أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اليوضاسية













المزيد.....

اليوضاسية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 23:40
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


هناك مقولة شهيرة يعرفها اي مواطن عادي، وغالبا ما تستخدم في اجهزة الاعلام، وهي مقولة "اعرف عدوك!".
ولقد مضى اكثر من ستين سنة على اغتصاب فلسطين وقيام اسرائيل على انقاضها، واكثر من 110 سنوات على تأسيس الحركة الصهيونية العالمية. ومع ذلك يبقى السؤال: هل نعرف عدونا حق المعرفة؟؛ ام اننا لا زلنا ندور في الحلقة المفرغة لـ"دائرة المعرفة" عن العدو، التي يريد العدو ذاته الا نخرج منها، والتي تتكرر وتدور وتدور تحت سقف الفهم السياسي ـ القومي السطحي، وفوق ارضية الفهم السياسي ـ الديني السطحي، للصراع، وهو ما يجعل مفهومنا للصراع مع اسرائيل والصهيونية واليهودية، اشبه شيء بمفهوم الصراع ضد استعمار استيطاني تقليدي، كما كان في الجزائر او افريقيا الجنوبية، او مفهوم صراع ديني ـ مذهبي، كما كان في الهند وباكستان او الهوتو والتوتسي، او حتى العراق ولبنان وجنوب السودان الخ.؟
ان صراعنا مع اليهودية يتضمن بالتأكيد الصراع ضد الاستعمار الاستيطاني، كما يتضمن الصراع الديني ـ السياسي، الا انه ـ اي صراعنا ضد اليهودية ـ هو اعمق من ذلك بكثير، وهو يرتبط بأساس تركيبة المجتمع البشري والنظام الاجتماعي العالمي. فالظاهرة اليوضاسية اليهودية كانت ولا زالت وبالا على الامة العربية خاصة، وعلى الجنس البشري عامة، بما في ذلك على غالبية اليهود العاديين، الذين لا ذنب لهم في انهم ولدوا يهودا، والذين تحملوا الويلات كردود فعل على مسلكية وممارسة الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا، المالية ـ الكهانية، التي تتلبس مظهر اليهودية "دينا ودنيا". والتناقض والصراع، العربي خصوصا، هو ذو بعد وجودي اساسي، ويدخل في عملية تكوين اليوضاسية اليهودية في ذاتها، وعملية تكوين الامة العربية منذ ارهاصاتها الجنينية الاولى في رحم التاريخ.
ولا يزال بعضنا يعتقد ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي والصراع ضد الصهيونية يرتبط فقط بالنزعة الاستعمارية الغربية، وبالسياسة الامبريالية الدولية. ويعتقد ان اليهودية، كتركيبة اجتماعية ذات خلفية سياسية دينية ـ قومية، هي بريئة من هذا الصراع، وهي ـ كـ"ديانة!" ـ ديانة سماوية، كالديانتين الشرقيتين الاخريين: المسيحية والاسلام، وان الخلاف مع اليهودية يدخل تحت عنوان الخلافات الدينية بصورة عامة. ولكن هذا خطأ شائع يجب اعادة النظر فيه.
ان مناقشة "اليهودية" كدين هو "ترف" فكري ـ ديني لا يصح ان نسمح لانفسنا به، في الوقت الذي تهدد فيه اليوضاسية "اليهودية" كل وجودنا القومي والانساني، بالاضمحلال والزوال والابادة. ولذلك من الاصح ان ننظر الى اليوضاسية اليهودية، ونناقشها، في سياق الفعل، وتحديدا الفعل الجرائمي، اي ان نناقش لا "اليهودية" كديانة او كـ"قومية"، بل ان نناقش اليوضاسية، اي "اليهودية في العمل" منذ ما وجدت الى اليوم.
فاذا فعلنا ذلك سنكتشف ببساطة:
اولا ـ أن اليوضاسية او "اليهودية في العمل" ليست ديانة سماوية، بالمعنى "الالهي ـ الروحي ـ العلوي ـ التوحيدي" الذي يعطى للمسيحية والاسلام. وهو موضوع يخرج، في جانبه الديني البحت، عن نطاق اختصاصنا، ويدخل في اختصاص اللاهوتيين والفقهاء والاحبار الاخيار الذين يحوزون ثقة الملأ الديني المؤمن. كما انها ليست "اتنية" او "قومية" حقيقية او موهومة. بل هي "ممارسة" جرائمية سواء كانت، او لم تكن صادرة عن "ديانة" او "قومية" يهودية.
وثانيا ـ وهو الاهم: ان المسيحية والاسلام ظهرتا تاريخيا كطفرتين، او كثورتين، اجتماعيتين ـ قوميتين، ايجابيتين، في معمعة النضال ضد الاستبداد والظلم الوطني، القومي والاجتماعي، من قبل الامبراطوريتين الرومانية والفارسية، وضد الظلم والتجهيل والاستغلال من قبل القيادات القبلية والعشائرية. وقد صبت الثورتان المسيحية والمحمدية في صالح انبثاق وتكوين وتطوير الامة العربية، وفي صالح التقدم الحضاري الانساني العام. وهو ما لا يستطيع الغاءه، ولا يجوز الخلط بينه وبين، التشويه الذي طاول المسيحية والاسلام عبر ممارسة السلطة وحرف المؤسسة الدينية واستغلالها لصالح الطبقات المتسلطة.
اما اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، فعلى النقيض من ذلك تماما، ظهرت واستمرت ولا زالت كممارسة جرائمية، مرتبطة بحالة ايديولوجية ـ اجتماعية سلبية، اشبه شيء بـ"لعنة سماوية"، وكعدو دائم للامة العربية منذ ارهاصات تكوينها الاولى، ومن ثم كمصيبة تاريخية للانسانية جمعاء.
ومن زاوية نظر موضوعية ـ دينيا، وانسانية بحت ـ اجتماعيا، يمكن القول ان المسيحية والاسلام قد استعانتا بـ"السماء" لتأكيد وتكريس وتقديس دعوتهما الاصلاحية والتحررية، اما اليوضاسية او "اليهودية في العمل" فقد استخدمت "السماء" لتمييز وتبرير وتأليه ايديولوجيتها العصابوية، الفئوية، العنصرية، الاستغلالية، النهبوية، الاجرامية، الاستبدادية والاستعمارية.
ولذلك لا يجب النظر الى اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، المعادية للفلسطينيين والعرب والمسيحيين والمسلمين واخيرا للبشر اجمعين، من زاوية كونها "ديانة" نختلف او نتحاور معها. كما لا يجوز النظر اليها سياسيا، كصهيونية، من زاوية نظر كونها حركة "قومية"، وهمية او غير وهمية، صحيحة او غير صحيحة، عدوانية او غير عدوانية، معتدلة او متطرفة. بل يجب النظر اليها في جوهرها ووظيفتها السلبيين وحسب.
ولتبسيط وتوضيح فكرتنا الاساسية عن اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، نرى من الضروري ان نجري مقارنة بينها وبين الحركة "المسيحية" ـ "اللبنانية" المعادية، المتمثلة في ما يسمى "القوات اللبنانية" المنبثقة عن حزب الكتائب (عميد الخيانة الوطنية في لبنان)، والتي كان يتزعمها (اي "القوات اللبنانية") العميل بشير الجميل ويتزعمها الان سمير جعجع. وما ينطبق على هذه "القوات اللبنانية" ينطبق حرفيا على ما كان يسمى "جيش لبنان الجنوبي" بزعامة انطوان لحد وما يسمى "حراس الارز" بزعامة اتيان صقر.
ان هذه "القوات اللبنانية" تاجرت وتتاجر بالدين المسيحي، وتاجرت وتتاجر بالوطنية القطرية اللبنانية، وهي تدعي تمثيل المسيحيين ـ اللبنانيين، الى درجة انها نجحت في تضليل البطريركية المارونية ذاتها التي اخذت تتعامل معها باعتبارها (اي "القوات") جزءا اصيلا من الجماعة المسيحية، والى درجة انها نجحت في فرض نفسها على المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، بوصفها ممثلا (وإن غير الوحيد) للمسيحيين، وجزءا من النسيج الطائفي للتركيبة الكيانية للدولة اللبنانية.
والسؤال هو: هل يجوز اعتبار "القوات اللبنانية" (واستطرادا: "جيش لبنان الجنوبي" و"حراس الارز") بأنها ظاهرة دينية ـ طائفية "مسيحية"، او ظاهرة طائفيةـ قومية "لبنانية"؟
في رأينا ان هذا خطأ كبير، يعطي "القوات اللبنانية" صفات وحقوقا ليست لها. فـ"القوات اللبنانية" لا تمثل "نزعة طائفية مسيحية" ولا "نزعة قومية لبنانية"، بل تمثل "خيانة للمسيحية" (كدين او طائفة) و"خيانة للبنان" (كدولة) و"خيانة للنزعة الوطنية اللبنانية" (كنزعة قطرية كيانية، او كقومية فينيقية او غيرها). والجوهر الفكري والديني والاخلاقي والسياسي والاجتماعي والوطني والقومي لـ"القوات اللبنانية" هو: الخيانة، فالخيانة، فالخيانة. والتسمية التي تصح عليها وعلى امثالها هي تسمية: "قوات الخيانة اللبنانية" و"قوات الخيانة المسيحية" و"جيش خونة لبنان الجنوبي" و"خونة الارز" الخ.
والشيء ذاته ينطبق على اليوضاسية او "اليهودية في العمل". فهي تستغل الانتماء والمفاهيم الدينية والاتنية والاجتماعية الخ "اليهودية"، لاجل الاضطلاع بدورها السلبي المعادي لكل مجتمع وشعب وامة ودين، بما فيه الدين اليهودي بمعناه الايماني البسيط غير السلبي اذا كان يوجد كذلك، وبما فيه الجماعة اليهودية أكانت تعتبر ذاتها "دينا" او "قومية" او "اتنية".
ولذلك نحن نفضل اطلاق تسمية "اليوضاسية" على "اليهودية في العمل"، لان هذه التسمية، بكل ما تحمله من خيانة وغدر وخسة ونفعية مبتذلة، تدل على الجوهر الخياني ـ الاجرامي الذي تتسم به، بشكل مباشر وصريح، دون ان ندخل في متاهات النقاشات الدينية ـ القومية، وضرورة التفريق بين "اليهودية" و"الصهيونية" وبين "اليهودي الصهيوني" و"اليهودي غير الصهيوني" و"اليهودي اليهودي" واليهودي اللايهودي" و"اليهودي الآدمي" و"اليهودي غير الآدمي". وان تسمية "اليوضاسية" هي تسمية حصرية للخيانة الذاتية للكائن الانساني، وللانسانية عامة، بما في ذلك خيانة الجماعة (مجموعة الكائنات البشرية) اليهودية، اي المولودة لااراديا "يهودية".
وهذه التسمية تسمح لنا بمحاكمة "اليهودية في العمل" منذ نشأتها الى اليوم، بدون الخلط بين "اليوضاسي" و"اليهودي"، تماما مثلما علينا عدم الخلط بين "القوات الخيانية اللبنانية" وبين سائر المسيحيين اللبنانيين.
فالمقياس في التسمية اليوضاسية هو: الممارسة اليوضاسية ذاتها وبذاتها، والدعوة لهذه الممارسة.
وكل يهودي يمارس او يساعد او يؤيد الممارسة والدعوات القديمة والجديدة لليوضاسية او "اليهودية في العمل" هو "يوضاسي" وينبغي ان ننظر اليه ونعامله بوصفه كذلك.
ونتوقف فيما يلي عند محطات رئيسية وبارزة لظهور وتطور اليوضاسية المتجلببة باليهودية:
1 ـ ليست نظرية النسب ورابطة الدم هي النظرية الاصح في تكوين الامم. ولكن اليوضاسيين يأخذون بهذه النظرية، وهم ينسبون انفسهم كـ"يهود" الى سلالة ابرام التوراتي، الذي هاجر الى مصر كما تقول توراتهم، قادما مما يمكن تسميته اليوم "المشرق العربي"، وكانت معه امرأته ساراي حيث جمعا في مصر ثروة ثم هاجرا عائدين منها. ومعلوم ان اليهود انتشروا في شبه الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية وشمالي افريقيا، بجانب الشعوب القديمة التي كانت تقطن هذه المناطق والتي تكونت منها لاحقا الامة العربية. واطلقت على هذه الشعوب تسمية "توراتية" هي "السامية". وهي تسمية تحتاج الى نقاش علمي جدي. ويسمي اليهود انفسهم "ساميين". ولكن اذا كان "سام" هو ابن "نوح"، فإن الشعوب التي سميت "سامية" (بمن في ذلك اليهود العبرانيون) وجدت قبل "سام" وقبل "نوح"؛ و"سام و"نوح" ينتميان الى تلك الشعوب، وليس العكس. ولذلك ينبغي القبول بنظرية النسب بشكل نسبي ومشروط وافتراضي وجدلي.
وبموجب هذه النظرية فإن جميع شعوب المنطقة التي تكونت منها الامة العربية تعتبر ايضا "سامية"، اي ان اليهود العبرانيين يمتون بصلة قرابة نسبية الى هذه الشعوب. ولكن خلال مسار تاريخي طويل بدأ التمايز بين هؤلاء "الساميين" الى فئتين هما "اليهودي" و"غير اليهودي".
وفي المراحل الاولى اتخذ التمايز شكل التمايز الديني، حيث في المحصلة اعتنق "اليهود" الدين اليهودي واعتنق غير اليهود الدين المسيحي.
وفي مراحل تالية اتخذ التمايز طابعا لغويا، حيث صار "اليهود" يتكلمون لغة "طائفية" او "دينية" او "فئوية" خاصة هي اللغة العبرية، بينما المسيحيون ظلوا يتكلمون لغاتهم الاصلية: الارامية والسريانية والنبطية (في سوريا الطبيعية) والقبطية (في مصر ووادي النيل وشمال افريقيا والتلة الاريترية ـ الاثيوبية) والحميرية والعربية (في شبه الجزيرة العربية وشرقي افريقيا والتلة الاريترية ـ الاثيوبية)، وفي مرحلة ما انتشرت بين المسيحيين (من مختلف الاقوام القديمة) بشكل واسع اللغة الارامية التي تكلم بها السيد المسيح.
ولكن العامل الاساسي في حصول التمايز بين "اليهودي" و"غير اليهودي" (في المحصلة:المسيحي، فالمسلم، دينيا، ـ والعربي، قوميا) لم يكن العامل الديني او اللغوي، بل ان التمايز الديني واللغوي جاء كنتيجة لعامل التمايز الاساسي، وهو التمايز المسلكي (الاخلاقي، الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي الخ.)، وهو ما اشرنا اليه آنفا بضرورة التمييز بين "اليهودية" و"اليهودية في العمل" التي تبلورت بوصفها "يوضاسية".
وكان ظهور السيد المسيح واعدامه من قبل روما و"اليهود اليوضاسيين" نقطة الانفجار التي بلغ فيها ذروته التمايز بين "اليهودي" و"غير اليهودي" الذي صار "مسيحيا".
ومن ضمن الاطار المسيحي الواسع ظهر "الاسلام"، فصار التمايز يتشكل من "يهودي"، من جهة، و"مسيحي ومسلم"، من جهة اخرى.
واخيرا اتخذ التمايز شكل "يهودي" لغته الاصلية عبرية ويعتبر "عربيا" بشكل مشروط ونسبي ومهزوز، و"مسيحي ومسلم" يعتبر كل منهما "عربيا" بشكل غير مشروط ولغته الاصلية "العربية".
ولا بد من الاجابة تاريخيا على السؤال التالي: لماذا تم هذا التمايز؟
ان نظرية النسب لا تجيب على هذا التساؤل. وطبعا ان نظرية الدين لا تجيب عليه ايضا. فلماذا تبنى بعض الناس (الاقلية "السامية" اليهودية) الدين اليهودي، وبعضهم الاخر (الاكثرية "السامية" المسيحية = العربية) الدين المسيحي، ولاحقا الدين الاسلامي؟ ولماذا اصبح اليهود "يهودا" ؟ وغير اليهود "مسيحيين عربا" و"مسلمين عربا"؟
ـ في رأينا المتواضع، وانا ادعو جميع العلماء المختصين، للنظر والبحث في هذا الرأي، ان "المحفز الكيماوي" او العامل التاريخي الموضوعي الذي ادى الى هذا التمايز واوجد "اليهودية" عامة وجوهرها "اليوضاسية" خاصة، من جهة، والمسيحية ومن ثم الامة العربية، من جهة ثانية مضادة تماما، هو الصراع داخل التركيبة الاجتماعية الطبقية، والنظام السياسي الاستبدادي والحكم الاستعماري (بدءا الروماني) في المنطقة العربية. اي ان التمايز بدأ على اساس الاختلاف التالي:
ـ من هو مع التمييز الطبقي والاستغلال والاجرام والنصب والاحتيال، ومع السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية؟ فكانت من هذا المعسكر: اليهودية ـ اليوضاسية التي اتخذت لنفسها دينا "فوقيا" خاصا هو الدين اليهودي ولغة فئوية ضيقة (لاشعبية) خاصة هي اللغة العبرية، المشتقة من العربية (السامية) القديمة. وفي هذا السياق يمكن القول ( وادعو علماء الألسنية للبحث في هذا الموضوع) ان اللغة العبرية لم تكن لغة معبرة عن حضارة ما لشعب ما، كما هي اي لغة اخرى، بل وجدت كـ"لغة رمزية" (شيفرة) لجماعة خاصة، فيما يشبه "لغة الشيفرة" الخاصة التي يستخدمها جيش ما او عصابة ما.
ـ ومن هو ضد التمييز الطبقي وضد السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية؟ فكانت المسيحية، التي وحدت صفوف الشعوب "العربية" القديمة، وبالتالي كانت المسيحية هي البوتقة التي انبثقت عنها الامة العربية المؤلفة من تلك الشعوب التي اعتنقت المسيحية في صراعها ضد السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية ولا سيما الرومانية.
فالمجتمع "الشرق اوسطي" اذا صح التعبير، هو من اقدم المجتمعات البشرية، اذا لم يكن اقدمها (بالمعنى الحضاري، اذا لم يكن بالمعنى الانتروبولوجي). والمجتمع القديم كان مجتمعا "شيوعيا بدائيا" او "مشاعيا بدائيا"، بدون ملكية فردية وخاصة، وبدون تمييز طبقي وسلطة طبقية، اي انه كان مجتمعا يقوم على الانتاج الحر اقتصاديا و"الحرية، اخاء، مساواة" (بتعابير الثورة الفرنسية) اجتماعيا. ثم اخذ المجتمع يتحول بالتدريج الى مجتمع قائم على الملكية الفردية والخاصة والتمييز الطبقي والسلطة الطبقية. واداة او وسيلة التحول من المجتمع المشاعي الى المجتمع الطبقي هي: الاستبداد (المتجسد في استخدام القوة والاكراه جسديا ومعنويا). اي انه محل "العلاقة المشاعية الحرة" بين الجماعات البشرية، بدأت تحل السلطة الاستبدادية والصراع بين "الشعب" المستغـَل والمضطهد والمقموع وبين السلطة المستبدة. وقد توجت هذه المرحلة بالاستعمار الخارجي الذي جسدته روما، التي سيطرت على شعوب المنطقة بالحديد والنار. وصار الصراع على السلطة، والصراع ضد السلطة الاستبدادية، "الداخلية" و"الخارجية"، هو الصفة المميزة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية بأسرها. وصار "الشعب" (الشعوب!) في واد، والسلطة الاستبدادية في واد آخر.
وفي معمعان الصراع بين تلك الشعوب والسلطة الاستبدادية وعلى رأسها روما، افرزت السلطة وبلورت "تنظيمها" الاقتصادي (الضرائبي الخ) والثقافي والديني والسياسي والامني والحقوقي والقضائي (السجون والتعذيب وقطع الايدي وفقء الاعين والاعدام بالرجم او الخازوق او الشنق او الصلب او الحرق) والعسكري. وهذا "التنظيم" هو ما يمكن تسميته: الدولة. فالدولة، كل دولة، هي في الاصل والاساس تنظيم عنفي معاد للشعب، شعبه الخاص، واستطرادا: كل شعب آخر.
وفي مقابل هذا التنظيم الدولوي، الذي يضع "الوحش الانساني" (او "الانسان المتوحش") فوق "الشعب" او "الانسان" (او "الانسان المتأنسن او الانساني") بدأت الشعوب القديمة، التي سميت مجازا "سامية"، تنظم نفسها (ضد الدولة الطبقية الاستبدادية ـ الاستعمارية) في جمعيات اخوية (سميت في الغالب "اخويات")، لتنظيم التضامن والتكاتف والتعاطف الشعبي:
اولا ـ بمواجهة النتائج الاجتماعية لظهور النظام الطبقي التمييزي والسلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية والدولة عموما، اي مواجهة الفقر المدقع والحاجة والمرض والعاهات والموت وما ينتج عنه من مآس عائلية.
وثانيا ـ للوقوف بوجه السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية، وخصوصا ضد روما.
وكانت هذه "الاخويات" تحلم بالعودة الى مجتمع "الشيوعية البدائية"، وتؤمن بـ"الخلاص" من الاستبداد والظلم، وتؤمن بمجيء"مسيح" (= "مخلص الهي")، اكبر من كل الاباطرة وآلهتهم.
وقد انتشرت هذه "الاخويات" في جميع الاراضي التي تسمى اليوم "الوطن العربي الكبير"، واخذت تتوحد فيما بينها، مقربة ثم موحدة بين شعوبها في "اخوية كبرى" سميت فيما بعد "المسيحية". فصار "الشعب"، بالمعنى الطبقي و"الشعوب" بالمعنى القومي، "مسيحيا"، والسلطة وثنية رومانية مدعومة من الطغمة العليا اليوضاسية ـ اليهودية. وصارت السلطة تنظر الى "الشعب" = "المسيحي" نظرة استعلاء. (وحينما ظهر السيد المسيح من بين الفقراء، سخر منه الكهان اليهود وادانته روما لانه "ادعى" انه "ملك اليهود" فيما اليهود ـ اليوضاسيون ينتظرون مجيء مسيح ـ "ملك حقيقي" من نسل الملك داود). ومن بين هذه "الاخويات" او "الاخوية الكبرى" "المسيحية" ظهر القديسون والقديسون ـ الشهداء الاوائل، قبل السيد المسيح. ومن ثم ظهر يوحنا المعمدان والسيد المسيح في وقت واحد تقريبا، في وقت اشتد فيه النضال ضد السلطة الاستبدادية الرومانية وضد اليوضاسية اليهودية المتحالفة معها.
ولا شك ان ظهور السيد المسيح ومضاعفاته، بالمعنى الاجتماعي ـ السياسي البحت، شكل نقطة تحول كبرى في تاريخ المسيحية. ولكن هذه "النقطة تحول" لم تأت في فراغ، بل جاءت نتيجة تراكم طويل لنضال "الاخويات" المنادية بـ"المسيحية" او "الخلاص المسيحي". وبهذا المعنى يمكن القول ان السيد المسيح هو الذي "انتسب" الى "الاخويات المسيحية"، قبل ان تنتسب الكنيسة الى المسيح. وفي هذا يقول السيد المسيح "ما جئت لانقض، بل لاكمل". فهو بالتأكيد لم يأت ليكمل "اليهودية اليوضاسية" كما تحاول اليوضاسية تأويله، في محاولة لجر المسيحية الى مواقعها الخيانية، بل جاء ليكمل المسيحية الاولية المعادية للسلطة الطبقية ـ الاستبدادية الاستعمارية.
ومن هذه "الاخوية الكبرى" (المسيحية) انبثقت تدريجيا "القومية العربية" او "الامة العربية" بالمعنى الحضاري ـ التاريخي.
ولكن... مثلما انه ظهر بين تلامذة السيد المسيح واحد اسمه يهوذا الاسخريوطي او يوضاس الذي باع المسيح بثلاثين من الفضة وسلمه الى الموت على يد اليهود والرومان... فإنه ظهر في صفوف "الاخويات المسيحية" القديمة اقلية من ضعاف النفوس، الذين استمرأوا الارباح التجارية والربوية وامتيازات السلطة، فخانوا "شعوبهم" وتعاونوا مع الطبقات الاستغلالية والسلطات الاستبدادية وخصوصا سلطة روما. وهذه الاقلية من "المتعاونين" مع روما وخونة "شعوبهم" السامية، هم الذي تمايزوا وتبلوروا فيما سميناه "اليوضاسية" التي البسوها لباس "الديانة" اليهودية. اي ان "اليوضاسيين" (مثل "اللحديين" و"الجعاجعة" و"السنيوريين" المتعاونين مع اسرائيل في لبنان) هم "ساميون" خونة للشعوب السامية. ومن هذه الزاوية نظر الاجتماعية ـ السياسية نرى بوضوح ان "اليوضاسيين" هم الذين ساروا في ظلال روما في غزو مصر وفلسطين وسوريا والاراضي العربية؛ وكانوا عونا للرومان على الشعوب الشرقية التي يتحدرون منها. ومثلما ان "اللحديين اللبنانيين" الخ بالنسبة لاسرائيل هم "اللبنانيون"، فإن "اليوضاسيين اليهود" بالنسبة لروما هم "الساميون"، لان روما لم تكن تعترف بالدين اليهودي كدين، بل تعترف باليوضاسيين ـ اليهود كمتعاونين معها. وحتى اليوم لا تزال كلمة "سامي" في الغرب تعني "يهودي" وبالعكس. ويتعجب الغربيون حينما تقول لهم ان العرب هم ساميون وهم الاكثرية "السامية". فاليهود، في نظر الغرب، هم وحدهم "الساميون". والعرب هم "اعداء للسامية" لانهم اعداء لليهود اليوضاسيين. وهذا يدل ليس فقط على الجهل، بل ويدل على مدى انحياز وتهافت وانحطاط كل الحضارة الغربية التي لا تعترف من الشرق الا بخونته التاريخيين: اليوضاسيين.
2 ـ كانت المرأة، في العهد الامومي (المطريركي) العضو الاهم في التركيبة الاجتماعية انطلاقا من كونها رأس "العائلة" الانسانية الصغيرة، ومن ثم كونها العضو المحوري الاول في الاجتماع البشري. وقد كرست المسيحية المرتبة المميزة للمرأة، بإعطاء السيدة مريم العذراء صفة "ام الاله" او "ام المخلص" او "ام المسيح" الذي حبلت به "بلا دنس". وبالعكس من ذلك تماما، ارتبط ظهور اليوضاسية بتشييء المرأة وتدنيسها، واستخدامها كـ"اداة للذة" فقط، ومن خلال ذلك كوسيلة تجارية لجمع الثروة. والتوراة اليهودية ذاتها هي التي تفيدنا عن هذا "الانجاز" اليوضاسي، حيث تزعم التوراة اليهودية (في سفر التكوين) ان ابرام او ابراهام التوراتي عندما ارتحل الى مصر قال لامرأته ساراي "قولي انك اختي حتى يُحسن الي بسببك وتحيا نفسي من اجلك" (سفر التكوين، الفصل 13، الفقرة 12) وهكذا استخدم ابرام التوراتي امرأته ساراي للدعارة ومضاجعة المصريين الاغنياء والفرعون من اجل الحصول على ثروة؛ وكان ذلك بداية "اول مهنة في التاريخ" التي تطورت لاحقا الى مهنة تجارة الرقيق الابيض التي كان اليوضاسيون ايضا اسيادها، خصوصا في مرحلة الدولة العربية ـ الاسلامية. وفي ايامنا الراهنة اعترفت السيدة تسيبي ليفني امام الصحافة انها مارست الجنس وانها مستعدة ان تفعل اي شيء في خدمة اسرائيل. وهي صرحت بذلك ليس وهي في مرتبة عنصر موسادي عادي، بل في مرتبة وزيرة الخارجية الاسرائيلية. انها "ثقافة" اليوضاسية التي لا يغيرها، بل يؤكدها اللبوس الديني للتوراة اليهودية.
3 ـ ان اليوضاسيين العبرانيين (يوسف التوراتي وجماعته ـ راجع التوراة، سفر التكوين ايضا) هم الذين دمروا انسانية الشعب المصري، واستخدموا الخزعبلات الشامانية والالاعيب التجارية واحتكار الحنطة، لتجويع المصريين واجبارهم على تسليم كل ما يملكون من فضة وذهب ونقود، ومن ثم تسليم كل ما يملكون من حيوانات استخدام وماشية، ومن ثم تسليم ارضهم، واخيرا تسليم انفسهم كعبيد لفرعون. اي ان تحويل الشعب المصري القديم من شعب "مزارعين احرار" يقدمون ضريبة ما للسلطة المركزية الفرعونية، الى شعب "عبيد لفرعون"، لا يملكون حتى ابدانهم التي، بحجة "انقاذهم" من الموت جوعا، "اشتراها" منهم يوسف التوراتي بحفنة من الحنطة التي انتجوها هم انفسهم. ولقتل شعور الانتماء الى الارض لدى المصريين المستعبدين، عمد يوسف التوراتي الى اجراء عملية ترحيل شاملة لجميع المصريين من الاراضي التي كانوا يعيشون عليها ويعملون فيها قبل الاستعباد، وتنقيلهم باستمرار الى اراض اخرى، كي لا يشعر اي مزارع انه "في ارضه" بل في "ارض غريبة" هي بالتالي "ارض لفرعون". وحتى اليوم لا يزال "عمال التراحيل" في مصر يذكـّرون المجتمع المعاصر بهذا "الانجاز اليوسفي" القديم.
4 ـ تزعم التوراة اليهودية ان اليهود كانوا عبيدا وهربوا من الاسر من مصر فارين من وجه فرعون. ولكن التوراة اليهودية ذاتها تناقض هذه الرواية الاسطورية، وتعترف ان يوسف التوراتي، وبفضل خزعبلاته الشامانية، توصل الى مرتبة "عزيز مصر" وصار هو اليد اليمنى لفرعون؛ وان عائلته وعشيرته من العبرانيين عملوا عند فرعون مساعدين ليوسف كخـَزَنة ونظار عبيد، وهم الذين كانوا يستلمون الغلال ويحصونها ويعدون انفاس المزارعين المصريين. ومن ثم فإن الصورة الحقيقية للعبراني في مصر، ليست صورة العبد والمزارع المكبل الذي يحمل المعزقة ويعمل محني الظهر في الحقل او شق الترع او البناء، بل صورة الانسان الطفيلي (اليوضاسي) وكيل الفرعون الذي يحمل السوط في يده ويجلد به ظهور المزارعين المصريين لاجبارهم على تسليم اخر حبة حنطة انتجوها؛ وصورة (اليوضاسي) امين الاهراءات والمستودعات والخزائن، وماسك الدفاتر الذي يقرر مقادير الحصص ويشرف على توزيعها، ويسلم الفرعون نفسه "حصته" هو وقصوره وحريمه ودوابه ومواشيه، ويسلم الكهان وقادة الجيوش والشرطة والوجهاء "حصصهم"، بموجب الحسابات التي يقوم بها ذلك المحاسب العبراني وحسب "ذمته" هو نفسه، اي ذمة اليوضاسي نفسه. وطبعا ان اليوضاسي كان يبقي لنفسه حصته الخاصة ايضا كما يقررها هو نفسه. وبمرور الزمن، اصبح اليوضاسي يمارس الاحتكار المطلق حيال المزارعين والحرفيين والبنائين الذين يأخذ منهم كل شيء مقابل ما يجود به هو عليهم من حفنة طعام لابقائهم على قيد الحياة وجلباب يستر عورتهم وعريهم مدى الحياة؛ وبلغ من قوة وغنى اليوضاسي انه اصبح يمارس الاحتكار حيال الفرعون ذاته وحريمه وخدمه وحشمه، وحيال طبقة الكهان النافذة وطبقة العسكر شديدة الشكيمة، بحيث اصبح مستوى معيشة الجميع مرتبطا بمشيئة هذا اليوضاسي "العبراني الوافد". وبدأت اعاصير الغضب تتكثف، وبدأت تتزايد النزاعات والمشاحنات بين المصريين والعبرانيين، الى درجة ان موسى التوراتي نفسه عمد الى قتل مصري يتشاجر مع عبراني، قبل ان يعرف سبب المشاجرة ومن هو على حق ومن هو على باطل. والشيء المنطقي، من ضمن الروايات التوراتية اليهودية ذاتها، ان العبرانيين اصبحوا معادين لكل المصريين، وبالعكس، وانهم اخذوا يعدون العدة للفرار من مصر ليس فرارا من اسر المصريين لهم، بل خوفا وارتعابا من انقلاب المصريين عليهم والتخلص منهم نهائيا في نهار ساطع او ليلة ليلاء.
5 ـ حينما عزم اليوضاسيون العبرانيون على الفرار من وجه المصريين، ضربوا ضربتهم الاخيرة طاعنين في الصميم كل تقاليد الاخاء الانساني والجيرة والوفاء والمروءة والذمة، حينما (بـ"وحي" من الههم، وبايعاز مباشر من زعيمهم موسى التوراتي، وبالاتفاق مع الفرعون او بدونه) نصبوا على المصريين ونهبوهم حيث اقترض كل منهم، رجالا ونساء، من جيرانهم، الاواني والحلي والنقود، التي اضافوها الى ثرواتهم المجموعة بفضل نظارتهم نظام العبودية والمحاسبة، ثم فروا الى سيناء بقيادة موسى التوراتي (راجع سفر الخروج)، حاملين معهم ثروة كبيرة، مدعين انهم فروا من العبودية، في حين انهم هم الذين كانوا جزءا اساسيا من آلية الاستعباد الفرعوني للمصريين. وقد طاردهم الفرعون (مع المصريين) ليس لاجل استعادة بعض "العبيد الفارين" بل لاجل استعادة الثروة التي نهبوها وحملوها معهم.
6 ـ لقد استنزف اليوضاسيون ارض مصر، واستعبدوا ونهبوا شعبها، ولكنهم عجزوا عن تحويلها الى مستعمرة دائمة لهم، ولذلك فروا متجهين نحو فلسطين بهدف استعمارها. ولتشريع ارتكاباتهم وجرائمهم المعادية للانسانية، السابقة واللاحقة، حرفوا اسم الله، وادعوا ان لهم الها "علويا" خاصا بهم، دون سائر البشر، يدعى "يهوه" (تشرفنا!)، وان كل ما عملوه ويعملونه هو بأمر هذا "الاله"، وهم "جند الله" و"شعب الله" المختار، اي "جند يهوه" و"شعب يهوه" الذي لا يدري احد اصله من فصله، سوى بما يدعيه باسمه اليوضاسيون اليهود. ويقول اليوضاسيون اليهود (راجع التوراة اليهودية) ان هذا "اليهوه"، الذي يدعون زورا انه هو الله، قد وهبهم ما يسمى "ارض الميعاد" (من الفرات الى النيل)، ومنها ارض كنعان اي فلسطين، ومنحهم "مدنا لم يبنوها، وكروما لم يزرعوها"، وانه ـ كي يحصلوا على هذه الارض ـ امرهم بابادة سكان تلك الارض عن بكرة ابيهم (راجع سفر الخروج)، اي ان اليوضاسيين اليهود حينما يواصلون الى اليوم ابادة العرب، فهم يقومون بتنفيذ واجب ديني و"امر الهي".
والى كل من لا يزال يقول بوجود علاقة دينية بين اليهودية والمسيحية والاسلام نقول: اذا كانت المسيحية هي دين المحبة، واذا كان الاسلام هو دين التسامح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما علاقة هذين الدينين، المسيحية والاسلام، بـاليوضاسية اليهودية: "دين" النهب والنصب والخيانة والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية؟ وما علاقة "الله" عز وجل بـ"يهوه"، الذي يخجل اعتى المجرمين من اقواله واقوال وافعال اتباعه؟؟؟
7 ـ بعد الفرار من مصر، والاقامة في سيناء للاستعداد العسكري ودراسة الاحوال (ككل جيش غاز عشية المعركة) قام اليوضاسيون اليهود بغزو فلسطين ونهب وسلب وقتل وسبي اهلها. اي ـ وباعتراف التوراة اليهودية ذاتها ـ لم يكن اليهود جزءا من اهل فلسطين، ولم ينبعوا من باطن ارضها كأبالسة، بل دخلوها من خارجها كغزاة غرباء كانوا متجمعين في سيناء التي لم تكن ارضهم ايضا. ولكن اليوضاسيين اليهود (بكل قضاتهم ودوادينهم وسليماناتهم وشماشينهم) قتلوا من قتلوا، وسلبوا ما سلبوا، واغتصبوا من وما اغتصبوا، الا انهم في نهاية الامر عجزوا عن ان "يبتلعوا البحر" البشري العربي الذي خاضوا وغاصوا فيه، فاضطروا مجبرين للتكيف مع المجتمع العربي (الزراعي، الحرفي، التجاري) الارقى من قبيلتهم البدوية اللصوصية والتجارية الهامشية. الا انهم ـ كي يحفظوا ويمارسوا وجودهم كدخلاء طفيليين ـ كرسوا مبدأ التمييز الديني والاتني والعنصري، ومبدأ الانتهازية والخيانة والسير في ركاب الملوك والاباطرة والاكاسرة ضد الشعوب القديمة التي تكونت منها الامة العربية التي كانوا يعيشون في ظهرانيها. وعلى مر التاريخ العربي، كان اليوضاسيون اليهود (بشهادة توراتهم ذاتها) يمالئون السلطات الاستبدادية والغزاة الاجانب، ويسيرون في ركابهم ضد السكان الاصليين للبلاد، اي ضد الشعوب القديمة المكونة للامة العربية. ومنذ تلك الازمان صار الصراع العربي مع اليوضاسيين اليهود، كما قال انطون سعادة فيما بعد، "صراع وجود لا صراع حدود".
8 ـ حينما هاجر الفينيقيون الصوريون الى شمال افريقيا وبنوا قرطاجة العظيمة، وذهبوا الى اسبانيا بقيادة هملقار برقة (والد هنيبعل)، سار اليوضاسيون اليهود في اعقابهم، وعاشوا في افريقيا الشمالية واوروبا، في ظلال قرطاجة وروما واغريقيا، بين الفينيقيين والامازيغ والرومان والاغريق والقوطيين والغاليين، كجماعة انتهازية، تمارس التجسس والقتل المأجور واللصوصية والتجارة الهامشية والربا، لا هم لها سوى التكسب والربح "مع الجميع ضد الجميع". وحينما سقطت قرطاجة تحت حوافر الرومان وبيع اهلها كعبيد، تحول اليوضاسيون اليهود الى تجارة العبيد. وحينما سقطت نوميديا الامازيغية (البربرية) واوروبا الشرقية الاغريقية ـ السلافية بيد الرومان كذلك، صارت اكثرية العبيد من الامازيغ (البربر) ومن الاوروبيين الشرقيين، وصارت كلمة "بربري" تعني "الهمجي" وكلمة "سلافي" تعني "العبد". وليس من الصدفة ابدا ان الفئة الوحيدة التي نجت من العبودية الرومانية، بل تحسن وضعها وارتفع مستواها بسبب تعاونها مع الغزو الروماني، هي عصابات اليوضاسيين اليهود، الذين تحولوا في تلك الظروف الى اهم فئة تجار عبيد في العالم القديم. ومنذ تلك الازمان المغبرّة، تربى اليوضاسيون اليهود جيلا بعد جيل على احتقار جميع شعوب العالم المستعبدة (العبيد = غوي) وعلى التقديس والتزلم للقوة الاستعمارية والاستبدادية (روما، وكل من جاء بعدها)؛ والتعاليم اليهودية (التي لا يزال بعضنا يعتقد انها: ديانة سماوية) تكرس "ثقافة" الاستعلاء والقوة والبطش... باسم "اليهوه" دام عزه الوارف وفضله الطارف(!!!).
9 ـ حينما انطلقت الحركة الثورية المسيحية العظيمة ضد روما، في مرحلتها النوعية الجديدة التي جسدها ظهور السيد المسيح، وهي الحركة التي قامت على كاهل الشعوب الشرقية التي تكونت منها الامة العربية، وشارك فيها قسم كبير من الفقراء اليهود ايضا، وقفت الطغمة المالية التجارية اليوضاسية اليهودية، واعوانها من الكهان ومن الطغام، ضد الحركة الثورية المسيحية، وتعاونوا مع الاباطرة والحكام الرومان لسحقها، بدءا من قطع رأس يوحنا المعمدان، ثم قتل الاطفال حين ولادة المسيح الطفل، ثم الحكم بالموت على السيد المسيح وصلبه، ومطاردة وقتل المسيحيين الاوائل. وفي عمليات مطاردة وابادة المسيحيين، التي استمرت مئات السنين في العهد الروماني "قبل المسيحي"، كان الجلاد: رومانيا، والخائن والجاسوس والواشي: يوضاسيا يهوديا.
10 ـ كان التجار اليهود "العرب"، ولا سيما تجار الرقيق الابيض (وخصوصا الحريم) وراء تكوين مملكة الخزر اليهودية بجوار بحر قزوين، التي قامت على الغزو والسلب والنهب والسبي، بالتعاون مع "ابناء عمومتهم" القبائل الطورانية التي كانت ايضا تعيش على الغزو والسلب والنهب، ضد البلغار القدماء والروس القدماء الذين كانوا لا يزالون قبائل وثنية متفرقة لا تجمعها دولة واحدة. فكان الخزر والطورانيون يسبون نساء البلغار والروس ويبيعوهن للنخاسين اليهود العبرانيين "العرب" الذين بدورهم كانوا يشحنون بهن قصور الخلفاء والامراء والاغنياء والاعيان والقواد المسلمين عامة والعرب خاصة. وقيام مملكة الخزر اليهودية هو الذي دفع البلغار القدماء (بلغار الفولغا) الى تأسيس دولة بلغارية اسلامية وطلب النجدة من الخلافة في بغداد للتخلص من الغزو الخزري المدعوم من الطورانيين. ولكن دولة الخلافة في بغداد، وبتأثير النخاسين اليوضاسيين العبرانيين الذين كانوا يشكلون "دولة ضمن الدولة"، لم تنجد الدولة البلغارية الاسلامية عسكريا، بل اكتفت بأن ارسلت لها بعثة من الشيوخ والمعلمين لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية، ومن المعماريين لبناء مسجد لائق (راجع : رسالة احمد بن فضلان، الصادرة عن وزارة الثقافة السورية)، ولكن بناء المسجد وتعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم لم يكن لوحده كافيا "لإقناع" اليهود الخزر بوقف عدوانهم الدائم على البلغار المسلمين كما على الروس الوثنيين. واخذت مملكة الخزر اليهودية تغتني وتشتد وتتوسع على حساب مملكة بلغار الفولغا الاسلامية وعلى حساب القبائل الروسية الوثنية المتفرقة. وحينذاك، وبحافز الدفاع المشروع عن حق الوجود، عمدت القبائل الروسية الوثنية الى التوحد في دولة "مسيحية شرقية" واحدة، مستقلة عن بيزنطية. واول "قرار دولة" اتخذته الدولة المسيحية الروسية الجديدة هو قرار تحطيم مملكة اليهود الخزر، التي قامت على السلب والنهب والسبي والتجارة بالبشر. ولاقتلاع شرورهم ودرء خطرهم نهائيا منعت الدولة الروسية الجديدة اليهود الخزر من الاقامة في محيط بحر قزوين. وهؤلاء اليهود الخزر (الاشكناز) هم الذين انتشروا في اوكرانيا وروسيا وبولونيا، ومنها تسربوا الى اوروبا الوسطى والغربية، ناقلين معهم كل تجربتهم الغنية في السفالة و"التجارة" بكل شيء، وناقلين ايضا كل ما احتفظوا به من الرساميل التي جمعوها هم وآباؤهم واجدادهم من بيع النساء المسبيات البلغار والروس. وقبل عمليات القرصنة البحرية التي ادارتها الامبراطورية البريطانية لاحقا لتجميع الرأسمال الاولي للرأسمالية، فإن الرساميل اليهودية الخزرية، المجبولة بالدماء وبصيحات وآهات ودموع الفتيات والنساء البلغار والروس المسبيات، كانت اول محرك للحركة الرأسمالية والنهضة الصناعية الاوروبية الغربية.
11 ـ حينما قامت الفاشية بعمليات ابادة اليهود بعد الحرب العالمية الاولى، فإن احفاد اليهود الخزر (الاشكناز ـ الآريين، ابناء عمومة الطورانيين) هم الذين غزوا فلسطين ووضعوا الاسس التأسيسية لدولة اسرائيل، مدعين انهم "ساميون" و"عبرانيون" يعودون الى "ارضهم" "ارض الميعاد" التي لا يعرفها اي من اجدادهم الا من خلال توراتهم. وبعد تأسيس اسرائيل على ايدي الخزر (الاشكناز) غير الساميين وغير العبرانيين، هاجر وهجـّر اليها "اليهود الشرقيون" "العرب" "العبرانيون" (السفارديم).
12 ـ حينما وصل طارق بن زياد الى اسبانيا كان اليوضاسيون اليهود موجودين هناك من ايام الزعيم القرطاجي هملقار برقة، فأستغلوا "شرقيتهم" ومعرفتهم اللغة العربية واللغات الاوروبية وانتشارهم العالمي (بامتدادهم الخزري ـ الاشكنازي، القائم على اساس "ديني" ـ مصلحي)، ليمسكوا بأعنة التجارة العالمية، وخصوصا تجارة الحريم والغلمان والخصيان والعبيد، في الدولة العربية ـ الاسلامية، وهو ما اتاح لهم ان يعملوا على نخرها وتفكيكها من الداخل، ويساعدوا على تقويضها وانهيارها وسقوطها تحت براثن الاستعماريين الاوروبيين (الصليبيين الجدد) والعثمانيين (المسيلميين الكذابين).
13 ـ بعد ان قضى الروس على مملكتهم على بحر قزوين، تعاون اليهود الخزر مع اليهود العبرانيين "العرب" الفارين من اسبانيا، لاجل قيام وصعود مملكة للطورانيين (ابناء عم الخزر وحلفائهم التاريخيين) كبديل "مسيلمي" عن مملكة الخزر "اليهودية"، فقامت السلطنة العثمانية على انقاض الامبراطورية البيزنطية. واحتل العثمانيون القسطنطينية العظيمة وعثمنوها (بموافقة ورضى ضمني من اوروبا الغربية، لمنع الروس من الاتحاد مع بيزنطية او ضمها، ومنعهم من الوصول الى البحار الدافئة، وهو احد الاهداف الازلية لاوروبا الغربية). ومن ثم قامت الامبراطورية العثمانية بـ"فتح" البلاد العربية الاسلامية (باسم "الاسلام!")، وعمليا فتحها امام "الامتيازات الاجنبية"، وقامت بسحق العرب واذلالهم وافقارهم وجعلهم في الدرك الاسفل في سلم الرقي الاجتماعي بعد ان كانوا في طليعة شعوب العالم القديم قبل ان يحكمهم العثمانيون.
14 ـ يعتقد الكثيرون من الوطنيين والتقدميين العرب والمسلمين ان العلاقات الاميركية ـ الصهيونية تعود الى نهاية القرن التاسع عشر وما بعد، اي فترة تبلور الحركة الصهيونية كحركة قومية ـ دينية رجعية موالية للرأسمالية والاستعمار ومعادية للشيوعية وحركات التحرر الوطني والاجتماعي العربية وغير العربية. وهذا الرأي هو بحد ذاته صحيح، الا انه غير كاف، ولا يضيء الا على جزء من الحقيقة. والواقع ان العلاقة الاميركية ـ الصهيونية هي علاقة عضوية وثيقة تعود الى نشأة الدولة الاميركية ذاتها. واذا كانت الدولة الاميركية، التي ابادت جميع، اي عشرات الملايين من سكان اميركا الاصليين (الهنود الحمر)، واذا كانت اميركا هي اسوأ دولة امبريالية واستعمارية في التاريخ البشري، فهذا يعود اولا الى دور اليوضاسية اليهودية في تأسيس الدولة الاميركية كدولة فرنكشتانية متوحشة مهيأة لافتراس العالم. وقد اضطلع بهذا الدور اليوضاسيون اليهود الاندلسيون، الذين، بعد ان سقط الحكم العربي في الاندلس، اداروا ظهورهم للعرب و"تأوربوا" ثم "تأمركوا".
فبعد سقوط الاندلس بأيدي الرأسمالية الاستعمارية الاوروبية الصاعدة، المتحالفة تحالف اللصوص مع النظام الاقطاعي والكنسي، اخذت اوروبا الاستعمارية تتحفز من جديد للانقضاض على الشرق. وبدأت الرحلات البحرية والجغرافية الاستكشافية الكبرى، تحت ستار العلم والتجارة والتبشير المسيحي، كمقدمات تجسسية واستطلاعية للاستعمار اللاحق. وطرحت من جديد فكرة تجديد الحروب الصليبية للاستيلاء على "الاراضي المقدسة"، واستعمار الشرق العربي الاسلامي ونهب خيراته غير المحدودة والسيطرة على موقعه الجغرافي الستراتيجي. ولكن اوروبا الاستعمارية ترددت في سلوك الطريق ذاته الذي سلكته الحملات الصليبية السابقة، لثلاثة اسباب هي:
اولا ـ "الذكريات غير المشجعة" عن الهزيمة التاريخية للحملات الصليبية السابقة.
ثانيا ـ عدم الرغبة في استعداء العثمانيين، فيما اذا لم تقم اوروبا الاعتبار لوجود امبراطوريتهم المستحدثة.
وثالثا ـ عدم الرغبة في فضح وحرق "الورقة الاسلامية!" للعثمانيين، كحليف ستراتيجي لليوضاسية اليهودية العالمية ولاوروبا الاستعمارية، فيما لو "تفاهمت" اوروبا الاستعمارية على المكشوف مع الامبراطورية العثمانية، للعبور الى الشرق العربي.
وهكذا طرحت فكرة غزو الشرق العربي الاسلامي من الخلف، اي بعبور المحيط والدوران حول الكرة الارضية والوصول الى الهند، ومنها الى الشرق العربي الاسلامي (وبعد بضع مئات السنين عادت الادارة الاميركية، بقيادة جورج بوش، لتطبيق الفكرة ذاتها باحتلال "الموقع الخلفي" افغانستان تمهيدا لاعادة الهيمنة المباشرة على الشرق العربي الاسلامي).
ومع ان الكنيسة بزعامة الفاتيكان (المعني "روحيا" بالحملات الصليبية) لم تكن قد وافقت بعد رسميا على الاعتراف بكروية الارض، فإنها وافقت ضمنا، وتغاضت عمليا عن محاولة اجتياز المحيط للوصول الى الهند بطريق خلفي. وهكذا، مرة اخرى، كرس الفاتيكان "مبدأ" اولوية المصالح الاستعمارية الغربية حتى وهي تتناقض مع بعض "المفاهيم الابدية" للكنيسة.
ومن المؤكد انه في ظل "الحمى الدينية" التي رافقت "استرجاع" (ريكونكيستا) الاندلس كان من المستحيل، بدون موافقة او تغاضي الكنيسة، قيام الرحلة الاستكشافية الاستعمارية لكريستوفر كولومبوس. بل وأشيع ان الذي قام بتمويل رحلة كولومبوس هي ملكة اسبانيا التي كانت تسمى "ايزابيل الكاثوليكية"، مما يضفي على الرحلة طابعا كاثوليكيا واضحا، وان كان غير مباشر، اي بدون موافقة رسمية من قبل الكنيسة.
ولكن الصناعي الاميركي الشهير هنري فورد (في كتابه: اليهودي الاممي، الصادر باللغة العربية وغيرها، وانا اعتمد على الترجمة البلغارية الصادرة سنة 2002) يقول ان "الحكاية اللطيفة بأن الرحلة تم تمويلها بكنز مجوهرات الملكة ايزابيل، لا تصمد امام اي تقييم غير متحيز".
ويتابع هنري فورد قائلا: "ان تاريخ اليهود في اميركا يبدأ مع كريستوفر كولومبوس. ففي 2 اب 1492 تم طرد اكثر من 300000 يهودي من اسبانيا. وفي اليوم التالي، 3 اب، ارتحل كولومبوس نحو الغرب، يحمل معه مجموعة من اليهود. ولم يكن هؤلاء طبعا من اللاجئين، بل من اليهود النافذين الذين اثارت اهتمامهم المخططات المثيرة للفضول للرحلة البحرية. ويروي كولومبوس ذاته انه كان يتفاهم معهم بشكل جيد. واول رسالة بعث بها كولومبوس، يتحدث فيها عن اكتشافاته، كانت موجهة ليهودي".
ويذكر هنري فورد اسماء "ثلاثة من "المارانوس" او اليهود السريين (المتظاهرين بالمسيحية ـ ج.ح.) كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في المملكة الاسبانية وهم: لويس دي سانتاغيل ـ تاجر بارز من فالنتسيا ومستشار بالشؤون الضريبية لدى القصر الملكي؛ وقريبه غابرييل سانتشيز ـ محاسب ملكي؛ وصديقهما الحميم، مدبـّر القصر الملكي، خوان كابريرو". وقد مارس هؤلاء الثلاثة تأثيرهم على الملكة ايزابيل، كي تدعم رحلة كولومبوس، وفي النهاية وافقت على رهن مجوهراتها من اجل تأمين المبلغ المطلوب للرحلة. "ولكن سانتاغيل تقدم برجاء ان يسمح له بأن يقدم وحده المال اللازم للرحلة، وهذا ما فعله"، حسبما يقول هنري فورد.
"ورافق كولومبوس في رحلته خمسة يهود: لويس دي توريس ـ مترجم، ماركو ـ جراح، برنار ـ طبيب عام، الونسو دي لا كالي، وغابرييل سانتشيز.
"ومقابل دعمهما لكولومبوس ودورهما في المشروع، حصل لويس دي سانتاغيل وغابرييل سانتشيز، على الكثير من الامتيازات".
ويندرج رأي هنري فورد (الذي كان من ألد اعداء الفكر الاشتراكي والشيوعي) في ما يمكن تسميته "وشهد شاهد من اهله". وأي دراسة لنشوء وتطور الرأسمالية والامبريالية الاميركية تؤكد هذا الرأي الذي يسلط الضوء تماما على الدور اليوضاسي اليهودي في "اكتشاف" وبناء "العالم الجديد".
15 ـ بعد "اكتشاف" اميركا، لعبت الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا دورا مركزيا في تشجيع الهجرة (لا سيما هجرة الرساميل والمجرمين والعصابات الاجرامية) الى "اميركا" وابادة سكانها الاصليين واستعمارها. وبسبب من تعاونها الاوسع والاقرب مع البروتستانتية الانكلو ـ ساكسونية، كان النجاح في استعمار اميركا الشمالية اكبر منه في اميركا الجنوبية، التي غلب عليها الطابع الكاثوليكي اللاتيني، حيث طغت عملية التمازج مع السكان الاصليين مع سيادة العنصر اللاتيني، في حين ان عملية "التنظيف" او الابادة التامة للسكان الاصليين هي التي طغت في الشمال.
16 ـ بسبب ابادة السكان الاصليين في اميركا الشمالية، نشأت الحاجة الى اليد العاملة الرخيصة، خصوصا في الزراعة واستصلاح الاراضي "المملوكة" حديثا من قبل المستعمرين الجدد. فكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية، ذات التجربة العريقة بتجارة الرقيق، هي المحرك الاساسي لعملية صيد البشر واستعبادهم في افريقيا، وبيعهم ونقلهم للعمل كعبيد في "العالم الجديد". وقد مات عشرات الملايين من هؤلاء البائسين في الطريق، قبل ان يصلوا الى "جنة العالم الجديد"، فكانت جثثهم ترمى في البحر، كنفايات او قاذورات او حيوانات نافقة، بدون اي طقوس دينية او غير دينية، وبدون اي اعتبار لقيمة الكائن البشري.
وهذا وحده كاف لان يستغرب اي كائن عاقل وشريف ان يتم الربط، بأي شكل كان، بين اليوضاسية وبين اي دين كان، بحجة انها ـ اي اليوضاسية ـ هي "يهودية".
17 ـ عشية وبعد الثورة الفرنسية بدأ ينتشر الفكر الثوري والتقدمي والاشتراكي، ضد بقايا الانظمة القنانية والاقطاعية والرأسمالية، ويشمل قطاعا واسعا من العمال والفقراء والانتلجنتسيا اليهود (الذين يعانون تبعات ارتكابات الطغمة العليا المالية والكهانية اليوضاسية "اليهودية").
وفي القرن التاسع عشر ظهرت الاشتراكية العلمية (او الشيوعية) على يد مفكر من اصل يهودي هو كارل ماركس. وهو ما تستغله الاوساط الامبريالية والرجعية المتعاونة معها للادعاء بأن الشيوعية والصهيونية هما صنوان لمجرد ان ماركس هو من اصل يهودي. والواقع ان "يهودية" ماركس هي على قاعدة "لكل شيء ضده من جنسه"؛ اي تماما كما جرى في عهد المسيحية الاولى، حينما ظهر يوحنا المعمدان والسيد المسيح وتلامذته من اوساط اليهود انفسهم. فالاصل النـَسَبي ليوحنا المعمدان والسيد المسيح وكارل ماركس لا يدل على "يوضاسيتهم اليهودية" بل هو دليل قاطع على عدائهم الجذري لليوضاسية اليهودية التي كانوا هدفا لغضبها الهستيري وانتقامها.
وقد جن جنون الطغمة المالية والكهانية العليا اليوضاسية اليهودية، بظهور الماركسية والحركة الشيوعية، فبدأ تنظيم الحركة "الصهيونية" والادعاء بأن اليهود هم "قومية"، بهدف اولي واساسي هو الوقوف ضد انتشار الشيوعية، خصوصا بين اليهود. وبعد العداء للعرب وللروس، وللمسيحية والاسلام، تحول العداء للشيوعية الى حافز و"مكوّن فكري" اساسي لليوضاسية اليهودية في صيغتها السياسية المستحدثة: الصهيونية. واذا جاز لنا ان نشبه الاضلاع الثلاثة لمثلثي نجمة داود، فإن الضلع الاول (العبري) يرمز الى العداء لـ: المسيحية ـ الاسلام ـ الشيوعية؛ والضلع الثاني (الخزري) يرمز الى العداء لـ: الروس ـ العرب ـ الشيوعية. وفي انسجام تام مع نشأتها الطبقية، فإن الشعار الاساسي motto الجامع لليوضاسية اليهودية والصهيونية اصبح يتمثل في الضلع الثالث وهو: العداء للفكر الاشتراكي العلمي ـ الشيوعي الذي تمثله الماركسية.
18 ـ في 2 تشرين الثاني 1917، اي قبل 5 ايام فقط من الثورة الروسية، اطلقت الامبريالية البريطانية، المتحالفة عضويا مع اليوضاسية اليهودية والصهيونية، ما يسمى "وعد بلفور"، بقصد استدراج اليهود العنصريين لاقامة دولة يهودية تحمي المصالح الامبريالية، وخصوصا منابع وممرات النفط المستخرج حديثا، في المنطقة، والذي كان له ـ اي للنفط ـ دور رئيسي في هزيمة المحور الالماني في الحرب العالمية الاولى. وكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا والتنظيمات الصهيونية التابعة لها تتصور ان اليهود سيتهافتون على تلبية ندائها "القومي" المزيف. ولكن مع قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا في 7 تشرين الثاني 1917، اصيبت الحركة "القومية" الصهيونية والطغمة المالية اليوضاسية اليهودية العليا ومعها الامبريالية العالمية بأسرها، ـ اصيبت بـ"فجيعة" مزدوجة هي:
ـ ان قلة تافهة جدا من اليهود الاوروبيين لبت "نداء" الذهاب الى فلسطين؛
ـ وأن الغالبية الساحقة من الجماهير الشعبية اليهودية بما فيها غالبية الانتلجنتسيا اليهودية اختارت التوجه في الاتجاه الاخر، اي الخيار الاشتراكي، إن في روسيا حيث كانت المشاركة الشعبية اليهودية في الثورة الاشتراكية مشاركة كبيرة جدا، وإن في اوروبا الغربية حيث كانت مشاركة الجماهير العمالية والانتلجنتسيا اليهودية في الاحزاب الشيوعية والاشتراكية ـ الدمقراطية مشاركة كبيرة جدا ايضا؛
وهذه "الفجيعة" لليوضاسية اليهودية والصهيونية والامبريالية لعبت دورا مركزيا في تقرير المصير الفاجع لاحقا لشعوب اوروبا والعالم، بما في ذلك وبالاخص للجماهير العمالية والشعبية اليهودية في اوروبا، نتيجة اتجاه اليوضاسية اليهودية والصهيونية للتآمر على الجماهير العمالية والشعبية اليهودية ذاتها.
19 ـ مدفوعة بـ"الفجيعة" آنفة الذكر، عمدت الطغمة اليهودية اليوضاسية العالمية، ولا سيما عبر الحركة الصهيونية المنظمة التي تحولت الى ما يشبه "حكومة يهودية عالمية"، ـ عمدت الى التآمر مع البيروقراطية الحزبية ـ الدولوية السوفياتية بقيادة الخائن ستالين، لحرف السلطة السوفياتية الجديدة عن طريقها الصحيح، ولسحق الحركة الشيوعية في روسيا، وخاصة الانتقام من الحركة الشيوعية في صفوف الجماهير اليهودية، وهذه المؤامرة هي الاساس السياسي للارهاب الستاليني المعادي للشيوعية، الذي بدأ بمحاولة اغتيال لينين في اب 1918، ثم شله فقتله بواسطة العلاج الخاطئ في 1924، ثم التصفية الجسدية لاغلبية اعضاء الحزب البلشفي الذين شاركوا في الثورة الاشتراكية في 1917، واعدام عشرات الملايين من ابناء الشعب الروسي وعشرات الالوف من ضباط الجيش الروسي، الذين كانوا يعملون على بناء الاشتراكية وحمايتها من الخطر النازي القادم.
20 ـ ومدفوعة بـ"الفجيعة" ذاتها، عملت الطغمة اليهودية اليوضاسية العليا والحركة الصهيونية العالمية على التآمر مع الحركة الاشتراكية ـ القومية (النازية) بقيادة ادولف هتلر، ومع الاممية الاشتراكية ـ الدمقراطية الموالية للامبريالية بقيادة كاوتسكي، ـ عملت لمواجهة وسحق الحركة الشيوعية في اوروبا الغربية، وخصوصا في صفوف الجماهير العمالية والانتلجنتسيا اليهودية؛ وبدأت هذه المؤامرة باغتيال وتصفية القائدين الشيوعيين روزا لوكسمبورغ (اليهودية الاصل) وكارل ليبكنخت و15 الف عامل شيوعي (قسم كبير منهم شيوعيون يهود) في برلين في 1919، وكانت ـ اي هذه المؤامرة ـ في اساس ما سمي فيما بعد الهولوكست، اي عملية الابادة الموجهة ضد الشيوعيين اليهود والجماهير الشعبية اليهودية المؤيدة للشيوعية والاشتراكية والمعارضة للصهيونية، بشكل خاص، وضد الشيوعية بشكل عام.
21 ـ وقد كانت هذه السياسة التآمرية العدوانية والوحشية للطغمة اليهودية اليوضاسية العليا والصهيونية العالمية احد الاسباب الرئيسية لاندلاع الحرب العالمية الثانية، ومهاجمة هتلر للاتحاد السوفياتي، وهو ما ادى الى هلاك حوالى 60 مليون انسان، منهم 30 مليون سوفياتي.
22 ـ وقد انتهت هذه التراجيديا الكابوسية للانسانية بأسرها بالاتفاق بين العميل السري للصهيونية ستالين وبين روزفلت وتشرشل على حل "الكومنترن" (الاممية الشيوعية) لمصلحة الامبريالية العالمية، وعلى الموافقة على تقسيم فلسطين واقامة اسرائيل، لمصلحة الصهيونية العالمية، واخيرا على اجبار قيادات الاحزاب الشيوعية في منطقة النفوذ السوفياتية (في اوروبا الشرقية) على اصدار قرارات حزبية تقضي بارسال يهود اوروبا الشرقية الى اسرائيل، بصرف النظر عن معارضة قسم كبير منهم لتلك القرارات. وقد شذ عن ذلك فقط الحزب الشيوعي اليوغوسلافي، بقيادة تيتو، التي كانت على نزاع مع ستالين، الخائن الاكبر للشيوعية. وكانت القيادة اليوغوسلافية تؤيد اقامة دولة فلسطينية واحدة. وهو ما جلب في وقته على تيتو والحزب الشيوعي اليوغوسلافي ويوغوسلافيا الغضب المشترك للامبريالية والصهيونية العالمية والستالينية. وفي نهاية القرن العشرين تمت مهاجمة وتدمير وتفتيت الدولة اليوغوسلافية الموحدة، من قبل اميركا وحلف الناتو، بدعم كامل من قبل البيروقراطية السوفياتية الغورباتشوفية، خليفة الستالينية العميلة للامبريالية والصهيونية.
23 ـ وما نشهده اليوم، فيما يسمى "العولمة" الاميركية، هو مظهر بارز من مظاهر نجاح اليوضاسية في "التهويد" التام للمجتمع الامبريالي، حيث تنفصل "اللعبة المالية" اليهودية انفصالا متزايدا عن عملية الانتاج والتجارة الكلاسيكية، بحيث ان قلة من كبار المليارديرية والادارة التكنوقراطية المرتبطة بهم تتجمع خلف المحيط، وتتحكم بعملية الانتاج والتوزيع والاستهلاك في العالم بأسره، بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، فتحكم على مصائر بلدان وقارات كاملة بالموت او الحياة، وعلى قطاعات انتاج كاملة بالاستمرار او التوقف، وتشن الحروب اينما تشاء، وتطلق الاوبئة هنا وهناك وتتحكم بالادوية والاغذية كما تشاء؛ دون ان تحتاج ـ هذه القلة – الى الاقتصاد الوطني في اي كان بلد بما في ذلك اميركا ذاتها، اذ انها تصبح متحكمة، في كل لحظة بلحظتها، بالعملية الانتاجية والوجود الانساني بأسره في الكرة الارضية بكاملها. وللاسف ان بعض "المثقفين" الماركسيين المزيفين والستالينيين الحقيقيين، مثل فؤاد النمري، يستدلون من ذلك على ما يسمونه "زوال الرأسمالية والامبريالية" في اميركا، حيث ان العملية الانتاجية "الرأسمالية الكلاسيكية" لم تعد تتعدى 17% من الاقتصاد الاميركي. ويقول هؤلاء ان اميركا دخلت في عصر ما يسمونه "الاستهلاكية"، كأنما يوجد "استهلاك" و"استهلاكية" بدون "انتاج" و"انتاجية". ولكن هذه العين الستالينية العوراء لا ترى ان شعوب العالم بأسره تتحول الى "عبيد" حقيقيين لدى "اميركا الاستهلاكية"، وان هذه "الاميركا الاستهلاكية" تصبح عالة طفيلية على العالم بأسره، وليس فقط على "الطبقة العاملة الاميركية"، وبالتالي ان القضاء على النظام القائم في "اميركا الاستهلاكية" وعلى رأسه اليوضاسيون والمتمولون اليهود والانكلو ساكسون، الاصدقاء القدماء ـ الجدد لستالين والستالينيين والنيوستالينيين، يصبح مهمة آنية شديدة الالحاح امام الانسانية بأسرها وعلى رأسها الامة العربية المظلومة، المنكوبة باسرائيل والاحتلال الاميركي ـ اليهودي اليوضاسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الدبلوماسية السرية- ...في العمل
- الكارثة اليابانية: أبعد من حدث بيئوي
- الصين الشعبية تحضر للرد بضربة عسكرية كاسحة للولايات المتحدة ...
- الحرب الباردة، في طبعة جديدة ... صينية
- التنين الصيني حينما يتحول الى يوان رخيص
- الافلاس الفضيحة لليبيرالية الغربية وأذنابها في البلاد العرب ...
- لبنان الوطني المقاوم في مواجهة مؤامرة التعريب والتدويل
- أميركا و-عقدة فيتنام-!
- ميلاد السيد المسيح: المنعطف التاريخي نحو تشكيل الامة العربية
- كوريا الشمالية: العقدة العصيّة في المنشار الاميركي
- إشكاليات المسألة الاميركية امام محكمة التاريخ
- اوروبا تتجه نحو التمرد
- الازمة الرأسمالية العامة لاميركا والزلزال -الافيوني الالكتر ...
- الامبريالية والشعب الاميركيان
- التبدلات الديموغرافية ومضاعفاتها المرتقبة في اميركا
- الامبريالية والعنف
- الهيمنة العالمية لاميركا: بداية النهاية..
- التقسيم الامبريالي الرأسمالي لاوروبا
- تقرير معهد SIPRI يؤشر الى مرحلة تفكك الامبريالية
- بداية انحسار موجة العداء للشيوعية في المانيا


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اليوضاسية