أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رباح حسن الزيدان - بعض الاشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة















المزيد.....


بعض الاشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة


رباح حسن الزيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3335 - 2011 / 4 / 13 - 08:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يسعى هذه المبحث لاعادة التفكير بطبيعة الدولة ومحاولة وضعها في مكانها الطبيعي ضمن التطور التاريخي الملموس. إن السبب في ذلك يكمن في الرد على بعض الاطروحات السائدة في فترات مختلفة حول حدوث قطيعة بين الدولة والمجتمع المدني. فحسب هذه الاطروحة تقدم لنا الدولة وكأنها فوق الطبقات الاجتماعية، أي تظهر كمحاولة للمصالحة بين الطبقات، أو باختصار شديد تقدم لنا " لابسة ثوب حيادها المبجل ". ولهذا فإن المطلوب انزالها من هذه العلياء ودراستها دراسة سليمة تكشف طبيعتها ووظائفها.
فمن المعروف أن الرهان المكثف على الدولة، والتمركز من حولها، وتحويلها إلى مركز عبادة وتقديس منذ القرن التاسع عشر، في أوربا أولا ثم في جميع أنحاء العالم فيما بعد، قد نشأ بسبب الآمال والأوهام الكبيرة التي كانت تحيط بعمل هذه الدولة وقدراتها وإمكاناتها معا. فقد ساد الاعتقاد، منذ هيجل الذي نظر إلى الدولة القومية باعتبارها التعبير الأسمى عن وصول التاريخ إلى غاياته ومطابقة الوعي لذاته، حتى النظم الشمولية التي وجدت فيها الأداة المثلى للتحرر من جميع الإكراهات التاريخية والوصول بالمجتمعات إلى أعلى قمة في السيادة والتنمية والحرية. والعجيب في الأمر أن هذه الدولة التي بني ماركس نظريته في التحرر الانساني على فرضية تلاشيها الحتمي وإحلال إدارة الأشياء محل إدارة البشر (السياسة)، أي بمجتمع يقود شؤونه وينظمها بنفسه، سوف تصبح غاية في ذاتها في بعض النظم بقدر ما سوف تمثل إطار تنظيم " الطبقة " البيرقراطية الجديدة وأداة سيطرتها الرئيسية، وسوف تجعل من السياسة إدارة البشر بوصفهم أشياءا كما لم يحصل في أي حقبة أخرى.
وبهدف الرد على هذه الأطروحات يتعين التأكيد على القضايا/ المبادئ التالية :
• للدولة وظيفة سياسية شاملة تسعى من خلالها الى تحقيق ترابط مستويات الكل الإجتماعي وذلك بإعادة إنتاج التناقضات و " الأوضاع القائمة ". إذن يتعين عدم الاكتفاء بالفهم " التقليدي " للدولة – أداة قوة – بل على أنها "منظمة للهيمنة ". ويعني ذلك تعريف الدولة انطلاقا من دورها الإجتماعي والسياسي بالدرجة الأولى. الدولة، إذن، هي الهيئة المركزية التي يتعين عليها الحفاظ على وحدة وتماسك التشكيل الإجتماعي، والحفاض على الشروط الإجتماعية للإنتاج وبالتالي إعادة إنتاج الشروط الإجتماعية للإنتاج من دون " عوائق ".
• يعني ذلك أن إعادة إنتاج هذه الأوضاع وتلك التناقضات يسير في اتجاه تحقيق مصالح الطبقة المسيطرة ( أو الائتلاف الطبقي المهيمن) داخل التشكيل الإجتماعي المحدد.
• إن سلطة الدولة في المجتمعات الطبقية هي " لحظة " من التناقض الذي يعكس الصراع الطبقي السياسي وأطرافه ونتائجه. الدولة، إذن، على عكس ما يروج له ليست محايدة ولا حكماً بين القوى المتصارعة، كما تبدو ظاهرياً. وفي الواقع يجب النظر الى سلطة الدولة بكونها وحدة متناقضة. هذه الوحدة ممكنة، إذ أن أجهزة الدولة تمتلك تماسكاً داخليا خاصا بها ومستقلاً تجاه البنى الإقتصادية وكذلك تجاه الطبقات أو فئات الطبقة المسيطرة. هذه الملاحظة ضرورية إذ أنها تتحاشى جعل الدولة مجرد " شيء " أو " أداة " بيد القوى المسيطرة.
• من الضروري في هذا المجال التذكير باستقلالية أجهزة الدولة ليست في استقلالها عن الطبقات المتصارعة، بل عن الفئات الطبقية المسيطرة. فاستقلال أجهزة الدولة لا يكون إلا في تبعيتها المباشرة للطبقة المسيطرة ككل. معنى هذا أن استقلالها النسبي يتيح لها ضبط تطور التناقضات الثانوية بين فئات الطبقة المسيطرة ومنعها من أن تنفجر بشكل يهدد علاقة السيطرة الطبقية نفسها حين تعجز فئة أو طبقة عن فرض هيمنتها الطبقية داخل الطبقة المسيطرة ( أو الائتلاف الطبقي). إن التدخل المباشر لأجهزة الدولة هو، إذن، لإنقاذ الوجود المسيطر للطبقة السائدة، بتحقيق الهيمنة الطبقية للفئة المهيمنة فيها، والتي تعجز، في ظروف تاريخية محددة، من فرض هيمنتها. في مثل هذه الظروف التاريخية يختفي الشكل " الديمقراطي " للممارسة السياسية للطبقة المسيطرة، ويبرز الشكل الدكتاتوري المباشر الذي يضمن المنطق نفسه لهذه الممارسة السياسية. فالعلاقة بين الديمقراطية والدكتاتورية هي إذن خاصة بالممارسة السياسية للطبقة المسيطرة.
• للدولة وظيفة مركبة، أي أن لها أبعاداً أو مستويات إقتصادية، سياسية، إيديولوجية. ولإنجاز هذه الوظيفة المركبة يتعين انبثاق أجهزة الدولة ( المؤسسات والموظفين) والتي يناط بها إنجاز أهداف هذه الوظيفة الشاملة بمستوياتها المختلفة :
- على المستوى الاقتصادي يتم التركيز على :
أ. إعادة انتاج العلاقات الانتاجية،
ب. إعادة انتاج قوة العمل،
ج. إعادة انتاج تمايز الفرص بين الطبقات الاجتماعية.
- على المستوى السياسي والايديولوجي يتم التركيز على :
أ. إدارة الصراع لصالح حائزي سلطة الدولة،
ب. إعادة إنتاج ايديولوجية حائزي السلطة واحتضانها،
ج. تزيف وعي المبعدين عن حيازة السلطة.
ثمة أبعاد جوهرية في أي بنية اجتماعية تكون أكثر أهمية من غيرها من الأبعاد، من حيث تأثيرها، وتحديدها لملامح وعمق وتوجه الصيرورة الإجتماعية لهذه البنية. تأتي أهميتها لهذه الصيرورة في أن طبيعتها، وأنماطها ومستوياتها وتوزيعها ذات علاقة مباشرة بمسائل الصراع الإجتماعي. من بين هذه الأبعاد الجوهرية هناك " بُعد السلطة السياسية ". إن الحديث عن السلطة السياسية في مستواها الأكثر تركيزاً هو حديث عن" الدولة " بوصفها التجسيد الرسمي للسلطة السياسية السائدة .
ينطرح، إذن، وعلى الفور ذلك السؤال الحاسم : ما هي طبيعة العلاقة ما بين الطبقات الإجتماعية، المحددة أساساً وإعتباراً لموقعها ضمن البنية الإقتصادية، وما بين السلطة السياسية من خلال الدولة ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستحث ضرورة الحديث – ولو باختصار- عن مناهج دراسة السلطة السياسية. يعج الأدب السياسي الخاص بهذه الإشكالية بكثير من المناهج الساعية لتحديد طبيعة السلطة السياسية وبالتالي الإجابة على السؤال السابق. ومن الدخول في تفاصيل كثيرة نستطيع أن نفرز ثلاثة مناهج أساسية أكثر أهمية من غيرها في هذا المجال وهي :
• المنهج الأول هو ذلك المنهج الذي يركز على السؤال المهم : من لديه السلطة ؟ ويمكن تسمية هذا المنهج بالمنهج الذاتي بمعنى أنه يسعى لتحديد الذات الممارِسة للسلطة. وضمن هذا المنهج هناك نقاشات ساخنة وجدل لا يتوقف ما بين منظري " التعددية " أو " نخبة السلطة " و " الطبقة الحاكمة ".
• أما المنهج الثاني فهو ذلك المنهج الذي يتعامل مع هذه القضية بطريقة رجل الأعمال مركزاً على السؤال : ما الكمية ؟ بمعنى ماهي كمية السلطة ؟ وفي مسعى الإجابة على هذا السؤال يدعو هذا المنهج الى التشديد على السلطة كفعل power to do وليس السلطة على power over، والتشديد على تبادل السلطة وتراكمها وليس توزيعها. يعتمد التحليل السياسي من هذا الطراز على أحد الأشكال المختلفة للنظرية الإقتصادية الليبرالية. إن السلطة تدرس ضمن هذا المنهج من خلال الأفضليات، أو البدائل أو الخيارات الممكنة.
• في حين أن المنهج الثالث، هو المنهج الماركسي، بتنوع تياراته ومداخله المختلفة. في مسعاه لإنتاج معرفة سليمة عن طبيعة السلطة السياسية لا ينطلق من " وجهة نظر اللاعب " بل من العملية الإجتماعية السابقة، أي عملية إعادة الإنتاج الإجتماعي. وبتكثيف يمكن صياغة السؤال الرئيسي لهذا المنهج كما يلي: ماهي طبيعة السلطة وكيف تتم ممارستها ؟ نقطة التركيز، إذن، في التحليل الذي يعتمده هذا المنهج، ليست الملكية ولا المالكين بحد ذاتهم، بل علاقات الإنتاج التاريخية المحددة، في ترابطها الوثيق بقوى الإنتاج من جهة وبالدولة ومنظومة الأفكار الإجتماعية السائدة في التشكيل الإجتماعي التاريخي الملموس من جهة ثانية. إن هذا المنهج ينظر الى الدولة بإعتبارها مؤسسة مادية محددة تتمركز عندها علاقات القوة ضمن المجتمع. إن الدولة، بحسب هذا المنهج، لا تمتلك سلطة بحد ذاتها، بل إنها " المؤسسة " التي تتجمع السلطة فيها وتمارس. يمكن الاستنتاج، إذن، بأن النقطة الأساسية التي يركز عليها هذا المنهج، ليست العلاقات الشخصية بين مختلف " النخب "، كما أنها ليست " عملية اتخاذ القرارات ذاتها "، بل هي تأثيرات الدولة على إنتاج وإعادة إنتاج معينة، سواء كانت هذه التأثيرات حقيقية أو مفترضة. يجب أن يكون واضحاً إن حلقة إعادة الإنتاج التي تربط الدولة، كأحد مكونات البناء الفوقي، بالقاعدة الإقتصادية هي حلقة تفاعل متبادل. فالقاعدة الإقتصادية تقرر البنية الفوقية السياسية عبر دخولها في عملية إنتاج سلطة الدولة وجهاز الدولة، لكن يتعين التأكيد على طبيعة العلاقة هذه. إن العلاقة بين أنماط الدولة وأساليب الإنتاج السائدة ليست علاقة ميكانيكية بسيطة بل هي علاقة مركبة ومعقدة في أن. إن هذا التعقيد هو نتاج تداخل المؤثرات الداخلية والخارجية وتفاعلها وانعكاسها على نمط الدولة والأشكال التي تتخذها، وعلى وجه الخصوص محتوى التراكم الإقتصادي وحجمه والتحولات الإجتماعية المرافقة له في منشأه وتحول الأنظمة السياسية وطبيعة السلطة ذاتها .
ينطرح، إذن، سؤال أخر هو : كيف تؤثر الدولة وتدخل في عمليات إعادة الإنتاج الإجتماعي ؟ إن هذا يتقرر عبر : ماذا يتم فعله من خلال الدولة ؟ وعبر ذلك : كيف يتم ذلك من خلال الدولة ؟
عندما يجري الحديث عن طبقة ما تمسك بزمام السلطة، فإن المقصود بذلك أن ما يتم فعله من خلال الدولة، يؤثر إيجابياً على إعادة إنتاج نمط الإنتاج الذي تكون الطبقة المقصودة هي ممثلته السائدة. غير أنه ينبغي التحذير هنا من إساءة تفسير التعابير الشائعة من قبيل " أخذ " و " الإمساك " بسلطة الدولة، على أنها تعني أن سلطة الدولة هي شيء يمكن لمسه باليد. إن هذه القضية هي أبعد وأعقد من ذلك بكثير. فهي، بالأحرى، عبارة عن عملية تدخلات في مجتمع معين من قبل " مؤسسة منفصلة " هي الدولة، تتركز لديها الوظائف العليا في المجتمع والمتمثلة في : وضع القانون، تطبيق القانون، تعديله، فرضه والدفاع عنه " عند الضرورة ". ولهذا فإن " أخذ " سلطة الدولة و " الإمساك " بها يعني بدء نمط معين من التدخل من قبل " هيئة خاصة " مخولة للقيام بتلك الوظائف .
غير أن الملاحظة السابقة، على أهميتها، لا تكفي بل يتعين الإشارة الى ثلاث قضايا أخرى هامة وهي :
• الأولى : إن الدولة، في بنيتها، ليست واقعاً جامداً، بل يحتمل شكل الدولة تغيرات متنوعة، هي نتاج ورهان الصراع السياسي. وقد تكون تلك التغيرات في بعض الأحيان " راديكالية ". ولا تستخدم الطبقة المسيطرة الدولة كما لو أنها علاقة تصرف حر إرادي تجاهها بل أن هذه الطبقة تتشكل ويعاد إنتاجها بفضل التغيرات الحاصلة في الدولة كآلة. وإذا لم يكن مفهوم " آلة الدولة " قد أُعلن رسمياً، فهو حاضر عملياً على الدوام.
• الثانية : تتضمن السلطة السياسية لطبقة ما والتي هي نتاج وشرط لسيادتها الإقتصادية، سلطة فعلية للممثلي هذه الطبقة على جهاز الدولة. ولأن هؤلاء الممثلين هم أنفسهم دوماً أعضاء في " شريحة " محددة من الطبقة المسيطرة فإنه يمكن للسلطة السياسية أن تكون رهاناً للصراع فيما بين هذه الشرائح. ومنعاً لأي التباس منهجي يجب عدم خلط السلطة الفعلية الخاصة بالماسكين بآلة الدولة مع سلطة الدولة المنظمة قانونياً على المجتمع، ذلك لأن هذه الأخيرة هي التي تؤول الى تحقيق السلطة الفعلية.
ومع أن الدور الذي تحتله التناقضات الداخلية بين الشرائح المختلفة للطبقة المسيطرة وصراعاتها الداخلية لاحتلال مراكز القوة هو دور ثانوي بالنسبة للتناقض الرئيسي إلا أنه ما يزال هاماً. إن التجليات لمختلفة التي تتخذها الدولة وأشكالها ترتبط بتبديل مراكز القوة بين شرائح الطبقة المسيطرة. غير أنه يتعين التأكيد على أن السيطرة الإقتصادية والهيمنة السياسية لا تكونان متماثلين بشكل ميكانيكي. إذ يمكن لإحدى شرائح الطبقة المسيطرة أن تلعب الدور المسيطر في الإقتصاد ولكن من دون أن تحظى بالهيمنة السياسية، والتاريخ شاهد لا يجامل.
• الثالثة : تحقق آلة الدولة علاقة طبقية تنعقد في مكان أخر، في الميدان الإقتصادي. غير أن الميكانيزم الذي يحقق هذه العلاقة إنما يحققها وهو يعمل على إخفائها ! إن عمل الدولة الأخير الذي يتكون بفعل وجودها وتحولها الخاصين بها، هو تكوين المجتمع والدولة نفسها في مواجهة أحدهما للأخر. يكمن عملها في تحقيق هذه المعارضة التي هي، في الوقت نفسه، تبعية وتوحيد، وهي تجعل سيطرة المصالح المهيمنة ممكنة بفضل تحقيقها من خلال تغليف المجتمع المدني الذي تحققه بمثابة دولة. هكذا يسمح اشتغالها، إذن، بممارسة السلطة من قبل الممثلين " الشرعيين " الذين جرى تكوينهم لإنجاز هذه المهمة ولاحتلال موقع ممثلي المجتمع، الموقع الذي أكتسب شرعيته أولاً وتم إخفائها .
لا تعني الملاحظات السابقة أن الدولة طاقم مفكك الأقسام والمستويات كتفسير لتقاسم السلطة السياسية بين طبقات وشرائح متعددة، بل أن الأمر هو غير ذلك تماماً. إذ فوق التناقضات ضمن أجهزة الدولة المختلفة وخلفها، تحمل الدولة دائماً وحدة داخلية متميزة، هي وحدة سلطة الطبقة المسيطرة أو الفئة المهيمنة، غير أن هذا يحدث بشكل معقد وليس بصيغة مباشرة، بل عبر توسطات.
إن إعادة إنتاج مجتمع محدد تبين أن إعادة إنتاج نمط أداء وظيفة كعملية اجتماعية مستمرة، لا تتوقف، يتم من خلالها إنتاج السلع وتوزيعها ولاستهلاكها، وكذلك إعلان الأوامر وتطبيقها، علاوة على استعراض العنف أو ممارسته " عند الضرورة "، وكذلك معايشة الأفكار ووضعها موضع التطبيق الفعلي. ونظراً لأن أي نشاط إنساني لابد أن يكون له هدف محدد فإن لإعادة الإنتاج هدفين هما : المواقع في بنية اجتماعية معينة، وكذلك الأشخاص اللازمين لتشغيلها .
ونستطيع، إذن، أن نقول بأن إعادة الإنتاج الموسع للطبقات الإجتماعية ( للعلاقات الإجتماعية) يستلزم عمليتين لا يمكن تواجد أحدهما بمعزل عن الأخرى :
• أولاً : ثمة إعادة إنتاج موسعة للمراكز التي يحتلها الوسطاء، وتجلو هذه المراكز التحديد البنيوي للطبقات، أي الطريقة التي من خلالها يعمل التحديد المذكور على ضوء البنية ( علاقات الإنتاج ، علاقات السيطرة/الخضوع السياسية والإيديولوجية) في الممارسة الطبقية.
• ثانياً : هناك إعادة إنتاج للوسطاء أنفسهم وتوزيعهم على هذه المراكز. إن الوسطاء سيعاد إنتاجهم " تدريبهم على الإذعان " لكي يحتلوا مراكز معينة، ولهذا فإن توزيعهم لا يعتمد على
اختياراتهم أو طموحاتهم بل على مجرد إعادة إنتاج هذه الوظائف التي تسمح بإعادة إنتاج السيطرة دون " عوائق ". ونظراً لأن التوزيع الرئيسي يندرج تحت إعادة الإنتاج الرئيسية للمراكز التي تحتلها الطبقات الإجتماعية خلال مختلف مراحل تطور التشكيل الإجتماعي المحدد، فإن التوزيع الرئيسي هذا يعني لجهاز ما أو سلسلة أجهزة، الدور الخاص المنوط بها والذي ينبغي أن تلعبه في توزيع الوسطاء.
يتم الاستيلاء على سلطة الدولة ضمن حقل مكون من نوعين ثابتين من العلاقات. فالدولة بالرغم من مظاهر الأشياء، تمثل مجتمعاً طبقياً، وخصوصاً الطبقة السائدة، كما أن الدولة تتوسط في العلاقات الإجتماعية ما بين " الحاكم والمحكوم ". تعني إعادة إنتاج سلطة الدولة لطبقة ما ( أو جزء منها أو تحالفاً معيناً )، إعادة إنتاج تمثيلها في قيادة الدولة والتوسط لفرض غلبتها على بقية الطبقات.
تتحكم مشكلات التمثيل والتوسط فيما يسمى بالاستقلال النسبي للدولة. إن معنى عبارة ( الاستقلال النسبي للدولة) هو أن سياستها تمثل محصلة الممارسة السياسية العملية، والتي يتعين عليها وباستمرار أن توفق بين مصالح جماعات مختلفة، والتي تكون شديدة التأثر بتاريخ طويل لمثل هذه التسويات والإيديولوجيات التي تقف ورائها، ولذلك فإن سياسة الدولة ليست بالضرورة عقلانية بأي معنى من المعاني البسيطة. غير أن أهمية الاستقلال النسبي للدولة يتجلى بوضوح شديد في حقبات تاريخية تصبح فيها التناقضات بين الطبقات الإجتماعية شديدة الى حد كبير ولا يسمح ميزان القوى القائم في اللحظة التاريخية لأي من الطبقات أن تفرض سلطتها بصورة مستدينة، مما يستدعي مجيء " بيروقراطية الدولة " وارتقائها فوق الطبقات، ناصبة نفسها قوة مستقلة وتقيم سلطتها الخاصة غير الخاضعة للرقابة. ويعبر النموذج البونابرتي عن هذه الأطروحة بأعمق الوضوح.
إن الاستقلال النسبي لنموذج الدولة البونابرتية حيال الطبقات أو الفئات المسيطرة يتمتع بأهمية خاصة ومتميزة لكونه حصيلة الأزمة السياسية وتوازن القوى، الذي ينتمي هذا الاستقلال اليهما معاً. وهو على أية حال استقلال نسبي " ضروري " لهذه الدولة من أجل إعادة تنظيم توازنات الكتل الموجودة في السلطة، ومن أجل إعادة تنظيم الهيمنة، وذلك ضمن إطار الأزمة السياسية، التي غالباً ما تبرز فيها " الفئات الوسطى " كقوى اجتماعية تتميز بثقل سياسي مؤثر وفعال.
لقد أدى توطد البيروقراطية والانفصال الظاهري للسياسة عن الإقتصاد الى سيادة الوهم القائل بتجرد الدولة ورئيسها وإدارتها عن الصراعات. غير أنه من المهم التذكير بأنه ليس لهذا الاستقلال وهذه " الذاتية " صفة الشمولية والثبات. فقد فوضّت الطبقة المسيطرة السلطة السياسية لبونابرت مؤقتاً غير أنها بقيت المهيمنة. يعني ذلك أن الطبقة المسيطرة سخرت الديكتاتورية البونابرتية لحل عقدة " التوازن " بينها وبين خصومها لصالحها. وعندما تم إنجاز هذه المهمة بنجاح، تم وبطريقة " مهذبة " إزاحة الدكتاتور وترحيله الى حيث مصيره المحتوم .
ومن جهة اخرى يشير بعض الباحثين اليوم الى مسألة تراجع مكانة الدولة في الحقبة الراهنة بالمقارنة مع موقعها من العملية الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية والثقافية، في الحقبة الكلاسيكية لبناء الدولة الحديثة، وأول ما يشيرون إليه كمصدر لهذا التراجع هو العولمة. فبما تخلقه العولمة من فضاءات تتجاوز سلطة الدولة القومية، وبما تستخدمه من تقنيات تضعف إن لم نقل تلغي سيطرة هذه الدولة على مواطنيها وتربطهم بشبكات للاتصالات والمعلومات والتبادل الثقافي والاقتصادي معا تتعدى كثيرا الإطار الوطني التقليدي للدولة، تنشيء هذه العولمة وضعية جديدة تجد فيها الدولة نفسها فاعلا صغيرا وضعيفا مقابل الفاعلين الجدد الكبار الذين يحتلون اليوم، أكثر فأكثر ميادين النشاط الانساني في كل المجتمعات ويتحكمون به، نعني الشركات العالمية العابرة للحدود والقوميات والمؤسسات الدولية القائمة فوق الدول والأوطان. ويبدو الأمر كما لو أن العولمة التي تطور فضاءات معولمة أو عالمية للنشاطات البشرية ما فوق الوطنية تعمل بمثابة إسفين يدق بين الدولة والمجتمع، وتعمل بالتالي على زيادة الصدع والتباعد بينهما.
والحال أن العولمة لا تزال وستبقى مفهوما واسعا ومشوشا لا يكفي لتفسير ما يطرأ على المجتمعات التي لا تزال إلى حد كبير مجتمعات وطنية، أي تخضع لقواعد وآليات التنظيم القومي للسلطة والحدود والسياسات بصرف النظر عن التراجع الذي تلقاه سياسات الدولة المركزية نفسها داخل هذا الاطار الوطني.



#رباح_حسن_الزيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني بين كرامشي من جهة وهيجل وماركس من جهة اخرى في ...
- المجتمع المدني العالمي : تعدد التفسيرات
- نرجسية المثقفين العرب
- العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله
- دور الاشتراكية والشيوعية في تشكيل المدرسة العلمانية الفرنسية
- الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية
- اصبح الاسلام موضوع من لا موضوع له
- مفهوم العلمانية
- مفهوم المجتمع المدني العالمي
- رؤية هيجل للمجتمع المدني
- مفهوم المجتمع المدني
- العلمانية في الدساتير الفرنسية
- هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟
- إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا
- إدارة العلمانية في ألمانيا
- الولايات المتحدة : العلمانية والدين بين المجتمع و الدولة
- الثورة اليسارية في الاسلام
- المفاهيم المبهمة للعلمانية
- الجابري والاعراب نظرة ورأي
- موت النزعة الانسانية في العالم الاسلامي


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رباح حسن الزيدان - بعض الاشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة