أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الإنسان الآلي















المزيد.....

الإنسان الآلي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3335 - 2011 / 4 / 13 - 08:28
المحور: كتابات ساخرة
    


كنا نعتقد بأن الإنسان الآلي هو الذي لديه قدرات آلية خارقة, ولكن النظرية العلمية التي تعتمد على التجربة والخبرة والمشاهدة والملاحظة الدقيقة أثبتت بأن الإنسان صار مخلوقا يشبه الآلة في كل شيء ويستعمل الآلة في كل شيء حتى أصبح في النهاية مخلوقا آليا يعمل بقوة فرق الجهد.

وأذكر أيام زمان بأننا كنا نجلس ونحن أطفال صغار في الحارة لتقليد أصوات الحيوانات مثل الحصان والحمار والديك والدجاجة وكنا نقول بأن (سمير) يستطيع تقليد صوت الدجاجة أو صوت الماعز أو البقرة وكنا أحيانا نحاول القفز مثل الضفادع أو الركض كحصان جامح أو كثور هائج كنا نتصارع وكنا نحاول تقليد الحيوانات في الصوت والصورة , أما اليوم فقد تفاجأت بأننا أصبحنا آلات زراعية ومكتبية وهندسية وميكانيكية وخطرت ببالي فكرة أننا أصبحنا شعوبا ليست عربية ولا غربية بل شعوبا آلية وذلك حين نظرت للأطفال وهم يلعبون أمام بيتي ويقلدون أصوات الآلات فمنهم من يقلد صوت سيارة أبو محمود وهي ترجع للوراء ومنهم من يقلد صوت الطائرة أو الصاروخ أو صوت ماتورات الديزل, وبذلك أصبحنا آلات وأصبحت أنا فعلا آلة ميكانيكية فأحيانا أجلس في البيت وفورا أصدر من فمي صوتا يشبه صوت مروحة البور سب لاين الخاصة بحاسوبي فهي كثيرة الأعطال وتصدر عنها أصوات مزعجة مثل (ازززززززززززززززز) وهكذا على طول الوقت وغالبا ما يعشش هذا الصوت في مخيلتي فتسمعني إن كنت تجلس إلى جواري وأنا أقول (إززززززززززززززز) ومرة قالت لي أمي: شو هذا اللي (إززززز)!!!! فقلت لها هذا صوت مروحة الكمبيوتروإليك هذا الصوت الآخر(عااااااااان..عاااااان) فقالت وهي تضحك شو هذا الثاني؟ فقلت: معقول إنك مش عارفه صوت باص ابن فتحيه ؟ فقالت: فعلا صح صوته هيك, ومن ثم قلت لها سنلعب لعبة الأصوات والشاطر اللي بعرف هذا صوت شو:(ارررررررررر..زددددررررر) وهذا الصوت (تتتتتتتتتتتتتتتت) وقبل أن يجيب أي أحد قلت هذا صوت (المورينكس-الخلاط) الخربان, والصوت الثاني صوت إلكزوزت المخزوق تبع سيارة عصام , أما أولادي فإنهم يركبون على ظهري في بعض الأحيان ويصدرون صوتا(امممممممممنننننننننناااننننننن) وهذا يشبه صوت مكنسة الكهرباء التي تستعملها أمهم وهي تكنس أرجاء المنزل أي أن أولادي يركبون ظهري وهم يتخيلونني مكنسة كهرباء, علما أنهم في العام الماضي كانوا يركبونني وهم يعتقدون بأنني حصان وأحيانا حمار, والمهم في الأمر أننا أصبحنا فعلا عبارة عن آلات ميكانيكية.

وحين كان ينزعج من الحديث معنا أي رجل طاعن في السن كان يصرخ ويقول: شو هذا أي هو أنا كاين أتعامل مع بقر أم مع حمير؟ واليوم لم يعد أحد يشبهنا بالبقر أو التيوس أو الحمير أو الخنازيروأنا شخصياً أحن إلى أيام زمان حين كان أهلي يشبهونني بالحمار حين أبدي تحملا وطاعة عمياء, أو لم نعد نحن نُشبّهُ أولادنا بالحمير والحيوانات الداجنة وهذا الكلام لمن نشكوا منه فقد استبدلنا كلمة بقر وحمير بكلمات أخرى مثل : شو أنا كاين بشتغل على الكهربه؟ أو شو أنا كاين سيارة أو جرافه؟ أو بتفكروني غساله!! أو خلاطة باطون, لقد انتهى عصر التعامل مع البشر والإنسان جملة وتفصيلا والآن لم أعد أشعر بنفسي كما كنت سابقا أشعرُ بأنني أتعامل مع بشر أو مع مخلوقات بشرية, فعلاقتي بالناس أصبحت علاقة سطحية وكلها عبارة عن مجاملات من بعيد لبعيد , الآن كل إحساسي بأنني أتعامل مع الآلة حتى شكلي أصبح يشبه إلى حد قريب شكل الآلة التي أتعامل معها, فإذا نهضتُ من نومي أنظرُ في آلة الوقت لأسأل نفسي أحيانا : لماذا لم تدق بجرسها اللعين في تمام الساعة المحددة؟ وإذا دخلت الحمام فورا أمد يدي إلى آلة تسخين الماء وأتحسسها لأتأكد من الحساس هل مثلا يعمل بالشكل المطلوب, إن حياتي بعد أن أصبحت مجموعة أرقام أصبحت صعبة ومستحيلة اليوم أيضا أصبحت مجموعة آلات منتشرة في المنزل وأكاد أن أطلق على منزلي اسم منزل جهاد العلاونه الآلي أو الإلكتروني, فكل شيء في منزلي يعمل آليا وبإمكان جارتي التي تشكو من زوجها أن تستغني عن وجوده في منزلها أو أن تستغني عنه وأن تخلعه من حياتها بالكامل طالما أن الآلة تعمل لها كل ما تريده من أعمال وبإمكاني أنا شخصياً أن أنتقم من زوجتي في السنين القادمة وأن أستغني عن خدماتها التي كانت تسخن الماء وتغسل الغسيل وتجلي أطباق الصحون والطاسات والطناجر والملاعق, ولكن هذه الآلة الأخيرة غير متوفرة في منزلي وحين أتمكن من شراء آلة لغسل أواني المطبخ فسيكون عندها بإمكاني الاستغناء عن زوجتي وسأقول وقتها (وداعا وإلى الأبد).

كل شيء في منزلي يعمل ذاتيا وحياتي كلها ريبورتات تخدمني عدى الريموتات المنتشرة للتحكم في كل شيء عن بُعد, وأملك في منزلي أيضا مكنسة تعمل بشكل آلي تكنس كافة أرجاء المنزل دون أن أحني ظهري للأسفل, ويوميا أتفاهم وأتحاور مع الآلات فكل شيء في منزلي عبارة عن آلات كهربائية ميكانيكية, وكل يوم أتناقش مع الآلات ولم أعد أشعر في منزلي بالرغبة في إدارة حوار شفاف مع أمي أو أختي أو ابني , أو أن أجري حوارا سياسيا مع باقي أفراد عائلتي من أجل إنجاح المسيرة , وأظن بأن الحكومات لديها نفس الشعور فهي لا ترغب بإدارة الحوار مع العمال والشغيلة والمستخدمين أو مع الطبقات المسحوقة فبإمكان الحكومات أن تستنجد بآلة الحرب من أجل السيطرة على الوضع بالكامل وبإمكان أي حكومة أن تستدرج الشعوب إلى آلة الحرب من أجل اكمال مسيرة الحوار الفعال ...فكل حواراتي وأنا في البيت أجريها مع الآلات من خلال استعمال لغة المفكات والبراغي والرونديلات (السوامين) وإذا تعطل أي محرك من تلك المحركات الآلية فإنني أهرع إلى صندوق العدة أو صندوق الأدوات لأخرج منه الكماشة الفولاذية لإجراء حوار سريع وفعال مع الغسالة أو إجراء حوار مع المايكرويف, وإذا شلوط أي شرّت سلك أو فيش الكهرباء فورا أتناول مِفك خاص بالكهرباء لإجراء اتصال مع الفيش للتأكد من أن التيار الكهربائي يصل إليه, إن كل شيء في منزلي يجري على قدم وساق وبشكل آلي وكلنا يمشي مثل الساعة السويسرية أو الإنكليزية وتكاد أن تكون حياتنا مضبوطة بشكل دقيق وفق ما تمليه علينا شروط الآلة, فأنا أخرج من منزلي لأركب سيارة تعمل بشكل آلي وإذا تعطلت السيارة فهذا معناه أنه لا أحد ينفعني من أقربائي أو أولادي, حياتي كلها إخلاص للآلة فأنا أصبحت إنسان آلي أعمل بشكل آلي حتى أنني أخيرا صرت أمشي في البيت مثل الآلة فأحيانا أمشي كما تمشي مكنسة الكهرباء وأحيانا يكون صوتي قويا مثل صوت ماتور الماء الذي بواسطته أنقل أو أقوم برفع الماء إلى علو الطابق الثاني على ارتفاع 9 أمتار وأحيانا 11 متر, إن كل شيء في حياتي من مشاعر وأحاسيس لا قيمة له ما عدى قيمة الآلة , وكل شيء في حياتي آلي وأحياني أمشي كما تمشي المروحة العامودية المخلوقة في الصين أو اليابان وأحيانا يكون صوتي مثل صوت ماتور (الأسوزو) وفي بعض الأحيان تسمعني وأنا أقلد صوت طائرة نفاثة تطير بسرعة جنونية, حياتي كلها اخلاص للآلة حتى أصبحت قلوبنا قاسية لا ترحم, فمشاعرنا تجاه غيرنا قد تبدلت نتيجة لاستعمالنا المفرط للآلة, فكما أن الحكومات تفرط في استعمال آلة الحرب الفولاذية كما أننا تماما مثل تلك الحكومات التي أفرطت في استعمال الآلة فبسبب الآلة أن استغني أو استغنيت عن خدمات أقربائي ولا أشعر أنني بحاجة لهم أو أنهم بحاجة لي, فأيام زمان قبل الآلة كانوا يحتاجونني وأحتاجهم للعمل معا كي نحرث ونزرع ونحصد أما اليوم فالآلة هي التي تعمل كل تلك الأعمال الصاخبة لذلك مشاعرنا تجاه أقربائنا أصبحت ضعيفة ولم نعد نقترب منهم بل نبتعد عنهم ويبتعدون عنا لذلك مشاعرنا تجاه مشاكلهم العصرية لا تعنينا في شيء بل وأصبحت مشاعرنا متبلدة وجافة ولم تعد قلوبنا ترق أو تحزن أو تدمع لمنظر أي فقيرٍ منهم أو محتاج, حياتنا سيطرت عليها الآلة العصرية وزادت الآلة من الإنتاج وأراحتنا من الأعمال الشاقة ولكنها في نفس الوقت قضت على إنسانيتنا ولم نعد نشعر بأننا بشر ولا حتى بأننا حيوانات حتى الحيوانات أفضل منا فهي تتأثر ولا مشاعر أفضل من مشاعرنا ذلك أن الآلة لم تسيطر عليها ولم تغير طبائعها , بعكسنا نحن البشر الذين نتشبه اليوم بقسوة الآلة التي تحكم بلا ضمير وبلا رحمة وبلا إنسانية , الحيوانات تتأثر بما يتأثر به غيرها من الحيوانات المجاورة لها ورأيت ذات مرة قطة تجري تنفسا صناعيا لقطة أخرى حاولت انتقاضها ولكن بلا جدوى, أما نحن فلم نعد نأبه ببعض ولا نمد يد المساعدة لأي أحد منا بل على العكس نحن نحاول أن ننهي من كان لديه أنفاسا أخيره .



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا الأردني الأصل
- روحي
- من سيطمع بالبنت الأردنية؟
- السوالف عن الناس الطفرانه
- هرمنا
- عسكر وحراميه
- اتجاهات
- من يوميات مثقف أردني4
- ماذا أعبد؟
- البنت مش عيب
- كلمة إلى ابنتي وفاء البتول
- وأخيرا جاءت وفاء سلطان
- الأوراق المتسخة
- أنا مجرد رقم
- أعداء الأردن
- ممن يتعلم الأطفال الكذب!
- المرأة تستعمل لسانها للحوار والرجل يستعمل يده للحوار
- الريموت كنترول
- مظاهرة تأييد في لواء الطيبه
- تأويل النص


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الإنسان الآلي