أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رباح حسن الزيدان - العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله















المزيد.....

العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله


رباح حسن الزيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3332 - 2011 / 4 / 10 - 01:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بقيت "الواجبات تجاه الله" معمولا بها ضمن مادة الأخلاق العالمية حتى عام 1923. ومع النتائج التي أبرزتها الإحصائيات و التحليلات الفرنسية يبدو أن معظم المعلمين في المدارس أهملوا هذا الفصل ولم يعطوه للتلاميذ. فالأخلاق العلمانية ركزت بشكل كبير على موضوع التبادل بين الحقوق والواجبات،ولم تعتمد التركيز على الواجبات فقط إن كان تجاه الله أو غيره.حيث حقوق البعض تشكل واجبات عند الآخر والعكس صحيح.
فإذا في الولايات المتحدة "الخالق" يمنح البشر الحقوق التي لا يمكن التصرف بها،ففي فرنسا إعلان الثورة الفرنسية لعام 1789 نُفّذ فقط "في حضور وتحت رعاية الإنسان أو الكائن السامي".ولكن ما هو الفرق بين الطرفين أو المعنيين؟ في الولايات المتحدة سمع تعدد الأديان والطوائف بإعطاء الحقوق الإنسانية أصلا سماويا،من غير أن تكون هذه الحقوق ملكية لأية كنيسة. في فرنسا،وبالتحديد في عام 1789،الكنيسة الكاثوليكية كان ما تزال مستفيدة من احتكار الشرعية الدينية،وهي شرعية فرضتها الدولة الملكية. بعد ذلك، وحتى في عصر نظام الحرية في المعتقدات و التعددية الرسمية، بقيت الكنيسة الكاثوليكية، التي تشكل الغالبية العظمى، في صراع مع قيم ما بعد ـ الثورية. ضمن هذه الظروف يطرح السؤال التالي : كيف تم تشييد أو تأسيس "الواجبات الإجبارية" ؟
ظهرت الإجابة مع بداية عام 1880،نستطيع أن نؤسسها أو نشيدها باسم التضامن. هذه الإجابة بدأت تأخذ أهميتها بشكل متدرج، حتى أصبحت مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ما يمكن تسميته " مذهب التضامن"،والذي يمجد ليس فقط المدرسة العلمانية، بل أيضا "رابطة التعليم"القوية التي تعتبر مكملة للمدرسة العامة،و للاشتراكيين المتشددين.
من بين الأسماء الكبيرة التي عملت في فرنسا على ملف تعليم التضامن نجد Henri Marion والذي نشر في عام 1880 مؤلفه "واجبات وحقوق الإنسان" ونلاحظ هنا أن مفردة الواجبات جاءت في مؤلفه قبل الحقوق. في نفس الوقت حاول Alfred Fouillée (1838ـ1912) أن يكمل هذه المقاربة مستخدما رؤيته المتعمقة أكثر في البسيكولوجيا ونشر "علم الاجتماع المعاصر" 1880، ثم "الملكية الاجتماعية و الديمقراطية"1884. وللمرة الأولى في فرنسا،وكما يؤرخ الفرنسيون، نجد رجلا يعرَّف باسم زوجته وليس العكس. مع نهاية التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، سيتم تعميم "مذهب التضامن" على يد Léon Bourgeois،ومن هذا الوقت بالتحديد سيوضع البرنامج الاجتماعي والاقتصادي للحزب الراديكالي اليساري.
أراد هذا المذهب التضامني تجاوز الليبرالية الفردية و الاشتراكية الجماعية.بمعنى أن الأخلاق العلمانية ليست فقط التعود أو التدرب بالحد الأدنى على قواعد أخلاقية دائمة،بل أخلاقا حقيقية يتم تعليمها للأطفال وتكون مرتبطة مع مشروع لتغيير و تحول المجتمع. يعود أصل المذهب التضامني إلى : الاشتراكية الطوباوية و وضعية "positivisme" أوغست كونت. منذ أواسط القرن التاسع عشر،اقترح Pierre Leroux تبديل "التصدق أو البر المسيحي" بمفهوم آخر هو "التضامن الإنساني"،هذا المفهوم المقترح سيشكل مفتاحا نحو الانطلاق إلى المستقبل و مبدأ لتنظيم المجتمع.فالتضامن هو علاقة البشر فيما بينهم، ويسمح بالتصالح بين مشاعر الانتماء للجماعة و متطلبات تطور ونمو الفرد. وهنا يقول أوغست كونت:"فكرة التضامن تقع ضمن فكرة الاستمرارية التاريخية،وتبعيتنا المتبادلة عبر التاريخ وعلاقتنا عبر الزمن كانت من أجل تتمة تبعيتنا المتبادلة المتزامنة من خلال ترتيبات مجمل التنظيم الاجتماعي". فيما بعد ستأتي دراسة إميل دوركهايم "تقسيم العمل الاجتماعي" عام 1893،وستعطي المعالم الأولى لعلم الاجتماع من أجل دراسة التضامن الأخلاقي.
لكن التضامن سيرتبط أيضا مع المقاربة السيكولوجية للكائن الإنساني. فالداروينية darwinisme التي تم تعميمها في كل مكان تؤكد أن الصراع الأبدي من أجل الوجود يشكل وسيلة للكمال الذي يختار النوعيات ذات الفائدة بالنسبة للفضاء الإنساني.في عام 1862 ترجم Clémence Royer عمل داروين "أصل البشر" وأضاف عليه :" إن قانون الاصطفاء الطبيعي،المطبق على الإنسانية،يجعلنا نرى كم كانت حتى الآن مزيفة قوانيننا السياسية والمدنية، كما هي مزيفة أيضا أخلاقنا الدينية".
لقد اقتسم Fouillée الفكرة التي تتحدث عن الصراع من أجل البقاء مع الداروينية، لكنه رفض ما سماه "النتائج الاجتماعية والأخلاقية الخاطئة للداروينية" أو الداروينية الاجتماعية.فالتطور بالنسبة له يتطلب وجود ارتباط بين الأفراد،والحياة هي ناتجة عن علاقات بين مختلف الأعضاء،في إشارة هنا لما سماه "التضامن العضوي"،المتفاعلة فيما بينها. أما قطع العلاقات بين الأفراد أو الأعضاء التي تكون التضامن فإنه يؤدي إلى الموت. إذن العلاقات بين البشر هي متناظرة مع العلاقات بين الأعضاء،وحياة كل فرد،السيكولوجية،الفكرية و الأخلاقية،توجد مرتبطة مع حياة كل من سبقه. ويختم بالقول، أن كل إنسان هو وارث لمجمل الفضاء الإنساني.
بالاستناد على ما سبق يمكننا طرح السؤال التالي: ما هو جوهر أو أساس التضامن ؟ الأخلاق العلمانية أو "علم الأخلاق العلماني"، يصر على ما يسميه "المنافع" أو الخيرات التي نجدها عندما نولد: البيت،الأدوات،الغذاء،الكتب،الطرق..الخ. والمقصود بها الأعمال الخيّرة التي تركها الأموات. فعلم الأخلاق العلماني يحب أو يحبذ الطرح التالي:"الأموات هم أموات، لكن الخير الذي فعلوه يبقى". وبفضل أعمالهم الخيّرة نحن نطلق عليهم لقب "الأسلاف". وبفضل عملهم وألمهم انتقلنا من "المجتمع البدائي" إلى "الحضارة".
الأسلاف، إذن، يشكلون ما يمكن تسميته وفق علم الأخلاق العلماني "بوكلاء التقدم".من هذا المنطلق،يرى الفرنسيون أن الأجيال في المدارس،ومن خلال حضارة الكتابة و الكلام الفرنسي، تشكل حاملا حقيقيا ووسيلة للخروج من المجتمع التقليدي.ومع الصحيفة و طريق الحديد يفضل الفرنسيون العبور أو الانتقال من "الوطن الصغير" المحلي إلى "الوطن الكبير" القومي.
أما الثورات عندما تريد إحداث التغيير وخلق الإنسان الجديد فهي تضع الأطفال في مواجهة آبائهم وأجدادهم،هنا علم الأخلاق العلماني يبحث عن إحداث توازن في هذه المسألة وفي عملية التغيير القائمة،وذلك من خلال التأكيد على أن الأسلاف و القدماء قاموا ببناء الحضارات السابقة والتي تسمح للأطفال اليوم بالوصول إلى المدارس و الاستفادة منها.
هذا المفهوم ينتج فكرة أخرى،وهي أن كل كائن إنساني لديه "دَين" تجاه هؤلاء الذين سبقوه. وخضوع الأطفال تجاه الأسلاف و الأجداد يشكل جزءا من الدَين.ولكن كيف يمكن الوفاء بالدَين لهؤلاء الذين هم غير موجودين ؟ يتم الوفاء عبر إظهار التضامن من خلال السلوك و التصرف كإنسان يفعل الخير ويقدم المنفعة للآخرين ولاسيما للأجيال القادمة. أن يتم الانتباه لكل من هو حولنا، نسمعهم ونجعل ضميرنا يستمع إليهم،نتبادل معهم ونشاركهم وفق إمكانياتنا،ثم نرفع من شان التسامح،الحرية والديمقراطية.
ويرى الكاتب و المؤرخ الفرنسي Jean Baubérot :" أننا نتصرف كما الأسلاف والأجداد،ننقل ما نأخذه منهم إلى الأجيال القادمة ثم نضيف عليه ونحسنه. فالمسيرة الشخصية لكل منا مع آماله في تحقيق حياة اجتماعية بفضل المدرسة، نجدها تدخل في شكل من أشكال المغامرة الجماعية. ويجب أن يكون هناك واجبات تجاه أنفسنا، أن نقتصد،نكون بنائين،عاملين جيدين،ننتبه إلى الصحة،نعالج ضميرنا بأنفسنا حتى نتقدم أخلاقيا، ثم،وبهذه الحالة،سيكون لدينا واجبات تجاه الآخرين وتجاه المجتمع".



#رباح_حسن_الزيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الاشتراكية والشيوعية في تشكيل المدرسة العلمانية الفرنسية
- الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية
- اصبح الاسلام موضوع من لا موضوع له
- مفهوم العلمانية
- مفهوم المجتمع المدني العالمي
- رؤية هيجل للمجتمع المدني
- مفهوم المجتمع المدني
- العلمانية في الدساتير الفرنسية
- هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟
- إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا
- إدارة العلمانية في ألمانيا
- الولايات المتحدة : العلمانية والدين بين المجتمع و الدولة
- الثورة اليسارية في الاسلام
- المفاهيم المبهمة للعلمانية
- الجابري والاعراب نظرة ورأي
- موت النزعة الانسانية في العالم الاسلامي
- ابن خلدون ومكيافيلي في عيون الوردي
- من اسباب الخلاف بين الدين والسياسة
- أول أنتصار للدولة على الدين في الاسلام
- المعتزلة وتبني منهج العقل


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رباح حسن الزيدان - العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله