفي ان تلقي بحذائك بوجه رئيس دولة الأحتلال البغيض لتصبح أشجع الشجعان وفارس الفرسان . يكفي ذلك لتجد من يهبك أبنته للزواج ولتجد من يتبرع لك ببيت سكن وتجد من يهب لك راتب شهري فاخر . وتجد من يتظاهر لأجلك . وتجد من يرقص لأجلك وتجد من يستقبلك أستقبال الابطال . ليس هناك داعي ان تظهر شجاعة فعلية كما فعلت أطوار بهجت . كل ما عليك هو ألقاء حذائك بوجه شخص يمثل رمز للشر . هذا أذا كنت تبحث عن دور البطولة والقوة . في الوقت الذي تتحول فيه أطوار بهجت ومن ينتهج نهجها الى رمز للبطولة ورمز للحياة ورمز للحب سنكون قد نضجنا وعبرنا مرحلة كبيرة .

في اول انتخابات جرت بعد 2003 قام شرطي عراقي بأحتضان أرهابي يرتدي حزام ناسف وأبعده عن الناس وتمكن الارهابي من تفجير نفسه ليموت الشرطي معه ولا يموت أحد غيره بفضله . الدفاع عن حياة الناس والتضحية بالنفس هي شجاعة حقيقية خالصة تستحق الخلود . هل هناك من يتذكر أسم هذا الشرطي ؟ لا أعتقد أن هناك من يتذكره غير أهله وأصدقائه وأبناء منطقته . كنا على الموعد مع البطل الشجاع عثمان العبيدي الذي فقد حياته وهو ينقذ حياة الاخرين وحصل منا على تقدير شعبي عالي وحب كبير يستحقه لكن مع الاسف لسنا دائما على الموعد . فهناك اشخاص لم يفعلوا ألا ترديد شعارات وفعل حركات أكشن في أجواء مترفة محسوبة مسبقا ليحصلوا على رمزية عالية لا يستحقونها . وهناك أشخاص قاموا بأفعال أنقذت الكثير من الارواح وضحوا هم بأرواحهم ولا يوجد من يذكرهم .
لا اعلم الى ماذا سيتحول المكان الذي أجلس به الان بعد 100 عام ولا اعلم من سيجلس به لكني أعلم جيدا أنه سيقرا في كتاب التاريخ المدرسي عن هذا الزمان الذي نتنفس به الان عن أشخاص كثيرين سجلوا كأبطال وكرموز للوطنية والشجاعة وهم لا يستحقون ذلك . أن التاريخ لا يذكر الشجعان الحقيقيين ألا على مضض . فكثير من الزعماء الذين تورطوا بعمليات قتل وسلب لأرادة المجتمع نجوا بفعلتهم وسجلهم التاريخ كأبطال قوميين لسبب بسيط وهو ما كانوا يرفعوه من شعارات وبسبب مواجهته لقوى أجنبية . فالتاريخ يهمل أنه تسبب في قتل مدنيين أبرياء ويركز على وقوفه بوجه الأجنبي .

كيف يحدث ذلك ؟

الجيل الذي عاش المأساة ولمس المعاناة بنفسه من خلال فقدانه لأحبائه سيحكي للجيل الذي بعده عمق المأساة والمعاناة التي حدثت لهم على يد نفس القوى التي واجهت الاجنبي . لكن الجيل الذي بعده لن يشعر بالمأساة بنفس القوة ولم يلمسها كواقع . وقد يحكي للجيل الذي يليه عنها لكنها بمرور الزمن ستندثر وتندرس ولم يبقى الا قصة دحر الأجنبي وأذلاله . أما قصص قتل الناس على الظن والشبهة وقصص شوي الجثث والتمثيل بها وقصص التعذيب ستذهب أدراج الرياح . لأن التاريخ يسمع صوت القوي ولا يسمع صوت المالوم . الضحايا ليس لديهم مؤسسات تدون لهم تاريخهم . لكن القادة ذوي النفوذ لديهم مؤسسات تتمتع بديمومة الوجود والنفوذ العالي . وهي كفيلة بخلق جو عام يعبر عن البطولة والشجاعة والوطنية فقط حين يعاد النظر في تقييم ما جرى من أحداث . لكن تبقى مقتطفات متناثرة يرويها التاريخ مكرها وعلى أستحياء والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة .

اللوطي الموجب ... والحصانة الاجتماعية

الجنس الثالث أو (الجراوة) كما يحلو لمجتمعنا تسميتهم . وهم كل من لديه ميول أنثوية لأسباب فسيولوجية (جسمانية ) أو لأسباب سايكولوجية (نفسية) . تعرض هؤلاء قبل سنوات لعمليات قتل منظمة . وقوبلت بقبول اجتماعي نسبي لا يستهان به . فمن يسمع بخبر تعرض جنس ثالث للقتل كان يقول مثلا : ( يا أخي من أيدهم لعنة الله عليهم ذولي اللوطية السفلة ) سمعنا كثيرا هذه الكلمات أو ما يشابهها وطبعا ليس كل جنس ثالث لوطي كما هو شائع فكما ان في الرجال من يمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية وفي النساء من تمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية كذلك في الجنس الثالث من يمارس الجنس خارج العلاقة الزوجية لكن هذا لا يعني أن كلهم يمارسون الجنس بهذه الطريقة . ومن كان يقولها ناس عاديين بسطاء طيبين . وحين تساله عن السبب الذي يجعله يتقبل قتل انسان يقول لك :( اللواط عمل مشين يهتز له العرش . ويغضب الله ) والحقيقة ان السبب الحقيقي ليس هذا . أبدا ليس هذا . مطلقا ليس هذا . الكلام عن أهتزاز العرش وقبح اللواط هو الحجة التي يتذرع بها هؤلاء أمام أنفسهم حين يشعرون بالتشفي لمقتل أنسان يعاني من تغيرات جسدية نفسية قاسية . والحقيقة أن السبب الرئيسي لهذه التغيرات هو المجتمع في كلا الحالتين ( سايكولوجية أو فسيولوجية ) . نعود للسبب الحقيقي لعدم مبالاة شريحة من المجتمع لتعرض هذه الفئة من المجتمع للقتل . أتعلمون ما هو السبب ؟ السبب هو (ديكور المجتمع ) . كل شيء يؤدي الى تغير ديكور المجتمع يثير غضب المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء . المجتمع يؤمن ويحب شكله الخارجي الى درجة لا تصدق . فهناك أمور يهتز لها العرش أيضا لكن لأنها غير ظاهرة ولا تؤثر على ديكور المجتمع لن تجد من يهتم لاهتزاز العرش ومن هذه الامور ( اللواط الموجب ) نعم سيعبر احدهم عن سوء فعل اللوطي الموجب في حالة أنك دفعته على الحديث . فستجده يجيبك عن سوء هذا الفعل بشكل مقتضب وعلى أستحياء . لو صدف أمامك شخص يتحدث عن سوء فعل الجراوة وعدم أستحقاقهم للحياة . جرب أن توجه له السؤال التالي : ( الذي يمارس مع هؤلاء الجنس أليس لوطي أيضا ؟ لماذا لا تتحدث عنه بنفس الحرقة ) سيحاول أن يدعي الصدق وينال من اللوطي الموجب . لكن سيتبين لك بكل وضوح انه ليس مهتم جدا لامر اللوطي الموجب . أتعلمون لماذا ؟ لأنه بأختصار لا يؤثر على ديكور المجتمع . فهو أنسان عادي ظاهريا وليس فيه ما يدعو للريبة . لذلك لا يثير أعصاب الذين امنوا وعملوا الصالحات . المشكلة تكمن في التغاضي عن القوي المعتدي بشكل مثير للدهشة . اللوطي الموجب يعتبر رجل يمارس رجولته بشكل مفرط ( نساء وغلمان ) أما اللوطي السالب أو الجنس الثالث أو غيرها من التسميات على أختلاف مقاصدها ومراميها وحقائقها فهو رجل ناقص الرجولة يجلب العار لغيره من الرجال . لذلك فهو يثير غيرة المجتمع على دينه . لو كان السبب الحقيقي وراء مقبولية تعرض الجنس الثالث للقتل هو حرمة اللواط وغضب الله وأهتزاز العرش لوجدنا نفس رد الفعل وبنفس القوة تجاه اللوطي الموجب لكن هذا الاخير يتمتع بدرجة عالية من الحصانة الأجتماعية . كونه لا يؤثر على ديكور المجتمع . لو كان لهؤلاء الذين يتشفون بمقتل هذا الأنسان المسكين الذي يحتاج لعناية خاصة مجرد قدرة على وضع نفسه محل الاخر في تخيل حاله هو لو أستيقظ صباحا ليجد نفسه حبيس في جسد أنثى ماذا سيفعل حينها ؟ لا يوجد أقسى من ان يكون الانسان حبيس في جسد لا يعبر عن ميوله ورغباته ومشاعره . حين يفكر مجتمعنا في تفهم الاخر ومحاولة علاجه ومساعدته سنكون قد وصلنا لدرجة عالية من الرقي .

تقطع الشعوب وقت طويل نسبيا لتصل الى نمط حياة معين ... الشعوب التي تعيش بنمط حياة ديمقراطي مثلا لم تصل أليه ألا بعد تجربة أنماط اخرى مختلفة تماما عن الديمقراطية . يبدو ان هناك دورة حياة زمنية تعبر أجيال لتصل بشعب ما الى نمط ما . وكما هو واضح فان الشعوب لا تمر في نفس التجارب بالتزامن . فهناك من يبدأ من حيث انتهى الاخر لكن المعظلة أنه يمر بأغلب ما مر به الاخر من تجارب دون أن يتمكن من أختزال بعض المراحل المريرة . قد يحدث أختصار للزمن بشكل نسبي لكن لا يمكن الخلاص من المراحل التي تعدها الشعوب السباقة مراحل حزينة ومؤلمة . لماذا تكرر الشعوب تجاربها ؟ ولماذا تعيد نفس الخطوات للوصول لنتائج معروفة مسبقا من الجميع و حصلت سابقا مع شعوب أكثر قدما ؟ أمر منطقي انك لا يمكن أن تبني الطابق العشرين قبل بناء الطابق الارضي في أي بناية ... لكن لماذا أعيد بناء بناية تم بنائها قبل 300 عام بنفس الطريقة وبنفس المواد وبنفس الخطوات خطوة بخطوة وقدما بقدم وخطا بخطا ؟

جماعات سرية مسلحة طائفية ... جماعات سرية مسلحة عرقية ... محاولات لتأصيل الحس الطائفي العرقي ... أعمال عنف منظمة طائفية عرقية ... حملات رعب منظمة موجهة ضد الاخر ...

لا أقصد فيما سبق بلدي العراق بل أقصد الولايات المتحدة الامريكية في القرن التاسع عشر . بعد أنتهاء الحرب الاهلية ظهرت مجموعة من المنظمات السرية التي تهدف الى اهداف مختلفة منها منظمات تدعو الى مواجهة المد الكاثوليكي القادم من أوربا مثل (جمعية حماية أمريكا )التي تنادي بالوقوف بوجه الهجرة المتزايدة من الكاثوليك القادمين من النمسا وايطاليا والمانيا وقاموا ببث الاشاعات لتهييج الناس ضد الكاثوليك وقالوا : ( ان البابا يطالب بحرق كل منزل ليس كاثوليكي ) لتخويف المجتمع منهم ولتبرير عمليات العنف ضدهم . وظهرت أيضا (جمعية كوكلوكس) التي تدعو الى مواجهة كل ما هو ليس بروتستانتي وأبيض أي أنها عنصرية مزدوجة طائفية عرقية فضلا عن دعواتها الى مواجهة البيض البروتستانت المتعاطفين مع السود وتعرف الجماعة باسم (k.k.k) ولهم طقوس معينة ويقومون بنشاطاتهم ليلا وبملابس بيضاء ويركبون الجياد ويغطون وجوههم بقماش أبيض وكانوا يهددون السود بتخويفهم من خلال وضع جماجم بشرية في بيوتهم وكانوا يبثون أشاعات وحجج لكسب الرأي العام كبثهم لفكرة أن نساء البيض مهددات من قبل السود ليكون هجومهم في نظر البعض كدفاع عن النفس . (24)

لماذا يكرر الأنسان نفس التجربة (مع أختلاف التفاصيل والتسميات) وبنفس الخطوات ؟ ولماذا يصر على المرور بنفس المراحل مع علمه المسبق من خلال الاطلاع على تجارب الاخرين ان هناك خطوات كثيرة لم تكن في محلها ولم تكن مهمة وليست ألا هدر للأرواح وللجهود وللوقت . يبدو ان الأطلاع على تجارب الاخرين وحده غير كافي ويبدو أن ما نراه خطوات سلبية وغير مفيدة هي من صلب الطبيعة البشرية الميالة للأنحياز والعدوانية والتطرف لجهة ما حتى لو كانت نادي كرة قدم .

ما حصل في أمريكا قبل قرنين من الزمن تكرر بشكل من الاشكال في أماكن أخرى (مع أختلاف المسميات والتفاصيل)وما حدث في أوربا في القرون الوسطى من الجرأة على تقمص شخصية الله وسلب ارادة الانسان وحياته بأسمه يحدث الان في بلدين مهمين في الشرق الاوسط يعادي أحدهما الاخر .
أحداث وتيارات فكرية وحركات أجتماعية تتكرر دائما وأبدا بمجمل فكرتها وبتفاصيلها الدقيقة أحيانا . وقد يصل التشابه أحيانا الى درجة يصعب فيه أن يصدق , فتجربة تنظيم القاعدة مثلا الذي ولد في نهاية القرن العشرين تشترك مع تجربة ال (k.k.k) التي ولدت في القرن التاسع عشر في فكرة عميقة وجوهرية وأساسية وهي- ألغاء الاخر وتحقيره وتقديس الذات ورفعها الى درجات عليا - . قد تكون المقارنة غير عادلة وليست في محلها لو دخلنا في التفاصيل لكن مجمل الفكرة واحدة في التجربتين .

هل كان من الضروري ان تمر ألمانيا بهتلر وبالحزب النازي وهل كان من الضروري ان يجتاحها الجيش الامريكي لتصل بعد عقود من الزمن الى ما هي عليه الان ؟ وهل مرور العراق بصدام وتجربة حزب البعث ومروره بأجتياح أمريكي يعني أنه سيصل بعد عقود الى ما وصلت اليه ألمانيا ؟ الواقع انه لا يوجد من يملك جواب مهما كان مسلحا بكم هائل من المعلومات ومهما كان مسلح بمقدار عالي من الذكاء . هناك تشابه ملحوظ في بعض الاحداث التي تشكل المفردات الرئيسية بين اللوحة العراقية 2003 واللوحة الألمانية 1945 لكن الفروق شاسعة من حيث أجمالي اللوحة . لكن هذه الفروق الشاسعة لا تنفي أن نقاط التشابه مثيرة للانتباه . (نظام شمولي يحكمه الفرد الواحد والحزب الواحد يدخل في صراعات مسلحة مع قوى عظمى) .

يقول الكاتب (العفيف الاخضر) : واقعة الدولة السلطوية ، على اختلاف درجاتها،تكررت بانتظام في عديد البلدان والقارات.مما يجعل منها قانوناً تاريخياً لا ينفع معه المدح أو الهجاء.المقاربة المعقولة الوحيدة هي محاولة فهم هذا القانون للتحكم به إلى حد ما.إذن،الادعاء بأن الدولة السلطوية "لا ضرورة لها ولا حكمة فيها"لا يخبرنا عن الظاهرة بقدر ما يخبرنا عن ذهنية القائل السحرية ومدى جهله بالتاريخ. الديمقراطية كانت دائماً ضرورية ولكنها لم تكن دائماً ممكنة.فرضها قبل توفر شروطها كان سيكون كارثة عليها هي نفسه . (25)

أطلاع مجتمع ما يطمح الى الديمقراطية على مراحل تحول مجتمع اخر سبقه أليها لا يمكن ان يلغي حقيقة مروره بنفس المراحل المريرة وبنفس المواجع ... تماما كفلم من أفلام هوليوود التي تتحدث عن معرفة المستقبل مسبقا وكيف يحاول البطل جاهدا تغيير مجريات الاحداث الى مسار اخر لكن دون جدوى مهما فعل يصل الى نتيجة واحدة ... حين نحاول محاكاة الديمقراطية الاوربية فنحن في الواقع نحاكي المستقبل الغير ملموس بالنسبة لنا كمنظومة مجتمعية متكاملة ... نعم من الممكن أن نعيش حاضرهم كأفراد ننسلخ من مجتمعنا لنعيش في مجتمعهم بشكل كامل . فلا يوجد أي أختلاف تكويني بين الانسان العربي الشرقي والانسان الغربي . ولو وجد أختلاف في بعض المواصفات الشكلية فهو ليس أختلاف ذو قيمة تذكر وليس ذو علاقة مباشرة بسلوك المجتمع .

فلو أخذنا طفل عراقي عمره يوم واحد من أحدى المدن النائية الغير متمدنة وأستبدلناه بطفل هولندي من مدينة أمستردام وقامت كل عائلة بتبني طفل العائلة الاخرى سنجد بعد 20 عام ان الطفل العراقي قد اكتسب كل ثقافة المجتمع الهولندي ولم يبقى من عراقيته ألا ملامح شكله والعكس صحيح أيضا فالطفل الهولندي سيكتسب كل صفات البيئة التي نشا بها . المجتمع والبيئة هي الفيصل وما يثبت كلامي هو أبناء العوائل العراقية المغتربة الذين ولدوا في أوربا وأكتسبوا كل ثقافة البلد الذي يقيمون فيه (مع بعض الثقافة العراقية المكتسبة من البيئة المغلقة في المنزل ).

يقول علي الوردي : (البقال في نيويورك مثلا لا يمتاز في تركيب عقليته عن البقال في بغداد أو قرة تبة أو تلكيف . أن الفرق بينهما ان وجد هو أن أحدهما يستخدم في عمله مخترعات والالات دقيقة ليس له يد في أبتداعها بينما الاخر لا يستخدم شيء من ذلك ألا نادرا فالفرق أذن حضاري لا فردي وكل منهما صنيعة الحضارة التي يعيش فيها) (26)

حين تجد المسؤول الاوربي يلتزم بالقانون ويراعي مطالب شعبه ويحترمها فليس لانه مختلف نوعيا عن المسؤول العربي . فأسلافه في القرون الماضية كانوا اكثر سوء من مسؤولينا الان . لكن ما يجعله يلتزم بالقانون ويحترم رغبة الجمهور هو الرأي العام الواعي والشعور بوجود رقيب .

يقول الوردي :

يحكى ان زوجة وزير للمالية في احدى بلاد الله الراقية أحتاجت الى شيء من العملة النادرة أذ كانت مريضة وتريد ان تسافر الى منطقة من مناطق العملات النادرة وخشي زوجها ان يوقع على ورقة المبلغ الذي تحتاج أليه وذهبت الزوجة الى حيث وقفت مع سائر الناس تنتظر دورها أمام شباك المصرف المختص فلعلها تحظى منه بشيء يكفيها . أن هذا الوزير لا يختلف عن هارون الرشيد من حيث طبيعته البشرية . كلاهما يدعي انه يخشى من الله ويطلب الحق والحقيقة . سبب الفرق أن الرشيد كان يفعل ما يشاء فلا يحاسبه أو يعارضه أحد . أما صاحبنا الوزير فهو يابى أن يوقع على ورقة بسيطة من أجل زوجته المريضة لأنه يخشى أن يسمع بذلك الرأي العام فينتهز حزب المعارضة الفرصة ويعلنها عليه دعاية فاضحة لا تبقي ولا تذر . (27)

أن العادات الاجتماعية الغربية التي نجدها مثيرة للدهشة مثل عدم رمي الاوساخ في الشارع أو الالتزام بالقانون والنظام بشكل طوعي وبرغبة شخصية لم تاتي بيوم وليلة . وهي نتاج جهد سنوات طويلة من العناء أحتاجت منهم أجيال .

لنظرب مثل على واقعنا لتكون الفكرة اكثر وضوح :

لنفترض ان الدولة في العراق فرضت قانون دفع غرامة مالية وسجن لمدة ثلاث أيام على كل من يرمي الاوساخ فيس الشارع . ووفرت كمية كافية من سلات المهملات كي لا يتذرع من يرمي الاوساخ بعدم وجود مكان مخصص . وتشددت في تطبيق هذا القانون الى أعلى الدرجات . وتم تطبيقه بشكل فعلي . وذاق من يرمي الاوساخ طعم دفع مبلغ 50 دولار مثلا وذاق طعم السجن 3 ايام . لم ولن يفكر مرة أخرى في رمي الاوساخ . طالما ان القانون مطبق بشكل دائم .وبقوة وكلما فكر في رمي الاوساخ في الشارع تذكر الألم الذي عاناه من فقدان حريته وفقدان أمواله . أول شيء سيعلمه لأبنه هو أن رمي الأاوساخ أمر معيب وفيه عواقب وخيمة لأنه أنكوى بنار العقوبة . أما أبنه فانه لن يكون كوالده فالحال عنده مختلف فهو تربى على أن رمي الاوساخ أمر معيب يعاقب عليه القانون . ولن يمتنع لأنه شعر بالم الحبس أو الغرامة . بل لأنه تثقف على هذه الثقافة ونشا عليها . ويشعر بخوف من العقوبة دون أن يمر بها . ماذا عن أبن الابن . ابن الابن سيكون أكثر ألتزام وأكثر طواعية في تطبيق هذا القانون لأنه وجده عادة أجتماعية دارجة ووجد ان من يرمي الأوساخ في الشارع منبوذ من البقية ويعتبر غير متحضر . وهكذا تتحول النظافة في الشارع الى عادة أجتماعية .القابلية على تعلم عادات أجتماعية تدل على الرقي والتحضر ممكنة بمزيد من الجهد ومزيد من الوقت .

يقول سليم مطر :

أخيرا في أوربا سقطت تفاحة نيوتن على رأسي , واكتشفت الحقيقة : أن الاوربيين لا تدور حولهم الشمس , بل هم بشر مثلنا يدورون حول الشمس بكل طيبة تواضع . لا هم ملائكة كما يصورهم علمانيونا ولا هم شياطين كما يتوهمهم متدينونا . الفرق الوحيد بيننا وبينهم يكمن في مشيئة التاريخ والجغرافية , التي منحتهم منذ قرون فرص بناء ذاتهم وخلق عناصر قوى مادية ومعنوية تضخ فيهم الاحساس بالتفوق والهيمنة على العالم (المتخلف) هذا التفوق هو الذي يجعل الاوربيين يصمدون أكثر أمام أسباب الأانمساخ والتمزق , ويحافظون على نوع من الاستقرار الأجتماعي السياسي . اما نحن فلاننا دائما وراء أوربا . فأننا بحاجة الى أجيال وحروب وخيبات لكي ندرك ان الغرب بدا ينتبه لمغالاته في عبادة العلم والتقنيات وأحتقار التقاليد الروحية والمواريث الانسانية . (28)

الحقيقة اننا قياسا بأوربا وامريكا لسنا فقط في مكان مختلف بل في زمان مختلف ايضا . فلا يغرنكم أن العالم كله يعيش في عام 2011 فهذا التاريخ لا يعني أننا في نفس الزمن . والمقارنة بيننا ليست منصفة . حين نقارن بيننا وبينهم في أي مجال وكأننا نقارن بين طعم صحن من الرز رفع من القدر قبل أن ينضج بصحن من الرز نضج وأكتمل وجهز للأكل . شعب غير ناضج , أنتج حكومة غير ناضجة وهذه نتيجة طبيعية وكوننا شعب غير ناضج لا يعني أننا أغبياء أو أدنى من مستوى البشر . فنحن نمر بمرحلة سبقنا غيرنا أليها وعبروا ألى مراحل أكثر تقدم منها . كما يمر الأنسان بمراحل عمرية . كل ما هنالك أننا في بداية الطريق وهم سبقونا على هذا الطريق . وقد تحدث متغيرات لا يتوقعها أحد ولا تخطر على بال أنسان . وهل هناك شيء أكثر غرابة من مسار الحياة وتقلباتها الغامضة والغير متوقعة ؟
يقول الجواهري :

نحن الذين أعرنا الكون بهجته لكنه الدهر أقبالا وأدبار

قد نسمع شاعر أمريكي في عقود قادمة يردد نفس المضمون من يدري كل شيء جائز .


المصادر :
1- علي الوردي – خوارق اللاشعور – 215 – 216
2- طالب مشتاق (دبلماسي عراقي في العهدين الملكي والجمهوري )– أوراق أيامي – 173
3- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم أحسان السماوي (كاتب عراقي مقيم في السويد)
4- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم حيدر جعفر (مدرب كرة قدم عراقي مقيم في النرويج)
5- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم حمة الكردي (كاتب رياضي في الانترنت)
6- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم كلنا للعراق (عراقي مقيم في السويد)
7- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة باسم الغريب العراقي (أسم مستعار)
8- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم رياضي النهرين (أسم مستعار)
9- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة - مشاركة باسم أمجد العبيدي
10- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم رياضي النهرين (أسم مستعار)
11- أنظر -ي: اوراق أيامي – طالب مشتاق – من صفحة 249- الى صفحة 255
12- أنظر-ي : اوراق ايامي – طالب مشتاق – صفحة 136-137
13- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم سعد الدانوبي
14- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم الطلابي (أسم مستعار)
15- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم ازر الطائي
16- حسنين السراج – موقع كورة عراقية – بين ولية عهد السويد ورئيس وزراء النرويج قصص ملهمة – مشاركة بأسم ali_ts(أسم مستعار)
17- علي الوردي – خوارق اللاشعور – صفحة 109 -110
18- مصطفى حجازي- التخلف الاجتماعي- صفحة 134
19- مصطفى حجازي- التخلف الاجتماعي – 127
20- مصطفى حجازي- التخلف الاجتماعي- 191
21- مصطفى حجازي – التخلف الاجتماعي- 39
22- حميد المطبعي – الوردي يدافع عن نفسه – صفحة 56
23- حميد المطبعي – الوردي يدافع عن نفسه – صفحة 176
24- أنظر-ي : أحمد سويلم العمري – التفرقة العنصرية – صفحة 85 وما بعدها
25- العفيف الأخضر - الحوار المتمدن – هل الدولة السلطوية ضرورة تاريخية - العدد 3312- 21-3-2011
26- علي الوردي – خوارق اللاشعور – صفحة 74
27- علي الوردي – مهزلة العقل البشري – صفحة 77
28- سليم مطر – الذات الجريحة – صفحة 14



#حسنين_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارض أسطوانية أرتفاعها ثلاثة أضعاف عرضها ... فلاسفة الأغريق ...
- جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
- صولجان الألحاد وسيف الأيمان
- الألحاد من فكرة الى عقيدة ... أسماعيل أدهم
- الإنسان وحده تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها ... عبد الل ...
- الخمار المؤمن
- لو كان النبي محمد من الصين
- تخيل دولة عربستان لتفهم دولة كردستان
- حقيقة الله


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسنين السراج - برميل القدر