أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاكر النابلسي - ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟















المزيد.....

ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 10:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ما ضرورة الدولة "السلطوية" المستنيرة؟
شغلت ضرورة وجود الدولة "السلطوية المستنيرة" والحاكم المستبد العادل، جزءاً كبيراً من الفكر السياسي العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين. وامتد هذا الانشغال إلى بدايات القرن الحادي والعشرين. وكانت البدايات في القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني، الذي كان أول من أثار هذه المقولة متأثراً بالفكر الغربي، الذي كان على اتصال مباشر به، من خلال إقامته في باريس، وتبنَّاها من بعده الشيخ محمد عبده، كما كان عبد الرحمن الكواكبي، قد قال بها في كتابه "طبائع الاستبداد". وظلت هذه المقولة قائمة حتى الآن. وتبنَّاها حكام كثيرون في العالم العربي ممن سقطوا، وممن ينتظرون السقوط.
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
وكان الأفغاني، قد قال في عهد سادس حكام مصر الخديوي توفيق (1852-1892)، وفي أحداث ثورة عُرابي 1881: "لن تحيا مصر، ولا الشرق بدوله، وإماراته، إلا إذا أتاح الله لكل منها رجلاً قوياً عادلاً يُحكِّمُه بأهله، على غير تفرد بالقوة والسلطان". وهو لا يعني هنا – كما هو واضح - تأييد الاستبداد السلبي الديكتاتوري الفاسد والمتسلط، كما شهدناه في كثير من البلدان العربية كتونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، وغيرها من البلدان العربية، التي بدأت تُشعل الثورات الشعبية تباعاً. وقول الأفغاني "على غير تفرد بالقوة والسلطان"؛ يعني عدم الحكم بالدكتاتورية الفردية المطلقة. فالسلطةُ المطلقة مفسدةٌ مطلقة.

تشخيص عوائق الديمقراطية
استطاع الفكر العربي المعاصر، أن يُشخِّص عوائق تحقيق الديمقراطية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن هذه العوائق، عوائق فكرية تتلخص بوجود عائق حضاري، يحول دون تحقيق الديمقراطية العربية، لكون بُنية الفكر العربي اتباعية وليست إبتداعية. وأن بعض المفكرين ما زال ينادي بالحاكم المستبد العادل على طريقة الخليفة عمر بن الخطاب، التي أشار إليها في القرن التاسـع عشر الشيخ محمد عبده.
بين الاستبداد و"الاسترشاد بالعدل"
لقد استطاع بعض المفكرين الإسلاميين أن يبرر فكرة "الاستبداد العادل"، المستوحاة من سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، الذي يلقبونه بـ "المستبد العادل". فالخليفة الراشدي – كما هو معروف - استبد برأيه العادل حين حرَّم المؤلَفة قلوبهم من حصتهم في الفيء، رغم نص القرآن الكريم على ذلك. كما استبدَّ عمر برأيه العادل حين منع المُلكية الخاصة لسواد العراق، وجعلها مُلكاً لمن سيأتي من بعد من الأجيال، وليس لجيل الفاتحين فقط. ولكن هذا ليس بالاستبداد - كما نعلم - بقدر ما هو "الاسترشاد بالعدل"، حين يرى العادل العدل، ولا يراه غيره، من المنتفعين وأصحاب المصالح، الذين لا رأي صحيحاً لهم. فيصبح العادل هو الراشد المسترشد بعقله، وليس القائد المستبد برأيه. وما المستبد دائماً إلا طاغية من الطغاة، وظالماً من الظالمين. وعلينا قراءة تاريخنا بوعي تام، وليس بطريقة "القراءة البليدة في المطالعة الرشيدة".
فالوعي مطلوب دائماً قبل السعي.

"المستبد العادل" بين الديمقراطية والشورى
إضافة لذلك، فإن الموقف السلفي، يرفض الديمقراطية الغربية، لأن كثيراً من قيمها يتناقض والقيم الإسلامية السياسية، التي تدعو إلى "المستبد العادل"، وأن الشورى تعمل برأي "أهل الحل العقد"، وفي مقدمتهم "علماء الدين" الحاملين للواء الموقف التراثي نفسه، والذين يُعتبرون "ورثة الأنبياء" وأصحاب السلطة العليا في المجتمع.

عوائق أخرى للديمقراطية
كما أن التفكك الفكري العربي، وفقدان الفكر العربي قدرته على وضع يده على الواقع الفعلي للأمة العربية، كانا من الأسباب الفكرية الأخرى لعوائق التقدم الديمقراطي. وقال بعض المثقفين، إن هناك عائقاً حضارياً، يحول بيننا وبين تحقيق الديمقراطية. فبُنية الفكر العربي بُنية اتباعية وليست إبداعية، وثابتة وليست متحوِّلة، ومتحجِّرة وليست مرنة، ومقيّدة وليست حرة، وأبواب الاجتهاد فيها مغلقـة وليست مفتوحة. ونحن بالتالي، "أمة القيود والسدود، ولسنا أمة الطيور بلا حدود". والديمقراطية هي الحرية في كل مرافق الحياة.
ضرورة المستبد العادل
كذلك، فمن عوائق الاستحقاق الديمقراطي، أن كـان هناك في الثمانينات بعض المفكرين الذين لا يزالون ينادون بضرورة وجـود المستبد العادل، كما نادى الباحث والناشط السياسي المصري عادل حسين في ندوة "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي"، التي عُقدت في قبرص عام 1983. وكان الشيخ محمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر، قد أطلق مقولة "المستبد العادل" ونادى بها كما سبق، ونادى بها جمال الدين الأفغاني. وقال سعد الدين إبراهيم في نهاية القرن العشرين، مبرراً وجود "المستبد العادل":
" إن كان هناك سبب لهذا التنظير، فهو اليأس من النضال، والكفاح الشعبي والديمقراطي، الذي دفع هؤلاء إلى التطلع إلى زعيـم ملهم، كأداة لتحقيق مشروعهم الحضاري". ("أزمة الديمقراطية في الوطن العربي"، ص 246).

ضرورة المرحلة "السلطوية" للديمقراطية
كان المفكر التونسي العفيف الأخضر، من أوائل الذين ساهموا بإنارة ما يدور الآن في العالم العربي من رياح ثورية صاعقة، إنارة تاريخية علمية عميقة، وخاصة ما جرى في مصر وتونس. وهو يرى، أن القراءة العلمية التاريخية لما جرى، يقتضي منا أن "لا نضحك كثيراً للقادمين، وألا نبكي كثيراً على السابقين". وإنما علينا أن نعي أولاً، ونفهم. فالوعي دائماً قبل السعي. ومن هنا، كان إنصاف العفيف، حين تحدث عن سلبيات وايجابيات الدولة "السلطوية"؛ أي التي يحكمها حاكم عادل مستبد، والتي انهارت في تونس بعد ثورة 18/12/2010، وانهارت في مصر بعد ثورة 25/1/2011.
والعفيف يقرُّ حقيقة تاريخية واقعة وهي، عدم وجود حالة واحدة في التاريخ، مرَّت بها أمة إلى الديمقراطية قبل المرور بالمرحلة "السلطوية". وما فعلته النُخب الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين في الغالب، هو تحويل النظام السلطوي تدريجياً إلى نظام ديمقراطي، كما فعلت انجلترا، وليس تدميره كما فعلت فرنسا.
ويؤكد العفيف على أن السعي إلى الديمقراطية، لا يعني دائماً الاستقرار الديمقراطي، بقدر ما يمكن أن يقود الى الفوضى في بعض الأحيان، ويدلل على ذلك بقوله:
"كما أن نهاية النُظم السلطوية لم تكن دائماً مرادفة للدخول في الديمقراطية، بل في الفوضى، كما حدث في أمريكا اللاتينية في السنوات 1980، و1990."

لكي لا تنتهي الثورة الى فوضى
يقول الفيلسوف الهولندي سبينوزا: "لا مدعاة للضحك ولا للبكاء ولكن علينا أن نفهم." والفهم لا يأتي إلا بالوعي. فقد سبق لبعض الفقهاء أن قالوا: "الوعي قبل السعي".
إذن، لا مدعاة للفرح لنهاية الأنظمة "السلطوية"، ولا للبكاء عليها، كما يقول العفيف. والمطلوب هو توفير أكبر كمية من الضمانات، حتى لا تُفضي نهاية الثورة إلى فوضى وحرب أهلية. ويُعدد العفيف بعض هذه الضمانات:
1- تحقيق الوحدة الوطنية، التي لا تستثني أحداً، لتأمين الانتقال، إن لم يكن إلى الديمقراطية - بما هي انتخابات نزيهة، وتداول سلمي على الحكم، وفصل السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية- فإلى دولة القانون، بما هي استقلال القضاء، وحرية الإعلام.
2- التأني في تطبيق الديمقراطية، وأخذ خطواتها بالتدرج الحذِر. فنظرة سريعة على تكوّن وتطور الديمقراطية عبر مسار تاريخي تدريجي طويل، يساعد على فهم ما جرى، ويجري أمامنا اليوم في العالم العربي. ففي أوروبا - مهد الديمقراطية- سادت، خاصة في القرن السابع عشر، الدولة الملكية المطلقة. وهي مطلقة بمعنى أنه لا وجود لحد مؤسساتي لسلطانها، ولا لمعارضة، أو نقاش. المَلِك فيها يجمع بين يديه جميع السلطات، ويستمد شرعيته من "الحق الإلهي". ولكن هذه الدولة الملكية المطلقة لم تظهر صدفة، بل كانت تلبية لحاجة اجتماعية، وهي وضع حد للفوضى المستشرية، بسبب الحروب الداخلية الدائمة بين العائلات الإقطاعية الكبرى، والحرب بين النبلاء والبرجوازية الغنية، التي كانت تعيق انتقال التجار من إقطاعية لأخرى، وتعيق تالياً التنمية الاقتصادية، وتوطيد الدولة المركزية على حساب التذرر الإقطاعي.
3- إننا في العالم العربي، بحاجة إلى العوامل التي كوَّنت وطوّرت الحضارة الحديثة في الغرب. وهذه العوامل تتمثل في تحويل أفكار فلاسفة الأنوار إلى قرارات ملكية. كما فعل الملوك المستبدون المستنيرون (الحكومات "السلطوية" المعاصرة المستنيرة). فكان "الاستبداد المستنير"، يسترشد في سياسته بالفكر الفلسفي والاقتصادي لعصره، فوجد في فلاسفة التنوير سنداً ثميناً ساعده على تحقيق انجازات اجتماعية حملت بذور زواله. وبذا، تعاونت قوة الأفكار الفلسفية مع قوة القرار السياسي على إخراج أوروبا الغربية تدريجياً من العصور الوسطى إلى العصر الحديث.
أما في وقتنا الحاضر، فتقوم معاهد ُصنع القرار مقام فلاسفة الأنوار. وهو ما نحتاجه الآن في العالم العربي، خاصة بعد ثورتي تونس ومصر.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوير الفكري في الحالة العربية
- الشاويش صالح: الى الخلف دُرْ!
- سوريا -بيضة قبّان- الثورة العربية
- لا هوان لمصر في يوم الامتحان
- لماذا يتعفف الإخوان حتى الآن عن الحكم؟
- نيرون الألفية الثالثة يتحدى العالم!
- مقتل الثورة الليبية في البيت الأبيض
- شاكر النابلسي في حوار مفتوح حول: انفجار البراكين العربية
- عن جذور التنوير الفكري والديمقراطية
- عودة الروح للعرب بعد غياب طويل
- ما تكوين عقل شباب 25 يناير؟
- مصر: ثورة أم انقلاب عسكري؟
- ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
- الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
- العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
- مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
- مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
- هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
- مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
- ثورة تونس الخضراء


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاكر النابلسي - ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟