أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - غربان البي بي سي والقطط وقطعة الجبن















المزيد.....


غربان البي بي سي والقطط وقطعة الجبن


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


مرة اخرى، حذار ِمن الجمل الإعتراضية!
1
بي بي سي صديقتي المريبة منذ زمن بعيد، قبل مرحلة التلفزيون، قبل "قولٌ على قول" بسنين، تكاد تكون المستنقع الأول للرأي الآخر، وجملة هائلة وثروة طائلة من الآراء الأخرى الفريدة على مدى أكثر من نصف قرن. كانت محطة راديو فقط، راديو كبير، ثم راديو ترانسستر، ثم تلفزيون ملون (في بريطانيا)، ثم إنترنت، ثم الأدوات التي تحوّلك إلى أداة gadget، أداة شراء!

كنتُ مضطرّاً على سماع البي بي سي، فماذا كان البديل؟

إذاعة بغداد؟

إذاعة بغداد كانت تبث أغنية فايدة كامل: اللهَ اللهَ (موسيقى) اللــــــــّهْ، الله الله، اللــــــــّـهْ، إلهي ليس لي إلاّكَ عوناً، الله الله، اللـــّـــهْ هَلْ، فكن عَوْني على هذا الزمان ِ، الله الله (موسيقى) اللــّــــــه!

نعم، كل هذا العدد الغفير من اللاهات القصيرة والطويلة لغناء بيت واحد فقط من الـ"قصيدة" التي تستمر على هذه الشاكلة دون تغيير: والكورس مستمر في ترديد الله الله اللــــّـــــه، حتى في الخلفية!

بل وحتى إنصاف منير كانت تغني:
يا ناكَتي لا تفزعي
الله معك وانتي معي
سيري لَ بيت الله الحرام
واشكيلو حالك واركعي!
وغير ذلك من الإبداع الفني الحديث.

إذاعة القاهرة؟
أخي جاوز الظالمون المدى – فحق الجهادُ وحق الفدا، وسرقة من القدر لبيتهوفن.

وليسوا بغير صليل السيوف
يجيبون صوتاً لنا أو صدى!

وكان ذاك قدَرَنا!

إذاعة موسكو؟ (إنْ كنتَ تستطيع سماعَها بسبب التشويش أو سوء أجهزة بثها) كانت تتحدث (دون أن تسحب نفـَساً) عن منجزات النظام الاشتراكي، ولكن الناس، الشباب خاصة، كانوا يبحثون عن الجديد مثلما كانوا (وأنا واحدٌ منهم) يبحثون الإثارة وهي عادة ورثوها منذ ما قبل ألف ليلة وليلة بألف حكاية ٍعلى مواقد ألف كهفٍ وكهف!

كانت الـ BBC تتحدث عن السياسة والعلوم والفنون والآداب واللغات بشكل حضاري مُغر ٍ. وحتى الكثير من الأنباء بل وحتى طريقة طرحها تنسجم في أحيان كثيرة مع حس المثقف. وكذلك التراث. وهذه كلها أنواع من العسل.

لكن الـ بي بي سي هي إحدى فضائح العصر الصارخة.

صارخة ليس بالمعنى المجازي، فهي تصرخ، ما زالت.

تصرخ بالأنباء: بالطريقة واللهجة التي تراهما مناسِبتـَيْن لمصالح الأنظمة الغربية فقط، وفي الأوقات المناسبة جداً.

وتصرخ بالآراء: الآراء الرجعية، المغرقة في الرجعية، المناسبة لمصالح الأنظمة الغربية فقط، وفي الأوقات المناسبة جداَ.

كان للبي بي سي أغانيها عن الله ولكن بطريقة مختلفة تماماً.

الـ بي بي سي هي لسان النظام الإقطا-رأسمالي البريطاني الحالي. أو الرأسما-إقطاعي، (أيهما أفضل؟) فتسمية النظام الإقطاعي الذي "إختلط" بالرأسمالية، الذي "سمح" للرأسمالية بالنمو، وتبنـّاها وامتلكها أيضاً، وحافظ على مُلكية الأرض "المَلـَكية"، ناهيك عن أن التعريف الدقيق محذوف في معظم المحاولات الفكرية فيه، منذ "الإنهيار" الكاذب للإقطاع مع عصر "النهضة" الزائفة، بل إن تعاريف "الإقطاع" جميعَها مشوّهة في الكتب الصادرة في بريطانيا والولايات المتحدة، حيث تنطبق التسمية "إقطا-رأسمالي" على الإثنين، نظامَيْ البلدين!
لأواصل!
فتعريف الإقطاع ينبغي أن يكون: نظام قطاع الطرق الإقتصادي للإنتاج والتوزيع في مرحلة الزراعة + الله.
وأما تعريف الرأسمالية فسيكون: نظام قطاع الطرق الإقتصادي للإنتاج والتوزيع في مرحلة الصناعة + الإبقاء على الله دون تغيير.

2
نرى ما يفعله قطاع الطرق بإصرار:

ما زالوا يأتون مسرعين على خيول!

يقومون اليوم بتغيير إتجاهات الأنابيب الكبيرة، السوداء.

وكذلك إتجاهات بلايين الدولارات الموجودة في الحسابات الخاصة للـ"قادة" العرب!

أناس عاديون مثلنا ولكنهم يختلفون عنا بنوع "الضمير" ومساحته.

دكتاتوريّونا وإقطاعيّونا وبورجوازيّونا العرب (وغير العرب) ورأسماليو الغرب (وإقطاعيوه) هم جميعاً أبناء عمومة.

الفرق بين مدير شركة كهرباء طوكيو وصاحب موقع إنترنت عربي رجعي (أو شبه رجعي!) أو رجل دين يتحدث العربية في التلفزيون هو فرق في حجم السموم التي يرسلها في كوكب الأرض.

أحدهما يبول في المحيط الهادي آلاف الأطنان من المياه المشعة القاتلة من العديد من المفاعلات الكثيرة التي حطمها التسونامي الياباني الذي أعقب الزلزال، التي بُنيت على أسس رأسمالية، مبدأ رأسمالي مهم: "أقل ما يمكن من كلفة وأكثر ما يمكن من أرباح"، فيلوث بولـُه المحيط الهادي ويصل الأرض كلها، بدءاً من آلاسكا وكالـِفورنيا، وكل غرب الولايات المتحدة، بل عبر المحيط الأطلسي أيضاً لتلتقطه أجهزة الكشف في أوربا، في كَلاسكو، اسكتلندا، وفي غيرها؛

والآخر، المعمّم ذو اللحية والهيبة الكاذبة، يتقيأ على شاشات الكومبيوترات أو أمام كامرات التلفزيون.

إنهم من قبيلة واحدة.

نوع ومساحة "الضمير" يحددهما نوع ومساحة الوجود الإجتماعي.

لم يعاقِب المجتمع العراقي في الخمسينات من القرن الماضي شاباً صغيراً قتل رجلاً في قريته وهرب للإختباء في زقاق بمحلة التكارتة في بغداد. فماذا كانت نتيجة تطور هذا الخطأ-المشكلة؟

فلو سألنا أي فرد في مجتمع الراقص مع الذئاب (صورة المشاعية البدائية التي تعود إلى ما قبل ثلاثين ألف عام) لقهقه علينا كثيراً!

يقوم النظام الرأسمالي على دعامتين: البزنس ثم يأتي الله، طبعاً، بالدرجة الثانية.

إنها مصادرة وليست تجميداً للأموال، عملية السطو التي يقومون بها.

يقول مسؤولون أميركان أنهم "جمّدوا" للقذافي 30 بليون دولاراً. وهي تذكّرنا بما يُسمى "أموال صدام" التي "جُمِّدتْ" منذ 1990! ولا يُعرف مصيرُها على وجه الدقة.

ساغكوزيه وبرلسكوني كانا حتى آخر اللحظات يعبّران عن صداقتهما للقذافي.

فجأة حَكـَما عليه بالإعدام ولكن بعد مصادرة أمواله في المصارف الفرنسية والإيطالية! أستوليا على مدخراته وصادَراها، هكذا (عينك عينك) ربما إلى خزينة بلديهما (مع قومسيون commission عمولة، بنسبة كبيرة جداً، لكل منهما)، وربما كلها للحساب الشخصي كما لا يمكن أن يُخطئ الظن بالنسبة لسلوك الرئيس الإيطالي، زعيم المافيا هناك.

هذا ما فعل أوباما بحسابات القذافي في الولايات المتحدة، أي تماما كما فعل بُش الأب (والد النبي جورج الصغير) بـ"أموال صدام"!

فهؤلاء (توني بلير بضمنهم طبعاً) تعلموا منذ سنوات تقبيل القذافي على وجنتيه، أو كتفيه، بنفس الطريقة التي تعلم بها جنرالات الإحتلال في المدارس الخاصة باللغة والثقافة culture من تقليد العراقيين بتقبيل الكتفين أو الوجنتين ووضع الكف على الصدر بعد المصافحة! وكان هذا بعض أهم ما تعلموه عن العراقيين!

تأريخياً، كان البريطانيون أوّل من عرفوا أحراش أفريقيا من الأوربيين وأول من شاهدوا الأسود وتعلموا منها كيفية إثارة قطعان ضحاياها ودفعها إلى الفرار المذعور الفجائي stampede، والتركيز على سلوك أي فرد غير طبيعي فيها ومتابعته وعزله عن القطيع، وكل هذا يتم أحياناً بلمح البصر، وقد يأخذ بعض الوقت. التاكتيك حسب الظروف.

أهكذا يتم إستغلال تطور أحداث النهضة العربية المعاصرة؟

الرؤساء الغربيون غيّروا موقفهم من القذافي بغتة، قبل الثورة المصرية. أظهروا له العداء أثناءها وبعدها، كل شيء بان تدريجياً (لكن إظهار العداء له لم يكن تدريجياً) من خلال الإعلام الغربي، وبدا مبيّتاً، حتى تم إيصال الموقف إلى ما وصل إليه في الأمم "الملتحدة" بقيادة المثقف الكبير والرجل النزيه بان كي مون الذي لا ينافسه في نزاهته سوى حكام العراق المحتل و"ممثليه" المنتخبين "ديمقراطياً" وقادة اليسار العلني في المنطقة الخضراء، أصحاب الدكاكين الشبيهة بدكان رجل الأعمال طيب الذكر، صاحب بقالة "المبدأ" الأستاذ يوسف الصائغ في زمن الزعيم العبقري (أبي الفقراء) الذي دحر الإستعمار والرجعية وكان له في كل شهر ثورة، والذي كان أهم منجز له في حياته هو تسليم العراق إلى شركات النفط وتقديم أعناق شعب العراق، وقادة الشعب الحقيقيين، للقصابين البعثيين ورجال الدين.

ما يسمى بـ"أموال صدام" (أو قطعة الجبنة الأخرى) كانوا قد بلعوها هي الأخرى في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وشربوا عليها الشمبانيا! كان بعضها بإسم برزان التكريتي، وبعضها بأسماء مؤتـَمنين آخرين يسكنون البلدان الغربية بشكل دائم وكانوا يمتلكون العقارات والأعمال ولديهم طائرات نفاثة خاصة بهم private jets.

بعض وكلاء صدام جمعوا ثروات طائلة من التحويلات المالية من العراقيين في المَهاجر للمساعدات التي كانوا يرسلونها الى أقاربهم في العراق أثناء الحرب مع إيران والحصار الطويل بعد اجتياح الكويت وحتى "التحرير المظفر"، وبعده، حيث كانوا يدفعون لعملاء صدام في الدول الغربية بالعملة "الصعبة" (دولار أو باون) وكان الإستلام، تلفونياً، في العراق بالدينار العراقي (يكضـّبوهم وركَـ ، كما يُقال في الخليج!) دنانير من طباعة عدي بأجهزة الفوتوكوبي العادية! حينـَها كان الدينار العراقي يواصل رحلته الخيالية الشاعرية إلى مستوى راق ٍجداً حتى وصل إلى ثلاثة آلاف دينار للدولار الواحد قبل وصوله إلى خمسة آلاف أثناء الاحتلال، وقبل ذلك كله كان الدينار الواحد يعادل، بشكل ثابت، ثلاثة دولارات وثلث، وهي النسبة التي كانت منهارة تماماً عندما ذهب قائد الرعيل الجديد من المناضلين الشباب، نجل القيادة التأريخية، إلى البنك المركزي مصحوباً بعدد من المناضلين ومعه حقائب سفر مليئة بدنانير مطبوعة توّاً وطلب تصريفها إلى الدولار بالسعر الرسمي، ثلاثة وثلث، وهو ما إضطر محافظ المصرف إلى الإتصال بالسيد الرئيس ليشكوه، فأجاب الرئيس: صرّفـْلو، ليش ما تصرّفـْلو؟ عجل هو مو عُراقي؟ (صرّفْ له، لم لا؟ أليس عِراقياً؟)

راحت فلوسك يَ جابر!

كل "فلوس صدام" راحت! ولكن كيف راحت وصدام لا تفوته فائتة وهو الإستباقي في كل شيء خاصة في تصفية أعدائه؟ أم أنه كان أكثر حذقاً في تصفية أعدائه؟ فقط في تصفية أعدائه؟ أم حتى في تصفية من ليسوا أعداءاً له بالمرة؟ ولكن من قبيل الإحتياط (أو الإجراءات التحوّطية!)، وحتى لأجل الإرهاب الصرف: أشهد الله أنك بريء لكنّ في قتلك صلاحاً للأمة! (صلاحاً للطبقات العليا، وإرهاباً للجميع، والله على ما نقول شهيد!)

فكيف فات هذا صداماَ؟

فجأة ًوجد مؤتـَمَنو صدام أنفسَهم أصبحوا يملكون البلايين بعد سقوط صدام في ربيع 2003، ولكنهم لم ينجوا من الاخطبوط الرأسمالي، وقد طالبت القطط السمان (أبطال تحرير 2003، الذين عادوا من المهاجر إلى الوطن "المحرر" ويعرفون تفاصيل القصص) طالبتْ بهذه الأموال، وربما أفلحت هذه القطط بالإستيلاء على الجبنة، ربما كلها، أو على بعضها أو على شيء قليل منها. من يدري على وجه الدقة؟

أمّا إذا لم تحصل القطط على شيءٍ على الإطلاق من الجبنة، وهذا محتمل، فالسبب يُعزى إلى ميزان القرود! (لمن يعرف حكاية القطتين ومساعدة القرد لهما على تقسيم الجبنة بينهما!)

وعلى هذا الأساس فإن القذافي أصبح مثل "بلاّع الموس"، بالتعبير البغدادي (أي كمن إزدرد شفرة حلاقة، حين كانت الشفرة مستقلة عن أداة الحلاقة، فلا يعرف ما سيفعل)!

مشكلة الموس هذه عانى منها صدام، ولم يستطع البوح بها هو الآخر، فالمطالبة بـ"مالهِ" كانت ستكشف سرَّه كحرامي.

غربان قناة البي بي سي تشير، كالعادة، إلى ثورٍ جريح جديد مكسور الساق يرقد بين الأعشاب العالية.

قال القذافي للصحفي البريطاني جَرَمي بَوِين Jeremy Bowen قبل القصف الغربي لمواقع ليبية أنه ليست لديه أموالٌ في بريطانيا وانه يضع "أصابعه في عيني" كل من يقول أن لديه أموالاً في بريطانيا. وكان على صواب: يا جماعة، يا جماعة، ليست لديّ أموال في بنوك بريطانيا!

ويبدو أنه قال أنه يضع "أصابعه في عيني" كل من يقول أن لديه أموالاً هناك لكي يعبّر عن عدم ثقته بالبنوك البريطانية، ربما لأنه يعرفهم مثلما يعرف المرء ظاهر يده!

فحكام بريطانيا، وساستها الأشاوس، في المقدمة توني بلير وشريكه وخليفته كَوردن براون، كانوا قد إمتصّوا القذافي امتصاصاً لا مثيل له قبل أن يتم العفو عنه بسبب قضية لوكـَبي، خاصة قبيل إطلاق سراح المقرحي، (أحد متهمَيْن بتفجير طائرة ركاب سقطت عند قرية لوكـَبي Lockerby البريطانية ومقتل 270 وذلك في الثمانينات الماضية من آخر قرن معقوف، خطِر!).

كان هذا الإمتصاص واضحاً لكل ذي عقل.
يضاف إلى هذا كله الفضيحة التي سبّبها إطلاق سراح المقرحي من بريطانيا على أسس "إنسانية" لأنه كان موشكاً على الموت بسبب إصابته بسرطان البروستـَيْت، حسب الفبركة التي قدّمتها الجهات التي أطلقت سراح المقرحي حيث قدّر المسؤولون البريطانيون أن المقرحي، وحسب تقرير طبي مفبرك، كان سيموت بعد إطلاق سراحه بثلاثة أشهر، ولكن لم يمت المقرحي، حتى بعد مرور تسعة عشر شهراً!

فالمقرحي درس تسعة أشهر في بريطانيا (في السبعينات)!
وبقي رهن المحاكمة والسجن تسع سنوات.

فمن أين أتى المقرحي بأرواحه التسعة؟

هل أ ُجري تحقيقٌ دقيق مع كَوردن براون وتوني بلير بسبب إطلاق سراح المقرحي؟ ما نتائجه؟

ولكن السؤال هو كم كان القذافي قد دفع لهم إذن؟

إمتصّوا القذافي وتم الإعفاء عنه، لكنهم (بعد بدء قتاله مع مجموعة بنغازي) قالوا أنهم سيمسكون به وسيحاكمونه!

فهل هناك من هو أخبث من النظم الإقطا-رأسمالية ذات الخبرة طويلة العمر، عمر الإضطهاد في تأريخ البشرية؟

هل استلمت عوائل الـ270 شيئاً لحد الآن؟ هذا ما يجب أن يُسأل عنه أولادُ العم! ربما، ولكن كم؟

أفضل من يجيب عن السؤال هم المحافظون الذين مثلوا دورهم بإتقان وتبادلوا المراكز مع حزب "العمال" (عفوا وعذراً للمترجمين الأوائل أعني حزب العمل Labour Party! الذي لا علاقة له بالعمال، لأن العمال البريطانيين الحقيقيين هم أعداء طبقيون حقيقيون للإقطاع والرأسمالية)، أفضل مَن يجيب عن السؤال هم المحافظون، فهم (جاؤوا)، "فازوا" في الإنتخابات على هذا الأساس، على اساس فضح فساد حزب العمل، ولأنهم قادة أمناء!

أمناء جداً. فعلى أي شيء بالضبط يدل لبس جورب مثقوب؟

ألم يظهر رئيس الوزراء دَيفِدْ كامِرون في تلفزيون نيويورك بجورب مثقوب، حيث رفع قدمه بحيث يظهر ثقب الجورب واضحاً فرُكـّزتْ عليه الكامِرا، وكان ذلك مجرد "إبداع" من المصوّر وليس تمثيلية ًمتفقاً عليها؟ لأن هذا الرجل الأمين لم يُلاحظ جوربه المشقوق عندما ارتداه في الصباح، وهو دليلٌ ايضاً على أن هذا الجورب اللعين قد فلت من يديّ زوجة رئيس الوزراء أو سكرتيرته أو خادمه أو خادمته (أو أي شخص من واجبه الإهتمام برئيس وزراء دولة عظمى) لكي يرتديه هو دون أن يشعر به ولكي تلعب "الصدفة" دورَها فيجلس بوجهة معينة بحيث يكون ثقب الجورب مقابلاً للكامِرا التي كانت على يساره وكان الثقب في الجورب الأيمن! ورغم أن أي تمزق في أي جورب يبدأ غالباَ عند الإبهام أو ربما في العقب لكن ثقب كامرون كان في الكاحل (بداية ساق الجورب) فهل سبّبته عثة في حقيبة ملابسه؟

الجملة الأولى لمراسل الديلي ميل
When it comes to her wardrobe, Samantha Cameron never seems to put a foot wrong thanks to a team of unofficial but rather powerful advisers.

الترجمة بإختصار:
بالنسبة للملابس لا تخطئ زوجة كامرون بفضل فريق قوي (غير رسمي) من المستشارين.

لكن هذه المرأة المدللة سببت فضيحة للنساء البريطانيات اللواتي هجرْنَ ريافة جوارب أزواجهن (من زمان) ودليلاً على فسادهنّ الزائد عن الحد!

ولم يكن هذا العرض التلفزيوني المشوّق مصحوباً بأي إعلان تجاري عن نوع معيّن من الجوارب الجديدة التي لا تتمزق عند الكاحل، ولكن العمل هذا كان نوعاً من الـstunt (عمل بهلواني يدل على الجسارة) في لعب دور الفقير، أو "المعايشة" مع أولئك الشباب العاطلين عن العمل، الذين لا تساعدهم نقود الضمان الإجتماعي الجديد، المشذ َّب trimmed، على شراء جوارب جديدة! وهو مشذّبٌ ومهذبٌ حديثاً ليس فقط بسبب إلتفاف المحافظين على الضمان الإجتماعي، وهي عادة ثاتشرية قديمة، بل ربما بسبب الحاجة المالية الماسة التي تعاني منها العائلة الإمبراطورية وهي تتهيأ لزفافٍ تأريخي جديد لكبير أحفادها.

إذن فـَ دَيفِدْ كامِرون رجلٌ أمين. وهو أمين جداً، بخلاف قادة العراق الفاسدين، خاصة المزايدين على العقارات الأجنبية الذين لم تكن بريطانيا إحدى الدول الكولونيالية التي جاءت بهم إلى حكم العراق رأفة ًبالمدنيين العراقيين، ولهذا فإن المدنيين العراقيين أصبحوا ينعمون بالسلام خاصة أولئك الذين قامت قوات التحرير الغربية بنقلهم على وجه السرعة إلى جوار الرب، والجرحى الذين ينعمون بأفضل أنواع العناية في المستشفيات العراقية التي أصبحت متطورة جداً بعد التحرير وبعد إقناع الأطباء العراقيين بشكل سلمي على الذهاب لإكمال دراساتهم العليا (والعمل في الوقت ذاته) في بلدان الغرب. من ناحية أخرى فإن رئيس الوزراء ديفد كامرون أكثر أمانة ًمن توني بلير لأنه لا علاقة له بسرقة الأموال العراقية أو الليبية ولا بسوء الأوضاع الأمنية والأحوال المزرية في العراق كمشكلة الكهرباء والأزبال والمجاري والذباب (الذباب هذا متوطن منذ ما قبل صدام، بل من العهود العثمانية، لكن الإحصاء أثبت إختلاف أعداده الجديدة عما كانت عليه في السابق بشكل لا مثيل له.)

وبالإضافة إلى هذا فهو رجلٌ طيب القلب جداً، أليس حريصاً على أرواح المدنيين العرب في ليبيا؟

مهلاً. شيء من الجد: النظام البريطاني العريق في اللصوصية وسلب الأموال يعرف كيف يستغل غباء الأثرياء العرب وبأمور تبعث على الضحك والأمثلة لا حصر لها، بعدد خيول السباق، وكلاب الحراسة، الذكور منها طبعاً، وغيرها وغيرها!

ومن الطبيعي أن يستغل "المراسل" الخبيث جَرَمي بَوين سوء تفسير التعبير العربي (اضع أصابعي بعيون...) فيجعل المشاهد يفهم أن معنى ما قال القذافي تهديدٌ وليس تحدّياً للخصم بأن يُظهِر الدليل. إنه يعرفهم منذ مشكلة الشرطية إيفون فلتشر التي قـُتلت أمام السفارة اللليبية في أواسط الثمانينات، وقد إتهم الطرفان بعضهما البعض بقتلها. ولا يستطيع أي باحث البت في المشكلة، لكني "أنصح" من يريد حسمَها بشكل معقول أن يدرس بعمق كافٍ "سلوك" شخصية معروفة بالخبث ومهمة في تأريخ بريطانيا: ونستن تشرتشل، اللورد، الضابط، الكاتب، الرسام، كلب حراسة الإمبراطورية الشرس (حتى قبل قتله عدداً من العمال البريطانيين عندما كان وزيراً للداخلية في العقد الثاني من القرن العشرين)، ليرى بوضوح مدى تأثيرها المتواصل على جميع رؤساء الوزارات البريطانية التي تلته، وعلى أعضائها بمختلف المستويات.

الصحفي الخبيث جَرَمي بوِنْ هذا كان قد قابل صدام حسين قبيل حرب الكويت، وقد أعلنت وسائل الإعلام عن المقابلة ولكنها تناست ذلك فيما بعد، فربما تم اعتبارها تقريراً خاصاً ومفيداً فقط لجهات غربية خاصة؛ ويبدو أن هؤلاء الحكام العرب لا يتعلمون، ولا يتعلم عموم العرب أيضاً، فقد اختارت الـ BBC مقاطع معينة متناثرة من مقابلة القذافي الأخيرة (كما فعلت بمقابلة صدام)، إختارت المقاطع التي تسيء إلى العرب وطرق تعبيرهم بالإنجليزية، وجعلتها علامة بارزة مع المقدمة الموسيقية للأخبار، (ماي بيبل لف مي أول) my bibl (people) love me all ولكن جرمي بوين لم يكن موفقاً بما فيه الكفاية لإخفاء عنصريته، كما لم يكن موفقاً في مناقشة القذافي قائلاً له: أنا أفهم النظام...فقاطعه القذافي قائلاً: كلا. لا تقل أنك تفهم. أنت لا تفهم! وفوق ذلك أنت لا تفهم النظام هنا. وقد جعلت البي بي سي هذه العبارة : "يو دونت أندرستاند ذ سستم هير "
You don’t understand the system here!
جعلتها رمزاً للبث، كالمقدمة الموسيقية لأنبائها، تكرره للتنكيل بالقذافي والإستخفاف به.

بل لقد تم إعتماد التقرير دليلاً قاطعاً على أن القذافي غير مؤهل للحكمunfit to govern ، بعبارةٍ أخرى، تم اعتباره مجنوناً لأنه قال أن شعبه يحبه، ولأنه قال لأحد كبار مراسليها: أنت لا تفهم النظام هنا.

ينبغي القول أن كريسيان أمانبور مراسلة CNN وهي زوجة أحد "مستشاري" الرئيس الأسبق وليم كلنتن، كانت ضمن مَن قابل القذافي، وهي مقابلة طويلة، لكنCNN لم تبث هذه المقابلة هي الأخرى، حتى الآن!

وبمناسبة استعراض نشاط الـبي بي سي فإن جون سمبسن John Simpson، الثعلب القديم، إختفى من ضواحي بنغازي بضعة أيام ليظهر في ضواحي العاصمة الليبية وهو متعب ولم يكن متحمساً بعد تلك الغيبة، وهذا يشير بكل وضوح إلى أنه كان يرسل تقاريره المفصلة إلى غير البي بي سي.

بَن براون Ben Brown ينتقل من الحدود الليبية مع تونس (في الغرب) الى الحدود الشرقية ثم إلى الوسط ويقترح (نعم هو "مراسل" وهو يقترح)، في الثاني من آذار/مارس، تقسيم ليبيا إلى قسمين في حالة تعذر إسقاط القذافي، وقد نسي إقتراحه هذا بعد أن بدأ سلاح الجو الغربي والصواريخ بتصفية قواعد وقوات القذافي العسكرية، والمنشآت غير العسكرية؛ بن براون حريصٌ طبعاً على وحدة ليبيا مثلما أن الجميع حريصون على "سلامة المدنيين"!

واليوم كرّر رئيس الوزراء البريطاني إقتراح التقسيم في حالة بقاء القذافي، برافو بَنْ براون، لا بُدّ أنك درسْتَ تشرتشل!

ولهذا فمن المعتقد أن المهام المناطة بغربان الـبي بي سي لا تقتصر على ارسال التقارير فقط الى قنوات التلفزيون التي يبدو أنهم يعملون لحسابها، بل يرسلونها إلى غربان أكبر، وإلى الكلاب السائبة!

أما بَن ويدِمَنْ فلا يبدو ذكياً بما فيه الكفاية ليستطيع إخفاء إحتمال كونه يعمل لجهة أمنية! وأعتقد أن هذا نوع من الصلف، فهو يقول بوضوح آراءاً (أثناء إدائه لتقاريره) بشكلٍ إرضائي ينسجم مع من يتحدث معه، وأنا أعتقد أن هذا ليس فقط إبتعاداً عن الموضوعية وإنما عادة عميقة الجذور بسبب التكرّر too frequent.

وهذا ما يذكـّرنا بأساليب بعض الإعلاميين العرب أو"المختصيين" أو السياسيين أو الصحافيين في المهجر ممن تقابلهم الـبي بي سي أو تضمّهم الندوات. كثيرٌ منهم تختارهم هذه المحطة الأمينة للنظام الملكي الإقطا-رأسمالي، تختارهم ممن يعرفون كيف يغلفون ضمائرهم الميتة ببعض عبارات حضارية (كثيرٌ منهم يتكلمون انجليزية ركيكة) ويشرعون بكل صلف بالدس على شعوبهم، يتملقون دون حياء للبي بي سي وللسياسة الرسمية البريطانية ويقلدون بعض المتحدثين الذين يظهرون على التلفزيون البريطاني، يُعيدون ذات الأساليب والجمل والعبارات التي استظهروها منهم.

ويبلغ الصلف وقلة الحياء ببعضهم حد تحريض الغرب على قصف بلدانهم بالصواريخ والقادفات!

فأين كانت هذه الغربان العربية؟

ومتى يغسل هؤلاء ضمائرهم بشيء من القيم الحضارية الحديثة قبل ظهورهم الإنتهازي غير الميمون على الشاشات؟

الحديث عن البي بي سي وسمعتها السيئة وإساءاتها للعرب وجرائمها بحقهم حديثٌ طويل.

وهو كالحديث عن النظم الرأسمالية التي تحمل الفوضى والخراب للأرض والأموال وللنفس البشرية في كل مكان.

موضوعي هذا غير متكامل، لأني لم أتطرق إلى Nic Robertson أو Lyse Doucet وغيرهما وهم كثيرون.

وقد تكون له تتمة!



#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطع غير صالحة للنشر من الوصية الثالثة -4-
- مقاطع غير صالحة للنشر من الوصية الثالثة 3
- تساؤلات ليست من -الرأي الآخر-!
- من أجل سواد عيون النفط الليبي – السيطرة على منابع البترول 2
- الخطى 7
- في السيطرة على منابع البترول - خطوة أخرى للرأسمالية الغربية
- في الثورة، وفي الله -2- إذا لم يكن الله موجوداً، فأيّ إهدار ...
- في الثورة والله – 1 – دخل اللهُ ميدانَ التحرير فساهم في الإب ...
- مقاطع غير صالحة للنشر – من الوصية الثالثة 2 - لولاهُ لما بدا ...
- من الوصية الثالثة – مختارات صالحة للنشر
- الأنكح والأنكى وما حولهما! (في بعض دقائق المشاكل اللغوية لكت ...
- هل يستحق نقولا الزهر كل هذا؟
- رد ساخر من السيد مهموم الدهري على بعض ما يُنشر في مواقع عربي ...
- قلعة صالح - 2 - العبور
- كريم 11 – سلام - 2
- كريم - القرية - 71-75
- كريم - القرية – 69 – 70
- كريم - القرية 58 – 68
- الأشجار الأخيرة 3
- القرية - 57


المزيد.....




- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - غربان البي بي سي والقطط وقطعة الجبن