أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - يوسف والجمعة والرصيف ..














المزيد.....

يوسف والجمعة والرصيف ..


صادق البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 02:12
المحور: الادب والفن
    


يوسف والجمعة والرصيف .. ( قصة قصيرة )

يفترش الرصيف ببضاعة خردة ، هي سقط المتاع،حاجيات شخصية قديمة ،وعدد بناء مستعملة ومفكات صدئة هجرت زمنها واستنفدت عمرها ،كان يجمعها بطول تجوال في الأزقة والخرائب وأماكن طمر النفايات ،يعد الساعات والأيام بفارغ الصبر ولا يشعر بالاطمئنان إلا في قدوم يوم الجمعة من كل أسبوع ،الجمعة سوقه الفسيح ويومه المفضل ، إذ انه اعتاد على تصريف بضاعته الخردة في هرج ذلك اليوم الذي يستمر إلى منتصف النهار ومن ثم يضمحل باختفاء الباعة والمتسوقين ويبان للشارع وجه ،الشارع الطويل المؤدي إلى مركز المدينة وينكشف وجه الرصيف قرب القسم البلدي، في كل جمعة كان يعود وقد فرغت حقائبه والصندوق الخشبي الذي كان ينقل بضاعته فيه ، كان يبيع الأشياء بأي ثمن وبأقل عملة وما يتبق من الخردة يعود فيتخلص منها في اقرب مكبا للنقيات وهكذا ..كان يضطر أن يستيقظ مبكرا من كل يوم مزاولا مهنة التجوال في الأزقة والخرائب ومكبات النفايات والسعي لجمع مايمكن جمعه من الخردة والحاجات المستهلكة على أمل إصلاح مايمكن إصلاحه ومن ثم ادخارها إلى يوم الجمعة حيث زحمة السوق ويعرضها كبضاعة قابلة للبيع بأي ثمن يسد رمقه ورمق أطفاله ، ولكن يوم الجمعة ليس كباقي الأيام إذ يجب عليه أن يستيقظ أبكر من كل الأيام لحجز مكان ما على الرصيف لشدة التنافس بين حشود الباعة على الأماكن التي تغص بهم على طول امتداد الشارع من كل جمعة فلا يجد مكانا شاغرا إن هو وصل بعد بزوغ الشمس لكي يؤمن له مكانا بعرض 2متر على الرصيف ،ومن لايجد مكانا لبضاعته على الرصيف عليه فرش بضاعته في الساحة الترابية خلف واجهة الرصيف مما يضعف حظه في البيع ونكوص جمعته ، اختلطت نداءات الباعة مع ضجيج السوق المتواصل ، دون أن يلتفت إلى بضاعته احد..تتعالى طلبات الزبائن والمتسوقين لاحتساء الشاي الصباحي قرب باعة الشاي وسندويجات الفطور السريعة الرخيصة ،الشارع الممتد يموج بالعابرين ،الباعة يطوقون واجهات المحلات الفارهة قبالة الرصيف ترتفع أيديهم بالعديد من الحاجيات الجديدة والقديمة ،والباعة يتلقون الأوراق النقدية في غبطة بالغة ،وتتراقص سمات الفرح في أحداقهم وهم يبيعون حاجياتهم ، كان منزويا هناك يفترش الرصيف المتسخ بأكوام من خردة مهملة وقنان فارغة .. تبدو بضاعته أمامه جديدة بعد أن رممها وأجهد في تنظيفها لتبدو اقل عمرا وما زال فيها رمق الحياة رغم أنها قد ودعت زمن صناعتها منذ عقود ،وكان يبرر دائما انه إنما يتاجر بمثل هكذا بضاعة لأنها أصلية المنشأ وماركات عالمية ،ومازالت صالحة للعمل على أتم وجه وأفضل من تلك البضاعة الهشة المقلدة والتي لايعرف منشأها ويقسم بأغلظ الإيمان على ذلك ، كان يبصر رفاقه ممن يفترشون الرصيف قربه يبيعون ما لديهم يحدق بالأيادي ،كان يود لو أن احدهم قلب بضاعته أو سأله حتى بكلام عابر.. وأحيانا يبصر بضاعته الملقاة على الرصيف كنفاية مكانها الحقيقي الطمر، ويجب أن يتخلص منها في اقرب مزبلة ، مذياع بقربه يلوك أغنية حزينة تزيد في جزعه والحشود البشرية تقرع شارع السوق بلا توقف ،كان يحدق بالأحذية المارقة قرب بضاعته منها ماهو جديد لامع وأخرى متهالكة يرفع حدقتيه باحثا عن يد ترفع حاجة ما من بضاعته المبعثرة التي تتوسد الرصيف بلا انتظام ، كان شارد الخواطر مجروح الوجدان ، سيارة تشق الحشود البشرية مارقة كسلحفاة كبيرة من جانب بضاعته ويجلجل منبهها ببوق فيه شيء من الغرابة ، انتبه رفع رأسه كئيبا ، الهرج يعم السوق اقتفت أثرها حافلة طويلة ولامعة وقفت حذاء بضاعته تنحدر من جوفها عشرات الإقدام حدق في الأحذية مغتبطا تحركت في أعماقه كل ضحكات أطفاله المفقودة ، طفله الذي يحبو يمسك قنينة حليب فارغة ويصرخ من جوعه ،زوجته التي تلح عليه في طلب المال لتوفير الطعام وتسيير شؤون أسرتها وطلبات ومصاريف ....مصاريف ردد الوقت ينفذ تعالت نداءاته ،حاجيات أصلية ،بضاعة أصليه ،تحف نادرة ،بسعر البلاش يابلاش ،كانت عيون المارة تشرئب نحوه ثم لن تلبث أن تزيغ بنظراتها عنه ،كرر نداءاته المستغيثة بغصة ، السوق يوشك على الانفضاض وأنا لم أبع أية حاجة ،راح يكرر نداءاته بصوت مرتفع يكلم المارة صدقوني لااطلب منكم صدقة بضاعتي أصلية وذات مناشئ عالمية جربوها ثمنها بسيط جدا لكنني احتاج هذا المال البسيط لأقيم أود عيالي صدقوني ،ماذا افعل والشارع بدأ يفرغ من المارة ويكاد ينفض السوق قال : بيأس ذهبت الجمعة هباء يالبؤسي ، جلس على الرصيف خائر القوى ساهم البال لاحت له صورة غرفته الكئيبة المنزوية في احد الأزقة من المدينة البائسة ، وهو يضم صغاره وهم يستقبلونه عند غروب كل يوم تغمرهم اشراقة الدنيا . يكاد لايصدق مايحدث لم يبع أي شيء ولو بثمن قنينة حليب لصغيره ..سيعود باكرا هذه الجمعة إلى غرفته المنزوية الكئيبة خاو الجيب وستلاحقه طلبات الزوجة والصغار يالقبحي وضآلتي ، وبينما كانت عيون صغاره تحدق الطريق المفضي إلى غرفته والعائد بما يسد رمقهم بشوق جائع طفحت شبه ابتسامة على وجنتيه الصفراوين ، حمل جسده من على الرصيف تحركت قدماه في حذائه المتآكل بثقل غادر الرصيف حاملا بضاعته بحقائب قديمة وصندوق خشبي للعدد الأصلية على ظهره وراح يتهادى بثقله على الشارع ويترنح كالسكران ،وبينما هو كذلك وإذا بصوت من أعماق الشارع يصرخ انتبه انتبه ،ارتفع الصندوق الخشبي عدة أمتار في الهواء وتهشم ، ويوسف بائع الرصيف كومة لحم تنز دما تزاحم حشود الباعة ، تحجز مكانا لها على الرصيف باكرا الجمعة القادمة ..رحل يوسف إلى عالم لايعرف التعب ولا يحتاج فيه المرء إلى شكوى أو شعور بدونية ،هناك في الغرفة الكئيبة كانت زوجته في ذات اللحظة تربت على صدر صغيرها الباكي جوعا بانتظار عودة يوسف ..



#صادق_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضوء يأتي كل صباح ..بانوراما رحلتي صوب ساحة التحرير
- بانوراما رحلة الحج صوب نصب الحرية
- مع ثورة الشباب العراقي في يوم الغضب 25فبراير
- دع ملايين الزهور تتفتح .. ولكن
- حيث لاموقف !؟
- ميكانزم وئد الثورات
- بيت النار ..
- للوزراء الدمج حصرا (نصائح)..!؟
- مالكي يوم الدين وحق الرد (للمأجورين) !؟
- رسالة مفتوحة الى الاستاذ كامل النجار
- مزيد من النور :الحوار المتمدن يتألق
- نشيج شموس غاربة ..
- خريف البطريرك -بشارة ماركيز ووهم الانعتاق /قراءة متأخره
- لوركا..الفكاهة في ممازحة الموت
- نزف كلمات ..
- رمضان شهية للأحتيال
- دمعة على ثرى صاحبي ..
- الدين ليس بديلا للحياة
- رموز .. وطنية !؟
- ثلاسيميا أمراء الطوائف


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - يوسف والجمعة والرصيف ..