مؤيد احمد في حوار مفتوح حول: الثورات والحراك الجماهيري في المنطقة، ووجهة نظر الشيوعية العمالية


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 3332 - 2011 / 4 / 10 - 16:11
المحور: مقابلات و حوارات     

اجرى الحوار: مازن لطيف علي
من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 45 - سيكون مع الأستاذ مؤيد احمد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي حول: الثورات والحراك الجماهيري في المنطقة، ووجهة نظر الشيوعية العمالية.

 

1- ما هو تقيمك للثورات والاوضاع الثورية في العالم العربي والمنطقة من حيث محتواها الطبقي وقواها المحركة وآفاق تطوراتها اللاحقة؟ وكيف ترى موقع ومستقبل التيار الشيوعي واليساري بالارتباط مع هذه الاحداث الثورية؟

 انها ثورات لتحقيق الحرية ودك الاستبداد وكذلك من اجل رفع شأن الانسان وازالة المظالم الاقتصادية والاجتماعية للنظام الراسمالي. وهي ثورات شعبية عامة، ثورات للعمال والجماهيرالثورية على المذلة والبؤس الاقتصادي واللامساواة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ثورات ضد البطالة والفقر والمرض والجوع والاحباط ومن اجل كسب حياة لائقة بانسان في عهد رغد البشرية والانترنيت.
اطلقت شرارة هذه الثورات، الشباب والشابات في كل من تونس ومصر، غير انها استطاعت ان تستمر بسبب مشاركة العمال والعمال العاطلين عن العمل والجماهير الكادحة والتحررية. وبالتالي، ان القوى المحركة للثورات والاوضاع الثورية في العالم العربي والمنطقة، وكما شاهدنا ونشاهدها على الارض، هي العمال والكادحين والموظفين، جماهيرالشباب والشابات من اوساط الطبقة العاملة والفئات المضطهدة اقتصاديا وكذلك من اوساط البرجوازية الصغيرة المتطلعة الى الحرية.
انها ليست احداث عابرة في حياة هذه المجتمعات، بل ثورات تاريخية مع ما تحدثها من التغييرات في كامل بنيان المجتمعات السياسية والفكرية والمعنوية، وما تخلقها من التغييرات في علاقة الطبقات والقيم والمفاهيم السياسية والاجتماعية. ان الحرية باتت لاول مرة في تاريخ المجتمعات في العالم العربي تطرح وتتحقق على ايدي الجماهير الثورية نفسها، الحرية ليست من النير"الاجنبي" و"المحتل"، بل من النظم الاستبدادية، صنيعة الحركات الاجتماعية والسياسية البرجوازية لهذه المجتمعات نفسها، صنيعة الحركات القومية العربية وحركات الاسلام السياسي.
لازلنا في بداية هذه الحقبة التاريخية الثورية في العالم العربي والمنطقة، ان هذه الثورات تحدث في قلب النظام الراسمالي وفي خضم ازمتها الخانقة المعاصرة، جماهير العمال والكادحين تقوم وبشكل مباشرومستقل باعمال ثورية التي بدءت تترك التاثير ليس فقط على العالم العربي بل على اوروبا ايضا.
ان الثورات الحالية في العالم العربي ليست انتفاضات نهاية الثمانينات في اوربا الشرقية والتي كانت قد جرت في اطار انهيار نظام راسمالية الدولة امام راسمالية السوق الحرة، انهيار الكتلة الشرقية واشتراكية البرجوازية امام الكتلة الغربية. الثورة في تونس ومصر حدثت بعد ثلاث عقود من تطور الراسمالية ونمطها الاقتصادي السوق الحرة والاندماج في السوق العالمية لراس المال والعولمة. ما هو مطروح في اجندة التاريخ وفي اجندة الثورة موضوعيا هو كسر الاطار الراسمالي واسقاط راس المال وشبكة علاقاتها في العالم العربي وبناء مجتمع اشتراكي خال من الطبقات مكانها. لو تقع السلطة بايدي الطبقة العاملة ستكون بامكانها ان تقوم بكل ذلك، بامكانها ان تحقق جميع اهداف الثورة وتلغي العمل الماجور والمكلية الخاصة لوسائل الانتاج. غير ان تحقيق هذا الامر بحاجة الى رفع الاستعداد السياسي والتنظيمي والفكري لدى هذه الطبقة الذي تنقصها الان.
قبل الثورة، من كان يريد ان يفضح مظالم الراسمالية، تقف بوجهه الاف من المثقفين ومدافعي الراسمالية لتتحدث بشراسة عن حسنات الادغام بنمط اقتصاد السوق الحرة ، التراكم الراسمالي في اطار العولمة، آفاق الاستقرار الاقتصادي في ظل سياسات نيوالليبرالية الاقتصادية، وترسم لك لوحة كئيبة عن الافق التحرري والثوري للجماهير وتقول لك بان الثورة من نسيج الخيال. لقد كسرت الان كل هذه الطلاسم البرجوازية. تحطمت، على حجر الثورة، قبل كل شئ، مقدسات الطبقة البرجوازية، وهيئاتها الحاكمة واحزابها وتياراتها السياسية، المتمثلة بتامين شروط استعباد العمال. تحطمت اثر الثورة مقدسات البرجوازية المتمثلة بتامين حرية حركة راس المال على حساب افقار العمال والجماهير، انفضحت اثر الثورة كل تلك الاحزاب والقوى النيو ليبرالية التي تمثل مصالح راس المال في اشرس الاشكال. الحزبين الحاكمين في مصر وتونس لم يكونا مجرد حزبين بل حركات سياسية وتيارات اجتماعية برجوازية ذات تاريخ واصل اجتماعي في تلك البلدان. ما يتم تحطيمه، امام انظارنا، من جراء الثورة ،هي بدائل السياسية للطبقة البرجوازية ونمط حكمها وادارتها لهذه المجتمعات.
الثورة فتحت اوسع وارحب المجال لتطور الافاق السياسية الشيوعية والاشتراكية. لقد جعل التاريخ، وبمعزل عن رغبتي وغبة اي احد اخر، تطور الثورة وتقدمها الى الامام في صدر اولويات المجتمعات و جعله مهمة اليوم. ان عدم تطور اليسار في قلب الثورات الحالية يناقض منطق الثورة نفسها. انتصار الثورة وصعود اليسار والحركة الاشتراكية امران يكملان الواحد الاخر. ان احباط الثورة ووقوفها في منتصف الطريق هو ضرب الافاق التحررية والثورية الاشتراكية ايضا. بالرغم من هذا التطابق بين الثورة والحركة الشيوعية والاشتراكية ، فان الاستعداد السياسي والتنظيمي والفكري لليسار والتيار الشيوعي العمالي والاشتراكي هو العامل الحاسم. المسالة الاساسية هي دور اليسار السياسي، ان السياسي الشيوعي الذي يلعب دورا مؤثرا في انتصار ثورة المضطهدين سياخذ مكانته الثورية في التاريخ الواقعي لهذه المجتمعات بالرغم من الاف الهجمات البرجوازية المناوئة للشيوعية والاشتراكية، و بالرغم من نشر الاف الخرافات والاوهام ضد قيم الشيوعية والاشتراكية. هذا، ومثل ما اشرت اليه اعلاه ، ان الثورات الحالية لها تاثيراتها وامتداداتها العالمية، ان الرجوع الى ماركس بات جزء من التقدم بالثورات الحالية نحو الانتصار وبات يدخل مهام المجتمعات ولا يمكن ايقافه. ففي تحليل الاخير، ان نهوض اليسار مرهون بمدى استعداد اليسار ايضا للارتقاء بدوره والصعود الى مستوى المهمة.
 

2- في ضوء التغييرات الثورية التي تجتاح المنطقة والدور المؤثر للشباب والانترنت فيها، هل تعتقد ان قوى اليسار بحاجة الى إعادة نظر جذرية في مفاهيم واليات العمل السياسي والتنظيمي والإعلامي؟ وعراقيا، ما هي برايكم أسباب ضعف التنسيق والعمل المشترك بين القوى اليسارية والتقدمية؟

من الضروري في ان تعيد قوى اليسار النظر في آليات العمل السياسي والتنظيمي والاعلامي فيما يخص استخدام الانترنيت والوسائل العصرية للاتصال. ولكن علينا ان نميز بين الثورات ودور الانترنيت. ما تحدث في العالم العربي هي ثورات وليست ثورات الانترنيت. لعبت الشباب دورا اساسيا في هذا الثورات عن طريق استخدامها البارع للوسائل العصرية وخاصة الانترنيت. وعلى اليسار ان يواكب هذا الاستخدام البارع ايضا. ولكن الثورة هي ثورة ولها قوانين حركتها الخاصة بها.
لقد استخدمت الشباب ببراعة ، الانترنيت، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر، لتنسيق وتنظيم المظاهرات والعمل السياسي الجماعي. وبالتالي استطاعت ان تطلق شرارة الثورات وان تكون اداة حيوية وغاية في الاهمية لتنظيم وتجسيد هذه التحركات الشبابية الواسعة. بالرغم من ذلك، ان هذه المجموعات الشبابية كانت تحمل رؤى سياسية مختلفة وترتبط بالقوى والاحزاب المختلفة ولكن استطاعت ان تعمل بمثابة كيان مستقل شبابي في ميدان العملي على صعيد تنظيم وتنسيق وقيادة المظاهرات. طبعا كانت اقساما منها تحمل توجهات يسارية وعمالية وانتماءات تنظيمية يسارية.
اليسار لا يمكنه ان يبقى بعيدا عن استخدام هذه الوسائل العصرية للاتصالات ونقل المعلومات والاعلام وهذا بطبيعة الحال تستوجب ادخال تغييرات في الية العمل، من التغيير في تحقيق المهام الروتينة التقليدية لليسار الى آلية العمل على صعيد تنسيق وتنظيم الحركات الاحتجاجية والتحركات السياسية الجماهيرية وغيرها. كما ان اليسار بحاجة الى ان تحدد الاولويات والطاقات بما يتناسب مع استخدام الامثل لهذه الوسائل..الخ.
فميا يخص الشطر الثاني من سؤلك: ضمن الاوضاع الثورية الحالية التي تمر بها المنطقة والعراق، ظهرت نوع من المرونة فيما يتعلق بالعمل السياسي المشترك بين قوى اليسار، وهذا شئ جيد. ان ضرورات تطوير المظاهرات الجماهيرية والمداخلة السياسية الفعالة في الاوضاع الثورية، تضغط على الكل في ان تتبنى سياسات اكثر عملية فيما يخص العمل المشترك بين اليسار. بالرغم من هذا، لا زالت هناك عوائق واقعية كثيرة في صفوف اليسار امام توحيد الجهود للعمل المشترك. في العراق، لا زال تقليد العمل المشترك بين قوى اليسار ضعيف، ويحتاج الى المبادرة من جميع الاطراف لكسر الحاجز. ان الضرورات العملية لتقوية وتوسيع وحماية المظاهرات تفرض على قوى اليسارالاقدام على العمل المشترك وحصل هذا التقارب العملي بالفعل في كوردستان.

 

3-الماركسية كفلسفة علمية وتاريخية .. هل ما زالت صامدة ازاء التحولات الفكرية في الفسلفة والاقتصاد والتحليل التاريخي؟

مؤيد احمد : الماركسية ليست مجرد فلسفة علمية وتاريخية، بل بالاساس نظرية ثورية لحركة اجتماعية في المجتمع الرأسمالي. الماركسية هي التعبير النظري عن النقد العملي للعمال ضد راس المال، نظرية ومرشد اعتراض وثورة العامل ضد علاقة راس المال التي تتم اعادة انتاج استعباده فيها.
التحولات الفكرية في الفلسفة والاقتصاد والتحليل التاريخي تجري وكانت جارية على مر الازمنة وخاصة منذ 164 سنة التي تلت البيان الشيوعي. ان تاريخ الماركسية كفكر لا ينفصل عن تاريخ الصراع الطبقي والحركة الاجتماعية للشيوعية العمالية خلال كل تلك السنوات.
المد في الحركة التحررية العمالية خلال عقود من الزمن بعد البيان الشيوعي لم يتحقق بدون ماركس وافكاره وانتقاداته، لم يجر بدون تحول نظرية ماركس الثورية الى نظرية تلك الحركات الثورية. كما ان فرض التراجع على الحركة الثورية العمالية وصعود الحركات الرجعية والامل بالاصلاحات والترقيع في وضع البشرية لم تحدث بدون الهجوم على الماركسية. هناك ارتباط عضوي بين نظرية ماركس والصراع الطبقي. فلا يمكن الحديث عن نفوذ الماركسية بمعزل عن صمود الطبقة الثورية في ميدان الصراع الطبقي والحرب الطبقية.
طبعا، التفسيرات المبتذلة والميكانيكية، غير المادية وغير تاريخية، تفسيرات ستالينيزم ومائويسم وبوبوليزم والشيوعية والاشتراكية البرجوازية عموما، عن ماركس والماركسية، لم تكن في يوم من الايام تصمد امام التحولات الفكرية في اية حقبة زمنية ولكن نقد ماركس البروليتاري والثوري للعالم باق وصامد بكل خلاقياته وحدته وابداعاته. ليس هذا فقط ، بل العالم يحتاج اليوم الى ماركس اكثر من اي وقت مضى. ان الاقتصاديين البرجوازيين يقراون ماركس لفهم آليات عمل راس المال بهدف الابقاء على حكم راس المال في هذه الاوقات المتازمة من عمره، فالطبقة العاملة بحاجة الى ماركس اكثر من اي وقت مضى كي يتخلص والى الابد من عبودية عمل الماجور.
ان افكارماركس ونقده الثوري ليس الا اداة ومرشد للعمل فهي ليست نصوص وعقيدة جامدة. اني لا اتحدث عن النصوص بل عن المنهج الثوري، عن الماركسية كاداة نقد نظري. فلا يمكن الحديث عن الماركسية الحية بدون استخدامها تجاه الاوضاع الحالية وفي عهد البشرية المعاصرة التي نعيشها. لقد كان الكل تبنى الماركسية في الاممية الثانية ونعرف كيف انها خانت الطبقات المضطهدة والبشرية الطواقة للسلم ودافعت عن الحرب الامبريالية. فلم تجد في ذلك الزمن معنى للماركسية وافكار ماركس الا لدى هؤلاء، امثال لينين، الذين استخدموا تلك النظرية الثورية تجاه اوضاع سياسية واجتماعية معاصرة لعهدهم، وتحديدا للتصدي للمجازر البشعة للحرب البرجوازية الامبرالية العالمية. لقد افلست الاممية الثانية ولم تصمد تلك الماركسية المبتذلة امام وقائع ذلك العصر. اليوم المشكلة لا تتعلق بصمود الماركسية امام التحولات الفلسفية والفكرية بل تتعلق بالماركسيين وخلاقيتهم في استخدام الماركسية بشكل حي تجاه معضلات وقضايا البشرية المعاصرة والتطورات السياسية الحية الحالية التي نمر بها. ان ذلك يحتاج الى اناس وتيارات واحزاب ياخذون على عاتقهم، في خضم عهدنا الحالي، عهد التطورات الثورية التاريخية التي نعيشها، مهمة التقدم بالنضال الثوري، السياسي والفكري للطبقة العاملة والجماهير التحررية و الثورية الى الانتصار. ياخذون على عاتقهم مهمة خلاص البشرية المعاصرة من براثن راس المال واستعباده السياسي والفكري و المعنوي.

4- ماهي برأيكم أهم دوافع التظاهرات والاحتجاجات في العراق وإقليم كردستان؟ وهل ان رغبة الشارع هي في اصلاح النظام الحاكم ام تغييره؟ هل ان سلطات وحكومة اقليم كردستان قادرة على احتواء الازمة والقيام بإصلاحات جذرية حقيقية استجابة لمطالب الجماهير؟ وهل ستمتد شرارة الاحتجاجات الى مناطق اربيل ودهوك؟ ام ستبقى مرتكزة وقوية في مدينة السليمانية؟


ما يجري في العراق وكوردستان هو بالاساس انعكاس للمد الثوري في المنطقة وتحديدا تاثير الثورتين، في تونس ومصر. بدءت تظاهرات كوردستان يوم 17 شباط في مدينة السليمانية دعما للثورة في تونس ومصر، والتي على اثرها انطلقت الموجة الاحتجاجية الحالية في مدن كوردستان. كما ان اعتراضات 25 شباط في العراق تمت بمناسبة مرور شهر على انتصار الثورة، في مصر،على مبارك ونظامه.
دوافع التظاهرات والاحتجاجات داخليا وعلى صعيد العراق، ناجمة بالاساس عن استياء وغضب الجماهيرمن السلطات القومية والاسلامية الطائفية، التي فرضت نفسها على الجماهيرعن طريق الاحتلال وبحكم قواها الميليشية المسلحة وتشديد التقسيمات الطائفية والقومية على المجتمع.
بعد 8 سنوات من حكم هذه القوى والتيارات والتي اخذت تتحكم بمئات المليارات الدولارات، لا تزال تعيش اكثرية الجماهير في الفقر والبؤس الاقتصادي والبطالة وعدم الامان وتعاني من غياب الخدمات من الماء والكهرباء الى غياب خدمات صحية عصرية و"الاسكان الاجتماعي". لا زالت الجماهير تعاني من غلاء المعيشة، والعمال تعاني من مستوى الاجور المنخفضة والناشطين العماليين يواجهون العقوبات والاضراب وتشكيل النقابات المستقلة ممنوعة. المراة في العراق مستعبدة تحت ظل القوانين الاسلامية والتقاليد العشائرية وتنتهك حقوقها وحرياتها ومساواتها بالرجل باستمرار. الفساد المالي والاداري منتشر في كامل بينان الدولة. الجماهير تريد انهاء هذه الاوضاع بشكل عاجل ولا تريد بقاء السلطات الحالية. ان استياء وغضب الجماهير في العراق بوجه كل هذه الماسي عميقة وواسعة وخطت شوطا سياسيا متقدما عندما فصلت صفوفها عن صفوف مختلف التيارات السياسية الاسلامية والقومية والمراجع الدينية. فلم يستمع احد لدعوات المراجع الدينية والصدريين بعدم القيام بالمظاهرات اذ قامت الجماهير بالمبادرة الثورية بشكل مستقل.
فيما يتعلق بكردستان، الطريق مسدود امام تقدم المجتمع بسبب استمرار سلطة الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. اعتراضات الجماهير في كوردستان لتحقيق مطالبها الاجتماعية والاقتصادية مستمرة منذ سنوات، الاعتراض على البطالة، غياب الخدمات، غلاء المعيشة، الاعتراض على الفساد المالي والاداري، الاعتراض على سيطرة الحزبين على الحكومة ومؤسساتها، وجود ادارتين وميليشيات حزبية، خنق الحريات السياسية واصدار القوانين في هذا السياق، اغتيال المعارضين السياسيين والصحفيين والكتاب وخاصة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني..الخ. تريد الجماهير في كوردستان، الخلاص من حكم هذين الحزبين بعد ان ضاقوا المرارات خلال تجربة 20 سنة من حكمهما. ان الحزبين يمثلان تيار برجوازي قومي كوردي ذا قوى حزبية ميلشية مسلحة واجندة سياسية رجعية، تديم بحكمها الان بقوة السلاح. اذ ان الجماهير باتت تفصل نفسها بوتيرة متسارعة وعلى مقياس واسع عن هذه القوى وخاصة بعد قتل 9 اشخاص من المتظاهرين خلال موجة الاعتراضات الحالية وجرح المئات واعتقال عدة مئات.
السلطات في كوردستان لا تستطيع ان تقوم باصلاحات جذرية اذ انها ليست اهل هذا العمل. انها في الحكم لمدة عشرين سنة، وتجربة حكمها تبينت بوضوح بانها ليست مؤهلة ولاتريد ان تلبي لمطالب الجماهير. ان قادة ومسؤولي هذان الحزبان تحولت وبفضل الفساد واللصوصية على قوت الجماهير الى اصحاب المليارات من الدولارات. انها قوى برجوازية قومية ميليشاتية لا تربطها شئ بمصالح الجماهير و تطلعاتها في حياة افضل.
فيما يخص قدرتها على احتواء الازمة، فان ذلك مرتبط بدرجة اساس بمدى تطور الوضع الثوري وتطور قوى الجماهير الثورية المستقلة، ومدى امكانية الجماهير في سد الطريق على قوى المعارضة من القيام بالمساومات مع السلطات .
وصول شرارة الاحتجاجات الى اربيل ودهوك سيكون بمثابة تحول نوعي في مديات واعماق الاحجاجات الحالية في كوردستان. وصول الانتفاضة الى اربيل سوف لن يكون كامتداد طبيعي وتوسع لحجم المظاهرات بل ستكون بمثابة صب الزيت في لهيب الثورة في كل كوردستان وبالتالي سيضع السلطات في مازق كبير. ان صعوبة انتقال الاعتراضات ناجم عن هذا، عن طابع هذه الحرب التي ستندلع في اربيل. ليست لدى السلطات شئ غير استخدام العنف، فان كسر حاجز الخوف من السلطات حياتية لبدء الانتفاضة في اربيل. السلطات مستمرة في محاصرة المدينة ولا تسمح بدخول المواطنين من السليمانية الى اربيل، كما وتم غلق الجامعات منذ مدة. تحاول السلطات بشتى الطرق سد الطريق على وصول رياح الثورة من السليمانية الى اربيل ولكن طالما استمرت الاعتراضات في السليمانية فان احتمالات وصولها الى اربيل تزداد.

5- هل تعتقد ان الحزب الشيوعي العمالي بشقيه العراقي والكردستاني لديه قاعدة جماهيرية قوية وله تأثير واضح على الاحتجاجات الجماهيرية؟ وتنظيميا لماذا تيار- الشيوعية العمالية - متشتت في أجنحة وأحزاب متصارعة في العراق وإيران؟ وكيف تقيم مكانة ودور المرأة في الحزب والهيئات القيادية لحزبكم المعروف في الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها الكاملة؟


 ان للحزبين الشيوعيين العماليين،مشاركة فعالة وجدية في هذه الاحتجاجات الجماهيرية ولهما دور مبادر ونشط فيها. لقد كنا من المبادرين في ساحة التحرير في بغداد قبل 25 شباط بايام، كما وكنا من المبادرين في الاحتجاجات الاولى في الكوت التي سقط فيها ضحايا كثيرين ولنا مبادرات ومشاركة فعالة في السامراء والناصرية والبصرة. لقد جرح احد رفاقنا مروان محمد في بغداد يوم 25 شباط واعتقل اخرين في بغداد ومدن اخرى وتم اعتقال كثير من اعضاء الحزبين ومؤيديه في السليمانية يوم 25 شباط، نوزاد بابان وخالد مجيد وشاخه وان ناصح وكان كاتب هذه الاسطر من ضمنهم، على ايدي قوات آسايش السليمانية.
شارك الحزب الشيوعي العمالي في كوردستان ومنذ 16 شباط في السليمانية وكذلك يوم 17 شباط في المظاهرة الجماهيرية التي اطلقت موجة المظاهرات في كوردستان. ان مشاركة الحزبين عن طريق مختلف اللجان الشبابية على صعيد العراق وكوردستان مستمرة. كما ان الكثير من الناشطين والناشطات الحزبيين يقودون فعليا هذه التظاهرات ولهم تاثير معنوي وسياسي جدي على هذه التحركات.
فيا يخص تشتت تيار الشيوعية العمالية، انه واقع حال، له تاريخه واسبابه. ان الشيوعية العمالية تيار سياسي واسع ومن الطبيعي ان يحصل فيه الانشقاقات والتشتت وخاصة في الفترات السابقة التي تميزت بالركود السياسي على صعيد ايران والعراق ايضا.
احد الاسباب الرئيسية لحدوث هذا التشتت، من وجهة نظري، هو ضعف تقاليد العمل بمثابة احزاب سياسية كبيرة واجتماعية، ضعف تقاليد العمل التنظيمي والنضالي المشترك داخل الاحزاب وضعف تقاليد السياسية الشيوعية في التعامل مع صراع الخطوط داخل الاحزاب الشيوعية العمالية. كان لفقدان الرفيق منصور حكمت دور كبير في حدوث الانشقاقات المتلاحقة التي حصلت في السنوات الاخيرة. غير ان ذلك لا يستطيع بوحده ان يوضح اسباب حدوث التشتت، اذ ان السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يحصل الانشقاقات بالاساس بعد رحيل الرفيق منصور حكمت؟. ان بناء احزاب سياسية شيوعية عمالية واسعة ومقتدرة وترسيخ آليات عمل الحزب السياسي فيها لا تزال تشكل مهمة تواجه التيار الشيوعي العمالي.
ان الشيوعية العمالية كتيارسياسي ماركسي وحزبي، مثلها مثل الماركسية عموما، بحاجة الى اعادة انتاج نفسها وتجدد قواها في خضم وقائع الصراع الطبقي المعاصر، بحاجة الى تطوير نفسها واعادة انتاج نفسها بشكل اكثر اقتدرا، في سياق الانخراط في النضال السياسي والفكري والاقتصادي الجاري في المجتمعات. وهذه مهمة كبيرة امامنا والرد عليها كفيلة بتحويل الشيوعية العمالية الى تيار قوي ومؤثر في معادلة القوى السياسية ليس في العراق و ايران فقط بل في العالم العربي والمنطقة كلها، في خضم الاوضاع الثورية الحالية.
مثلما تقول اننا معرفون براديكاليتنا تجاه مساواة المراة والدفاع المستميت عن حقوقها وحرياتها الشاملة. ليس هذا فقط، بل ان احد السمات الثورية لحزبنا ولحركتنا هو التطبيق العملي والحازم لمبدء مساواة المراة داخل الحزب وفي ميادين نضال الحزب على صعيد المجتمع. ليست هناك اية عوائق فكرية اوسياسية او تنظيمية امام ارتقاء بالدور السياسي للرفيقات واخذ المسؤليات الحزبية والقيادية وتطوير نشاطاتها داخل الحزب. من الطبيعي ان تعكس آثار الخلافات السياسية داخل الحزب على نوع التصويت ولكن هذه مسالة سياسية ليست لها علاقة بالتمييز ضد النساء اواعاقتها في اخذ المواقع القيادية. بالرغم من كل ذلك، لا زال هناك عدم تساوي واضح في عدد الكوادر القيادية النسوية مقارنة بالرجال داخل الحزب. وهذا بحاجة الى خطة ومبادرة ملموسة لحلها.