أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - تراث البله















المزيد.....

تراث البله


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3331 - 2011 / 4 / 9 - 16:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تراث البله
إضافات على التحريف تخريباًً وتخريفاًً
______________________________________________________
يقول العلامة إبن خلدون :" إعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم فى أخلاقهم، والأنبياء فى سيرهم. والملوك فى دولهم وسياستهم. حتى تتم فائدة الإقتداء فى ذلك لمن يرومه فى أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة،ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المذلات والمغالط لأن الأخبار إذا أعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تُُحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال فى الإجتماع الإنسانى، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرًًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط فى الحكايات والوقائع. لإعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاًً أو ثمينًًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة فى الأخبار، فضلوا عن الحق وتاهو فى بيداء الوهم والغلط".
وربما تكون العودة إلى تلك العبارات اليسيرة للعلامة إبن خلدون ضرورة تاريخية؛ بعد أن فشت الصنمية المعرفية، والرفض الجاهل، واستشرت حركات الرجعية الفكرية الأقرب إلى الوثنية، تمسكاًً بتراث تكون عبر قرون من الإعتماد على جهل المتلقى أو غبائه، وهو الأمر الذى عملت المؤسسة دوماًً على ترسيخه، من خلال فقهاء السلطة، والأزمة والكارثة إنما تتبدى ليس فى التعدى على العقول فحسب، وإنما الأمر يتجاوز حدود قمع الفكر وسحق كل محاولة للفهم أو إعادة طرح ما تم تلقينه دون وعى خلال قرون من السخف والإستخفاف بالعقول، إنما يتجاوز الأمر ذلك إلى الإفتراء على النصوص المقدسة، ورب تلك النصوص المقدسة، ولنأخذ مثلاًً بسيطاًً، وليكن المثل فى قصة الهجرة الشريفة وما ألم بسرد وقائعها من تحريف وتخريف.
والسؤال: ما المعجزة فى هجرة النبى محمـد بن عبد الله (ص)؟ المعجزة تتبدى فى عمى مؤقت يصيب به الله سبحانه وتعالى المتأمرين أمام بيته (ص) ثم أمام غار إختبائه (ص) وصاحبه.
وما الحقيقة المستخلصة عند تدبر هذا العمى المؤقت؟ الحقيقة المستخلصة هى: بيان طبيعة علاقة الإنسان بقدرته. فإن علاقة الإنسان بقدراته؛ ومنها القدرة على الإبصار إنما هى علاقة إنتفاع لا ملكية، فنحن ننتفع بقدرتنا ولا نملكها، ومن قال غير ذلك فهو جاهل مشهود له بالجهل ومن صدقه فهو أجهل منه. فما الهجرة إلا دليل وحدانية وتفرد الخالق عز وجل. فلا بد من مالك لقدرة الإنسان. إن إيماننا بكوننا لا نملك قدراتنا، فقط ننتفع بها فيما أراد لها مالكها، لهو البرهان الساطع والدليل القاطع على موجوديته تبارك وتعالى وتفرده وكمال قدرته سبحانه الملك.
وما الذى يقوله النص؟ النص يقول:" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون".
ومالذى لا يقوله النص؟ النص لا يقول حمام أو عناكب أو أشجار أو كرامات. ما الذى أخفى الحكمة وعطل الفهم إذاًً ؟ ومَن الذى جهل بالحقيقة وستر أصل الأصول كلها؟ لتقديم إجابة على كل تلك الأسئلة تعين علينا أن نعيد النظر فى حكاية الهجرة إعادة ناقدة بغية تلمس أوجه العبس بأذهاننا والتدليس على عقولنا، ليس فقط فى تلك الحكاية بل كى نعمم منهجها على كل ما قُُذف فى عقولنا ولو بحسن نية. بيد أن حسن النية ليس دوماًً سبباًً كافياًً لقبول كوارث فكرية تهدد وجودنا الذهنى نفسه.
فمن المعروف تاريخياًً أن رسول الله (ص) بُعث بالرسالة وهو فى سن الأربعين، ومكث عشرة سنين يوحى إليه، حتى أُُمِرَ بالهجرة، فهاجر عشر سنين، ومات وهو إبن ثلاث وستين، وما نعبء به فى مقامنا هذا هو مسألة هجرته (ص) وبالأخص(حتى) باب الغار، وما تسربلت به من سربال التحريف والتخريب والتخريف الذين شابوا التاريخ المدرسى جله؛ فاختلط النص بالتراث "بمعناه السلبى جدا" وراح (الدين الوضعى) سابحاًً فى زيف الأساطير، فغابت العلة وحُُجِبَت الحكمة.
إن الحد الأدنى المتفق عليه تاريخياًً فى حكاية الهجرة إنما يتحصل فى أن قريشاًً وبعد أن ترامى إلى مسامعها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوى إلى أهل المدينة بمعاهدتين، يوليو621م، ويونيو622م، وخشية أن تقوى شوكة دعوته صلى الله عليه وسلم، أخذت تُنزل بأصحابه(ص) أشد أنواع البلاء وشتى طرائق الإيلام وصنوف العذاب، مضيقة عليهم كل الضيق؛ فهرع المؤمنون إلى الرسول(ص) مطالبن بالهجرة، فراراًً بأنفسم وعقيدتهم. فظل صلى الله عليه مسلم صامتاًً لا يُُقدم لهم رداًً، حتى أُُذِنَ له بقوله، الوارد فى البخارى:"أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين". فشرع المؤمنون فى الهجرة إلى المدينة، وتبعهم من كان فاراًً إلى أرض الحبشة، ولم يتخلف معه صلى الله عليه وسلم إلا على وأبو بكر (وهما من أصحاب الأدوار التاريخية فى الرواية كما سنرى) ومن صار لا يقوى على الهجرة، أو لا يتمكن، قهراًً، منها.
الأن قد صار مستقراًً فى نفس القبائل(وليس فى نفس قريش فقط) أن القضاء على الدعوة إنما يبدأ من حيث القضاء على الداعية، فلن يلبث إلا مهاجراًً لأصحابه، ناظماًً جيشاًً، جامعاًً على حربهم، راداًً عليهم الصفعات، باسطاًً لدعوته، بما يستتبع الإطاحة بجميع المكاسب التى حققتها قريش بالأخص على الصعيد التجارى. فكان يوم الزحمة، وليجتمع:
- أشراف بنى عبد شمس.
- وبنى نوفل.
- وبنى عبد الدار.
- وبنى أسد، وبنى مخزوم.
- وبنى سهم.
- وبنى جمح، وغيرهم. ويروى: أنه لم يتخلف من أهل الرأى والحجا أحد.
وفى دار الندوة، مكان إجتماعهم، تشرع الحكاية فى تصعيد نفسها إلى مستوى أكثر تقدماًً؛ إذ يظهر إبليس فى صورة شيخ من نجد، عليه طليسان من خز، وقيل من صوف، ويُُحكى أنه فعل هذا فى ملبسه ليقبل منه ما يُُشير به، لأن أهل الطيالسة عادة من أهل الوقار والمعرفة. ولينعقد مجلس المؤامرة، برئاسة أبليس شخصياًً.
وليتداول صناديد قريش الرآى بشأن الإطاحة بتلك الدعوة التى ستنزلهم من عليائهم، إطاحة بالداعية(ص)، وما بين:
- رآى الحبس لأبو البخترى بن هشام.
- وبين رأى النفى للأسود بن ربيعة.
- وبين رأى القتل بتفريق الدم لأبو جهل بن هشام.
يَنعقد إجماع المجتمعون، بإيعاز وحضور شخصى،لا وسوسة، من شيخ نجد، الذى هو الشيطان شخصياًً، على سداد رأى أبو جهل بن هشام، وإذ كانت ليلة 27 من شهر صفر، سنة 14 من النبوة، للتأريخ الذى إختاره المباركفورى(صاحب الرحيق المختوم) الموافق12/13/622م تبدأ وقائع الهجرة، وتتلألأ معها الأساطير كتلألأ اللؤلؤ فى بحر مملؤ باللألىء !!
أن البداية تدفعنا دفعاًً صوب الريبة، وتقودنا كى نتلمس سبق إصرار على إتلاف أذهاننا، إن التصوير الكلاسيكى النموذجى واضح تماماًً لدى الصاغرجى، فى كتابه: رحمة للعالمين، إذ يروى:"... ففى عتمة الليل إجتمعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصدونه حتى ينام، فيثبوا عليه، وليقف أبو جهل ساخر بين هؤلاء الأكابر يقوله المعروف، ونصه عند إبن هشام: " إن محمداًًًًً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجُعِلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بُُعثتم من بعد موتكم، ثم جُُعلت لكم ناراًًً تحرقون بها".
هكذا بداية السرد الروائى: يقف المتأمرون على باب محمد(ص) فى إنتظار نومه حتى يقتلوه، والمبادرة الحركية تأتى من عند محمد (ص) وهكذا أراد الراوى، وربما لم تتكمن ذهنيته من إيجاد المخرج لمأزق المشهد إلا بإدخال شخصية الرسول (ص) فى الأحداث، فالأن حان وقتها؛ إذ الأشرار قد تحددوا مكانياًً وزمانياًً وحركياًً... واقفين ليلاًً أمام منزل الرسول (ص)فى إنتظار نومه والسؤال، من الذى كان بباب الرسول (ص) ؟
طبقاًً لزاد المعاد، كان هناك كل من:
- أبو جهل بن هشام.
- والحكم بن أبى العاصى.
- وعقبة بن معيط.
- والنضر بن الحارث.
- وأمية بن خلف.
- وزمعة بن الأسود.
- وطعيمة بن عدى.
- وأبو لهب.
- وأبى بن خلف.
- ونبيه بن الحجاج.
- وأخوه منبه بن الحجاج.
فهل هؤلاء السادة فى حاجة لإنتظار نومه صلى الله عليه وسلم كى يقتلوه؟ أحد عشر كبيراًً من أكابر القبائل بباب خصمهم الأعزل (من كل شىء) وقد عقدوا عزمهم على ماعقدوا، ينتظرون نومه؛ حتى يزهقوا روحه؟ البداية لا تطمئن!! ويتعين فوراًً إيجاد صيغة تبريرية لهذا الإنتظار غير المفهوم.
الأن فهمنا؛ يرقد الأمام على، فى فراش النبى(ص) كى يخرج هو (ص) مهاجراًً. المبرر إذاًً كان إتاحة الفرصة لظهور تاريخى بطولى للإمام على بن أبى طالب.
وليخرج رسول الله (ص) مخترقاًً صفوف المتآمرين، وليأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤسهم، هكذا حُُكيت، وفى حكاية أخرى: جعل ينثر التراب على رؤوسهم، فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه تراباًً.
وإبن حبان فى صحيحه، والحاكم فى مستدركه، لهما رواية من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس (لاحظ رجال سلسلة تلك الحكاية) أنه قال:"دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكى فقال: ما يبكيك يا بنية ؟قالت: يا أبت ومالى لا أبكى وهؤلاء الملأ من قريش فى الحجر يتعاهدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك. فقال: يا بنية أتنى بوضوء. فتوضأ صلى الله عليه وسلم وخرج إلى (المسجد) فلما رأوه قالوا ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت بين أيديهم فلم يرفعو أبصارهم فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها، وقال: شاهت الوجوه. فما أصاب منهم رجلاًً حصاة من حصياته إلا قُُتل يوم بدر كافراًًً" .
وبخلاف أننا، وبلا خجل، لا نعرف شيئاًً من أمر المسجد هذا الذى كان إليه ذاهباًً محمد (ص) فمكة لا تعرف للإسلام حينئذ مسجداًً. فما هى الفكرة العبقرية الكامنة فى ذلك التراب المنثور؟هل هو عادة عربية نجهلها معناها إلحاق الخزى والعار بالمتربصين المتأمرين؟ أم هو الذى أنامهم؟ أم هو من دواعى الخلق الأسطورى والإثارة؟
القرآن الكريم، لا يحدثنا سوى عن إعجاز واضح، لقد أعمى الله، عز وجل، أبصار المتآمرين. لقد أطلق الله قدرته فأعماهم حتى يمر رسول الله (ص) وبلا أن يعبء بإبراز المشهد، ومن ثم لا يذكر لنا شيئاًً من أمر التراب، أو إنتظار المتآمرين لنومه (ص).
المهم، سيخرج الرسول(ص) من داره، كى يتوجه إلى دار أبى بكر؛ وليخرجا الإثنان مهاجرين سالكين الطريق المعاكس إلى المدينة وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه ناحية اليمن. يقول الصاغرجى:" وإنما سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال، حتى بلغ إلى جبال تُُعرف بجبال ثور، وهذا جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذا أحجار كثيرة، فحُُفيت قدماًً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُُقال: بل كان يمشى فى الطريق على أطراف قدميه كى يخفى أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان، فقد ((حمله)) أبو بكر رضى الله عنه حتى بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به إلى غار فى قمة الجبل، عرف فى التاريخ بغار ثور".
وفى هذا الغار ستحدث واقعة أخرى لا تقل فى الخيال عن باقى الحكايات الغريبة؛ فلسوف ينام الرسول (ص) على رجل صاحبه، ولم يستيقظ إلا بسبب دموع أبى بكر التى تساقطت على وجه (ص) فما الذى حدث كى يبكى أبى بكر؟ لقد لُُدغ الصديق!! ولم يرد أن يُُوقظ رسول الله (ص) والبقية معروفة!! فقط نؤكد: لُُدغ الصديق (الذى هو إنسان) من حية موطنها شبه الجزيرة العربية، ولم يتحرك، كل ما أصابه هو الألم!!
ولنعاود السماع إلى راوينا الذى يسعى إلى إكمال نسجه، فيُُخرج لنا عناكب وحمام وأشجار، ومن قبل ثعابين وحيات حينما لدغ الصحابى الجليل من أحد حيات صحراء شبه الجزيرة ولم يُُحرك ساكناًً، حتى صار وعينا، الزائف، متشكلاًً على نحو رابط مابين هجرة الرسول (ص) وبين أسطورة العنكبوت والحمامتين الراقدتين، بل أن البعض وهم كثرة، لا يجدون غضاضة فى إعتبار تلك الأسطورة شعاراًً، قل لوجو (بلغة الإنحطاط اللغوى) للهجرة تكاد تطغى على الآية المعجزة فى الهجرة وتحجبها حجباًً شنيعاًً. فماذا لدى راوينا؟
فى الواقع لم يعد لدينا راو واحد، الأن صارو ثلاثة رواة بالتبع ثلاث روايات:
الأولى تقول بأنهم لما إنتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم: أدخلوا الغار. فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد،أى لو دخل الغار محمد صلى الله عليه وسلم لإنفتح ذلك العنكبوت،ثم جاء قبالة فم الغار فبال.
وفى الرواية الثانية يرى الراوى أنه لما فقد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، شق عليهم ذلك وخافوا، وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها، وبعثوا القافة فى كل وجه يقفون أثره، فلما كانوا على أربعين ذراعا (أنظر التحديد!!) تعجل بعضهم ينظر فى الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين مع العنكبوت.
أما مع الراوى الثالث وروايته؛ فيُُعدل مكان العنكبوت بعد إدخال شجرة، فطبقاًً لراوينا الثالث يصير المشهد كالتالى: فلما دخلا الغار أمر الله سبحانه تعالى شجرة، فنبتت فى وجه الغار، فسترته بفروعها، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجاًً متراًًكما بعضه على بعض، وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين، فوقفتا بفم الغار.
طبعاًً القرآن الكريم لا يُُخبرنا عن عناكب أو حمام وحشى ولا حتى أشجار، لأن كل ذلك ما هو إلا محض خيالات ضلالية فى ذهنية أصحابنا، ولأنها لم تحدث فلم تذكر، وإن حدثت لذُُكرت؛ فهى لا تقل فى الأهمية الإعجازية والتعجيزية على سواء عن إنشقاق القمر مثلاًً، فكما ذكرت معجزة شق القمر، كان من المتعين ذكر الحمام والعنكبوت والشجر، ولكن لم تذكر، لأنها ليست لها وجود، الذى له وجود فقط هو التخريف.
لقد أخفى الراوى، بل الرواة، الرسالة الموجهة لعموم البشر فى حادثة الهجرة، فلابد فى مذهب الراوى، بل الرواة، وكما أن بدأت الهجرة المباركة بمعجزة، فلا مناص من أن تمر بمعجزة، وتنتهى، ببلاهة، بمعجزة.
فى جامع الأحاديث، حاديثان، ليسا بمتواترين:
أولهما ويُُنسب إليه (ص) أنه قال: جزى الله العنكبوت عنا خيراًً فإنها نُُسجت على الغار. الحديث على إفتراض قوة سنده وثقة رجاله، يجعلنا نسأل: ولما لم يدع النبى (ص) للحمام من باب أن الشىء بالشىء يذكر؟
الحديث الثانى وهو كذلك كسابقه منسوب إليه (ص) إذ قال: "العنكبوت شيطان فاقتلوه. فبأيهما نعمل؟ وفى أيهما نصدق؟
لقد أخفى الراوى، بل الرواة، الرسالة، الموجهة لعموم البشر فى حادثة الهجرة، وهى أن طبيعة علاقة الإنسان بقدراته هى علاقة إنتفاع وليس ملكية، إذ تظل قدرات البشر فى يد خالق عظيم يفعل بها وفيها ما يشاء، وهذا هو بالتحديد ما حدث؛ مع القدرة على الإبصار؛ فلم يقدر المتأمرون على رؤية المار أمامهم؛ لأن ملك القدرة، ومالكها، باشر سلطانه على ملكه وقرر أن يمر النبى(ص)أمامهم دون أن يروه، وإن واقعة الإغشاء المذكورة فى الأيات إنما تشمل خروجه (ص) من بيته، وولوجه وصاحبه الغار.
إضافة:
إن المأسى التى نتجرعها سماًً منذ إرتماء الفقهاء فى أحضان السلاطين، لا تتوقف عند حدود حمامة وعنكبوت، وإنما تعاملت مع الرواية كمثل للتكوين التاريخى للتخلف على الصعيد الإجتماعى، ولقد سبق وأن قمت بالكتابة الموسعة فى هذا الموضوع منذ خمسة عشر عاماًً، وتركته منذ ذلك الحين مسودات، إلى أن أمسكت بـ "قتل الإسلام وتقديس الجناة" للمبدع الجرىء وضاح صائب، ووجدت من واجبى المساهمة، ولو الضئيلة، فى مشروعه التنويرى، فقمت بتلخيص ما جاء بالمسودات القديمة حتى خرج على النحو الذى بين أيدينا الأن.
أقول إن المآسى التى نحياها كمسلمين (سنة، وشيعة) إنما لا تتوقف عند حدود الحمام والعناكب وإنما تمتد إلى كوارث، نذكر منها على سبيل المثال:
- إبتناء أحكام عقائدية على مرويات وأحاديث كاذبة لواحد من أكبر الكذابين والوضاعين للحديث فى تاريخ المسلمين، أبو هريرة.
- القرأن ليس مُُعجٍز لغوياًً، فكتاب نهج البلاغة يتفوق عليه لغة وفصاحة وبلاغة.
- مسلمة الحنفى، الذى سمته المؤسسة بمسيلمة الكذاب، كان على حق.
- الإنجيل لم يُُحرف، والنصارى ليسوا بكافرين.
- تم تجميع (بله التراث برمته) فى كتاب البخارى، وباقى المسانيد لا تقل فى خرفها.
- الكفر واجب بهذا النبى الذى يتزوج بفتاة لم تجاوز العشر سنوات، أي نبى هذا؟
- إن النبى العظيم(ص) تزوج السيدة عائشة وهى فى سن الثامنة عشر، تلك هى الحقيقة التاريخية.
- إن النبى العظيم (ص) لم يتزوج سوى خمس نساء، وليس إحدى عشر إمرأة.
إن تراث الدين الوضعى إذا هو المسئول، لا النص. على كل كوارث العالم الإسلامى الفكرية.
بالفعل ما أحوجنا إلى الطريقة التى فكر بها ابن خلدون. كم نحن بحاجة إلى عقول مفكرة رافضة لوثنية الفكر وصنمية الرأى أيا ما كان مصدرهما.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- االإقتصاد السياسى هو علم فائض القيمة
- بصدد 25 يناير
- خواطر وأفكار أستاذنا العلامة محمد دويدار(الجزء الثانى)
- خواطر وأفكار أستاذنا العلامة محمد دويدار
- الإقتصاد السياسى كعلم إجتماعى
- الإقتصاد المصرى والإقتصاد الإسرائيلى، فى أرقام
- القيمة لدى ادم سميث
- التحريف تخريبا وتخريفا
- الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية، إهداء من تشافيز إلى أوب ...
- فنزويلا كما صورها جاليانو
- فنزويلا ليست إيران
- كولومبوس وفجر العالم الرأسمالى
- شبح يخيم على أوروبا/ رفائيل ألبرتى
- عالمية العلاقات الإقتصادية لدى روزا لوكسمبورج
- أدم سميث
- خواطر حول أرسطو وقانون القيمة
- الكندى
- فرنسوا كينيه
- خواطر حول إبن خلدون وقانون القيمة
- نحو طرح منهجى علمى لإشكالية تحريف الأناجيل (1)


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - تراث البله