أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم رمزي - الجنة المرفوضة














المزيد.....

الجنة المرفوضة


إبراهيم رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 3327 - 2011 / 4 / 5 - 14:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجنة المرفوضة
نقرأ في مخطوط: "نزهة المتأمل وبغية المتأهل" للسيوطي، نص الخبر التالي:
روي أن فاطمة بنت رسول الله، قالت لعلي: حين أراد أن يزوجني بك، [قال]: يا فاطمة، هل ترضين أن أزوجك من علي على صداق أربعمائة درهم؟ قلت: رضيت عليا، ولا أرضى بصداق أربعمائة درهم. فجاء جبريل عليه السلام، وقال: يا رسول الله، يقول الله تعالى: جعلت الجنة وما فيها صداقا لفاطمة. قلت: لا أرضى. قال: فما تريدين؟ قلت: أريد أمتك، لأن قلبك مشغول بهم. فرجع جبريل ثم جاء بهذا الكاغد - يعني الكاغد الذي دفن معها في قبرها - مكتوب فيه: جعلت شفاعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم صداق فاطمة. فإذا كان يوم القيامة، آخذ هذا الكاغد، وأقول: إلهي بهذا قبلت أمة محمد.

تساؤلات:
استشارة فاطمة في الزواج أعطى جوابا غير مألوف، حيث لم يكن "سكوتا للإشعار بالرضى" مثلما هو متعارف عليه - مجتمعيا - بالنسبة للبكر. وتصرفت كالثيب التي تؤامِر في شأنها، وبدأت في "المساومة، والأخذ والعطاء".
فاطمة نزوع إلى الرفض. فرفضها الأول كان موجَّها للنبي برفض قيمة الصداق المعروض. ورفضها الثاني كان لحكم إلهي. فهل من حقها كمسلمة مؤمنة أن تخالف أباها/ النبي - صاحب رسالة الإسلام -، وأن تعصى أمر الله تعالى: "جعلت الجنة وما فيها صداق فاطمة"، بل تتطاول على الله وتراجعه في أمره، وترد بجفاء: لا أرضى، وكأنها تساجل ندا، أو تتصرف كطفلة لعوب تمارس غنجها في مواجهة من يستلذ دلالها، ويستعذبه، ويستزيدها منه.
الطبع البشري يدفع بالمتفاوض إلى رفع سقف مطالبه في البداية، ثم يشرع في خفضها خلال مرحلة التفاوض من أجل الوصول إلى حل ""مُرْضٍ" أو "وسط". وفاطمة كانت خلاف ذلك، فقد عرض عليها أسمى ما يمكن عرضه وهو "الجنة وما فيها" ولكنها ترفضها، وتطالب بما هو أقل منها: "أمة محمد" والتي لا تشكل - حاليا - حتى رُبع أمم الدنيا. تناقض غريب جدا، ترفض شيئا "ماديا" إلهيا سماويا ساميا، وتتعلق بشيء "معنوي" بشري متواضع.
لعل الفكر الإسلامي يريد منا اعتبار ذلك تضحية كبرى من فاطمة: تزهد في "الجنة" من أجل "فداء" أمة. ولو أقررناهم على هذا التفكير، لكنا بصدد خلق صورة إسلامية تضارع الصورة المسيحية، صورة عيسى الذي رضي أن يتحمل - بمفرده - خطايا المسيحيين، ويفتديهم بنفسه.
فاطمة تستهين بالله تعالى، وتستهين بأبيها النبي، وتعتبرهما "ناقصين" معرّضيْن لنسيان التزاماتهما أو التنكر للعهود، ولذلك لا تطمئن حتى تحصل على "كاغد" يوثق ذلك الالتزام. وهو الكاغد الذي لن يفارق يدها حتى في قبرها، لتظهره يوم القيامة. فهل هذه الصورة تضارع أيضا ما عرف عند المسيحيين باسم "صكوك الغفران"؟
نقرأ: فجاء جبريل. ولو تساءلنا عمن استدعاه لكان الجواب هو: الله الذي أرسله، لعلمه بوقوع "أزمة" تقتضي التعجيل بإرسال جبريل فورا لحلها قبل أن تستفحل وتتعقد، لأنها تهدد مصير أمة المسلمين "أجمعين"، وتنذر بالقضاء على دينهم الحنيف.
كان "الوحي" يتأبّى على النبي لأمد قد يطول أحيانا - وهو أشد ما يكون إليه احتياجا -، مما جعله يمر بفترات عصيبة، عانى فيها من الاكتئاب، إلى درجة التفكير - مرة - في الانتحار. ومع ذلك كان الوحي "ينقطع أو يتأخر" - مكابرة أو اختبارا-. لكنه في حدث "كزواج فاطمة" يتفضل بعرض خدماته دون تقديم طلب أو مرور بفترة انتظار.
ونفهم أن جبريل غادر ثم عاد. فنتساءل: إلى أين غادر؟ وكم استمر غيابه؟ وهل سبب غيابه "نقص" في التفويض المخول له لإيجاد الحل، ومن ثَم عليه "مراجعة الدوائر العليا، ومصادر القرار"؟ هل غادر إلى مكان قريب للاتصال "لا سلكيا" بالسماء؟ أم اختلى بنفسه لوضع خطة جديدة لمواجهة تعنت فاطمة؟ أم توجه إلى السماء ثم عاد قاطعا – ذهابا وإيابا – مسافة تقدر بملايين السنوات الضوئية، في وقت وجيز، "قبل أن يرتد إلى القوم طرفهم" ولمّا يبرحوا مكانهم؟
وحين عاد كان معه الكاغد، فما مصدر هذا الكاغد؟ أهو منتوج في السماء فيستحق أن ينال "تقديسا" خاصا؟ أم مصنوع في الأرض على يد البشر؟ وبالتالي فلن يصمد إلى يوم القيامة، لأنه معرض للتلف تبعا لعوامل التأثير.
ثم من كتب فيه؟ وهل المحتوى كتبه على الأرض إنسان؟ أو كتِب في السماء؟ وفي الحالة الأخيرة يمكن اعتباره "رسالة سماوية"، وبذلك ففاطمة صارت تنافس أباها في نزول الوحي "المكتوب" عليها، بينما النبي لم يعرف إلا الوحي الشفهي. غير أن هذا الظن لا يثبت بالنظر إلى صيغة المحتوى: "جعلت شفاعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم صداق فاطمة". فالله بعزته وعظمته وجلاله يستعمل - بتواضع كبير- ضمير المفرد للدلالة على ذاته، في مقابل إسماء وإعلاء صورة كائن من مخلوقاته، وعبد من عباده، يخصه بالصلاة والسلام، وبإرضاء "غرور/ كبرياء" ابنته "المدللة". المحتوى - إذن - إنشاء نمطي بشري.
لم يعش أبناء النبي الذكور ليكون أحدهم حامل المشعل بعده. وبدَهي أن تحل كبرى بناته على رأس قائمة آماله في امتداد نسبه ومشروعه، ومن ثم ميزها بوصفه لها: "إنها بضعة منه تنطق بالحكمة"، ولكن "حكمة" البنت شطت بها إلى التطاول على اختصاصات أبيها، ومنازعته فيما يعتبر من أعمدة نبوته التي أقنع بها الناس، وهي: "الشفاعة" لأمته. وفاطمة لا تريد أن تعتبر "شفاعتها" من قبيل: "كلام الليل يمحوه النهار"، بل هي شفاعة موثقة على صك "لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
يبدو الخبر وكأنه يريد أن يقنعنا أن فاطمة تزهد في "شيء مادي" من أجل "شيء معنوي"، ولكن هذا "المخدر اللذيذ" لا يثبت أمام معطيات التاريخ، إذ يكفي معرفة مواقف فاطمة - بعد موت أبيها - حين جُردت من بعض الامتيازات المادية - بمرجعية قول أبيها: نحن الأنبياء لا نرث ولا نورث - وصراعِها من أجل نصيبها من تركته.
السؤال الأخير:
السيوطي، العالم الثبْت، أورد الخبر بالبناء للمجهول: رُوِي. ولم يكلف نفسه عناء تمحيصه وتدقيقه، ربما لأن الهدف من الخبر: "تخديري"، "تملقي"، أخلاقي، تعليمي، ... كما هو شائع في أخبار السيرة.
فهل ناسج هذا الخبر خدم به الإسلام؟ أم أساء إليه، وإلى رموزه؟



#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم رمزي - الجنة المرفوضة