أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالباسط سيدا - وفي مصراته ينتشر الموت لتنتصر الحياة














المزيد.....

وفي مصراته ينتشر الموت لتنتصر الحياة


عبدالباسط سيدا

الحوار المتمدن-العدد: 3329 - 2011 / 4 / 7 - 18:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تعود صلتي بمصراته المدينة الليبية الجميلة التي يتحاور فيها النخل والبحر إلى ما قبل العقدين من السنين المنصرمة تقريباً، إلى عام 1992 تحديداً، ففي ذلك الحين تلقيت عرضاً من رئيس قسم الفلسفة (أو التفسير كما كانوا يسمونه في ليبيا) في كلية الآداب بمصراته، جامعة التحدي(مركزها سيرت)، وذلك أثناء تدريسي في قسم الفلسفة بزليتن جارتها، وكان عليّ بموجب العرض أن أدرّس مادة فلسفة التاريخ والحضارة. ترددت في بداية الأمر انطلاقاً من عامل الوقت، لكنني لم أتمكن لاحقاً من رفض طلب الصديق الكريم.
كنت أسافر إلى مصراته مرة في الأسبوع؛ وكان المشوار بالنسبة لي نوعاً من التغيير والاسترخاء والتحرر بعض الشيء من إرهاق العمل في زليتن. ولكن مع الوقت بدأت أتعرف على معالم المدينة، وأقيم العلاقات مع بعض أبنائها بفعل أصدقاء أعزاء كانوا يسكنون المدينة وما زالوا، وأتمنى أن يسلمهم الله من أي مكروه.
مصراته مدينة جميلة مفتوحة على البحر والصحراء، على الشرق الليبي وغربه؛ مدينة تزهو بنشاطها الاقتصادي، فيها مصنع الحديد والصلب الشهير، وفيها المعامل الأساسية الخاصة بالذهب في ليبيا؛ كما أن أبناءها من التجار في كل من بنغازي وطرابلس يتمتعون بمكانة مرموقة وسمعة ممتازة في الحياة الاقتصادية.
من جهة أخرى، تعتز المدينة بوطنييها ومثقفيها وسياسييها. وما لاحظته دائما في أبناء مصراته تواضعهم، شهامتهم، قدرتهم على التواصل الإنساني بنبل وصدق؛ وإلى جانب هذا وذاك، حبهم لمدينتهم موضع فخرهم واحترامهم.
مصراته مدينة لا يملّ المرء منها؛ تتسم بطابعها العمراني الخاص، كما تتميّز بسيادة الأبيض الناصع فيها ، تتصف المدينة بطقسها المعتدل ومناخها الاجتماعي المتوازن.
كانت استراحة الحديد والصلب الموقع المفضل بالنسبة لي؛ هناك كنت أتأمل البحر، وأمعن النظر في النخل، وأصغي إلى الحوار الصامت بينهما، حوار تعبّر به النفوس عن اختلاجات أعماقها بعيداً عن ثرثرة الفكر اليومي وترهاته.
أما المكان الأثير الآخر الذي لن أنساه في مصراته فهو فندق "قوز التيك" حيث الاستراحة التي كنا نلتقي فيها مجموعة من الأصدقاء، نتبادل الآراء والطرائف، نختلف، نتفاهم، نضحك؛ لكننا لم نكن ندري أبداً، ولم لم يكن مقدورنا قط، أن نتخيل أن مصراته بالذات ستكون مكاناً لأشرس المعارك بين أبناء البلد الواحد؛ ومن أجل ماذا؟ من أجل بقاء دكتاتور معتوه في سدة الزعامة الوهمية؛ دكتاتور أنهك البلاد على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ويطلب المزيد له ولأبنائه. دكتاتور يعتقد جازماً أن البلد ملك له، لذلك فهو يقاتل بكل شيء أهله الذين لا يرتقون وفق هلوساته الشيطانية إلى مصاف البشر.
كلية الآداب في مصراته كانت متواضعة بإمكانياتها، لكنها كانت ثرية بطموح طلبتها الذين كانوا على دراية تامة بأن الطريق الأمثل لتجاوز الواقع غير المرغوب يتجسد في المعارف والعلوم، لذلك كنت ترى فيهم الحماس والذكاء، والمتابعة العنيدة المؤدبة، على الرغم من قساوة الظروف، والكبت بأوسع معانيه.
في السنة الثانية والأخيرة من عملي في مصراته، أشرفت على رسالة تخرّج لإحدى طالباتنا حول فلسفة الموت. وما زلت أذكر السؤال الذي طرحته على أحلام، صاحبة الرسالة - وكانت طالبة نجيبة بحق تنتمي إلى أسرة كريمة معروفة في مصراته- لماذا الموت وليس الجمال؟ فمصراته جميلة بكل المقاييس. وكان جوابها هو أن الموت في منظورها همٌّ وجودي مصيري، وهي تود أن تبحث في مسألة الموت من جميع جوانبها؛ فأدركت أن جذور الاختيار راسخة، كما أن استشفا فاته مشروعة جديرة بالبحث.
تُرى هل كانت أحلام تستشرف المستقبل الذي بات بكل أسف واقعاً سبّب لنا جميعاً الصدمة؟
قبل سنتين كنت في زيارة خاصة إلى ليبيا، وذلك لقضاء إجازة الربيع هناك. توجهت إلى مصراته بشوق امتلك كياني بأسره؛ دخلت المدينة بفرح طفولي بعد أربعة عشر عاماً من الغياب؛ بداية لم أتعرف على المعالم، فكل شيء كان قد تغيّر.
ذهبت إلى استراحة الحديد والصلب لأتواصل من جديد مع حوار البحر والنخل. كانت لحظات سعيدة حقاً نادرة عشتها مع مياه المتوسط وهوائه السحري؛ ومرة أخرى لم يكن في استطاعتي التكهن بأن الموت سيدفع بكتائبه لتنقضّ على مصراته - دُرّة المتوسط- انتقاماً لعقد زعيم يماهي بين ذاته والمجد، وإرضاء لشهوات زمرة من اللصوص المفسدين.
ومرة أخرى أتساءل: تُرى هل تابعت أحلام بحثها في ميدان فلسفة الموت، وما هي النتائج التي يمكن أن تكون قد توصلت إليها؟
ولكن في كل الأحوال لا بد من القول: إن العالم بأسره يتحمّل وزر ما تتعرض له مصراته وغيرها من المدن الليبية الأبية من انتقام حاقد أرعن؛ حاقد لم يفقه بعد أن إرادة الشعوب هي الوجه الآخر من إرادة الله.



#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفي درعا أزهر الربيع السوري
- من وحي ثورة الشعب الليبي: الصادق النيهوم مفكّر المستقبل
- من وحي ثورة الشعب الليبي: الصادق النيهوم مفكر المستقبل
- و سيُرحّل الزعيم ولكن ماذا بعد؟
- الصمت في مواجهة ما يتعرض له الشعب الليبي جريمة
- يوم توشحت كوباني بالسواد
- كان عاشقاً متميّزاً من عشّاق الكُرمانجية
- وقائع يوم نرويجي
- عامودا .. مدينة الأنفة والمعرفة
- تركيا: المحكمة الدستورية في مواجهة الحكومة الشرعية
- سورية: النجاح الخارجي مقابل القمع الداخلي
- حل المسألة الكردية في تركيا .. استحقاق كبير ...
- موقع السحر من العلم في بلاد ما بين النهرين
- ما هي الأسطورة: دراسة في المصطلح 2/2
- سورية: المشروع الوطني هو الحل
- ما هي الأسطورة؟
- الحرية للكاتب فاروق حاج مصطفى وسائر سجناء الضمير في سورية
- جائزة أوصمان صبري ومعاناة الشعب الكردي في سورية
- انتفاضة قامشلي المباركة في ذكراها الخامسة
- كمال مظهر باحث أصيل متجدد 2/2


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالباسط سيدا - وفي مصراته ينتشر الموت لتنتصر الحياة