أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجلة الحرية - السيد محسن الأمين العاملي















المزيد.....


السيد محسن الأمين العاملي


مجلة الحرية

الحوار المتمدن-العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12 - 16:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من إصدارات دار ((وحي الغري)) للعلوم والثقافة والنشر
السيد محسن الأمين العاملي
كيف انتقلت المشاكل في [جبل عامل] بلبنان الى العراق؟
نشرت الهاتف – السنة السابعة عشرة – العدد 1143-9مايس 1952 حول السيد محسن الأمين موضوعاً لسيرته نستخلص منه:-
المفروض عرفا- ولسنا ندري من الذي فرض ذلك العرف- هو ان يكون العالم الروحاني رجلاً جافاً خشناً تدل على ذلك مأكله، وملابسه، وأفكاره ...!!
وسواء كان هذا المفروض حقاً أم باطلاً فقد وجدنا العلماء الروحانيين يعيشون على هذه الوتيرة ويتهيبهم أكثر الناس لجفافهم، وعدم فهم أفكارهم لترفعهم عما يحوط الناس ويكتنفهم، اما الذين أنطبق عليهم تعريف المؤمن من هؤلاء الروحانيين وهو أن يكون هشاً بشاً فقد كانوا قليلين ... ومن هذا القليل كان السيد محسن الامين العاملي.

وقام السيد محسن الأمين في النجف طالبا وكان له انداداً من العلماء، وهؤلاء العلماء كانوا ينفذون الى النفوس بدعواتهم الاصلاحية، واحاديثهم الشهية والفرق بين السيد محسن وغيره من العلماء هو ان السيد محسن لم يكتف بالكتابة والتوجيه والارشاد بل راح يعمل على قدر الطاقة لتنزيه الدين من الشوائب، والقضاء على كل تعقيد يوسع الخرق في العمل على تنشئته جيل صالح منذ أن بعث به (الشيخ محمد طه نجف) الى دمشق ليكون هناك المرجع الروحاني، والامام المرشد، وقد توجه أول ما توجه الى تأليف كتب أدبية، أخلاقية، مدرسية، تأليف كتب خاصة بتاريخ سيرة الحسين (ع)، وقد عرض لهذه السيرة عرضا مجردا من كثير من الشوائب والاكاذيب على قدر الامكان لاتخاذها مصدراً لخطباء المنابر الحسينية، وألزم الخطباء بمراعاة خطته في المآتم الحسينية وأول عمل قام به بعد ذلك هو تحريم الضرب بالسيوف والسلاسل في يوم عاشوراء، ومقاومة الذين يستعملون الطبول، والصنوج، والابواق، وغيرها في تيسير مواكب العزاء بيوم عاشوراء فكان ذلك أول ذريعة أتخذها مخالفوه وخصومه لمهاجمته، وقد أيدهم في نشاط الحملة ضد كونها جاءت متفقة ورغبة العوام (السواد) كل الاتفاق لذلك اتسعت الحملة، وكان المجتهد الشيخ عبد الحسين صادق في (النبطية)، والامام السيد عبد الحسين شرف الدين في (صور) ممن خالف دعوة السيد محسن الامين، فبعثت هذه المخالفة في نفس السيد محسن روحاً جديدة زادته حماسا وثورة في وجه القائلين بجواز الضرب بالسيف على الرؤوس في يوم عاشوراء، وحمله الغضب على اصدار (رسالة التنزيه) التي بنى أحد أسباب غضبته على الرواية القائلة (من أغضب ولم يغضب فهو حمار) وكانت غضبة مضربة، أدت الى مشاكل كثيرة ما كادت تبدأ في (جبل عامل) بلبنان، حتى أنتقلت الى العراق، وتحولت من مشكلة اصلاحية، الى مشكلة شخصية، وقد كان لآل صادق وآل شرف الدين، وآل الأمين، أصدقاؤهم، ومؤيدوهم في النجف، فاندفعت كل جهة الى هدفها بكل نشاط، اتجه الجميع الى كبار علماء النجف يستفتوهم في أمر الضرب بالسيف كمظهر من مظاهر الحزن على ابي عبد الله الحسين (ع) فأفتى (السيد أبو الحسن) الأصفهاني بحرمة الضرب بالسيف، وقال ما مضمونه ((إن استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين إنما هو محرم غير شرعي)) وأفتى الميرزا حسين النائيني الإمام الشيخ محمد حسن كاشف الغطاء وجميع كبار العلماء بشرعية الضرب ..!! وجوزوا تلك المراسيم، وكان (السيد أبو الحسن) لم ينفرد بعد بالزعامة الروحانية، بل كان في طريق انفرادها بها وكان وقوف منافسيه –وقد اجتمعت فتاواهم على خلافه- مما يؤخر وصوله الى مركز الزعامة الدينية الكبرى، فقد تلقى أغلب الفتاوى المخالفة للسيد أبي الحسن المؤيد للسيد محسن الامين بشيء من الارتياح، وزاد من هياج الناس في وجه السيد محسن الأمين تبنى الخطيب الشهير السيد صالح الحلي فتاوى العلماء وشنه الغارة الشعواء على السيد محسن الامين وكان السيد صالح من مشاهير الخطباء الذين قلما تجود الطبيعة بأمثالهم من حيث اللباقة، والخبرة، والجرأة –فصرخ بالناس وهاجم ضد السيد محسن الأمين وانقسمَ الناس على طائفتين على ما أصطلح عليه العوام (علويين) و(أمويين) وعنى بالأمويين أتباع السيد محسن الأمين وكانوا أقلية لا يعتد بها، وأكثرهم كانوا متسترين خوفاً من الاذى .. وأتخذ البعض هذه الدعوة وسيلة لمجرد مهاجمة أعدائه واتهامه اياهم (بالاموية) ... فكثر الاعتداء على الاشخاص ... وأهين عدد كبير من الناس، وضرب البعض منهم ضربا مبرحاً.
وبلغت الجرأة بالسيد صالح الحلي ان يتطاول على السيد ابي الحسن ويتناول السيد محسن بالسب والشتم، وتجاوزت به الجرأة كل حد حتى قال في السيد محسن الامين قولته المنكرة:
يا راكباً اما مررت بجلق
فأبصق بوجه (أمينها) المتزندق

وقد قيل ان البيت المذكور كان لأحد (العامليين) وقد نسب الى السيد صالح الحلي لانه كان ألصق به من غيره لما هو معروف به من جرأة وعدم مبالاة.

ومثل هذه الجرأة وان كانت قد اثارت نفوس الغيارى، وهاجت قرائح الشعراء المدركين والعارفين حقيقة الاصلاح فانها لم تفعل ولا بقدر الذرة في نفس السيد محسن الكبيرة خصوصاً وكان قد استعرض مواقف النبي محمد (ص) وآل البيت في دعوتهم الاصلاحية فيما ألف من كتب مدرسية ساق فيها الشواهد والامثلة لما ينبغي ان يكون عليه الداعي الى الاصلاح من استعداد لتقبل جميع صنوف الاذى وضروب العذاب وقد أحسن الشيخ مهدي الحجار وقد كان من (الامويين) في الطليعة حين قال من قصيدته:
تأس يا (محسن) فيما لقيت بما
لاقاه جدك من بغي ومن حسد


وكان الشيخ محسن شرارة في الطليعة من أولئك المتحمسين لمبدأ السيد محسن الامين الاصلاحي، كذلك الشيخ عبد الكريم الجزائري ممن ذب يموذاك هو والزاهد الناسك الشيخ علي القمي والفقيه الشيخ جعفر البديري، لقد ذبوا عن السيد محسن بحرارة ودافعوا عن رأيه دفاعا جريئاً.

ولكن التيار كان جارفاً والقوة كلها كانت في جانب العلويين، وكان هؤلاء (العلويين) وأتباعهم يتفنون في التشهير بالذي سموهم (بالأمويين) وبلغ من الاستهتار ان راح حملة القرِب وسقاة الماء في مأتم الحسين بيوم عاشوراء ينادون مرددين : (لعن الله الأمين – ماء) فأبدلوا الأمين بحرملة نكاية، وشتماً، وبعد عدة سنوات أثار جعفر الخليلي هذا الموضوع، موضوع تحريم الضرب بالسيوف في جريدة الهاتف هاجت النجف، وماجت وكادت تحدث هناك فتنة، وهنا تحول النداء على الماء في المآتم الحسينية إلى المناداة باللعن على أفواه سقاة الماء صارخين (لعن الله الخليلي-ماي).
ولا تسل عن عدد الذين شتموا وضربوا، وأهينوا بسبب تلك الضجة التي أحدثتها فتوى السيد محسن الأمين يومذاك وكان السبب الأكبر في كل ذلك هو (العامليون) – أهل جبل عامل- الذين كانوا يسكنون النجف طلباً للعلم وكان معظمهم من مخالفين السيد محسن الأمين.
وممن دافع عن السيد محسن خارج النجف كان السيد مهدي القزويني في البصرة، وكان السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني في بغداد الذي ساعد هو الآخر بتولي الكتابة والدفاع عن السيد محسن مساعدة فعالة، على ان دفاع الشيخ جعفر البديري لبعدها عن روح التجدد.
وقد أثار هذان الأخيران في ذبهما عن السيد محسن دهشة جميع الأوساط واستغرابهم.
اما السيد محسن نفسه فان لرده خصومة أسلوباً خاصاً ينهج به نهج خصمه في الرد من حيث الطريقة لا من حيث الشتيمة، وانه ليبدع في العرض على ذلك النسق وبشيء كثير من الانسجام والتبسط حتى ليدخل بكلامه الى قلوب قرائه بدون استئذان، ولا عجب فقد كان أديباً بارعاً وشاعراً اجاد في كثير من مواضيع الشعر.
فمن أمثلة ردوده ان بعض صحف بيروت كانت قد نشرت له تحريمه لشج الرؤوس بالسيوف، والضرب على الصدور، واستعمال المزامير والطبول في مواكب الامام الحسين (ع) فانبرى له أحد كبار الروحانيين المتسترين مفنداً ومكفراً ومشهراً به في رسالة مستقلة طبعها وقد جاء في بعضها قوله (ومن فواجع الدهور، وفضائع الأمور، وقاصمات الظهور، وموغرات الصدور ما نقلته بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم أشخاصهم من المعاصرين الوطنيين (يريد به السيد محسن) من تجنيد ترك المواكب الحسينية، والاجتماعات العزائية بصورها المجسمة في (النبطية) وغيرها، فما أدري صدق الناقل أم كذب؟ فإن كان صدقاً فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة وقد راعى السيد محسن في رده أسلوب منتقده في سخرية مؤدبة جميلة اذ قال:
((ان هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئاً ولو أضيف إليه أضعافه من قاطعات النحور، ومجففات البحور، ومضطرات الصخور، ومبعثرات القبور، ومسقطات الطيور بل أن فجائع الدهور، وفضائع الأمور، وقاصمات الظهور، وموغرات الصدور، اتخاذ الطبول والزمور، وشق الرؤوس على الوجه المشهور، وابرز شيعة أهل البيت وأتباعهم بنظهر الوحشية والسخرية امام الجمهور، مما لا يرضى به عاقل غيور.
وقد أخذ بعض هؤلاء الخصوم من الروحانيين على السيد محسن محاربته لهذه البدع من التطبيل والتزمير ولبس الأكفان والضرب بالسيف والسلاسل فقالوا معترضين عليه:
((أتبكي السماء والأرض بالحمرة والدم ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه)).
فرد السيد محسن على هؤلاء بما يلي:
(اننا ما رأيناكم اهرقتم دما طول عمركم للحزن من بعض أعضائكم لتهرقوه من جميع أعضائكم، فلماذا تركتم هذا المستحب المؤكد تركا أبدياً، وهجرتموه هجرا سرمديا، ولم يفعله أحد من العلماء في عمره لو بجرح صغير كبضعة الحجام، ولماذا لم يلبسوا الأكفان، ويحملوا الطبول والأبواق، وتركوا هذه المستحبات يفوز بها العوام والجهلة دونهم؟)).
واستطاع السيد محسن أن يوجه مساعيه توجيها عميلاً فيحول بين أرباب المآتم الحسينية وبين القيام بأية حركة تتنافى والشريعة الإسلامية على قدر إمكانيته وفي ضمن حدود تفكيره، حتى الخطباء، خطباء المنابر الحسينية استطاع السيد محسن ان يفرض إطاعته على كثير منهم فيحصر خطبهم ضمن دوائر معينة من الموعظة، والإرشاد وقراءة سيرة (الحسين)، وتاريخ شهادته، بعد ان كانت الفوضى قد عملت فيهم حتى بلغ من تصرف الخطباء ان صاروا يروون الكثير من الأخبار الملفقة، والروايات المدسوسة على المنابر، وهي أخبار وروايات ربما كانت أقرب إلى الكفر منها إلى الإسلام عند علماء الشيعة المدركين والواقفين على فلسفة الإسلام.
اما النجف وسائر المدن فقد قابلت دعوة السيد محسن، وفتوى السيد أبي الحسن، برد فعل قوي، شديد، ظهر أثره في أول شهر محرم من تلك السنة فقد ازداد عدد الضاربين بالسيوف والسلاسل..!
وازداد استعمال الطبول والمزامير والصنوج والابواق ..! وكثرت الأهازيج والأناشيد التي تتضمن النقمة والتحدي لتلك الحركة الإصلاحية ..، فخاف (الأمويين) واختفى الكثير منهم طول العشرة من (المحرم) وبعدها بأيام، انسحب البعض من الميدان كرهاً او اختياراً ...، وبلغ السيد محسن خبر هذه الضجة، كما بلغه خبر الذين ذبوا عن رأيه، ودافعوا عن حركته، يقول جعفر الخليلي: لقد ظهر لي من شكره لي وثنائه على يوم إلتقيتهُ لأول مرة: انه كان قد عرف كل شيء عن الحركة في العراق وفي النجف وهو في دمشق، فلقد أصدر جعفر الخليلي (جريدة الفجر الصادق) وكانت له مع السيد صالح مواقف مشهورة ملأ بها جريدة الصادق واستطاع أن ينتقم للإصلاح الديني انتقاماً ضج منه السيد صالح الحلي، وهاج، وضج منه أنصاره، وهاجوا، فهددوا وأوعدوا ولكنه لم يبالي بالتهديد والوعيد.
من الأمور المشجعة فقد كان (الحاج عطيه أبو گلل) يؤيد موقف جعفر الخليلي لعدة أسباب، والحاج عطيه أبو گلل كان أكبر زعيم يهابه المنشدون بقوتهم، والمغرورون بسلاحهم – وان أهم أسباب تأييد الحاج عطيه لموقف جعفر الخليلي من تلك الجرأة التي سجلت منها جريدة الفجر الصادق جزء غير يسير.
هو أن الحاج عطيه أبو گلل كان من مقلدي (السيد أبي الحسن) إضافة إلى إنه بثَّ الدعوة لحمل (المواكب) ووفود المدن على ان يتخذوا من يوم 28 صفر من كل سنة – وهو يوم وفاة النبي- يوماً من الأيام الدينية الرسمية لكي يقصد الزوار من جميع الجهات مدينة النجف الأشرف على غرار ما يفعلون في زيارة (كربلاء) في يوم (الأربعين).
وهذه الحركة لم يكن باعثها الأول منفعة النجف ولكنها كانت حركة لها أهميتها الروحية، والسياسية، والاقتصادية بالنسبة لمدينة النجف تلك الحركة التي كان الحاج عطيه أبو گلل بطلها الأول، والأخير، وقد تكللت بالنجاح، ومنذ ذلك اليوم والنجف تغص بالمواكب والوفود لزيارتها في هذه المناسبة حتى لزم الأمر –لكثرة الازدحام- وكثرة المواكب، أن تستدعي الحكومة قوة احتياطية من الشرطة للمحافظة على الأمن والنظام لهذا اليوم من كل سنة ..!! والى الآن والكثير لا يدرون بان محدث هذه الحركة كانت (جريدة الفجر الصادق) والحاج عطيه ابو گلل.
لقد قامت (جريدة الفجر الصادق) بالدعوة للخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي الذي يسكن الحيرة (الجعارة) يوم ذاك، ليحل محل السيد صالح الحلي في مهمة الخطابة في المآتم الحسينية، فلقيت الدعوة إقبالاً غير قليل بالنظر لما كان يتمتع به اليعقوبي من مواهب ومميزات، وشعر الناس بعد وقت قصير بما كانت تترك (مجالس) اليعقوبي من لذة في نفوسهم، ونجحت الفكرة، وأصاب السيد صالح الحلي شيء كثير من الفشل والانكسار، وبان هذا الانكسار والفشل على السيد صالح اكثر حين لمس الحركة الإصلاحية، فضعف السيد صالح الحلي وبدا الجو يتغير، فلم يعد يتردد أسم (الأمويين) كثيرا كما كان يتردد من قبل ..!!.
وعندما زار دمشق جعفر الخليلي قام بزيارة السيد محسن الأمين، وكان يسكن بيتاً الى جوار (المدرسة المحسنية) وكان عنده ذكر الحركة الإصلاحية فأفاض له (السيد) كثيراً في وصف العلل والأسباب التي تؤول إلى فشل تعميم الإصلاح، وما يسود الناس من فوضى وقال ان الحركة الإصلاحية بحاجة إلى أيد فاعلة لإزالة الموانع والعراقيل لكي تتمكن من انتشال هؤلاء الجهلاء من جهالتهم.
وقد أعطى الدعاوه، والعظة، والإرشاد، والجرأة، وأهمية كبيرة، وقال اننا يجب ان نعد للإصلاح خطباء ماهرين، وحين جاء ذكر السيد صالح الحلي وهو العدو الأول والأكبر لحركة السيد محسن الإصلاحية قال عنه السيد محسن بذا المضمون.
((ان السيد صالح الحلي هو أحسن خطيب عرفته المنابر الحسينية، وانا اود ان نعد الخطباء على غراره اذا ما أردنا ان ننبه الناس، ونوقظهم، ونوجههم توجيها صحيحاً ..!!)).
ثم أضاف قائلاً:(اما موقفه ضد الحركة الإصلاحية وضدي انا بالذات فله تفاسير خاصة لا يجوز ان تصدني عن قول الحقيقة ..!!)).
وقد أعد السيد محسن الأمين في دمشق خطباء جدد من النوع الجيد.
كما قام بجولة في بعض الدول الإسلامية كالعراق، وإيران للوقوف على المصادر التاريخية النادرة لكي يعول عليها في إخراج موسوعته الكبرى (أعيان الشيعة).
ثم جاءت الأخبار تنبئ أن السيد محسن الأمين قادم إلى العراق فأختلف أنصاره في أمر هذا القدوم فمنهم من رجحه، ومنهم من لم يرجحه، ذلك لان الفتنة بين (الأمويين) و(العلويين) لم تكن قد خمدت بعد تماما.
وان رد الفعل وان كان قد بدأ أخف من السابق ولكنه لم يكن بحيث يستهان بها او تتجاهل عواقبه، وقد كتب البعض إلى السيد محسن بنصيحة بتأجيل قدومه الى وقت أنسب وذلك خشية أن يلقى ما لا يليق به من الأعراض، والتنديد والتحرش، وبصفته البطل الأول في تلك الدعوة التي مست السواد في الصميم، ولكن السيد محسن كان جريئا وكان غير هياب، فتحرك من دمشق .. ولكن كيف انقلب الوضع مرة واحدة؟ وكيف دبت في النفوس روح جديدة!؟ فاذا بالجماهير كلها تتحرك، وتستعد لاستقباله، وجاءت إشارة (أبي الحسن) بوجوب التهيؤ لاستقبال السيد محسن ملهية لشعور الناس، فإذا به يستقبله استقبالا لم تشهد النجف نظيراً له في كل المناسبات الماضية..!؟ واذا بالسرادق الكبيرة – وهو أكبر ما تملك النجف – يقام خارج المدينة ... فلم يبق عالم، او تاجر، او وجيه، او وضيع، دون أن يخرج الى استقباله على نحو من الجلال الذي لا يوصف ... واذا يكلو الحبيب) وهو من الزعماء، ومن وجوه الطبقة التي يسمونها (بالمشاهدة) والمعروفة باستخدامها السلاح في حل مشاكلها فإذا (يكلو الحبيب) الذي كان أكبر دعامة (للسيد صالح الحلي) واكبر خصوم (السيد محسن الأمين) اذا به يدنو من السيد محسن، ويأخذ يده وينهال عليها بالتقبيل، ومرة اخرى، وهو يقول ويردد هذا المضمون ((لعن الله من غشني فصورك لي (أمويا) فها هو ذا وجهك النوراني يشع بالإيمان فأغفر لي سوء ظني، وأعف عني، فإنما كان الذنب ذنب أولئك المغرضين المارقين الذين شوهوا الحقائق وقالوا عنك ما قالوا)).
وكان وجه السيد محسن الأمين يشع بالإيمان حقا، وكان بهيا وفي غاية البهاء، فقد كانت له جاذبية، وسحر، يشعرك بنفس وادعة بعيدة عن التعقيد، لا غموض فيها ولا ابهام، فلا يكاد يراه الرائي إلا وأحبه ... ونزل في ضيافة السيد ابي الحسن أول ما نزل، ثم انتقل الى بيت الشيخ خليل مغنية.
وبولغ في اكرام السيد محسن والاحتفاء به، وكثرت الولائم والدعوات التي أقيمت تكريماً له، وفرضت (شخصيته) نفسها على خصومه فرضا، فبالغوا هم الآخرون في تكريمه، وتبجيله، ولم يخرج من النجف حتى سقط اسم (العلويين) و (الأمويين) نهائياً من كل الاستعمال!؟ وانهمك مدة اقامته في العتبات باستنساخ طائفة من الكتب الخطية وتتبع المصادر اللازمة لموسوعته (أعيان الشيعة) ثم سافر الى ايران وطاف باكثر مكتباتها العامة، والخاصة، وعاد من زيارة ايران والعتبات الى سوريا ليتفرغ لتأليف (أعيان الشيعة) وما لبث ان اصدر بعض الاجزاء فنفذت، وخير مؤلفات (الأمين) هو (ابو فراس الحمداني) فقد ضرب مثلا رائعاً لأحدث أساليب التأليف من حيث الدرس، والتحليل والاستنتاج، فأنت حين تقرؤه لا تصدق ان كاتبه رجل روحاني قضى عمره بين الكتب الصفراء القديمة أكثر مما قضاه في قراءة الكتب المشرقة الحديثة، فقد أبدع في العرض والتحليل، واستخلاص الرأي إبداعا غاية في الكمال، وسرعان ما خرج الكتاب من الطبع حتى نفذت نسخه وكان سوق القاهرة من أكبر الأسواق التي استنفدته.
ولعل دعوة السيد محسن الامين العملية الى الاصلاح هي ابرز صفاته على الاطلاق، فهو لم يكتف بمحاربة البدع في قضية المواكب الحسينية بل عمد الى تأسيس المدرسة المحسنية للبنين، مدرسة اخرى للبنات وسعى لوضع كتب مدرسية، تهذيبية للتربية والتوجيه، وقد تجاوزت هذه المؤلفات العشرات، وبلغ من أمر اتجاهه العملي ان حمل عددا ممن عثر بهن الحظ من المنحرفات اللواتي أبحن عفتهن، وتجردن من عصمتهن، لقد حمل عددا منهن على العودة الى حظيرة العفة، وأمر باخراجهن من دور الدعارة والمبغى ثم دفع ببعضهن الى ازواج شمولهن بالعفو والغفران فعشن شريفات، ورزقن بأولاد صالحين ببركة مساعيه العملية.
لقد كان السيد محسن الأمين زعيماً روحياً كبير النفس عالي الهمة، نبيل المقصد، سليم الذات، اغرم بالاصلاح العملي وتحمل في سبيله العذاب والمشقات، هذا زيادة على ما ملك من خبرة علمية واسعة وطول باع في الفقه، واالاصول، والتاريخ الاسلامي، والعربي، فقد كان من كبار المجاهدين، وفحول العلماء، وله في الشعر والادب يد جداً طويلة وكان من الافذاذ الذين قلما تجود الطبيعة بامثالهم ...
لقد انتج اجود ما انتج من البحوث والممؤلفات وهو منحرف الصحة!؟
كان اشد ما يكون انهماكاً في الكتابة وهو محموم!!
وكان يستزيد النشاط ويدفع بنفسه دفعا الى العمل، رغم شيخوخته..!! وكان يفتح باب داره بنفسه، يقوم بمراسيم الضيافة لزائريه بنفسه، ثم يفنى نفسه وسط تلك المجاميع من الكتب والأوراق التي تحيط به، وفي ضمنها كتب خطية تحتاج قراءتها الى إمعان وانعام تامين.
لم يعقه مرض، ولم يقعده حادث عن مواصلة البحث، والتنقيب، والتأليف، وكان يعاني في مرضه شيئاً كثيراً من الضعف.
حتى لقد عسر على جسمه أن يؤدي وظائفه الطبيعية من تناول الأغذية، والنوم بالقدر اللازم، اما الذي لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر فهو اقباله على المطالعة، والبحث والتأليف، ثم هذا المزاج الرائق الذي قلما شوهد عند الروحانيين كما شوهد عند السيد محسن فهو مزاج ظل الى ساعته الأخيرة، لقد كان سراجاً وهاجاً، بل كان منارا يهتدي به التائه، والفرق بينه وبين الكثير من العلماء المرشدين العاملين، هو ان أكثر أولئك قد نفعوا الناس ما داموا أحياء، أما السيد محسن الأمين، فقد نفع الناس في حياته، وضمن لهم النفع في مماته وذلك بما خلف لهم من آثار علمية جليلة وآثار عملية مشهودة.
وفي الختام أقول: من أين لنا أن نأتي برجل مصلح مثل محسن الأمين لينزه الدين من الشوائب الدخيلة وينقذنا من بعض وعاظ السلاطين الذين شوهوا الدين الحنيف بسبب ثقافتهم السطحيّة ليفسحوا المجال للتكفيريين بالسب والشتم علناً لمذهبنا؟؟.



جليل الخزرجي
[email protected]



#مجلة_الحرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء الثقافة ألنجفي - يقيم أصبحوة للمسرح
- لايعني.... نص شعري
- لايعني ......
- الحبوبي..البحر الزاخر وزينة المفاخر
- تعميم الرحيل
- ادباء وكتاب النجف يستذكرون فقيدهم الراحل الشاعر عبد الرزاق ا ...
- نسيج الدلالة في قصيدة ((نشيج اللسان)) للشاعر حميد الحريزي بق ...
- شتاء بارد وحراك شعبي ساخن
- قراءه -نص شعري
- الانحدار نحو ضريح الشمس
- طبيعة الحراك الاجتماعي ومتغيرات الثقافة العراقية
- الثقافة تستحق اعلى النقاط
- متسولون بتروليون
- ترشيق الحقائب الوزارية وتعزيز البطاقة التموينية
- ثالثة الاثافي
- نجم البقال - من ابطال ثورة النجف ضد الانكليز
- اعلام من الذاكره -عمر العلوان
- (التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة)- اسكندر حريق اول مدرس مس ...
- حقائب ((الامير)) - نص شعري
- التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجلة الحرية - السيد محسن الأمين العاملي